أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاءفلك وعلم الكونيات

سوهو تفضح أسرار الشمس


سوهو تفضح أسرار الشمس

سفينةٌ فضائية جبارة جديدة تسمى اختصارا “سوهو”،

تقوم حاليا بمراقبة الشمس على مدار الساعة لتكشف

عن بعض الأسرار التي تكتنف أقرب النجوم منا.

< R.K.لانگ>

 

لا تبدو لنا الشمس من بعيد جسما بالغ التعقيد؛ فهي بالنسبة إلى شخص عادي ينظر إليها ليست سوى كرة غازية ملساء ومنتظمة. بيد أن نظرة متأنية تُظهر أن الشمس في حالة هيجان واضطراب دائمين ـ وهذه حقيقة تثير العديد من الأسئلة البالغة الأهمية حول هذا النجم. وعلى سبيل المثال، فإن العلماء لا يعرفون كيف تولّد الشمس حقولها المغنطيسية المسؤولة عن معظم النشاط الشمسي بما في ذلك الانفجارات التي لا يمكن التنبؤ بها والتي تسبب العواصف المغنطيسية وانقطاعات التيار الكهربائي هنا على الأرض. كذلك فإنهم لا يعرفون سبب تركز هذه المغنطيسية فيما يسمى البقع الشمسية sunspots، وهي جزر مظلمة تقع على سطح الشمس حجم كل منها يقارب حجم كرتنا الأرضية، ونشاطها المغنطيسي يفوق آلاف المرات نشاط الحقل المغنطيسي للأرض. وزيادة على ذلك فإن الفيزيائيين لا يستطيعون تفسير سبب التغيرات الكبيرة في النشاط المغنطيسي للشمس، إذ إن هذا النشاط يهمد ثم يشتد ثانية كل 11 سنة أو نحو ذلك.

 

وبغية حل هذه الأحجيات والتوصل إلى تنبؤات أفضل لتأثير الشمس في كوكبنا، أطلقت الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) في 2/12/1995مرصد الشمس وغلافها (الذي يُرمز إليه اختصارا بكلمة سوهو SOHO.) وفي 14/2/1996 بلغت السفينة الفضائية موقعها الاستراتيجي الدائم ـ الذي يسمى نقطة لاكرانجان الداخلية inner Lagrangain point، التي تبعد عن الأرض بنحو واحد في المئة من المسافة الفاصلة بين الأرض والشمس. وفي هذا الموقع تكون سوهو متوازنة بين جذب ثقالة الأرض وثقالة الشمس، ومن ثم فإنها تدور حول الشمس برفقة الأرض. وفيما كانت السفن الفضائية السابقة التي أُطلقت لدراسة الشمس تدور حول الأرض، الأمر الذي كان يحجب عنها منظر الشمس في فترات زمنية منتظمة، فإن سوهو تراقب الشمس مراقبة متواصلة بوساطة 12 جهازا تقوم بتقصّي الشمس تقصيّا مفصلا لم يسبق له مثيل. وهي تقوم كل يوم بإرسال آلاف الصور عن الشمس من خلال هوائي شبكة الفضاء السحيقDeep Space Network التابع للوكالة ناسا، وتوجّه هذه الصور إلى مرفق عمليات القائمين على التجارب Experimenters Operations Facility العائد لسوهو في مركز كودارد للطيران الفضائي  التابع لناسا بولاية ماريلاند.

 

وفي المرفق السابق ينكب متخصصون بفيزياء الشمس من جميع أنحاء العالم على رصد الشمس ليلا نهارا من غرفة ليس لها نوافذ. وينتقل كثير من الصور الفريدة التي يستقبلونها تقريبا إلى الصفحة الرئيسية على الويب World Wide Web  http://sohowww nasacom. nasa. gov . وعندما بدأت الصور بالوصول للمرة الأولى كانت الشمس في حضيض نشاطها الذي دوره  11 عاما. ولمّا كانت سوهو تحمل قدّْرا من الوقود يكفيها لمواصلة عملها طوال عقد أو أكثر من الزمن، فإنها ستستمر في رصدها للشمس خلال فصولها العاصفة كلها، من الهدوء الحالي الذي يشهده نشاطها المغنطيسي إلى أن يبلغ هذا النشاط ذروته التالية التي يجب أن تحدث في نهاية هذا القرن. ومع ذلك فقد زوّدتنا سوهو حتى الآن باكتشافات رائعة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N5_H04_006980.jpg

صورة مركّبة موصولة عند الدائرة السوداء التقطها جهازان من أجهزة سوهو. وتبين هذه الصورة جو الشمس الخارجي الممتد من قاعدة الإكليل إلى ملايين الكيلومترات فوق سطح الشمس. وتَظهر بنى شبيهة بالأشعة في الضوء فوق البنفسجي الذي تصدره أيونات الأكسجين منطلقة إلى خارج الشمس لتكوّن الرياح الشمسية (خارج الدائرة السوداء). وتنشأ الرياح الشمسية ذات السرعة العظمى في الثقوب الإكليلية التي تبدو مناطق مظلمة في القطب الشمالي (في الأعلى)، ثم تسير عبر قرص الشمس (داخل الدائرة السوداء).

 

استكشاف الأغوار غير المرئية

إذا ما أردنا فهم الدورات الشمسية، علينا إنعام النظر في أغوار هذا النجم حيث تنشأ مغنطيسيته. وتتجلى إحدى الطرق لاكتشاف هذه الأعماق غير المرئية في تتبّع الحركات شبه الإيقاعية ارتفاعا وانخفاضا للسطح المرئي الخارجي للشمس الذي يُطلق عليه اسم الكرة الضوئية photosphere، المشتق من الكلمة اليونانية photos التي تعني “الضوء”. وهذه الحركات الاهتزازية، التي يمكن أن ترتفع إلى عشرات الكيلومترات بسرعات تبلغ بضع مئات الأمتار في الثانية، تنشأ عن أصوات تشق طريقها عبر الشمس. وهذه الأصوات تُحتجز داخل الشمس ومن ثم لا يمكنها الانتشار في الخلاء الفضائي القريب من الشمس. (وحتى لو تمكنت هذه الأصوات من الوصول إلى الأرض، فإنها تكون عند ذلك أخفض من أن يسمعها الإنسان.) ومع ذلك فعندما تبلغ هذه الأصوات سطح الشمس وترتد راجعة إلى حيث انطلقت فإنها تثير اضطرابات في الغازات هناك، مما يجعلها تعلو وتنخفض بحركة إيقاعية بطيئة وبدور يقدر بخمس دقائق تقريبا.

 

هذا وإن الحركات الارتجافية التي تولّدها هذه الأصوات لا يمكن أن تُرى بالعين المجردة، إلا أن الأجهزة الموجودة على متن سوهو تستطيع تسجيلها بشكل روتيني. وثمة جهازان على سوهو، هما جهاز تصوير مايكلسون ـ دوپلر Michelson Doppler Imager MDI وكاشف الاهتزازات الشاملة في ترددات منخفضة Global Oscillations at Low Frequencies GOLF يتحريان سرعات الاهتزازات السطحية للشمس بدقة استثنائية تصل إلى سرعة تقدر بنحو ملّيمتر واحد في الثانية أو أفضل من ذلك. وهناك جهاز ثالث يتابع تغيرا آخر تُحدثه الموجات الصوتية: ففيما تتداخل هذه الاهتزازات مع الغازات في مناطق الشمس المصدّرة للضوء، فإن هذا الجرم يرتعش بكامله. ويسجل جهاز تغير شدة الإشعاع الشمسي واهتزازات الثقالة Variability of Solar Irradiance and Gravity Oscillations  VIRGO  تغيرات الشدة هذه التي لا تمثل سوى أجزاء تافهة من التألق الوسطي للشمس.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N5_H04_006981.jpg

تقوم الأمواج الصوتية، الممثلة هنا بخطوط سوداء داخل المقطع المبتور، بالطنين في كل مكان من الشمس. ويولِّد هذه الأمواج غاز ساخن يتحرك باضطراب داخل منطقة الحمل الواقعة فوق المنطقة المشعة وقلب الشمس. وفيما تسير الأمواج الصوتية نحو مركز الشمس، فإنها تكتسب سرعة وتنكسر نحو الخلف باتجاه الخارج. وفي الوقت نفسه يعكس سطح الشمس الأمواج التي تسير نحو الخارج ويعيدها إلى الداخل. وهكذا ينبض النجم كله، حيث تنبض مناطق (البقع الحمراء) نحو الداخل وأخرى (البقع الزرقاء) نحو الخارج.

 

إن اهتزازات السطح هي حصيلة مشتركة لنحو 10 ملايين صوت منفصل ـ لكل منها مسار انتشار خاص به ويختبر مقطعا محددًا تماما داخل الشمس. ومن ثَمّ فإن تعرّف الشكل الفيزيائي للنجم كاملا ـ بدءا من المنطقة الحملية convection zone الشديدة الاضطراب، وهي المنطقة الخارجية من الشمس التي تشغل 28.77% من نصف قطرها، وصولا إلى منطقتها المشعة وقلبها ـ يتطلب منا تحديد الطبقة الدقيقة لكل من هذه الأصوات.

 

إن العامل الرئيسي الذي يميّز كل صوت هو سرعته التي تتوقف بدورها على درجة حرارة وتركيب مناطق الشمس التي يجتازها الصوت. ويحسب علماء سوهو السرعة المتوقعة للصوت باستعمال نموذج عددي. بعد ذلك يستعملون الانحرافات الصغيرة نسبيا بين حساباتهم باستخدام الحواسيب وسرعة الصوت التي رصدوها لضبط النموذج ضبطا دقيقا، ومن ثَمّ استنتاج التغيرات في الحرارة والكثافة والتركيب التي تحدث على طول نصف قطر الشمس.

 

وفي الوقت الحالي فإن التوقعات النظرية والأرصاد التي أُجريت بوساطة المقراب MDIتنسجم فيما بينها انسجاما جيدا، وهي تبين أن الفرق الأعظمي بينها ليس سوى 0.22 في المئة فقط. أمّا الأمكنة التي تحدث فيها هذه الانحرافات فهي في الواقع مهمة جدا. إنها توحي بأن المادة تختلط في حدود القلب المولّد للطاقة، وكذلك تحت منطقة الحمل مباشرة.

 

لقد كان الفلكيون يعرفون منذ أكثر من ثلاثة قرون ـ نتيجة رصدهم للبقع الشمسية ـ أن الكرة الضوئية تدور عند خط استواء الشمس بسرعة أكبر من سرعة دورانها في المناطق ذات خطوط العرض الكبيرة، وأن هذه السرعة تتناقص بانتظام لدى التحرك باتجاه كل من القطبين. وقد أكدت بيانات سوهو أن هذا النمط من التغيرات في السرعة يظل ساريا خلال المنطقة الحملية. وفضلا عن ذلك، فإن سرعة الدوران متساوية في القطبين وهي تساوي قرابة ثلث سرعتها في خط الاستواء. وهكذا فإن سرعة الدوران تتغير تغيرا كبيرا في قاعدة منطقة الحمل، وما يحدث هناك هو أن الأجزاء الخارجية من المنطقة الداخلية المشعة، والتي تدور بسرعة واحدة، تقابل المنطقة الحملية التي تعلوها والتي تدوم بصورة أسرع في منتصف منطقتها الاستوائية. ويخامرنا الآن شعور بأن هذه الطبقة الرقيقة التي يحدث فيها القص الدوراني قد تكون مصدر المغنطيسية الشمسية.

 

أجهزة سوهو

يقوم الباحثون في جميع أنحاء العالم بدراسة الشمس مستعملين 12 جهازا محمولا على متن سوهو. ويسبر ثلاثة من هذه الأجهزة باطن الشمس كما يتحرى ستة منها جو الشمس، ويقتفي ثلاثة منها أثر الرياح الشمسية بعيدة المدى.
الجهاز القياس الذي يجريه الباحث الرئيسي
GOLF كاشف الاهتزازات الشاملة ذات الترددات المنخفضة، وهو جهاز يسجل سرعة الاهتزازات الشاملة داخل الشمس <H.A.گابرييل>، معهد الفيزياء الفلكية الفضائية، فرنسا
VIRGO جهاز تغيّر شدة الإشعاع الشمسي واهتزازات الثقالة، وهو آلة تقيس التقلبات في سطوع الشمس وكذلك الكمية الدقيقة لخرج الشمس من الطاقة <C.فروليك>، مرصد الأحوال الجوية الفيزيائي ومركز الإشعاع العالمي، سويسرا
SOI/MDI كاشف الاهتزازات الشمسية (أو جهاز تصوير مايكلسون ـ دوپلر)، وهو آلة تقيس سرعة الاهتزازات التي تولّدها الأصوات المحتجزة داخل الشمس <H.P.شيرير>، جامعة ستانفورد، الولايات المتحدة
SUMER مقياس الأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن الشمس، وهو جهاز يقدم بيانات عن درجات حرارة وسرعات وكثافات الغازات المختلفة في جو الشمس وإكليلها <K. ڤيلهلم>، معهد ماكس پلانك للفلكيات الجوية، ألمانيا
CDS المقياس الطيفي التشخيصي للإكليل، وهو جهاز يسجل درجة حرارة الغازات في الإكليل وكثافتها <A.R.هاريسون>، مختبر رذرفورد أپلتون، المملكة المتحدة
EIT مقراب تصوير الإشعاعات فوق البنفسجية المتطرفة، وهو جهاز يزودنا بصور لكامل قرص جو الشمس وإكليلها <P.J.دولابودينيير>، معهد الفيزياء الفلكية الفضائية
UVCS المقياس الطيفي لراسم الأشعة فوق البنفسجية للإكليل، وهو جهاز يقيس درجات حرارة وسرعات ذرات الهيدروجين والأكسجين وأيونات أخرى في الإكليل <L.J.كول>، مرصد الفيزياء الفلكية السميثسوني، الولايات المتحدة
LASCO راسم الإكليل الطيفي ذو الزاوية الكبيرة، وهو جهاز يزودنا بصور تبين نشاط الإكليل وكتلته وكمية حركته وطاقته <E.G.بروكنر>، مختبر البحوث البحرية، الولايات المتحدة
SWAN كاشف اللاتناحيات في الرياح الشمسية، وهو جهاز يراقب التغيرات العرضانية المؤقتة في الرياح الشمسية <L.J.بيرتو>، مصلحة الفلكيات الجوية، فرنسا
CELIAS نظام تحليل الشحنات والعناصر والنظائر، وهو جهاز يحدد الكتلة والشحنة لجسيمات الرياح الشمسية وكذلك تركيبها وتوزع طاقتها <P. بوشلر>، جامعة بيرن، سويسرا
COSTEP المحلل الشامل للجسيمات فوق الحرارية والطاقوية، وهو آلة تحدد توزع طاقة البروتونات وأيونات الهيليوم والإلكترونات. <H.كونوڤ>، جامعة كييل، ألمانيا
ERNE مختبر الإلكترونات والنوى الطاقوية والنسبية، وهو جهاز يقيس توزع الطاقة والتركيب النظائري للبروتونات ولأيونات وإلكترونات أخرى <J.تورستي>، جامعة توركو، فنلندا

 

وقد ساعدنا المقراب MDI المحمول على متن سوهو على أن نسبر القشور الخارجية للشمس. وبسبب كون عدسات هذا المقراب موجودة خارج جو الأرض الحاجب للرؤية فإن بإمكانها أن تحلل باستمرار بعض التفاصيل الدقيقة التي لا يمكن أن تُرى دائما من الأرض. ولهذا السبب فقد أثبتت فائدتها الكبرى في موضوع علم الزلازل الشمسي الزماني والمكاني time-distancehelioseismology، وهو تقنية جديدة تبين حركة الغازات الواقعة تحت الكرة الضوئية مباشرة. والأسلوب المتّبع في هذا واضح لا تعقيد فيه، وهو أن يقوم المقراب بتسجيل التغيرات الدورية الصغيرة في الأطوال الموجية للضوء الصادر عن قرابة مليون من النقط المنتشرة على الشمس كل دقيقة. وبمتابعة هذه العملية يغدو من الممكن تحديد الزمن الذي تستغرقه الموجات الصوتية لاختراق الطبقات الخارجية للشمس. ويزوّدنا هذا الزمن بمعلومات عن تغيرات درجة الحرارة والغاز في الجريانات التي تنطلق على طول المسار الداخلي الذي يربط بين نقطتين من السطح المرئي للشمس. وإذا كانت درجة الحرارة الموضعية عالية فإن الموجات الصوتية تتحرك على نحو أسرع ـ كما تفعل إذا كانت ترتحل مع جريان الغاز.

 

هذا وقد زودنا المقراب MDI بالأزمنة التي تستغرقها الأصوات التي تعبر الآلاف من المسارات الواصلة بين عشرات الألوف من النقاط السطحية. وقد استعمل علماء سوهو هذه البيانات (المعطيات) في رسم خريطة ثلاثية البعد للبنية الداخلية للشمس ودينامياتها بالطريقة نفسها التي يولّد بها مسح شعاعي مقطعي محوسب computed tomographic scan صورة للقسم الداخلي من الدماغ. وقد قام هؤلاء العلماء بإدخال بيانات سوهو في الحواسيب الفائقة لتحديد درجات الحرارة واتجاهات الجريان على طول هذه المسارات المتقاطعة. وبعد مرور أسبوع متواصل على التعامل مع هذه الأعداد أخرجت هذه الحواسيب أول خرائط تبين سرعات الجريانات الحملية داخل الشمس. ولا تمثل هذه الجريانات حركات تشمل النجم كله، كالدورانات مثلا، إذ إنها ليست سوى جريانات تحدث في نطاق ضيق، كما يبدو أن بعضها مستقل عن بعض. ومع ذلك فإن سرعتها تبلغ كيلومترا واحدا في الثانية ـ ومن ثم فإنها أسرع من طائرة نفاثة فوق صوتية.

 

ولأخذ فكرة عن هذه الجريانات التي تغوص في المنطقة الحملية، حَسَبَ فريق المقراب MDIالأزمنة التي تستغرقها الأصوات في قطعها مسافة تقرب من 8000 كيلومتر باتجاه داخل الشمس. وقد استنتج الباحثون، كما كانوا يتوقعون، أن هذه المنطقة المضطربة تشبه قِدْرا من الماء المغلي، إذ ترتفع المادة الساخنة فيها وتنخفض الغازات الباردة. بيد أن كثيرا من هذه الجريانات بدت ضحلة خلافا للتوقعات. كما أن الفريق تفحّص الحركات الأفقية على عمق 1400 كيلومتر تقريبا وقارنها بصورة مغنطيسية التقطها أيضا المقراب MDI. وقد وجد الفريق أن التراكيز المغنطيسية القوية تسعى إلى أن تكون واقعة في المناطق التي تصب فيها الجريانات الغازية تحت السطحية. وهكذا فمن المحتمل أن يقوم الغاز المضطرب بإجبار الحقول المغنطيسية على التقارب من بعضها وتركيزها مِمّا يجعلها تتغلب على الضغط المغنطيسي الخارجي الذي يعمل على نشر هذه التراكيز الموضعية وتشتيتها.

 

كذلك فإن سوهو تساعد العلماء على تفسير طبيعة الجو الشمسي، أي الإكليل corona. وجدير بالذكر أن الحافة الخارجية الواضحة المعالم للشمس خادعة، وهي تعيّن في الواقع الحد الذي تغدو بعده الغازات الشمسية شفافة. ويمتد الإكليل غير المرئي إلى ما وراء الكواكب ويمثل إحدى أكثر المفارقات إرباكا في فيزياء الشمس: فهو حار على نحو غير متوقع، إذ تتجاوز درجات حرارته مليون درجة كلڤن فوق الكرة الضوئية مباشرة، أما السطح المرئي للشمس فتبلغ درجة حرارته 5780 درجة كلڤن فقط. هذا ومن المعلوم أنه لا يمكن للحرارة أن تنتقل من منطقة باردة إلى أخرى ساخنة. إن هذا يتنافى مع القانون الثاني في علم التحريك الحراري (الترموديناميك) ومع الفطرة السليمة أيضا. وهكذا فلا بد من وجود آلية ما لنقل الطاقة من الكرة الضوئية، أو من المنطقة الواقعة تحتها، إلى الإكليل الشمسي. هذا ويمكن لكل من الطاقتين الحركية والمغنطيسية أن تنتقل من المناطق الباردة إلى الحارة. لذا فإن الغازات المتحركة وانزياح الحقول المغنطيسية قد يساعدان على حل هذه المفارقة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N5_H04_006982.jpg

تقدم سرعات الصوت داخل الشمس بعض الدلالة على الكثافة ودرجة الحرارة في المناطق المختلفة من هذا النجم. وتشير المناطق الحمراء إلى سرعات الصوت الأعلى بالنسبة إلى النموذج المعياري (اللون الأصفر). وكذلك فإن المناطق الزرقاء تشير إلى سرعات صوت أخفض. وقد يكون الهبوط في سرعة الصوت عند حدود قلب الشمس ناتجا من عملية احتراق غير مستقرة تخلط المادة هناك. ومن المحتمل أن يعكس الارتفاع في سرعة الصوت تحت منطقة الحمل مباشرة، الاضطراب الذي تخلفه التغيرات في السرعة التي تدور بها المناطق المختلفة من الشمس. وقد تعبر التغيرات العرضانية قرب السطح (المبينة يسار المركز) عن الاختلافات في درجات الحرارة.

 

وبغية دراسة الإكليل وتعرّف آلية تسخينه الخادعة، بدأ الفيزيائيون ينظرون إلى الإشعاعات فوق البنفسجية (UV) وفوق البنفسجية المتطرفة (EUV) والأشعة السينية. وسبب هذا هو أن المادة الحارة ـ كتلك الموجودة داخل الإكليل ـ تُصدر معظم طاقتها بهذه الأطوال الموجية. كذلك فإن الكرة الضوئية هي أبرد من أن تُصدر إشعاعا شديدا بهذه الأطوال الموجية، ومن ثم فإنها تبدو معتمة تحت الغاز الساخن. ولسوء الحظ فإن الإشعاعات UV و EUV والأشعة السينية تُمتص جزئيا أو كليا من قبل جو الأرض، ومن ثم يتعين رصدها من خلال المقاريب الموجودة في الفضاء. وتقوم سوهو حاليا بقياس الإشعاعات ذات الأطوال الموجية للإشعاعات UV و EUVوذلك باستعمال أربعة أجهزة هي: مقراب تصوير الإشعاعات فوق البنفسجية المتطرفة Extreme- ultraviolet Imaging Telescope EIT ومقياس الأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن الشمس SolarUltraviolet Measurements of Emitted Radiations SUMER والمقياس الطيفي التشخيصي للإكليلCoronal Diagnostive Spectrometer CDS والمقياس الطيفي لراسم الأشعة فوق البنفسجية للإكليلUltra Violet Coronagraph Spectrometer UVCS.

 

وبغية رسم خريطة للبنى الموزعة عبر القرص الشمسي والتي تتراوح درجات حرارتها ما بين 6000 إلى مليوني درجة كلڤن، فإن سوهو تستفيد من الخطوط الطيفية. وتَظهر هذه الخطوط حين تُعرض كثافة الإشعاع الشمسي كدالة للطول الموجي. وتحدد أجهزة سوهو المختلفة مناطق درجات حرارتها معينة وذلك بضبطها على الخطوط الطيفية التي تصدرها الأيونات التي تكوّنت هناك. هذا وإن الذرات في الغازات الأعلى حرارة تفقد عددا أكبر من الإلكترونات خلال التصادمات، ومن ثم يصبح تأيُّنها أشد. ولمّا كانت هذه الأيونات المختلفة تصدر خطوطا طيفية بأطوال موجية مختلفة، فإنها تصلح لأن تقوم مقام ميزان للحرارة. كذلك فإنه يمكننا استنتاج سرعة المادة المتحركة في هذه المناطق من التغيرات الدوپلرية للأطوال الموجية للخطوط الطيفية التي تسجلها سوهو.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N5_H04_006983.jpg

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N5_H04_006984.jpg

من الممكن استنتاج جريانات المادة عبر الشمس رأسيا وأفقيا، وكذلك حركتها ودرجة حرارتها باستعمال جهاز تصوير مايكلسون ـ دوپلر المحمول على متن مركبة الفضاء سوهو. ويبين المقطع الرأسي (في الأعلى) تغيرات في الجريان ودرجة الحرارة في القسم الخارجي من الشمس الذي ثخانته 8000 كيلومتر. ويشير الفارق في اللون إلى تغيرات من درجات حرارة منخفضة (اللون الأزرق) إلى أخرى مرتفعة (اللون الأحمر). أما المقطع الأفقي (في اليسار) فهو على عمق 1400 كيلومتر، وهو يشبه الحقول المغنطيسية السطحية (التراكيز الغامقة). وفي كلتا الحالتين، فإن الأسهم تشير إلى الاتجاه والسرعات النسبية للمادة التي قد تبلغ سرعة عظمى قدرها كيلومتر واحد في الثانية.

 

لقد بيّن الإشعاع فوق البنفسجي منذ عهد قريب أن الشمس مكان عنيف ويحفل بالنشاط حتى أثناء مرور دورة النشاط الشمسي، التي مدتها 11 سنة، بفتور واضح ـ وقد تساعد هذه الحقيقة على تفسير سبب سخونة الإكليل الشمسي. ويبدو أن الشمس كلها تتألق في ضوء الإشعاعات UV الصادرة عن بقع ساطعة متمركزة في أماكن محددة. واستنادا إلى القياسات التي نفّذتها سوهو فإن هذه البقع الحارة تتكوّن في درجات حرارة قريبة من مليون درجة كلڤن، وهي تبدو كأنها نشأت في عرى مغنطيسية صغيرة من الغاز الساخن موجودة في جميع أرجاء الشمس، ومن ضمنها قطباها الشمالي والجنوبي. وتقوم بعض هذه البقع بالتفجر وإطلاق مواد نحو الخارج بسرعات تقدر بمئات الكيلومترات في الثانية. ويعكف الآن علماء سوهو على دراسة هذه البقع الحارة كي يقرروا ما إذا كانت تؤدي دورا هاما في آلية تسخين الإكليل الخادعة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N5_H04_006985.jpg

استُنتج معدل الدوران الداخلي للشمس في خطوط العرض التي درجاتها 0 و 30 و 60 من البيانات التي زودنا بها جهاز تصوير مايكلسون-دوپلر. ولدى الاتجاه نحو الأسفل إلى قاعدة المنطقة الحملية، نرى أن المناطق القطبية تُدوِّم على نحو أبطأ من تدويم المناطق الاستوائية. وبعد ذلك، فإن الدوران المنتظم يبدو بأنه هو القاعدة، مع أن العلماء لم يحددوا بعد معدلات الدوران داخل قلب الشمس.

 

ولكشف التغيرات التي تحدث في مستويات أعلى من جو الشمس، فإن سوهو تعتمد على الجهاز UVCS وعلى جهاز آخر موجود على متنها هو راسم الإكليل الطيفي ذو الزاوية الكبيرةLarge Angle Spectroscopic COronagraph LASCO. ويستعمل كلا الجهازين أقراصا حاجبة (ساترة) لاعتراض سبيل وهج الكرة النارية. ويتحرى الجهاز LASCO  وجود ضوء الشمس المرئي الذي تبعثره الإلكترونات في الإكليل. وقد بيّنت نتيجة تحرياته أن الإكليل بسيط وغير معقد وأنه متناظر جدا ومستقر. وقد شوهدت على هذا الإكليل، لدى رصده خلال هدوء النشاط المغنطيسي، ثقوب واضحة المعالم في الشمال والجنوب. (وثقوب الإكليل هي مناطق شاسعة منخفضة الكثافة وذات درجات حرارة منخفضة حيث تكون إصدارات الإشعاعات EUV والأشعة السينية منخفضة انخفاضا شديدا أو معدومة.)

 

وبالمقابل فإن المناطق الاستوائية كانت مطوقة بسيالات streamers ضيقة منبسطة ومستقيمة من المادة المنطلقة خارجا. ويقوم الحقل المغنطيسي للشمس بإعطاء هذه السيالات شكلا محددا. هذا وإن المادة المكهربة في قاعدة هذه السيالات مركّزة تركيزا كثيفا داخل العرى loops الممغنطة المتجذرة في الكرة الضوئية. ومع الاقتراب من السطح الخارجي للإكليل، فإن السيالات تضيق وتمتد عشرات الملايين من الكيلومترات في الفضاء. وتحتجزُ هذه الامتدادات مادةً درجة حرارتها نحو مليوني درجة كلڤن محتواة في حدودها المغنطيسية المتطاولة مولِّدة حزاما من الغاز الساخن الذي يمتد حول الشمس.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N5_H04_006986.jpg

قام أحد الرواسم الإكليلية المحمولة على متن سوهو بتسجيل مقذوفات إكليلية على نطاق واسع (اللون الأبيض) حدثت في الجهتين الشرقية والغربية من الشمس، وقد جرى هذا التسجيل خلال ساعات في يوم واحد. هذا وإن القرص الأسود الحاجب يعترض سبيل وهج الشمس التي يمثَّل حرفها المرئي هنا بالدائرة البيضاء.

 

وتسلك السيالات سلوكا ينسجم مع اسمها، إذ تبدو المادة جارية جريانا مستمرا على طول حقولها المغنطيسية المفتوحة. وتقوم الرواسم الإكليلية من وقت لآخر بتسجيل تركيزات كثيفة من المادة التي تتحرك عبر سيالة غير متغيرة من نوع آخر ـ وكأننا نرى أوراقا طافية على جدول ماء متحرك. وتحدث أحيانا انبثاقات هائلة، تُسمى مقذوفات إكليلية، وهي تؤكد حدوث الجريان المستمر نحو الخارج. وتدفع هذه الانبثاقات بلايين الأطنان من الغازات التي تبلغ حرارتها نحو مليون درجة إلى الفضاء المحصور بين الكواكب بسرعات تقدر بمئات الكيلومترات في الثانية. وغالبا ما تصل هذه المادة إلى الأرض خلال يومين أو ثلاثة فقط. ومما يثير دهشة معظم الخبراء أن الجهاز LASCO عثر على مقذوفات استوائية انبثقت عن جهات متقابلة من الشمس بفواصل  زمنية تقدر بالساعات.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N5_H04_006987.jpg

تحمل الرياح الشمسية الكثير من العناصر. وقد ميزت أجهزة سوهو الآن في هذه الرياح الكبريت والأرگون والكالسيوم وبعض العناصر الأخرى مثل السيليكون والحديد. كذلك فإن النيتروجين والكربون والأكسجين يمكن تعرّفها بسهولة أيضا. وقد كشفت سوهو أيضا وجود بعض العناصر النادرة، ومن ضمنها الفوسفور والكلور والبوتاسيوم والتيتانيوم والكروم والمنغنيز والنيكل.

 

لا تستطيع رواسم الإكليل أكثر من الحصول على مشهد جانبي للشمس، ومن ثم فإنها لا ترى إلا قدرا ضئيلا من المادة المتحركة المتجهة نحو الأرض أو المنطلقة منها. لكننا نخمن، استنادا إلى ما يمكننا رؤيته، بأن هذه المقذوفات هي اضطرابات واسعة شاملة تنتشر حول الشمس كلها. وفي الحقيقة فإنه يبدو أن مناطق واسعة على نحو غير متوقع تضطرب اضطرابا عنيفا حين تطلق الشمس مقذوفات إكليلية ضخمة، وذلك، في الأقل، خلال النشاط الأدنى لدورة النشاط الشمسي التي تمتد 11 سنة. وقد توصل راسم الإكليل إلى أنه قبل انطلاق هذه المقذوفات ببضعة أيام يغدو حزام السيّالة أكثر تألقا، مِمّا يوحي أن ثمة مزيدا من المادة يتراكم هناك. ومن المحتمل أن يتزايد الضغط والتوتر لهذه المادة المضافة إلى أن ينشق حزام السيالة وينطلق على شكل قذيفة. ومن المحتمل جدا أن تكون العملية بكاملها مرتبطة بإعادة تنظيم شامل على مقياس واسع لحقل الشمس المغنطيسي.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N5_H04_006988.jpg

يتوهج الهيدروجين البينجمي في الضوء فوق البنفسجي لخط ليمان-ألفا الطيفي بطول موجي قدره 1216 أنگستروم. وتُصدرُ غيمةٌ غازية بينجمية المناطقَ المنتثرة، كما تولِّد النجوم الحارة النقاطَ الساطعة. وترتحل الشمس عبر الغيمة بسرعة قدرها 26 كيلومترا في الثانية، كما تولد الرياح الشمسية لاتناظرا في الوهج المنتثر للإشعاع فوق البنفسجي.

 

الرياح الشمسية وما وراءها

هذا وإن جو الشمس الحار والعاصف يتمدد دائما في جميع الاتجاهات، الأمر الذي يترتب عليه غمر النظام الشمسي بتيار متواصل ـ يسمى الرياح الشمسية ـ يحوي إلكترونات وأيونات وحقولا مغنطيسية. ويولد الإكليل، الذي درجة حرارته مليون درجة، ضغطا متجها إلى الخارج يفوق الجذب التثاقلي للشمس، مما يجعل حدوث هذا التيار المتواصل أمرا ممكنا. وتتسارع الرياح الشمسية مع ابتعادها عن الشمس كتسارع الماء الفائض عن أحد السدود. وفيما يتشتت الإكليل، فلا بد من أن تحل محله غازات متدفقة من الأسفل لتغذية الرياح. وقد بيّنت قياسات سابقة أجريت بوساطة أجهزة محمولة على متن سفن فضائية، وكذلك قياسات أُخذت من أوليسيس Ulysses (التي أُطلقت عام 1990)، أن للرياح مركّبة سريعة وأخرى بطيئة. أما السريعة فتتحرك بسرعة قدرها 800 كيلومتر في الثانية تقريبا، في حين أن المركبة البطيئة تسير بسرعة تعادل نصف السرعة السابقة.

 

وما من أحد يعلم يقينا الموقع الذي تنشأ فيه المركّبة البطيئة ولا الشيء الذي يمنح المركّبة السريعة هذا الدفع الإضافي، لكن يتحتم على سوهو أن تزودنا بالإجابة عن هذين الأمرين. هذا وإن المركّبة البطيئة مرتبطة بالمناطق الاستوائية للشمس التي يفحصها كل من الجهازينLASCO وUVCS. أما المركّبة العالية السرعة فتنطلق من الثقوب الإكليلية القطبية. (وهناك تسمح الحقول المغنطيسية المفتوحة للجزيئات المشحونة بأن تفلت من القبضة المغنطيسية والتثاقلية للشمس.) وتقوم سوهو الآن بتحديد ما إذا كانت الرِّيش القطبية polar plumes ـ وهي بنى طويلة تتجذر في الكرة الضوئية وتمتد إلى الثقوب الإكليلية ـ تساعد على توليد هذه الرياح الشمسية العالية السرعة.

 

وقد قام الجهاز UVCS الموجود على متن سوهو بفحص الإصدار الطيفي للهيدروجين ولأيونات الأكسجين المشحونة بقوة، في البقاع التي يتم فيها تسخين الإكليل وتتسارع فيها الرياح الشمسية. وقد أبرزت أشكال هذه الخطوط الطيفية نتائج مدهشة تظهر فرقا واضحا بين سرعتي الإثارة اللتين تتحرك بهما أيونات الأكسجين والهيدروجين. ففي الثقوب الإكليلية القطبية حيث تنشأ الرياح الشمسية السريعة يكون الهيدروجين الأثقل مثارا إثارة أكبر بكثير، إذ تزداد طاقة حركته 60 مرة؛ وعلى بُعْدٍ من مركز الشمس يتجاوز مثلي نصف قطرها، يكون للأكسجين سرعة إثارة أعلى تعادل نحو 500 كيلومتر في الثانية. أما الهيدروجين فيتحرك بسرعة تساوي 250 كيلومترا في الثانية فقط. وبالمقابل، ففي المناطق الاستوائية التي تنطلق منها الرياح البطيئة السرعة، يتحرك الهيدروجين الأخف بسرعة أعلى من سرعة الأكسجين، وهذا ما يتوقعه المرء من رياح مدفوعة بفعل الحرارة.

 

ويقوم الباحثون ببذل جهود لتحديد السبب الذي يجعل أيونات الأكسجين الثقيلة تتحرك بسرعات أكبر في الثقوب الإكليلية. وربما بقيت المعلومات حول عمليتي التسخين والتسريع محتجزة داخل الثقوب الإكليلية المنخفضة الكثافة التي نادرا ما تتصادم فيها الإلكترونات مع الأيونات. وقد تمحو التصادمات المتكررة في السيالات العالية الكثافة كل أثر للعمليات الوثيقة الصلة بها.

 

وثمة جهاز آخر على متن سوهو، هو كاشف اللاتناحيات في الرياح الشمسية Solar WindANisotropies SWAN، مهمته فحص ذرات الهيدروجين البينجمية التي تكتسح مجموعتنا الشمسية من أمكنة أخرى. هذا وإن إشعاع الشمس فوق البنفسجي يُضيء هذا الهيدروجين على نحو يشبه الطريقة التي يُنير بها أحد مصابيح الشوارع الضباب الكثيف في إحدى الليالي. ولمّا كانت جسيمات الرياح الشمسية تفكّك ذرات الهيدروجين، فإن هذه الرياح تولِّد في المناطق التي تسلكها عبر غيمة الهيدروجين البينجمية تجويفا مظلما. ومن ثم فإن الوهج فوق البنفسجي الذي يكشفه هذا الجهاز يحدّد شكل الرياح الشمسية. وتشير القياسات التي أُجريت حتى الآن إلى أن الرياح الشمسية تكون أشد في المستوي الاستوائي للشمس مما هي عليه فوق قطبيها الشمالي والجنوبي.

 

هنا على الأرض

وفيما يتعاظم اعتماد حضارتنا على المنظومات المعقدة التي تجوب الفضاء، فإنها تتأثر أكثر فأكثر بالطقس الذي تحدثه الشمس في الفضاء. وفضلا عن العواصف المغنطيسية وتموّرات القدرة power surges، فإن المقذوفات الإكليلية الضخمة القوية يمكن أن تولّد أشفاقا auroras شديدة في السماوات القطبية وتلحق الأذى بالسواتل التي تدور حول الأرض، بل إنها قد تدمّرها. وثمة ثوران عنيف، يُسمى اللهب الشمسيsolar flare يقذف جسيمات طاقوية بمقدورها تعريض روّاد الفضاء للخطر وتدمير إلكترونيات الساتل. فلو عرفنا التغيرات المغنطيسية الشمسية التي تسبق هذه الحوادث المتسمة بالعنف، فإن سوهو تتمكّن عند ذلك من توجيه الإنذار المبكّر اللازم لحمايتنا من آثار هذه الحوادث.

 

وفي الواقع، فإن سوهو القابعة قريبا من الأرض قادرة على معاينة الجسيمات التي تهددنا قبل وصولها إلينا. ويقوم حاليا جهاز سوهو، الذي يسمى نظام تحليل الشحنات والعناصر والنظائر Charge, Element and Isotope Analysis System CELIAS، بقياس كمية النظائر والعناصر النادرة التي لم يكن بالإمكان رصدها من قبل. ولدى مقارنة هذه النظائر والعناصر، يمكننا التوصل إلى نتائج محددة تتعلق بأحوال جوّ الشمس حيث تنشأ الرياح الشمسية. هذا وإن جهازين آخرين هما المحلل الشامل للجسيمات فوق الحرارية والطاقوية COmprehensive SupraThermal and Energetic Particle (COSTEP) analyzer ومختبر الإلكترونات والنوى الطاقوية والنسبوية Energetic and Relativistic Nuclei and Electron experiment ERNE حصلا فعلا على قياسات مباشرة لپروتونات ونوى هيليوم وإلكترونات عالية الطاقة مقتربة من أرضنا، وعزواها إلى ثورانات عنيفة رصدها الجهاز EIT على الشمس. ومن المؤكد أن مثل هذه الحوادث ستغدو أكثر عددا ونحن ندخل القيمة العظمى التالية لدورة النشاط الشمسي. وإذ ذاك تصبح سوهو قادرة على تتبّع مثل هذه الثورانات حين بدئها تحت السطح المرئي للشمس، ومن ثم ارتحالها عبر جو الشمس لتؤثر في الأرض وفي سائر المنظومة الشمسية.

 

وقد حققت سوهو نتائج باهرة حتى الآن، إذ أظهرت معالمَ على الشمس الغامضة كانت غير مرئية من قبل أو أنها كانت غير واضحة القسمات. كذلك فإنها زودتنا بمعلومات جديدة قد تساعد على حل بعض المسائل الأساسية التي لم يبت فيها حتى الآن والمتعلقة بمناطق عديدة تشمل القسم الداخلي للشمس والأرض وأبعد مناطق الرياح الشمسية. وقد أُنيط ببعض الأجهزة على متن سوهو مهمة كشف أسرار أخرى، وقريبا سيقوم جهازان منها، هما GOLFوVIRGO بدراسة مسهبة وعميقة للاهتزازات الشمسية بغية تحديد درجة الحرارة وسرعة الدوران في المنطقة المركزية من الشمس. وزيادة على ذلك، فإن الاضطرابات الداخلية ـ التي تحدث داخل شمسنا وما يرتبط بها من نشاطات مغنطيسية تؤثر تأثيرا مباشرا في حياتنا اليومية ـ تتزايد مع الزمن. وهنا يأتي دور سوهو التي يتعين عليها إذ ذاك أن تقدم لنا فتوحات علمية مميزة تتضمن تحديد طريقة نشوء ثورانات الشمس المنذرة بالأخطار ورياحها العاصفة والحارة، وربما تضمنت أيضا التنبؤ بالأحوال التي تسود جو الشمس. *

 

 المؤلف

Kenneth R. Lang

أستاذ علم الفلك في جامعة تفتز. ويصف كتابه المزود بالصور الذي صدر حديثا بعنوان Sun, Earth and Sky جميع سمات الشمس وتفاعلاتها مع الأرض. وقد نشر لانگ أيضا أكثر من 150 مقالة متخصصة وأربعة كتب أخرى تُرجمت إلى سبع لغات، من بينها المرجع المتميز Astrophysical Formulae.

 

مراجع للاستزادة 

SUN, EARTH AND SKY. Kenneth R. Lang. Springer-Verlag, 1995.

THE SOHO MISSION. Edited by Bernhard Fleck, Vicente Domingo and Arthur I. Poland. Special section of Solar Physics, Vol. 162, Nos. 1-2; 1995.

THE STELLAR DrnrnNto. Elizabeth Nesme-Ribes, Sallie L. Baliunas and Dmitry Sokoloff in Scientific American, Vol. 275, No. 2, pages 30-36; August 1996.

UNSOLVED MYSTERIES OF THE SUN, Parts 1-2. Kenneth R. Lang in Sky and Telescope, Vol. 92, No. 2, pages 38-42; August 1996; and Vol. 92, No. 3, pages 24-28; September 1996.

SOHO images can be obtained (and freely used with appropriate acknowledgment) from the World Wide Web at

http://sohowww.nascom.nasa.gov/

Scientific American, March 1997.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى