أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم البيئية

هل تستطيع الأعداد المتزايدة من البشر تأمين غذائها؟

هل تستطيع الأعداد المتزايدة من البشر تأمين غذائها؟

مع اندفاع عدد سكان الأرض نحو العشرة بلايين نسمة، بعض الخبراء قلقون

والآخرون متفائلون، فأيهما أصح؟

<J. بونگارتس>

 

يتوقع الديموغرافيون(1) في الوقت الحالي أن يتضاعف عدد سكان العالم خلال الخمسين سنة المقبلة من 5.3 بليون نسمة عام 1990 إلى أكثر من عشرة بلايين عام 2050. تُرى كيف ستستجيب البيئة والبشرية لهذا النمو الذي لم يسبق له مثيل؟ إن آراء الخبراء تنقسم إلى وجهتي نظر. فعلماء البيئة والمهتمون بشؤونها، الذين نشرت آراؤهم على نطاق واسع بوساطة وسائل الإعلام الإلكترونية والمطبوعة، ينظرون إلى الموضوع على أنه كارثة وشيكة الحدوث، حيث يرون أنه لكي يتم توفير الطعام لهذه الأعداد المتزايدة من السكان فلا بد أن يقوم المزارعون بتكثيف الدورات الزراعية، التي قد تؤدي بدورها إلى تلفٍ جسيمٍ في البيئة. فمواردنا الطبيعية وكذلك البيئة تنوءان الآن نتيجة الزيادة السكانية التي حصلت في الماضي، وسوف تنهاران تحت وطأة هذه الحاجة في المستقبل.

 

ومن ناحية أخرى، فإن المتفائلين، ومن بينهم الكثير من علماء الاقتصاد وبعض علماء الزراعة، يؤكدون أن الأرض تستطيع بسهولة أن تنتج أكثر من الطعام اللازم لأعداد السكان المتوقعة عام 2050. وهم يؤكدون بأن التطور التقاني والاستثمار المستمر لرأس المال البشري سيؤديان بالضرورة إلى ارتفاع مستوى المعيشة في أنحاء كثيرة من الكرة الأرضية، حتى ولو ازداد عدد السكان على العدد المتوقع وهو عشرة بلايين نسمة. والآن، أي من وجهتي النظر ستسود؟ وما الشكل الذي سيكون عليه مستقبل كل من الجنس البشري والبيئة؟

 

يخشى كثير من المهتمين بشؤون البيئة من أن المتوفر من الغذاء في العالم حاليا قد وصل إلى حالة خطيرة. يقول الزوجان <R .P. إرليك> و <H.A. إرليك> في كتاب “الانفجار السكاني” الصادر عن جامعة ستانفورد عام 1990: “إن أعداد البشر في طريقها للاصطدام بمجاعات رهيبة.. وإذا فشلت جهود البشر في التصرف فإن الطبيعة ستقوم بالقضاء على الانفجار السكاني بوسائل مكروهة جدا، وذلك قبل أن يصل عدد السكان إلى 10 بلايين نسمة”. ويعتقد السيد والسيدة إرليك والخبراء الذين يتفقون معهما في الرأي أنه من المستحيل تماما حدوث نمو كبير في إنتاج الغذاء على المدى البعيد. ويقول <R .L. براون> (رئيس معهد Worldwatch) في البحث الذي قدمه: “إننا نطعم أنفسنا على حساب أطفالنا، فالمزارعون باستطاعتهم تكثيف الزراعة وتكثيف الري على المدى القصير فقط. وبالنسبة لكثير من المزارعين فقد أوشك هذا المدى القصير على الانتهاء”.

 

ويشير هؤلاء المؤلفون إلى أنه في خلال الثلاثين سنة الماضية أدت المجهودات الضخمة إلى مضاعفة الإنتاج الزراعي. وفي الواقع، فقد ازدادت الكمية الإجمالية للمحاصيل الزراعية بصورة هائلة خلال تلك الفترة. ففي الدول النامية ارتفع إنتاج الغذاء وسطيا بنسبة 117 في المئة، وذلك ما بين عامي 1965 و1990. وقد كانت الإنجازات التي تمت في قارة آسيا في هذا المجال أفضل بكثير من مناطق أخرى كانت الزيادات فيها أقل من المتوسط.

 

وبسبب الزيادة السريعة في عدد السكان، شهدت نسبة الغذاء لكل فرد تغيرا طفيفا. وفي الواقع، إن هذا الإنتاج قد انخفض في أفريقيا. ونتيجة لذلك، أخذ عدد السكان الذين يعانون سوء التغذية يزداد في معظم أنحاء العالم النامي على الرغم من أن هذا العدد قد انخفض بالفعل من 844 مليونًا إلى 786 مليونًا خلال الثمانينات. ولكن هذا الانخفاض يعكس تحسنا ملحوظا في الأوضاع الغذائية في قارة آسيا فقط. وفي الفترة نفسها ارتفع عدد الأفراد الذين يعانون سوء التغذية في أمريكا اللاتينية والشرق الأدنى وأفريقيا.

 

وفي الواقع، إن كثيرا من العوامل الاجتماعية تتسبب بوجود مجاعات، ولكن أصحاب النظرة التشاؤمية يؤكدون أن ضغط السكان على النظم الاقتصادية الهشة يؤدي دورا بارزا. فهناك قضية معينة وهي أن الأراضي الصالحة للزراعة بدأت تتناقص.

 

فإذا كان الأمر كذلك، فإن الجهود الحالية لرفع إنتاج الغذاء لكل فرد بوساطة استصلاح المزيد من الأراضي الخصبة لن يكون أمامها خيارات كثيرة. فقد زادت مساحة الأراضي الصالحة للزراعة بسرعة كبيرة ما بين عامي 1850 و1950 لكي تستوعب هذا العدد المتزايد من السكان.

 

وكذلك الطلب الأكثر إلحاحا على الأنواع الأفضل من الغذاء. ثم بدأ هذا التوسع بالانحسار حتى توقف تماما في أواخر الثمانينات. وفي الدول المتقدمة كما في بعض الدول النامية (وخاصة الصين) بدأت مساحة الأراضي المزروعة بالانخفاض خلال الثمانينات. وإلى حد كبير، يعود السبب في هذا الانخفاض إلى أن انتشار المراكز الحضرية قد ابتلع الأراضي الزراعية الخصبة، أو إلى هجرة المزارعين للأرض بمجرد استنزافها. وقد هرب المزارعون أيضا من الأراضي المروية التي توقف إنتاجها بسبب تراكم الأملاح.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N1_H02_004588.jpg

توفر حقول الأرز (والمنشورة هذه في إندونيسيا) الغذاء الرئيسي لأكثر من نصف سكان العالم. وفي أجزاء كثيرة من قارة آسيا تمنع التضاريس المزارعين من استخدام المعدات الميكانيكية في الزراعة. إن حرث وزراعة فدان واحد من الأرز يتطلب 1000 ساعة عمل. ومع ذلك، فإن الدول الآسيوية تنتج حاليا أكثر من 90 في المئة من إجمالي ما تتم زراعته من الأرز.

 

إضافة إلى ذلك، فالمهتمون بشؤون البيئة يصرون على أن تآكل (تدهور) التربة يدمر كثيرا من الأراضي المتبقية. وموضوع الجدل هنا هو إلى أي مدى وصل هذا الدمار. هناك تقييم عالمي تم مؤخرا بإشراف برنامج الأمم المتحدة للبيئة وإعداد معهد الموارد العالمية وبعض الجهات الأخرى. وهو يقوم بعرض وجهة نظر معينة، إذ تقرر هذه الدراسة بأن 17 في المئة من الأراضي التي ترتكز عليها الزراعة في أنحاء العالم قد فقدت قيمتها على مدى خمس وأربعين سنة ماضية.

 

ويشتمل هذا التقدير على التآكل الذي سببته كل من المياه والرياح وأيضا التدهور الكيميائي والفيزيائي، ويقوم بترتيب درجة تآكل التربة من درجة طفيفة إلى درجة شديدة. وهذا التآكل يعتبر أقل انتشارا في أمريكا الشمالية (5.3 في المئة) وهو أكثر انتشارا في أمريكا الوسطى (25 في المئة) وأوروبا (23 في المئة) وأفريقيا (22 في المئة) وآسيا (20 في المئة). وفي معظم هذه المناطق لا يستطيع المزارع العادي أن يجمع الموارد الضرورية لإعادة التربة المتوسطة الإنتاجية والتي تأثرت بشدة إلى مستوى الإنتاجية الكاملة. لذا فإن احتمالات الوصول إلى نتائج معاكسة لتآكل التربة ليست أكيدة، ومن المتوقع أن تتفاقم هذه المشكلة.
وعلى الرغم من فقدان وتآكل الأراضي الخصبة، فإن “الثورة الخضراء” قد عززت حصة الفرد من إنتاج الغذاء وذلك بزيادة المحصول لكل هكتار. وقد تكاثرت الأنواع الجديدة من الحبوب ذات الإنتاجية العالية مثل القمح والأرز منذ بداية زراعتها في الستينات وخاصة في آسيا. وعلى أي حال، فللحصول على الفائدة القصوى من هذه الأنواع المختلفة من المحاصيل الجديدة، يجب على المزارعين استخدام كميات وفيرة من الأسمدة والمياه.

 

ويتساءل المهتمون بشؤون البيئة عما إذا كان التحول بصورة أكبر إلى مثل هذه المحاصيل يمكن إنجازه بتكلفة معقولة وخاصة في العالم النامي حيث تشتد الحاجة إلى زيادة الإنتاج. وحاليا، فإن المزارعين في آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا لا يستخدمون الأسمدة إلا في نطاق ضيق جدا، إما بسبب ارتفاع أسعارها أو لصعوبة الحصول عليها. وقد تناقص استخدام الأسمدة حديثا في الدول المتقدمة. وفي الواقع، إن أسباب هذا التناقص متشابكة ومعقدة وربما تستمر لفترة مؤقتة، ولكن من الواضح أن المزارعين في أمريكا الشمالية وأوروبا قد وجدوا أن زيادة استخدام الأسمدة المستعملة بطريقة مكثفة لن تؤدي إلى وفرة في إنتاج المحاصيل.

 

الإنتاج المطلوب من المحاصيل الزراعية عام 2050 

 الأفراد الذين يعانون سوء التغذية المزمن

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N1_H02_004589.jpg

انخفض مدى تأثير سوء التغذية المزمن في العالم النامي مما يقارب 844 مليون شخص كانوا يعانونه عام 1979 إلى 786 مليونا عام 1990، مما يقدم دليلا على التحسينات الهائلة التي طرأت على التغذية في قارة آسيا (في اليسار). ويجب أن يستمر التحسن في الإنتاجية الزراعية لمواصلة هذا الاتجاه (في اليمين). وحتى لو زادت مساحة الأراضي المزروعة عام 2050، فلا بد أن يزيد متوسط ناتج المحصول زيادة كبيرة، ليوفر للعدد المتوقع من سكان العالم الثالث وهو 8.7 بليون شخص كمية الغذاء الحالية والبالغة 4000 حريرة كل يوم.

 

ولسوء الحظ فإن نظم الري ـ التي يمكن أن تساعد الكثير من الدول النامية على الانضمام إلى الثورة الخضراء ـ غالبا ما تكلف الكثير لإنشائها. وفي كثير من المناطق يكون الري ضروريا جدا لإنتاج المحاصيل الوفيرة ولتحويل الأراضي القاحلة إلى أراض صالحة للزراعة ويحمي المزارعين من الإيذاءات الكامنة في التغيرات الطبيعية في الطقس. ومن الممكن استخدام أراض تمت حراثتها بهذا الأسلوب في زراعة الكثير من المحاصيل، وبالتالي الإسهام في زيادة إنتاج الغذاء.

 

إن هذه المميزات تمت معرفتها منذ بداية ممارسة مهنة الزراعة، حيث إن أقدم نظم الري تعود إلى ما قبل آلاف السنين. ولكن جزءا ضئيلا من الأراضي المنتجة هي التي يتم ريها في العالم النامي، واتساع رقعتها يتم بدرجة أبطأ من نمو عدد السكان.

 

وبالتالي، فإن نسبة مساحة الأراضي التي يتم ريها لكل فرد قد تضاءلت خلال العقود الماضية. ويعتقد المتشائمون أنه من الصعب إيقاف هذا الاتجاه، فنظم الري قد تم إنشاؤها في أكثر المواقع إنتاجا، وإن الأمل في نشرها يقل أمام ارتفاع النفقات. إضافة إلى ذلك، فإن ازدياد الطمي في السدود والخزانات وازدياد الأملاح في التربة التي سبق ريها لا يمكن تجنبه أو رده إلى الاتجاه المعاكس إلا بنفقات باهظة.

 

ويشير عالما البيئة السيد والسيدة إرليك إلى أن الزراعة الحديثة بطبيعتها في خطر حيثما تُمارَس، فالتماثل الوراثي لعدة سلالات نباتية عالية المحصول مزروعة على مساحات واسعة يجعلها ذات إنتاجية عالية، ولكنه يجعلها أيضا معرضة بصفة خاصة لهجوم الحشرات والأمراض. والوسائل الوقائية ـ التي يتم استخدامها حاليا، مثل رش المبيدات وتعاقب المحاصيل ـ ما هي إلا حلول جزئية. فالعوامل المُمْرِضَة التي تتوالد بسرعة تشكل تحديا مستمرا.

 

ولا بد للمشرفين على تربية النباتات من الاحتفاظ بترسانة واسعة من جينات المحاصيل، وذلك بجمع وتخزين الأنواع الطبيعية المختلفة وباستنباط أنواع جديدة في المخابر (المختبرات).

 

الأثر المحتمل للاحترار العالمي في الزراعة

تشير البراهين العلمية إلى أن أثر الدفيئات (الصوبات) النباتية في ارتفاع درجة حرارة الكون سيكون بطيئا ولكنه مهم إذا ما استمر ازدياد انبعاث الغازات من هذه الدفيئات مثل غازات ثنائي أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النتروجين والكلوروفلوروكربون. والزراعة بطريقة مباشرة، أو على الأقل في بعض الحالات، غير مباشرة مسؤولة عن إطلاق نسبة كبيرة من هذه الغازات. وردود فعل السياسات للنتائج العكسية المحتملة للتغير الشامل في الأحوال المناخية تركز الآن بصورة مبدئية على منع انبعاث الغازات وليس التخلص منها. ولكن إذا ما نظرنا إلى الحاجة في الوقت الحاضر إلى رفع مستويات المعيشة وإنتاج المزيد من الطعام لأعداد السكان الهائلة، فإن هناك شكًّا من قبل الخبراء في إمكانية خفض انبعاث الغازات في المستقبل القريب.

وفي الدراسة الصادرة عام 1990 من قبل الهيئة المشتركة للحكومات المعنية بدراسة التغييرات المناخية، تبين أنه خلال القرن القادم سيرتفع متوسط الحرارة العالمية بمقدار ثلاث درجات مئوية. وتتنبأ الدراسة بازدياد حجم الزراعة إلى حد كبير. وهذا التنبؤ بالتغير في درجة الحرارة ليس على وجه اليقين، ولكن هناك الآن اتفاق عام على ارتفاع درجة حرارة الجو في المستقبل. ومع ذلك فإن تأثير ارتفاع درجة الحرارة هذا في المجتمع الإنساني سيبقى سؤالا بلا إجابة.

وتقترح <C. روزنزوليگ> (من جامعة كولومبيا) و<l.M. پاري> (من جامعة أكسفورد) أن الاحترار العالمي إما أن يؤدي إلى زيادة الزراعة أو يصبح عقبة تعترض سبيلها. فإذا ما توفر الماء والضوء فإن ازدياد درجات كثافة ثنائي أكسيد الكربون المحيطة والتي يمتصها النبات أثناء عملية التمثيل الضوئي، سوف يقوم بوظيفة الأسمدة ويؤدي إلى تيسير عملية النمو في بعض أنواع النبات. وإضافة إلى ذلك، فإنه بإطالة المدة بين آخر صقيع في فصل الربيع وأول صقيع في فصل الخريف، سيكون ازدياد حرارة كوكبنا مفيدا للزراعة في المناطق الباردة، حيث تكون فترة نمو النبات قصيرة، كما يحدث في كندا والمناطق الشمالية من أوروبا والاتحاد السوفييتي سابقا. وعلاوة على ذلك فإن الهواء الأكثر دفئا يحتفظ بقدر أكبر من بخار الماء، وبالتالي فإن ازدياد حرارة كوكبنا سوف يؤدي إلى الإكثار من التبخر وهطول الأمطار. وبذلك تستفيد من المناخ مناطق يكون إنتاج المحاصيل فيها محدودا بسبب الشروط المناخية المجدبة بدلا من أن يتسبب مناخها الأصلي في الحد من إنتاج المحاصيل.

وعلى أي حال، إذا لم يتزامن التبخر المتزايد الناتج من التربة والنبات مع هطول الأمطار الغزيرة في منطقة ما، فسوف يتكرر حدوث فترات كثيرة من الجفاف والقحط. وسوف يؤدي المزيد من الارتفاع في درجة الحرارة إلى خفض المحاصيل الزراعية في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية حيث تكون بعض المحاصيل قد تم نموها فعلا عند مدى الحرارة المناسب لها. وعلاوة على ذلك فإن بعض الحبوب تحتاج إلى درجات منخفضة في الشتاء من أجل البدء في عملية الإزهار. وبالتالي فإن فصول الشتاء الأدفأ في المناطق المعتدلة قد تطيل فترات النمو وتؤدي إلى انخفاض المحاصيل. وأخيرا، فإن زيادة حرارة كوكبنا سوف تحدث تمددا حراريا في مياه المحيطات وتؤدي إلى إذابة الجليد القطبي. وربما يؤدي ارتفاع مستوى مياه البحار إلى غمر الأراضي الزراعية المنخفضة وإحداث زيادة في تركيز الأملاح في المياه الجوفية الساحلية.

والأساليب المستخدمة لجعل المناخ في صورته النموذجية ليست متطورة بما يكفي للتنبؤ بمدى توازن هذه التأثيرات في مناطق محددة. وأحدث دراسة تحليلية لتأثير تغير المناخ في مخزون الغذاء في العالم، قام بها كل من روزنزوايگ و پاري عام 1992، تفيد أن متوسط الإنتاج العالمي للغذاء سينخفض بمقدار 5 في المئة بحلول عام 2060. وهما يتوقعان حدوث انخفاض أكبر إلى حد ما في الدول النامية وبالتالي تفاقم المشكلات المتوقع حدوثها عبر محاولات إطعام أعداد السكان المتزايدة. وعلى النقيض، فإن هذه الدراسة تتنبأ بارتفاع طفيف في الإنتاج الزراعي في الدول المتقدمة الواقعة على خطوط العرض البعيدة والأقل بعدا من خط الاستواء.

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N1_H02_004590.jpg

 

ولا ينكر المتفائلون أن كثيرا من المشكلات توجد داخل نظام توفير الغذاء. ولكن كثيرا من هؤلاء الخبراء، مثل <G.D. جونسون> و <H. كاهن> و <R.W. براون> و <R. ريڤل> و <V. سميل> و <L.J. سيمون> و <L. مارتيل> يعتقدون بأنه من الممكن زيادة مخزون الطعام في العالم بصورة كبيرة ومن الغريب حقا أنهم يستمدون حماسهم من انتهاج الاتجاهات نفسها التي تزعج بشدة هؤلاء الخبراء الذين يتوقعون النهاية المشؤومة. وفي الحقيقة، تبين الإحصاءات أن متوسط الاستهلاك اليومي للفرد من الحريرات (السعرات الحرارية) قد ارتفع بنسبة 21 في المئة (من 2063 إلى 2495 حريرة) ما بين عامي 1965 و 1990 في الدول النامية. وهذه الحريرات العالية قد زودتهم عموما بكميات أكبر من البروتين. وفي المتوسط فإن استهلاك الفرد من البروتين ارتفع من 52 إلى 61 غراما في اليوم ما بين عامي 1965 و 1990.

 

وفي ضوء ما يعتقده المتفائلون، فليس فقط أن الواقع الغذائي في العالم قد تحسن تحسنا مهما في العقود الماضية، بل إن إحداث نمو أكبر بطرائق مختلفة أصبح ممكنا. وتشير الدراسة المفصلة لأحوال المناخ والتربة في 93 دولة نامية (باستثناء الصين) إلى أنه من الممكن زراعة ما يقرب من ثلاثة أضعاف مساحة الأراضي التي تتم زراعتها حاليا، أي ما يعني 2.1 بليون هكتار.

 

وتبين التقديرات الإقليمية للتربة أنه في الجزء المتاخم للصحراء الكبرى الأفريقية وأمريكا اللاتينية، يمكن استثمار المساحات الشاسعة من الأراضي غير المستغلة أكثر ما تستطيع ذلك آسيا والشرق الأدنى وشمالي أفريقيا.

 

وحتى في المناطق التي تندر فيها كميات الأراضي الصالحة للزراعة فإنه من الممكن زراعة المحاصيل عدة مرات كل سنة أكثر مما هي عليه الحال الآن. وينطبق هذا بصفة خاصة على المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، حيث تكون درجة الحرارة متوازنة نسبيا طوال السنة وكذلك طوال ساعات النهار، وبذلك ينمو أكثر من محصول واحد. وفي الوقت الحالي، يُجنى في آسيا ما يقرب من ضعف المحاصيل التي تجنى في أفريقيا، ولكن من الممكن تحقيق زيادة أكبر في جميع المناطق الأخرى.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N1_H02_004591.jpg

ارتفع إنتاج الغذاء الإجمالي بمقدار 120 في المئة تقريبا ما بين عامي 1965 و1990 في العالم النامي. وقد أظهر إنتاج الغذاء بالنسبة للفرد تغيرا طفيفا في المناطق الواقعة خارج آسيا (في الأعلى). وقد أدى تآكل (تدهور) التربة إلى خفض قيمة معظم الأراضي في أنحاء العالم، التي كان يتم إنتاج الغذاء فيها (في الوسط). ولكن كثيرا من دول العالم الثالث لديها ممتلكات شاسعة من الممكن زراعتها بنجاح إذا ما توافر لها المزيد من المياه والأسمدة (في الأسفل).

 

وإلى جانب الزراعة المتعددة، يمكن تحقيق إنتاجية أعلى لكل محصول، وخاصة في أفريقيا والشرق الأدنى. وفي الوقت الحالي تُجنى محاصيل أكثر للهكتار في العالم الأول عنه في أي مكان آخر: فقد بلغ متوسط إنتاج الحبوب في أمريكا الشمالية وأوروبا 4.2 طن للهكتار في حين بلغ 2.9 في الشرق الأقصى (4.2 في الصين) و 2.1 في أمريكا اللاتينية وطنا واحدا في أفريقيا.

 

ويلاحظ المتحمسون أن مثل هذه التحسينات في إنتاج المحاصيل يمكن تحقيقها بالتوسع في استخدام لا يزال محدودا للأنواع المختلفة من المحاصيل ذات الإنتاجية المرتفعة، إلى جانب استخدام الري والأسمدة. في مجلة “الزراعة العالمية: نحو عام 2000”. يقول <N. إليكزانداتوس> (من منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “FAO”): إن 34 في المئة فقط من البذور التي زُرعت خلال منتصف الثمانينات كانت من الأنواع ذات الإنتاجية العالية. وتدل إحصاءات المنظمة FAO على أنه في الوقت الحاضر يُروى نحو هكتار واحد فقط من كل خمسة هكتارات من الأراضي الصالحة للزراعة، وتُستخدم كمية قليلة جدا من الأسمدة، ونادرا ما تستخدم المبيدات الحشرية، ومن الممكن زيادة إنتاج الغذاء بطريقة فعّالة إذا ما تم التوسع في استخدام هذه الوسائل التقانية.

 

ويشير علماء الاقتصاد وعلماء الزراعة إلى أنه علاوة على إنتاج كميات أكبر من الغذاء فإنه من الممكن رفع مستويات الاستهلاك في العالم النامي وذلك بتقليل الفاقد من المحاصيل، وكذلك بالحد من الخسارة في عمليات التخزين والتوزيع. فما مقدار الزيادة الناتجة من اتباع هذه الإجراءات؟ في (تقرير عن الجوع: 1988) ذكر <W .R. كاتس> (مدير برنامج <sh .A. فينستاين> بجامعة براون) بأن الجنس البشري يستهلك 60 في المئة فقط من كل المحاصيل الزراعية، وتفقد ما بين 25 إلى 30 في المئة قبل الوصول إلى منازل المستهلكين. في حين تقدر المنظمة FAO، من الناحية الأخرى، ضياع كميات أقل من ذلك في عملية التوزيع: 6 في المئة بالنسبة للحبوب و11 في المئة للنباتات ذات الجذور و5 في المئة للبقول. ومع ذلك، فلا شك في أن تحسين نظم التوزيع والتخزين سيؤدي إلى توفير كميات أكبر لطعام الإنسان بصرف النظر عن إمكانية إنتاج الطعام في المستقبل.

 

وبالنسبة للمتفائلين، فإن الاتجاه البعيد المدى في أسعار الغذاء يشكل الدليل الأكثر إقناعا على صحة وجهة نظرهم. ففي الفترة من عام 1993 إلى 1992 أصدر “معهد الموارد العالمية” تقريرا يقول فيه: إن أسعار المواد الغذائية انخفضت كثيرا عن سعر معظم السلع غير الوقودية، التي هبطت كلها في السنوات العشر الأخيرة. وقد انخفضت أسعار الحبوب في السوق العالمية بما يقرب من الثلث، بين عامي 1980 إلى 1989 فقد تسببت المعونات الحكومية الضخمة التي قدمت للزراعة في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، وفائض المنتجات الزراعية في خفض الأسعار. ويؤكد المتفائلون أنه من الواضح زيادة العرض على الطلب لسكان العالم الذين تضاعفوا منذ عام 1950.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N1_H02_004592.jpg

قام المزارعون المصريون باستشارة المهندسين الزراعيين الإسرائيليين، بتحويل أكثر من 400000 فدان من أراض صحراوية إلى أراض زراعية غنية باستخدام نظم الري. وتنتج الآن المزارع في النوبارية محاصيل وفيرة من الفاكهة.

 

ومجمل القول، إن هذا الدليل يشير إلى أن الكثير من الخبراء لا يجدون عقبات كبيرة في طريق رفع مستويات التغذية لسكان العالم الذين يزيدون على 10 بلايين نسمة. فاحتمال الزيادة الهائلة في إنتاج الطعام أمر قائم، ولكن مدى تحقيقه يرتكز بطبيعة الحال على السياسات الحكومية الرشيدة وزيادة التجارة المحلية والعالمية والاستثمارات الضخمة في مجال البنية الأساسية والتوسع الزراعي. ويؤمن المتفائلون بأنه من الممكن تحقيق مثل هذه التحسينات دون إحداث دمار ـ من الصعب إصلاحه ـ في النظم الاقتصادية العالمية.

 

والمؤيدون لكل من وجهتي النظر المتعارضتين يصعب عليهم قبول وجهات نظر أخرى. إضافة إلى ذلك، فإن التناقض الشديد بين وجهتي نظر هؤلاء الخبراء يبين أنه لا يمكن أن يكون أي من الجانبين على حق تماما. ولكن ليس من الصعب وجود أساس مشترك بين هذين الموقفين المتضادين كما يبدو لأول وهلة إذا ما تم التركيز على النواحي التطبيقية (التجارب) ونبذ الاختلافات المهمة في نظم القيمة والمعتقدات السياسية.

 

ويتفق كلا الجانبين على أن الطلب على الطعام سيتزايد بسرعة خلال العقود المقبلة. ففي عام 1990 كان الفرد الذي يعيش في العالم النامي يتناول 2500 حريرة في المتوسط يوميا من إجمالي 4000 حريرية تتيحها المحاصيل الغذائية المتوفرة في المنزل.

 

والباقي من هذه الكمية البالغ 1500 حريرة، لم يستعمل في سد حاجات التغذية إما لفقده أو لأنه لم يكن صالحا للأكل أو لأنه استعمل طعاما للحيوانات أو بذورا للنباتات. ومعظم هذا الطعام تم الحصول عليه من مساحة 0.7 بليون هكتار من أراضي العالم النامي، أما الخمسة في المئة المتبقية من إجمالي إمدادات الغذاء فتأتي عن طريق الاستيراد. ولتوفير هذه الكمية من الغذاء ـ التي يبلغ إجماليها 4000 حريرة ـ لأكثر من ضعف عدد السكان أو ما يقرب من 8.7 بليون نسمة يعيشون في العالم النامي عام 2050 يجب زيادة المحاصيل الزراعية بنسبة 112% عما هي عليه الآن.

 

ولرفع مستوى الغذاء في العالم الثالث إلى نحو 6000 حريرة في اليوم، وهو ما يزيد قليلا على المتوسط العالمي عام 1990، فإن إنتاج الطعام يجب أن يزيد بنسبة 218 في المئة. وأيضا لرفع مستوى الغذاء في العالم الثالث إلى مستوى يقترب من المتوسط الموجود حاليا في الدول المتقدمة وهو 10000 حريرة في اليوم، فإن إنتاج الطعام يجب أن يرتفع بنسبة 430 في المئة.

 

ويمكن إنتاج كميات أوفر من الطعام في المستقبل عن طريق زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية كما حدث في الماضي. أما إذا ظلت المنطقة المزروعة في العالم النامي عند حد 0.7 بليون هكتار، فإن على كل هكتار أن يضاعف إنتاجه حتى يحتفظ بكمية الغذاء نفسها، وهي غير كافية أصلا لأعداد السكان المتوقعة في المستقبل. ولتوفير كمية الطعام المساوية للكمية التي كانت موجودة في الدول المتقدمة عام 1990، لا بد من مضاعفة إنتاج الهكتار إلى أكثر من ست مرات. ومن المستحيل عمليا تحقيق مثل هذا الأمر إلا إذا حدث تقدم هائل في تقانة الإنتاج الغذائي.

 

وبدلا من ذلك فإن المزارعين سيقومون بزرع مزيد من الأفدنة واستنبات مزيد من الغلال في الأرض نفسها كل سنة، لإكثار المحاصيل الزراعية. وتشير الاتجاهات السابقة إلى أن إجمالي مساحة المنطقة المزروعة ستزيد نسبته بنحو 50 في المئة بحلول عام 2050. وسيتحتم أن يوفر كل هكتار زيادة تقدر بنحو 50 في المئة من الحبوب أو ما يعادلها ليظل على مستويات توفير الغذاء الحالية نفسها. وبوساطة المزيد من المحاصيل يمكن إنتاج أغذية ذات مستويات أكثر جودة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N1_H02_004593.jpg

إن حاسوب جهاز القياس في الجرار، والذي يحتوي على خرائط تم الحصول عليها بوساطة الأقمار الصنعية، يستطيع إرشاد المزارعين للقيام بتحليل التربة واستخدام كميات وأنواع الأسمدة الخاصة بالمواقع المحددة. ومثل هذه التقانة توفر المال وتزيد الكفاءة.

 

والمتفائلون من علماء التقانة يصرحون بأنه من الممكن زيادة إجمالي إنتاج الغذاء في العالم إلى حد كبير خلال العقود القليلة المقبلة. فالإنتاج الحالي للمحاصيل الزراعية يقع تحت مستوى ما يرونه نظريا كحد أقصى، وإن نحو 11 في المئة فقط من الأراضي القابلة للزراعة في أنحاء العالم هي التي تتم زراعتها بالفعل في الوقت الحاضرر. وإضافة إلى هذا، فإن الخبرة التي تم اكتسابها مؤخرا في عدد من الدول النامية، مثل الصين، تقدم دروسا مهمة في كيفية الكشف عن هذه الإمكانية في أماكن أخرى. فالإنتاجية الزراعية تستجيب للسياسات ذات التخطيط المحكم، والتي تقدم المساعدة للمزارعين بتوفير الأسمدة المطلوبة ومصادر الطاقة الأخرى، وإنشاء البنية الأساسية السليمة وتوفير طرق التسويق. وسيؤدي المزيد من الاستثمارات في البحوث الزراعية إلى استنباط تقانات جديدة، ستقوم بتدعيم الزراعة في المستقبل. لذا فإن السؤال الرئيسي ليس هو كيفية إنتاج المزيد من الغذاء بل هو كيف يتم تنفيذ الأساليب الزراعية التي يمكن أن تؤدي إلى الإكثار من إنتاج الغذاء. وهناك مشكلة أكثر إثارة للمتاعب وهي كيفية إنجاز هذا التقدم التقاني مقابل نفقات مقبولة. وهنا تكمن الأهمية البالغة لتلك الحجج والبراهين التي يسوقها أولئك الخبراء الذين يتنبؤون بالمشكلة. ولا ريب في أن نوعية الأرض المستخدمة الآن في زراعة المحاصيل الغذائية أفضل من تلك الأرض الصالحة للزراعة والتي لم تستغل بعد. وبالمثل، فنظم الري القائمة حاليا تم إنشاؤها في أنسب المواقع. وبالتالي، فقد أصبح أي إجراء يراد تطبيقه لزيادة المحاصيل أغلى بكثير عند التنفيذ، وخاصة في العالم المتقدم وبعض بلدان العالم النامي مثل الصين، حيث الإنتاجية عالية المستوى أصلا. ونقول باختصار: إن مثل هذه القيود يتسبب في رفع التكلفة الهامشية لكل طن إضافي من الحبوب أو ما يعادله. وترتفع هذه الضريبة إذا ما أخذنا في الاعتبار بعض السلبيات، وأهمها التكاليف الخاصة بالحفاظ على البيئة التي لا تظهر في أسعار المنتجات الزراعية.

 

وقد يكون ثمن إهمال البيئة قاسيا جدا، والذي يرقى في رأي السيد والسيدة إرليك لتحويل الأرض إلى مجمع هائل لإطعام البشر. ومن المحتمل أن يؤدي التوسع الهائل في الزراعة، الهادف لتوفير الأغذية للسكان الذين يتزايدون باستمرار، إلى القضاء على الغابات وفقدان فصائل الأحياء وتآكل التربة والتلوث الناتج من استخدام المبيدات الحشرية، وكذلك ضياع الأسمدة كلما زادت الزراعة وأضيفت أراض أخرى إلى مجال الإنتاج. ومن الممكن تخفيض أو تقليص هذا الضغط من البيئة، ولكن ذلك سيكون مكلفا للغاية.

 

وبوجود الكثير من هذه الأسباب الغامضة، فإنه من الصعب جدولة وتحديد الاتجاه في أسعار الطعام في المستقبل. وعلى أقل تقدير، فإن ارتفاع التكلفة الحدية للإنتاج الغذائي سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار في السوق الدولية عما هي عليه الحال لو لم تكن هناك عقبات بيئية. ويبقى بعد ذلك قياس ما إذا كان بإمكان هذه النفقات الباهظة أن تعوض الهبوط التاريخي في أسعار الطعام.

 

إن ارتفاع أسعار الغذاء في وقت ما في المستقبل القريب هو احتمال قائم، ومن الممكن تقليل مثل هذا الارتفاع بالتطوير المستمر للتقانة الحديثة وتطبيقها، واستعادة وضع الإنتاج الزراعي والصادرات في الاتحاد السوفييتي “سابقا” وأوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية. وفي البحث الذي كتب عام 1992 عن “وجهات النظر العالمية في إنتاج واستهلاك الغذاء” يعتقد <P. بنستروب ـ أندرسون> (الأستاذ بجامعة كورنل) أن أي زيادة في السعر في المستقبل يمكن تخفيضها بالاستفادة من المصادر الزراعية القليلة الاستثمار في أمريكا الشمالية. وسيصبح ارتفاع الأسعار أقل تأثيرا في الدول ذات الدخول المرتفعة أو الأسر التي لديها قوى شرائية معقولة، ولكن المعاناة ستكون لمن هم أكثر فقرا.

 

وفي الحقيقة، إن مستقبل الإنتاج الغذائي العالمي لن يكون سيئا كما يعتقد المتشائمون، ولن يكون ورديا كما يدعي المتفائلون. والنتيجة الأكثر قبولا هي أن حجم استهلاك الغذاء سيرتفع في معظم المناطق.

 

ومن المحتمل بطبيعة الحال حدوث تقلبات سنوية كبيرة في توافر الطعام وفي أسعاره، فالكثير من العوامل بما فيها الطقس ومعوقات التجارة وتعرض الزراعة الأحادية للآفات، من الممكن أن تحدث تغييرا في توافر الطعام في أي مكان. فسوف يتم التوسع في الزراعة من خلال زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية، واستخدام الأراضي المزروعة حاليا بطريقة مكثفة، واستصلاح الأراضي القابلة للزراعة حيثما أثبت هذا الأمر جدواه الاقتصادية. وعلى أي حال، فسوف تتضح هذه الأوضاع بطريقة أبطأ من الماضي بسبب القيود البيئية. إضافة إلى ذلك، فإن الطلب على الطعام في الدول النامية يقترب من مستويات الإشباع. وفي الولايات المتحدة أدت الاهتمامات المتزايدة بالصحة إلى انخفاض استهلاك الفرد من الحريرات المأخوذة من المنتجات الحيوانية.

 

ومع هذا، فلن يكون التقدم على المستوى نفسه، فكثير من الدول ستكافح من أجل التغلب على مشكلة عدم كفاية الغذاء، وتنقسم هذه الدول إلى ثلاث فئات رئيسية، فبعض الدول ذات الدخول المنخفضة ليس لديها سوى احتياطي ضئيل من الأراضي الخصبة أو المياه أو لا تمتلك شيئا على الإطلاق. فعدم وجود الموارد الزراعية في حد ذاته ليس مشكلة مستعصية، كما يظهر بوضوح في بعض المناطق مثل هونغ كونغ والكويت، التي تستطيع شراء المواد الغذائية من السوق العالمية. ولكن كثيرا من الدول الفقيرة، مثل بنغلاديش، ليس لديها المقدرة على شراء الطعام من الخارج، وبالتالي تستعيض عن ذلك بالمصادر الطبيعية غير الكافية، ومن المحتمل أن تعتمد هذه الدول أكثر على المعونات الغذائية في المستقبل.

 

وهناك أيضا مستويات تغذية منخفضة في بلاد كثيرة، مثل زائير، التي تمتلك بالفعل احتياطيا هائلا من المياه والأراضي الصالحة للزراعة. وقد تسبب إهمال الحكومات للزراعة وفشل السياسات في إضعاف مستويات التغذية. كما يصف التقرير الذي صدر حديثا عن البنك الدولي الآثار المدمرة التي خلفتها الضريبة المباشرة وغير المباشرة في الزراعة، والقيود التي فرضت على الأسعار وعلى الوصول إلى الأسواق، وكذلك ارتفاع سعر العملات الذي يعوق التصدير ويشجع على الاستيراد. وفي أي مكان يعاني فيه الإنتاجُ الزراعي التدخلَ الحكومي الذي ينقصه التخطيط (خاصة في أفريقيا)، فإن الإصلاح السياسي يكون هو الحل الأمثل.

 

وسوف تظل هناك حاجة إلى معونة غذائية في المناطق الحافلة بعدم الاستقرار السياسي والصراعات الأهلية. ومن أشد المجاعات أثرا خلال السنوات العشر الماضية، المعروفة لدى مشاهدي التلفزيون حول العالم، هي تلك التي وقعت في المناطق التي تعاني حروبا أهلية طويلة، مثل أثيوبيا والصومال والسودان. وفي كثير من هذه الحالات كان القحط عاملا مهما في إثارة التمزق الاجتماعي والسياسي. كما حال تفاقم الصراع العنيف بين تعويض واستعادة الزراعة وتوزيع الطعام، وبالتالي تحولت المشكلات التي كان من الممكن معالجتها إلى كوارث. وسوف يسيطر الجوع وسوء التغذية في هذه المناطق التي تمزقها الحروب في غياب تسوية سياسية شاملة.

 

ولسد حاجة هذا العدد المتزايد من سكان العالم إلى الطعام، فإن النظام الغذائي ـ الذي تم تحسينه بمرور الوقت من حيث النوعية والكمية ـ يبدو محتملا من الناحية التقانية.

 

ولكن النفقات الاقتصادية والبيئية، التي تطرأ أثناء عملية دعم وزيادة إنتاج الطعام، ستظل فوق طاقة الكثير من الدول الفقيرة. وسوف يرتكز سير الأحداث بطريقة حاسمة على قدرة حكومات هذه الدول على وضع السياسات الفعالة وفرضها في مواجهة التحديات التي تفرزها أعداد السكان المتزايدة والفقر المتفاقم، وكذلك تلاشي واضمحلال البيئة. ومهما كانت النتيجة، فإن المهمة التي تنتظرنا سوف تتضاعف صعوبتها إذا لم يكن في الإمكان تخفيض نسب زيادة السكان.

 

 المؤلف

John Bongaarts

نائب الرئيس ومدير قسم البحوث بمجلس السكان في مدينة نيويورك منذ عام 1989. وهو حاليا عضو جمعية علماء <J. هو پكنز> والأكاديمية الملكية الهولندية للعلوم. وقد فاز عام 1986 بجائزة <M. شيبس> من جمعية السكان الأمريكية، وفي الأعوام من 1980 إلى 1985 فاز أيضا بجائزة تنمية مهنة البحوث من معاهد الصحة القومية.

 

مراجع للاستزادة

POVERTY AND HUNGER: ISSUES AND OPTIONS FOR FOOD SECURITY IN DEVELOPING COUNTRIES. World Bank, 1986.

ENERGY, FOOD, ENVIRONMENT: REALITIES, MYTHS, OPTIONS. Vaclav Smil. Clarendon Press, 1987.

WORLD AGRICULTURE: TOWARD 2000. Nikos Alexandratos. New York University Press, 1988.

WORLD RESOURCES 1992-93. World Resources Institute. Oxford University Press, 1992.

Scientific American, March 1994

(1) ديموغرافيا (سِكانة)، ديموغرافي (سِكاني). (التحرير)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى