أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تحليل

اللغز النووي الإيراني

 

اللغز النووي الإيراني

في غياب الدوافع العسكرية، من الصعب فهم سبب سعي إيران إلى تنفيذ برنامج

 الطاقة النووية، وهي الدولة الغنية بمصادر الوقود الأحفوري.

<A .D. شوارزباخ>

 

جاء رد الفعل سريعا من الولايات المتحدة عندما قامت الحكومة الإيرانية عام 1995 بالإعلان عن توقيعها عقودا مع وزارة الطاقة الذرية الروسية بقيمة إجمالية قدرها 940 مليون دولار لإنجاز محطة تجارية لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية قرب مدينة بوشهر. وقام وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك بحملة لإقناع الروس بأن هذه الصفقة ستسهم في انتشار الأسلحة النووية؛ حيث إنها ستمكن إيران من تملك سلاح ذري.

 

وعلى الرغم من أن استعطافات هذا الوزير قوبلت بالصد، فإن هذا البرنامج الطموح لم يحقق سوى تقدم صغير خلال السنتين والنصف الماضيتين. ويعتقد الكثير من الخبراء أن هذا البرنامج سيكلف أكثر من 940 مليون دولار. على كل حال، فإن محطة بوشهر في الخليج العربي تمثل الغزو الإيراني المحير للتقانة النووية. وفي قلب هذا اللغز أثير السؤال التالي: لماذا تحاول دولة لديها احتياطي هائل من الغاز الطبيعي وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى، وناتجها المحلي الإجمالي (GDP) لا يتجاوز 62 بليون دولار إلزام نفسها بإنفاق ربما بلايين الدولارات على محطة نووية قد لا تولد الكهرباء بتكلفة منافسة لمحطات الغاز الطبيعي؟ من الصعب الإجابة عن هذا السؤال بواقعية إلا إذا أخذنا وجهة النظر القائلة بأن إيران تعتبر هذه المحطة موطئ قدم في التطور نحو القنبلة الذرية.

 

صحيح إن محطة بوشهر يمكن أن تسهم بشكل جزئي في سد العجز الحقيقي في مقدرة البلد على توليد الكهرباء. وفي الوقت نفسه، سيساعد المشروع إيران على تدريب جيل من المهندسين على تشغيل المفاعل النووي، الذي تعتبر المعارف الأساسية فيه واحدة سواء كان الغرض الرئيسي من المفاعل إنتاج الكهرباء أو البلوتونيوم، وهو إحدى المواد الانشطارية الرئيسية التي يمكن استخدامها في إعداد الأسلحة النووية. وبشكل مباشر أكثر، يمكن أن يوفر مشروع بوشهر الضخم غطاء جيدا لمحاولات التهريب. فهو يتطلب أن ترسل وزارة الطاقة الذرية الروسية إلى إيران 3000 عامل وتبعث 7000 طن من المعدات للمشروع، مما سيخلق تبادلا بين البلدين يكفي لتمويه أي تحويل مخفي للمعدات أو المواد أو الخبرات.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N12_H01_006502.jpg

تضم المؤسسة النووية الإيرانية عدة مراكز بحوث ضمن طهران أو بجوارها وواحدا في أصفهان، إضافة إلى مناجم كبيرة لليورانيوم. يجري تركيب مفاعل طاقة كهربائية روسي في بوشهر (في يسار الصورة) في منشأة بنتها الشركة الألمانية كرافتورك يونيون، التي توقفت عن العمل بعد قيام الثورة الإسلامية عام 1979.

 

والجانب المشرق، إن وجد، هو أن مشروع بوشهر بشكل خاص والبرنامج النووي الإيراني بشكل عام، سيشكلان أول وأكبر تحدٍ لاختبار الإجراءات المتشددة لمنع الانتشار النووي التي ستطبقها قريبا الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتي مقرها فيينا. لقد بدأت الوكالة بمراجعة برامجها في التفتيش والمراقبة، عندما اكتشف العالَمُ في أعقاب حرب تحرير دولة الكويت، أن العراق خدع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتمكَّن تقريبا من تنفيذ برنامج سري لبناء القنبلة الذرية.

 

ستكون المشروعات النووية الإيرانية أول اختبار لإجراءات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي تم إقرارها باسم البرنامج المعروف 2+93. وتعهد الرسميون الإيرانيون بالتعاون بهذا الشأن مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ولكن سنرى هل سيتحقق هذا الوعد ضمن ظروف التفتيش القاسية؟

 

ليس من المعروف بشكل قاطع إن كان لدى إيران برنامج نووي عسكري فعّال، على الرغم من أن الشواهد التي جمعتها جهات استخبارية متعددة تميل إلى دعم هذا الاعتقاد. إضافة إلى ذلك، فإن إيران قامت من دون شك بمحاولات للحصول على تقانات موجَّهة لإنتاج قنبلة ذرية.

 

وحسب أحد المصادر المطلعة، أقنعت هزيمة العراق المدمرة في أوائل عام 1991 المسؤولين الحكوميين الإيرانيين بأنه لا يمكن الاعتماد على القوى التقليدية وحدها لمنع التدخل الغربي في منطقة الخليج. ويرى المسؤولون الإيرانيون أن الأسلحة النووية طريقة ليس فقط للتعامل مع الغرب ولكن أيضا لمجابهة التهديد بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية من أعداء في المنطقة كالعراق. لقد حاولت إيران في عامي 1991 و 1992 شراء تجهيزات متعددة من مصادر أرجنتينية وصينية وأوروبية وهندية مع الخبرات المناسبة. إن الغاية من الحصول على هذه التجهيزات هو تمكين طهران من الوسيلة اللازمة لبناء ترسانة نووية صغيرة. وقد أوقف الضغط الذي مارسته الولايات المتحدة هذه الصفقات، ولكن التقارير الاستخبارية عبر السنوات العديدة الماضية تدل على أن شبكة التهريب الإيرانية العالمية تعمل بشكل سليم.

 

لقد فشلت إيران في محاولات الشراء الكبيرة وبقيت محتفظة نسبيا ببنيتها النووية الأساسية فقط. ويتمكن مفاعلان موجودان حاليا في إيران من إنتاج البلوتونيوم، الأول هو مفاعلُ بحثٍ تابع لمركز أميرأباد النووي في جامعة طهران، وقد أنشئ هذا المركز في الستينات أيام الشاه وجهّزته الحكومة الأمريكية. ويضم المركز إضافة إلى المفاعل مختبرات صغيرة يمكنها فصل البلوتونيوم عن الوقود المستهلك. وتسمح الإمكانات المحدودة لهذه المختبرات بفصل 0.6 كغ فقط من البلوتونيوم في العام، علما بأنه يلزم تقريبا ما بين خمسة إلى سبعة كيلوغرامات من البلوتونيوم لبناء القنبلة، وذلك تبعا لخبرة القائمين على بنائها. (مقارنة بهذا الإنتاج، تستطيع مفاعلات بوشهر إنتاج ما يزيد على 180 كغ من البلوتونيوم في العام). ومع مضي الزمن يمكن للعلماء النوويين أن يجمّعوا سرا من مركز أميرأباد كمية من البلوتونيوم كافية للأسلحة. ولكن مثل هذا الانحراف ليس سهلا، لأن المركز كمعظم المنشآت النووية الإيرانية، يخضع لنظام الضمانات الخاص بالوكالة الدولية للطاقة الذرية المصمم لمنع انتشار الأسلحة النووية.

 

والمفاعل الإيراني الآخر القادر على توليد البلوتونيوم لا يستطيع سوى إنتاج كمية صغيرة جدا منه. ويقع هذا المفاعل في مركز أصفهان للبحوث النووية الذي بدأ العمل به في منتصف السبعينات بالتعاون مع فرنسا، وتم استكماله بمساعدة الصين بعد إسقاط الشاه. ولدى إيران خطط لتوسيع مركز أصفهان، وقد دفعت هذه النشاطات الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إجراء التفتيش عدة مرات خلال عام 1996. وفي الواقع، لم يتمخض أي تفتيش عن أي دليل قاطع على وجود برنامج أسلحة نووية سري.

 

طريق أفضل لبناء قنبلة نووية

وعلى الرغم من أن معظم القنابل الحديثة تعتمد على البلوتونيوم، فإنه من الممكن بناء القنبلة باستخدام اليورانيوم العالي التخصيب (HEU). وفي الحقيقة، إن هذا الخيار بالنسبة لبلد نام يريد بناء السلاح سرا، هو الطريق المرغوب فيه لعدة أسباب، مع أنه يتطلب ضِعْف الكمية السابقة إذا استُخدم اليورانيوم العالي التخصيب لإنتاج القنبلة. وليس إنتاج سلاح نووي باستخدام اليورانيوم العالي التخصيب هو أبسط فقط، ولكن الأهم، هو أن اتباع هذا الأسلوب يلغي الحاجة إلى محطة معالجة صناعية تعرف باسم منشأة إعادة المعالجة reprocessing facility، لفصل البلوتونيوم عن الوقود النووي المستهلك.

 

وبالطبع، لإنتاج اليورانيوم العالي التخصيب (HEU) ثمة متطلبات صناعية في مقدمتها الأجهزة اللازمة لتخصيب اليورانيوم وذلك لزيادة تركيز النظير القابل للانشطار، وهو اليورانيوم 235، من نسبته الطبيعية 0.7% إلى 93%، وهي الموجودة في اليورانيوم العالي التخصيب المستعمل في الأسلحة النووية. والتخصيب بحد ذاته آلية ذات متطلبات كثيرة، مع أن تجهيزاته تصنّف بسهولة بأنها أجهزة صناعية عادية وليست وسائل إعادة معالجة، فهذه تُطْلِق أنواعا محددة من النظائر الفريدة التي يشير وجودها مباشرة إلى الهدف الحقيقي من تلك التجهيزات.

 

إن التقنية المعروفة حاليا لتخصيب اليورانيوم هي استخدام مئات من أجهزة الطرد المركزي centrifuge  والتي يدور فيها غاز هيكسوفلوريد اليورانيوم بسرعات عالية جدا، وتؤدي القوى الطاردة المركزية إلى فصل جزيئات هيكسوفلوريد اليورانيوم 235 الخفيفة عن تلك الأثقل لليورانيوم 238. وتشير العديد من التقارير إلى محاولات جادة، ولكن غير ناجحة، لشراء تقانة التخصيب من السوق السوداء ومن وزارة الطاقة الذرية لروسيا الاتحادية.

 

وهناك طريقة قديمة لتخصيب اليورانيوم تعود إلى أيام مشروع منهاتن الأمريكي الذي نُفّذ خلال الحرب العالمية الثانية. وبهذه التقنية، التي تسمى فصل النظائر بالحقل الكهرمغنطيسي، ينحرف ضمن حجرة مفرغة تيار أيونات اليورانيوم تحت تأثير الحقل الكهرمغنطيسي. ويكون انحراف أيونات اليورانيوم 238 الثقيل أصغر من انحراف أيونات اليورانيوم 235، ويستخدم هذا الفرق الصغير في فصل اليورانيوم 235. إن الحجيرة والأجهزة المرافقة لها هي في واقع الأمر سيكلترون cyclotron من نوع خاص يطلق عليه اسم الكاليترونcalutron (نحت من الاسم: سيكلترون جامعة كاليفورنيا California UniversityCyclotron). ويحتاج الكاليترون إلى كمية من الطاقة أكبر مما تحتاج إليه طريقة الطرد المركزي، ولكن استيراد المركبات الرئيسية اللازمة له أو تصنيعها محليا، أكثر سهولة.

 

ويظن المحللون بأنه تم إجراء بحوث في تخصيب اليورانيوم في ثلاثة مراكز إيرانية: مركز أصفهان للبحوث النووية، جامعة شريف للعلوم والتقانة (في جامعة طهران) وفي مركز البحوث الزراعية والطبية في الكرج. وهناك معلومات عامة محدودة بشأن المحاولات لمعرفة وجود الكاليترون والسيكلترون في الكرج.

 

وفي عام 1991 تم شراء سيكلترون من الشركة البلجيكية IBA ورُكِّب في الكرج. ويظن محلل فرنسي أن إيران شرعت في برنامج بحوث لتخصيب اليورانيوم. ويوجد في الكرج كاليترون صيني صغير. ولا يستطيع أي من هذين المسرعين إنتاج كميات مهمة عسكريا من اليورانيوم العالي التخصيب، ولكنْ كلاهما مهم للبحوث والتدريب على فصل النظائر.

 

لا تُستخدم تقانة التخصيب بالطرد المركزي فقط لصناعة الأسلحة النووية، بل تلزم أيضا من بين أمور أخرى في إنتاج وقود مفاعلات القوى. وفي ضوء توافر فائض من اليورانيوم المنخفض التخصيب في الأسواق العالمية بعد انتهاء الحرب الباردة، من الصعب فهم رغبة إيران في صنع وقودها حتى وإن تمكنت بالفعل من تشغيل محطة بوشهر. فتطوير مثل هذه القدرات أمر مكلف لدولة نامية، احتياجاتها من الطاقة مضمونة تماما من احتياطيها الكبير من الوقود الأحفوري.

 

وبالفعل، فإن احتياطي الغاز الطبيعي الإيراني يشكل حسب التقديرات المتحفظة أكبر ثاني احتياطي في العالم، مما يوفر لهذا البلد الطاقة الكهربائية اللازمة خلال الـ 50 إلى 100 عام القادمة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N12_H01_006503.jpg http://oloommagazine.com/images/Articles/13/SCI97b13N12_H01_006504.jpg
يتم تخصيب اليورانيوم عادة باستخدام الطارد المركزي (في اليمين) الذي يدور فيه غاز هيكسوفلوريد اليورانيوم بسرعة عالية جدا، وتَرحل الجزيئات الثقيلة لليورانيوم 238 (الزرقاء) مقتربة من جدار الأسطوانة، في حين تبتعد ذرات اليورانيوم 235 الأخف (الحمراء) أبعد من ذلك. وبطريقة الفصل الكهرمغنطيسي للنظائر، فإن اختلافات طفيفة في انحرافات تياري أيونات اليورانيوم في الجهاز، الذي يدعى كاليترون (في الأعلى)، تسمح بالتمييز بين النظيرين.

 

نقص الكهرباء

ومع ذلك فإن إيران تعاني، فعليا، نقصا شديدا في الكهرباء، إذ تقدر استطاعة التوليد المتوافرة لديها حاليا بنحو 20 000 ميگاواط. ومن الصعب تقدير نمو معدل الطلب على الكهرباء في إيران، ولكن يبدو أنه يتراوح بين 6% و 8% في العام (وعلى الرغم من أن هذا الرقم ليس غريبا في الدول النامية، فإن مثل هذا النمو لا يتجاوز 2% إلى 3% في الدول المتقدمة.) ولا تستطيع إيران إبقاء الاحتياطي الهائل من النفط لاستخدامها الخاص، لأن النفط إحدى الوسائل الرئيسية في إيران للحصول على العملات الصعبة، إذ تسهم مبيعات النفط في أكثر من 85% من دخل البلاد التجاري.

 

كما أن الوضع الاقتصادي لإنهاء محطة بوشهر ليس مشجعا. ويعود تاريخ المشروع إلى منتصف السبعينات عندما تعاقد الشاه مع شركة كرافتورك يونيونKraftwerk Union  الألمانية لبناء وحدتين في بوشهر تضم كل منهما مفاعلا باستطاعة كهربائية تبلغ 1200 ميگاواط. وكان قد انتهى العمل في نحو 700% من أعمال المشروع عندما جمدته الثورة الإسلامية لدى قيامها عام 1979. ويجابه الآن المهندسون الروس تحديا كبيرا في تعديل الإنشاءات القائمة لتتقبل المفاعل الروسي من نوع VVER-1000 وأجهزته المساعدة. فالتغييرات الضرورية فقط لتركيب مولدات البخار الروسية هائلة. وجدير بالذكر أن هذه المولدات تؤدي دورا رئيسيا في تحويل الحرارة من المفاعل إلى بخار يدير العنفات (التوربينات). ويجب تركيب ستة مولدات بخار أفقية VVER في الموقع الذي خُصص لتركيب أربعة مولدات بخار عمودية للشركة سيمنس. وعلى الروس إنجاز هذا العمل من دون وثائق تقنية أو مخططات تنفيذية، لأن الألمان لم يزودوا الإيرانيين بها في السبعينات.

 

إن التقديرات الواقعية لكلفة إنهاء محطة بوشهر ستصل إلى أكثر من 1000 دولار لكل كيلوواط يتم تركيبه. ومع زيادة الأسعار والتأخر في الإنشاء نتيجة المصاعب الخاصة بهذا المشروع، فإن التكلفة ستكون أعلى من ذلك بكثير. وبالمقارنة فإن محطات توليد الكهرباء بالغاز الطبيعي تكلف وسطيا في الشرق الأوسط نحو 800 دولار للكيلوواط الواحد. ومع التطور الكبير فإن السعر يمكن أن ينخفض إلى 600 دولار أو أقل، وهي التكلفة الوسطية في الدول الغربية.

 

تعتبر الطاقة النووية مقبولة في استثمار رأس المال؛ لأن تكلفة الوقود منخفضة، ولكن الغاز الطبيعي رخيص جدا في إيران، ومن المتوقع أن يبقى كذلك في المستقبل المنظور. ويمكن أن تتعلم إيران بالطريقة الصعبة ـ كغيرها من الدول ـ أن الطاقة النووية ليست اقتصادية. وفي غضون ذلك، فإن تشبث إيران الشديد بمشروع بوشهر على الرغم من توافر البدائل ينبغي أن يجعل المجتمع الدولي مرتابا.

 

وبما أن إيران وقّعت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وجب عليها أن تضع بوشهر تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما يعيق كثيرا أي محاولات لتحويل الوقود المستهلك في المحطة إلى الصناعة السرية للأسلحة النووية. وفي الحقيقة، لقد أعلنت إيران أنه ليس لديها الحاجة أو النية للاحتفاظ بالوقود المستهلك المنتَج بالمفاعل بعد تشغيله، وأنها مستعدة لإعادته إلى روسيا. ومع أنه يفضل ذلك، إلا أن هذا الإجراء لن يزيل نهائيا التهديد بالتحويل؛ لأن الوقود المستهلك سيبقى عدة سنوات في برك التبريد ببوشهر قبل مغادرة البلاد.

 

ونظرا للتحكم الضعيف في المواد والتقانة النووية في روسيا هذه الأيام، فإن التجارة غير المشروعة بالتجهيزات والعاملين ستزيد من مخاطر نجاح إيران في الحصول على كميات مهمة من اليورانيوم أو البلوتونيوم، إما مباشرة أو من السوق السوداء، أو، كما هي الحال بالنسبة لباكستان، بتملك تقانة تخصيب اليورانيوم. يضاف إلى ذلك أن المشروع سيعطي إيران الحق الكامل بتوسيع البحوث والتدريب في مجال التقانة النووية، مما يجعل إخفاء البرنامج العسكري أكثر سهولة.

 

ويمكن للولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي العمل معا لمنع مثل هذه النتيجة، وذلك باتخاذ دور مؤثر في الظروف التي ستعمل من خلالها محطة بوشهر. وإلى جانب تعهد روسيا باسترجاع الوقود المستهلك من بوشهر، فإن على واشنطن أن تتوقع بشكل خاص تطبيقا واسعا للطرائق الجديدة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي تعزز اكتشاف أية محاولة إيرانية لفصل البلوتونيوم أو إخصاب اليورانيوم أو حتى صناعة أية مركبات للسلاح النووي. وفي عام 1993 وكجزء من الجهود لتعزيز الضمانات النووية بعد تجربة العراق، بدأت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتطبيق إجراءات تفتيش نووي جديدة، والتي كان من المتوقع أن تصبح نافذة بعد سنتين (ولهذا أُطلق عليها اسم 93+2). وبموجب الجزء الأول من البرنامج الذي أُقر عام 1996، سيتضمن الآن التفتيشُ على المنشآت النووية المعلن عنها، استخدامَ تقنيات فعالة لكشف النظائر لم يكن مصرحا باستخدامها من قبل.

 

عرض جذاب

لقد وافق المسؤولون الإيرانيون من حيث المبدأ على هذه الإجراءات، مع أن تنفيذها مازال بحاجة إلى مناقشات صعبة. والأهم من ذلك، من المتوقع أن يوافق مجلس المحافظين لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية هذا العام على اقتراح ينص على توسيع نظام المراقبة إلى حد يمكن تطبيقه على أية منشأة في أي بلد عضو بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما في ذلك المنشآت غير المصرح عنها كمواقع نووية. وسيكون قبول إيران السماح لمثل هذه المراقبة الواسعة ضمن الجزء الثاني من الإجراءات 93+2 مؤشرا حاسما إلى نواياها.

 

تقع تقنيات كشف التركيب النظيري في الإجراءات «93+2» تحت عنوان المراقبة البيئية environmental monitoring. وهي تستفيد من استحالة منع كميات صغيرة جدا من المادة من التسرب من المنشأة الصناعية أو إعادة المعالجة. وباستخدام المطيافية، مثلا، يمكن للمختبر تحديد النسبة النظيرية بدقة لعينات تحوي أقل من جزء من البليون من الغرام من المادة. ولما كانت نسبة اليورانيوم 235 إلى اليورانيوم 238 في اليورانيوم الطبيعي تكاد تكون ثابتة مهما كان مصدر العينة، فإن أي زيادة أو نقصان في هذه النسبة يعني تخصيبا غير مرخص به قد تم.

 

أما بالنسبة للبلوتونيوم، فإن وجود العنصر في أي مقدار يزيد على ذلك المتوقع في الطبيعة، يدل على وجود برنامج لإعادة المعالجة. والأكثر احتمالا هو كشف نواتج الانشطار النووي، مثل اليود المشع ونظائر الكرپتون kryptonisotopes. ولهذا فإن لطاخات من سطح الجدران والأجهزة إضافة إلى عينات من التربة والهواء والخضار والماء مأخوذة من مواقع مختارة، تساعد على الحصول على إنذار مبكر عن أعمال تتعلق بالأسلحة النووية.

 

ونظرا لأن إيران سبق أن وافقت على السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش في أي موقع، فينبغي على طهران ألا تُعارض قيام برنامج مراقبة بيئي شامل. وبالمقابل، فإن على الوكالة الدولية للطاقة الذرية القيام بتطبيق واسع لهذه التقنيات، التي برهنت على نجاحها في كشف ما تم إخفاؤه من البرنامج العراقي. ومع ذلك، فإنه من المهم أن نتذكر أن النظام «93+2» لن يكون قادرا، فيما يتعلق بمواد صناعة الأسلحة النووية، على التمييز بين امتلاكها من السوق السوداء أو سرقتها من «محطة نووية سائبة» loose nuke.

 

ومن خلال نظرة شمولية على المسألة، فإن إيران مع امتلاكها احتياطيا هائلا من الغاز الطبيعي وقربها من الأسواق القائمة والناشئة في آسيا وشرق أوروبا، يمكن أن تصير لاعبا رئيسيا في القرن القادم؛ حيث يبدأ الغاز الطبيعي بالتفوق على النفط كمصدر رئيسي للطاقة. وقد تعمل أنابيب النفط والغاز الإيرانية على تلطيف طموحات البلاد النووية، وذلك من خلال دعم روابطها الاقتصادية مع البلدان الأخرى وتعزيز تطورها الاقتصادي.

 

إن مثل هذا الاستثمار قد يستخدم الرأسمال الإيراني المحدود بشكل أفضل من المجازفة في تجربة نووية باهظة التكاليف. هذا بالطبع، إذا لم يكن الهدف الحقيقي هو الحصول على الأسلحة النووية.

 

 المؤلف

David A. Schwarzbach

عضو سابق في «مجلس الدفاع عن المصادر الطبيعية»، وهو منظمة مهتمة بالشؤون العامة لها مكاتب في مدينة نيويورك وواشنطن العاصمة وسان فرانسيسكو ولوس أنجلوس. وهو مشارك في مركز دراسات البيئة والطاقة في جامعة برنستون، وتتركز أبحاثه بشكل رئيسي على المحاولات القائمة لإعادة بناء الصناعات الكهربائية في شمال أمريكا وجنوبها.

 

مراجع للاستزادة 

IRAN AND IRAQ: THE THREAT FROM THE NORTHERN GULF. Anthony Cordesman. Westview Press, Boulder, Colo., 1994.

DOES IRAN WANT NUCLEAR WEAPONS? Shahram Chubin in Survival, Vol. 37, No. 1, pages 86-104; Spring 1995.

ENVIRONMENTAL MONITORING FOR NUCLEAR SAFEGUARDS. U.S. Congress Office of Technology Assessment. U.S. Government Printing Office (OTA-BP-ISS-168), Washington, D.C., September 1995.

IRAN’S NUCLEAR PROGRAM: ENERGY OR WEAPONS? David Schwarzbach. A publication of the Natural Resources Defense Council, Nuclear Weapons Databook series, 1995.

Scientific American, June 1997

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى