أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
علم الاجتماع

الأمّ الوحدانية والرّعاية الاجتماعية

 

الأمّ الوحدانية والرّعاية الاجتماعية

للمرَّة الأولى منذ فترة الكساد العظيم(1) يُشاهَد هذا العدد الكبير من  الأسر المحرومة من

المسكن. وإن التعديلات الجديدة التي أُدخلت على قوانين الرعاية الاجتماعية

 ستدفع أعدادًا أخرى من النساء والأطفال إلى الشوارع.

<L .E. باسوك> ـ <A. براون> ـ <C .J. بكنر>

 

في عام 1992 بدأ صندوق المساكن الأفضل Better Homes Fund ـ وهو منظمة لا تبتغي الربح مقرُّها في ماساتشوستس ـ بدراسة أحوال 2166 امرأة يسكنَّ في بيوت ذوي الدخل المنخفض و 220 امرأة لا سكن لهن، ويَقُمْنَ بإعالة 627 طفلا. لقد كانت أولئك النِّسوة القاطنات في وورْسِسْتر بماساتشوستس يتحملن جميعا أعباء أسرهن بمفردهن، وقد تلقت غالبيتهن معونات نقدية. ولكن على الرغم من تلك الإعانات فقد عاشت معظم تلك الأسر دون مستوى الفقر في الولايات المتحدة الأمريكية (قُدِّر في عام 1995 بِ 12156 دولارا سنويا لأسرة مكوَّنة من ثلاثة أفراد). وأردنا في دراستنا هذه أن نفهم السبب الذي دفع بعض هذه الأسر إلى فقدان بيوتها، وكيف كانت ظروفها المعيشية، وما هو الدور الذي قامت به خدمات الرعاية(2)  من أجل استمرار بقاء هذه الأسر على قيد الحياة.

 

لقد تبين لنا من هذه الدراسة أن النساء ذوات الدخل المنخفض كثيرا ما جابهن عوائق يستحيل قهرها وهن يسعين إلى تغطية نفقاتهن بالاعتماد على أنفسهن. وخلافا للأنماط الشائعة، فإن معظم النساء اللائي حصلن على معونات الرعاية لم يكن أمهات مراهقات أو لم يكن بنات لأمهات اعتمدن في معيشتهن على تلك المساعدات، وإنما استخدمنها عرضيا في أوقات الشدة فحسب ولم يعتمدن عليها دوما. وعلى الرغم من مستوى تعلمهن المحدود ومتطلبات رعاية أطفالهن الذين يبلغ متوسط أعمارهم خمس سنوات ونصف السنة، فإن قرابة 70 في المئة منهن مارسن العمل مددًا قصيرة. ومع ذلك، أظهرت الدراسة أن ممارسة العمل لقاء الحد الأدنى من الأجور ـ ولو كان عملا بدوام كامل full-time  غير كاف لتمكين الأمهات الوَحْدانِيّات single من تخطي حدود الفقر. وعاشت العديد من الأمهات اللواتي لجأن إلى البيوت الفقيرة في ظروف مضطربة محفوفة بالمخاطر، لا تبعد إلاّ خطوة واحدة عن هاوية التشرد.

 

كما اكتشفنا فَرْقًا ذا دلالة ضعيفة بين نوعية حياة الأمهات اللواتي لا بيوت لهن والأمهات اللواتي يعشن في مساكن ذوي الدخل المنخفض. فالنساء المقيمات في هذه الدور يعشن عادة في شقق متهدمة يتشاركن فيها مع أسرتين أو ثلاث أسر لتخفيف عبء الإيجار. ولأغلب النسوة في كلتا المجموعتين تاريخ حافل بقصصٍ كن فيها ضحية عنف انتهى بمشكلات انفعالية emotional وجسدية. ولما كان عليهن الهروب مرارا من مواقف تعسفية مؤذية بدنيا فقد حُرِمت الكثيرات منهن من تلقي المساعدات الاجتماعية التي لا تُصرف إلا للأسر فقط. ووجدنا في الواقع أن العامل الأساسي الذي يقي هؤلاء النسوة وأطفالهن من التشرد وفقدان المأوى هو برنامج إعانة الأسر التي تعول أطفالا (AFDC).

 

إن تعديلات قوانين الرّعاية، التي صدرت عن الكونگرس في أول الشهر 8/1996، ألغت صلاحيات البرنامج AFDC، وبذلك أنهت ستة عقود من الإعانة الفِدْرالية المكفولة للآباء الفقراء وأطفالهم. وغدت الإغاثة النقدية الآن مقيدة بشدة بالعمل، كما فُرِضت شروط زمنية قاسية على استمرار الدعم. وفضلا عن ذلك، فالتشريع الجديد إذ يحرم البرامج المناهضة للفقر من 56 بليون دولار، يقيد بصرامةٍ أهليةَ الحصول على بطاقات التموين والمساعدات الطبية وغيرها من المزايا. أما المتبقي من أموال الرعاية فستوزعه الولايات مباشرة على هيئةِ منحٍ مالية. وإننا نتوقع أن يؤدي هذا الإصلاح إلى دفع العديد من الأسر التي شملتهن دراستنا والتي كانت تؤويها مساكن فقيرة، إلى قارعة الطريق. إن ما يقرب من 12.8 مليون شخص في أنحاء البلاد، منهم 8 ملايين طفل، يعيشون على إعانات الرعاية، وهم الآن معرَّضون لخطر فقدان المأوى والتشرد.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N3_H01_006766.jpg

أم وطفلتها في مأوى شارع فوربل ببروكلين في نيويورك. إنهما إحدى صور الـ 88 في المئة من الأسر المحرومة من السكن التي تعولها نساء في الولايات المتحدة.

 

حالة من صميم الموضوع

سالي إحدى النساء البيض، ولدت في نيوهامبشير وتبلغ من العمر 26 سنة. وحينما كانت في سن الخامسة انفصلت أمها عن زوجها المتعسف وأخذت سالي وأخويها الأكبر منها ليعيشوا مع الجدة للأب. كان والد سالي مدمنًا على المشروبات الكحولية، يعمل أحيانا ويترك العمل أحيانا أخرى. ولما كانت رغبته أن يأتيه ابن ثالث فقد دأب على رفض ابنته سالي، ودفعه هذا إلى ممارسة العنف معها في غالب الأحوال.

 

وحينما بلغت سالي الثالثة عشرة من عمرها تزوج أبوها ثانية بامرأة لها أربعة أولاد. وكانت زوجة الأب تستشيط غضبا إذ ترى سالي مضطرة إلى العيش معهم. لذا درجت على تضييق الخناق على الفتاة وحجزها في غرفتها بعد عودتها من المدرسة، ومارست معها الضرب بالحبل والعصا كي «تؤدبها». وفي إحدى المرات وضعتها تحت الماء وهددتها بالإغراق. وهربت سالي وهي في السادسة عشرة لتعيش مع أصدقاء لها في ماساتشوستس. وبدأت تتعاطى المشروبات الكحولية. وكانت سالي تعمل ولكن على نحو غير منتظم إلى أن حصلت على ما يعادل الشهادة الثانوية.

 

وانتقلت سالي بعدئذ إلى تكساس حيث وجدت عملا بدوام كامل. وحينما بلغت الحادية والعشرين من العمر حملت فقررت التوقف عن تناول المشروبات الكحولية. وبعد أن وضعت حملها استطاعت الحصول على رعاية مؤقتة لها والتحقت ببرنامج لإزالة السُّمِّيَّة detoxification. ولكن ما إن أصبحت مشكلة إدمانها معروفة حتى أُعلن أنها أم غير صالحة وأُبْعِد الطفل عنها.

 

وبعد أن أنهت سالي اتِّباع برنامج إزالة السمية، مارست عملا بدوام كامل مدة سنتين في أحد المصانع لقاء أجر بلغ 4 دولارات في الساعة. وفي سن الرابعة والعشرين حملت للمرة الثانية، وأَخذ والدُ طفلِها الثاني يؤذيها جسديا خلال الحمل ويهددها بالقتل ويضربها على رأسها وبطنها. وجاءها المخاض في أثناء إحدى هجماته فوضعت قبل ثلاثة أشهر من موعد الولادة الطبيعي. وبقي الطفل على قيد الحياة، غير أنه عانى إعاقة شديدة في النمو، إضافة إلى مشكلات تتعلق بالانتباه والسلوك. وحصلت سالي على إعانة البرنامج AFDC، ولكن بما أنها عجزت عن أن تؤمن لطفلها دار رعاية تستطيع تحمل نفقاتها، اضطرت إلى العودة إلى ماساتشوستس.

 

وانتقلت إلى شقة ذات غرفتين لتسكن مع امرأتين أخريين وأطفالهما، إلا أنها لم تستطع العيش هناك إلا شهرا واحدا. وحدث تأخر في تسلم الإعانات في ماساتشوستس استمر ستة أشهر؛ وإذ لم يتوافر لها أي مورد مالي، فقط طلبت الحصول على مكان لها في ملجأ الطوارئ، وهو المكان الذي قابلناها فيه.

 

ومع أن التشخيص أظهر أن سالي تعاني الكربَ(3) التالي للصدمة (للرضح)post traumatic stress disorder  PTSD ، فقد وجدناها متفائلة ومجدَّة في العمل. وفيما هي تبحث عن وظيفة خلال إقامتها في الملجأ قابلت زوجها الحالي. وعلى الرغم من ضآلة موارده المالية، فقد بدا قادرا على إعالة الأسرة. واشتغلت سالي مدة قصيرة، إلا أن ارتفاع تكاليف رعاية الأطفال جعلها تلزم البيت مع ابنها وابنة زوجها.

 

إن الأحداث التي دفعت سالي وابنها إلى الملجأ، وإن تكن أحداثا خاصة بهما، تعكس صورة من أنماطٍ أصعب. فالمتطلبات التي تقع على كاهل العائل الوحيد (ولطفلٍ معاق بخاصة) قد تصير بكل بساطة مصدر قهر وإرباك شديدين إن كانت الموارد المادية المتوافرة محدودة جدا. وربما شكل وجود عبء إضافي واحد سببا كافيا لإفساد التوازن ثم القذف بشخص ما إلى الشوارع. لقد ناضلت سالي كي تثبت وجودها وتكسب عيشها على الرغم من طفولتها المجروحة. ومع أنها تمتعت بماض طيب في مجال العمل وتمكنت من التغلب على مشكلة تعاطيها المشروبات الكحولية، فإن علاقتها برجل متعسف ومتطلبات رعاية الطفولة وفقدانها منح البرنامج AFDC أجبرتها كلها على التوجه إلى الملجأ بحثا عن مكان تأوي إليه. وكما في حالة سالي، نجد أن العنف يلازم الفقر في حياة العديد من النسوة اللواتي شملتهن دراستنا. كما أن تفاعل العنف والفقر يُضعِفُ احتمال الإفلات من أي منهما.

 

إن إعانات الرّعاية بالنسبة إلى أسرة فقيرة هي في الغالب العامل الذي يوجِد الفرقَ بين توافر المسكن وفقدانه. وقد ألفيْنا أن هناك احتمالا كبيرا لأن تصبح النساء اللواتي لم يحصلن على الإعانة بلا مأوى. إن 24 في المئة من النِّسوة اللواتي لا بيت لهن لم يتلقين منحة البرنامج AFDC في السنة السابقة (مقارنة بـ 7 في المئة ممن يُقِمْنَ في مساكن). لقد بذلت هؤلاء النساء أقصى الجهود لجمع الدخول السنوية الهزيلة التي يبلغ متوسطها 7637 دولارا، معظمها هو حصيلة مزاولة مهن مختلفة، إضافة إلى بعض الإعانات التكميلية من الأسرة والأصدقاء. (ووفقا لما ذكره قسم ماساتشوستس للإعانة الانتقالية فإن عبء الإيجار والانتفاع فقط في المساكن التي لا ترفدها مساعدات مالية يبلغ 7081 دولارا في السنة).

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N3_H01_006767.jpg http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N3_H01_006768.jpg

تشمل الحياة اليومية لأسرة فقيرة ساعات طويلة من الانتظار في طوابير، كما في حالة هذه المرأة التي تنتظر دورها لتستلم قسائم وجبات الغداء في مدينة نيويورك (في الأعلى). وقد يستغرق التقدم بطلب الحصول على الإعانة أسابيع أو أشهرا (في الوسط). وتمثل الصورة الأخيرة (في أقصى اليمين) طفلا يراقب أطفالا آخرين يلعبون في ساحة خالية بمشروع إسكان في شيكاگو.

 

أما النساء اللواتي حصلن على منحة البرنامج AFDC فقد كن إلى حد ما أفضل حالا. إن البرنامج AFDC الذي وُضع عام 19355 كان برنامجا مشتركا بين الولايات والسلطة الفدرالية، فالولايات هي التي درجت على تحديد مستوى تبرعاتها، بيد أن العون كان مكفولا لجميع الأشخاص الذين يستوفون شروط الاستحقاق. وفي عام 1995 بلغت المنحة السنوية التي قدمها البرنامج AFDCلأسرة مؤلَّفة من ثلاثة أفراد في ماساتشوستس 6984 دولارا (أي ما يساوي  582 دولارا في الشهر)؛ أما على المستوى القومي فقد بلغ متوسط ما يُدفع لأسرة كهذه 4464 دولارا. وقد حصلت النسوة اللواتي شملتهن دراستنا على مساعدات أخرى إضافة إلى اعتمادهن على إعانات البرنامج AFDC في حياتهن، وكان بوسع هذه  العوائد جميعها أن تؤمن لهذه الأسر الحد الأدنى اللازم لإسكانها.

 

وتبيَّن لنا حين إجراء المقابلات أن غالبية الأمهات ذوات الدخل المنخفض اللواتي تناولتهن هذه الدراسة قد اعتمدن على مساعدات البرنامج AFDC فترات قصيرة أو متوسطة، كما استخدم ثلثهن تلك الإعانات أكثر من مرة واحدة. ومع أن عملية التعاقب الدوري في الاعتماد على الرعاية والاستغناء عنها غير مفهومة على وجه الدقة، فالبحوث تشير إلى أن النساء يستغنين غالبا عن إعانات الرعاية ثم يَعُدْنَ إليها بسبب تغيرات في ظروف العمل والعلاقات. إن متوسط(4)فترة متابعتنا للنساء اللاتي تناولتهن دراستنا هي نحو سنتين لمن ليس لديهن سكن وثلاث سنوات ونصف لمن لديهن سكن. واعتمدت قرابة ثلث النساء على البرنامج AFDC مُدَدًا بلغ مجموعها خمس سنوات أو أكثر.

 

ويمكن القول على وجه التقريب إن إعانات البرنامج AFDC لم تشكِّل قط المصدر الوحيد للدخل؛ إذ مارست العمل نحو 300 في المئة من النساء المستفيدات من هذا البرنامج، واستطاعت غيرهن رَفْد دخلهن عن طريق معونات السكن وبطاقات التموين والبرنامج WIC (الذي يقدم الغذاء للنساء الحوامل وأطفالهن) وإعانات الطفولة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N3_H01_006769.jpg

هناك عوامل متعددة تتضافر في عملها ضد الأسرة الفقيرة ذات العائل الواحد والتي تقيم في مسكن. وحتى مع إعانات البرنامج AFDC وغيرها من التبرعات تجد الأسرة نفسها عاجزة عن إبقاء نفقاتها موافقة لدخلها (a). إن نقص التعليم كفيل بجعل العمل ـ ولو كان بدوام كامل ـ يدر دخلا يُبقي الأسرة في مستوى دون مستوى الفقر (b)؛ ويُصْرَف ربع الدخل على رعاية الأطفال (c). والأسوأ من هذا كله انتشار العنف (d) الذي يوقع الأمهات فريسةَ أذى جسدي وانفعالي، معيقا بذلك قدرتهن على العمل.

 

حياة مستحيلة

لقد تفحصنا ما جرى على الصعيد القومي فتبين لنا أن 57 في المئة فقط من الأمهات الفقيرات تسلمن إعانات الطفولة عن طريق المحاكم. وفي عام 1989 بلغ متوسط المنحة السنوية للنساء الفقيرات 1889 دولارا فحسب؛ ومع ذلك لم يتجاوز عدد اللواتي استطعن الحصول على المبلغ كله نصف عددهن الكامل. إن ارتفاع عدد القضايا التي تواجهها المحاكم والإجراءات والقوانين المتفاوتة بين الولايات تجعل إعانة الطفولة أمرا يصعب دعمه. ويضاف إلى ذلك أن القانون الجديد يحسم من عوائد الرعاية التي تتلقاها الأم نحو 25 في المئة على الأقل إن لم تعيِّن والد الطفل. وإذا ما أُخذ في الحسبان المعدل العالي من العنف الذي يمارسه الشركاء الذكور ضد النساء والأطفال معا، فإن دراستنا توحي بأن العديد من الأمهات يستمر في كتمان اسم الأب خشية الانتقام الجسدي.

 

وعلاوة على الصعوبات الاقتصادية وعدم الاستقرار السكني الذي خبرته الأمهات المشمولات في دراستنا، فقد توصلنا إلى أن أكثرهن وقعن ضحية إيذاءات بالغة. وإنه مما يصدم النفس أن 91.6 في المئة من الأمهات المحرومات من المسكن و 81.8 في المئة من الأمهات اللواتي يُقِمْن في مساكن فقيرة، أشرن إلى تعرضهن لحوادث اعتداء جسدي واغتصاب جنسي في وقت ما في حياتهن. وحتى في حالة اتخاذ معيار متشدد conservative measure ـ يُستبعد فيه الضرب والدفع والصفع ـ وجدنا أن ما يقرب من ثلثي المجموعتين معا أكّدن تعرضهن لعنف من جانب آبائهن أو ممن قام على تربيتهن خلال طفولتهن. وقد تعرضت أكثر من 40 في المئة من نساء المجموعتين لتحرشات جنسية قبل وصولهن سن البلوغ (الرشد) adulthood. وذكر 63 في المئة منهن تعرُّضهن لاعتداءات من قبل شركائهن الذكور الحميمين (المقربين)، وذلك استنادا إلى معيار متشدد يشمل اللكم والرَّفس والحرق والخنق والضرب والتهديد والتَّهجُّم بسكّين أو مسدَّس، مع استبعاده الدفع أو الصفع أقل من ستّ مرات. وذكر رُبعهن وقوعهن فريسة تهجمات جسدية أو جنسية من جانب الشركاء غير الحميمين.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N3_H01_006770.jpg

يشكل العنف، الذي هو جزء من حياة معظم النساء الفقيرات اليومية في الطفولة وفي الرشد، عائقا كبيرا يحول بينهن وبين تمكنهن من تدبير أمورهن.

 

ونتيجة لذلك، كان العديد من الأمهات اللواتي شملتهن دراستنا محزونات مبتئسات. وقد ذكرت الأمهات اللواتي ضمتهن مساكنُ ذوي الدخل المنخفض أو اللواتي لا مسكن لهن، معاناتهن اضطرابا انفعاليا واحدا على الأقل في أثناء حياتهن وبالمعدلات ذاتها تقريبا، وهي 69.3 في المئة للمجموعة الأولى و 71.7 في المئة للمجموعة الثانية. (وفي المقابل ذكرت 47 في المئة من النساء بين السكان عموما اضطرابا واحدا على الأقل خلال الحياة.) وتبيَّن أن معدلات انتشار الاضطراب الاكتئابي الخطير major depressive disorder والاضطراب PTSD وكذلك الإدمان، كانت عالية جدا سواء وقت الدراسة أو مدى الحياة. لكن، وخلافا للنساء والرجال الوحدانيين في الشوارع، لم تكن الأمهات المحرومات من المساكن في عينتنا يعانين حالات وخيمة غير منسجمة تسبب العجز كالقلق والفصامschizophrenia.

 

ويشمل الاضطراب PTSD تأثيرات طويلة الأمد ناجمة عن إيذاءات مبكرة جسدية أو جنسية، ومن صدمات (رضوح) traumas أخرى أيضا. وتشمل سماته المميزة مشاعر الذعر والعجز عن مساعدة النفس (الذات). إن الشخص الذي يعاني هذا الخلل قد يتعرض لاضطرابات في النوم وهَيوجِيَّة (حساسية شديدة)irritability وفرط تيقظ hypervigilance  واستجابات تنم عن الرَّوْع الشديد وارتجاعات flashbacks  للصدمة الأصلية. كما تتناوب لديه فترات الهياج مع التَّنَمُّل الانفعالي emotional numbness. إن الاكتئاب الوخيم والإدمان ومحاولات الانتحار مرتبطة في الغالب بالاضطرابPTSD . وفي الحقيقة، إن 31.2 في المئة من الأمهات اللواتي لا مسكن لهن و 25.6 في المئة من الأمهات اللواتي لهن سكن ذكرن محاولتهن الانتحار بمتوسط قدره مرتان خلال حياتهن، والمألوف أن يحدث ذلك في فترة المراهقة.

 

إن الأمهات المحرومات من مسكن يؤويهن والأمهات ذوات المسكن الفقير في دراستنا عانين جميعهن الاضطراب PTSD  بمعدل يساوي ثلاثة أضعاف ما تعانيه النساء عامة. وبما أن علاقاتهن الأسرية الحميمة تفتحت في جو من الغدر المبكر، الشديد أحيانا، فقد تميزت حياتهن في الغالب بصعوبة في الحفاظ على إطار معين لها، كما اتسمت بالتفكك disconnection وانعدام الثقة. ونادرا ما استطاعت نساء المجموعتين بناء علاقات متينة يمكن الركون إليها. وبقيت العديدات منهن منعزلات اجتماعيا بسبب متطلبات الإعالة التي تقع على عاتق الأم الوحدانية، وكذلك بسبب قصص التمزق والضياع الأسرييْن، والتهديد الدائم بالعنف في الأحياء التي يُقِمْن فيها.

 

ومن الناحية الطبية كانت صحة النساء اللاتي شملتهن دراستنا عرضة للخطورة أيضا. ومع أن غالبيتهن كن في أواخر العشرينات، فإن عددا لا ينسجم مع هذه المرحلة من العمر كن فريسة لمشكلات صحية مزمنة كالربو (22.8 في المئة مقابل 5.4 في المئة في العينة القومية من النساء دون سن الخامسة والأربعين) وفقر الدم (17.5 في المئة مقابل 2.4 في المئة) والتهاب القصبات المزمن (7.8 في المئة مقابل 5.8 في المئة) والقَرْحات (5.7 في المئة مقابل 1.4 في المئة).

 

ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من أن العديد من الأمهات في عَيِّنتنا عانيْن الاضطراب PTSD  أو الاكتئاب أو الإدمان، فقد كان انتشار تلك الاضطرابات متساويا بين كل من النساء اللواتي لا مَسْكَن لهن والنساء اللاتي عشن في مساكن فقيرة. ومع أن فرضيتنا الأولية نَصَّتْ على ارتباط العنف وعواقبه ارتباطا وثيقا بانعدام المأوى، فإن تعدد أنماط الوضع السكني لم يؤيد ذاك الحدس. وبدا أن العوامل الاقتصادية هي الأشد بروزا في التنبؤ ببدء الانفصال الأسري والتشرد.

 

توجّه قومي

إن قصة هؤلاء الأمهات وأُسَرِهِنَّ ليست خاصة بمنطقة وورْسِسْتر، وإنما هي قصة يجب أن تقدِّم النصح والتحذير. ففي أغلب المدن ذات الأعداد السكانية المشابهة، أي التي يقع عدد سكانها بين 100000 و 250000 نسمة، يلاحظ أن 15 في المئة من المواطنين أو نحو ذلك يعيشون دون حدِّ الفقر. وخلال العقد المنصرم وفيما تعثَّر الاقتصاد الأمريكي وتحول بعيدا عن المهن الصناعية إلى مهن قطاع الخدمات، فقد انخفضت الأجور الحقيقية(5). كما أُعيد توزيع الثروة على نحو مُجحف: ففي عام 1993 حصلت الأسر التي احتلت المراتب الـ 20 في المئة العليا على 48.9 في المئة من الدخل الإجمالي، في حين تقاسمت النسبة التي احتلت المراتب العشرين في المئة الدنيا ما مقداره 3.6 في المئة فقط من ذلك الدخل. وبين عامي 1991 و 1992 أضيف إلى عدد الفقراء الأمريكيين 1.2 مليون فقير آخرين ليصبح العدد الكلي لمن يعيشون دون مستوى الفقر في الولايات المتحدة الأمريكية مقدرا بنحو 36.9 مليون مواطن.

 

وفي الوقت ذاته، يزداد إنفاق الناس على إيجارات المساكن بشكل يفوق ما حدث في أي زمن مضى. وبحسب نتائج المركز المشترك لدراسات الإسكان فقد هبط متوسط دخل الأسر المستأجِرة بنسبة 16 في المئة بين عامي 1970 و 1994 حتى وصل إلى 15814 دولارا، في حين ارتفعت إيجارات المساكن بنسبة تزيد على 11 في المئة فبلغ 403 دولارات شهريا. واليوم ينفق 83 في المئة من المستأجِرين الذين يعيشون دون مستوى الفقر أكثر من 30 في المئة من دخلهم لدفع إيجار المسكن، ويعد هذا الأمر معقولا حسب معايير برنامج الإسكان في الولايات المتحدة.

 

إن تأثيرات ارتفاع إيجارات المساكن والتحولات الاقتصادية أمر يمكن ملاحظته بأقسى مظاهره في ارتفاع عدد الأفراد المحرومين من المأوى. وفي أواسط الثمانينات حاول العديد منا إعادة الطمأنينة إلى النفوس بالقول: إنه ما إن يصبح بالإمكان دفع التزامات المسكن حتى تختفي ظاهرة التشرد، ولكنها عوضا عن ذلك غدت أوسع انتشارا من أي وقت مضى. وقدّرتْ دراسة مسحية هاتفية أجريت بإشراف <G .B. لنك> (من جامعة كولومبيا) أن 13.5 مليون (أو 7.4 في المئة) من الأمريكيين البالغين عاشوا بلا مأوى في إحدى فترات حياتهم. ولكن ومنذ أوائل الثمانينات توقفت في الواقع البرامج الفدرالية لإسكان ذوي الدخل المنخفض والمتوسط. وتواجه مدن عديدة مشكلة انخفاض معدل الوظائف الشاغرة، كما صارت قوائم انتظار الإسكان العام طويلة جدا وفيها من ينتظر دوره منذ عدة سنوات.

 

يبدو مؤكدا أن هذا التشريع سيدمّر

ملايين الأطفال الذين يعيشون حاليا في

حالة فقر.

وكذلك تغير تركيب السكان الذين لا سكن لهم. إن ما يقرب من 36.5 في المئة ممن لا بيوت لهم، هم من أسر فيها أطفال يعتمدون في الإعالة على غيرهم ـ وهو ما يشكِّل زيادة قدرها 10 في المئة منذ عام 1985. ولم يحدث منذ فترة الكساد العظيم great depression أن وجدنا مثل هذا العدد الضخم من الأسر في عداد المحرومين من السكن. ويقدَّر أن النساء هن اللواتي يقمن بإعالة 888 في المئة من هذه الأسر [انظر: Homeless Families by Ellen L. Bassuk;

Scientific American, December 1991].

 

واستنادا إلى نتائج مؤتمر رؤساء البلديات في الولايات المتحدة، فإن أعدادا متزايدة من الأسر ذات الدخل المنخفض عرضة لخطر فقدان المأوى. ومع حلول عام 1993 كان نحو 40 في المئة من كافة الأسر التي تعيلها النِّساء يعيش دون مستوى الفقر. وبلغ المعدل بين السود 50.2 في المئة، كما بلغ بين ذوي الأصول الإسبانية 49.3 في المئة. إن 23 في المئة من أطفال الولايات المتحدة يعيشون في فقر، وما من دولة صناعية أخرى لديها رقم قريب من هذا. والنساء اللواتي يقمن بمفردهن بإعالة الأسرة وتولي أمورها يجدن أنفسهن كمن يحمل عدة كرات بيد واحدة. فعلى كواهلهن يقع عبء رعاية الأطفال ومسؤولية البيت والعمل. وعلى الرغم من التحدي الذي يواجهنه في إقامة التوازن بين هذه المهام، فإن 39.9 في المئة من الأمهات الفقيرات الوحدانيات و48.3 في المئة من الأمهات الفقيرات المتزوجات يمارسن العمل حقا.

 

ومع أن الهوّة بين دخل النساء ودخل الرجال قد ضاقت، فمازالت المرأة تكسب أقل من الرجل. إن متوسط ما يكسبه الرجل غير الحاصل على شهادة الدراسة الثانوية يزيد بنسبة 58 في المئة على ما تكسبه المرأة المماثلة له في درجة التعليم. ويعظُم احتمالُ قيام الأمهات الوحدانيات ـ ولا سيما السوداوات منهن أو ذوات التعليم المحدود ـ بالعمل لقاء الحد الأدنى من الأجر، وكذلك احتمال حصولهن على وظائف مغلقة(6) dead-end jobs  بدوام جزئي فحسب. إن ربع النساء العاملات يعملن بدوام جزئي؛ و 44 في المئة منهن يقمن بهذه الأعمال لأن فرص العمل بدوام كامل غير متاحة لهن.

 

إن الحاجة إلى رعاية الأطفال الصغار تجعل من الصعب على الأمهات الوحدانيات الاستمرار في وظائف ثابتة. فقد ذكرت 59 في المئة من النساء اللواتي شملتهن دراستنا أن عدم توافر دور رعاية للأطفال يستطعن تحمل نفقاتها يشكل عائقا في طريق عملهن. وطبقا للتقرير الصادر عن مكتب المحاسبة العام، فإن احتمال قيام أمّ فقيرة بالعمل سيزداد بنسبة 158 في المئة إذا توافرت الإعانات المالية الكافية لرعاية الأطفال. ولكن على الرغم من المخصصات الفدرالية لبرامج الرعاية التي بلغت 2.2 بليون دولار عام 1992 فإن كفَّة الطلب ترجح كثيرا كفةَ العرض. وفضلا عن ذلك، فالبرامج لا تضعُ غالبا في اعتبارها الحقائق التي تفرضها مواقع العمل، وبعضها ـ على سبيل المثال ـ يفرض قيودا زمنية جائرة. كما أثارت الدراساتُ القوميةُ الحديثة مشاعر الخوف والقلق حيال نوعيَّة برامج رعاية الأطفال، موحية بأن العديد منها يهدِّدُ سلامة من هم في عهدتها، كما يهدد نموهم وعافيتهم.

 

إن التشريع الجديد ينهي الكفالة الفدرالية التي بلغت 60 سنة عمرا والتي نصت على أن تحصل الأسر وأطفالها الذين يعيشون دون مستويات الكفاف على إعانات نقدية. ومن خلال المنح المالية الحكومية المقدمة إلى السلطات المحلية انتقلت الصلاحية الآن إلى الولايات كي تقرر متطلبات استحقاق المنح ومستويات الانتفاع بها. وبناء على ما توحي به قرائن نتائجنا يبدو مؤكدا أن هذا التشريع سيدمر ملايين الأطفال الذين يعيشون حاليا في فقر، كما سيدمر الأمهات الوحدانيات وكثيرا من الأسر العاملة ذات الدخل المنخفض. ويساورنا الشك في أن تفرض ولايات عديدة قيودا أكثر تشددا من تلك التي فرضتها الوثيقة الجديدة. كما يرجح أن يتم تعقب الأمور بدقة وحزم للحيلولة دون أن يتنقل من تتوافر لديهم شروط الإفادة من عوائد الرعاية بين الولايات.

 

مناقشات بلا بيانات

تفرض وثيقة الرعاية الفدرالية قيودا بالغة القسوة على أحقية الحصول على المعونات وذلك بسماحها بحد أقصى مقداره سنتان للتعلم أو التدريب الكافي وإيجاد عمل يلبي احتياجات إعالة الأسرة كاملة، مع تحديد مدة الاعتماد على إعانات الرعاية بحيث لا تتجاوز خمس سنوات مدى الحياة. لكن الموضوع الذي أصابه الإهمال التام هو إيجاد قاعدة أعمال موافقة لتلك الأوضاع. إن من واجب القانون الجديد أن يجبر الولايات على أن تضاعف أربع مرات عدد الوظائف التي تتطلب عمالا غير مهرة أو نصف مهرة، وهي مهمة مثبطة للهمم لا سيما في المناطق التي هي في الأصل مناطق فقيرة تفتقد فرص العمل. وعلى الرغم من زيادة مخصصات رعاية الطفولة فسرعان ما سيتجاوز العرضُ الطلبَ إذا أُخذت بالحسبان مقتضيات الأعمال الجديدة. واستنادا إلى بيانات (معطيات) مكتب الكونگرس للميزانية، ستواجه الولايات عجزا في تمويل صناديق رعاية الطفولة كل عام بعد السنة المالية 1998.

 

والأمر الأشد إثارة للقلق هو ما يعكسه التشريع الجديد من اتجاه شعاره «كن عنيفا»، وهو اتجاه يبدو قائما على أربعة افتراضات لا تدعمها نتائج الخبرة والتجربة. وأول هذه الافتراضات هو أن إعانات الرعاية تكرّس الفاقة والاعتماد على الآخرين أكثر من كونها إجراء بديلا ومؤقتا خلال أوقات العسرة. إن بياناتنا تؤيد الدراسات الأخرى التي تشير إلى أن أكثر النساء الفقيرات المحرومات من المسكن يعتمدْنَ على مساعدات الرعاية فترات قصيرة نسبيا. كما أن ثلثي الأمهات في عينتنا لم ينشأن في أسر حصلت على خدمات الرعاية ـ وهي حقيقة تفضح زيف القول بوجود نمط من التبعية والاعتماد على الآخرين ينتقل من جيل إلى آخر.

 

والمغالطة الثانية هي القول بأن إعانات الرعاية تعرِّض أخلاقيات العمل للخطر. ولكن الواقع يبين أن الكثير من الأمهات ذوات الدخل المنخفض أكملن المنح التي قدمها لهن البرنامج AFDC  عن طريق ممارسة أعمال ذات أجر منخفض ومجردة من أي مزايا. كما أجبرت فرص العمل المحدودة عددا كبيرا من النساء على مزاولة مهن بدوام جزئي فحسب. أما اللواتي أثبتن أنهن الأقدر على الاحتفاظ بأعمالهن فكن على أقل تقدير قد أنهيْن تعليمهن الثانوي، وبمقدورهن الحصول على رعاية للأطفال يستطعن تسديد تكاليفها، ولديهن شبكة اجتماعية فيها بعض الموارد المالية.

 

أما الحجة الثالثة الواهية فهي أن الأمهات المراهقات والأسر ذات المعيل الوحيد هي المسؤولة عن تنامي معدل الفقر في الولايات المتحدة. ولكننا نجد على الصعيد القومي أن 6.7 في المئة فقط من كل الأمهات اللواتي حصلن على إعانات الرعاية سنة 1993 كن دون 18 عاما من العمر وغير متزوجات. كما بلغ متوسط العمر بين نساء عينتنا 27.4 سنة، وكانت نسبة 24.5 في المئة منهن دون 21 عاما من العمر و7.1 في المئة منهن دون 18 عاما.

 

وأخيرا، ترى الحجة الرابعة الباطلة أن تكاليف الرعاية أسهمت على نحو ذي دلالة واضحة في ارتفاع الميزانية الفدرالية وازدياد الضرائب. ولكن إذا جُمع إنفاق البرنامج AFDC مع معونات بطاقات التموين والرعاية الصحية للمستفيدين من البرنامج المذكور فلن تشكل هذه كلها إلا أقل من 55 في المئة من كامل الإنفاق العام ودون 3 في المئة من إجمالي النفقات الفدرالية. إن إعانات البرنامج AFDC ومساعدات الرعاية الطبية ومعونات ضمان الدخل التكميلية وبرامج التغذية منذ عام 1964، لم تتجاوز جميعا 6.6 في المئة من إجمالي الإنفاق الفدرالي على امتداد الثلاثين سنة الماضية. غير أن المنح النقدية، وإن كانت ضئيلة إلى حد مؤلم، فقد استطاعت أن تحد من مجابهة الأسر الفقيرة خطر فقدان المسكن.

 

الانتقال إلى الولايات

ومع إقرار القانون الجديد فإن مسؤولية حماية هذه الأسر المهدَّدة بالخطر تقع على عاتق الولايات. إن فهم خبرات هؤلاء النسوة الفقيرات وتجاربهن وأثرها في ظروف حياتهن الراهنة أمر حيوي ينبغي أخذه في الحسبان حين إعادة وضع برامج وسياسات مناهضة للفقر. ويجب أن يتضمن رد الفعل المجدي إتاحة فرص أكبر للتعلم والعمل على نحو يكفل تلبية الحاجات الأساسية من سكن وطعام ورعاية طبية وسلامة، كما يضمن العناية الجيدة بالأطفال والمعاقين.

 

إن النساء ذوات الدخل المنخفض واللواتي يحملن الشهادة الثانوية على الأقل، تزداد لديهن أرجحية الحصول على عمل مربح والتمكن من إعالة أطفالهن. وكما بيّن معهد بحوث السياسة النِّسْوِيَّة فإن «إتمام المرحلة الثانوية يزيد من فرص الإفلات من الفقر بنسبة 31 في المئة.» لكن الأمهات ذوات الدخل المنخفض واللواتي يكملن تعليمهن، بحاجة إلى أنواع متعددة من المساعدات ـ كوسائط النقل ورعاية الأطفال ـ كي يستطعن المواظبة على الدروس بانتظام. وإذا أريد للتعليم أن يُثبت جدواه كان من الضروري ربط فرص التعلم بواقع سوق العمل: إن التدريب العملي يجب أن يهدف إلى مساعدة هؤلاء النساء في الحصول على فرص عمل بدوام كامل يدر أجرا يمكن الاعتماد عليه في العيش وفي تأمين الحاجات الأساسية. وحينما تبدأ هؤلاء الأمهات بمزاولة العمل يغدو من الواجب أن تُقَدَّم لهن معونات الرعاية الصحية ورعاية الأطفال مدة كافية.

 

ويسمح الأجر الأدنى الحالي للمرأة التي تعمل بدوام كامل أن تكسب 8840 دولارا سنويا. ويتم الآن تحقيق الأجر الأدنى الجديد الذي لن يتم الوصول فيه إلى 5.15 دولار في الساعة إلا في أول الشهر 9/1997. ولا بد للتكاليف السنوية الأساسية التي تبلغ 21816 دولارا لأسرة مؤلفة من ثلاثة أشخاص من أن تُجبر هذه الأسرة بصورة حتمية على الوقوع تحت وطأة الديون (وخلافا للمستوى الفدرالي للفقر، فالرَّقَم المذكور يشمل بدل الإيجار ورعاية الأطفال والرعاية الصحية وأجور النقل). إن التأمين الصحي وإعانات رعاية الطفولة وتوسيع الائتمان (الاعتماد) الضريبي tax credit على الدخل، سيحسن الوضع الاقتصادي لهؤلاء الأمهات وسيجعل من العمل خيارا واقعيا أكثر من الاعتماد على خدمات الرعاية.

 

وفضلا عن ذلك، فالعنف الذي تلقاه المرأة من جانب شركائها الذكور يؤلف حاجزا كبيرا يعيق بناء مسيرة عمل ناجحة أمام نساء كثيرات. ومن واجب السياسات الفعالة المعنية بعودة المرأة إلى العمل بعد الانقطاع عنه أن تضع في اعتبارها ما تتركه الطفولة وانتهاكاتُها من تأثيرات مدمِّرة بعيدة المدى، إضافة إلى الارتفاع الكبير في معدلات الاعتداءات العنيفة التي تواجهها النساء اللاتي يعشن في فقر وإملاق. وإذا ما أُخذت بالاعتبار قابلية انتشار هذا العنف، صار من واجب المجتمعات إيجاد خدمات شاملة تتجه باهتمامها نحو التأثيرات الانفعالية والسلوكية التي يتعرض لها الأطفال والنساء معا.

 

إن من الأمور الضرورية وجود ضماناتِ دخلٍ تحمي مصالح رب الأسرة ذي الدخل المنخفض ـ رجلا كان أو امرأة ـ إن واجهته أزمة اقتصادية أو كان غير قادر على العمل بسبب عجز مثلا، كما تحمي مصالح الأطفال. أما في السابق فقد كانت هذه الحكومة هي التي تضع المعايير الأساسية للجدارة وتضمن الحدود الدنيا من التمويل لتقديم إعانات نقدية للفقراء. ومع انتقال المسؤولية إلى الولايات ستزول هذه الضمانات. فهل ستستمر الولايات في حماية المحرومين ـ بسبب الفقر أو العجز أو كليهما؟

 

إن احتمال نبذ عدد كبير من الأسر في مجتمع ينعم برغد العيش كمجتمعنا أمر لا بد من أن يَطْرَح تساؤلات مثيرة للقلق حول قيمنا الأخلاقية. إن الولايات المتحدة أمة تعتز بتوجهها نحو الأسرة، وتعد هذا أغلى ما تكنزه لمستقبل أولادها. لكن التشريع الجديد يُلْمِح إلى إمكان التضحية بالأسر ذات الدخل المنخفض والتي تقوم النساء بإعالتها. إن وضع برامج حكومية واقعية هو أجدى وأنفع كثيرا ـ وإن كان مكلفا ـ من العبء المالي والعبء الاجتماعي اللذين سينجمان فيما لو تُرِك آلاف الأسر والأطفال معوزين. ولا مفر من هذه الحال إن لم تكنْ فرصُ العمل ورعاية الأطفال متاحة في الوقت الذي ينتهي زمن أحقية المرأة بالمساعدة. إن مستقبل البلاد متوقف على كيف يُوجَّه الأطفال خلال سنوات نموهم الحاسمة. وإذا لم يُقدم الدعم الكافي للأمهات كي يقمن بأدوارهن الصعبة، فإن المجتمع برمته سيعاني جراء ذلك.

 

المؤلفون

E. L. Bassuk – A. Browne – J. C. Buckner

يدرسون مختلف مظاهر الفقر وفقدان المسكن في عملهم مع منظمة صندوق المساكن الأفضل في نيوتن بماساتشوستس. تشغل باسوك، وهي أحد مؤسسي هذه المنظمة ورئيستها، منصب أستاذ مساعد للطب النفسي في كلية طب جامعة هارڤارد وأحد أعضاء هيئة التدريس في مستشفى كامبردج. وقد عملت على دراسة قضايا الرعاية المنظَّمة بصورة شاملة. وبراون مختصة باستقصاء موضوع العنف في الأسرة. وهي أحد الأعضاء المنتسبين إلى معهد نيويورك لبحوث الإدمان، ومستشارة في علم النفس بمؤسسة بدفورد هيلز الإصلاحية للنساء. أما بكنر الذي يدير البحوث في منظمة صندوق المساكن الأفضل، فهو محاضر في كلية طب جامعة هارفارد، ويقوم الآن بإجراء دراسة حول الضغط النفسي (الكرب) stress بين الأطفال الفقراء بتكليف من المعهد القومي للصحة النفسية.

 

مراجع للاستزادة 

VIOLENCE AGAINST WOMEN: RELEVANCE FOR MEDICAL PRACTITIONERS. Angela Browne in Journal of the American Medical Association, Vol. 267, No. 3, pages 3148-3189; June 17, 1992. HOMELESSNESS. Edited by Ellen Bassuk. Special Section in American Journal of Orthopsychiatry, Vol. 63, No. 3, pages 337-409; July 1993.

THE POVERTY OF WELFARE REFORM. Joel F. Handler. Yale University Press, 1995.

Scientific American, October 1996

 

(1) الفترة التي امتدت بين عامي 1929 و1933، وكانت فترة أقسى كساد عرفه التّاريخ وقد عمّ جميع أنحاء العالم.

(2) الرّعاية welfare: جهود تبذل لتحقيق الحاجات الأساسية للفرد والمجتمع من غذاء وتعليم وصحة وتأمين. وجهة الرعاية المعنية هنا هي برنامج إعانة الأسر التي تعول أطفالا(Aid to Families with Dependent Children (AFDS

(3) هو القيمة التي تتوسط مجموعة القيم.

(4) الضغط النفسي لما بعد الصدمة.

(5) الأجر الحقيقي real wage هو مجموع المبالغ والخدمات التي يستطيع العامل أن يحصل عليها مقابل عمله.

(6) الوظيفة المغلقة: هي الوظيفة التي يحصل فيها العامل على أقصى أجر مقرر لها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى