أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

معضلات سرطان المُوْثَة (البُرُسْتاة)


معضلات سرطان المُوْثَة (البُرُسْتاة)

هل أخطارُ المعالجة القاسية لسرطان الموثة

المبكر أكثر من فوائدها؟ هذا السؤال مازال

يطرحه الأطباء والمصابون بسرطان الموثة.

<B.M. گارنيك>

 

كان من المتوقع أن يشخص سرطان المُوْثَة (البُرُسْتاة) لدى 200000 رجل في الولايات المتحدة، وأن يودي بحياة 38000 من الأمريكيين الذكور في عام 1993. إن مثل هذه الأرقام تجعل سرطان الموثة أكثر الأورام الخبيثة المشخصة لدى الأمريكيين الذكور (فيما عدا أورام الجلد) وثاني طليعة أسباب الوفيات الناجمة عن السرطان (بعد سرطان الرئة) في تلك المجموعة. ومنذ عهد قريب، خسر الموسيقار <فرانك زاپا> والمنتج المسرحي <جوزيف پاپ> والممثلان< تيلّي سافالاس> و< بيل بيكسبي> جميعا معاركهم مع هذا المرض. وهو لا يقتل بلطف ،فمعظم الناس الذين يموتون منه يعانون في أشهرهم الأخيرة ألما مبرحا تصعب السيطرة عليه.

 

ومن المحزن أن سرطان الموثة ـ الذي يزداد شيوعا مع تقدم العمر، والذي يشخص بصورة نموذجية لدى الرجال الذين تزيد أعمارهم على 65 سنة ـ مازال يخضع للقليل من البحث مقارنة بغيره عبر التاريخ. وعليه، فإن الأطباء تنقصهم المعلومات اللازمة من أجل تقرير العلاج الأفضل لكثير من المرضى. والمريض الذي اعتبر مصابًا بسرطان الموثة عام 1994 يحتمل جدا أنه اكتشف اختلاف الآراء حتى لدى الخبراء الرواد حول أفضل أسلوب للتدخل في حالته الخاصة. والحقيقة أن الأطباء وصناع القرار متورطون في الجدل حول كيفية تدبير المرض وبخاصة في مراحله المبكرة، وحول ما إذا كانت هناك ضرورة على الإطلاق لمعالجة كثير من الحالات التي يبدو أنها قابلة للشفاء. هذا إضافة إلى أمور أخرى متعلقة بسرطان الموثة هي بحاجة ملحة إلى الحل إذا أردنا أن نحد من الوفيات والمعاناة بشكل ملحوظ.

 

هذه المناظرات الدائرة يمكن فهمها بصورة صحيحة إذا كان لدينا بعض المعرفة عن كيفية التشخيص والمعالجة الحالية لسرطان الموثة. فالأطباء يكتشفون السرطان، عادة، باكتشاف كتلة في غدة الموثة التي تشبه الجوزة بشكلها وتساعد في الإبقاء على حيوية النِّطاف. وقد تنكشف أمثال هذه الكتلة في أثناء الفحوص الطبية الروتينية أو في أثناء الفحص نتيجة لشكوى المريض من عسرة تبول فجائية أو من عنانة impotence أحيانا. ومن أجل فحص  الغدة يُدخِل الطبيب إصبعه في المستقيم ليتلمس الغدة من خلال جدار المستقيم باحثا عما هو غير سوي في حجمها وحدودها وقوامها.

 

وتظهر الأعراض التي تدعو الرجال لمراجعة أطبائهم غالبا، عندما تتسبب كتلة سرطانية في أن تضغط الموثة على الأعضاء المجاورة. وتوجد الغدة مباشرة تحت المثانة وتحيط بالإحليل urethra ـ ذلك الأنبوب الذي يمر فيه البول من المثانة عبر القضيب إلى خارج الجسم. وعلى سبيل المثال، فإذا كان الورم ضاغطا على المثانة أو مضيقا للإحليل، فهو يسبب تبوّل الرجال ليلا بتواتر غير معتاد أو مع إلحاح شديد، ويمكن كذلك أن يؤدي إلى صعوبة في الشروع في التبول أو في استمراريته.

 

وقد يُكتشف سرطان الموثة في بعض الأحيان بطريقة مختلفة تماما ـ كنتيجة لعلاج اضطراب يدعى فرط تنسُّج الموثة الحميد benign prostatic hyperplasia. وهذه الحالة عبارة عن ضخامة في الموثة متعلقة بالشيخوخة، تصيب أكثر من نصف الرجال الذين تزيد أعمارهم على 45 سنة، وقد ينشأ عنها نفس الاضطرابات البولية التي يسببها الورم (إنما بصورة تدريجية أكثر). فإذا صارت الأعراض شديدة الإزعاج، فقد يحاول الجراح أن يخفف من شدتها بإجراء قَطْع جزئي للموثة عبر الإحليل transurethral resection of prostate، وهي عملية تُكشط فيها أجزاء من غدة الموثة. وعندما يُجْرى الكشط، تفحص القطع النسيجية المكشوطة تحت المجهر بحثا عن أدلة على وجود السرطان الذي قد يصادف في بعض الأحيان.

 

ويشكل اختبار بسيط للدم وسيلة ثالثة للكشف عن سرطان الموثة، وبإمكانه أن يشير إلى وجود السرطان عند أفراد لا يُظهِرون أي عرض لاضطرابات في الموثة. ويقيس هذا الاختبار مستوى بروتين سكري يدعى المستضد الخاص بالموثة (prostate-specific antigen (PSA، وهو واحد من جزيئات عديدة تفرزها غدة الموثة. وفي معظم أشكال الاختبار ـ الذي أصبح توافره واسعا عام 1986 ـ يُحتمل وجود السرطان عندما يزيد المستوى في الدم على أربعة نانوغرامات في الملّي ليتر، أما المستويات (المنسوبات) الأكثر من 10 فإنها ترجّح بصفة خاصة وجود الورم. وأكثر الأورام المكتشفة باختبار PSA لاتزال مجهرية.

 

وعلى كل فإن ارتفاع مستوى المستضد PSA ليس دليلا قاطعا على وجود السرطان، فهذا المستوى قد يرتفع في حالات أخرى غير السرطان، مثل: فرط تنسج الموثة الحميد والتهاب الموثة prostatitis والضغط الميكانيكي على الموثة. وعلى نقيض ذلك، فكثير من الرجال المصابين بالسرطان يكون مستوى المستضدPSA لديهم طبيعيا حين تشخيص المرض. ويسعى الباحثون حاليا لإيجاد  طرائق للتغلب على هذه العوائق.

 

وبصرف النظر عن عيوب هذا الاختبار، فإن سهولة إجرائه وقلة تكلفته نسبيا ( 30-80  دولارا) جعلت منه وسيلة شائعة للكشف عن السرطان لدى الرجال الذين لا توجد لديهم أعراض. وفي الحقيقة، فإن هذا الاختبار من الشيوع لدرجة أنه قد يكون سبب معظم الارتفاع الحالي المدهش في عدد الرجال الذين يشخص لديهم سرطان الموثة كل عام. وكانت التوقعات لعام 1994 أن يبلغ عدد الحالات المكتشفة أكثر من ضعف التسعين ألف حالة المكتشفة عام 1986.

 

وكما سنرى فقد أدى الارتفاع في الحالات المشخَّصة إلى زيادة شدة حدة النقاش حول ضرورة البحث عن المصابين بسرطانات صغيرة وإعطائهم معالجة قاسية (معتدية) aggressive treatment عقب التشخيص في محاولة لتحقيق الشفاء. ويُرَدّ جزء من هذا النقاش إلى أنه لا يمكن لأحد بَعْدُ أن يميز بصورة قطعية بين السرطانات المجهرية التي ستبقى كامنة (من دون أن تُحْدِثَ أعراضا طيلة حياة المريض) وتلك التي ستصبح لها أهمية سريرية (تنمو لدرجة إحداث الأعراض أو تصبح مهددة للحياة). ويمكن للأطباء أن يخمنوا مدى حدة المرض على أساس علمي، بفحص صفات الأورام كحجمها ومظهرها المجهري. ولكن لا يمكن لهم أن يعينوا بالتأكيد أيا من الأورام المبكرة يحتاج إلى العلاج أو لا.

 

إن التحسن في إمكانية اكتشاف الأورام الصغيرة لدى الرجال قد أثار الخلافات، لأنه ربما يؤدي إلى إعطاء معالجة خطرة لأعداد كبيرة من الرجال الذين ربما يموتون وهم مصابون بسرطان الموثة وليس بسببه. فالدراسات التشريحية على جثث الرجال الذين تُوفّوا لأسباب أخرى تشير إلى أن نحو ثلث الرجال الذين تزيد أعمارهم على الخمسين عاما لديهم ـ على الأقل ـ بعض الخلايا السرطانية في الموثة، وأن هذا الحدوث يزداد باضطراد بعد سن الخمسين (لدرجة أن 90% من الرجال فوق التسعين سنة من العمر مصابون)، ومع هذا فمعظم الرجال المصابين بسرطان الموثة لا يموتون بسببه (من المتوقع أن يموت نحو ثلاثة بالمئة من الأمريكيين الذكور بسبب هذا المرض.) ويفضل بعض الخبراء الإقلال ما أمكن من عدد الرجال الذين يخضعون لمعالجة غير ضرورية، في حين يخشى الآخرون أن يحول التقصير في الكشف والمعالجة دون إنقاذ الآلاف كل سنة من معاناة موت قاسٍ.

 

بالطبع لا يُعالَج أحد على أساس اختبار PSA أو اكتشاف كتلة فقط. فاكتشاف سرطان محتمل هو عادة الخطوة الأولى في التشخيص. فإذا أظهر الفحص (المس)  الشرجي rectal exam أو ارتفاع مستوى المستضد PSA احتمال وجود السرطان، فالأطباء عادة يتابعون الفحص بالأمواج فوق الصوتية. وغالبا ما يحدد هذا الإجراء مكان الورم بدقة ويساعد في الخطوة التالية من التشخيص وهي: خزعة الموثة biopsy of the prostate  ودراسة الأنسجة المشبوهة  تحت المجهر.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N5_H03_005054.jpg

توفي الموسيقار< فرانك زاپا> عام 1993 بسرطان الموثة في سن الثانية والخمسين. ويؤيد كثير من الأطباء في الولايات المتحدة التقصي الروتيني لهذا السرطان لدى الرجال الذين تزيد أعمارهم على 40 أو 50 عاما، مفترضين أن اكتشاف السرطانات المبكرة يؤدي إلى شفاء أكبر ويساعد على منع حدوث ألوف الوفيات كل عام. في حين يخشى المعارضون أن زيادة المسح (التقصي) ـ التي يعتقد أنها سبب معظم الارتفاع الحاد في التشخيص الملاحظ منذ منتصف الثمانينات (المخطط) ـ ستكون غير مجدية. فاختبار الدم المستخدم حاليا بوفرة للمسح، غالبا ما يؤدي إلى اكتشاف سرطانات مجهرية كثير منها لن يصبح مميتا. وعليه يجادل المشككون بأن زيادة المسح قد تؤدي إلى معالجة خطرة للعديد من الرجال الذين ربما كانوا أفضل من دونها.

 

إذا أكد الفحص المجهري وجود الخبث، فالأطباء يحاولون تعيين مرحلة تقدمه (ترقّيه)، وهم يفعلون هذا لأن خطط المعالجة الحالية تعتمد على مدى تقدم الورم. فوسائل التصنيف مختلفة ولكن الشائع منها هو الذي يقسم الأورام إلى أربع مراحل يرمز لها بحروف. فالمراحل A و B و C تضم سرطانات لم تنتقل بعد: أي أنها لم تُحدِث مستعمرات ورمية جديدة في نسج أخرى. والمرحلة Dتضم أوراما قد انتقلت فعلا. وينتشر سرطان الموثة عادة في البداية إلى العقد الليمفاوية التي تلي غدة الموثة، وبعدها تظهر في العظام وفي أعضاء أخرى.

 

تتميز المراحل الثلاث الأولى بعضها عن بعض بحجم الأورام. فالأورام الخبيثة في المرحلة A تكون مجهرية، وهي النوع الذي يكتشف عادة بعد عملية قطع جزئي (كشط) للموثة عبر الإحليل. ويمكن تقسيم هذا النوع من السرطانات إلى مرحلتين رئيسيتين: المرحلة A1 وتكون فيها الأورام محصورة في منطقة واحدة صغيرة من الموثة ومؤلفة من نسيج جيد التميز نسبيا، أي أنه على الرغم من بعض الشذوذات الواضحة في الخلايا السرطانية (مثل النوى المتضخمة) فإنها تكون مثل خلايا الغدة الطبيعية ذات حجم متجانس ويتراص بعضها مع بعض؛ والمرحلة A2 وتكون فيها السرطانات أكثر انتشارا ومؤلفة من نسيج  متوسط أو قليل التميز. ووجود مواضع عديدة للورم في غدة الموثة أو قلة (ضعف) التميز يرجح أن السرطان يميل لأن يسلك سلوكا عدوانيا.

 

وتكون سرطانات المرحلة B مجسوسة (أي أنها كبيرة لدرجة تبدو كافية للشعور بها كعقدة في أثناء الفحص الشرجي)، ولكنها نادرا ما تسبب إزعاجا. وتكون أورام المرحلة C قد انتشرت في معظم الغدة أو كلها، جاعلة إياها قاسية كالحجر، وتكون في صورتها النموذجية قد اندفعت متجاوزة حدود الموثة إلى الأعضاء المحيطة. وغالبا ما تشخص الإصابة بسرطانات المرحلة C بعد أن تجبر  الأعراضُ البولية المريضَ على مراجعة الطبيب.

 

ولتعيين «مرحلة» الأورام يجمع الأطباء أولا المعلومات المكتشفة من الفحص الشرجي والأمواج فوق الصوتية والخزعة مع المعلومات التي تزودهم بها اختبارات غير باضعة (غير جارحة) noninvasive tests أخرى. فمثلا يمكن أن يجروا مسحا تصويريا مقطعيا بالحاسوب computed tomographic scan  للبطن والحوض باحثين عن أدلة على وجود سرطان في العقد الليمفاوية. وتعلمنا الخبرة أن وجود السرطان في هذه العقد يشير غالبا إلى وجوده في أماكن أخرى من الجسم. ويمكن أن يجري الأطباء أيضا مسحا من نوع خاص للعظام للبحث عن ترسبات نقيلية (انتقالية) metastatic deposits في العظام. وبالحصول على نتائج الأبحاث السريرية هذه، يمكن تعيين المرحلة المبدئية للورم.

 

من المؤسف أن الاختبارات التشخيصية لا تنتهي عند هذا الحد غالبا، لأن 25 إلى 50 بالمئة من الأورام التي يتم تصنيفها المبدئي في المرحلة A2 أو B أو Cتَظهر بالفحوصات الإضافية أنها سرطانات نقيلية في المرحلة D. (هذه النسبة في المرحلة A1 هي من دون شك أقل بكثير.) واكتشاف النقل مهم لأن السرطانات النقيلية تدعو إلى أسلوب علاجي مختلف عما يطبق على الأورام الأقل تقدما. ولتحديد المرحلة بدقة أكثر، قد يجري الأطباء خزعة من العقد الليمفاوية الحوضية أو يزيلونها، ليتمكنوا من فحص نسيجها مباشرة بحثا عن السرطان. ولسوء الحظ لا يمكن لهذا الأسلوب الجراحي المتبع لتحديد مرحلة الورم أن يكتشف الخلايا السرطانية المبعثرة التي هربت إلى الدم ومن ثم أوت إلى العظام. ولهذا، فإن بعض المرضى الذين يُعالَجون على أساس أن لديهم مرضا مبكرا، يكون لديهم في الواقع سرطان نقيلي (غازٍ).

 

توصي الأنظمة القياسية (المعيارية) standard protocols المتبعة اليوم في الولايات المتحدة أن معظم المرضى في المرحلة A أو المرحلة B من الداء (ربما عدا الأشخاص الأكبر سنا في المرحلة A1  من المرض) يجب أن يعالجوا فورا بواحدة من اثنتين من المعالجات الشافية. وتشمل هاتان المعالجتان اللتان يظن أنهما على درجة متعادلة من الفعالية تقريبا: إزالة غدة الموثة (استئصال الموثة الجذري radical prostatectomy) أو تشعيع الغدة لقتل الخلايا السرطانية بداخلها. وغالبا ما يفضل الإشعاع للذكور  الذين بلغوا من الضعف حدا لا يتحملون معه الجراحة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N5_H03_005055.jpg

غدة المُوْثَة (البُرُسْتاة) هي عضو بشكل الجوزة (في الوسط) تقع تحت المثانة وتحيط بالإحليل ـ الأنبوب الذي يمر فيه البول من المثانة عبر القضيب إلى خارج الجسم. وكثير من الرجال لا يعلمون بوجود الغدة حتى يؤدي السرطان أو ضخامة الغدة المتعلقة بالشيخوخة إلى اضطرابات بولية أو في بعض الحالات إلى صعوبات في الانتصاب.

 

المعالجات المثالية لسرطان الموثة

تعتمد معالجة سرطان الموثة على المرحلة التي وصل إليها المرض. والتوصيات المعتمدة في الولايات المتحدة مسجلة (مدرجة) في العمود الأيسر. وتطبيق المعالجة القاسية ـ التعرض للأشعة أو استئصال جذري للموثة ـ للمرحلتين A وB من المرض أصبح جدليا بازدياد، لأن بعض الدلائل تقترح أن عدم المعالجة قد يؤدي إلى معدل حياة مشابه أو إلى نوعية حياة أفضل لمرضى معينين. وعلى كل فهذه الدلائل غير قطعية وتبقى موضوع نقاش.
مرحلة المرض المعالجة القاسية
المرحلة A

سرطان مجهري داخل غدة الموثة

A1 السرطان محصور في موضع واحد وجيد التميز مراقبة أو تعريض للأشعة أو استئصال جذري للموثة
A2 يحدث السرطان في مواضع عديدة أو أنه متوسط إلى قليل التميز تعريض للأشعة أو استئصال جذري للموثة
المرحلة B

كتلة مجسوسة داخل غدة الموثة

B1 يشكل السرطان عقدة صغيرة محددة في فص واحد من الغدة تعريض للأشعة أو استئصال جذري للموثة
B2 يشكل السرطان عقدة كبيرة  أو عقدة متعددة أو شاملة للفصين معا، أو أنه متوسط إلى قليل التميز
المرحلة C

كتلة كبيرة تشمل كل أو معظم غدة الموثة

C1 يحدث السرطان ككتلة مستمرة يمكن أن تكون قد تعدت بعض الشيء حدود الغدة تعريض للأشعة؛ يعطي بعض الأطباء معالجة هرمونية مع التعريض للأشعة.
C2 يحدث سرطان كبير ككتلة مستمرة غزت الأعضاء المحيطة بالغدة
المرحلة D

ورم نقيليّ

D1 يظهر السرطان في  العقد الليمفاوية للحوض معالجة هرمرنية عندما تظهر الأعراض (أو ربما فور ظهور تراكمات أو توضعات نقلية) ومعالجة ملطفة للألم والمزعجات الأخرى
D2 يشمل السرطان نسجا خارج العقد الليمفاوية، ومن ضمنها العظام

 

وقد تعلم الأطباء أيضا أن الإشعاع هو المعالجة المفضلة للمرحلة C من المرض، لأن الجراحة لا يمكنها أن تستأصل بشكل كامل الأورام التي تعدت حدود غدة الموثة. وتشير الكتب التعليمية أيضا إلى أنه لا الجراحة ولا الإشعاع (الأشعة) radiation يمكن أن تشفي المرض النقيلي في المرحلة D، وعليه فالمصابون بسرطان متقدم (مترقّ) كهذا يمكن مساعدتهم أكثر بمعالجة شاملة للجسم كله، تهدف للإبطاء من تقدم الترسبات النقيلية، وتخفيف الألم والأعراض الأخرى.

 

لقد حاول الأطباء خلال الخمسين عاما الماضية إعاقة ترقي الأورام المتقدمة ببدء المعالجات الهرمونية، وتعتمد هذه الطريقة على الاكتشاف الحائز على جائزة نوبل من قبل <B.C.هاكينز> من جامعة شيكاغو، وهو أن هرمونات الذكورة (الأندروجينات androgens) يمكنها أن تسرع نمو سرطان الموثة بصورة ملحوظة، وأن سحب هذه الهرمونات يمكنه تأخير نموه. ويمكن إنقاص مستويات الأندروجين في الجسم بالخصي (استئصال الخصيتين)، حيث يُصنَّع 95 بالمئة من التستوستيرون ـ هرمون الذكورة الرئيسي. ويمكن أيضا إنقاصها بأدوية مختلفة كالإستروجين الذي يتداخل في تأثيرات الأندروجينات أو في تصنيعها. ولسوء الحظ، فإن كل الأورام النقيلية تقريبا تصبح في مرحلة معندة (مستعصية) على المعالجة الهرمونية وتتقدم بعد ذلك بسرعة، ويموت المرضى عادة بعد سنتين إلى خمس سنوات من اكتشاف النقائل (الانتقالات).

 

ومعظم الأطباء لا يزالون متفقين على جدارة الخطط العلاجية القياسية للتعامل مع المرض في مرحلتيه C و D. وبالمقابل، يزداد اختلاف الخبراء حول أحسن طريقة لمباشرة approach المرحلتين A و B من المرض، وحول جدوى المسح الجماعي للسرطانات المبكرة؛ كما ينجم جزء من الخلاف عن حقيقة كون المعالجات خطيرة [انظر ما هو مؤطر في الصفحة 23]. وتختلف المعدلات المنشورة عن حدوث المضاعفات ولكن يمكن لكل من الإشعاع والجراحة أن يؤدي إلى قدر مهم من العنانة وسلس البول incontinence وأذى الأمعاء، ونادرا ما تؤدي إلى الموت. (المرضى الأكبر سنا أكثر عرضة للمضاعفات (الاختلاطات)complications من الأصغر سنا.)

 

وعلى كل، فإن معدلات حدوث المضاعفات بالنسبة للجراحة يمكن أن تنخفض بشدة إذا أجريت العملية من قبل فريق ذي خبرة واسعة في أداء تقانة استبقاء العصب التي أدخلها (قدمها) <C.P.والش> (من كلية الطب في جامعة جونز هوپكنز) في أوائل الثمانينات من هذا القرن. ويقوم الجراحون الذين يتبعون هذه الطريقة بتجنب القطع في حزمتين من الأعصاب والأوعية الدموية اللازمتين لانتصاب (نعوظ) القضيب واللتين تلامسان سطح غدة الموثة. وهذه الطريقة، التي تطبق حاليا في مراكز طبية عديدة، تقلل أيضا من النزف وتسهل إعادة وصل الإحليل إلى المثانة بعد قطعه في أثناء التدخل الجراحي.

 

 

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N5_H03_005056.jpg
غالبا ما يفحص شكل وحجم وانتظام الخلايا السرطانية في غدة الموثة للاستدلال على خبث الورم. فالأورام جيدة التميز (اللوحتان العلويتان) ـ التي تشبه كثيرا النسيج الغدي الطبيعي ـ يعتقد أنها تتصرف بأقل عدوانية من الأورام الأقل انتظاما، سواء المتوسطة (اللوحة المتوسطة) أو القليلة التميز (اللوحتان السفليتان). وفي خطة التصنيف الموصوفة أعلاه (نظام گليسون)، يشار إلى درجة التميز بقيم رقمية تتراوح ما بين 1 و 5. وغالبا ما تضاف درجة النموذج المتغلب إلى درجة النموذج الذي يليه وفرة للحصول على درجة گليسون نهائية تتراوح ما بين 2 و 10.

 

المؤيدون لإجراء المسح والمعالجة الفورية للأورام الصغيرة يدركون أن هناك مجازفات خطيرة في خوض تجربة المعالجة القاسية الهادفة للشفاء. وهم أيضا مشوشون ـ مثل معارضي هذه المعالجة ـ لعدم وجود وسائل للتمييز القطعي بين المرضى الذين لديهم أورام كامنة (ولذا فهم لا يحتاجون إلى أي تدخل) وبين أولئك الذين يغلب أن تتقدم أورامهم إلى مرحلة مترقية أكثر، ولكنهم يعتقدون أن المرضى الذين لديهم أحسن الفرص لتجنب مخاوف المرض النقيلي، يجب أن يُعطوا الفرصة لمحاولة ذلك. وهؤلاء المرضى هم الذين لا توجد لديهم أعراض والذين لديهم أورام صغيرة منحصرة في غدة الموثة. وهم يحاولون الإقناع بأنه للعثور على هؤلاء الناس يجب إجراء اختبارات المسح.

 

كما أن مؤيدي المعالجة القاسية للسرطان المبكر منقسمون ـ بسبب الأخطار والتكاليف ـ حول أي مجموعات من الأعمار يجب إخضاعها للمسح والعلاج. فبعضهم يستبعد المرضى الذين تزيد أعمارهم على السبعين عاما، على افتراض أن وفاتهم غالبًا ما تنجم عن أسباب أخرى قبل أن تتقدم أورامهم لدرجة إحداث مشكلات خطيرة، والبعض الآخر أكثر مرونة وينشط في البحث عن معالجة المرضى في السبعينات من العمر إذا كانوا بصحة جيدة.

 

وعلى كل، فإن معظم مؤيدي المعالجة الباضعة invasive therapy للمرضى في المرحلة المبكرة (وبعض الذين يشكّون في فوائدها) يفضلون معالجة المرضى في الأربعينات والخمسينات من العمر بمن فيهم أولئك المصابون بأورام خبيثة مجهرية جيدة التميز. فأولا، تشير بعض الدلائل إلى أن سرطان الموثة أكثر خبثا لدى الذكور الأصغر سنا؛ وثانيا، حتى إذا كان الورم المتشكل لدى هؤلاء الأشخاص بطيء النمو فإن هناك احتمالات جيدة أنهم سيعيشون لفترة من الطول بحيث يرون الورم يتقدم وينتقل.

 

وربما اتفق أحد مرضاي (في معهد دانا-فاربر للسرطان بكلية الطب في جامعة هارڤارد) في الرأي مع المتحمسين للمعالجة، فقد شُخِّص لديه سرطان الموثة في سن الثانية والسبعين، بعد أن ارتفع مقدار المستضد PSA لديه قليلا في اختبارين متواليين (أجريا بفاصل سنة). وأشارت خزعة الموثة إلى وجود مجموعة وحيدة من الخلايا السرطانية. وبعد الاختبارات الإضافية العديدة، بما في ذلك خزعة من عقده الليمفاوية، اعتبر خاليا من النقائل. ورغبة منه في الخلاص من السرطان، فقد خضع لعملية استئصال الموثة الجذري التي كان تماثله للشفاء منها هادئا. وعلى الرغم من أنه كان ذا نشاط جنسي معتدل قبل الجراحة وأن قدرته الجنسية لم تعد بعد عندما رأيته آخر مرة، فقد بقي مسرورا لقراره.

 

ومع ذلك، فيمكن لأحدنا أن يجادل بأن هذا المريض كان من المفروض ألاّ يعالج أبدا، فمعارضو المعالجة المبكرة قلقون من الزيادة بما يقارب الستة أضعاف في عدد عمليات استئصال الموثة التي أجريت بين عامي 1984 و 1990 وكثير منها لذكور تجاوزوا السبعين من العمر. ويشيرون إلى أنه مازال الدليل مفقودا على أن المعالجة القاسية للمرض المبكر تقي من حدوث الأورام النقيلية وتنقذ الحياة. وفي تلك الحالة فهم يخافون من أن مثل هذه المعالجة ـ التي تهدف لتجنب احتمال قد لا يتحقق مطلقا (النقائل للعظام)ـ تلزم الكثيرين جدا من الذكور إلى سنوات من العنانة وسلس البول وعاهات أخرى.

 

وهم يدّعون أيضا أنه حتى إذا تحقق الشفاء، فإن التأثيرات الجانبية للمعالجة غالبا ما تفوق فوائد أي زيادة مكتسبة في العمر. وبالتالي، فإذا كان العلاج غير مستحب، فإن عمل مسح لذكور لا يشكون من أي عرض بحثا عن أدلة لوجود سرطان الموثة، هو أمر غير ضروري وتبذير.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N5_H03_005057.jpg

الأمريكيون السود (الخطوط داكنة اللون) أكثر عرضة من نظرائهم البيض (الخطوط فاتحة اللون) لأن يشخص لديهم سرطان الموثة، ولأن يموتوا بسببه، وذلك وفقا لبيانات المعهد القومي للسرطان. ونحن بحاجة إلى مزيد من البحث لتفسير هذا التباين الذي يبعث على القلق.

 

ويشمل اهتمام المشككين ذكورا مثل واحد آخر من مرضاي، وكان رجل أعمال  في الحادية والخمسين من العمر، وكان نشيطا جنسيا، أجريت له عملية استئصال جذري للموثة مع استبقاء العصب بعد أن أبدت الفحوصات غير الباضعة والجراحية وجود سرطان مجهري شامل لغدة الموثة لديه (إصابة في المرحلة A2). وبعد العمل الجراحي انتظر بلهفة عودة الوظيفة الانتصابية، مدركا أن نحو 70% من الذكور في مرحلته السنية نفسها والنشيطين جنسيا في الأصل والذين خضعوا للإجراءات نفسها، استعادوا تلك الوظيفة خلال عام.

 

ولسوء الحظ، مر ثمانية عشر شهرا ولم تعد قابليته للانتصاب، ولشدة قلقه فقد جرب حقن القضيب بمواد موسعة للأوعية الدموية ولكنها لم تُجدِ معه. وعلى الرغم من الاستشارات، فقد أصيب بنوبات اكتئابية شديدة وفقد الحماس في استمرار اهتماماته القوية في العمل، وهو الآن يفكر بغرس قطعة مصطنعة في القضيب، ويتساءل فيما إذا كان إجراء الجراحة هو القرار الصائب.

 

وغالبا ما يُستشهد بثلاث مقالات حديثة كبرهان ضد المعالجة الباضعة للمرض الموضَّع (الموضعي) localized disease، نشرت إحداها عام 1992 من قبل <E.J.جوهانسون> وزملائه، من مشفى (مستشفى) مركز< أوريبرو> الطبي في السويد. تابع الفريق 223 مريضا (متوسط أعمارهم حين التشخيص 72 عاما) كان لديهم سرطان موضّع في الموثة (من المرحلة A أو المرحلة B بصورة أساسية)، خضعوا للانتظار مع المراقبة watchful waiting ـ أي أنهم أعطوا معالجة (مثل  القطع الجزئي للموثة عبر الإحليل) من أجل الأعراض البولية أو الإزعاجات الأخرى ـ ولكنهم لم يعطوا أي معالجة أخرى حتى انتقلت لديهم الأورام، وعندها أعطوا معالجة هرمونية. وبعد انقضاء عشر سنوات توفي 124 شخصا، لكن في 19 منهم فقط (8.5 بالمئة، من أصل 223) سُجل السرطان سببا للوفاة. وكان معدل البقاء على الحياة مشابها لذلك الذي يذكر عادة عند المرضى الذين يتلقون معالجة قاسية.

 

وفي عام 1993 نشرت دراسة أخرى مؤيدة للانتظار مع المراقبة من قبل<C. فيلمينگ> (من جامعة أوريگون للعلوم الصحية) وزملائه في «فريق بحث نتائج مريض الموثة» [الفريق PPORT اختصارا] واستعمل الباحثون في هذه الدراسة ـ  وهم من مراكز طبية عديدة ـ وثائق عن نتائج المعالجة في المنشورات الطبية المتوافرة، محاولين إحصاء أخطار وفوائد المعالجة للذكور الأكبر من الستين عاما. وتساءلوا ما إذا كانت التراجعات في نوعية الحياة بسبب المعالجة سترجح أي إطالة للحياة ناجمة عن معالجة المرحلتين A و B من المرض.

 

استنتج أعضاء الفريق PPORT أن معالجة المرضى بالأورام جيدة التميز قد أعطت فائدة قليلة إضافة إلى الانتظار مع المراقبة. وقرروا أيضا أن معالجة المرضى بالأورام المتوسطة أو قليلة التميز قد تكون مجدية ـ حيث توافر ما يقارب ثلاث سنوات ونصف السنة من الحياة الجيدة في بعض الروايات (السيناريوهات)، أو تكون من دون فائدة في روايات أخرى. وأكدوا أيضا أن «الذكور في سن الخامسة والسبعين فما فوق يغلب ألاّ يستفيدوا لا من المعالجة بالإشعاع ولا من استئصال الموثة الجذري إذا قورن ذلك بالانتظار مع المراقبة.»

 

أخطار المعالجة القاسية

تتعرض لمضاعفاتٍ نسبة ٌمئوية متوسطة من المرضى الذين يخضعون لمعالجة قاسية. معالجة إشعاعية أو جراحة ـ من أجل سرطان موضّع (موضعي) في الموثة، وذلك حسب تقارير نموذجية في المنشورات (الأدبيات) الطبية الحديثة (الصفان العلويان). فمعدلات المضاعفات الجراحية المنشورة قد تصبح أعلى من ذلك عند تقييم المرضى (بين قوسين)، كما فعل <J.F. فاولر، جونير> (من جامعة ماساتشوستس في بوسطن) ومعاونوه. وعلى كل فغالبا ما تنخفض أخطار الجراحة (الصف الثالث)، إذا كان المرضى صغارا نسبيا ولديهم قدر ضئيل من الورم، وإذا ما أجريت العملية من قبل فريق لديه خبرة واسعة في إجراءات استبقاء العصب التي ابتكرها < C.P. والش > ورفاقه في كلية الطب بجامعة جونز هوپكنز.
http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N5_H03_005058.jpg

 

أما الدراسة الثالثة التي نشرت في مطلع العام 1994 فقد أجراها <W.G.شوداك > (من جامعة شيكاغو) ومشاركون عديدون، حيث حلل الفريق وثائق منشورة من ست تجارب لم يعطَ فيها الذكور المصابون بالسرطان الموضّع (هذه المرة أيضا في المرحلتين A وB بصورة أساسية) أيّ معالجة فورية. ووجد الباحثون أن المعالجة القاسية في مثل هؤلاء الذكور قد ينجم عنها معدل وفيات من السرطان أقل بعد عشر سنوات، ومع ذلك يبدو أن الفرق ضئيل. وإضافة لذلك لاحظ الفريق أن المعالجة القاسية «قد يكون لها مفعول واقعي غير ملائم في نوعية الحياة.»

 

هذه الدراسات محرَّضة، ومع ذلك فإنها مختلة بشكل خَطِر، وبهذا فهي بعيدة عن كونها حاسمة. فمثلا في دراسة الفريق السويدي لم يكن انتقاء جميع المرضى عشوائيا، حيث اختاروا الكثيرين منهم بصورة خاصة لأن لديهم أوراما جيدة التميز. وعلاوة على ذلك، فإن عددا غير متناسق من المرضى كان طاعنا في السن أو لديه مشكلات أخرى مهددة للحياة، ولهذا لا يمكن تطبيق الاستنتاجات المستخلصة بأمان على ذكور لديهم سرطانات متوسطة أو قليلة التميز، أو على رجال صغار السن أو أصحاء باستثناء وجود سرطان الموثة. وكذلك انتُقدت دراسة شيكاغو لاحتوائها على مرضى مسنين بصورة أساسية مما يثير التساؤل حول إمكانية انطباقها على أشخاص أصغر سنا.

 

واستنتاجات فريق فلمنگ هي أيضًا مثار للجدل والنقاش. فبعض المرضى ـ على الأقل ـ الذين اعتبرت متابعتهم بالانتظار مع المراقبة مستمرة، لم يمضوا في الواقع من دون علاج، فقد أُعطوا معالجة هرمونية في بداية سير مرضهم. وهذه المعالجة ليست قاعدة للمرحلتين A و B من المرض، ولكنها لا تعادل عدم المعالجة. وفي الواقع، هناك سبب للاعتقاد بأن المعالجة الهرمونية المعطاة في بداية سير سرطان الموثة قد تفيد المرضى. وعلاوة على ذلك، فقد انتُقي الذكور النشيطون جنسيا فقط، وبالنسبة لهم تُنقِص العنانة من نوعية الحياة أكثر مما تفعله للرجال الآخرين، وعليه فإن قرار التركيز على الذكور النشيطين جنسيا ربما حرّف النتائج ضد المعالجة، وهكذا قد تكون الفوائد التي عزاها الفريق PPORTإلى الانتظار مع المراقبة أقل مما ادّعى. وفي الواقع، فإن التأويل الذي لا يتفق وقواعد النقد للنتائج المنشورة في هذه الدراسة وما يشابهها من دراسات، قد يوجه كثيرا من الذكور ـ الذين يحتاجون إلى المعالجة ـ إلى إيثار الانتظار مع المراقبة، وبهذا تفوتهم فرصتهم في الشفاء.

 

وقد أثيرت أيضا الخلافات المادية ضد المسح واسع النطاق والمعالجة لسرطان الموثة الموضّع حيث يعتقد بأن أكثر من عشرة ملايين أمريكي لديهم سرطان موثة مجهري في الوقت الحاضر. وإذا اكتُشف كل هؤلاء وعولجوا في سنة واحدة (بتكلفة 8 – 11 ألف دولار للمعالجة الإشعاعية وحدها و 10 – 18 ألف دولار للجراحة وحدها)، فإن قائمة الحساب ستكون هائلة كالأرقام المستخدمة في الحسابات الفلكية.

 

ومن جهة أخرى، فمن غير المحتمل اكتشاف كل العشرة ملايين ذكر المصابين بالخلايا المجهرية. فجهود الكشف على سبيل المثال، ربما تكون مركزة على مجموعات مختارة من الأعمار. ومن المحتمل أيضا أن الأموال التي سيتم توفيرها بالوقاية من الإصابة النقيلية ستكون في النهاية معادلة لتكاليف مسح سرطان الموثة المبكر ومعالجته.

 

وربما أكثر الأمور أهمية، ما تلمح إليه بعض التحاليل الحديثة من أن اختبارPSA لا يكتشف فورا الأورام بطيئة النمو ولا يؤدي إلى تشخيص السرطان في ملايين الذكور الذين لديهم سرطانات مجهرية ساكنة. وجدير بنا أن نذكر تلك البيانات التي جمعها <J.W  .كاتالونا> (من كلية الطب بجامعة واشنطن)، والتي توحي بأن نحو 90 بالمئة من السرطانات المكتشفة باختبار PSA هي منتشرة أو متوسطة إلى قليلة التميز، وهي مظاهر مرتبطة بمدى حدة المرض (درجة الخبث). وهذه النتائج (الموجودات) تستحق التقصي بشمولية أكبر لأنها تتضمن أن اختبار PSA يمكن أن يكشف دوما تلك السرطانات التي تستحق الاهتمام الطبي.

 

في غياب الأدلة القاطعة على أن الانتظار مع المراقبة هو بديل مأمون للمعالجة، فلا يمكنني أن أقول بضمير سليم (عن قناعة) للمريض المصاب بسرطان قابل للشفاء احتمالا: إن التدخل الفعال كان غير ملائم. فربما كان بإمكاني النظر في مراقبة مريض مسن ذي ورم في المرحلة A1  من دون أن أتدخل حتى أحصل على دليل ما بأن السرطان بدأ يصير أكثر فعالية. ولكنني لا أرى أي دليل على أن حجب المعالجة عن باقي المرضى المصابين بمرض موضَّع (موضعي) هو الإجراء المثالي، فإنني أشارك مرضاي الخوف من أنهم سيصابون بمرض نقيلي في عظامهم.

 

وبسبب هذا الرأي، فأنا ضمن الأطباء الذين يعتقدون بأن توصيات الجمعية الأمريكية للسرطان بإجراء المسح هي توصيات معقولة حاليًا. وتقترح الجمعية أنه يجب إجراء فحص شرجي سنويا للذكور الذين تزيد أعمارهم على الأربعين والذين لا توجد لديهم أعراض سرطان الموثة. وأن الذكور الأكبر من الخمسين، يجب أن يحصلوا أيضا على اختبار PSA. أما الذكور الأكثر عرضة لخطر سرطان الموثة (مثل أولئك الذين لديهم تاريخ عائلي للمرض) فيجب إجراء مسح لهم في أعمار أصغر.

 

وعلى كل، يجب أن أنوه إلى أن المعهد القومي للسرطان (NCI) يوصي بإجراء الفحص الشرجي فقط للذكور الأكبر من الأربعين. ويقيّم المعهد حاليا جدوى استعمال اختبار PSA للمسح. فكثير من الأطباء في أوروبا لديهم قليل من الحماس للمسح. وعلى الرغم من أنني أفضل المسح من حيث المبدأ، فأنا أعتقد أيضا أن المرضى يجب أن يُعلموا بفوائد المعالجة وأخطارها قبل إخضاعهم لاختبار PSA. فالمرضى الذين يقولون إن في نيتهم الامتناع عن المعالجة القاسية للمرض الموضّع، يمكنهم أيضا أن يفوِّتوا فرصة الاختبار.

 

ولا يقتصر الجدل على معالجات المرحلتين A و B فقط، فهناك مناظرة أقل حدة تدور حول استعمال المعالجات التجربية experimental للمرض في المرحلة D. ويمكن توضيح هذا الخلاف بصورة أفضل بالتجربة الخاصة لمريض ثالث من مرضاي. كان هذا المريض في سن الخامسة والستين عندما وُجد لديه سرطان موثة منتشر بشدة. فالمعالجة المتعارفة في حينه ـ عام 1987 ـ تألفت من استئصال الخصيتين وإعطاء الإستروجين: داي إثيل ستلْبستيرول (والمعروف أكثر باسم DES) أو إعطاء مشابهات المُنتَج الوِطائي (مفرز ما تحت المهاد)LHRH، وهي الحروف الأولى للهرمون المحرر للهرمون الملوتن luteinizinghormone-releasing hormone. وقد بينت حديثا ـ مع شركاء لي في مؤسسات متعددة ـ أن المشابهات LHRH لها تأثير الإستروجين DES نفسه ولكنها سببت  تأثيرات جانبية أقل حدة.

 

لقد تمكنت أيضا أن أقدم له معالجة تجربية واعدة: هي أحد المشابهاتLHRH مشاركة مع مضاد أندروجين تجربي معروف باسم فلوتامايد flutamide. ومع أن الرأي السائد كان يقول بأن مشاركة العلاجات الهرمونية لا يزيد من نفعها، فقد أشار الدليل المبدئي ـ الذي كنت مطلعا عليه شخصيا ـ إلى أن المشاركة التجربية قد تطيل فترة البقاء على قيد الحياة إلى حد بعيد. وقد عرفت أيضا كيف أحصل على الدواء التجربي وعلى الإجازة (السماح) باستعماله.

 

خيارات لمعالجة سرطان الموثة المتقدم

العلاجات المتنوعة (الطباعة الحمراء) لسرطان الموثة (المرحلة D) النقيلي (ولحالات منتقاة من المرحلة C من السرطان) تتقاسم هدفا مشتركا: هو قطع (السدود الحمراء) الطرق الحيوية (الأسهم الزرقاء) التي تؤدي إلى تركيب التستوستيرون وكذا إلى تأثيره في خلايا الموثة (أقصى اليمين). وهذا الحصار يمنع التستوستيرون من تدعيم نمو الأورام التي تستمد أصلها من خلايا الموثة السرطانية، ويمكن له أيضا أن يقلص الأورام (على الأقل إلى حين). وتوحي الدراسات الحديثة بأن إعطاء علاجين معا (مثل الليوپروليد والفلوتامايد) عادة ما يكون أكثر فعالية من استعمال علاج فذ منفرد. والدواء فيناستيرايد، الذي يأخذه كثير من الذكور المصابين بفرط التنسج الحميد في الموثة يقطع هذه الطرق نفسها، ففي خلايا الموثة يعوق (يحصر) إنزيم -5ألفا-ريداكتاز تحويلَ التستوستيرون إلى ديهيدروتستوستيرون ـ ولم تثبت له قيمة في معالجة سرطان الموثة ولكنه قيد الدراسة كعقار وقائي.
http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N5_H03_005059.jpg

 

ومن أجل مظهره الشخصي، لم يقبل مريضي أن تُسْتأصل خصيتاه. لقد وضع آماله على المعالجة الدوائية المشتركة. وبين الشهر 4/1987 ومنتصف العام 1991، اختفى مرضه النقيلي تقريبا. وكما كان سيحدث مع أي معالجة يختارها فقد أصبح عنينا، كما فقد أيضا اهتمامه بالجنس، ونقصت علاقته الجسدية مع زوجته. ولكن يبدو أنه تقبل هذه الخسارات، وبقي فيما عدا ذلك فعالا ومنتجا بصورة تامة. وفي الحقيقة فإن علاقته العاطفية مع زوجته قد ازدادت.

 

في عام 1991 أصبح سرطانه معنِّدا على المعالجة الهرمونية. وفي الأشهر الأربعة الأخيرة من حياته عانى مضاعفات عديدة من سرطان الموثة: ألم مبرح في العظام، نقص في الوزن، ضعف عضلي، عدم القدرة على المشي، وإمساك سببه المخدرات narcotics التي احتاج إليها للسيطرة على ألمه. وتوفي بعد  54 شهرا من التشخيص بعد أن عاش أكثر بكثير من 18 -244  شهرا المتوقعة له (باعتبار مرضه الواسع الانتشار) فيما إذا كان قد أعطي المعالجة المعتادة.

 

وثمة احتمالات ممتازة أن تكون المعالجة التجربية مسؤولة عن إطالة حياته. وتطرح هذه الإمكانية السؤال عن وجوب حصول جميع المصابين بالأمراض التي تقضي على الحياة، على المعالجات الحديثة الواعدة مثلما يحصل عليها اليوم المرضى الذين يعانون الإيدز AIDS في عجلة غالبا. ويبقى هذا السؤال مثار نقاش حاد من قبل الأطباء وشركات الأدوية والوكالات القانونية وجماعات الدفاع عن المرضى.

 

والنتائج الأولية المشجِّعة للمعالجة المركبة combination في حالة مريضي تم دعمها مؤخرا، حيث تحظى اليوم بموافقة حكومية وتستخدم على نطاق واسع. ومع هذا فمع كل مَثَل (حالة) نتأكد من نتائجه الأولية، هناك مثل آخر يثبت أن المعالجة ـ التي بدت مثيرة عند بدء استخدامها ـ هي غير مجدية أو ضارة. وهناك خطر أيضا من أن التمكين المبكر للمرضى من الحصول على الأدوية يمنع الأطباء من إجراء تجارب واسعة يتم اختيار المرضى فيها بصورة عشوائية ليأخذوا إما معالجة تجربية أو معالجة معتادة، لأن عدم إجراء تجارب مستقبلية عشوائية يعوق جهود تقييم السلامة والفعالية.

 

ولا يوجد جواب سهل، ومع هذا فعندما يموت الناس وتكون المعالجات المتوافرة غير كافية فإن انتظار إجراء الدراسات الكاملة أمر بعيد عن المثالية. ويجب إيجاد مبدأ وسط بحيث تحافظ الوكالات القانونية على المرونة ويبقى الأطباء والمرضى على اطلاع على الاكتشافات الأولية. وفي الوقت نفسه يجب تشجيع شركات الأدوية لأن توفر الأدوية للمصابين بأمراض مهددة للحياة، ويجب أن تُضمن لهم التغذية المستمرة بالمعلومات عن الفعالية والآثار الجانبية.

 

إن رفض مريضي لاستئصال الخصيتين orchiectomy إضافة إلى يأسه في الحادية والخمسين من عمره بسبب عنانته، يلقيان الضوء على مأخذ آخر على المعالجة الحالية. وكما تعرف النسوة المصابات بسرطان الثدي جيدا، فالجهاز الطبي لا يتعامل بصورة جيدة مع الصدمة النفسية التي تسببها التهديدات للكيان الشخصي والنشاط الجنسي للفرد. والرجال الذين يجب عليهم أن يأخذوا بعين الاعتبار التضحية بقوتهم الجنسية في سبيل كسب سنوات إضافية من الحياة، يجب أن يقدم لهم أكبر دعم عاطفي ممكن.

 

والمرضى الثلاثة الذين ذكرتهم حتى الآن كلهم بيض. وبالنسبة للذكور السود تبرز تساؤلات أكثر حول المعالجة. قد يكون لدى الأمريكيين السود أعلى نسبة لسرطان الموثة في العالم، واحتمالات الوفيات لديهم من هذا المرض ضعف الاحتمالات بالنسبة للأمريكيين البيض. وقد عرضت عدة تفسيرات لهذا الأمر ولكن لم يثبت أي منها. فهناك بعض الأدلة التي تشير إلى أن الرجال السود في سن المرحلة الجامعية الأولى college-age  لديهم مستويات أعلى من الأندروجينات تجول في دمائهم، فهل يمكن لهذه المستويات المرتفعة أن تؤدي إلى سرطان أكثر حدوثا؟ وهل يموت الذكور السود من الأمريكيين بغالبية أكبر (وبسرعة كبرى) لأنهم كمجموعة لديهم قدرة أقل للحصول على العناية الطبية، أم لأنهم يلجؤون للعلاج الطبي متأخرين عندما يكون مرضهم قد استفحل إلى مرحلة متقدمة؟ أو هل سرطان الموثة ببساطة أكثر خبثا عند هؤلاء الأشخاص أم أقل استجابة للعلاج؟ وهل يحتمل أن هؤلاء الرجال يعطون فرصا أقل لتجريب المعالجات الاختبارية؟ تحتاج مثل هذه الأسئلة إلى إجابات عاجلة.

 

من الواضح أن سرطان الموثة يطرح مسائل معقدة حول التدبير الطبي. ولسوء الحظ، ستبقى كل هذه المسائل مستمرة، فعليا، حتى يتم جمع المعلومات اللازمة لحلها. ويجب على مصادر تمويل العناية الصحية الخاصة والعامة معا أن تعطي للبحث في سرطان الموثة أفضلية كبرى، وتشير التقديرات إلى أن المعهد NCI قد رصد نحو أربعين مليون دولار لمثل هذه الدراسة للسنة المالية 1994. وهذا المبلغ يزيد بمقدار 26 مليون دولار عما أنفق عام 19911 ولكنه يبقى بعيدا عن المبالغ اللازمة (وبالمقارنة، كانت التوقعات لعام 1994 أنه سيتم إنفاق أكثر من 250 مليون دولار على سرطان الثدي الذي قدر أنه سيقتل نحو 46000 امرأة.).

 

ونحن نحتاج إلى أبحاث إضافية كثيرة عن أسباب سرطان الموثة، حتى يمكن تطوير سبل الوقاية منه. ومن المهم أيضا تعرف العوامل التي تثير السرطانات الكامنة لتنمو سريعا في بعض الأشخاص فقط. إن معرفة مثل هذه العوامل وتحديد الشذوذات الجزيئية التي تسبق وترافق التحول إلى الخبث يمكن أن تساعد الأطباء على التمييز بين المرضى الذين يمكن أن يستفيدوا من المعالجة العنيفة وبين أولئك الذين لا يستفيدون منها. ويحتاج الأطباء أيضا إلى طرق لاكتشاف النقائل (الانتقالات) المجهرية حتى يمكنهم ملاءمة المعالجة لمرحلة المرض بصورة أفضل. كما أن البحث في أسباب المقاومة للهرمونات مهم من أجل إطالة صحة وحياة المصابين بالمرض النقيلي.

 

ومن الواجب أيضا توسيع البحوث السريرية. فالطريقة الوحيدة لتحديد ما إذا كان من الحكمة إجراء مسح جماعي لسرطان الموثة، وما إذا كانت فوائد المعالجة القاسية تفوق الأخطار، وما إذا كان استئصال الموثة والإشعاع متساويين في الفعالية؛ هي إجراء تجارب واسعة وطويلة الأمد، يتم فيها اختيار المرضى المتشابهين (المتساوين) بصورة عشوائية تبعا لشروط تجربية مختلفة. وقد بدأ المعهد NCI تجارب للإجابة عن بعض هذه الأسئلة، ولكن العنصر الأساسي هو المزيد من العمل. ويجب على الأبحاث أيضا متابعة الاقتراحات بأن المعالجة الهرمونية يمكن أن تطيل الحياة إذا أعطيت للمصابين بالمرض النقيلي عندما تكون النقائل ضئيلة وغير محدثة أعراضا بعد. وبمحاذاة مثل هذه الأبحاث يجب أن تكون هناك تحريات أوسع وصولا إلى أساليب جديدة للمعالجة.

 

وبالتمويل الكافي فقط يمكن للخلافات الدائرة أن تؤدي إلى اتفاق في الرأي على أساس سليم، وحينئذ فقط سنحقق الهدف المشترك لكل من له علاقة بالمعارك الدائرة حول المسح والمعالجة: ألا وهو زيادة واضحة في مدى ونوعية الحياة التي يتمتع بها الرجال الذين يصابون بسرطان الموثة.

 

 المؤلف

Marc B. Garnick

أستاذ مشارك بمعهد دانا فارپر للسرطان في كلية الطب بجامعة هارڤارد، حيث يعتني بمرضى السرطان البولي التناسلي. وهو أيضا نائب رئيس للتطوير السريري في معهد العلوم الوراثية المحدود، وهي منشأة للتقانة الحيوية في كامبردج، ماساتشوستس. وكان گارنيك أحد الرواد في الاختبار السريري لعقار ليوپروليد leuprolide لمعالجة سرطان الموثة النقيلي، ويقوم الآن بتطوير أدوية أخرى.

 

مراجع للاستزادة 

NATIONAL CANCER INSTITUTE ROUNDTABLE ON PROSTATE CANCER: FUTURE RESEARCH DIRECTIONS. Andrew Chiarodo et al. in Cancer Research, Vol. 51, No. 9, pages 2498-2505; May 1, 1991. HIGH 10-YEAR SURVNAL RATE IN PATIENTS WITH EARLY, UNTREATED PROSTATIC CANCER. Jan-Erik Johansson et al. in Journal of the American Medical Association, Vol. 267, No. 16, pages 2191-2196; April 22/29, 1992.

PROSTATE CANCER: SCREENING, DIAGNOSIS, AND MANAGEMENT. Marc B. Garnick in Annals of Internal Medicine, Vol. 118, No. 10, pages 804-818; May 15, 1993.

A DECISION ANALYSIS OF ALTERNATIVE TREATMENT STRATEGIES FOR CLINICALLY LOCALIZED PROSTATE CANCER. C. Fleming, J. H. Wasson, P. C. Albertsen, M. J. Barry and J. E. Wennberg in Journal of the American Medical Association, Vol. 269, No. 20, pages 2650-2658; May 26, 1993.

THE PROSTATE-CANCER DILEMMA. Charles C. Mann in Atlantic Monthly, Vol. 272, No. 5, pages 102-118; November 1993.

RESULTS OF CONSERVATIVE MANAGEMENT OF CLINICALLY LOCALIZED PROSTATE CANCER. Gerald W. Chodak et al. in New England Journal of Medicine, Vol. 330, No. 4, pages 242-248; January 27, 1994.

Scientific American, April 1994

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى