أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
رياضيات

التبادلات من خلال الفرَكتلات

التبادلات من خلال الفرَكتلات(1)

لكي يتمكن جزيء من العبور من وسط إلى آخر

ينبغي عليه الوصول إلى جوار السطح الفاصل بينهما

ثم عبور هذا السطح. تشبه السطوح البينية الفركتلية،

المحسوبة نظريا، السطوح البينية التي نجدها في الطبيعة.

<B .سابوڤال>

 

يعبر دفقٌ من المادة السطوحَ الفاصلةَ بين وسطين أثناء العديد من العمليات الطبيعية أو الصنعية. فمثلا تتبادل النباتات الماء والأملاح المعدنية مع الأرض عبر سطوح الجذور، ويحدث تبادل أكسجين الهواء مع هيموغلوبين الدم عبر سطوح الأسناخ alveoli الرئوية، كما يحمل سطح الأمعاء زغابات villosities  تسمح  لمركبات الغذاء الجزيئية بالارتشاح عبر سطح الأمعاء نحو الدم، وتشكل هذه العمليات الطبيعية أساس الحياة.

 

لنأخذ مثال الرئة البشرية التي تحتوي على لتر واحد من الدم بشكل دائم. فعند كل خفقة قلبية يصل لتر واحد من الدم الوريدي إلى سطح التبادل ثم يُسحب بعد إعادة أكسجته reoxygenation  فيصبح دمًا شريانيًا. إذا مُدَّ هذا السطح على مستو أفقي فستصل مساحته إلى أكثر من مئة متر مربع، أي ما يعادل مساحة ملعب كرة المضرب (التنس)، ولهذا يجب أن تتوافر منظومة رائعة للتروية والتصريف من أجل توزيع واستخلاص الدم من هذا السطح وبهذه السرعة. وإذا قسّمنا هذا الحجم (لتر واحد) على السطح فسنحصل على ثخانة الدم الرئوي، وهي تعادل عدة أجزاء من ألف من المليمتر. وهذا ليس كل شيء، إذ يجب جلب الهواء مع محتواه من الأكسجين الطازج إلى سطح التماس مع الدم الرئوي.

 

عندما نُقلع بالسيارة فإننا نريد من بطارية (مدخرة) المركم accumulator منح استطاعة كافية لإقلاع المحرك، ومن أجل الحصول على ذلك نحتاج إلى تيار عال نسبيًا. غير أن العملية الكهركيميائية electrochemical ـ التي تولد هذا التيار ـ تحصل على السطح الفاصل بين المسرى والكهرل(2) electrolyte، حيث تحدد مرور التيار على هذا السطح الفاصل عمليات كيميائية من الأكسدة والإرجاع ذوات سرعات محدودة. ولكن هذه السرعات تحد من شدة التيار المتاح (وهي عدد الأمبيرات المارة عبر سطح مساحته سنتيمتر مربع واحد). فإذا أردنا الحصول على تيار كاف (وليكن مئة أمبير مثلا) من أجل دوران المحرك في هذه الشروط، يجب أن يكون لدينا سطح تبادل مساحته عدة أمتار مربعة تقريبًا. ولذلك يستعمل صانعو البطاريات مساري ذات سطوح فعالة كبيرة مثل المساري «المسامية»، ويكون السطح فعالاً شريطة أن يحتوي الوسط المسامي على ثقوب واسعة وأن تكون عملية الوصول إلى عمق المسامات «سهلة».

 

يعتمد تطوير السيارة الكهربائية (وتطوير كل الأجهزة المحمولة التي تعمل بوساطة البطارية) على تحسين أداء سطوح التبادل التي ظل دور هندستها الحقيقية مفهومًا بقدر ضئيل أو غير مفهوم كليًا حتى أمد قريب. كما تستعمل الصناعة الكيميائية وسائط مسامية ذوات سطوح فعالة كبيرة جدا (تتراوح مساحتها بين مئة ومئتي متر مربع مثلاً لكل غرام واحد من المادة). وهكذا نستنتج ضرورة استعمال سطوح تبادل كبيرة جدا من أجل استمرار الحياة (وهو أمر مفيد أو ضروري لحدوث الكثير من العمليات الصناعية). فضلا عن ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هذه السطوح تكون غير منتظمة في أكثر الأحيان.

 

إننا نعرف من الناحية الكيفية هذا كله منذ مدة طويلة، وعلى الرغم من ذلك بقيت الناحية الكمية لظواهر التبادلات خافية علينا، إذ كانت تنقصنا أداتان لم تظهرا إلا حديثا، وأدى ظهورهما إلى فهم دور عدم الانتظام الهندسي في عمل هذه الأعضاء أو تلك الآلات. وهاتان الأداتان هما ظهور الهندسة الفرَكتلية (الكسرانية) fractal كتمثيل ممكن لعدم الانتظام، والبرهان على أن هذه الظواهر كلها ذات أساس عميق واحد يتميز بأنها كلها محكومة بنمط واحد من المعادلات الرياضياتية التي تحكم انتقال المادة نحو السطوح البينية من ناحية، ومرور المادة عبر هذه السطوح من ناحية أخرى.

 

وصف عدم الانتظام بوساطة الهندسة الفرَكتلية

تعرف الفركتلات عادة من خلال الصور الملونة الجميلة لمجموعات جوليا Juliaوماندلبروت Mandelbrot، حيث تظهر الهندسة الفركتلية فيهما كأعجوبة رياضياتية. إن هذا المظهر على ما فيه من جاذبية، قد يحجب أساس الهندسة الفركتلية: ففي الطبيعة تظهر هذه الهندسة في دورين مختلفين، أولهما دور «هندسة حساب الاحتمالات»، إذ يبدو أن الهندسة الفركتلية هي الهندسة الطبيعية للعديد من الظواهر العشوائية، كالحركة البراونية على سبيل المثال.

 

ويرتبط الدور الآخر، الذي نريد دراسته هنا، بواقع أن الهندسة الفركتلية تظهر كلما احتجنا إلى خطوط غير محدودة الطول ولكنها محصورة ضمن سطوح محدودة، أو لسطوح ذوات مساحة غير محدودة ومحتواة ضمن حجوم محدودة.

 

لنعد إلى التعريف الأكثر بساطة للفركتلات. إن طول منحني <ڤون كوخ>Koch غير محدود مع أنه محتوى بالكامل ضمن سطح محدود. ويمكننا إنشاء خط متكسر ذي طول غير محدود ابتداء من عملية قطع وإعادة وصل متكررة عدة مرات [انظر الشكل a 2]. وهذه العملية الأخيرة ـ التي يسميها الرياضياتيون التكرار itteration ـ تسعى نحو اللانهاية ويكون خط فون كوخ غير محدود أيضا بسبب تزايد طوله في كل مرحلة. فإذا أجرينا عملية التقطيع وإعادة البناء هذه على مربع، لا على خط، ثم كررنا هذه العملية مرات كثيرة، نحصل عندئذ على سطح فركتلي [انظر الشكل b 2]. قد تكون هذه الهندسة مناسبة لمسرى بطارية مثالية أو لهندسة رئة مثالية، لأن هذه الهندسة تبدي سطحًا «لانهائي» الاتساع.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N6-7_H04_005163.jpg

1. إن البنية الأساسية للجهاز التنفسي واحدة عند كل الثدييات. نرى على نموذج الرئة البشرية المبين في الشكل (a) الشرايين باللون الأحمر والأوردة باللون الأزرق والقصبات باللون الأبيض. يتحرك الهواء بوساطة حركة القفص الصدري حتى وصوله إلى المنطقة العنيبية (الحويصلية)، ويبين الشكل (b)، عنيبة فأر، وهي المنطقة التي تحدث فيها تبادلات الأكسجين مع الدم. كما يبين مقطع في المنطقة العنيبية عند الأرنب (c) بنية الأسناخ فيه. تستعمل نمذجة البنى السنخية من أجل فهم الظواهر التي تتحكم في انتثار جزيئات الأكسجين عبر هذا السطح. يقابل توزع أسناخ المنطقة العنيبية (التي من أجلها يكون انتثار الجزيئات ومرورها عبر الغشاء مثاليين) الحالة التي يكون فيها محيط مقطع الجسم (الممثل باللون الأحمر) بمستو ما مساويا حاصل قسمة معامل الانتثار على نفاذية الغشاء. تبين القياسات التي أجريت على الأرنب والفأر والجرذ أن قيمة محيط منمذج بوساطة الفركتلات لا تكون بعيدة عن القيمة المثلى. وقد حصلنا على هذه النتائج من خلال الدراسات النظرية والتجريبية المجراة على مسار فركتلية.

 

لكن العناصر المكونة للأجسام الحية ذات طول محدود في عالم الفيزياء المحيط بنا أو في عالم الأحياء الذي بداخلنا، ولهذا السبب تتوقف عملية التكرار المذكورة آنفًا بعد عدد معين من المراحل. وحتى في هذه الحالة (التي يمكن أن ندعوها بالفركتلية الفيزيائية) يصبح السطح الكلي كبيرًا عند مده، وهذا السطح الكبير هو الذي نأمل منه أن يتيح انتقالات غزيرة. وفي الواقع، إذا أمكننا نقل كل المواد أو الجزيئات إلى تماس مع هذا السطح فإننا سنحرز نصرا مؤكدا، إذ سيزيد الانتقال بالقدر نفسه. لكن الطبيعة، لسوء الحظ، لا تملك «أيادي سحرية» تأخذ الجزيئات واحدة تلو أخرى فترتِّبها على طول السطح كي تيسِّر امتصاصها. ومهما بدا كل ذلك مدهشا فإن المصادفة ـ التي تتخذ هنا شكل الحركة البراونية للجزيئات ـ ستضطلع بهذا الدور، وهذه هي ظاهرة الانتثار diffusion التي لها حدودها الذاتية.

 

الانتثار

إن انتثار الجسيمات ظاهرة شائعة في الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا وحتى في المطبخ، وكلنا نعلم أننا إذا وضعنا قطرة حبر على سطح ماء في وعاء، نرى بعد فترة وجيزة من الاضطراب، الذي قد يثيره سقوط القطرة في الماء، أن لون الحبر سيتوزع ببطء توزعا ضبابيا في الماء كله، فهل توجد قوة تجذب اللون نحو الأسفل؟ كلا، لأننا نستطيع إجراء التجربة نفسها من الأسفل إلى الأعلى، وإن كان على نحو أصعب بقليل. يمكننا مثلا وضع وعاء مملوء بالماء فوق زجاجة حبر مغلقة بوساطة صنبور وعملُ تماس بين السائل الملون (الحبر) والسائل غير الملون (الماء). تُرى ماذا سيحدث عند ذلك؟ إنكم تعرفون الجواب، إذ تحدث ظاهرة توحُّد اللون نفسها وسيحدث المزج من الأسفل إلى الأعلى، فما سبب هذه الظاهرة؟

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N6-7_H04_005164.jpg

2. توليد الفركتلات في مستو (a) وفي الفراغ (b). في القسم (a) ننشئ منحنيا ذا طول لانهائي على صفحة ورقية عن طريق عملية تكرار متعاقب. نبدأ من قطعة واحدة ثم نقسمها إلى ثلاثة أقسام متساوية. في المرحلة التالية نستعيض عن القسم الأوسط بالعِقد المكوَّن من ثلاث قطع متساوية. ونحصل بالتالي على خط مكون من خمس قطع. ثم نعيد هذه العملية على كل قطعة من القطع الخمس التي حصلنا عليها. وهكذا نحصل على المنحني الثالث بعد حدوث تكرارين. وعلى القسم (b) ننشيء سطحا فركتليا ابتداء من مربع نقسِّمه إلى تسعة مربعات متساوية. ننزع المربع المركزي ونضع مكانه قبعة صغيرة. بإعادة هذه العملية على كل مربع نحصل على سطح فركتلي ذي مساحة كبيرة جدا، بحيث تصل في ختام الأمر إلى اللانهاية.

 

يحدث الانتثار نتيجة حركة الذرات والجزيئات حركة عشوائية (في حالة الحبر تكون الجزيئات هي جزيئات الملون). تتعرض الجزيئات المكونة للسوائل أو للغازات إلى حركة عشوائية تدعى الهياج الحراري thermal agitation. لنفترض إذًا أننا وضعنا في وعاء جزيئات من نوعين مختلفين، جزيئات A وجزيئات B، وأن هذه الجزيئات كانت في البدء متوزعة في منطقتين متمايزتين، منطقة غنية بالجزيئات A وأخرى غنية بالجزيئات B. وبما أن كل جزيء سيتعرض إلى حركة عشوائية تماما بمرور الزمن، فإن بعض الجزيئات A، التي كانت في اليسار، سوف تصبح في اليمين، وفي الوقت ذاته سنجد بعض الجزيئات B في اليسار. وبدلا من أن يتحرك كل جزيء على الدوام باتجاه حركته الأولية فإنه يقابل جزيئات أخرى ويتصادم معها لدرجة أن ينعطف مساره هنا وهناك باتجاهات شتى. وهكذا تحمل حركة مجموع الجزيئات (الناتجة من الحركة العشوائية للهياج الحراري) اسم الانتثار. تسبب هذه الظاهرة تساوي تركيزي الجزيئات Aو B  في كل مكان، أي إننا بعد زمن معين، سنحصل ـ وسطيا ـ على العدد نفسه من الجزيئات A والجزيئات B في اليمين واليسار. وهكذا تتوزع جزيئات ملوِّن الحبر عن طريق الانتثار في السائل كله.

 

وهذا ما يحدث أيضا عند إذابة ملح الطعام (وهو كلور الصوديوم) في الماء. فإذا وضعنا حبة ملح في وعاء مليء بالماء تبدأ إيونات الكلور والصوديوم (التي تنحل عند تماسها مع الماء) بإغناء طبقات الماء القريبة من حبات الملح. تتحرك هذه الإيونات الخاضعة للهياج الحراري ضمن السائل «بشكل عشوائي»، وبعد زمن معين يصبح تركيز الملح واحدا في الوعاء كله.

 

ويحدث الشيء نفسه عندما يذر المزارعون السماد على الأرض وعندما تتوزع جزيئات الأسبرين (حمض الأسيتيل ـ ساليسيليك) acetylsalicylic acid  في  الجسم، إذ يؤمن هذا الانتثار الانتقال النهائي للأسمدة نحو الجذور وللأدوية نحو الأعضاء الحساسة. تحدث ظاهرة انتقال المادة حتى في غياب جريان الماء أو الدورة الدموية، ومن أجل حدوث هذا الانتثار يكفي وجود هياج حراري وعدم تساوي التراكيز في منطقتين من الفضاء (الفراغ) . وهذا يعني حدوث تدفق واضح من المناطق الغنية نحو المناطق الفقيرة، حيث نصف ذلك بقولنا إن للمناطق الغنية «كمونًا» أكبر، وما هذا الكمون هنا إلا الكمون الكيميائي.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N6-7_H04_005165.jpg

3. تسعى الحركة العشوائية للجسيمات إلى جعل التراكيز متساوية في كل مكان من خلال ظاهرة الانتثار. ننطلق من الحالة (a) التي تكون فيها الجسيمات A موجودة في اليسار والجسيمات B في اليمين: توجَّه سرعات الجسيمات A و B عشوائيا بسبب التصادمات المتتالية، ونحصل بعد زمن معين على توزع مؤقت. بعد مرور زمن طويل نحصل على الحالة (b) التي يكون فيها تركيزا A و B مساويين للقيمة الوسطى في كل مكان. وهكذا نكون قد حققنا انتقالا واضحا لـ A من اليسار إلى اليمين ولـ B من اليمين إلى اليسار.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N6-7_H04_005166.jpg

4. تخضع أربع ظواهر فيزيائية مختلفة، في حالات هندسية متطابقة إلى معادلات لاپلاس. وهكذا تتحكم المعادلة نفسها في توزع الكمون الكهربائي بين لبوسي مكثفة محمولين إلى كمونين مختلفين (a)، أو في التيار الكهربائي في وسط مقاوم بين مسريين (b)، أو في درجة الحرارة بين صفيحتين لهما درجتا حرارة مختلفتان(c) ، أو في تركيز الجسيمات الصادرة عن منبع والممتصة في بئر في الحالة المستقرة (d).

 

في البطارية، سيتجه التيار الكهربائي (أو تدفق الجسيمات المشحونة، أي الإيونات) من المناطق ذات الكمون الأعلى إلى المناطق ذات الكمون الأخفض، ولكننا سنعنى هنا بالكمون الكهربائي فحسب.

 

مشابهة مدهشة وواضحة

توجد في عالم الفيزياء ظواهر ذات طبيعة مختلفة جدا، مع أنها توصف بوساطة معادلات متماثلة. غير أن التشابه الرياضياتي لا يعني تطابق هذه الظواهر فيما بينها، لكنه ينبئ بتطابق المعادلات التي تصف هذه الظواهر. فلدينا معادلة واحدة اسمها معادلة لاپلاس Laplace، تحكم توزع الكمون الكهربائي في مكثفة capacitor، وتعين توزع الكمون الكهربائي في وسط مقاوم يسري فيه التيار، وتحكم التوزع الاستقراري لدرجات الحرارة بين منبع ساخن وآخر بارد في وسط ناقل للحرارة؛ كما أنها تحدد التوزع الاستقراري للجسيمات التي يتبادلها منبع جسيمات وغشاء ماص تمامًا (بئر).

 

يسمح وجود التطابق، فيما بين المعادلات التي تحكم هذه الظواهر، باستعمال مبادئ مجال ما من أجل حل مسألة في مجال آخر. ويمكن أيضا استعمال تجربة كانت قد أتاحت قياس مفعول ما في مجال معين (وليكن مقاومة منظومة الشكل b 3مثلا) من أجل استنتاج انتقال الحرارة في منظومة [الشكل c 3]. وإذا أردنا معرفة سعة المكثفة المرسومة في الشكل a 3فإننا نقيس المقاومة في الشكل b 3ثم ننتقل بالتشابه إلى الشكل a3.

إن التشابه بين الانتثار والكمون الكهربائي، وهو في الواقع تكافؤ تام، مدهش حقا، إذ تُظهِر هذه المشابهة تماثلا ظاهريا بين ظواهر ذات طبيعة مختلفة تماما، فالتناثر ناتج من القيمة الوسطى للخطوات العشوائية (أو البراونية)، وتوزع الكمون في المكثفة هو من خصائص الفضاء عندما نعرضه لشحنات كهربائية. ولا شك في أن طالب الفيزياء، الذي يدرس الكهرباء الراكدة (السكونية) (أي خصائص المنظومات ذات الشحن الثابتة) والذي لم يسمع بعد بالظواهر العشوائية، سوف يندهش عندما يعلم أن الكثافة الموضعية للشحنات على لبوس plate غير منتظم للمكثفة، تتناسب مع احتمال وصول الجسيمات  المتغلغلة إلى غشاء له الهندسة الفركتلية نفسها.

 

وهكذا كان من الواجب الانتظار حتى مجيء الثمانينات وظهور مبرهنة ماكاروڤ Makarov theorem الدالة على أنه مهما كان شكل جسم (ولو كان فركتليا) موجود في مستو، فإن توزع الشحنات الكهربائية (ولو كان غير منتظم البتة) على هذا الجسم المشحون يتبع قاعدة بسيطة [مُبيَّنة في الشكل 5]. سنستعمل هذه المبرهنة في صورة مبسطة من أجل حساب تدفق المادة عبر الأغشية ذات النفاذية المحدودة.

 

الانتقالات الواقعية

إن الواقع الحقيقي، ولو كان مثاليا، أكثر تعقيدا مما وصفناه؛ إذ لا ينبغي على الجزيئات الوصول إلى الغشاء فحسب بل يجب عليها عبوره أيضا. وبالمثل يجب على خطوط التيار في الخلية الكهركيميائية أن تصل إلى المسرى، ولكن المسرى نفسه يبدي بعض المقاومة لانتقال الإيونات، وهذا ما يسمى بالمقاومة الفارادية faradaic resistance.

 

ونبين هذه الظاهرة في الشكل 6: يوجد منبع جسيمات في الأعلى، فبعد مغادرة المنبع تتبع الجسيمات خطوات عشوائية بحيث يعود أغلبها إلى المنبع ولا تشارك في عملية الانتقال، ولكن بعض الجسيمات سيذهب ويرتطم بالغشاء بحيث يصبح من المحتمل امتصاصه عنده، وستكون هذه الأخيرة هي الجسيمات المسؤولة عن الانتقال إذا كان الانتقال عبر الغشاء سهلا، أي إذا كان للغشاء نفاذية غير محدودة وإذا امتص الجسيم عند الصدمة الأولى.

 

ماذا تعني «النفاذية غير المحدودة» Sinfinite permeability يمكننا تمثيل غشاء لا حدود لنفاذيته [انظر الشكل a7] بوساطة سطح يحتوي على ثقوب أو مسامات تسمح بمرور أي جسيم يصل إلى هذا السطح وتظل هذه الثقوب مفتوحة على الدوام. عندئذ يكون الغشاء عديم المقاومة تماما إزاء مرور الجزيئات وتكون النفاذية غير محدودة (لانهائية). وعلى العكس، لنتصور أن مسامات أو ثقوب الغشاء لا تظل مفتوحة إلا خلال فترة زمنية محدودة. عندئذ لا تستطيع الجسيمات، الواصلة في أثناء خطواتها العشوائية أمام مسام مغلق مؤقتا أن تعبره، بل ترتد وتستمر في حركتها العشوائية كما هو مبين في الشكلb 7. وهكذا يطرأ تباطؤ على الانتقال عبر الغشاء، فالغشاء يبدي إذًا بعض المقاومة إزاء مرور الجسيمات المتحركة عشوائيا، وتصبح نفاذيته محدودة (بعد أن كانت غير محدودة). وتبقى المعضلة بالنسبة إلينا هي فهم كيفية توافق عملية الانتقال نحو الغشاء مع عملية عبوره.

 

لنرجع مرة أخرى إلى مثال الرئة، حيث تؤمِّن منظومتان متتاليتان نقل الأكسجين نحو الدم، ففي القصيبات bronchioles ينتقل الأكسجين بالتهوية؛ أي إن هناك تيارا هوائيا. لكن الرئة ليس فيها مخرج للهواء، ولا توجد تهوية بالمعنى الدقيق على مستوى الأسناخ الرئوية. إذًا كيف ينتقل الأكسجين نحو الخلايا الدموية بحيث يتمكن من التثبت على الهيموغلوبين؟ الجواب هو أن انتثار الأكسجين ضمن الهواء الساكن هو الذي يضمن الانتقال. ويتناقص تركيز الأكسجين في الهواء على مقربة من الغشاء بسبب استهلاك الأكسجين عنده، لكن الحركات العشوائية لجزيئات الأكسجين في الهواء هي التي تجلب جزيئات جديدة إلى التماس مع هذا الغشاء. وفي الوقت نفسه يتباطأ النقل المحلي بسبب النفاذية المحدودة للغشاء.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N6-7_H04_005167.jpg

5. تشير مبرهنة مكاروڤ «المبسطة» إلى القواعد التي يتبعها توزع الشحن على أجسام ذات طبيعة فركتلية. فعلى لبوسٍ (a) مستوٍ لمكثفة يكون توزع الشحنات متجانسا في البداية، ولكن بعد التكرار عدة مرات (b) و(c)، لا يبقى توزع الشحنات متجانسا، وهذا يعني أن بعض المناطق تصبح مشحونة كثيرا، أما قعر المسار فيصبح قليل الشحنة. يرتكز أول تبسيط (في اليمين) على إبدال التوزع الطبيعي للشحنات بمنطقتين، الأولى مشحونة بشكل متجانس (باللون الأحمر)، والثانية خالية من الشحنة. ويشير تبسيط مبالغ فيه لنظرية مكاروڤ إلى أن طول القسم المشحون (باللون الأحمر) يكون ثابتا بين تكرار وآخر، في حين يزداد طول الفركتل. يمكننا تطبيق نظرية مكاروڤ على توزع احتمالات وصول الجسيمات المنتثرة على هذه البنى. يقاس الجزء الفعال من البنية من خلال نسبة الطولين الأحمر والأزرق.

 

يمكن تعميم المشابهة التي عرضناها سابقًا على حالات واقعية، إذا أخذنا خواص السطوح نفسها بعين الاعتبار، ففي البطارية منطقتان يحدد التماس عندهما الكمونَيْن الكهربائيين للمسريين، كما يبدي السطح مقاومة فارادية. وكذلك الحال في الرئتين، على مستوى العُنيبة (الحويصل) acinus (وهو اسم المنطقة الطرفية) التي يجري النقل ضمنها عن طريق الانتثار، حيث يوجد خط افتراضي يتحدد عنده توافر كمية الأكسجين بفضل وصول الهواء عن طريق التهوية. وما يثبَّت في هذه المنطقة هو الكمون الكيميائي عوضا عن الكمون الكهربائي، كما يبدي غشاء الرئة نفاذية محدودة.

 

فعالية الانتقال الحقيقي

ستسمح لنا نمذجة modelling النفاذية المحدودة، القريبة جدًا من الحقيقة، بتنفيذ عملية تسمى «حبحبة» coarse graining تفاصيل الغشاء. وهي عملية تتيح حساب مفعول النفاذية المحدودة. والسؤال المطروح عندئذ هو: ماذا يحدث لمتحرك عشوائي عندما يصطدم بممر مغلق مؤقتًا؟ إنه يعود إلى مشيته العشوائية في أي اتجاه، ولكن بما أنه لا يملك أي اتجاه محدد للحركة (بمعنى أنه قد يذهب لليمين أو لليسار، للأعلى أو للأسفل) فسيكون له حظ كبير في العودة إلى الممر نفسه أو إلى ممر مجاور (يمكن أن يكون هذا الممر (المسام) الأخير مفتوحًا أو مغلقًا). وبعد عدد معين من المحاولات سيجد المتحرك ممرًا مفتوحًا وسيعبر الغشاء.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N6-7_H04_005168.jpg

6. مصير جسيم منتثر يصادف غشاء لا حدود لنفاذيته (في اليسار) أو غشاء محدود النفاذية (في اليمين). في اليسار، يُمتص الجسيم بعد تصادمه الأول مع السطح النفوذ بمقدار لانهائي. في اليمين، لا يُمتص الجسيم في الصدمة الأولى وإنما بعد نحو 25 صدمة مع السطح النفوذ بمقدار محدود.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N6-7_H04_005169.jpg

7. الانتثار نحو غشاء حقيقي: تمثيل تخطيطي لغشاء ذي نفاذية لانهائية (a) ولغشاء ذي نفاذية محدودة (b). لقد مثلنا مسارا عشوائيا لجسيم، كما نمثل الغشاء باللون الأزرق. تظل المسامات أو الفتحات مفتوحة دائما في الغشاء النفوذ تماما. في يمين الشكل يتقدم الجسيم (الذي يتحرك عشوائيا على الشبكة) في الفترة الزمنية الأولى إلى أمام مسام مغلق للغشاء ذي النفاذية المحدودة، ولذلك لا يستطيع عبوره. ثم ينتقل الجسيم في حركة عشوائية ضمن الوسط. إثر هذه المشية، من المحتمل جدا أن يتقدم الجسيم إلى أمام مسام جديد قريب من الأول، وإذا كان هذا المسام مفتوحا فإنه يتم امتصاص الجسيم فيه. وخلال مساره العشوائي وقبل امتصاصه، يكتشف الجسيم منطقة ذات مساحة أكبر من مساحة المسام. وتعبِّر هذه المساحة الجديدة عن مساحة وحدة المنظومة التخيلية «المحبحبة» التي تعتبر فيها المسامات مفتوحة دائما وبالتالي تعتبر ماصة دائما.

 

بشكل عام، بدلاً من أن يُمتص الجسيم في الغشاء عند أول موضع يقترب فيه من المسام فإنه سيُمتص في منطقة تحتوي على عدد أكبر من المواضع الأولية للعبور. ويدلنا الحدس، في حال تناقص الزمن النسبي لانفتاح المسامات، أن الجسيم يستغرق، وسطيا، زمنًا أكبر لكي يجد مسامًا مفتوحًا، وسيسير مسافة أكبر خلال هذه المدة. نمثل هذا الوضع في الشكل 6، الذي يبين مسارات عشوائية يُمتص الجسيم فيها بعد 25 صدمة على الغشاء، بحيث إن الجسيم، بدلاً من أن يُمتص في منطقة صغيرة، (وهي منطقة مسام أوَّلي إذا بقي المسام مفتوحا على الدوام) سيمتص في منطقة أكبر. ويمكننا أيضًا تحويل الهندسة الحقيقية، غير الماصة تمامًا، إلى هندسة ماصة تمامًا إذا اعتبرنا أن الهندسة الحقيقية متألفة من مواضع جديدة أكبر حجمًا ولكنها تُمتص في كل مرة. ويكون قَدُّ (حجم) هذه المواضع الجديدة هو المسافة الوسطية التي يجب على الجسيم اجتيازها لكي يمتص بقدر كامل.

 

في هذه العملية تعود «حبحبة» الهدف إلى إبدال الهدف الحقيقي بهدف تجريدي ألغينا فيه كل التفاصيل التي لها قَدٌّ أصغر من قَدِّ هذه المواضع الماصة الجديدة.

 

وهذا ما يحدث إذا أخذنا صورة فوتغرافية للمسرى الكهربائي باستخدام فيلم ذي «حبيبات» أكبر من أن تتيح للفيلم تصوير التفاصيل، ومن هنا جاءت كلمة «حبحبة»، وهذا ما يحدث أيضا عندما نسعمل منظارًا سيئًا: إذ لا يمكننا أن نرى به تفاصيل جسم حقيقي.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N6-7_H04_005170.jpg

8. حساب القسم الفعال من غشاء حقيقي ذي نفاذية محدودة. يتألف الغشاء الحقيقي (a) من أقسام جزئية رقيقة لا تكون كلها فعالة. يسبب الاحتمال المحدود لعبور الجسيمات للغشاء حدوث قفزات لهذه الأخيرة، وهذا ما يؤدي إلى وصول الجسيم إلى منطقة أكبر من المنطقة التي تحيط بالمسام، وهي المنطقة التي تقابل موضعا عيانيا للمنطقة «المحبحبة» (b). يحسب القسم الفعال من هذا الغشاء المحبحب كما هو مشار إليه في الشكل 5، والممثل باللون الأحمر في (c). يكفي الرجوع إلى الأقسام المقابلة للغشاء الحقيقي من أجل تحديد المناطق الفعالة (d). في هذه الحالة يعمل قسم واحد فقط من السطح بشكل فعال، وهذا ما يشكل استعمالا «سيئا» لسطح التبادل، يمكن حدوثه عندما نشحن أو نفرغ بطارية السيارة بسرعة زائدة.

 

تشكل عملية الحبحبة الخطوة الرئيسة في محاكمتنا لأننا، وقد أصبحنا الآن أمام هدف مصنوع من ماصات عيانية macrosites، نستطيع تطبيق ما تعلمناه من مبرهنة ماكاروڤ، وهي أن جزءًا معروفًا فقط يكون فعَّالا [انظر الشكلين 5 و 8]، ونحدد بالتالي المنطقة الفعالة عن طريق العودة، في نهاية المطاف، إلى الهدف الحقيقي. وهكذا نستطيع حساب الدفق عبر غشاء ذي نفاذية محدودة، وقد أمكننا بهذا النحو تفسير قياسات <M. كِدام> و <K. تاكنوتي> (من جامعة باريس VI) اللذين صنعا مساري فركتلية وقاسا سلوكها في خلية كهرلية، حيث تؤكد قياساتهما الصياغةَ التي قدَّمناها أعلاه. وإضافة إلى التطبيقات الكهركيميائية يمكننا التصديق على الطريقة السابقة وربما محاولة تطبيقها على المنظومات الحية.

 

لنشرح قبل ذلك خصائص المبادلات الفركتلية كما يمكننا استنتاجها من الأفكار السابقة. إن إحدى الخصائص المهمة جدًا للمبادلات الفركتلية هي عدم حساسيتها النسبية إزاء تغيرات العوامل التي تحكم التبادلات. وفي الحدود التي نستطيع ضمنها أن ننقل، إجماليًا، النتائج التي حصلنا عليها في النباتات وجذورها نستطيع إيراد الملاحظات التالية؛ إن شبكة الجذور المعقدة جدا، حيث مساحة التبادل كبيرة جدا، قادرة ومضطرة للعمل في ظروف متغيرة من درجات الحرارة والرطوبة بشكل خاص. وهنا تظهر «متانة» الهندسة الفركتلية: إذ تكون التبادلات عبر هذه الهندسة أقل حساسية لتغيرات الشروط الفيزيائية والكيميائية أو البيولوجية التي تحدد الانتثار والنفاذية. فعلى سبيل المثال، لا يكون التدفق الكلي متناسبًا مع النفاذية، وإنما مع النفاذية مرفوعة لأُسٍّ ذي قيمة أقل من الواحد، وبالتالي يكون هذا التدفق أقل حساسية من حساسية التدفق عبر سطح عادي.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/11/SCI95b11N6-7_H04_005171.jpg

9. خطوط تساوي الكمون أو تساوي التركيز من أجل فركتل ذي نفاذية كبيرة (a) ومن أجل الفركتل نفسه بنفاذية أقل (b). ينخفض التركيز إلى النصف من طرف شريط لوني إلى الطرف الآخر، كما نلاحظ أنه عندما تقل النفاذية يكون التركيز متجانسا أكثر وتستعمل الجسيمات المنتثرة سطح الغشاء بشكل أكبر. ويكون الغشاء المثالي هو الذي لا يحتوي إلا على شريطين ملونين، وهكذا يكون السطح كله معرضا لتركيز متجانس. (حسابات الشكل مجراة بوساطة<R.گوتفريند>، الذي يعمل حاليا في جامعة ماك گيل Mc Gill بمونتريال.)

 

وبتعبير آخر، من هذا المنطلق يكون من شأن النبتة التي لها جذور متشعبة جدا (إلى درجة فركتلية تقريبًا) أن تقاوم الجفاف بشكل أفضل مما تفعله نبتة ذات جذور أكثر انتظامًا. وربما كان التطور الطبيعي هو الذي انتخب الفركتليات، أو أنه ـ على الأقل ـ اختار للجذور تشابكًا معقًدا جدًا يسمح للنباتات بالبقاء، وللحيوانات بأكل النباتات ولآكلات كل شيء بأكل النباتات والحيوانات. ومع ذلك نحن لا ننكر سذاجة هذه الصورة، فهي تغفل معظم العمليات البيولوجية التي تؤدي دورا ما في النطاق المحيط بالجذور.

 

هل نتنفس بشكل جَيِّد؟

إذا درسنا الهندسة التي تتيح أفضل انتقال ممكن، نلاحظ أن العامل الأساسي هو أن تجلب التهوية كمية كافية من الأكسجين إلى المنطقة التي يحكمها الانتثار، وأن تصل الجزيئات أيضا إلى الغشاء وأن يمتصها. وهكذا يبلغ العدد الأمثل للمتحولات الفركتلية ثلاثة؛ ويوجد مبادل أمثل يقابل، في المصطلحات السابقة، موضعا عيانيا وحيدا، وهذا يعني كون كل مساحة البنية فعالة. يبين الحساب أن الحالة المثلى تقابل حالة يساوي فيها محيط مقطع الجسم الهدف (بمستو ما) حاصل ضرب عامل الانتثار بنفاذية الغشاء.

 

وهذان العددان معروفان بحيث يمكننا مقارنة شكل (مورفولوجية) الرئتين، أو على الأقل شكل العنيبة التي يحصل عندها نقل الأكسجين عن طريق الانتثار بأفضل عنيبة مصممة نظريًا. يصعب تحديد المعطيات التشريحية والفيزيولوجية للرئة، إن أفضل ما لدينا من معطيات حصلنا عليها من أعمال استغرقت عشرات السنين، ويقود <E. ويبل> الفريق الذي أحرز أكبر تقدم عالمي في هذا المجال في معهد التشريح بجامعة برن في سويسرا.

 

فبفضل أعمال هذا الفريق أصبحنا نملك معطيات عن أربعة من الثدييات: الفأر والجرذ والأرنب والإنسان. تبلغ القيمة المتوقعة بوساطة الحساب لطول مقطع «أفضل عنيبة ممكنة» عدة سنتيمترات. وتتطابق المعطيات المورفولوجية تقريبا مع هذه القيمة عند الفأر والجرذ والأرنب. أما عند الإنسان فلن تتحقق القيمة المثلى من أجل عنيبة كاملة بل من أجل «عنيبة جزئية»، وهذا تطابق مدهش حقا، نظرا للبساطة النسبية لنموذج الانتقال.

 

ليس التنفس وقفا على الثدييات وحدها؛ فالأسماك تتنفس أيضا ولكن في الماء حيث يكون انتثار الأكسجين أبطأ بآلاف المرات من انتثاره في الهواء. وهكذا يصبح القَدُّ المميز الذي يمكننا التنبؤ به من أجل غلاصم «جيدة» عند الأسماك أصغر بكثير، ويبدو أن المعطيات التشريحية تثبت هذه الصورة المثلى.

 

إن المواضع المحبحبة لا تعمل كلها في الجسم بقدر واحد، ونحن نعرف أن قسمًا واحدًا فحسب من السطح يعمل بشكل فعال. وفي حالة الرئة المثالية يعمل السطح كله، ولكن ما مساحة السطح الذي يعمل في حالة مسرى ضمن بطارية؟ إن مساحة المنطقة الماصة من المسرى تعتمد على قيمة التيار المار فيه فإذا كان التيار عاليًا نسبيًا تصبح مساحة المواضع العيانية صغيرة (ينتج هذا من صفة غير خطية في رد الفعل الكهركيميائي نفسه) بحيث يستعمل قسم صغير فقط من المسرى: إننا نستعمل بشكل سيئ السطح المتاح للمساري المسامية أثناء تفريغنا أو شحننا للبطارية بسرعة أكبر من اللازم. وهكذا نستطيع القول، إذا استعملنا مشابهتنا، إنه يجب على السيارة الكهربائية «التنفس ببطء» من أجل التنفس بصورة جيدة، وهذا ما يشكل، دون ريب، عقبة أمام استعمالها.

 

قيود وآمال: ترى هل يوجد مبادل شامل؟

تدور الدراسة السابقة حول أبسط حالة يمكننا وصفها. ومن المؤكد أن الكهركيمياء أكثر تعقيدا من ذلك، كما أن الانتقال عبر الأغشية أعقد بكثير مما وصفناه في هذه المقالة. لذا من المدهش تحقيق وفاق مرتكز على هذه المحاكمات المبسَّطة، ومع ذلك يتطلب هذا الوفاق توسيع هذه الأفكار. لنفرض مثلا أننا أمام حالة مرور مواد مختلفة عبر غشاء ما. وهنا يكون وجود عدة مبادلات «جيدة» أمرًا حيويًا بأدق ما لهذه الكلمة من معنى. يجب أن يحتوي غذاؤنا على مواد متنوعة جدًا كالماء والأملاح والأحماض الأمينية وهيدرات الكربون والأحماض الدسمة. ويجب على كل هذه المواد عبور الغشاء المعوي، وأيضًا يجب على كليتينا ترشيح إيونات وجزيئات مختلفة يشكل تراكمها خطرًا على حياتنا. ولكن لكل مادة أو إيون أو جزيء معاملات انتثار ونفاذيات مختلفة. وفي الواقع، يكون الانتقال في عالم الفيزيولوجيا فعالا وانتقائيًا، فمثلا لا تسمح بعض الأنسجة ارتشاح إلا هذا النوع أو ذاك من الإيونات. وسيكون المبادل المثالي هو الذي تكون فيه نسبة الانتثار إلى النفاذية مثالية من أجل جميع العناصر المراد ترشيحها، أو بمعنى آخر، مساوية إلى طول محيط مقطع بمستو، مثل عنيبةacinus مثالية. ويمكن تحقيق ذلك بتوزيع الأنسجة النفوذة لمواد عديدة بنسب  كافية. ويمكننا بذلك نظريا تحقيق مبادل متعدد مثالي.

 

تمثل هذه الاعتبارات كلها محاولة بسيطة من أجل ربط الشكل التشريحي بالدور الفيزيولوجي كميًا. كما قد تمكن من تصميم منظومات فصل أكثر فعالية، ولعلها تسمح أيضا بتحسين أداء الكلية الصنعية.

 

 المؤلف

Bernard Sapoval

مدير أبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي CNRS ومدير مختبر فيزياء الحالة الكثيفة في  مدرسة البوليتكنيك بباريس.

 

مراجع للاستزادة 

B. MANDELBROT, Les objets fractals, editions Flammarion,1984.

B. SAPOVAL, Les Fractales, Aditech, Paris.

B. SAPOVAL, R. GUTFRAIND, P. MEAKIN, M. KEDDAM et H. TAKENOUTI, Equivalent Circuit, Scaling, Random-walk…, in Physical Review E, I vol. 48, pp. 3333-3344,1993.

R. GUTFRAIND et B. SAPOVAL, Active Surface and Adaptability of Fractal Membrane and Electrodes, in Journal de physique, vol. 3, pp. 1801-1818,1993.

R. GUTFRAIND et B. SAPOVAL, Scaling and Active Surface of Fractal Membranes, in Fractals in Biology and Medicine, Birkhauser-Verlag, Bale, 1994

 B. SAPOVAL, Transfer To and Across Irregular Membranes Modelled by Fractal Geometry, in Fractals in Biology and ; Medicine, Birkhauser-Verlag, Bale, 1994.

Pour La Science, N° 198 Avril 1994

(1) fractals فركتلات (كسرانيات) ج: فرَكتل.

(2) الكهرل: مركب كيميائي يمرر التيار الكهربائي إذا ما صُهر أو حُلّ في مذيب معين، هو عادة الماء.  (التحرير)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى