أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم التطبيقية

الأعضاء الصنعية


الأعضاء الصنعية

تمثل هندسة الأنسجة الصنعية البديل

الطبيعي لمعالجات الإصابات والأمراض.

<R. لانگر> ـ <P .J. ڤاكانتي>

 

جاء في أسطورة القديسيْن كوسموس وداميان التي تعود للقرن الثالث الميلادي، أن ساق عبد أفريقي توفي لتوه قد غُرست في جسم كاهن بُترت ساقه حديثا؛ وأن حياة الكاهن ظلت معلقة إلى أن تقبَّل جسمه العضو المزروع (المغترس) وكُتِبت له النجاة. وتعزو الأسطورة الإعجاز في شفاء الكاهن إلى بَرَكة القديسيْن اللذين كانا في الأصل طبيبين وقُتلا عام 295 للميلاد. وما يعتبر معجزة في عصر من العصور قد يصبح مجرد إنجاز متميز في عصر آخر. وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية دأب الجراحون على إعادة زرع الأعضاء المبتورة. كما صار زرع أعضاء كالقلب والكبد والكلى شائعا جدا في هذه الأيام. ولم تعد التقنية الجراحية هي العقبة الأساسية في عمليات زرع الأعضاء، وإنما تتمثل هذه العقبة في تناقص الأعضاء المتوافرة للزرع.

 

ومن المتوقع أن يتجاوز الطب في العقود الثلاثة القادمة عصر زرع الأعضاءorgan transplantation إلى عصر تصنيع الأعضاء organ fabrication؛ إذ يتجه التفكير الآن إلى صنع الأعضاء بدلا من الاقتصار على عملية نقلها. فقد تمكن الباحثون بفضل الإنجازات التي تحققت في مجال البيولوجيا الخلوية وتصنيع اللدائن البلاستيكية من تصميم أنسجة صنعية artificial tissues  تماثل في مظهرها وأدائها نظائرها الطبيعية. وقد تفلح الهندسة الجينية (الوراثية) geneticengineering في استنباط خلايا عامة (شاملة) ـ أي خلايا لا تستثير أي رد فعل  مناعي مضاد لاستخدامها في هذه الأنسجة الصنعية. كما قد تمثل التقنيات الأخرى المستخدمة في سد الثغرات، مرحلةً وسطًا قبل أن يصبح تصنيع الأعضاء عملية شائعة. فعلى سبيل المثال يساعد استخدام أعضاء الحيوانات على سدّ النقص الحالي في الأعضاء البشرية اللازمة لعمليات الزرع. ويتم حاليا اختبار أساليب متعددة في هذا السبيل. وتركز هذه الأساليب على أمرين اثنين هما: تربية أنواع من الحيوانات تكون أنسجتها مقبولة مناعيا في جسم الإنسان، واستنباط عقاقير تحمل جسم الإنسان على تقبُّل هذه الأنسجة. كما يمكن لعلم الإلكترونيات الميكروية (الدقيقة) أن يسد الثغرة بين التقنيات القديمة والتقنيات الحديثة. ولا شك في أن نتائج هذه الجهود ستُحدث تغييرات جذرية في معالجة الكثير من الحالات المستعصية.

 

إن ملايين الأمريكيين يعانون في كل عام فَقْد أعضاء أو أجزاء من أجسامهم بسبب الحوادث أو بسبب التشوهات الولادية أو بسبب أمراض كالسرطان. ولقد أسهم تطور الأدوية والإجراءات الجراحية والأجهزة الطبية في مساعدة الكثير من هؤلاء المصابين؛ وساعدت الأدوية الكابتة للمناعة كالسيكلوسپورينcycloposrine والتاكروليموس (Prograft tacrolimus) على منع رفض الأنسجة المزروعة؛ وأمكن بفضل التقنيات الجراحية غير الجائرة، كالجراحة التنظيرية على سبيل المثال، تخفيف وطأة الرّض الجراحي إلى درجة كبيرة؛ كما أتاحت الدَيْلَزَة (التحال) dialysis واستعمال الماكينات القلبية الرئوية heart-lung machines إمكانية إطالة أعمار المرضى الذين يعانون حالات مميتة.

 

بيد أن هذه المعالجات لا ترقى إلى درجة الكمال، وهي غالبا ما تؤثر سلبا في نوعية الحياة. فعلى سبيل المثال لا تحقق معالجة السكري diabetes بحقن الإنسولين تحت الجلد إلا نجاحا جزئيا؛ إذ إن حقن الإنسولين الهرموني مرة واحدة أو أكثر يوميا يساعد الخلايا على أخذ گلوكوز السكر (أحد المصادر الأساسية للطاقة) من الدم. ولكن قد تختلف الجرعة المُثلى المطلوبة من الإنسولين لكل مريض من يوم إلى آخر، بل حتى من ساعة إلى أخرى. وهكذا فغالبا ما يتعذر التحديد الدقيق لكمية الإنسولين اللازمة لإبقاء سكر الدم ضمن الحدود الطبيعية، وبالتالي منع حدوث مضاعفات السكري في وقت لاحق من حياة المريض ـ كالعمى والفشل الكلوي والمرض القلبي heart disease.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N5_H03_007853.jpg
سوف يتم يوما ما صنع ذراع بديلة ويد بديلة باستعمال أنسجة صنعية. كما سيمكن اصطناع نسخ طبق الأصل عن الأنسجة الحية في بعض الأعضاء كالعضلات والعظام والأوعية الدموية والجلد وغيرها؛ وذلك باستنباتها في قواعد (سقالات) scaffolds من البلاستيك القابل للتحلل البيولوجي. ثم تبذر في هذه «القواعد» خلايا النسيج المطلوب. فتتكاثر الخلايا ويتحلل البلاستيك، ولا يتبقى في نهاية الأمر إلا النسيج المتماسك. وتقوم مضخة ميكانيكية بتزويد العضو بالمغذيات وبإزالة الفضلات خلال فترة نمو العضو المطلوب كالذراع مثلا والتي تستغرق نحو ستة أسابيع يوصَل العضو بعدها بالجسم. وتتوافر اليوم معظم هذه التقانة، ولكن العقبة الأساسية التي تبقى هي مشكلة تجديد النسيج العصبي. (إن رسم منحنى التشكل هو لأغراض توضيحية فقط؛ فجميع الأنسجة في واقع الأمر تتشكل في وقت واحد).

 

وقد تتمكن البحوث الرائدة في مجالي تصميم المستشعرات الحيوية biosensor design والتوصيل الدوائي drug delivery يوما ما من جعل حقن الإنسولين عادةً قديمة. فمن المعروف أن مرض السكري لدى كثير من المصابين به، إنما يحدث بسبب تخرب ما يعرف بالنسيج الجزيري islet tissue الذي ينتج الإنسولين في الپنكرياس pancreas، ولدى أناس آخرين ينتج الپنكرياس الإنسولين ولكن بكميات لا تكفي لتلبية احتياجات الجسم. ومن الممكن أن يتخيل المرء وجود جهاز يقوم بعمل الپنكرياس، فيراقب ويرصد مستوى الگلوكوز بشكل مستمر ويفرز المقدار الملائم من الإنسولين حسب الحاجة. كما يمكن زرع هذا الجهاز داخليا أو تثبيته خارجيا.

 

الپنكرياس الصنعي

تتوافر حاليا معظم التقانة اللازمة لصنع جهاز خارجي لاستشعار الگلوكوزexternal glucose sensor يمكن ارتداؤه على المعصم كالساعة [انظر الشكل في الصفحة 20]. وقد بينت الدراسات الأخيرة التي تمت في معهد ماساتشوستس للتقانة (MIT) وجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو وأمكنة أخرى، أن في الإمكان زيادة نفاذية الجلد مؤقتا باستخدام حقل كهربائي أو بإرسال موجات فوق صوتية منخفضة التردد، وهذا يتيح سحب جزيئات كالگلوكوز عبر الجلد إلى خارج الجسم. ثم يمكن قياس كمية الگلوكوز المستخلصة بهذه الطريقة، بوساطة التفاعل مع إنزيم معين كأُكسيداز الگلوكوز glucose oxidase أو تقوم مستشعرات ضوئية light sensors  بتحري امتصاص الگلوكوز في الدم.

 

يمكن ربط أجهزة الاستشعار هذه من خلال معالج ميكروي (دقيق)microprocessor، بوحدة طاقة (كهربائية) تتيح مرور الإنسولين عبر الجلد إلى مجرى الدم بالطريقة نفسها التي أمكن بوساطتها سحب السكر من الدم. ويطلق الجهاز من الإنسولين ما يتناسب مع مستوى الگلوكوز الذي تم الكشف عنه.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N5_H03_007854.jpg

يتم إنشاء شبكة القاعدة (السقالة) الپوليميرية لتأمين مرصاف template يتشكل عليه النسيج الجديد. (تكبير الصورة من الأعلى إلى الأسفل هو 200، 500، 1000) وقد تم بذر البلاستيك القابل للتحلل البيولوجي بالخلايا التي تتكاثر وتتجمع إلى أن تغطي معظم الشبكة. وفي النهاية يتحلل البلاستيك تاركا النسيج المطلوب وحده.

 

كما يمكن صنع جهاز من البلاستيك شبه النفوذ semipermeable plastic يتم زرعه في أحد المواضع الكثيرة الموزَّعة في الجسم، بشكل مَطْرِق matrix  يحتوي على حجيرات لتخزين الإنسولين وأكسيداز الگلوكوز. وبارتفاع مستوى گلوكوز الدم لدى المريض، يرتشح السكر عبر هذا المطرق ليتفاعل تفاعلا تكسيريا breakdownمع الإنزيم، منتجا مادة ذات خاصية حمضية. وارتفاع مستوى الحموضة يؤدي إلى تغير في نفاذية المادة البلاستيكية أو إلى تغير في قابلية انحلال الهرمون المخزون فيها، وهذا يؤدي إلى تحرير كمية من الإنسولين تناسب مقدار ارتفاع الگلوكوز. وتستطيع أداة مزروعة كهذه أن تستمر مدى الحياة شرط تعويضها باستمرار عما تفقده من الإنسولين وأكسيداز الگلوكوز.

 

ومما لا شك فيه أن استخدام الخلايا الجزيرية islet cells السليمة بدلا من النسيج البلاستيكي يشكل الحل الأمثل. وهذا هو السبب الأساسي لزرع الخلايا الجزيرية [انظر: «معالجة الداء السكري بزرع الخلايا»،مجلة العلوم، العدد 11(1995)، صفحة 52]. ويعمل الباحثون الآن على ابتكار طرق تُمكِّن من تحسين فرص استمرار حياة هذه الخلايا المزروعة، إلا أن المشكلة الأساسية هنا هي مشكلة تأمين كميات كافية من هذه الخلايا. وكما هي الحال بالنسبة لجميع الأعضاء القابلة للزرع يفوق الطلب على نسيج الپنكرياس البشري الكميات المتوافرة منه بكثير. وبالتالي، يتحرى الباحثون حاليا سبل استخدام الخلايا الجزيرية المأخوذة من الحيوانات. كما يعكفون على دراسة طرق تمكِّن من اصطناع نسج جزيرية، وذلك باستخدام خلايا مأخوذة من المريض نفسه أو من أحد أقربائه المباشرين أو من بنك الخلايا المأخوذة من متبرعين من عامة الناس. وبعد أن يتم تكثير هذه الخلايا في المختبر (خارج الجسم الحي) تُعاد إلى جسم المريض.

 

تحويل البلاستيك إلى نسيج

يعتمد الكثير من الاستراتيجيات المتبعة في تصميم الأنسجة على استخدام مواد بلاستيكية أو پوليميرات polymers عالية النقاوة قابلة للتحلل البيولوجيbiodegradable تصلح للاستخدام كقواعد (ركائز) في المزارع الخلوية cell culturesوفي عمليات الزرع. وتتمتع هذه الپوليميرات بخاصيتين هامتين هما: ضخامة القوة الميكانيكية وَكِبَر نسبة السطح إلى الحجم. وينحدر الكثير من هذه الپوليميرات من المواد المستعملة في الخيوط الممتصة التي بدأ استعمالها في الجراحة منذ عقدين من الزمن. وعن طريق عمليات التصميم والتصنيع التي يستعان فيها بالحاسوب، سيتمكن الباحثون من تشكيل هذه المواد البلاستيكية على هيئة قواعد (سقالات) scaffolding شبكية معقدة تحاكي بنيتها بنية نسيجٍ حيٍّ معين أو عضو بعينه. وتُعالَج هذه القواعد بمركبات تساعد الخلايا على التماسك والتكاثر ثم تُبذر الخلايا في هذه القواعد. ومع تكاثر الخلايا وتجمُّعها، تأخذ المادة البلاستيكية بالاضمحلال والتحلل، ولا يتبقى في نهاية المطاف إلا النسيج المتماسك، وبعد ذلك يُزرع هذا النسيج الجديد الدائم في المريض.

 

وقد جرى تجربة هذه الطريقة عمليا على الحيوانات حينما قامت مجموعتنا مؤخرا باصطناع صمامات قلبية في الخراف من خلايا مشتقة من الأوعية الدموية لهذه الحيوانات. وعلى مدى السنوات الأخيرة تم تطعيم جلد المصابين بالحروق وتقرحات القدم لدى مرضى السكري بجلد بشري مستنبت على قواعد پوليميرية polymer substrates، وحقق هذا التطعيم بعض النجاح. وفي بعض الحالات قد يرفض الجسم الطبقة البشروية epidermal، إلا أن التوصل إلى إعداد خلايا بشروية عامة يتقبلها الجميع سيحل هذه المعضلة.

 

وفي نهاية المطاف سيصبح بالإمكان تصميم أعضاء كاملة (كالكُلية والكبد) وتصنيعها، ثم نقلها إلى المرضى. ومع أنه يبدو من المستبعد أن يتم استنبات عضو كامل المواصفات من بضع خلايا موسدة على قاعدة من الپوليمير، فإن بحوثنا في مجال الصمامات القلبية تشير إلى أن الخلايا تتمتع بمهارة فائقة في تنظيم عملية تجديد النسيج الذي تنتمي إليه. كما أن للخلايا القدرة على أن تتواصل معا في المزارع (المستنبتات) الثلاثية الأبعاد مستخدمة نفس الإشارات خارج الخلوية التي تستعمل لتوجيه نمو الأعضاء في الرحم in utero. ولدينا من الأسباب ما يدعو للاعتقاد بأنه إذا ما تيسرت الشروط المبدئية الملائمة، فإن الخلايا نفسها ستتولى جميع التفاصيل الدقيقة لتجديد العضو وإعادة بنائه. وما على الجراحين حينها إلا تنسيق اتصال العضو الجديد بالأعصاب والأوعية الدموية والقنوات اللمفاوية لدى المريض.

 

وبطريقة مشابهة، ستتم الاستعاضة عن البِدْلات (الأجزاء) prosthesesالبلاستيكية والمعدنية المستخدمة اليوم لمعالجة إصابات العظام والمفاصل، بنسيج بُنْياني (هيكلي) صنعي engineered structural tissue. ويلتحم هذا النسيج (الغريسة) الحي بالنسيج المحيط به من دون أن يخلف أي أثر، وهذا يضع حدا لمشكلات الالتهابات والتخلخل (التقلقل) loosening في المفاصل، التي قد يؤدي إليها استخدام البِدْلات المؤقتة. كما يمكن تصنيع أعضاء معقَّدة ذات أشكال محدَّدة كالأنوف والآذان في بنى پوليميرية. ويستعان هنا بالحاسوب في أعمال الرسم الخارجي، كما يتم تحميل الخلايا الغضروفية على الهياكل الصنعيةconstructs. وبالفعل فقد تم تصنيع نماذج من هذا النوع في مختبرنا وتم زرعها في الحيوانات. وعلى أساس هذا المبدأ نفسه يمكن تصنيع أنواع أخرى من النسج البُنْيانية، بدءا من القنوات الإحليلية وانتهاء بالنسيج الثديي؛ إذ تستطيع الخلايا المستنبتة على الپوليميرات القابلة للتحلل البيولوجي أن تؤمن بديلا طبيعيا كاملا عن الثدي الذي يُستأصل جراحيا.

 

والمتوقع في نهاية المطاف أن تتمكن صناعة النسج الحية من إنتاج أجزاء معقدة من جسم الإنسان كالأيدي والأذرع [انظر الشكل في الصفحتين 16 و 17]. ويمكن حينئذ اصطناع نسخ طبق الأصل من هذه الأجزاء على القواعد الپوليميرية التي ذكرناها آنفا. كما يمكن استنبات معظم أنماط الأنسجة المطلوبة: كالأنسجة العضلية والعظمية والغضروفية والوترية tendon والرابطةligamentous والجلدية؛ ويتم ذلك بسهولة في المزارع الخلوية. ويمكن تصميم نظام  يعتمد على مفاعل بيولوجي ميكانيكي يساعد على توفير المغذيات وعلى استمرار عملية التبادل الغازي وإزالة الفضلات والتنظيم الحراري أثناء فترة نمو هذه الأنسجة ونضجها. والعقبة الوحيدة المتبقية في طريق تحقيق هذا الإنجاز هي مقاومة النسيج العصبي nervous tissue للتجديد. فحتى الآن لم ينجح أحد في استنبات الخلايا العصبية البشرية. غير أن قدرا كبيرا من البحوث قد أُفرد لحل هذه المشكلة، ويعرب كثير من الباحثين عن ثقتهم في إمكانية التغلب عليها.

 

أما في الوقت الحالي، فيمكن لأجهزة إلكترونية ميكروية مبتكرة أن تحل محل غرسات النسيج العصبي الصنعي المنتظر. فمثلا، قد تستطيع، يوما ما، غريسة شيپّية ميكروية microship implant أن تعيد بعض البصر للذين أصيبوا بالعمى بسبب أحد أمراض الشبكية retina، وهي الغشاء الحسي الذي يبطن العين. وفي مرضين من أكثر أمراض الشبكية شيوعا ـ هما التهاب الشبكية الصباغي retinitispigmentosa والتنكس البُقْعي macular degeneration ـ تتخرب الخلايا العُقْدية المستقبِلة للضوء في الشبكية، في حين تظل الأعصاب المستبطنة underlyingالتي تنقل الصور من هذه الخلايا إلى الدماغ سليمة وفعّالة.

 

إلكترونيات مبتكرة

بمساعدة كاميرا مصغَّرة، يمكن لشيپة chip فائقة الرقة ـ تُثَبَّت جراحيا في الجزء الخلفي من العين ـ أن تنبه الأعصاب الناقلة للصور. تثبت الكاميرا على نظارة عادية، وتعمل أداة ليزر موصولة بالكاميرا على تزويد الشيپة بالطاقة وعلى إرسال المعلومات البصرية بوساطة حزمة من الأشعة تحت الحمراء. ومن ثم تبدأ الشيپة بإثارة النهايات العصبية الشبكية بنفس طريقة عمل الخلايا السليمة، فتولد حس الرؤية. وقد بينت التجارب الأخيرة ـ التي أجريت على الأرانب في معهد ماساتشوستس للتقانة بالاشتراك مع مستشفى العين والأذن في ماساتشوستس، واستخدم فيها أنموذج من «شيپة الرؤية» vision chip ـ أن هذه الشيپة تستطيع أن تُنبِّه الخلايا العُقْدية التي تقوم (بعد تنبيهها) بإرسال الإشارات اللازمة إلى الدماغ. وسيبقى على الباحثين أن ينتظروا إلى أن يتم زرع الشيپة في الإنسان للتأكد مما إذا كانت هذه الإشارات تقارب الرؤية الحقيقية أم لا.

 

ولسوف يظل للوسائل الميكانيكية أيضا دورها في تصميم الأعضاء الصنعية، كما كانت دائما في هذا القرن. فهي ستكون عناصر حاسمة في إنشاء ما يسمى بالرحم الصنعية artificial womb على سبيل المثال. ولقد حققت العلوم الطبية في العقود القليلة الماضية تقدما ملحوظا في مجال رعاية الخُدَّج premature infants. وتستطيع أجهزة الإبقاء على الحياة المتوافرة حاليا أن تحافظ على حياة المولود بعد أربعة وعشرين أسبوعا من الحمل. ويتم توفير الاحتياجات الغذائية لهذا المولود عن طريق التغذية الوريدية؛ وتساعده المنفِّسات الآلية على التنفس.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N5_H03_007855.jpg

نظام توصيل الإنسولين (في الأعلى) هو قيد التصميم ليكون على هيئة جهاز قابل للوضع على معصم المريض كالساعة. وسيتيح استخدام الحقول الكهربائية أو الموجات فوق الصوتية المنخفضة التردد زيادة نفوذية الجلد مؤقتا، وهذا يمكِّن من استخلاص جزيئات الگلوكوز من الدم. يقوم مستشعر (مِحَسّ) خاص بتمرير الإنسولين إلى الجسم من خلال الجلد بشكل يتوافق مع كمية الگلوكوز المكتشفة. وفي العام 1996 من المتوقع أن تكون التجارب السريرية قد بدأت على أجهزة استشعار الگلوكوز المشابهة للأنموذج (في اليمين)؛ أما تقانة توصيل الإنسولين فلاتزال في مرحلة مبكرة.

 

غير أن الوِلْدان الذين لم يبلغوا هذه السن لا يستطيعون البقاء على قيد الحياة. وذلك لأن الرئتين عندهم غير مكتملتي النمو، وبالتالي فهما عاجزتان عن تنفس الهواء. ولذا فإن وجود رحم صنعية معقمة مملوءة بالسوائل يمكن أن يحسن فرصة البقاء لهؤلاء الولدان. وفي هذه الحالة يتنفس الوليد سوائل تدعى كربونات الفلورين الفائقة التكافؤ perfluorocarbons. وهي قادرة على حمل الأكسجين وثنائي أكسيد الكربون بتركيزات عالية. ويستطيع الوليد أن يستنشق هذه السوائل ويزفرها (يطرحها) كالهواء تماما. وتقوم مضخة بتأمين الدوران المستمر للسائل، فتتيح بذلك المجال لعملية التبادل الغازي gas exchange. وتنفس السوائل هو أقرب شبهًا بما يتم في بيئة الرحم منه بالمنفسات الآلية التقليدية، كما أنه أكثر سهولة بالنسبة للمجرى التنفسي. ونذكر في هذه المناسبة أن ثمة مساعي جديدة تُبذل في الوقت الحاضر، بهدف تيسير استخدام التنفس السائل للبالغين الذين يعانون إصابات رئوية. كما تُجرى حاليا تجارب سريرية لاستخدام نظام تنفس السوائل لدى الأطفال الأكبر سنا. ويتوقع أن يستعمل هذا النظام في الإبقاء على حياة الولدان الأصغر سنا خلال عقد من الزمن.

 

وإضافة إلى جهاز التبادل الغازي، سيتم تزويد الرحم الصنعية بجهاز تصفية يقوم بتنقية السائل من السموم. وستتم تغذية الطفل عن طريق الوريد على النحو المتبع الآن. وتؤمِّن الرحم الصنعية نظاما متكاملا تتم فيه عملية تطور الطفل ونموه بصورة طبيعية إلى حين موعد ولادته الثانية. وسيكون هذا النوع من الدعم كافيا للإبقاء على حياة معظم الخدّج المستفيدين منه. على أن الطفل في مرحلة نموه هو المهندس الفعلي للنسيج الحي.

 

 المؤلفان

Robert Langer – Joseph P. Vacanti

يتعاونان منذ عشرين عاما على حل مشكلات فشل زرع الأعضاء والجراحة التقويمية. ولقد اتجه اهتمامهما مؤخرا إلى عملية اصطناع النسيج الحي. ويركز لانگر في عمله على الجوانب الهندسية في البحث؛ في حين يركز ڤاكانتي اهتمامه على الأنسجة نفسها. يشغل لانگر منصب أستاذ كرسي <كينيث گيرمسهاوزن> في هندسة الكيمياء والهندسة الطبية الحيوية في معهد ماساتشوستس للتقانة، وتحظى نظم التوصيل الدوائي بجانب كبير من اهتمامه. أما ڤاكانتي، فهو أستاذ مساعد في الجراحة بكلية طب هارڤارد ومدير مختبر زرع الأعضاء وهندسة الأنسجة في مستشفى الأطفال.

 

مراجع للاستزادة 

NEW METHODS OF DRUG DELIVERY. Robert Langer in Science, Vol. 249, pages 1527-1533; September 28, 1990.

TISSUE ENGINEERING. Robert Langer and Joseph P. Vacanti in Science, Vol. 260, pages 920-926; May 14, 1993.

DESIGN AND FABRICATION OF BIODEGRADABLE POLYMER DEVICES TO ENGINEER TUBULAR TISSUES. D. J. Mooney, G. Organ, J. Vacanti and R. Langer in Cell Transplantation, Vol. 3, No. 2, pages 203-210; 1994.

ENVISIONING AN ARTIFICIAL RETINA. Wade Roush in Science, Vol. 268, pages 637-638; May 5, 1995.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى