أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تكنولوجياجيولوجيا

قياس التداخل برادار محمول على قمر صنعي


قياس التداخل برادار محمول على قمر صنعي

تستطيع أجهزة تدور حول الأرض على بعد مئات الكيلومترات

أن تكشف التشوّهات الدقيقة في القشرة الأرضية.

<D. ماسّونيه>

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N8-9_H03_007172.jpg

تزحف الصفائح التِكْتونِيَّة بهدوء بمحاذاة بعضها بعضا، وتتدفق الجليديات ببطء على سفوح الجبال، ويرتفع سطح الأرض ويهبط ببطء. وفي العادة تعمل القوى الجيولوجية التي تُشكل سطح الأرض بطريقة هادئة بحيث لا يشعر بها معظم الناس. وفجأة، وفي منطقة مأهولة، يحدث انكسار لصدع جيولوجي أو ثوران انفجار بركاني. وسيُشعِر الدمار الآنيُّ آلاف المذعورين أن الأرض الصلبة قابلة للحركة حقًّا.

 

وحتى يتعمق فهم العلماء لمثل هذه الكوارث أو ربما للتنبؤ بها، فإنهم يعملون على قياس الثني والمطِّ الجاريين للقشرة الأرضية. وقد وظّفوا لذلك أجهزة متعددة الأنواع تتراوح بين مستويات المسّاح البسيط وحتى أجهزة إلكترونية معقدة لتحديد الموقع. وتتطلب مثل هذه الطرق جميعها أن يسافر الشخص إلى المكان المراد تقييمه ليضع تجهيزات من نوع معين ويدون الملاحظات. ومع ذلك فإن هذا المطلب البدهي، كما يبدو، ليس مطلبا سابقا على الإطلاق.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N8-9_H03_007173.jpg

توضح أهداب تداخل (الحزم الملونة في اليمين) حُصل عليها من تتابع لمسوح رادار القمر الصنعي إيرس-1 (أعلى يسار الصورة) تشوهَ الأرض بسبب زلزال وقع قرب لاندرز بكاليفورنيا عام 1992، تمثل كل دورة لألوان التداخل (أحمر مرورا بالأزرق) 28 مليمترا إضافية من حركة الأرض في اتجاه الرادار. وقد أزيل التداخل الراداري الذي سبَّبه الارتفاع الجبلي للمنطقة (الخلفية السوداء والبيضاء) ليكشف هذا النمط من التشوه الأرضي.

 

قمتُ في عام 1985 بدراسة كانت تمرينا نظريا بالكامل دون وضع أية أجهزة على الأرض، وذلك لمراقبة التشوهات الناتجة من القوى التكتونية. وفي ذلك الوقت كان العلماء قد اعتادوا منذ سنوات طويلة أن يُنشئوا صورا رادارية للأرض بالأقمار الصنعية (السواتل) والطائرات. وقد ارتأيت أنه يمكن لهذه الوسائل نفسها، مع بعض الحيل الإضافية، أن تُبيِّن الإزاحات الدقيقة التي يخضع لها سطح الأرض. وعلى الفور حاولت إقناع الجيولوجيين بأهمية هذه المحاولة. غير أن معظمهم ظلوا متشككين. ويبدو قياس حركة الأرض بمقدار بضعة ملّيمترات من ارتفاع مئات الكيلومترات في الفضاء عملية جِدُّ صعبة حتى تصبح ممكنة. ولحسن الحظ فقد استطعتُ إقناع مُستخدِمي، وهو وكالة الفضاء الفرنسية، بالسماح لي بمتابعة هذا الاستكشاف المثير.

 

كان يمكن لهذا العمل أن يستغرق سنوات من الكَد، لكن مجموعتي البحثية بالتعاون مع باحثين آخرين حول العالم نجحت في تنفيذ ما كان يبدو ضربا من الخيال لمعظم العلماء في عشرات السنين الماضية. لقد استعملت وزملائي تقنية جديدة تدعى (قياس التداخل برادار محمول على قمر صنعي) لمسح الصدوع الجيولوجية التي انبثقت في أثناء حدوث الزلازل وتتبع انتفاخ الجبال البركانية عندما تتراكم الصخور المصهورة وتنحسر بعيدا تحتها. وقد سخَّر باحثون آخرون قياس التداخل بالرادار لمسح الانزلاقات الأرضية البعيدة وتقدّم جليد المجمدات البطيء. وسواء أكان معجزا أم لا فإن على المتشككين القدامى أن يذعنوا إلى أن بوسع الأقمار الصنعية الرادارية أن تحس فعليا بحركات سطح الأرض وذلك من الفضاء البعيد.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N8-9_H03_007174.jpg

يتدفق جليد مجمدات حواف القارة المتجمدة الجنوبية نحو البحر نسبيا بسرعة في قنوات محصورة أو «جداول جليد» كهذا الذي مُسِح هنا باستخدام زوج من صور القمر الصنعي الراداري. إن حدود جدول الجليد موسومة بحزمتين متوازيتين من الجليد المقصوص بشدة (المناطق المبقعة).

 

تداخل مفيد

على الرغم من أن النجاحات المثيرة لقياس التداخل بالرادار المحمول على الأقمار الصنعية هي حقا حديثة فإن الخطوات الأولى نحو توطيد هذا الإنجاز بدأت منذ عدة عقود. فبعد أن أصبح الرادار (اختصارا للكشف الراديوي والطوافradio detecting and ranging) يستعمل بكثرة في تتبع الطائرات باستعمال هوائيات طبقية (صحنية) dish دوّارة كبيرة، استنبط العلماء طرقا لتكوين صور  رادارية لسطح الأرض بوساطة هوائيات صغيرة ثابتة محمولة على طائرة

[انظر: “ “Side Looking Airborne Radar

by H. Jensen – L. C. Graham – L. J. Procello – E. N. Leith; Scientific American, October 1977]. حتى إن غطاء سميكا من الغيوم لا يحجب مثل هذه الصور، لأن قطيرات الماء وبلورات الثلج لا تعوق الإشارات الراديوية radio signals. إضافة إلى ذلك، فإن الطائرات والأقمار الصنعية الدوارة حول الأرض والمجهَّزة بهوائيات رادارية تستطيع التقاط هذه الصور خلال الليل أو النهار، دونما فرق، ذلك أن الرادار، بهذا المعنى، يُوَفّر مصدر ضوئه.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N8-9_H03_007175.jpg

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N8-9_H03_007176.jpg

يستطيع غشاء film من الصابون مستدق السمك أن يفصل الضوء الى ألوانه المكونة له (في الأعلى)، التي يتطابق كل منها مع طول موجي معين من الإشعاع الكهرمغنطيسي. إن هدبا من لون واحد يوضح أين تنعكس الأشعة الضوئية لذلك الطول الموجي من أعلى سطوح الغشاء الرقيق وأسفله وتنضم بنائيا (في اليمين).

 

غير أن التمييز بين التصوير الراداري والتصوير الجوي التقليدي أكثر عمقا من مجرد كون الرادار قادرا على العمل في ظروف تتداعى فيها الأجهزة الضوئية. وهناك فروق أساسية في المبادئ الفيزيائية لكل من الطريقتين. فالمحسات الضوئية opticalsensors تسجل كمية الإشعاع الكهرمغنطيسي المنبعث من الشمس (كموجات ضوئية مستقلة لا حصر لها أو فوتونات) والمنعكسة من الأرض. ومن ثم فإن كل عنصر من عناصر الصورة الناتجة ـ الذي يدعى عنصورة (عنصر ـ صورة، پيكسل) pixel ـ يتميز بلمعان  الضوء الملتقط أو سعته. وعلى النقيض من ذلك، فإن هوائي الرادار يضيء الجسم المعني بإشعاع «مترابط»coherent، بمعنى أن قمم الأمواج الكهرمغنطيسية المنبعثة وقيعانها تتبع نمطا جيبيا متعرجا منتظما. لذا فإن أجهزة الرادار تستطيع قياس السعة والموقع الدقيق لنقطة ـ تدعى الطور phase ـ في تذبذب الأمواج المرتدَّة، في حين لا  تستطيع المحسات الضوئية إلا تسجيل كمية الفوتونات المنعكسة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N8-9_H03_007177.jpg

الانعكاسات الضوئية من جسمين تُنْتج دائما العدد نفسه من الفوتونات المنعكسة (البرتقالي) بغض النظر عن الموقع الدقيق للجسمين. ومن ثم فلا تفاوت في سطوع العنصورات بسبب الإزاحات الطفيفة في وضع الأجسام العاكسة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N8-9_H03_007178.jpg

انعكاسات الرادار (الخطوط الحمراء) لزوج من جسمين متقاربين يمكن أن تتداخل بنائيا (في اليمين) أو هدميا (في اليسار). وقد ينشأ عن الفروق الهندسية الصغيرة تغيرات كبيرة في سعة العنصورة بصورة الرادار.

 

وثمة فائدة كبيرة لقياس الطور؛ لكون أجهزة الرادار تعمل على ترددات عالية جدا تُعزى إلى أمواج راديوية قصيرة. فإذا عمل الرادار المحمول على قمر صنعي مثلا على تردد 6 گيگاهرتز (6 بلايين دورة في الثانية) فإن الإشارة الراديوية ستتجه نحو الأرض بسرعة الضوء مسافة 5 سنتيمترات فقط، وذلك في أثناء الزمن القصير جدا الذي تستغرقه الموجة لإكمال ذبذبة واحدة. فإذا كانت المسافة بين هوائي الرادار والهدف الأرضي هي مثلا 800 كيلومتر بالضبط، فإن رحلة الذهاب والعودة التي تساوي 1600 كيلومتر (أي حتى تصل إشارة الرادار إلى الأرض وترتد عنها إلى الأعلى) تماثل عددا كبيرا جدا ـ ولكنه كامل ـ من الأطوال الموجية. ومن ثم فعند عودة الموجة إلى القمر الصنعي فإنها تكون قد أكملت تماما دورتها النهائية بحيث لم يتغير طورها عن وضعه الأصلي عند انطلاقها من الرادار. وعلى أي حال، إذا كانت المسافة إلى الأرض تزيد على 800 كيلومتر بسنتيمتر واحد فقط، فإن على الموجة أن تقطع سنتيمترين إضافيين في رحلة الذهاب والعودة وهي تشكل 40% من الطول الموجي. وكنتيجة لذلك سيُزاح طور الموجة المنعكسة بمقدار 40% من الدورة عندما يصل إلى القمر الصنعي. وهذه الكمية يمكن أن تسجلها الآلة المستقبِلة بسهولة ويسر. ومن ثم فإن قياس الطور يوفر لنا طريقة لقياس المسافة إلى الهدف بدقة تصل إلى سنتيمتر أو حتى ملّيمتر واحد.

 

ومع ذلك، ولعقود مضت، فإن معظم العاملين في التصوير الراداري أغفلوا تماما قيمة قياسات الطور. ويمكن إدراك هذا السهو بسهولة. تمثِّل كل عنصورة مفردة في صورة الرادار منطقة ليست صغيرة على الأرض، ربما تصل مساحتها إلى 100 متر مربع. ستولّد هذه الرقعة من الأرض العديد من الانعكاسات الناتجة من أهداف صغيرة لا حصر لها موجودة في الرقعة مثل الحصى المتناثرة والصخور وأوراق الأشجار والأغصان وغيرها أو من بقع خشنة على السطح. ولما كانت هذه الانعكاسات الرادارية الكثيرة ستتحد عندما تصل إلى الهوائي بطرق غير متنبأ بها، فإن الطور المقاس لعنصورة معينة يبدو عشوائيا. بمعنى أنه يبدو أن لا علاقة له بالطور المقاس لعنصورة مجاورة في صورة الرادار.

 

وعلى أي حال، فإن السعة المتعلقة بعنصورة معينة في هذه الصورة ستُظهر بشكل عام ما إذا كان الكثير من الأجسام العاكسة الأساسية أو بعضها موجودة في موقعها المقابل على الأرض. ولكن قياسات السعة سيكون لها سِمَات «مشوشة» noisy أيضا؛ لأن الانعكاسات المفردة التي تسهم في عنصورة واحدة يمكن أن تضاف إلى بعضها فتجعل الانعكاس الكلي أقوى (تداخل بنائي)، أو يمكن أن يلغي بعضها بعضا (تداخل هدمي). وتدعى هذه الظاهرة في انعكاس الإشعاع المترابط بالتَّبَقُّع speckle، وهي الظاهرة التي تفسر المظهر الحُبيبي الغريب لبقعة في ضوء الليزر.

 

وقد تغلَّب العلماء على الآثار المزعجة للتبقع بطريقة روتينية رتيبة ولسنوات طويلة بأخذ متوسط السعات لعدد من العنصورات المتجاورة في صور الرادار الخاصة بها. وقد اتبعوا هذا الأسلوب في محاولة لمحاكاة نتائج التصوير الجوي التقليدي الأبيض والأسود. ونجحوا في ذلك بشكل واضح. ومع ذلك فإنهم باستعمال متوسط السعات، فقدوا كل معرفة بطور الانعكاسات الرادارية، ونتيجة لذلك خسروا قدرًا من المعلومات الكثيرة المخفية.

 

غير أن هذا الوضع لم يستمر دون تحديد. ففي عام 1974 أثبت <C.L. گراهام>، الذي كان يعمل في گوديير إيروسپيس، أنه من الممكن الاستفادة من الطور المقاس بالرادار المحمول جوا. وبعد ذلك، ومع بداية الثمانينات، أوضح العلماء في مختبر الدفع النفّاث في پاسادينا بكاليفورنيا، أن بإمكانهم استخلاص نتائج مشابهة للطور المُقاس بوساطة القمر سيسات SEASAT، الذي كان أول قمر صنعي راداري مدني، حيث أُطْلِقَ عام 1978 (ولم يعمل سوى ثلاثة أشهر). وقد قاموا بذلك من خلال مقارنة صورتين راداريتين مأخوذتين من المكان نفسه تقريبا في زمنين مختلفين. وبمعنى ما، فإن هذا التمرين مماثل لأخذ إطارين أحدهما بعيد عن الآخر كثيرا فيما يُعرف بالتصوير مع فرق الزمن time-lapse photography. وعلى الرغم من ظهور الطور نفسه عشوائيا كل مرة، فقد أعطت فروقُ الطور بين العنصورات المتماثلة في صورتي الرادار نمطَ تداخل مباشر وصحيح نسبيا.

 

ومن حيث المبدأ، فإنه إذا أُخذت صورتان متتاليتان لقمر صنعي من الموقع ذاته بالضبط، فلن يكون هناك فرق في الطور لأي زوج من العنصورات المتماثلة. ولكن إذا تغير المنظر الأرضي تغيرا بسيطا في غضون عمليتي المسح الراداري فإن أطوار بعض العنصورات في الصورة الثانية ستنزاح. وبالتالي فإن الأقمار الصنعية الرادارية يمكنها تتبع الحركات الدقيقة في سطح الأرض.

 

إن العرض المعتاد «لمخطط تداخل» interferogram الرادار الذي ينتج بهذه الطريقة يُوضِّح حركة الأرض باستعمال سلسلة من الحزم الملوَّنة التي أُريد لها أن تُمَثِّل أهداب التداخل interference fringes على غشاء رقيق من الصابون أو الزيت.

 

وتُمثل مجموعة كاملة من الحزم الملونة إزاحةً بمقدار نصف طول موجي؛ لأن موجة الرادار يجب أن تغطي مسافة رحلة الذهاب والعودة. وبالنسبة للقمر الصنعي الأوروبي إيرسERS-1-، فإن مجموعة من الأهداب fringes تُحدِّد تغيّرا مقداره 33 سنتيمترات في كمية حركة الأرض. وعلى الرغم من أن هذه الأهداب تُسجِّل جزء الحركة الأرضية الكائن في اتجاه القمر الصنعي (أو مباشرةً الاتجاه البعيد عنه)، فقد أُثْبِتَ أنها مفيدة بشكل غير عادي؛ لأن منظرا راداريا واحدا يمكنه أن يمسح شريطا شاسعا من الأرض يتطلب من الجيولوجيين والمساحين سنوات لمسحه بالتفاصيل ذاتها.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N8-9_H03_007179.jpg

تُحدِث مسوحات الرادار المتتالية من الموقع ذاته في الفضاء نَمطَ تداخلٍ واقعي عندما تنزاح قشرة الأرض، وتتطابق كل دورة من الأهداب الملونة مع تغير بُعْد القمر الصنعي بما يعادل نصف طول موجي (التكبيرات المفصلة) والتي تعطي طولا موجيا كاملا في مسافة رحلة الذهاب والعودة التي تستغرقها موجة الرادار. ويُظهِر النمط الهدبي الموضح هنا مُسْقَطا على السطح خَفْضا تدريجيا لهذا الجبل (انظر التفاصيل في الصفحتين التاليتين).

 

وعلى أية حال، فإن قياس التداخل بالرادار يتطلب أن تبقى، بلا تغير، جميع الأجسام العاكسة الصغيرة المسهمة في كل عنصورة، سواء أكانت صخورا أم جيوبا من المزروعات (وذلك ليبقى الجزء العشوائي من الطور هو نفسه تماما لكلتا الصورتين). ويخلق هذا الشرط الصارم نوعا ما بعض أنواع القصور المزعجة. فإذا كان الزمن المنقضي بين الحصول على الصورتين زائدا فإن الأهداف الصغيرة المشمولة بكل عنصورة ستنزاح بشكل شاذ؛ إذ يمكن عندها للأوراق أن تسقط عن الأشجار. وقد تنمو كتل من الأعشاب في أمكنة لم تكن فيها من قبل، كما يمكن للعواصف المطرية أن تُخدِّدَ الأرض. وقد تحدث مشكلة أخرى أكثر دقة إذا أُخذت صورتا الرادار من موقعين مناسبين، وفي هذه الحالة فإن الهندسة المتغيرة ستفضي إلى تغيرات في الطور.

 

وبمثل ما يحدث في زوج من الصور الجوية المجسمة، فإن صورتي الرادار المأخوذتين من منظورين مختلفين قليلا ستحويان فروقا ناتجة من اختلافات الارتفاع على سطح الأرض. ولحسن الحظ يمكن إزالة إزاحات الطور هذه بأن يُحسب بدقة هذا الأثر الطبوغرافي الصرف ثم يطرح. غير أن الطور الراداري سيختلط خلطا لا يمكن إصلاحه إذا كان التداخل بين الأهداف الابتدائية المشاركة في كل عنصورة مُتغيرًا، وهو أمر لا يمكن تجنبه إلا إذا أُخذت الصورتان من الزاوية نفسها تقريبا. وبالتالي، ولقياس تداخل ناجح، فإن مساري القمر الصنعي الراداري في الفضاء يجب ألا يبتعد أحدهما عن الآخر أكثر من كيلومتر واحد. (يعتمد البعد الحقيقي على هندسة المشاهدة وخواص القمر الصنعي الراداري المستعمل). إن الأقمار الصنعية الرادارية الأربعة العاملة حاليا وهي رادارسات الكندي Canadian Radarsat وإيرس-1 وإيرس-2 الأوروبيان EuropeanERS-1 and ERS-2 والياباني جيرس-1-Japanese JERS تواكب في العادة هذه المتطلبات على الرغم من أنها صُمِّمت دون أن يؤخذ قياس التداخل في الحسبان. وتجد الطائرات صعوبة أكبر في أن تطير على المسار نفسه مرتين، ولم أدرك هذه الصعوبة تماما عندما بدأت العمل لإثبات فكرتي.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N8-9_H03_007180.jpg

يشكل جبل إتنا قمة بركانية في صقلية، وقد انخفض عندما أُفرغت الصهارة أو صُرِّفت من تحته. وقد أظهر مخطط التداخل الذي أنتج من مسحين راداريين بالقمر الصنعي إيرس-1، بينهما 13 شهرا، أربع دورات لأهداب التداخل مما يدل على أن قمة الجبل هبطت نحو 11 سنتيمترا خلال هذه الفترة.

 

مراقبة تحرك الأرض

وبعد وقت قصير من اقتراحي أن قياس التداخل بالرادار يمكن أن يكشف الحركة التكتونية، بدأت مع زملائي تجارب لإثبات الفكرة مستعملين رادارا محمولا جوًّا. وقد انتكس تقدمنا بشدة عندما تحطَّمت القلعة الطائرة المفضلة B-17 التي كانت عادة تحمل رادارنا في أثناء إقلاعها عام 1989. ولحسن الحظ فقد استطاع طاقم الطائرة النجاة قبل أن يندفع قاذف القنابل على شكل كرة نارية. وكان علينا أن نبدأ من جديد. وبدلا من أن نُكيِّف أجهزتنا لطائرة أخرى حاولنا إثبات مخططنا برادار محمول جوا قدَّمه عدد من زملائنا الألمان. وعلى الرغم من ذلك أخطأنا هدفنا؛ لأن الطائرة لم تكن قادرة على الطيران قريبا من مسارها السابق بما فيه الكفاية. وقد أَنجز هذا العمل البارع عام 1991 <L .A. گري> وزملاؤه من المركز الكندي للاستشعار عن بعد.

 

وفي العام التالي حدث زلزال قرب بلدة لاندرز بجنوب كاليفورنيا، وقد أدركتُ وزملائي أن هذا الموقع الصحراوي يمكن أن يكون مكانا مثاليا لاختبار ما إذا كان القمر الصنعي الراداري قادرا على قياس التشوهات المرافقة للزلزال في قشرة الأرض، لذا قمنا بتجميع كل الصور الرادارية المتاحة للمنطقة من القمر الصنعي إيرس-1 وكوّنا عدة مخططات تداخل بضمِّ صورة مأخوذة قبل الزلزال مع أخرى بعده من الموقع ذاته تقريبا. ولأن مسارات الرادار لم تكن متماثلة قط، فإن التضاريس الوعرة لهذا الإقليم أثرت بوضوح في مخططات التداخل هذه. ومع ذلك، وباستعمال خريطة ارتفاعات رقمية digitized  استطعنا حساب الإسهام الطبوغرافي وإزالته. وبعمل ذلك، أُميط اللثام عن صورة غنية مضنية لأهداب التداخل. ولكن هل توضح هذه الحزم الملونة حقا ما فعل الزلزال بسطح صحراء موجيڤ Mojave Desert في كاليفورنيا؟

 

وحتى نتحقق من أن تمثيلنا لحركة الأرض كان صحيحا فعليا، حسبنا مخططا مثاليا للتداخل مبنيا على قياسات للحركة الرئيسية على طول الصدع قام بها الجيولوجيون. وقد أوضح نموذج مخطط التداخل تشابها مدهشا لنمط الرادار الذي وجدناه، وقد دعّم هذا التطابق ثقتنا بشكل هائل. وقد سرّنا أيضا أن نرى النمط الهدبي fringe pattern وقد كَشَفَ في بعض الأماكن إزاحة offset  بالغة  الصِّغَر على صدوع أخرى معروفة بتقاطعها في المنطقة. وفي حالة واحدة اكتشفنا حركة بمقدار 7 مليمترات كاملة على صدع يبعد 100 كيلومتر عن مكان حدوث الزلزال.

 

وبعد دراستنا لزلزال لاندرز مباشرة، استخدم <M .R. گولدشتاين>، من مختبر الدفع النفاث، ومساعدوه قياس التداخل بالرادار لتتبع حركة جليد مجمدات القارة المتجمدة الجنوبية. فقد استفادوا من فرصة استثنائية تمثلت في مرور القمر الصنعي إيرس-1 على بعد بضعة أمتار عن مسارٍ كان قد سلكه قبل ستة أيام. وبما أن القمر الصنعي أخذ صورا رادارية واقعية «قبلية» و«بعدية» من المكان نفسه، فإن طبوغرافية الجليدية glacier لم تؤثر في نمط الأهداب، وأوضحت الصورة الناتجة بشكل مباشر حركة الجليد. وقد أبرزت تلك الصورة حركة جدول جليدي (حيث التدفق سريع نسبيًّا) وذلك بشكل رائع.

 

وبحلول عام 1993، وبعد أن أثبت «قياس التداخل بالرادار» قدرته على تتبع الصدوع المنزلقة والجليديات المتموِّرة surging، تساءلنا فيما إذا كانت هذه التقنية قادرة على كشف تشوهات أكثر دقة وصغرا. ومن ثم جرَّبنا مجموعة من صور الرادار لبركان جبل إتنا Mount Etna في صقلية. وقد اقترب البركان عامي 19922 و 1993 من نهاية دورة ثوران طولها 18 شهرا عندما مر القمر الصنعي إيرس–1 فوقه 30 مرة. وبهذه الصور الرادارية الكثيرة، ومع وجود خريطة ارتفاعات للمنطقة، استطعت وزملائي إنتاج دستات من مخططات التداخل الخالية من تأثيرات التضاريس. كانت بعض نتائجنا ذات مستوى متدنٍ بسبب تغير الغطاء النباتي على جوانب البركان. (استغرق أخذ أزواج معينة من الصور المستخدمة في عمل مخططات التداخل أشهرا كثيرة، وبعضها الآخر أُنجز في أكثر من عام). وعلى الرغم من ذلك، وبمساعدة باحثين في معهد فيزياء الأرض بباريس، استطعنا تتبع انكماش deflation جبل إتنا مع اندفاع أواخر الصهارة (الماغما)magma  وتدني الضغط داخل الجبل. وقد أوضحت صورنا الرادارية أن جبل إتنا كان ينخفض سنتيمترين كل شهر خلال الأشهر السبعة الأخيرة للثوران. وقد امتد هذا التشوه مسافة طويلة حول البركان مما يدل على أن حجرة الصهارة تحت السطحية كانت أكثر عمقا مما كان يعتقد الجيولوجيون.

 

ولما كان جبل إتنا واقعا في أحد أفضل أجزاء العالم مسحا، فقد كشف التداخل بالرادار رُؤى مفاجئة (تماما كما فعل في تحديد مواقع التشققات الدقيقة في صحراء موجيڤ). وستثبت التقنية أنها أكثر قيمة في دراسة مئات البراكين النشيطة الأخرى على الأرض التي يمكن أن تُشاهد باستعمال الأقمار الصنعية الرادارية الموجودة. إن قياس التداخل بالرادار لا يمكن أن يحل محل طرق المسح الأرضية التقليدية، ولكنه يجب أن يستخدم على الأقل في تركيز انتباه الجيولوجيين نحو البراكين الناهضة ببطء عندما تبدأ بالتضخم وتصبح خطرة. يقدم هذا الشكل الجديد من أشكال الاستشعار عن بعد أيضا طريقة لمراقبة القمم البركانية في مواقع يتعذر الوصول إليها بطرق أخرى.

 

وكلما سبرنا أمكنة أكثر، تحقَّقنا من أن التغيرات القصيرة المدى في الغلاف الجوي والغلاف الأيوني يمكن أحيانا أن تغيّر النمط الهدبي. ويمكن لتغيرات في خواص التربة أيضا أن تُحدث إزاحة في أهداب التداخل حتى لو لم تكن الأرض قد تحركت فعليًا. ويمكن لمثل هذه التأثيرات أن تعقِّد تفسير مخططات التداخل الراداري، وكان علينا أن نصمم بعض الإجراءات الذكية للتفريق بينها وبين حركات الأرض الحقيقية. وبنظرة أكثر إيجابية، فإن هذه التأثيرات الثانوية تمثل مظاهر للأرض لها أيضا أهمية صميمية ـ وقد يجد بعض العلماء فائدة جمة في كون الرادار المحمول على قمر صنعي قادرا على مسح هذه المظاهر بتفاصيل كبيرة.

 

كثير من المفاجآت آتية

ما الذي بقي في الجُعبة عن قياس التداخل بالرادار؟ إن من الصعوبة التنبؤ بأنواع معينة من التقدم، غير أن المرء قد يتنبأ، بشيء من الطمأنينة، بأن العلماء سيجدون فُرصًا كثيرة لتطبيق هذه التقنية في جميع أرجاء العالم. تستطيع الأقمار الصنعية الرادارية الأربعة العاملة في الوقت الحاضر أن تمسح معظم سطح الأرض، وفي القريب العاجل ستطلق أوروبا واليابان أقمارا صنعية أخرى لتنضم إلى أسطول المحسات الدائرة حول الأرض. وقد بحثت وزملائي مهمات مستقبلية ممكنة بدراسة الدقة التي يمكن أن يُنجزها قمر صنعي مصمم لهذا الغرض في تكرار مساره. وسيكون هذا القمر الصنعي الصارم في تكرار مساره المحطة المثالية لقياس التداخل بالرادار. وهذا القمر الصنعي ذاته يمكن أن يُستخدم أيضا في قياس الارتفاع إذا أُزيح مساره عن قصد لخلق التأثير التجسيمي المناسب (في الواقع، تخطِّط وكالة الفضاء والطيران الأمريكية NASAلمهمة فضاء مكوكية في عام 20000 لاستغلال هذا الاستخدام من قياس التداخل الراداري). وبهذه الطريقة يمكن في النهاية الحصول على الطبوغرافية الكلية للكوكب بأكمله.

 

هل سيتمكن قياس التداخل بالرادار من اكتشاف الحركات النذيرية التي يحتاج إليها العلماء للتنبؤ بالزلازل وثورانات البراكين؟ حيث لم يقل أحد فيها شيئا أكيدا بعد. غير أنه في البحث العلمي فإن كل أداة جديدة تشق طريقها بثبات، تعرّي حقائق حاسمة وتعمِّق فهم المبادئ الأساسية. ومما لاشك فيه أن قياس التداخل بالرادار سيفعل ذلك في دراسة الأرض الصلبة الدائمة التململ.

 

 المؤلف

Didier Massonnet

دخل مدرسة البوليتكنيك عام 1979 حيث بدأ تدريبه العلمي. تخصص بعدها في معالجة الإشارة، ثم نال الدكتوراه في التصوير الراداري في جامعة تولوز. وفي عام 1984 التحق بوكالة الفضاء الفرنسية (CNES)، ولكنه قضى سنته الأولى في مختبر الدفع النفاث بپسادينا في كاليفورنيا يدرس مع العلماء الأمريكيين المعلومات المأخوذة من مهمة تصوير رادارية مكوكية. وقد طور بعدها معالجة الرادار في الوكالة CNES. ومنذ عام 1996 أصبح نائب مدير قسم معالجة الصور في الوكالة CNES بتولوز.

 

مراجع للاستزادة 

RADAR IMAGES OF THE EARTH FROM SPACE. Charles Elachi in Scientific American, Vol. 247, No. 6, pages 46-53; December 1982.

MAPPING SMALL ELEVATION CHANGES OVER LARGE AREAS: DIFFERENTIAL RADAR INTERFEROMETRY. A. K. Gabriel, R. M. Goldstein and H. A. Zebker in Journal of Geophysical Research: Solid Earth and Planets, Vol. 94, No. B7, pages 9183-9191; July 10, 1989.

SAR GEOCODING: DATA AND SYSTEMS. Edited by G. Schreier. Wichmann, 1993.

THE DISPLACEMENT FIELD OF THE LANDERS EARTHQUAKE MAPPED BY RADAR INTERFEROMETRY. D. Massonnet et al. in Nature, Vol. 364, pages 138-142; July 3, 1993. DEFLATION OF MOUNT ETNA MONITORED BY SPACEBORNE RADAR INTERFEROMETRY. D. Massonnet, P. Briole and A. Arnaud in Nature, Vol. 375, pages 567-570; June 15,1995.

Scientific American, February 1997

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى