أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تحليل

تفادي الأخطاء البشرية أثناء الطيران

تفادي الأخطاء البشرية أثناء الطيران

إن أكثر من ثلثي حوادث الطيران يُردّ إلى الأخطاء التي يقع

فيها ربابنة وملاحو الطائرات. والتدريب على تعزيز الأداء الجماعي

قد يقلل من وقوع أخطاء بشرية تنطوي على أخطار مميتة.

<L .R. هيلمرتيش>

 

في عام 1978، تحطمت طائرة من طراز DC-8 تابعة لخطوط يونايتد إيرلاينز وعلى متنها 185 شخصا بينما كان رُبانها يحاول الهبوط بها في بورتلاند بولاية أوريگون. فقد لاحظ الربان ومساعدوه أن أحد المؤشرات لم يضئ مباشرة بعد أن تمَّ إنزالُ جهاز الحط landing gear  عندما كانت الطائرة تقترب من المطار. وعدم إضاءة المؤشر يعني أن مجموعة من العجلات والهيكل الداعم لها ربما تنهار عند الهبوط، مما قد يؤدي إلى نشوب حريق أو التسبب في وقوع إصابات بين ركاب الطائرة. وبدلا من مواصلة الاقتراب من المطار، قرر ملاحو الطائرة مواصلة الدوران بها مما يُتيح لهم فرصة لتقرير ما إذا كان جهاز الحط لا يعمل بالفعل. وعندما طال تأخير هبوط الطائرة تناقص الوقود إلى حد ينذر بالخطر. وقد أدى انشغال الربان بضوء المؤشر إلى إخفاقه في مراقبة الوضع ككل، وإلى تجاهل تحذيرات متكررة من مهندس الطيران عن تناقص الوقود. ولكن عندما استجاب الرُّبان أخيرا لهذه التحذيرات وحاول الهبوط بالطائرة كان الأوان قد فات. فقد صمتت المحركات الأربعة تماما وتحطمت الطائرة قبيل المهبط في منطقة مكسوة بالغابات، مما أدى إلى مقتل عشرة أشخاص ممن كانوا على متنها.

 

كشف التحقيق في الحادث أن المشكلة الوحيدة في الطائرة كانت قصورا في اشتعال ضوء التحذير. أما خطأُ الربان فلم يكن محاولته معالجة مشكلة ميكانيكية تنطوي على مخاطر تهدد الحياة، بل كان إخفاقه في البقاء على اطلاع على النواحي الخطيرة الأخرى أثناء قيادة الطائرة في ظروف مجهدة للغاية.

 

وقد تزامن هذا الحادث مع تحقيقات كانت تُجريها إدارة الملاحة والفضاء الوطنية الأمريكية (ناسا) NASA  حول أسباب حوادث الطائرات منذ أن دخلت في الخدمة في أواخر الخمسينات الطائراتُ المزودة بمحركات نفاثة تربينية، وهي محركات يُطمأن إليها كثيرا. وأظهر التحقيق والبحث بوضوح أن أكثر من 70 في المئة من حوادث الطائرات ينطوي على درجة ما من الأخطاء البشرية. وكان الأكثر مدعاة للدهشة هو أن معظم هذه الأخطاء لم تكن بسبب أعطال فنية بل كانت بسبب إخفاقات في تبادل المعلومات والأفكار، وإخفاقات في عمل طاقم الملاحين كفريق، وإخفاقات أخرى في حسن قيادة المجموعة، فضلا عن أخطاء في اتخاذ القرار المناسب.

 

وقد أُصيبت الجهات المعنية بالطيران بصدمة عندما أدرك المسؤولون فيها أنه يمكن أن يكون ملاحو الطائرات المدربون تدريبا جيدا والماهرون تقنيا مسؤولين عن تحطم طائرات صالحة للطيران من الناحية الميكانيكية لأسباب تعود إلى إخفاقهم في العمل كفريق واحد، وفي تبادل المعلومات والأفكار فيما بينهم ـ وهي مجالات لا تتطلبها التدريبات التي تُؤهلُهم ليُصبحوا ملاحين، ولا التقويم الرسمي من قبل إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية FAA الذي يُرخصُ لهم بالعمل، كما لا تتطلبها أية وكالة أو إدارة للطيران المدني في أي بلد آخر. وأدى هذا الإدراك إلى تطوير برامج استهدفت تدريب الملاحين على جميع أوجه العمل والقيادة، وهي برامج أصبحت جميعا تُعرف باسم: معوِّل الملاحين في تصريف أمور الطيران crew resourcemanagement CRM. وعلى الرغم من أن هذه البرامج تركز على ملاحي وُكْن الطيار cockpit crew، أي على الرُّبان ومساعده ومهندس الطيران، فإنها تشملُ أيضا مرافقي الرحلات الجوية وضباط توجيه الملاحة الجوية الأرضيين، وغيرهم من الأطقم المساندة. وتتجاوز البرامج CRM  التدريبية العاملين في وكن الطيار؛ لأن للمهنيين الآخرين المشتغلين بالطيران دورا في تقرير سلامة الرحلات الجوية.

 

التعلم من الأخطاء

ثمة هدف رئيسي للبرامج CRM التدريبية، وهو جعل ربان الطائرة يعمل مع سائر ملاحيها كفريق واحد من أجل تقليل الأخطاء التي ترتكب فعلا وتخفيف عواقبها. ويتيح وجود ملاحيَنْ أو ثلاثة في وُكنِ الطيار إمكانية ملاحظة أحدهم أمرا لا يلاحظه الآخران. ومع ذلك فإن تعدد وجهات النظر فيما يتعلق بظروف الرحلة يكون عديم الجدوى ما لم يتم تبادل المعلومات بين أعضاء الطاقم. وخلال التدريب الذي يتم فيه التركيز على محدودية أداء الإنسان، بما في ذلك تأثير التوتر في قدرة المرء على تفهم المعلومات واتخاذ القرارات المناسبة، فإن الرُّبان وغيره من الملاحين يصبحون نتيجة لهذا التدريب أكثر إدراكا لأهمية العمل الجماعي باعتباره وسيلة للحيلولة دون الوقوع في أخطاء بشرية.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N8-9_H01_008051.jpg

في عام 1982 تحطمت طائرة من طراز بوينگ 737 في نهر پوتوماك قرب واشنطن العاصمة، بعد أن أخفق الربان في الانصياع لتحذيرات من مساعده بأن الطائرة تتحرك ببطء أكثر من اللازم في أثناء تسارعها للإقلاع.

 

تؤسس البرامج CRM التدريبية على علم النفس الاجتماعي والمعرفي والتنظيمي، إضافة إلى الأبحاث المتعلقة بالعامل البشري، وبخاصة تلك التي تُركزُ على الكيفية التي يتعاملُ الإنسان بها مع الآلة. ويفصَّل كل برنامج من البرامج CRM  بشكل مستقل ليلائم كل شركة من شركات الطيران على حدة. فقبل وضع البرنامج تقوم شركة الطيران بإجراء تحليل تنظيمي، وغالبا بمساعدة خبراء من خارج ملاكها، لتحديد السيرورات التي يمكن أن تعيق التدريب. فعلى سبيل المثال، قد تقومُ شركة الطيران بدراسة مسحية لوجهات نظر الملاحين تجاه ثقافة الشركة، وهي معلومات يمكن الاستفادة منها أحيانا في تحديد الممارسات غير المأمونة التي تتبناها شركة ما كجزء لا يتجزأ من ثقافتها. ومن ثم تُلحقُ بهذه الدراسات المسحية مراقبات لسلوك طواقم ملاحي شركة الطيران خلال رحلات جوية روتينية.

 

وقد يتمكن الخبراء من أن يكوّنوا فهما أوسع للمشكلات التي تحدث في نطاق شركة خطوط جوية عن طريق إجراء تحليلات للأخطاء التي يرتكبها الربابنة. ومن أجل جمع معلومات عن هذه الأخطاء، فإن بإمكان شركات الطيران أن تتبنى سياسة عدم معاقبة من يبلِّغ عن الأخطاء بغية تشجيع الربابنة والملاحين على تقاسم خبراتهم. وبالفعل، فإن إحدى الشركات التي اتبعت هذه السياسة تسلمت أكثر من 5000 تقرير من طياريها خلال 21 شهرا. إلا أن كِبَرَ عدد هذه التقارير لا يعني أن هذه الشركة غير مأمونة، بل يُلقي الضوء على عدد الأخطاء التي تحدث خلال رحلة طيران اعتيادية والتي يتم وضع اليد عليها ويجري تصحيحها من دون أية عواقب.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N8-9_H01_008052.jpg

ربابنة يكافحون غير المتوقع في محاك للطيران عالي الأمانة high fidelity (الصورة العليا)، وبعدها يحضرون جلسة لاستخلاص المعلومات خلال تدريب على برامج مُعوّل الملاحين في تصريف أمور الطيران CRM. وخلال جلسة استخلاص المعلومات يجري استعراض سلوك الملاحين داخل وكن الطيار (إلى اليسار في الأسفل)، ويقوم مدرب (إلى اليمين في الأعلى) ببرمجةٍ حاسوبيةٍ لحالات طيران في شدة بالغة، كتوقف أحد محركات الطائرة. وقد ظهر تحسن تدريجي في الكثير من نواحي سلوك الملاحين وذلك في دراسة عن مدى تأثير البرامج CRM، التي تفحصُ خصائص السلوك الجماعي كالقرارات المتعارضة (إلى اليمين في الأسفل).

 

يبدأُ التدريب في البرامج CRM بحلقة دراسية تُعطي المتدربين فكرة عن التجارب الاجتماعية السابقة الخاصة بالقوى المحركة للمجموعات، وطبيعة الخطأ البشري، والمشكلات التي قد تظهرُ عندما يتعامل الإنسان مع الآلة. ويُطلبُ إلى طاقم وكنِ الطيار أن يراجع دراسات حول قضية حادث طيران يسلط الضوء فيها على أهمية العمل الجماعي بين أعضاء الطاقم. والمثال الذي غالبا ما يُستشهد به هو حادث تحطم طائرة من طراز بوينگ 737 تابعة لشركة Air Floridaوقع عام 19822 قُربَ مطار واشنطن ناشيونال. فقد أقلع طاقم الطائرة بينما كان هناك جليد على جناحيها، وجليد داخل المجس (جهاز الإحساس) sensor، مما تسبب في ظهور قراءات أعلى من الحقيقة بكثير على مقاييس السرعة؛ وأدى بالتالي إلى تزويد محركات الطائرة بقوة أقل بكثير من القوة الضرورية للإقلاع. وقد أحسَّ الضابط الأول بوجود مشكلة في قراءة مقاييس السرعة وتحديد القوة اللازمة للإقلاع، إلا أنه لم يفصح عن قلقه بوضوح، وهو ما يشير إليه الحوار التالي:

الضابط الأول: إن ذلك غير صحيح.

الرُّبان: أجل إنه صحيح. إنها تبلغُ الثمانين [في إشارة إلى سرعة الطائرة على الأرض].

الضابط الأول: لا.. لا أعتقد أنه صحيح.

.. ربما كان كذلك.

الربان: مئة وعشرون.

الضابط الأول: لا أعلم.

 

بعد إقلاعها بقليل انهارت الطائرة وتحطمت على جسر فوق نهر پوتوماك. وتشكل حوادث الطائرات أيضا الأساس للعديد من السيناريوهات التي يواجهها الربابنة في محاكي الطيران flight simulator. وتُعتبر التدريبات في محاكي الطيران جزءا من تدريب يتم سنويا لتعزيز مفاهيم البرامج CRM  الأساسية.

 

عندما أنقذ العمل الجماعي الحياة

غالبا ما تدرَّس الرحلة الجوية للطائرة DC-10 التابعة لشركة الطيران يونايتد إيرلاينز فوق الغرب الأوسط الأمريكي عام 1989، باعتبارها حالة تاريخية لما تضمنته من دروس حول الكيفية التي عالج بها الملاحون عدة مهمات في وقت معا عندما كانت تواجههم كارثة محدقة. فخلال الرحلة رقم 232 من دنڤر إلى شيكاگو تحطم المحرك المركزي مما أدى إلى انقطاع الخطوط الهيدروليكية التي يُعتبر ضغط السائل فيها ضروريا لتحريك سُكّان الطائرة والجنيحيْن(1) وسطوح التحكم الأخرى  التي يتم من خلالها المناورة بالطائرة. وبسبب هذا الخلل لم يستطع الرُّبان ومساعده ومهندس الطيران التحكم في اتجاه الطائرة.

وفي هذا الوضع المنذر بحدوث كارثة أصبح الملاحون الثلاثة نموذجا للعمل الجماعي، على الرغم من أنهم استدعوا رُبانا تصادف وجوده كراكب في قسم الدرجة الأولى، لينضم إليهم في وكن الطيار من أجل مساعدتهم. وقد تمكّن الأربعة معا من ابتكار تقنية لتوجيه الطائرة عن طريق زيادة قوة الدفع أو إنقاصها في المحركين الباقيين قيد العمل. وعلى الرغم من أن الطائرة ارتطمت بالأرض قبيل وصولها إلى المهبط بقليل، فإن العديد من الركاب نجوا من الموت. وقد نوه المجلس الوطني لسلامة النقلNTSB في تقرير وضعه عن الحادث بأداء هؤلاء  الملاحين وشدد على أهمية التدريب الذي اجتازوه في البرامج CRM باعتباره تدريبا  قيما.

وقام <C .S. بريدمور> الذي يعمل الآن في شركة طيران دلتا بتحليل أصوات ملاحي الرحلة 232 المُسجلة في وكن الطيار من أجل إلقاء مزيد من الضوء على أبعاد هذه الحالة التاريخية. وقد قام بهذا التحليل كجزء من بحث أجراه ضمن مجموعتي لنيل الدكتوراه. وصنف بريدمور أقوال الملاحين بعضهم لبعض ضمن «وحدات الأفكار» التي تقيس فكرة واحدة، أو نية عمل، أو عملا ما.

وكان الملاحون قد اضطروا للتعامل مع أربع مهمات في وقت واحد، وهي: السيطرةُ على الطائرة، وتقدير الضرر الذي أصابها، واختيار موقع للهبوط بها، وتهيئةُ طاقم القمرة والركاب للهبوط الطارئ. وخلافا لطاقم الطائرة التي تحطمت في بورتلاند، فإن هذا الطاقم لم يركز اهتمامه فقط على أية مهمة واحدة منفردة، بل كان يكافح لمعالجة أكثر من مهمة على قدم المساواة وصل عددها إلى أربع مهمات في وقت معا من تلك المهمات التي برزت في وقت واحد خلال الدقائق الأربع والثلاثين من التسجيل.

وقام الطاقم أيضا بترتيب أولويات عملهم بفعالية، متخلين عن الأعمال التي من شأنها أن تشتت أفكارهم. فعلى سبيل المثال، قام الملاحون قبل نحو 12 دقيقة من تحطم الطائرة بنقل انتباههم من أعمال التصليح وتقييم الأضرار إلى التركيز على تنفيذ هبوط الطائرة.

وتشيرُ تحقيقات بريدمور إلى مجرد حجم تبادل الأفكار والمعلومات الذي جرى بين الملاحين والذي وصل في ذروته إلى الإعراب عن 59 فكرة في دقيقة واحدة، بعضها مختصرة جدا إلى درجة أنها كانت عبارة عن التمتمة على عجل بكلمتي «أنا موافق OKAY». وعلى كل فإن المتوسط الكُلي للأفكار التي طرحت كان 31 فكرة في الدقيقة الواحدة، أي نحو ضعفي المستوى الذي يُصادف عادة خلال الأوقات التي تتطلب عناية فائقة في رحلة طيران روتينية. وتظهر طبيعة التفاعلات البينية، التي تمثل الجهود المتواصلة المبذولة من قبل أعضاء طاقم الملاحين لوصف الأوضاع المستجدة، كيف تمكَّن هؤلاء الملاحون من إبقاء بعضهم بعضا على علم بالأحداث التي تتجلى للعيان تدريجيا، وكيف اتخذوا القرارات بناء على هذه المعلومات.

والجدير بالذكر أنه لم تكن تصدر أوامر ملائمة فحسب، بل كان بإمكان الملاحين الأدنى رتبة أن يقترحوا بدائل بمنتهى الحرية. كما كانت تتناثر في ثنايا التسجيل أحاديث اجتماعية تنطلق فجأة وبعنف، موفرة دعما عاطفيا، أو مُستفسرة عن مستوى القلق الذي يشعر به الآخرون، وكانت تلك وسيلة فعالة لمكافحة الإجهاد المربك الذي شعر به الملاحون حينذاك.

http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N8-9_H01_008053.jpg

أظهر تحليل لمسجل الصوت في وكن الطيار أُجري دقيقة بدقيقة، مستويات عالية من تبادل المعلومات والآراء فيما بين أعضاء فريق الملاحين قبل تحطم طائرتهم بولاية آيوا عام 1989، وهي من طراز DC-10. وقد ساعد تفاعل الملاحين بعضهم مع بعض على إدراك الكيفية التي سيناورون بموجبها بطائرتهم بعد حدوث عطل ميكانيكي كبير فيها، مما أدى إلى الحد من عدد الإصابات. ويُرمز إلى أنواع التفاعل فيما بين الملاحين ب«وحدات الاهتمام»، التي تتراوح بين إصدار الأوامر إلى سائر أعضاء فريق الملاحين وبين مراقبة بعض نواحي الوضع الطارئ، والأفكار الناقصة التي لم يُعبر عنها بشكل كامل. وتمثل كل علامة في الجدول دقيقة واحدة من المحادثة.

 

يتكون محاكي الطيران ذو الأمانة العالية high fidelity، من وكن الطيار مع كامل الأجهزة والمعدات وجهاز القيادة، ويعطي هذا المحاكي الإحساس بالحركة ويوفر رؤية بصرية مشابهة للبيئة التي تُرى عبر نوافذ وكن الطيار. وقد عملت البرامجCRM على توسيع استخدام المحاكي كأداة للتدريب. وكان المحاكي يستخدم في الأصل فقط من أجل تعليم الربابنة وتنمية مهاراتهم في قيادة الطائرات (تقنيات عصا القيادة وسُكَّان الطائرة). أما اليوم فيمكِّن المحاكي ملاحي الطائرة من اختبار قدراتهم على معالجة مشكلات معقدة تتراوح بين مشكلة الطقس السيئ والأعطال الميكانيكية، وهي مشكلات لا يمكن حلها بمجرد اتباع إجراء محدد مذكور في كُتيب تعليمات الطيران. (ويُسمى التدريب على البرامج CRM داخل المحاكي: التدريب على طيران الخط المتكيف line-oriented flight training LOFT، الذي يتم بموجبه تكييف سير الرحلة الجوية وفقا للظروف والأوضاع.

 

ويقوم طاقم كامل من الملاحين بقيادة رحلة جوية كاملة خلال جلسات التدريب (LOFT)، بدءا من الأعمال الكتابية الضرورية وانتهاء بحصول الملاحين على المعلومات المطلوبة. ويديرُ هذه الجلسات خبير سبق له أن اجتاز تدريبا خاصا في مجال تحليل السلوك الجماعي. ويؤدي هذا المدرب أيضا دور ضابط المراقبة الجوية الأرضي air traffic controller، ومرافق الرحلة flight attendant في الاتصال  مع وكن الطيار.

 

ويمكن أن يُبرمج محاكي الطيران بحيث يمثل للمتدربين وجود عطل في المحرك، وذلك لمعرفة ما إذا كانوا سيبقون مركزين انتباههم على هذه المشكلة دون غيرها، متجاهلين بذلك العوامل الأخرى مثل الوقود أو الطقس، كما حدث مع ربان طائرة DC-8 في بورتلاند. ويتم تشجيع كل واحد من ملاحي الطائرة على تطوير فهمٍ شاملٍ لكيفية سير الأمور في الرحلة الجوية وعلى الإبلاغ عما قد يبدو له من مشكلات تثير القلق. وبما أن جلسات التدريب لا تُعتبر بمثابة اختبار، ولا تؤثر في مؤهلات من يشارك فيها، فإن الملاحين أحرار في تجربة تصرفات جديدة بالنسبة إليهم: فقد يختار ربان طائرة يوجه عادة الملاحين العاملين معه بصرامة، التماس النصيحة من مساعده، على سبيل المثال. وهناك جزء أساسي وهام من الجلسات LOFT، وهو ذلك المتعلق باستخلاص المعلومات من الربان بعد تدربه في محاكي الطيران، حيث تتم مراجعة التسجيلات المرئية لما جرى خلال جلسة التدريب من سلوكيات ملاحي الرحلة الخاطئة والنموذجية على حد سواء. وقد يوصي المدرب بإجراء تدريبات إضافية بعد تقييمه لأداء الملاح المتدرب.

 

تساعد البرامج CRM الربابنة على التفاعل مع بعضهم بعضا، كما تساعدهم على التفاعل مع حاسوب وكن الطيار الذي يوصف أحيانا بأنه «ملاح إلكتروني». ويتعلم الملاحون بموجب المقررات التعليمية في البرامج CRM أنه لم يثبت أن أتمتة أنظمة طيران الطائرة، ابتداء من الملاحة الجوية حتى الهبوط، تقي من وقوع أخطاء قد تخيلها العديد من مصممي الطائرات. وفي واقع الأمر، فإن الأتمتة أبرزت بوضوح الحاجة إلى وجود اتصال أكثر فعالية فيما بين الملاحين. وقد عانت بعض شركات الطيران التجارية الأكثر تقدما حوادث سببُها سوء استخدام أنظمة الأتمتة.

 

وتطرح أنظمة الطيران المؤتمتة عدة تحديات أمام الملاحين. فعلى الرغم من أن بإمكان التقانة التحكم في الطائرة بدقة كبيرة، فإن رحلة طويلة تتم تحت سيطرة ضوابط طيران محوسبة computerized، يمكن أن تكون ممارسة مملة، مما يعقّدُ مهمة الاحتفاظ بمستوى عال من اليقظة. والأكثر من ذلك، فإن حواسيب برمجة رحلات الطيران قد تُعطي نتائج مربكة ومشوشة. فكثيرا ما سمعنا خلال دراساتنا، بعض الملاحين يقولون: «ما الذي يفعله هذا الحاسوب؟ وما الذي سيفعله بعد هذا؟». وخلاصة القول إنه على الرغم من أن أنظمة الطيران المؤتمت كثيرا ما توصف بأنها «بارعة»، فإنها في الحقيقة قد تُنفذُ بحرص كامل أوامر خاطئة تكون لها في بعض الأحيان عواقب وخيمة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N8-9_H01_008054.jpg

كان وضع الأجهزة في وكن الطيار بالطائرات القديمة (في الأعلى) يتيحُ للربان أن يرى بسهولة ويسر التغييرات سواء في سرعة الطائرة أو اتجاهها. أما في الطائرات الحديثة (في الأسفل)، فإن الربان يدخل في الحاسوب المعلومات حول خط سيره بعد الإقلاع، كما يفعل مساعده الجالس في المقعد الأيسر، أما في حالات الذهول أو الحيرة الشديدة، فقد لا يلاحظ الربان المعلومات التي تم إدخالها من قبل مساعده.

 

وفي الطائرة الأقدم، والأقل أتمتة، والتي تُسمى على سبيل النكتة jurassic jets (أي النفاثات الجوراسية)، فإن أية تغييرات يقوم بها أحد الملاحين في جهاز قيادة الطائرة بهدف تعديل وضع الارتفاع أو السرعة، تظهر واضحة بصورة فورية أمام الملاحين الآخرين. أما في الطائرات المؤتمتة، فإن تعديلا يدخله أحد الملاحين في لوحة المفاتيح، ولنقل على الارتفاع، قد لا يلحظه الملاحون الآخرون، وبذلك يتم إهمال إجراءات تحقق ومراجعة لها قيمتها. وكنتيجة لذلك فإن الطائرات المزودة بمعدات أتمتة متطورة تتطلب قيام المزيد من الاتصال بين ملاحيها للتأكد من أن جميعهم يدركون ما يجري. وإذا أردنا أن نكون مثاليين، ينبغي على الربابنة أن يتلفظوا بصوت مسموع، بكل إدخال يقومون به في لوحة المفاتيح حتى يتمكن الآخرون من التنبه للأخطاء قبل وقوع الكوارث.

 

ويمكنُ للأتمتة أن يكون لها تأثير غير مقصود، وهو زيادة الأعباء الملقاة على كواهل الربابنة في الوقت الذي يكونون فيه مضطرين إلى مراقبة حركة الطائرات الأخرى وإلى تدبر أمر ملاحتهم في أجواء المطارات المكتظة بالطائرات. فعلى سبيل المثال، فإن تغييرا في المهبط المخصص للهبوط قد يتطلب إدخالات عديدة في لوحة المفاتيح لحاسوب إدارة الرحلة الذي يُسيطر على سرعة الطائرة واتجاهها وارتفاعها. وقد لاحظتُ وأنا داخل وكن الطيار كمراقب، أثناء ركوبي طائرة مؤتمتة، الطيارَ ومساعده ينظران إلى الأسفل ويُعيدان برمجة خط اقتراب الطائرة من المطار، في الوقت الذي كان فيه المطار مرئيا بوضوح عبر النافذة. أما لو أنهما أوقفا الأتمتة، فإن ذلك سيتيح لهما الوصول إلى المهبط من دون أن يكونا مشغولَيْ البال بل محتفظين بيقظتهما تجاه حركة الطيران وغيرها من التهديدات التي تكثر في مجال جوي دائب الحركة.

 

تسعى البرامج CRM إلى جعل الربابنة يعتبرون نظام وكن الطيار المؤتمت عضوا آخر من طاقم الملاحين يتمتع بقوى معينة ويعاني مواطن ضعف محددة. وفي محاكي الطيران، يواجه ربان الطائرة سيناريوهات قد ترهق قدرته على معالجة المهمات الوشيكة ما لم يوقف عمل الأتمتة.

 

وتذهب البرامج CRM إلى أبعد من مجرد مساعدة الملاحين على فهم دور الأتمتة. فعندما يدخل الطيار ومساعده وكن الطيار، فإنهما يحملان معهما ثلاث ثقافات: أولاها الثقافة المهنية للربان، وثانيتها الثقافة التجارية لشركة الطيران التي يعملان فيها، وأخيرا ثقافتهما الوطنية. ولكل من هذه المؤثرات الثلاثة مفعول ينعكس على أداء الطيار ومساعده. وقد قامت <C .A. ميريت> (وهي عضو في مجموعتنا، حصلت على الدكتوراه حديثا وتجري منذ عشرين سنة أبحاثا في جامعة تكساس بمدينة أوستن حول الأداء الجماعي والبرامج CRM) بالبحث في الثقافات الثلاث كجزء من رسالتها للحصول على الدكتوراه من جامعة تكساس.

 

هل بإمكان البرامج CRM أن تقلل من الأخطاء البشرية

 في غرف العمليات الجراحية

يُصر جراح أعصاب شهير على إجراء العملية الجراحية على الجانب السليم من دماغ امرأة، على الرغم من احتجاجات مشتَبِهة من قبل طبيب مقيم أدرك هذا الخطأ. وفي غرفة العمليات بمستشفى آخر، يعمل طبيب جراح وطبيب تخدير على تسوية خلافاتهما بتبادل اللكمات بينما هناك مريض مسن مسجَّى على طاولة العمليات وهو مخدر.

وقد لاحظ عدة أطباء بمن فيهم <M .D. گابا> من جامعة ستانفورد والراحل <G .H. شايفر> من جامعة بازل في سويسرا عدة حوادث في مجال مشكلات تبادل الأفكار أو الآراء أو المعلومات داخل وكن الطيار، مماثلة لتلك التي تحدثُ في غرف العمليات الجراحية. وأدت أبحاث هؤلاء الأطباء إلى تطوير برامج تدريب على العوامل البشرية لفرق الجراحين والمخدِّرين. ويُمارس هذا النوع من التدريب حاليا في جميع أنحاء العالم (الصورة).

والجهود التي تبذل في «بازل» تشبه إلى حد بعيد تلك الجهود المبذولة في حقل الطيران. فلقد أسس البرنامج على غرفة عمليات جراحية محاكية كاملة التجهيز، يمكن فيها تخدير دمية مزودة بالأجهزة ومدارة بالحاسوب (لُقبت ويلهلم تل) وإخضاعها لعملية جراحية يتم خلالها فتح بطنها. وهذا «المريضُ» الدميةُ، يتنفس ويسعل ويستجيب للعقاقير المعطاة إليه، وهو يحمل كبد خنزير ذبح حديثا، كما تجري في عروقه دورة دم صنعي.

ويشبه هذا التدريب تدريب طاقم من الربابنة داخل محاكي الطيران. ففي سياق العملية الجراحية التدريبية يمكن للحاسوب أن يصطنع مختلف أنواع بُحران الأمراض(2)، كالنزف وانهيار الرئتين وتوقف القلب ـ وكلها عوارض تزيد الحاجة إلى اتخاذ قرار مشترك. وُتسجل جلسة العملية الجراحية المحاكية على شريط تلفزيوني حيث تُستخلص المعلومات منه مباشرة. ومن المتوقع أن يطبق تدريب مماثل يوما من الأيام في غرف الطوارئ في المستشفيات وفرق الطوارئ في حوامات الإسعاف وسياراته، ووحدات العناية المركزة وغرف التوليد.

http://oloommagazine.com/images/Articles/14/SCI98b14N8-9_H01_008055.jpg

في بريطانيا، يُستعان بدمية تمثل شخصا مريضا من أجل تدريب الأطباء على إجراء العمليات الجراحية، وتستخدم في هذه العمليات تقانات استمدت من البرامج CRM المخصصة لتدريب ربابنة الطائرات.

 

 

وقد وجَدْت أن ثقافة الربابنة الذاتية هي ثقافة قوية، تمثلها الفردية الصارمة التي رسمها <T. وولف> في كتابه The Right Stuff. (هذا الكتاب يُعطي تفصيلات عن حياة ربابنة اختبار الطائرات test pilots الذين كانوا أول من اجتاز الحاجز الصوتي sound barrier، ورواد الفضاء في برنامج الفضاء البدائي لسفن الفضاء المأهولة.) فإضافة إلى ما يتصف به الربابنة من كبرياء مهني قوي، فإن العديد منهم ينكرون بشدة قابليتهم للإصابة بالإجهاد ـ لأنهم لا يرغبون في الاعتراف أن بإمكان التعب والخطر الداهم أن يؤديا إلى تبلّد تفكيرهم وتباطؤ استجابتهم للظروف المفاجئة. ويمكن لهذا الشعور بالحصانة أن يظهر على شكل رغبة جامحة في أداء دور الطيار المتوحد المفرد في بدايات عهد الطيران وهو يصارع وحده شتى العوارض. وتحاول البرامج CRM  عن طريق إبراز محدودية الأداء البشري وحتمية وقوع الأخطاء أن تغير هذه المعتقدات المتأصلة في النفوس، وجعل الربابنة يرون أن بإمكان العمل الجماعي أن يساعدهم على تجنب الأخطاء التي تنجم عن الإرهاق الشديد وكثرة الأعمال المطلوبة منهم.

 

وهناك عامل آخر يؤدي أيضا إلى تعزيز السلامة أو الانتقاص منها، وهو الثقافة الخاصة بكل شركة طيران. ومن غير المحتمل أن يؤدي التدريب وحده إلى إحداث تغييرات دائمة في السلوك إذا كان التزام شركة الطيران بالبرامج CRMقليلا ـ وهذا هو السبب الذي يجعل الكثير من العمل الأولي الذي يقوم به المستشارون من خارج ملاك شركة طيران يُركز على تحليل ممارسات هذه الشركة الإجرائية والإدارية. ويُعتبر التحقيق الذي أجري في حادث تحطم طائرة من طراز Fokker F-28 تابعة لشركة Air Ontario في كندا عام 19899 بعد إقلاعها في أثناء عاصفة ثلجية عنيفة وعلى جناحيها جليد، مثالا على الأخطاء التي قد ترتكب من قبل شركة من شركات الطيران. فقد اعتاد ربابنة هذه الشركة على النظر من نافذة وكن الطيار ليروا ما إذا كان الثلج قد تطاير عندما تصل سرعة الطائرة إلى 80 عقدة خلال تسارعها على المهبط من أجل الإقلاع. وكان مثل هذا التحقق غير القياسي من تطاير الجليد يفيد بصورة جيدة عادة في الطائرات الأبطأ المزودة بمحركات مروحية تربينية التي يُمكن رؤية أجنحتها المستقيمة من وكن الطيار. ولكن نافذة وكن الطيار لا تكشف بوضوح عما إذا كان هناك جليد على الامتداد التراجعي للجناحين الخلفيين للطائرة النفاثة.

 

وقد بينت المعلومات التي جمعتها ميريت من المسوح التي أجرتها على أكثر من 000 13 ربان من 16 بلدا أن السلوك في وُكن الطيار يتأثر كذلك بالجنسية. وتعتبر وجهة النظر الشائعة عن وكن الطيار، باعتباره منطقة «ثقافية حرة» يؤدي فيها الربان من أي بلد كان، نفس الأعمال في نفس أنواع الطائرات، ضربا من الخرافة. فالقدرة على فهم الأدوار الملائمة التي ينبغي على كل من الربابنة والملاحين الأدنى رتبة أن يؤدوها وسلوكهم فيما يتعلق بأهمية اتباع الأنظمة والإجراءات المكتوبة تختلف اختلافا كبيرا من ثقافة إلى أخرى. ففي تحقيق أجري في إحدى الدول الآسيوية، وافق 36 في المئة فقط من الربابنة على أنه ينبغي على أعضاء فريق الملاحين أن يُعربوا عن قلقهم تجاه سلامة الرحلة الجوية، في حين أن هذا الرقم وصل إلى 98 في المئة في إحدى الدول الغربية.

 

وتوحي أبحاثنا بأنه ليست هناك ثقافة لدى أي أمة من الأمم من شأنها أن تُنتج ملاحين «مثاليين». فالملاح الأمثل هو الذي يتكيفُ بقوة للعمل الجماعي مع زملائه، ويتبع أسلوبا تشاوريا في القيادة، ذلك الأسلوب الذي يتشجع فيه الضباط الأدنى رتبة على الإفصاح عما يجول في خواطرهم ليشاركوا الآخرين بما لديهم من معلومات وليدافعوا عن سبل بديلة للعمل. ولا شك أن أكثر الملاحين فعالية هو الذي يلتزم بإجراءات التشغيل القياسية ولكن بإمكانه مع ذلك أن يستخدم محاكمته العقلية ليحيد عن الأنظمة والتعليمات إذا كانت سلامة الطائرة والركاب تقتضي ذلك. وعلى هذا فإن التحدي الذي يُواجه مطوري البرامج CRM يتمثلُ في ملاءمة التدريب مع الثقافة والظروف المحلية.

 

ولا بد لأي شركة طيران تأخذ على عاتقها تنفيذ برنامج كامل من البرامج CRMالتدريبية أن تكون مستعدة لتكريس قدر كبير من الوقت والموارد من أجل ذلك. وعندئذ يحقُ لنا أن نتساءل عما إذا كان هذا التدريب من شأنه أن يحقق أهدافه المعلنة في تقليل الأخطاء وتحسين فعالية الأداء الجماعي. ولكن الإجابة عن هذا التساؤل ليست أمرا يسيرا. فبما أن الطيران التجاري هو في الواقع طيران مأمون جدا، فإن الأمر سيستغرق سنوات عديدة لجمع إحصاءات كافية لتقرير ما إذا كانت البرامج CRM  التدريبية قد نجحت في التقليل من العدد الإجمالي لحوادث تحطم الطائرات. وعلى كل حال، فإن هناك عددا من الإجراءات الأخرى التي يمكن استخدامها لتقرير نجاعة هذه البرامج. فعلى سبيل المثال، لدينا الآن معلومات عن أكثر من 8000 رحلة طيران تمت مراقبتها من قبل شركات خطوط جوية رئيسية. وقد لاحظنا أن تحسنا مطردا حدث في إحدى هذه الشركات التي حصلنا على معلومات عنها جُمعت سنويا على مدى خمس سنوات. وقد تركز هذا التحسن في بعض الجوانب مثل القدرة على توزيع عبء العمل.

 

ولقد تحركت وكالة الطيران الاتحادية FAA لجعل تدريب الملاحين في جميع شركات الطيران الرئيسية والمحلية إجباريا بعد أن تجمعت دلائل تؤكد قيمة البرامج CRM في تأمين سلامة الطيران. وقد بدأت عدة شركات طيران بتطبيق برنامج تدريب مشترك للربابنة ومرافقي الرحلات الجوية يُركِّز على تنسيق النشاطات بين وُكن الطيار cockpit والقمرة cabin خلال حالات الطوارئ. كما طورت وكالة الطيران الاتحادية برنامج CRM مخصصا لضباط الملاحة الجوية الأرضيين. وفضلا عن ذلك فإن منظمة الطيران المدني الدولية التابعة للأمم المتحدة، والتي تتولى مهمة تنظيم الطيران على مستوى العالم، باتت تفرض على جميع شركات الطيران التي تعمل على الخطوط الخارجية تطبيق البرامجCRM.

 

تحديات مازالت قائمة

على الرغم من أن الفوائد الكامنة للبرامج CRM التدريبية تبدو واضحة، فإن نسبة ضئيلة من الربابنة، لا تتعدى نحو 55 في المئة، مازالت ترفضُ تطبيق هذه البرامج. وقد ازداد موقف هؤلاء الربابنة القلة تعنتا تجاه المفاهيم والأفكار التي تطرحها البرامج CRM، بعد أن أصبح التدريب تبعا لهذه البرامج يعرف باسم البومرنگرز boomerangers 3. ويشكلُ الربابنة الذين يرفضون بشدة ممارسات البرامج CRM، خطرا جديا على سلامة الطائرات. وقد ردت شركات الطيران على هذه المواقف المتعنتة بالتشدد في اختيارها للربابنة بحيث صارت تشترط ألا يكونوا على كفاءة تقنية عالية فحسب، بل أن يُظْهروا أنهم قادرون أيضا على العمل الجماعي.

 

إن الدروس المستقاة من المعلومات التي تمَّ جمعُها عن أداء الملاحين تحت وطأة الإجهاد في الرحلات الجوية، يجري حاليا تعميمُها ونقلُها إلى المهن الأُخرى التي تنطوي على أخطار كبيرة، مثل غرف العمليات الجراحية [انظر ما هو مؤطر في الصفحة 9]، وكذلك السفن وغرف السيطرة والتوجيه في المعامل النووية ومصانع الكيمياويات البترولية. ويوحي استخدام هذه التقنية خارج نطاق الطيران بأنه قد ثبت أنها استراتيجية تدريب فعالة في أي بيئة يعمل فيها فريق من المهنيين مع نظام تقاني معقد.

 

 المؤلف

Robert L. Helmreic

منذ عام 1966 وهو يعمل أستاذا لعلم النفس في جامعة تكساس. وهيلمرتيش هو الباحث الرئيسي في برنامج أبحاث موَّلته في البداية إدارة الملاحة والفضاء الوطنية NASA، وتموله حاليا وكالة الطيران الاتحادية. ويتولى البرنامج اختبار الأداء الفردي والجماعي لملاحي الرحلات الجوية، إضافة إلى التحقق من تأثير ثقافتي شركة الطيران وجنسية الملاح في تصرفاته داخل وكن الطيّار. وهو أيضا أستاذ زائر في جامعة Basel Kantonsspital بسويسرا، حيث يقوم بدراسة القضايا فيما بين الأشخاص في حقل الطب. هذا وتضم مجموعة بحثه في جامعة تكساس، إضافة إلى أولئك الذين ذكروا في المقال، كلا من <E .W. هاينس> و <J. كلينكت> و <E .L. مونتگمري> و <G .S. جونزبيبل> و<B. سيكتون> و <P. شيرمان>.

 

مراجع للاستزادة 

WHY CREW RESOURCE MANAGEMENT? EMPIRICAL AND THEORETICAL BASES OF HUMAN FACTORS TRAINING IN AVIATION. R. L. Helmreich and H. C. Foushee in Cockpit Resource Management. Edited by E. L. Wiener, B. Kanki and R. Helmreich. Academic Press, 1993.

TEAM PERFORMANCE IN THE OPERATING ROOM. R. L. Helmreich and H.-G. Schaefer in Human Error in Medicine. Edited by M. S. Bogner. Lawrence Erlbaum Associates, 1994.

HUMAN FACTORS ON THE FLIGHTDECK: THE INFLUENCE OF NATIONAL CULTURE. Ashleigh C. Merritt and Robert L. Helmreich in journal of Cross-Cultural Psychology; V01. 27, No. 1, pages 5-24; January 1, 1996.

Home page on the World Wide Web for the Aerospace Crew Research Project at the University of Texas at Austin: http://www.psy.utexas.edu/psy/helmreich/nasaut.htm

Scientific American, May 1997

 

(1) الجُنيح: جزء متحرك من جناح الطائرة مصمم لحفظ توازنها الجَنْبي. (التحرير)

(2) بُحران المرض crises: تغير مفاجئ نحو الأفضل أو نحو الأسوأ في حالة المريض. (التحرير)

(3) أي ضاربو العُرجد (البومَرنگ)، وهي قطعة خشبية ملتوية أو معقوفة يتخذ منها سكان أستراليا الأصليون قذيفة يرشقون بها هدفا ما. ومن أصنافها ضرب يرتد إلى الرامي. (التحرير)

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى