أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

دور الرضاعة الطبيعية في حماية الوليد


دور الرضاعة الطبيعية في حماية الوليد

إن بعض الجزيئات والخلايا في اللبن(1) البشري تساعد الرضّع على درء الأخماج(2) بشكل فعَّال.

<J. نيومان>

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/12/SCI96b12N5-6_H02_005960.jpg

بعد تجرعها أحد الميكروبات (في اليسار) تصنع الأم الحديثة العهد جزيئات ضدية تدعى بالمفرز IgA الذي يدخل لبن الثدي (في الوسط) ويساعد على حماية الرضيع المتغذي من الثدي من المُمْرِضات في محيطه (في اليمين). وتتكفل بالميكروب، بشكل أكثر انتقاء، خلايا الأم M (الإضافة في اليسار) ـ وهي خلايا متخصصة في البطانة الظهارية للمجرى الهضمي ـ وتُمرَّر إلى الخلايا المناعية المعروفة بالبلعميات. وهذه تحطم العامل الممرض وتنشر أجزاءً منه (أي المستضدات) إلى الخلايا المناعية الأخرى المسماة باللمفاويات التائية المساعدة التي تفرز مواد كيميائية تُنَشِّط أيضا خلايا مناعية أخرى هي اللمفاويات البائية. وبعد ذلك تنضج الخلايا البائية لتصبح ما يُسمى بالخلايا المُصَوِّرِيَّة (الپَلْزَمِيَّة)

plasma cells التي ترحل إلى النُّسُج الظهارية في الثدي وتحرر الأضداد (الإضافة في الوسط). وتدخل بعض هذه الجزيئات في اللبن فيلتهمها الوليد. وفي داخل المجرى الهضمي للرضيع (الإضافة في اليمين) فإن الأضداد، التي يحميها المركب الإفرازي من الانحلال، تحول دون تسرب الأحياء المكروية (الصغرية) إلى أمعاء الوليد.

 

عرف الأطباء منذ أمد طويل بأن الأطفال الذين يرضعون من الثدي أقل إصابة بالأخماج من هؤلاء الذين يتناولون لبنا بديلا formula. وقد سلّمت غالبية الأطباء بوضوح، وحتى فترة قريبة، بأن هؤلاء الأطفال الذين يرضعون من الثدي يصبحون أحسن حالا لأن اللبن الذي يفرزه الثدي مباشرة هو ببساطة خالٍ من البكتيريا (الجراثيم). أما اللبن البديل الذي يجب أن يُمزج في أكثر الأحيان بالماء ويعبأ في الزجاجات فمن الممكن أن يتلوث بسهولة. كما أن الرضع الذين يتناولون اللبن البديل المعقَّم يعانون التهابات السحايا وأخماج الأمعاء والأذن والمجاري التنفسية والبولية أكثر من أولئك الذين يرضعون من الثدي.

 

ويعود السبب كما يتبين بوضوح إلى أن لبن الأم يساعد، بفعالية، حديثي الولادة (الولدان) newborns على تجنب المرض بطرق مختلفة. وتكون هذه المساعدة مفيدة وبخاصة في الأشهر القليلة الأولى من الحياة عندما لا يستطيع الرضيع أن يؤسس غالبا استجابة مناعية فعالة ضد الكائنات الحية organismsالغريبة. وبالرغم من أن تلك ليست هي القاعدة لدى غالبية المجتمعات الصناعية، ينصح اليونيسيف(3) ومنظمة الصحة العالمية معا بالرضاعة من الثدي breast feeding حتى “العامين وما بعدهما”. وبالفعل فإن الاستجابة المناعية immune response للطفل لن تصل إلى قوتها قبل السنة الخامسة من العمر أو ما بعدها.

 

يتلقى جميع الصغار عند البشر بعض الحماية قبل الولادة. وتنقل الأم أثناء الحمل الأضداد antibodies  عبر المشيمة، وتجري هذه البروتينات في دم الرضيع خلال زمن يمتد من أسابيع إلى أشهر بعد الولادة وتقضي على تأثير الميكروبات أو تُعِدّها للتدمير من قبل الملتهمات(4) phagocytes وهي خلايا مناعية تستهلك وتحطم البكتيريا والڤيروسات والأشلاء الخلوية، ولكن الأطفال الذين يرضعون من الثدي يكتسبون حماية إضافية من الأضداد وبروتينات وخلايا مناعية أخرى متواجدة في اللبن البشري.

 

وعندما تدخل هذه الجزيئات والخلايا مع الطعام، فإنها تساعد على الحيلولة دون تسرب الأحياء المكروية (الصغرية) microorganisms إلى نُسُج (أنسجة) الجسم. ويرتبط بعض هذه الجزيئات بالميكروبات في المسافة المجوفة (اللمعةlumen) للمجرى المعدي المعوي. وفي هذا المسار فإنها تحاصر الميكروبات المتصلة بها عبر الغشاء المخاطي mucosa وهو طبقة من الخلايا ـ تُعرف أيضا بالظهارةepithelium ـ تبطن المجرى الهضمي وتجاويف الجسم الأخرى. وتقوم جزيئات أخرى بإنقاص مخزون بعض الفيتامينات التي تحتاج إليها البكتيريا الضارة للبقاء حية في المجرى الهضمي. وتكون بعض الخلايا المناعية في اللبن البشري من الملتهمات التي تهاجم البكتيريا مباشرة. وتُنْتِج مجموعة أخرى منها بعض المواد الكيميائية التي تعزز الاستجابة المناعية الخاصة بالرضيع.

 

الأضداد في لبن الثدي

تأخذ الأضداد التي تدعى أيضا الگلوبُلينات المناعية immunoglobulines خمسة أشكال أساسية يرمز لها اختصارا IgG, IgA, IgM, IgD, IgE. وقد توافرت كلها في اللبن البشري ولكن أكثرها غزارة، بما لا ينافس، هو IgA وبخاصة الشكل المعروف بالمفرز secretory IgA المتواجد بكميات كبيرة على امتداد الأمعاء والجهاز التنفسي لدى البالغين. وتتألف هذه الأضداد من جُزَيْئين متصلين من IgA أو من المركب الإفرازي المذكور الذي يبدو أنه يحول دون انحلال الجزيئات الضدية بسبب الحمض المعدي والإنزيمات الهضمية في المعدة والأمعاء. ويمتلك الأطفال الذين يرضعون بالزجاجة (الرضّاعة) bottle-fed وسائل قليلة لمقاومة الممرضات  (العوامل الممرضة) إلى أن يبدؤوا بصنع المفرز IgA  بأنفسهم وكثيرا ما يتم ذلك  بعد الولادة بأسابيع عديدة وحتى بعد أشهر.

 

لمحة عن الفوائد المناعية للبن الثدي
المركب الفعل
  خلايا الدم البيضاء
لمفاويات بائية (B) تقوم بإنتاج الأضداد التي تستهدف مكافحة ميكروبات نوعية.
البلعميات تقتل الميكروبات فورًا في أمعاء الرضيع، تنتج الليزوزيم وتنشط مركبات الجهاز المناعي الأخرى.
العَدِلات يمكن أن تُنَشَّط كملتهمات phagocytes، وهي تبتلع البكتيريا المتواجدة في الجهاز الهضمي لدى الوليد.
لمفاويات تائية (T) تقتل الخلايا المخموجة مباشرة أو تنشر رسائل كيميائية لتعبئة دفاعات أخرى. وتتكاثر بوجود كائنات حية تسبب أمراضًا خطرة عند الرضع وتصنع أيضا مركبات قادرة على تقوية الاستجابة المناعية الخاصة بالطفل.
  الجزيئات
صنف أضداد  المفرز IgA يرتبط بالميكروبات في المجرى الهضمي للوليد وبذلك يمنعها من المرور عبر الجدران المعوية إلى نسج الجسم.
البروتين المرتبط بالڤيتامين B12 يخفض مقدار الفيتامين B12 الذي تحتاج إليه البكتيريا في نموها
العامل المشقوق يزيد تكاثر العصية اللبنية المشقوقة وهي بكتيرة غير مؤذية في أمعاء الوليد ويساعد تكاثر مثل هذه البكتيريا غير الممرضة على إزاحة مختلف الأنواع الخطرة.
الأحماض الدهنية تُحطِّم الأغشية المغلفة لبعض الڤيروسات ومن ثم تدمرها.
فيبرونكتين تزيد من نشاطات البلعميات ضد الميكروبات وتساعد على إصلاح النسج التي تضررت نتيجة التفاعلات المناعية في أمعاء الوليد.
گاما ـ إنترفيرون تعزز من نشاط الخلايا المناعية المضاد للميكروبات.
الهرمونات وعوامل النمو تحرض المجرى الهضمي للوليد على النضج بسرعة أكبر. وما إن تنضج الأغشية “الراشحة” والمبطنة للأمعاء، يصبح الرُضّع أقل تعرضا للأحياء المكروية.
اللاكتوفرّين يرتبط بالحديد وهو معدن يحتاج إليه العديد من البكتيريا من أجل البقاء حية، وعندما يُخفِّض الكمية المناسبة من الحديد يعرقل اللاكتوفرين نمو البكتيريا المُمْرِضة.
الليزوزيم يقتل البكتيريا بتحطيم جدرانها الخلوية.
الموسينات تلتصق بالبكتيريا والڤيروسات وبذلك تمنع هذه الأحياء المكروية من الالتصاق بالسطوح المخاطية.
قليلة السكريدات ترتبط بالأحياء المكروية وتمنعها من الالتصاق بالسطوح المخاطية.

 

وتقوم جزيئات المفرز IgA المارة إلى الرضيع بتقديم المساعدة بطرق تتجاوز قدرتها في الارتباط بالأحياء المكروية وإقصائها بعيدا عن نُسُج (أنسجة) الجسم. أولا: تستهدف مجموعة الأضداد المنقولة إلى الرضيع، وبشكل أساسي، مكافحة المُمْرِضات في محيط الطفل المباشر. وتركب الأم الأضداد عندما تتناول طعامها وتستنشق الهواء، أو من جهة أخرى عندما تكون بتماس مع العامل المُمرض. وكل ضد تصنعه الأم هو نوعي لذلك العامل؛ أي أنه يرتبط ببروتين مفرد ـ أو ما يسمى المستضد antigen  ـ موجود على ذلك العامل ولا يهدر وقته بمهاجمة مواد غير معنية بالأمر. ولأن الأم تصنع أضداد المُمْرِضات في محيطها فقط، يتلقى الوليد الحماية اللازمة التي يحتاج إليها لمكافحة العوامل الخمجية التي يتعرض لها على الأرجح في الأسابيع الأولى من حياته.

 

ثانيا: تتجاهل الأضداد المنقولة للرضيع البكتيريا المفيدة المتواجدة عادة في الأمعاء. وينفع هذا النبيتُ flora في الحيلولة دون نمو الكائنات المؤذية فيتوافر بذلك إجراء آخر للمقاومة. ولا يعرف الباحثون حتى الآن كيف يعلم الجهاز المناعي لدى الأم بتكوين الأضداد لمقاومة البكتيريا الممرضة فقط دون الطبيعية منها. ولكن مهما كانت هذه السيرورة (العملية) فإنها تدعم ترسيخ “البكتيريا الجيدة” good bacteria في أمعاء الطفل.

 

وهكذا سوف تحمي جزيئات المفرز IgA الرضيع من الأذى بخلاف غالبية الأضداد الأخرى فإنها تتفادى المرض من دون أن تسبب أي التهاب ـ وهي سيرورة تقوم من خلالها المواد الكيميائية المختلفة بتحطيم الميكروبات ولكن يمكنها إيذاء النُّسُج السليمة. ويكون الغشاء المخاطي في الأمعاء النامية للرضيع دقيقا للغاية، لذا فإن أي إفراط في المواد الكيميائية سيؤدي إلى ضرر بالغ.

 

والجدير بالذكر أن هنالك احتمالا بقيام المفرز IgA بحماية مساحات مخاطية أخرى غير معوية. ففي بلدان عديدة وبخاصة في الشرق الأوسط وفي غربي أمريكا الجنوبية وفي شمالي أفريقيا تضع الأمهات قطرات من لبنها في عيون أطفالهن لمعالجة الأخماج التي يُصابون بها. ولست أعلم ما إذا كانت هذه المعالجة قد تم اختبارها علميا، ولكن هنالك بواعث نظرية تدفعنا إلى الاعتقاد باحتمال كونها فعالة. ومن الممكن أن يستمر تأثيرها بعض الوقت على الأقل أو تزول ممارستها إلى الأبد.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/12/SCI96b12N5-6_H02_005961.jpg

يتركب الضد الإفرازي IgA المرسوم بيانيا من جزيئي IgA “ملتصقين” معا بقطعة بروتينية تُعرف بسلسلة J. فالعنصر المفرز (الأزرق) يلتف حول الجزيئين المتصلين. وتمثل الإهليليجيات ellipses مناطق وظيفية. ويحوي كلٌّ من الأذرع الأربع في هذه الأضداد منطقة لأحد الأضداد المرتبطة.

 

وفرة في الجزيئات المساعدة

إضافة إلى المفرز IgA تقوم جزيئات عديدة بالحيلولة دون ارتباط الميكروبات بالمساحات المخاطية وكثيرا ما تحتوي قليلة السكريدات oligosaccharides ـ وهي سلاسل عادية من السكاكر ـ على مناطق تمثل أماكن (مواقع) ارتباط تستطيع عبرها الدخول إلى الخلايا المبَطِّنة لمجرى الأمعاء. وهكذا، يمكن لهذه السكاكر أن تعترض البكتيريا مشكِّلة مركبات غير ضارة يُفرغها الوليد. وعلاوة على ذلك يحوي اللبن البشري جزيئات ضخمة هي الموسينات mucins  تتضمن مجموعة واسعة من البروتينات والكربوهِدْرات (السكريات) وهي قادرة أيضا على الارتباط بالبكتيريا والڤيروسات وطرحها خارج الجسم.

 

وللجزيئات في اللبن وظائف قيّمة أخرى أيضا. فعلى سبيل المثال، إن كل جزيء من البروتين المسمى لاكتوفرين lactoferrin قد يرتبط بذرتين من الحديد. ولأن كثيرا من البكتيريا الممرضة تنمو بالحديد، فإن اللاكتوفرين يوقف انتشارها بجعل الحديد عديم الإتاحة، وبشكل خاص سيكون فعالا بإيقافه تكاثر الكائنات الحية التي كثيرا ما تسبب أمراضا خطرة لدى الرضيع بما فيها العنقوديات الذهبية Staphyolococus aureus. ويعطل اللاكتوفرين أيضا العملية التي تقوم من خلالها البكتيريا بهضم الكربوهِدْرات فتحد من نموها إلى أبعد مدى. وبشكل مماثل، فإن البروتين المرتبط بالفيتامين B12، كما يشير اسمه إليه، يحرم الأحياء المكروية من الڤيتامين B12.

 

ويحرِّض العامل المشقوق bifidus factor، وهو واحد من أقدم العوامل المعروفة المقاومة للمرض في اللبن البشري، نمو كائن حي (متعضية) مفيد يسمى العصية اللبنية المشقوقة Lactobacillus bifidus. وقد تؤدي الأحماض الدهنية الحرة المتواجدة في اللبن إلى الإضرار بالأغشية المغطية للڤيروسات كما في ڤيروس الحُماق chicken pox  الذي يشكل رُزما من مواد جينية (وراثية) مغلِّفة لقوقعة من البروتين، وللإنترفيرون interferon المتواجد خاصة في اللبأ colostrum ـ وهو لبن قليل الكم، مائل إلى الصفرة أحيانا، تنتجه الأم خلال الأيام القليلة الأولى بعد الولادة ـ نشاط هائل مضاد للڤيروسات أيضا. ويمكن للفيبرونكتين fibronectin المتوافر بكميات كبيرة في اللبأ أن يجعل بعض الملتهمات أكثر عدوانية إلى حد أنها تصبح قادرة على تجرع الميكروبات حتى ولو لم تكن قد وُسمت بأي من الأضداد. ويقلل الفيبرونكتين، مثل المفرز IgA، من حدوث الالتهاب. ويبدو أيضا أنه يساعد على إصلاح النسج التي تضررت من الالتهاب.

 

دفاعات خلوية

كما هو الواقع في حالة الجزيئات الدفاعية، تتوافر الخلايا المناعية بغزارة في اللبن البشري. وتتألف من الخلايا (الدموية) البيض leukocytes ـ وتعرف أيضا بالكريات البيض ـ التي تقاوم الأخماج بنفسها وتنشط الآليات الدفاعية الأخرى. وتتواجد أكثر المقادير إثارة في اللبأ. وتكون غالبية الخلايا من العدلاتneutrophils، وهي نوع من الملتهمات تجري بشكل طبيعي في تيار الدم. وتوحي بعض البيّنات بأن العدلات تثابر في العمل كملتهمات في أمعاء الرضيع. إضافة إلى أنها أقل عدوانية من عدلات الدم وتختفي عمليا من لبن الثدي بعد الولادة بستة أسابيع. وعليه، ربما أدت بعض الوظائف الأخرى كحمايتها الثدي من الخمج.

 

والخلية البلعمية macrophage هي الكرية البيضاء الأكثر شيوعا في اللبن وتعمل كخلية ملتهمة phagocyte مثل العدلات لتنجز عددا من الوظائف الوقائية الأخرى. وتضم البلعميات نحو 400% من الكريات البيض في اللبأ وهي أكثر نشاطا بمراحل من عدلات اللبن، وأظهرت تجارب حديثة بأنها أكثر تحركا من مثيلاتها في الدم. إضافة إلى كونها خلية ملتهمة، تصنع البلعميات الليزوزيمَlysozyme في لبن الثدي رافعة كميته في المجرى المَعدي للرضيع. والليزوزيم إنزيم  يدمر البكتيريا بتحطيم جدرانها.

 

وعلاوة على ذلك، يمكن للبلعميات في المجرى الهضمي أن تنحاز إلى اللمفاويات lymphocytes في نشاطها ضد الغزاة. وتشكل اللمفاويات 100% من الكريات البيض في اللبن. كما أن نحو 20% من هذه الخلايا هي لمفاويات بائية تبعث على تشكل الأضداد والبقية منها تشكل اللمفاويات التائية التي تفتك بالخلايا المخموجة مباشرة، أو تبعث إلى الخارج برسائل كيميائية لاستنفار مركبات أخرى من الجهاز المناعي. ويبدو أن لمفاويات اللبن تتصرف بشكل مختلف عن لمفاويات الدم. وعلى سبيل المثال تتكاثر تلك التي في اللبن بوجود الإشريكية القولونية(5) Escherichia coli ـ وهي بكتيرة قد تسبب مرضا يهدد حياة الرُّضَّع ـ ولكنها أقل استجابة بكثير من لمفاويات الدم للعوامل التي تشكل تهديدا أقل للرُّضع. وتصنع لمفاويات اللبن أيضا مواد كيميائية كثيرة تحوي گاما إنترفيرون gamma interferon وعامل تثبيط الهجرة migration inhibition factorوعامل الانتظام الكيميائي للكريات الأحادية النواة monocytes chemotactic factorالتي قد تعزز استجابات مناعية خاصة بالرضيع.

 

فوائد إضافية

تشير دراسات عديدة إلى أن بعض العوامل في اللبن البشري قد تحث الجهاز المناعي للرضيع على النضج بشكل أسرع مما هو حاصل عند تغذية الطفل اصطناعيا. وعلى سبيل المثال يُنْتِج الأطفال الذين يرضعون من الثدي معدلات أعلى من الأضداد استجابة إلى التمنيعات immunizations. كما أن بعض الهرمونات في اللبن مثل الكورتيزول والبروتينات الأصغر حجما (بما فيها عامل النمو البِشْرَوَيّ epidermal factor  وعامل النمو العصبي والسوماتوميدينsomatomedin C) تعمل على إغلاق البطانة المخاطية الراشحة لدى الوليد جاعلة إياها كتيمة impermeable نسبيا تجاه المُمْرِضات (العوامل الممرضة) غير المرغوب فيها أو غيرها من العوامل الكامنة الضرر. وبالفعل فقد أوضحت الدراسات على الحيوان بأن نمو الأمعاء بعد الولادة يكون أسرع لدى الحيوانات التي ترضع من لبن أمهاتها. كما أن الحيوانات التي تتناول اللبأ المحتوي على كثافات مرتفعة من عامل النمو البشروي تنضج كذلك بصورة أسرع.

 

هذا ولابد من وجود مركبات أخرى غير معروفة في اللبن البشري تعمل على تحريض إنتاج الرضيع للمفرز IgA  واللاكتوفيرين والليزوزيم. وتظهر هذه الجزيئات الثلاثة كلها بمقادير كبيرة في بول الأطفال الذين يرضعون من الثدي أكثر من تلك المقادير التي لدى الذين يرضعون اصطناعيا، ومع ذلك فإن الذين يرضعون من الثدي لا يتمكنون من امتصاص هذه الجزيئات في أمعائهم. ويبدو أن إنتاج هذه الجزئيات يتم في مخاطية mucosa المجرى البولي لدى الأطفال الصغار السن. وبتعبير آخر، يبدو أن الرضاعة من الثدي تُحرِّض المناعة الموضعية في المجرى البولي.

 

وتأكيدا لهذه المعلومات فقد أبانت دراسات سريرية حديثة بأن الوليد الذي يرضع من الثدي أقل تعرضا لخطر الإصابة بأخماج المجرى البولي. وأخيرا تشير بعض الدلائل أيضا إلى أن عاملا مجهولا في اللبن البشري يمكن أن يكون أكثر إنتاجا للفيبرونكتين من إنتاج الأطفال الذين يرضعون بالزجاجة (الرضّاعة)bottle-fed.

 

وفي جميع الأحوال فإن لبن الثدي سائل مدهش حقا، يزود الرضع بما يفوق الغذاء كثيرا، فهو يقيهم من الأخماج إلى أن يصلوا إلى الحد الذي يستطيعون معه حماية أنفسهم.

 

 المؤلف

Jack Newman

أنشأ عيادة الرضاعة من الثدي breast feeding في مستشفى الأطفال المرضى في تورونتو عام 1984 وكان مديرا له. وقد جهز حديثا عيادتين مماثلتين في مستشفى الأطباء ومستشفى سانت مايكل وكلاهما في تورونتو. وقد حصل على شهادته عام 1970 من جامعة تورونتو وهو الآن أستاذ مساعد فيها. وقد أتم تدريبه للدراسات العليا في نيوزيلندا وكندا. وبوصفه مستشارا لليونيسيف عمل مع بعض أطباء الأطفال في أفريقيا، كما مارس العمل أيضا في نيوزيلندا وفي الأمريكتين الوسطى والجنوبية.

 

مراجع للاستزادة 

MucosAL IMMUNITY: THE IMMUNOLOGY OF BREAST MILK. H. B. Slade and S. A. Schwartz in Journal of Allergy and Clinical Immunology, Vol. 80, No. 3, pages 348-356; September 1987.

IMMUNOLOGY OF MILK AND THE NEONATE. Edited by J. Mestecky et al. Plenum Press, 1991.

BREASTFEEDING AND HEALTH IN THE 1980’S: A GLOBAL EPIDEMIOLOGIC REVIEW. Allan S. Cunningham in Journal of Pediatrics, Vol. 118, No. 5, pages 659-666; May 1991.

THE IMMUNE SYSTEM OF HUMAN MILK: ANTIMICROBIAL, ANTIINFLAMMATORY AND IMMUNOMODULATING PROPERTIES. A. S. Goldman in Pediatric Infectious Disease journal, Vol. 12, No. 8, pages 664-671; August 1993.

HOST-RESISTANCE FACTORS AND IMMUNOLOGIC SIGNIFICANCE OF HUMAN MILK. In Breastfeeding: A Guide for the Medical Profession, by Ruth A. Lawrence. Mosby Year Book, 1994.

Scientific American, December 1995

 

(1) milk حليب.

(2) ج: خمج infection وهو غزو الجسم من قبل أحياء مكروية (صغرية) ممرضة وتكاثرها فيه.

(3) (United Nations Childers Fund (UNICEF صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة.

(4) تجنبا للالتباس فقد استخدمنا بلعميات مقابل macrophages، و ملتهمات مقابل phagocytes. (التحرير)

(5) الإشريكية: جنس ينتمي إلى البكتيريا المعوية، عصياته مستقيمة، مفردة أو مزدوجة. و”الإشريكية القولونية” هي النوع النموذجي للإشريكية الذي يشكل جزءا من النّبت الطبيعي للأمعاء لدى الفقاريات. (التحرير)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى