أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

الإنتگرينات(1) والصحة


الإنتگرينات(1) والصحة

كشفت جزيئات التصاق سطوح الخلايا(2) بسرعة عن دورها

الحاسم في الفيزيولوجية الحقيقية للجسم وفي الحياة نفسها.

<E .A. هورويتز>

 

إن خلايا الجسم يتلاصق بعضها ببعض وبالمادة الرازمة (المَطْرِق(3) خارج الخلايا extracellularmatrix) المحيطة بها. وكما هو متوقع، يضم هذا الالتصاق النُّسُج بعضها إلى بعض، ولذا فهو أساسي للبُقْيا (البقاء على قيد الحياة). والدور الأقل وضوحا لهذا الالتصاق هو توجيهه لتنامي الجنين ولمنظومة من السيرورات تتم في الكائن الحي المكتمل التشكل، بما في ذلك تجلط الدم والتئام الجروح واستئصال العدوى (الخمج). بيد أن التصاقية الخلايا تسهم أيضا في عدد من الاضطرابات، كالتهاب المفاصل الرَّثْياني rhomatoid arthritis والأزمة (النوبة) القلبية والسكتة الدماغية والسرطان.

 

وعلى الرغم من أن العلماء أدركوا منذ زمن طويل أهمية التآثرات interactions الالتصاقية في الجسم، فإنهم لم يتبينوا إلا مؤخرا كيف تُحدث هذه التآثرات فعلها فيزيولوجيا. وقد اتضحت الأمور قبل عشرين سنة، عندما عزل الباحثون بعض جزيئات المطرق (خارج الخلايا) التي تلتصق بالخلايا. وتبيّن لهم، خلال السنوات الخمس عشرة الفائتة، أن جزيئات السطوح الخلوية، والتي عُرِفت بالإنتگرينات، تقوم بأدوار مهمة في كثير من الظواهر المرتبطة بالالتصاق. ولذا، فإنه من غير المستغرب أن يوظِّف صانعو الأدوية أموالهم لاستثمار النتائج التي تم التوصّل إليها بُغية تطوير معالَجات جديدة لعدد من الأمراض.

 

ومن حسن طالعي أن أكون بين الباحثين الذين تعرّفوا أولى الإنتگرينات وأوضحوا فاعلياتها. بيد أن قصة الإنتگرينات ليست رواية مختبر (مَخْبَر) واحد. ففهم الإنتگرينات أكثر مما هي الحال في كثير من مجالات البيولوجيا، كان ثمرة تعاون مجموعات بحث كانت تستكشف سيرورات بيولوجية شديدة التباعد. فقد بدأ بعضنا طريقه نتيجة اهتمامه بتنامي الجنين، في حين أن آخرين كانوا أكثر اهتماما بفيزيولوجية (وظائفية) الجسم البالغ أو بتتبع سير أمراض نوعية معينة. وكانت الإثارة تتزايد مع ما يتأتى من تقاطع البيانات (المعطيات) ومن التقدم الحثيث للبحوث.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N5_H05_007866.jpg

لُوِّنت هذه الخلية لإيضاح ألياف الأكتين (أسمر مصفر) في هيكلها ( سقالتها) scaffolding الداخلي، والإنتگرينات (البرتقالي) التي تصل أعمدة الهيكل ببروتين الفبرونكتين في المطرق خارج الخلايا.

 

وتعتبر دراسة التآثر بين مكونات المَطْرِق خارج الخلايا وبين الخلايا البطانية (الطلائية)endothelial cells الثديية مثالا مثيرا على أهمية التلاصق في وظيفة الخلية. وعموما، تشكل الخلايا البطانية الجلدَ وبطانة معظم تجاويف الجسم، وتنتظم عادة في طبقة واحدة تتوضع فوق بنية متخصصة من المطرق خارج الخلايا، تُعرف بالصفيحة القاعدية basal lamina. وتنتج الخلايا المبطِّنة للغدة الثديية اللبن استجابةً لتنبيه هرموني. وإذا ما أُزيلت الخلايا البطانية من الفأر وزُرعت في المختبر، فقدت سريعا شكلها المكعباني المنتظم، وكذلك قدرتها على صنع بروتينات اللبن. ولكن إذا ما زُرعت هذه الخلايا في وسط يحوي اللامينين laminin (بروتين الالتصاق الرئيسي في الصفيحة القاعدية)، استعادت شكلها المعتاد وأنشأت صفيحة قاعدية وشكَّلت بنى شبه غدية تستعيد قدرتها على إنتاج مكونات اللبن.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N5_H05_007867.jpg

تتوضع الإنتگرينات (البرتقالي) على جميع السطوح الخلوية. فهي تثبت الخلية في مكانها وذلك بالارتكاز بأحد طرفيها على جزيئات المطرق خارج الخلايا (أو على جزيئات تحملها خلايا أخرى)، وبالطرف الآخر على الهيكل الداخلي للخلية نفسها. وتتصل بهذا الهيكل عبر تجمُّع من الجزيئات ذي انتظام شديد ـ الالتصاق البؤري ـ الذي يشتمل على مكونات للهيكل الخلوي من قبيل الأكتين والتّالين والڤنكولين والألفا أكتينين. واتضح مؤخرا أن الإنتگرينات توصِّل رسائل من المطرق خارج الخلايا إلى الخلية. وعلى ما يبدو، تتضمن هذه السيرورة تنبيه الخلية لمكونات تأشيرية مكرَّسة لذلك (الفوشين) في الالتصاقات البؤرية. (وقد يتباين كثيرا شكل الالتصاقات البؤرية).

 

إن العلماء الذين اهتموا في بواكير الثمانينات بالآلية التي يسيطر بوساطتها المطرق على فاعلية الخلايا الملتصقة، بدؤوا يُحرِزون تقدما مرموقا في دراستهم للمطرق نفسه. فقد اتضح لهم أنه يتألف أساسا من سلاسل سكرية تشكل ما يشبه الهلام وتترابط فيما بينها ببروتينات ليفية، علما بأن كمية المطرق وتفاصيل بنيته تتباين من نسيج إلى آخر. وتشتمل هذه البروتينات على اللامينين والفبرونكتين fibronectin (جزيء التصاق آخر)؛ إضافة إلى الكلاجين collagen الذي يعد في الأساس مكونا بنيويا في معظم أنواع المطرق، ولكنه يعمل أحيانا كجزيء التصاق. وأوضحت الدراسات المجهرية أن جزيئات الالتصاق في المطرق خارج الخلايا تترابط ـ افتراضيا عبر نوع واحد أو أكثر من الجزيئات المتوسطة (البينية) intermediary ـ إلى الجملة الليفية داخل الخلية (الهيكل الخلوي cystoskeleton) التي تُكسب الخلية شكلها ثلاثي الأبعاد.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N5_H05_007868.jpg

يحدث تشكل الخثرة (تجلط الدم blood clotting) عندما يصاب الوعاء الدموي بأذية. وتبدأ سيرورة تشكّل الخثرة عندما ترتكز خلايا صغيرة، تعرف بالصُفَيِّحات، على المطرق خارج الخلايا وذلك عندما تتمزق الخلايا البطانية للوعاء وتنكشف جزيئات المطرق (a). ويفعِّل هذا المرتكز جزيئات الإنتگرين IIbβ3 الساكنة (b)، دافعا بها لتلتصق ببروتينات جائلة في الدورة الدموية، بما في ذلك الفِبْرينوجين الذي يشكل جسورا تتصل بصفيحات إضافية (c). وتشكّل الخلايا والبروتينات في النهاية شبكة من الخلايا والألياف تثخن لتغلق موقع الإصابة، وتمنع فقدان الدم حتى يتم إصلاح وترميم الجرح (الشكل في الأسفل).

 

وكان الباحثون يدركون أيضا أن تشكل الترابطات بين الخلايا والمطرق خارج الخلايا يؤثر في الخلايا بصور شتى، فاستجابة الخلايا مثلا متوقفة على أنماط هذه الخلايا وعلى حالتها اللحظية وعلى البنية النوعية للمطرق. فالخلايا تستجيب أحيانا بتغيير شكلها، وأحيانا أخرى بالهجرة أو بالتضاعف (الانقسام) أو بالتمايز (أي أن تصبح أكثر تخصصية) أو أنها تعدل ببراعةٍ فاعلياتها. وغالبا ما تنجم هذه التغيرات عن تعديل في فاعلية الجينات. فالجينات تُنوِّع تسلسلَ الحموض الأمينية في البروتينات المختلفة التي تنجز معظم وظائف الخلية. وعندما تكون الجينات فاعلة (معبّرة expressed)، فإنها تنتج بروتيناتها النوعية. ولما كانت الجينات تُشغّل وتُوقف، فإن خليط البروتينات في الخلية يكون دائب التغير، الأمر الذي ينعكس على عمل الخلية.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N5_H05_007869.jpg

يتطلب نضج الخلايا والأجنّة ارتكاز الخلايا على المطرق خارج الخلايا، وغالبا ما يتم ذلك عبر الإنتگرينات. فالخلايا البطانية التي أخذت من ثدي فأر وتمت تنميتها في طبق الزرع، تفقد شكلها السوي وقدرتها على إنتاج بروتينات اللبن (الأيسر العلوي)؛ وتستعيد بنيتها ووظيفتها عندما تُضاف إلى وسط الزرع جزيئات نوعية من المطرق خارج الخلايا (الأيسر السفلي). بدأ الجنين السويّ للفأر بتشكيل المشيمة (الأيمن العلوي) في اليوم التاسع من الحمل، بيد أن الجنين الذي يعوزه الإنتگرين 4 لم يشكل مشيمة (الأيمن السفلي) ومات سريعا.

 

ولكي يدرك الباحثون كيف يستثير المطرق هذه التغيرات جميعها في الخلايا، احتاجوا إلى تعرّف المستقبِلات التي توجد على هذه الخلايا وتعمل مَرَاسِيَ لبروتينات المطرق. وغالبا ما يعزل الباحثون مستقبلة لجزيٍء ما بتعيينهم مكوِّنات الخلاصة الخلوية التي تترابط بنسخ من ذلك الجزيء. بيد أن عزل المستقبلات في هذه الحالة كان عسيرا إلى حد يدعو إلى الإحباط.

 

وكما نعرف اليوم، يرجع بعض هذه الصعوبة إلى أن جزيئات الالتصاق في المطرق تترابط بمجموعة متنوعة من المواد، من قبيل المكونات الأخرى للمطرق. وتضاءل شأن هذه المعضلة عندما تم تحديد مقر الترابط الخلوي للفيبرونكتين تحديدا دقيقا. ومن المدهش حقا أن تتألف هذه المنطقة من ثلاثة حموض أمينية وحسب، هي الأرْجنين والگلَيْسين والأسْبارتات. (وتعرف هذه المنطقة اختصارا RGD، وهذا يشير إلى الحروف التي ترمز إلى هذه الحموض الأمينية الثلاثة.) وثمة سبب آخر لهذه الصعوبة، وهو أن المستقبلات الفردية المعينة لجزيئات المطرق لا تترابط ترابطا قويا ببروتينات المطرق. وينجم الالتصاق القوي عن نوع من تأثير ڤلكرو Velcro effect، أي إن عددا كبيرا من الترابطات الضعيفة نسبيا تكوِّن في مجموعها ترابطا قويا. فالترابط الضعيف مع إحدى المستقبلات يعني أنهما لا يظلان مترابطين مدة كافية للكشف بسهولة عن هذا الترابط.

 

السر كله في عائلة الإنتگرين

وعلى الرغم من هذه الصعوبات، تمكّن العلماء في أواسط الثمانينات من عزل عدد من مستقبلات الالتصاق على السطوح الخلوية، كما أنهم حددوا تسلسل بعض الحموض الأمينية في هذه الجزيئات. وفي عام 1987 كشفت جملة من النتائج أن المستقبِلات تنتمي إلى عائلة كبيرة من الجزيئات المتقاربة بنيويا، يوجد واحد منها أو أكثر على سطوح كل نمط من خلايا عالم الحيوان. واعترافا بأهمية هذه العائلة في الوحدة التكاملية للخلايا والنسج، سميت الجزيئات «بالإنتگرينات»(4). وكما سَأُبيِّن فيما بعد، فإن الاسم كان ملائما تماما من وجه آخر.

 

وفي غضون ذلك، بدأ البحث في بنية الإنتگرينات ووظائفها. والاكتشاف بأن للإنتگرينات أشكالا كثيرة وأنها توجد على معظم الأنماط الخلوية، أدى فورا إلى الاستنتاج بأن معضلةً تصعب مقاربتها في نمط خلوي معين يمكن التطرّق إليها في نمط خلوي آخر. وأدّت هذه المرونة، ومعها تبادل الاكتشافات التي أتت من نطاقات بحث متباينة، إلى تقدم سريع لمسناه بوضوح وإلى إبقاء معظمنا مفعما بأفكار جديدة يتوق إلى استكشافها.

 

واتضح لنا منذ وقت مبكر أن جزيء الإنتگرينات يتألف من سلسلتين بروتينيتين (وُحَيْدَتينsubunits). ويوجد للوُحَيْدة التي أعطيت الرمز «ألفا» 15 صنفا، وللسلسلة «بيتا» 8 أصناف. وتتجمع هذه السلاسل (التي يرمز إليها عادة بأرقام أو أحرف) مكوِّنةً عشرين نوعا مختلفا على الأقل من الإنتگرينات. وأدركنا أيضا أن بعض الإنتگرينات يتلاصق بنمط وحيد من الجزيئات المستهدفة، في حين أن بعضها الآخر يتعرَّف أهدافا عديدة. وتتآثر interaction معظم الإنتگرينات بالمطرق خارج الخلايا، وبعضها يُسهم فعلا في التلاصق بين الخلايا. بيد أن الجزيئات المسؤولة عن معظم تآثرات تلاصق الخلايا ينتمي إلى مجموعات أعطيت أسماء خاصة مثل الكدرينcadherin والسلكتين selectin وعائلات الگلوبولينات المناعية immunoglobulin families. وفي وقت مبكر علمنا أن الإنتگرينات تمتد في الغشاء الخلوي. ويشترك قسما السلسلتين ألفا وبيتا، اللذان يبرزان من غشاء الخلية، في تشكيل مستقبلة الفِبْرونكتين ومستقبلات لمرافقات partners  (رابطاتligands) خارج خلوية أخرى .

 

وغدا واضحا الآن أنه إذا أُتيح للصلات خارج الخلايا أن تكون محكمة، فإن على قسم جزيء الإنتگرين الممتد في السيتوپلازم (السائل الداخلي للخلية) أن يكون مُرْسًى في هيكل الخليةcytoskeleton. ويُنجز هذا الترابط بطريقة مثيرة للاهتمام. فعندما تترابط المستقبلة بجزيء خارج الخلية وتتجمع مع إنتگرينات مترابطة أخرى، تتشكل معقدات شديدة الانتظام تعرف بالتلاصقات البؤرية (بؤرة الالتصاقات) focal adhesions. وتشتمل هذه التلاصقات ـ التي تتباين حجما وبنية ـ على جزيئات متنوعة، بما في ذلك النهايات السيتوپلازمية للإنتگرينات المتعنقدة ومكوِّنات من هيكل الخلية. كذلك يسبب الترابط بالمستقبلات والتجمع (التكدس) انتظام الهيكل الخلوي، فالخلايا التي كانت مدورة تحقق الآن شكلا وبنية محدَّدين.

 

إن الترابطات ذات الوساطة الإنتگرينية للخلايا بالمطرق تسهل أيضا ارتحال الخلايا الجوّالة وخلايا الكائنات الحية المتنامية خاصة، وكذلك الكريات البيض للجهاز المناعي. وتبدأ الهجرة بامتداد بروزات شبيهة بالأقدام أمام الخلية. وفي المرحلة التالية، تشكل جزيئات الإنتگرين الموجودة بجوار الحافة المتقدمة ارتباطات سحبٍ باتجاه المطرق الذي تحتها. وتنشأ في الوقت نفسه تقريبا ارتباطات في المؤخرة المتحررة للخلية، محركة القسم الخلفي للخلية إلى الأمام، تماما كما يحدث عندما تفلت إحدى نهايتي الزنبرك spring المضغوط. ونجهل حاليا طبيعة القوى التي تحرِّض الخلايا على تحرير الواصلات الخلفية للمطرق خارج الخلايا. كما أننا لا نعرف تماما طبيعة القوى الكيميائية الحيوية والميكانيكية المسؤولة عن الحركة الأمامية الاتجاه لمقدمة الخلية أو لنهايتها. ومع ذلك، فما إن تُنْجَز الدورة حتى تبدأ من جديد.

 

من البنية إلى الوظيفة

وإضافة إلى عملها «كغراء» glue خلوي وتسهيلها الهجرة أحيانا، فإن للإنتگرينات تأثيرا آخر قويا في الخلايا. فلقد وُجد في عام 1990 تقريبا أن مرتكزات الإنتگرينات على الجزيئات خارج الخلايا تُفَعّل ما يسمى مسارات تحويل الإشارات signal transduction pathways داخل الخلية. إن هذه المسارات التي تتألف من جزيئات تُرحِّل رسائل عبر السيتوپلازم، تستثير استجابات متباينة من قبيل التعبير الجيني والانقسام الخلوي والتحريض على سيرورات تحول بين الخلايا وبين تخريبها لنفسها.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N5_H05_007870.jpg

يتطلب دفاع الجسم ضد العدوى أن تغادر كريات الدم البيض (الخلايا البيض) مجرى الدم، وتهاجر إلى النسج التالفة أو المصابة بأحد الأمراض (الشكل في أقصى اليسار، والتفاصيل في الأعلى). في البداية تلتصق الخلايا البيض التصاقا رِخْوًا بالخلايا البطانية عبر التآثر interaction بجزيئات تعرف بالسِّلِكْتينات (a)، ثم تتدحرج على جدار الوعاء الدموي (b). ويتم بعدئذ تفعيل الإنتگرينات (التي تحوي عادة السلسلتين β1 أو β2) الموجودة على الخلايا البيض (c)، وتلتصق بالجزيئات ICAMs (جزيئات الالتصاق بين الخلايا). وهذه الترابطات توقف الخلايا البيض عن الحركة وتدفعها إلى التسطح. عندئذ تنعصر الخلايا البيض بين الخلايا البطانية (d)، وتغادر الوعاء مستعملة مرتكزات مماثلة، متعقبة أثر جاذبات كيميائية تهديها إلى مقر العدوى.

 

وعلى إثر ذلك اكتشف العلماء أن التأشير signaling بالإنتگرينات يعدِّل، بوساطة عوامل النمو، الرسائل المرحَّلة داخل الخلية. فعوامل النمو، التي يمكنها الانتقال من خلية إلى أخرى، تُفعّل مسارات تحويل إشارات نوعية تحدد أي الجينات سيعبِّر عن نفسه، وفيما إذا كان لخلية ما مستهدفة أن تتوالد أو حتى أن تظل على قيد الحياة. وأوضحت دراسة الإنتگرينات مؤخرا بأنه إذا كان على الخلايا السوية (اللاخبيثة) أن تبقى على قيد الحياة وتتكاثر، فإن عليها أن ترتكز على نوع معين من المطرق خارج الخلايا، وذلك عندما تُفعَّل بوساطة عوامل النمو. فالخلية الآخذة بالانقسام إذا افتقرت إلى عوامل النمو أو فقدت الاتصال الالتصاقي، فإنها ستتوقف عن التكاثر، ثم تموت في نهاية الأمر. ويمكن القول إنه بعد ثلاث سنوات من تسمية الإنتگرينات بهذا الاسم اتضح أن هذه التسمية ملائمة في منحى جديد، فهي تساعد على تكامل عدد كبير من الإشارات المتباينة التي تنهمر على الخلية، محدِّدة بالتالي مصيرها.

 

وعلى ما يبدو، ينجم معظم هذه الإشارات الداخلية عن تفعيل الجزيئات التي تقيم مع الإنتگرينات في الالتصاقات البؤرية. ولقد دُرست هذه الوظيفة بأوسع ما يمكن في الأرومة الليفيةfibroblasts (خلايا النسيج الضام)، حيث المعقدات ضخمة وتتألف من أكثر من عشرين جزيئا  مختلفا.

 

ومنذ زمن طويل عُرف عن جزيئات معينة في الالتصاقات البؤرية (مثل إنزيمات عائلة الكينازاتSrc) أنها تسهم في تأشير مسارات تفعِّلها عواملُ النمو، ويوحي وجودها في المعقدات بأن جزيئات المطرق وعوامل النمو يعدل بعضها أحيانا رسائل البعض الآخر؛ بإطلاقها إشارات هابطة في مسارات متجمعة أو متقاطعة. وفي العادة، هناك جزيئات أخرى في الالتصاقات البؤرية تفعِّلها الإنتگرينات (كيناز الالتصاق البؤري والپاكسيلين paxillin والتنسين tensin)، ولا تتأثر كثيرا بفاعلية عوامل النمو. ومع هذا، فإن هذه الجزيئات تعرض مواقع ترابط لمكونات تحويل إشارية معروفة ـ وهذه صفة توحي بأنها هي الأخرى تساعد على إيصال رسائل من الإنتگرينات إلى الجينات وإلى أجزاء خلوية أخرى.

 

أما الأمر الأقل وضوحا فهو الآلية الدقيقة التي تنبِّه بها الإنتگرينات جزيئات التأشير في الالتصاقات البؤرية. فبعض جزيئات السطوح الخلوية، وعلى الخصوص كثير من مستقبلات عوامل النمو، هي كينازات التيروزين (إنزيمات تضيف زمر الفسفات إلى الحمض الأميني «تيروزين» في بروتينات أخرى)، وتنظم بالتالي فاعلية الجزيئات المستهدفة. بيد أن الإنتگرينات لا تبدي فاعلية كينازية، كما أنها ليست فُسْفاتازات (إنزيمات تضبط فاعلية جزيئات أخرى بنزع زمر الفسفات منها). وتفتقر الإنتگرينات إلى مواقع الإرساء (التثبيت) المعتادة التي يتم بوساطتها تمركز بعض جزيئات التحويل الإشارية النمطية typical signal-transducing molecules على بعضها الآخر، الأمر الذي يعني أنها لا تُحدِث في هذه الجزيئات تغييرا مباشرا. إذًا، كيف تستثير الإنتگرينات كل هذا التأشير الداخلي؟ قد تساعد جزيئات التأشير على أن يلامس بعضها بعضا، ولكن لا تتوافر إجابة قاطعة عن ذلك.

 

ولا تستجيب الإنتگرينات لإشارات تتلقاها من خارج الخلية فحسب، فهي تتفعل أيضا برسائل صادرة من داخل الخلية. إن هذا التأشير الداخلي-الخارجي الاتجاه بوسعه أن يجعل الإنتگرينات أكثر، أو أقل، نوعية فيما يتعلق بالجزيئات التي ستترابط بها كشريك جزيئي، أو أن هذا التأشير بوسعه أن يغيِّر قوة ترابط الإنتگرين بالجزيء الشريك. فمثلا، يكون الإنتگرين2β1 معطَّلا أو مستقبِلا للكلاجين أو مستقبِلا لكل من الكلاجين واللامينين، وذلك وفقا لنمط الخلية التي تنتج هذا الإنتگرين وللإشارات التي تطرقه من داخل الخلية.

 

وأجريت دراسة أكثر تفصيلا للتأشير الداخلي-الخارجي الاتجاه على الصُفَيِّحات platelets ـ وهي خلايا دموية صغيرة تفتقر إلى النواة وتساعد على تشكل الجلطات التي تعرف بالخثراتthrombi (مفردها thrombus) [انظر الشكل في الصفحتين 30 و 31]. وتتشكل الخثرات في المناطق المصابة من الأوعية الدموية، ومن ثم تكوِّن سدًّا يمنع الدم مؤقتا من السيلان. وتجول الصفيحات في الدم فرادى وغير التصاقية. بيد أنها تُغيِّر سلوكها عندما تتأذى الأوعية الدموية التي تبطنها طبقة أحادية من الخلايا البطانية.

 

ففي أول الأمر تلتصق الصفيحات (من دون مساعدة الإنتگرينات) بمناطق من المطرق خارج الخلايا سبق وأن تعرضت لتمزق الخلايا البطانية. ويرسل هذا الترابط (وهو الترابط اللاحق مع بروتين يعرف بالترمبين thrombin) إشارة إلى السيتوپلازم تؤدي في النهاية إلى تفعيل داخلي-خارجي الاتجاه للإنتگرين IIbβ3  الموجود على سطوح الصفيحات. وهذا التأشير يجعل الإنتگرين، في هذه الحالة بالذات، أكثر التصاقية. والآن، يقوم الإنتگرين IIbβ3  باقتناص جزيئات الفبرينوجين (عامل ڤون ويلِّبراند von Willebrand) الجائلة في الدورة الدموية (الدوران)، والتي تشكل بدورها جسورا جزيئية نحو مزيد من الصفيحات ونحو المطرق. وينتهي الأمر بأن يشكل تجمُّع الصفيحات والبروتينات شبكة كثيفة من الخلايا والألياف.

 

الإنتگرينات في الصحة والمرض

وفضلا عن اختبار تأثير الإنتگرينات في الأنماط الخلوية، يستكشف العلماء دور هذه الجزيئات في الجسم ككل. ومن المفارقات أن فهم الآلية التي توجه بوساطتها الإنتگريناتُ تناميَ الجنين هي أقل وضوحا من الطريقة التي تسهم فيها هذه الجزيئات في عدد من السيرورات الأخرى. هذا على الرغم من أن الفضول حول دور هذه الجزيئات في التنامي الجنيني كان وراء معظم البحوث التي أدت إلى اكتشاف الإنتگرينات وجزيئات الالتصاق الأخرى.

 

ومع هذا، فإنه يتوافر لدينا البرهان على أن فاعلية الإنتگرينات أساسية للتنامي السويّ للجنين. فالخلايا في أثناء تكاثرها وتمايزها لتشكل النُّسج والأعضاء، تُضيف أو تُنقص إنتگرينات معينة على سطوحها، وهذا يشير إلى أن الإنتگرينات المضافة تقوم بدور في الانتقال من مرحلة إلى أخرى. وتتمثل البينة الأخرى على الحاجة إلى الإنتگرينات باكتشاف أن خلايا الجنين تعوّل على إنتگرينات معينة لتساعدها على الهجرة والوصول إلى غاياتها المنشودة.

 

وعلاوة على ذلك، أتاحت الهندسة الجينية للعلماء إنتاج حيوانات (من ذباب الفاكهة والفئران، بصفة أساسية) تعوزها إنتگرينات معينة. وغالبا ما تتشوه هذه الحيوانات أو تموت في أثناء تناميها، الأمر الذي يبرهن على أن غياب الإنتگرينات «المعطَّلة» يُحدِث خللا ما، وتصبح النسج في الجنين المشوه مشوشة البِنية؛ ذلك أن الخلايا تخفق، فيما يبدو، في الهجرة إلى أمكنة توضُّعها السوية أو تعجز عن تحقيق التماسّ الالتصاقي الضروري للتماسك. وبالفعل، فإن العضلات الحديثة التشكل في طوافر mutants  معينة من ذبابة الفاكهة، تتفكك في أثناء تقلصاتها الأولى؛ إذ يتم انفصال الخلايا العضلية عن النسيج الضام.

 

ورسَّخت البحوث الحالية أيضا أهمية الإنتگرينات للفيزيولوجية (الوظائفية) السوية لدى الكائن الحي البالغ، وتعرَّفت إسهامات هذه الجزيئات في الأمراض المختلفة. وتتمثل إحدى السيرورات الحاسمة التي تتطلب الإنتگرينات بالالتهاب inflammation، وهو جملة الاستجابات المعقدة التي تستهلها الإصابة injury أو العدوى infection. فعندما تتأذى النسج أو تغزوها الميكروبات (الأحياء المجهرية) المسببة للمرض، تغادر خلايا (كريَّات) دموية بيض، كالعدلاتneutrophils والوحيدات monocytes، مجرى الدم وتهرع إلى الناحية المعتلة. وهناك، تنظف المكان من أشلاء الخلايا والمواد الغريبة، وتهاجم أي كائن مُمْرِض تصادفه. وعلاوة على ذلك، تفرز الكريات البيض مواد تعرقل انتشار العدوى، وتجند ـ عند الضرورة ـ خلايا بيضًا أخرى للقضاء على الغزاة تُعرف باللمفاويات.

 

ولكي تتلمس الخلايا البيض طريقها إلى النسيج المعرض للخطر، لا بد أولا من سحبها من المجرى الرئيسي للدم. إنها تُحرَّك من قبل الخلايا البطانية التي رصدت وجود مشكلة ما بالجوار. وتسبب تفاعلاتٌ التصاقية، تتناول في العادة السلكتينات selectins (وليس الإنتگرينات)، تباطؤَ الخلايا البيض وتدحرجَها على سطوح الخلايا البطانية لِجُدُر الأوعية الدموية. وعندئذ يدفع تأشير داخلي-خارجي الاتجاه إنتگرينات معينة توجد على سطوح الخلايا البيض (وعلى الخصوص الإنتگرينات المحتوية على الوُحَيْدة β1 أو β2) لتحقق ألفة ترابطية بجزيئات من عائلة الگلوبولينات المناعية (وعلى الأخص جزيئات معينة تعرف اختصارا ICAMs ـ من intercellular adhesion molecules)، موجودة على الخلايا البطانية. وهذه الارتباطات تساعد الكريَّات البيض على التوقف والانعصار بين الخلايا البطانية، ومن ثم عبور جدار الوعاء الدموي والوصول إلى النسيج المتأذي أو المُعْدى.

 

وتتضح أهمية الإنتگرينات على أفضل وجه في المرض المعروف بعوز deficiency التصاق الخلايا البيض، لدى الأفراد الذين تعوزهم وُحَيْدة الإنتگرين β2  أو الذين ينتجون نسخا معيبة منها. ولأن خلاياهم البيض لا تستطيع الهجرة إلى مواقع الإصابة والرضح trauma، فإن هؤلاء الأفراد يعانون عداوى (أخماجًا) تهدد حياتهم وتتكرر باستمرار.

 

ومع أن الاستجابة الالتهابية تصون الجسم من العداوى الخطيرة، فبالإمكان أن تتحول إلى عامل مَرَضي، وذلك إذا مادامت أطول من اللازم أو إذا حدثت على نحو غير ملائم. وعلى أمل تحسين معالجة الاضطرابات التي تشتمل على التهاب مزمن، يطوِّر الباحثون مركبات متنوعة (تستهدف على الخصوص الإنتگرينيْن 4β1 و β2)، تعرقل التصاق الخلايا البيض بالخلايا البطانية، الذي تقوم الإنتگرينات فيه بدور الوسيط. وبالفعل، تُختبر حاليا أدوية من هذا النمط لدى مرضى الربو وداء الأمعاء الالتهابي والتهاب المفاصل الرثياني (الروماتويد).

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N5_H05_007871.jpg

تروي الشبكيةَ السوية للعين (في الأيسر) أوعيةٌ دموية سليمة. ولكن شبكية المريض بالسكري، المصابة بالاعتلال الشبكي التكاثري (في الأيمن)، تحتوي على وفرة من الأوعية الدموية الشاذة التي قد تتلف الشبكية وتسبب العمى. إن نمو الأوعية الجديدة يتطلب عرضا مفرطا من الإنتگرين vβ3 على سطوح الخلايا البطانية.  وكما يوضح الجدول في الصفحة التالية، فإن هذا الإنتگرين هو واحد من إنتگرينات عديدة تحظى باهتمام مصنِّعي الأدوية.

 

ويكون الالتهاب مُخَرِّبًا أيضا وعلى نحو حاد في أثناء إعادة التروية reperfusion، أي إعادة جريان الدم إلى نسيج حُرِم منه أثناء الشَّرَث (عضة الصقيع) frostbite أو الأزمة القلبية أو السكتة الدماغية. (وكما هو معلوم، ينجم كثير من الأزمات القلبية والسكتات الدماغية عن انسداد وعاء دموي رئيسي يروي القلب أو الدماغ.) وقد يؤدي الفقدان المؤقت للدم إلى موات النسيج أو أذيته. وعندما يُسترد جريان الدم تستشعر العدلاتُ الموجودة في الدم الأذيةَ، فتهاجر إلى المنطقة المختلة وتطلق مواد تعرف بالمؤكسِدات oxidants.

 

ومع أنه بوسع المؤكسِدات أن تخرب المُمْرِضات، فهي تؤذي أيضا الخلايا الهشة وتلحق بها دمارا أوسع. ويحاول الباحثون إيقاف ما يسمى «إصابة إعادة التروية» بأدوية تستهدف إما إنتگرينات β2 الموجودة على العدلات أو رفيقاتها في الترابط من الجزيئات ICAM الموجودة على الخلايا البطانية؛ وذلك بإبعاد الإنتگرينات عن الجزيئات ICAM ومنعهما بالتالي من الترابط. ويُتوقع أن تمنع هذه الأدويةُ العدلاتِ من مغادرة مجرى الدم وغزو النسيج الذي أُعيدت ترويته.

 

بعض الإنتگرينات التي تُدرس حاليا أملا في

استخدامها كأدوية

تسهم الإنتگرينات في عدد من الأمراض. وتحاول الصناعات الصيدلانية حاليا أن تطور معالَجات تمنع إنتگرينات منتقاة (كالمبينة أدناه) من الالتصاق برفيقاتها الترابطية الموجودة في المطرق خارج الخلايا للجسم.

http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N5_H05_007872.jpg

 

وكما هو صحيح في الالتهاب، فإن الزيادة أو النقص المفرطين في تكوين الخثرات خطر أيضا على الجسم. فالأشخاص، الذين يعوزهم الإنتگرين IIbβ3 (المادة الحاسمة في تكدّس الصفيّحات) يعانون داء گلانزمان Glanzmann لوهن الصفيحات thrombasthenia، فلا تتكدّس صفيحاتهم تكدسا ملائما وتنزف الضحايا بإفراط. أما في الطرف الآخر من الطيف، فإن فرط تكوُّن الخثرات ـ الذي غالبا ما يحدث في مكان ترسب الدهون (لُوَيْحَة التصلب العصيدي atherosclerotic plaque) داخل الأوعية الدموية – قد يؤدي إلى حدوث أزمة قلبية أو سكتة دماغية، وذلك عندما تسد الخثرةُ الوعاءَ الدموي.

 

وتتوافر لدى الأطباء طرائق لتنظيف الشرايين المتصلبة عصيديا، وذلك من قبيل رأب الوعاء بالونيا (نُفّاخِيًّا) balloon angioplasty. ولكن هذه الطريقة قد تكون ـ لسوء الحظ ـ مؤذية للخلايا البطانية، ولهذا قد تتشكل عرضيا خثرات مقلقة في الشرايين خلال اليوم الأول من المعالجة. وعلاوة على ذلك، ففي سيرورة تعرف باسم عودة التضيق restenosis، قد تنسد ثانية الأوعية في كثير من المرضى خلال أشهر عديدة بعد المعالجة، ويكون السبب الرئيسي هذه المرة الخلايا العضلية الملساء التي تهاجر وتتكاثر، ربما استجابة لموادّ موجودة في الخثرات التي تتشكل بجوار المواضع المتأذية. وتستعمل بالفعل حاليا أدوية توقف مؤقتا الإنتگرين IIbβ3 عن تآثره مع الفبرينوجين، وتحفظ الأوعية المعالجة خالية من الخثرات في الأيام التي تلي المعالجة. وبتأخير تشكل الخثرة، قد تساعد هذه الأدوية أيضا على الحد من عودة التضيق.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N5_H05_007873.jpg

تتنقل الخلايا من موقع إلى آخر بتشكيلها ثم تحطيمها لترابطات بالمطرق خارج الخلايا تتوسطها الإنتگرينات. فبعد التصاقها بالمطرق، تشكِّل الخلية امتدادات شبيهة بالقدم (a)، ثم تشكِّل ترابطات جديدة في النهاية الأمامية (b). وتحرر بعدئذ وصلاتها الخلفية (c)، وهذا يجعل النهاية الخلفية تتحرك إلى الأمام، ثم تبدأ الدورة من جديد (d).

 

 

وقد يكون بالإمكان تجنب عودة التضيق باستهداف إنتگرين آخر، رمزه vβ3، الذي يظهر بأعداد كبيرة على الخلايا العضلية الملساء إثر إصابة الأوعية الدموية. ولأن هذا الإنتگرين يحض هذه الخلايا على البُقْيا وعلى هجرتها، فإن إيقاف فاعلية هذا الجزيء قد يقلل من إسهام الخلايا العضلية الملساء في عودة التضيّق.

 

ودور في أمراض أخرى

وهنالك اضطرابات أخرى تشتمل على فاعلية غير مرغوب فيها للإنتگرينات، نذكر منها تخلخل العظام osteoporosis، وقائمة متنامية من الاضطرابات المُعْدِيَة (الخمجية) والسرطانات. وتخلخل العظام معروف بفقدان العظم المترافق مع تزايد احتمال الإصابة بالكسور، ويحدث مع تقدم العمر وعند النسوة خاصة. وقد تنشأ هذه الحالة عن الفاعلية المفرطة نسبيا للخلايا التي تترابط بالعظم وتهدمه. ويحدث هذا الترابط عن طريق الإنتگرين vβ3، ولهذا فإن الباحثين يختبرون ما إذا كان بوسع جزيئات خادعة تحجب أساسا الإنتگرين المشار إليه أن تمنع الخلايا المخرِّبة من الالتصاق بالعظم.

 

أما في حالات العدوى، فيبدو أن ميكروبات معينة تدخل الخلايا، جزئيا على الأقل، بتثبتها على الإنتگرينات. وتشمل هذه الميكروبات تلك التي تسبب التوعكات الشبيهة بالإنفلونزا (النزلة الوافدة) والتهاب السحايا والإسهال والشلل. وتوحي هذه البيانات بأن الإنتگرينات ذات العلاقة قد تشكل أهدافا ملائمة لمعالجات دوائية جديدة.

 

ومع أنه من المؤكد أن الإنتگرينات تسهم أيضا في السرطان، فإن تفاصيل دورها في ذلك ليست كاملة. وينشأ السرطان عندما تتمرد الخلايا على الضبط المألوف usual control  للانقسام الخلوي وللهجرة، فتتوالد عندئذ على نحو يتعذر ضبطه، وتحقق القدرة على اجتياح النسيج الموضعي وعلى أن تنتقل metastasize  (أي تهاجر إلى مواقع بعيدة وتنمو في مواضع غير مألوفة). ولقد وجد الباحثون أن أنماطا مختلفة من الأورام تتوقف عن إنتاج إنتگرينات نوعية، أو أنها تعرض على سطوحها إنتگرينات لا تصنعها نُسُجُها في الحالة السوية، أو أنها تغير من توزع الإنتگرينات المعتادة على سطوحها. ومع أن نتائج هذه التغيرات ليست دائما واضحة، فإنه ينظر إلى عرضdisplay إنتگرينات معينة على سطوح الخلايا الخبيثة على أنه يسهل أحيانا هجرة خلايا لا تغادر  مواطنها عادة.

 

وتحض الإنتگرينات أيضا على تكوّن الأوعية الدموية angeogenesis في الورم. وتغذي هذه الأوعية الورم، وتزوده بطريق سالكة إلى الدورة الدموية تنتقل عبرها الخلايا [انظر: «كيف ينتشر السرطان» و «محاربة السرطان بمهاجمة موارده من الدم»،مجلة العلوم، العددان 1/2(1998)، ص 18 و 96]. ولبناء وعاء دموي جديد، يجب أن تتكاثر الخلايا البطانية وتشكل ترابطات التصاقية: بعضها ببعض من جهة وبالمطرق الموجود حولها من جهة أخرى. وتنطوي الأدلة المتزايدة على أن الإنتگرين vβ3  يظهر بكميات واضحة على الخلايا البطانية التي تعمل على تشكيل وعاء دموي جديد، وإن عرض هذا الجزيء على سطوح الخلايا المتكاثرة يحول بينها وبين الموت. فمثلا، تحرّض المركبات (التي تضعف التصاق الخلايا البطانية بوساطة الإنتگرين vβ3) الخلايا البطانية المتكاثرة بصورة غير سوية على قتل نفسها. كما أن هذه المواد تثبط نمو أوعية دموية جديدة، وتسبب تراجع الورم في الحيوانات المختبرية عن طريق إيقاف وصول الدم إلى الورم.

 

واستنادا إلى هذه النتائج، يتحرى الباحثون أهمية مثبطات vβ3 كعوامل مضادة للسرطان. كما أن هذه المركبات وأخرى قريبة منها، قد تساعد أيضا المرضى الذين يعانون اعتلال الشبكية التكاثري proliferative retinopathy، وهو أحد مضاعفات الداء السكري، إذ تنشئ الشبكية أوعية دموية نفاذة، مسببة العمى. ويفترض ألاّ تؤذي هذه الأدويةُ الأوعيةَ الصحيحة، ذلك أن جزيئات الإنتگرين vβ3 لا تُعْرَضُ بكميات كبيرة على سطوح الخلايا البطانية للأوعية التي توقفت عن  النمو.

 

وتهدف معظم المعالجات المقترحة للاضطرابات المرتبطة بالالتصاق إلى منع ارتكاز جزيئات الإنتگرينات إلى رابطاتها في المطرق خارج الخلايا. ولكن العوامل التي تزيد من هذه المرتكزات تسهِّل هجرة خلايا الجلد الصحيح إلى الجلد المصاب إصابة شديدة، ويحتمل أن يعمل هذا على تسريع التئام الجرح. ويمكن إدماج مركبات مماثلة في مطارق صُنعية كي توجه نمو نُسُج عضوية جديدة لتحل مكان النسج المتأذية من المرض أو من المعالجات الباضِعة invasive أو من الإصابة.

 

ونشعر، نحن الذين درسنا الإنتگرينات خلال العقد الماضي، بالسعادة لأن معالَجات بُنيت على نتائج بحوثنا صارت الآن متاحة للإفادة منها. كما أن معظمنا مفتون بالجانب العلمي الأساسي لهذه البحوث، التي تبتغي فهمًا أعمق للآلية التي تضبط بها الإنتگرينات وجزيئات الالتصاق الأخرى هذا الطيف الواسع من سيرورات التنامي الجنيني والأحداث الفيزيولوجية. وسواء كان وصولنا إلى هذا الحقل من المعرفة عن طريق الصدفة أو نتيجة تصميم مسبق، فلقد عشنا تجارب مثيرة حقا. وكل واحد منا قد بدأ عبر نافذة ضيقة نسبيا، ثم تعلَّمنا كثيرا، وبهرنا اتساع آفاق التأثيرات التي تنتجها الإنتگرينات وجزيئات الالتصاق الخلوي الأخرى. ويشهد التطور السريع الذي حدث على مدى التقدم الذي يمكن أن يحققه العلماء المهتمون بحقول مختلفة من المعرفة عندما يضمون أفكار بعضهم إلى بعض.

 

 المؤلف

Alan F. Horwitz

أستاذ الخلية والبيولوجيا البنيوية في جامعة إيلينوي في أربانا ـ شامبين. بعد أن حاز الدكتوراه في الفيزياء الحيوية من جامعة ستانفورد عام 1969، حصل على منحةِ تدريبٍ لما بعد الدكتوراه على تنظير الطيف الرنيني المغنطيسي magnetic resonance spectroscopy في جامعة كاليفورنيا ببيركلي. وفي عام 1974 انضم إلى قسم الكيمياء الحيوية والفيزياء الحيوية لكلية طب جامعة پنسلڤانيا، حيث اهتم بظواهر الالتصاق. وفي العام 1987 انتقل هورويتز إلى جامعة إلينوي لينشئ فيها القسم الذي يعمل فيه حاليا. وفي العام 1995 أغرته بحوث الالتصاق بالعودة إلى المختبر من جديد ليكرس لها كامل وقته. وحاليا يتركز بحثه على دراسة دور الالتصاق في هجرة الخلايا وتمايزها.

 

مراجع للاستزادة 

INTEGRINS: VERSATILITY, MODULATION, AND SIGNALING. R. O. Hynes in Cell, Vol. 69, No. 1, pages 11-25; April 3, 1992.

TRAFFIC SIGNALS FOR LYMPHOCYTE RECIRCULATION AND LEUKOCYTE EMIGRATION: THE MULTISTEP PARADIGM. T. A. Springer in Cell, Vol. 76, No. 2, pages 301-314; January 28, 1994.

INTEGRINS: EMERGING PARADIGMS OF SIGNAL TRANSDUCTION. M. A. Schwartz, M. D. Schaller and M. H. Ginsberg in Annual Review of Cell and Developmental Biology; Vol. 11, pages 549-599; 1995.

CELL MIGRATION: A PHYSICALLY INTEGRATED MOLECULAR PROCESS. D. A. Lauffenburger and A. E. Horwitz in Cell, Vol. 84, No. 3, pages 359-369; February 9, 1996.

THE EXTRACELLULAR MATRIX IN EPITHELIAL BIOLOGY: SHARED MOLECULES AND COMMON THEMES IN DISTANT PHYLA. J. Ashkenas, J. Muschler and M. J. Bissell in Developmental Biology, Vol. 180, No. 2, pages 433-444; December 15, 1996.

Scientific American, May, 1997

 

(1) integrins .

(2) adhesive cell-surface molecules.

(3) هو «الأرضية» أو المادة الأساسية التي تنطمر فيها الخلايا.              (التحرير)

(4) المعنى اللفظي للمصطلح فيه الدلالة على التكامل والإكمال.           (التحرير)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى