أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
علم الحيوان

محسّات الحركة لدى الكائنات


محسّات الحركة لدى الكائنات

الحية ذات الهيكل الخارجي

تعتمد الصراصير والسلطعونات (السرطانات) والعناكب عند تحريكها لأطرافها على

 أعضاء في هيكلها الخارجي تعمل كمقاييس للإجهاد. ويمكن لطريقة هذه الكائنات في حركتها

 أن تساعد على تصميم إنسالات(1) متعددة الأرجل.

<N .S. زيل> ـ <A-E. سيفارت>

 

لدى بحث العناكب عن فريسة أو عند مقاومة السلطعونات للأمواج المرتدة أو محاولة الصّراصير الاختباء في الشقوق، فهي تعتمد على محسات طبيعية تثير إعجاب ودهشة العديد من المهندسين. ولمفصليات الأرجل هذه أعضاء متخصصة مغروسة في سيقانها تتحسس أقل الانثناءات أو الإجهادات strains في هيكلها الخارجي. وتنافس تلك المحسّات البيولوجية الفائقة الحساسية، المحسّات التي يبتدعها المهندسون في أيامنا هذه. وفي الحقيقة فالمحسّات البيولوجية هذه تذهب إلى أبعد مما تقوم به محسّات المهندسين؛ فهي تقوم بقياس الجهد، كما تقوم بإصدار أوامر القيادة المناسبة التي تُنظِّم حركة المشي لدى هذه الكائنات، كما يمكن لها أن “تتذكر” مسار حركتها السابق.

 

إن دراسة محسّات الإجهاد للمفصليات لن تُحسِّن فهمنا للافقاريات فقط، بل ستفيدنا جدا في علم الإنسالية science of robotics وفي بناء آلات يمكنها الحركة  على مسطحات وعرة قد تكون على كوكبنا أو على سطح القمر أو على المريخ. فقد اتجه خبراء الإنسالية إلى بناء آليات ذاتية الحركة مشابهة لآليات الحشرات التي تبدي أفضل التوازن والانسجام (إذ نادرا ما يتعثر السلطعون في حركته ويسقط). وربما كان أشهر هذه الإنسالات هو دانتي Dante  الذي نزل في مطلع التسعينات بوساطة أرجله الثماني إلى فوهات براكين في القارة القطبية الجنوبية وألاسكا. ومع ذلك فإن هذه الإنسالة التي كانت متعثرة في حركتها  وعانت مصاعب ميكانيكية، لم تكن لها قط رشاقة ونشاط العنكبوت مثلا. لذا فإن فهم طريقة عمل محسات الإجهاد الطبيعية للمفصليات، إضافة إلى فهم الأمور الحركية الأخرى كأسلوب المشي ووضع الجسم أثناء الحركة، سيكون مفتاحا لبناء وتصميم إنسالات أكثر ذكاء ورشاقة.

 

إن الإجهاد بالمعنى الهندسي هو نسبة التغير في طول شيء ما عند تعرضه لقوة ما قياسا إلى طوله الأصلي في الحالة الحرة. تتألف محسّات الإجهاد من رقاقة معدنية أو شبه موصل مرن، وتتغير مقاومتها الكهربائية مع تغير الإجهاد المطبق عليها. وليس الميزان المنزلي الإلكتروني إلا تطبيقا مألوفًا لمحسات الإجهاد، حيث ينثني قضيب معدني من جراء وقوف شخص على الميزان، ويُحوِّل محس الإجهاد المرتبط بالقضيب المعدني هذا الانثناء إلى إشارة كهربائية تتحول إلى أرقام عددية تدل على وزن الشخص مقدرا بالكيلوغرام أو الرطل.

 

استُخدمت محسّات إجهاد أكثر تعقيدا في تطبيقات صناعية متنوعة، حيث وُضِعت المادة الموصلة لهذه المحسّات في شبكات أو في صفوف متعاقبة. هذا التنظيم يجعل هذه المحسات حساسة للاتجاه الذي تُصَفُّ به، وبذا تُمكّن من تحسس منحى الإجهاد والحصول بالتالي على أفضل النتائج عن طريق جمع عدد من القياسات التفرعية. يمكن استخدام مثل هذه المحسّات في اختبار إنشاءات المباني والجسور وكذلك محركات السيارات والطائرات.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N6-7_H03_007073.jpg

 

لقد تم حديثا استخدام محسّات الإجهاد في العلوم والهندسة، ولكن المفصليات استَخدمت أدوات مشابهة منذ أكثر من ثلاثمئة مليون عام. ولكل من المفصليات الرئيسية الثلاثة: الحشرات والعنكبوتيات والقشريات كالسلطعون والروبيان، أعضاء التحسس الخاصة بها التي تُمكِّنها من كشف الانثناءات أو الإجهادات في إهابها cuticle، أي مادة هيكلها الخارجي.

 

يُسمى جهاز التحسس لدى الحشرات بالمحسّ الجرسي campaniform sensillum(لأن هذا الجهاز يشبه الجرس، والكلمة campana  لاتينية الأصل وتعني الجرس). ويسمى جهاز التحسس لدى العناكب المحسّ الإخدودي slit sensillum، وهو على شكل قناة دقيقة، أو شق، في إهابها يغطيه غشاء رقيق للغاية. وتنتظم هذه المحسّات عند الأرجل في مجموعات كثيفة لها شكل القيثارة. أما محسّات السلطعون والتي تُعْرف عموما بأعضاء التحسس للقوة force-sensitive organs، فتبدو كأقنية تنتهي تحت سطح الهيكل الخارجي تماما.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N6-7_H03_007074.jpg

تعتمد الحركة الانتقالية للصرصور Periplaneta americana (في اليسار) والعنكبوت المداري Cupiennius salei (في اليمين) على محسّات الأرجل التي تعمل كمحسّات جهد بيوميكانيكية.

 

وعلى الرغم من الاختلاف في تفاصيل البنية الدقيقة، فإن الأنواع الثلاثة من أعضاء التحسس هذه ترتبط بالجملة العصبية المركزية بطرق متماثلة، إذ يرتبط كل منها بخلية تحسُّس عصبية (التغصنات العصبونية dendrites على وجه التحديد) مَخْفِيَّة تحت الهيكل الخارجي. وعندما تسبب قوةٌ ما انثناءات في الهيكل الخارجي بجوار المحس فإن الأطراف العليا من التغصنات (الشجيرات) العصبونية ستنثني أيضا مع الهيكل الخارجي في الوقت نفسه، وهذا يؤدي إلى تغير في استقطاب العصبون وحدوث كمون الفعل. فتقوم الخلية العصبية عند ذلك بإرسال إشارات كهربائية، متناسبة مع شدة الانثناءات، إلى الجملة العصبية المركزية عبر المِحْوار (المحور العصبوني) axon.

 

ومع أن البنية الداخلية لمحسّات المفصليات قد عُرِفت ودُرست منذ وقت طويل، فإنه لم تُعْرَف مقدرتها على تحسس الإجهاد إلا حينما أمكن تسجيل نشاطها العصبوني في الثلاثينات من هذا القرن، وذلك باستخدام مضخمات إلكترونية للإشارة الناجمة عن نشاط الخلية العصبية. وكان أول من سَبَر المفصليات بهذا الشكل هو الراحل <J. برنگل> من جامعة أكسفورد. فقد لاحظ برنگل خلال أبحاثه أن هذه اللواقط الحسية تعمل على مراقبة وتحسس الإجهاد وتعرّف موضعه من جسم الكائن. وأكثر من ذلك، فقد تمركزت أجهزة التحسس في مناطق إجهاد حرجة من الهيكل الخارجي وذلك بجوار المفاصل ونهايات الأرجل. ولاحظ برنگل إضافة إلى ذلك أن عددا من أجهزة التحسس تتعنقد قرب مناطق من الهيكل الخارجي مرتبطة بالأوتار العضلية، وهذا ما يدفع للاعتقاد بأن محسّات المفصليات تستجيب لإجهادات انقباضات العضلة الداخلية.

 

وحديثا أظهرت سلسلة من التجارب المثيرة، قام بها كل من <R. بليكهان> و <F .G.  بارث> من جامعة فرانكفورت، الحساسية الفائقة لمحسّات الإجهاد الخاصة بهذه المفصليات. فقد قاما بالقياس المباشر للإجهاد في ساق العنكبوت المداريcupiennius salei، وذلك بربط محسّات صغيرة جدا عند مقاطع مختلفة من ساق العنكبوت. توصل الباحثان إلى نتيجة مفادها أن لقشرة المفصليات، من أجل كتل متماثلة،

 

قساوةً مماثلة تقريبا لعظم الكائن البشري (لبشرة المفصليات والعظم البشري معدل المرونة نفسه، وهو النسبة بين الضغط المطبق والانثناء الناجم، وهو من مرتبة عشرة بلايين نيوتن للمتر المربع أو مليون رطل للإنش المربع). ولتحسس التغيرات في بنية قاسية كهذه يجب توافر محسّات عالية الأداء وذات حساسية للانزياحات مماثلة لحساسية اللواقط الصوتية في الأذن البشرية.

 

أثبتت دراسات لاحقة الحساسيةَ الاتجاهيةَ لمحسات المفصليات هذه، حيث أظهر كل من <M. سسپينولا> و<M .K. شاپمان> (من جامعة براون) أن للحشرات جرسية المحسّ استجابةً أفضل للقوى المؤثرة عموديا في محورها الطولي. كما قام بارث (وهو حاليا في جامعة فيّنا) ومساعدوه باكتشاف خاصية مماثلة في أخاديد التحسس للعناكب. ووجدوا أيضا أن للعناكب طيفا واسعا من أطوال أخاديد التحسس، تنتظم على شكل قيثارة. ولكل أخدود زاوية مختلفة قليلا عن الأخاديد الأخرى، وهذا ما يزيد من مقدرة العناكب على تحديد اتجاه القوى المؤثرة . وأظهرت أيضا التسجيلات للواقط القشريات مقدرةً مماثلة، وإن لم نستطع حتى الآن إدراك آليتها الميكانيكية التي تحدد الاتجاه.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N6-7_H03_007075.jpg

تُراقَبُ إجهادات الهيكل الخارجي بوسائل تحسس متوضعة في مناطق مختلفة من الأرجل، كما تشير إلى ذلك الأسهم (الصف العلوي). توضح الأشكال المجهرية شكل كل عضو من أعضاء التحسس. ولهذه الأعضاء أقنية تمتد داخل القشرة (الصف السفلي). ولعصبونات التحسس تغصنات تمتد عبر القناة وترتبط بغشاء رقيق نسبيا قرب سطح الهيكل الخارجي. كما ويمتلك كل عصبون مِحْوارا لربط العصبون بالجملة المركزية. يُظهر المقطع العرضي الملون لقشرة ساق عنكبوت (في أسفل اليمين) أخاديد في الأقنية ذات عرض من مرتبة الميكرونات.

 

آلية حركة المشي

لقد أظهرت دراسات سابقة طبيعةَ محسات الإجهاد في أعضاء المفصليات، ولكنها لم تُظْهِر دورها في الحركة. لذا قمنا وعدة باحثين آخرين بإجراء بحوث حول كيفية استخدام المفصليات لهذه المحسّات في التنقل. وعلى الرغم من أن الصراصير كائنات كريهة عندما نصادفها في منازلنا، فإنها تشكل مادة مناسبة لخدمة غرضنا وتمثل نموذجا مثاليا لدراسة آلية المشي في المختبر البيوميكانيكي، فهي لا تمتلك أية وسيلة للدفاع عن نفسها سوى مقدرتها على الحركة السريعة والنجاة بنفسها.

 

تتصل المحسّات الجرسية للصراصير بالهيكل الخارجي عبر قبعة cap صلبة مصنوعة من القشرة الخارجية. كما تُشكِّل المحسات المتوضّعة في الحافة الحادة من عظم الساق شبكة دقيقة موزعة في مجموعتين جزئيتين: اللواقط القريبة والتي تتجه قبعاتها غالبا بشكل متعامد مع المحور الطولي للساق، ولواقط بعيدة تتجه قبعاتها بشكل مواز لمحور الساق. يقوم مهندسو الإنشاءات بتوضيع محسّات الإجهاد بشكل مماثل وذلك لمراقبة كل أنواع القوى المؤثرة في غرض ما، حيث تُرتّب المحسّات وفق محورين متعامدين.

 

ولكي ندرك كيفية تأثير هذه المحسات في العضلات، قمنا أولا بإعاقة الصرصور وذلك بتثبيت ساقيه، وبعد ذلك قمنا بتحريض قبعات كل عضو على حدة بوساطة سلك رفيع من التنگستين لا يتجاوز قطره عددا من الميكرونات، تم بعدها مراقبة عضلات عظم الساق، فاستجابت المحسات ذات القبعات المتعامدة مع المحور الطولي للانثناء العلوي للساق. وتقوم المحسات بدورها بتحريض العضلة الباسطة (المماثلة في وظيفتها للعضلة الرباعية الرؤوس الموجودة في مقدمة الفخذ لدى الإنسان). أما المحسّات ذات القبعات الموازية للساق فتتأثر بالانثناءات السفلية للساق وتوقف نشاط العضلة الباسطة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N6-7_H03_007076.jpg

تشتمل حركة المشي لدى الصرصور على مرحلتين: الاستناد والتأرجح. يُيبين الشكل دورة واحدة للساق اليمنى الخلفية (المظللة). تضغط الساق على سطح الحركة لتندفع الحشرة إلى الأمام في مرحلة الاستناد (1، 2)، أما في مرحلة التأرجح فيتم رفع الساق ونقلها نحو الأمام (3، 4). تُظْهِر القياسات الخاصة بنشاط العضلات (في اليسار) أن العضلة الباسطة تنشط في مرحلة الاستناد، في حين تقوم العضلة القابضة بتأمين القيادة خلال مرحلة التأرجح.

 

وأكثر من ذلك، تستجيب اللواقط للإجهادات الناجمة عن انقباض عضلات ساق الصرصور نفسه، وهذا ما يؤكد تخميناتنا السابقة. ولا تبدي المحسّات ذات القبعات المتعامدة مع محور الساق تأثرا إلا خلال انثناء العضلات القابضة (وهي العضلات الموجودة خلف الفخذ عند الإنسان)، أما المحسّات الموازية لمحور انقباض الساق فلا تُبْدي أي تأثر إلا للعضلات الباسطة. وبالتالي فوظيفة محسّات الحشرات تماثل محسّات إجهاد بسيطة كتلك التي تستخدم في الهندسة الميكانيكية.

 

من الواضح أن إجراء اختبارات على صرصور شُدَّ وثاقه لا يسمح بإدراك كيفية قيادة المحسات لحركة المشي الطبيعي. وللإجابة عن هذا السؤال قمنا بتسجيل نشاط اللواقط لدى الحشرات الطليقة ومقارنة ذلك بنشاط عضلات عظم الساق. فلوحظ أن الأرجل الخلفية للصرصور تتبِع في حركتها شكلا بسيطا تستخدمه معظم الكائنات عند مشيها، فهي تقوم أولا برفع ساق ودفعها للأمام وذلك فيما يعرف بمرحلة التأرجح swing phase. ويتبع ذلك خفض الساق ودفعها نحو الخلف وذلك فيما يعرف بمرحلة الاستناد stance. وفي هذه المرحلة الأخيرة تقوم الساق عمليا بسند الكائن ودفعه. تنشط العضلات القابضة خلال مرحلة التأرجح في حين تنقبض العضلات الباسطة خلال مرحلة الاستناد.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N6-7_H03_007077.jpg

تعتمد أرجل الصرصور وأرجل الإنسان على عضلات متشابهة، إذ تُشبه العضلات القابضة لدى الإنسان والموجودة خلف الفخذ، العضلات القابضة لدى الصرصور، كما وتشبه العضلات الرباعية الرؤوس الموجودة في مقدمة الفخذ لدى الإنسان، العضلات الباسطة. تُوجِّه محسات الصرصور لكشف الإجهاد في جميع الاتجاهات وذلك للتحكم في عضلات خاصة.

 

لتسجيل نشاط المحسات الكهربائي قمنا بزرع أسلاك دقيقة في الساق على مقربة من العصب الذي يشتمل على المحاوير العصبونية اللاقطة. أظهرت هذه التسجيلات أن لمحسّات عظم الساق أنماطا متجانسة من النشاط خلال حركة المشي. ففي بداية مرحلة الاستناد، يقوم الكائن بوضع ساقٍ على السطح الذي يسير عليه، ومن ثم يضع ثقله عليها. تقوم هذه القوة بثني السطح العلوي لعظم الساق وتحرّض بذلك المحسّات ذات القبعات المتعامدة مع محور الساق التي تسبب انقباض العضلة الباسطة والتي ستدفع الكائن نحو الأمام.

 

تبقى العضلات في حالة عمل حتى نهاية مرحلة الاستناد، حيث تقوم الانقباضات المستمرة بثني الجزء السفلي من عظم الساق. وهذا الانثناء سينشِّط بدوره النوع الثاني من محسات الإجهاد، أي اللواقط ذات القبعات الموازية لمحور الساق. ويؤدي تنشيط هذه اللواقط إلى عكس العمليات السابقة، أي إلى كبح العضلة الباسطة والانقباضات العضلية والإجهادات القشرية الناتجة منها. وهي ستُنَشِّط أيضا العضلات القابضة التي تؤدي إلى أرجحة ساق الصرصور لبدء خطوة تالية. وملخص القول أنه بفضل المعلومات التوجيهية التي تقدمها محسات الإجهاد البيولوجية يقوم الكائن وبالتناوب بمتابعة قوى الانثناء العلوية والسفلية (الظهرية والبطنية) التي تؤثر في الساق وتُنظِّم حركة مشيها.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N6-7_H03_007078.jpg

يعتمد تذكر الخطوة السابقة لدى العنكبوت Cupiennius على أعضاء الحس الأخدودية. فعندما يُغشّى بصر العناكب لبرهة فإن معظمها تعود في اتجاهات قادتها سابقا لاصطياد فرائس (اليسار)، حتى وإن كان تقدمها بشكل متذبذب. تَظْهَرُ زوايا انطلاقها كنقاط في المخطط الدائري. أما العناكب التي أُعطبت أعضاء الحس لديها فستعود في اتجاهات عشوائية (اليمين)، وغالبا من دون أن تصل إلى منطقة الاصطياد.

أحذية للسلطعونات

لأجهزة التحسس بالإجهاد إمكانية المساعدة على حل مهمات تنسيقية أكثر تعقيدا، ولنأخذ على ذلك مثال السلطعون الذي يواجه مجموعة من المشكلات المختلفة عن تلك التي يواجهها الصرصور. فللسلطعون عشر أرجل، وهذا يحتاج إلى عمليات تنسيق أكبر بين هذه الأرجل. ثانيا، يسير العديد من القشريات من مثل سلطعون الشواطئ Carcinus maenas بشكل جانبي، وعليه يستخدم السلطعون أرجله في الدفع والجر وذلك على عكس الصرصور الذي يستخدم أطرافه في الدفع فقط.

 

إن توضع أعضاء تحسس الإجهاد أو القوى يُمكِّن السلطعون من الاستفادة الكاملة من أقدامه العشر ومن الحركة الجانبية. تتجمع هذه الأعضاء بشكل مركَّز على القدم وحيدة الإصبع بدلا من التجمع على عظم الساق، كما في الصرصور. ويبدو أن هذا الوضع يقدم فائدة كبيرة للسلطعون حيث يسمح لأعضاء التحسس بمتابعة القوى المؤثرة في كامل الساق، إذ تستجيب المحسّات لانثناء القدم وكذلك للإجهادات الناجمة عن انقباضات العضلات. تقوم الأعضاء الحساسة للقوى بخفض نشاط عضلات المشي الرئيسية لدى السلطعون، وتسمى العضلات الخافضة، وهي التي تضغط القدم على السطح حيث يمشي السلطعون.

 

يبدو أن لهذه المحسّات سلوكا أكثر تعقيدا من مجرد ردود أفعال بسيطة، وهذا ما اكتشفه كل من <F. ليبرسا> و <F. كلاراك> العامليْن في مركز البحوث الوطني الفرنسي وفي مختبر أركاشون بالتحديد، وذلك لدى اختبارهما عمليات التنسيق في حركة الساق. كان ذلك عندما قاما بإلباس السلطعون حذاء صغيرا يُمكن إحكام  إطباقه باستخدام بزال screw. ويؤدي ذلك إلى تشوه القدم عندما يتحرك السلطعون، وهذا ما يؤدي بدوره إلى تحريض مستمر للمستقبلات الحساسة للقوة على مقطع الساق.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N6-7_H03_007079.jpg

تتأثر عملية التنسيق بين أرجل السلطعون بأعضاء التحسس للقوة، وهو ما نراه عندما نضع مكوّن انثناء صغيرا على قدم إحدى السيقان (الساق رقم 3)، بحيث لن يعيق الاستمرار في تحريض عضو التحسس في العضلات الخافضة للساق 3 على العمل ولكنه سيحرض أيضا عضلات السيقان المجاورة.

 

هذه الطريقة تُولِّد على قدم السلطعون ضغطا له آثار عديدة. فهو أولا يخفض وبشكل كبير من شدة ومدة نشاط العضلة الخافضة للساق المحرَّضة. ثانيا، يؤثر في نشاط العضلات الخافضة للسيقان المجاورة وذلك بإطالة نشاطها وقسرها على العمل بشكل متناوب حول القدم المضغوطة. وبكلمات أخرى، عندما يطبق وزن على الساق فإن محسّ هذه الساق يأمر العضلة الخافضة بالتخلي عن الوزن ويأمر السيقان المجاورة بحمل هذا الوزن وذلك بطريقة متناسقة: أي إن عضو التحسس لساق ما يساعد على ضبط النشاط المنعكس للسيقان الأخرى، وهو ما يدل على أن محسات الإجهاد للمفصليات تولد سلوكا أكثر تعقيدا من مجرد رد فعل بسيط.

 

وفي الواقع، إن دور أعضاء التحسس يتصف بالدقة بقدر ما يتصف بالتعقيد. وأحد الإيضاحات على ذلك هو “التوجيه الحركي” للعناكب الذي يُمكِّنها من تخزين المعلومات الخاصة بمسار حركتها السابقة، حتى تتمكن من الاستدلال على مكان فريستها.

 

فلدى وضع العنكبوت المداري على سطح مستو وحجب نظره مؤقتا، وجعل ذبابة منزلية تقترب منه سيقوم العنكبوت بتحديد موضع الذبابة من جراء اهتزاز أجنحتها. ولدى إبعاد العنكبوت برفق عن فريسته ونقله إلى مكان يبعد قليلا عن موضع الفريسة يعود العنكبوت إلى مكانه الأصلي حتى وإن انتقلت الفريسة إلى مكان آخر. وحتى لو قيد العنكبوت بعيدا عن مكان الفريسة على مسار منحنٍ فإنه لن يقوم بإعادة رسم المسار المنحني هذا، وإنما سيقوم بالمشي على مستقيمات تصل بين رؤوس هذا المنحني، وهذا ما يشير إلى أن العنكبوت قد اختزن في “ذاكرته” مكان وجود الذبابة.

 

لا يعتمد مثل هذا النمط من المقدرة على التذكر على مؤشرات خارجية مثل الرؤية أو الشم أو الجاذبية، وإنما يعتمد على محسات الإجهاد. فإذا أُتلفت أعضاء التحسس قرب مفاصل الساق ضلّ العنكبوت طريقه وذهب في اتجاهات خاطئة وما كان قادرا على تصحيح مساره وأخطأ هدفه على الأغلب. ولا تُظْهِر العناكب أي عجز ظاهري آخر في مقدرتها على اصطياد الفرائس. ومن ثم ففي غياب المؤشرات الخارجية للتوجيه، يعتمد الكائن الليلي على معلومات حول حركته مستقاة من لواقط الإجهاد.

 

تحاول مجموعات مختلفة من المهندسين حاليا استخدام شبكات من المحسات البسيطة للتوصل إلى سلوك مماثل في تعقيده لسلوك المفصليات للبنى الميكانيكية التي يقومون بتصميمها. فقد قام فريق من جامعة <كيس ويسترن ريزيرف> ببناء إنسالات ذات ست أرجل على أساس مشابهة الجملة العصبية للحشرة، حيث لا يتوضع التحكم في الحركة في معالج مركزي وإنما يوزع على مقاطع مختلفة. يمكن لمثل هذه الإنسالات المشي بسرعة معقولة على شبكة من الصُّفّاحات(2). يزيل مثل هذا التصميم، جزئيا على الأقل، بعضا من المشكلات الخاصة بالإنسالات متعددة الأرجل التي يجب عليها أن تقوم بحسابات مضنية للمعلومات الواردة من مختلف المحسات بهدف تحديد الخطوة التالية.

 

وللإنسالة الفطنة والمتوازنة والتي تشبه أحد المفصليات، استخدامات عديدة. فستكون آلة مثالية للحركة على أراضٍ خطرة ووعرة تصعب على العربات ذات الإطارات. وما سبر المواقع الخطرة الملوّثة أو فوهات البراكين على الأرض أو القمر أو المريخ إلا بعضا مما تقوم به الإنسالات. وهناك أماكن وأعمال أكثر تعقيدا. فمثلا تبحث البحرية الأمريكية حاليا عن إنسالة تشبه السلطعون وقادرة على القفز من السفينة والزحف حتى الشاطئ لاصطياد الألغام.

 

وستمضي فترة قبل أن تبلغ الإنسالة المفصلية في حركتها سرعة مثيلتها الطبيعية. هذه اللافقاريات قد طورت محسات طوعت بها القوانين الميكانيكية بأسلوب نحن في بداية الطريق لفهمه.

 

المؤلفان

Sasha N. Zill -Ernst -August Seyfarth

التقى زيل زميله سيفارت عندما ارتحل إلى فرانكفورت وذلك ضمن برنامج تبادل جامعي في عام 1982. حصل زيل على الدكتوراه في التشريح من جامعة كولورادو، وهو يدرِّس حاليا في كلية الطب بجامعة مارشال في غرب فرجينيا. وفيما يتعلق ببحوثه حول محسّات الإجهاد قام في البداية بدراسة الصراصير والجنادب. أما سيفارت فتركَّزَت بحوثه على فسيولوجيا التحسس وسلوك العناكب، وذلك منذ بدء دراسته في جامعة ميونخ حيث حصل على الدكتوراه في علم الحيوان، الذي يقوم بتدريسه حاليا في جامعة فرانكفورت إضافة إلى العلوم العصبية.

 

مراجع للاستزادة 

THE EXOSKELETON AND INSECT PROPRIOCEPTION. Sasha N. Zill and David T. Moran in journal of Experimental Biology, Vol. 91, pages 1-24 and 57-75; 1981.

NEUROBIOLOGY OF ARACHNIDS. Edited by E G. Barth. Springer-Verlag, 1985.

FORCE-SENSITIVE MECHANORECEPTORS OF THE DACTYL OF THE CRAB: SINGLEUNIT RESPONSES DURING )WALKING AND EVALUATION OF FUNCTION. F. LlberSat, E Clarac and S. Zill in Journal of Neurophysiology; Vol. 57, No. S, pages 1618-1637; May 1987.

BIOLOGICAL NEURAL NET-WORKS IN INVERTEBRATE NEUROETHOLOGI’ AND ROBOTICS. Edited by R. D. Beer, R. E. Ritzmann and T McKenna. Academic Press, 1993. INTRACELLULAR CHARACTERIZATION OF IDENTIFIED SENSORY CELLS IN A NEW SPIDER MECHANORFCEPTOR PREPARATION. Ernst-August Seyfarth and Andrew S. French in Journal of Neurophysiology; Vol. 71, No. 4, pages 1422-1427; April 1994.

Scientific American, July 1996

 

(1) robots ج: إنسالة وهي نحت من إنسان آلي. (التحرير)

(2) الصُّفّاح: حجارة رقيقة عريضة. (التحرير)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى