أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
رياضيات

مبرهنة فيرما الأخيرة


مبرهنة فيرما الأخيرة(*)

أربكت أغربُ مبرهنات فيرما أعظم العقول لمدة تزيد على ثلاثة قرون. وأخيرًا نجح

رياضياتي واحد، بعد عمل دام عشر سنوات، في التوصل إلى حلها.

<S. سنگ> ـ <A .K. ريبت>

 

في الشهر 6/1997، اجتمع خمسمئة رياضياتي في القاعة الكبرى بجامعة گوتنگن بألمانيا لمشاهدة <J .A. ويلز> (من جامعة پرنستون) وهو يتسلم جائزة وُلفسكهل Wolfskehl الرفيعة المستوى. وقد أُسست هذه الجائزة عام 19055 لتُمْنح لمن يثبت مبرهنة <P. دو فيرما> Pierre de Fermat  الأخيرة الشهيرة، وكانت قيمتها وقت تأسسها تساوي ما يعادل حاليا نحو مليوني دولار. ولكن، نتيجة للتضخم الكبير وانخفاض قيمة المارك، تقلصت قيمة الجائزة عام 1997 إلى خمسين ألف دولار فقط. ولكن ذلك لم يُزْعج أحدا. فبالنسبة إلى ويلز، كان إثباته للمبرهنة تحقيقا لحلم راوده منذ الطفولة، ونهاية لعقد من الجهد المكثف. وبالنسبة إلى الضيوف المجتمعين، بشّر برهان ويلز بتغيير ثوري في رياضيات المستقبل.

 

وبالفعل، فلكي يُكْمِل ويلز حساباته التي ملأت مئة صفحة، كان عليه الرجوع إلى كثير من الأفكار الحديثة في الرياضيات وأن يطور هذه الأفكار. وبوجه خاص، كان عليه أن يتصدى لمخمنة (حدسية) شيمورا وتانياما Shimura-Taniyama conjecture، التي تعتبر أحد تعمقات القرن العشرين المهمة في كل من الهندسة الجبرية والتحليل المركب (العقدي). وقد أوجد ويلز صلة تربط بين هذين الفرعين من الرياضيات. وسوف يكون من المؤكد من الآن فصاعدا أن إنعام النظر في أي من هذين المجالين لا بد وأن يوحي بنتائج جديدة في نهاية المطاف. فضلا عن ذلك، فمادام قد تم بناء هذا الجسر بين ذينك المجالين، فربما تظهر ارتباطات بين مجالات رياضياتية متباعدة أخرى.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H04_008498.jpg

كان < پيير دو فيرما >، الخبير في نظرية الأعداد في القرن السابع عشر، كثيرا ما يكتب لرياضياتيين آخرين ويسألهم ما إذا كانت لديهم البراعة التي تمكنهم من الحصول على حلول تضارع حلوله. وقد صاغ أكثر تحدياته شهرة، وهي مبرهنته الأخيرة، بينما كان يدرس كتاب الأريثماطيقا الذي ألفه ديوفانتوس الإسكندري. وقد أكد فيرما أنه لا توجد أية حلول غير تافهة للمعادلة:

 an + bn = cn، حيث n عدد صحيح أكبر من 2. وقد كتب فيرما على هامش الأريثماطيقا تعليقا عذَّب الرياضياتيين على مدى ثلاثة قرون: «لدي إثبات رائع بحق لهذه المبرهنة، ولكن هذا الهامش ضيق لا يتسع له.»

 

أمير الهواة

ولد دو فيرما في 20/8/1601 بمدينة بومونت دي لومان الصغيرة الواقعة في جنوب غرب فرنسا، وكان موظفا في الإدارة المحلية لهذه المدينة وفي القضاء. وكان القضاة يعزفون عن المشاركة في الحياة الاجتماعية لإبعاد أية شبهة تمس حيادهم، وبالتالي كان فيرما يقضي جميع أمسياته في حجرة مكتبه منكبا على هوايته وهي الرياضيات. ومع أن فيرما كان مجرد هاو، فقد أنجز الكثير. فهو من رواد نظرية الاحتمالات ومن مؤسسي حساب التفاضل والتكامل (الحسبان). وقد صرح إسحق نيوتن (مبتكر حساب التفاضل والتكامل الحديث) بأنه أسس عمله على «طريقة مسيو فيرما لرسم المماسات.»

 

وفوق كل شيء، كان فيرما متمكنا من نظرية الأعداد ـ دراسة الأعداد الصحيحة والعلاقات بينها. وكان كثيرا ما يكتب لرياضياتيين آخرين عن عمله في مسألة معينة ويسألهم ما إذا كانت لديهم البراعة التي تمكنهم من الحصول على حلول تضاهي الحل الذي وجده لتلك المسألة. سببت هذه التحديات، وحقيقة أنه لم يكن يعلن قط عن حساباته، إحباطا شديدا لغيره من العلماء. وكان من بين هؤلاء <R. ديكارت>، الذي نال شهرة واسعة لاختراعه الهندسة التحليلية، وقد وصف فيرما بالمتبجح. أما الرياضياتي الإنكليزي <J. واليس>، فقد أشار إلى فيرما في إحدى المناسبات قائلا: «هذا الفرنسي الملعون.»

 

كتب فيرما أكثر تحدياته شهرة، ما يُعرف بمبرهنة فيرما الأخيرة، حين كان يدرس كتاب الرياضيات الإغريقي القديم بعنوان الحساب (الأريثماطيقا)Arithmetica والذي كتبه الإسكندري ديوفانتوس Diophantus. لقد عالج الكتاب حلول المعادلة a2 + b2 = c2 التي تكون جميعا أعدادا صحيحة، مثل a=3 و b=4 وc=5، وهي العلاقة التي تربط بين أطوال أضلاع مثلث قائم الزاوية. إن لهذه المعادلة عددا لانهائيا من الحلول التي فيها a و b و c أعداد صحيحة، وتعرف هذه الحلول بثلاثيات فيثاغورس Pythagorean triples. وقد ذهب فيرما خطوة أبعد من ذلك، واستنتج أنه لا توجد حلول غير تافهة لمجموعة كاملة من المعادلات المشابهة: an + bn = cn، حيث n عدد صحيح أكبر من 22.

 

ويبدو أمرا غريبا ألا يكون هناك أية «ثلاثيات فيرما» مع وجود عدد لانهائي من ثلاثيات فيثاغورس. ومع ذلك، فقد كان فيرما يعتقد أن بإمكانه تأييد دعواه ببرهان مضبوط. فقد دوَّن هذا العبقري المزعج على هامش كتاب الأريثماطيقا العبارة «لدي إثبات رائع بحق لهذا الفرض، ولكن هذا الهامش الضيق لا يتسع له.» وقد طارد شبح هذه العبارة أجيالا من الرياضياتيين. وكان فيرما قد كتب كثيرا من مثيلات هذه العبارة التي تثير الغيظ. وبعد وفاته، نشر ابنه نسخة من «الأريثماطيقا» تحتوي على هذه العبارات المُغيظة. وقد تم إثبات جميع المبرهنات التي أشار إليها فيرما، الواحدة تلو الأخرى، فيما عدا واحدة فقط وهي مبرهنته الأخيرة تلك.

 

تصدى العديد من الرياضياتيين لمبرهنة فيرما الأخيرة ولكنهم فشلوا جميعا في إثباتها. وفي عام 1742، أصيب <L. أويلر> (وكان أعظم المشتغلين بنظرية الأعداد في القرن الثامن عشر) بالإحباط لعجزه عن إثبات مبرهنة فيرما الأخيرة إلى حد أنه طلب إلى أحد أصدقائه تفتيش منزل فيرما للبحث عن أي أوراق مهملة متروكة قد تكون مسودات تتضمن معلومات أساسية تقود إلى إثبات هذه المبرهنة. وفي القرن التاسع عشر، توصلت <S. جرمان> ـ التي كانت تتابع دراساتها تحت اسم مستعار هو <مسيو لوبلان>، وذلك بسبب التحيز آنذاك ضد السيدات المشتغلات بالرياضيات ـ إلى أول اختراق مهم. فقد أثبتت جيرمان مبرهنة عامة قطعت بها شوطا طويلا نحو حل معادلة فيرما عندما تكون n أكبر من 2 ويكون كل من n و 2n+1 عددا أوليا(1). ولكنها لم تتوصل إلى برهان كامل لهذه الأسس قيم n exponents، أو لغيرها.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H04_008499.jpg

بعد عقد من الجهد المركّز، أثبت <A. ويلز> (من جامعة پرنستون) مبرهنة فيرما الأخيرة الشهيرة عام 1994. ولإتمام حساباته التي ملأت مئة صفحة، كان عليه أن يعتمد على الكثير من الأفكار الحديثة في الرياضيات وأن يضيف إليها. وعلى الخصوص، كان عليه أن يبرهن على صحة مخمنة شيمورا وتانياما بالنسبة إلى مجموعة جزئية من المنحنيات الناقصية، التي تُعين بمعادلات تكعيبية كالمعادلة: y2 = x3 + ax2 + bx + cc.

 

وفي بداية القرن العشرين، خصَّص رجل الصناعة الألماني< P. ولفسكهل> مئة ألف مارك لأي شخص يستطيع أن يتصدى لتحدي فيرما ويثبت مبرهنته الأخيرة. وطبقا لبعض المؤرخين، كان ولفسكهل على وشك الانتحار؛ ولكن محاولته إثبات مبرهنة فيرما الأخيرة استبدت به لدرجة أبعدت عنه فكرة الانتحار. أعاد ولفسكهل كتابة وصيته، وكانت الجائزة هي وسيلته لتسديد دينه لهذا اللغز الذي أنقذ حياته.

 

وبينما أدت جائزة ولفسكهل إلى تشجيع الهواة المتحمسين على محاولة إثبات المبرهنة، كان الرياضياتيون المحترفون قد أخذوا يفقدون الأمل. وعندما سُئل عالم المنطق الرياضياتي الكبير <D. هلبرت> لماذا لم يحاول قط إثبات مبرهنة فيرما الأخيرة أجاب «عليّ قبل أن أبدأ ذلك، أن أُخصص ثلاث سنوات لدراسة مركّزة، وليس لديَّ مثل هذا الوقت لأبدده من أجل فشل محتمل.» ولكن المسألة ظلَّت تحتل مكانا خاصا لدى المتخصصين في نظرية الأعداد. وكان هؤلاء ينظرون إلى مبرهنة فيرما الأخيرة بما يشبه نظرة الكيميائيين إلى الخيمياء(2). لقد كانت بالنسبة إليهم حلما سخيفا من الزمن الماضي.

 

حلم الطفولة

إن الأطفال مولعون بالطبع بالأحلام الرومانسية. وفي عام 1963، عندما كان ويلز في العاشرة من عمره، أصبح مفتونا بمبرهنة فيرما الأخيرة. لقد قرأ عنها الكثير في المكتبة المحلية لمدينة كمبردج بإنكلترا، ووعد نفسه بأن يجد لها برهانا. وقد حاول مدرسوه أن يثنوه عن إضاعة الوقت في سبيل ما هو مستحيل. كما حاول أساتذته في الجامعة أن يثنوه أيضا عن المحاولة عن طريق الإقناع. وفي النهاية نجح المشرف على دراسته العليا بجامعة كمبردج في توجيهه نحو فروع الرياضيات السائدة، وبالذات إلى مجال بحث واعد حول ما يسمى بالمنحنيات الناقصية elliptic curves. لقد درس الإغريق القدماء المنحنيات الناقصية وقد تضمنها كتاب الأريثماطيقا. ولم يكن ويلز يعلم حينئذ أن التدريب في هذا المجال سيقوده ثانية إلى مبرهنة فيرما الأخيرة.

 

إن المنحنيات الناقصية ليست قطوعا ناقصة ellipses. وقد سُمِّيت كذلك لأنها تُوصَف بمعادلات تكعيبية (من الدرجة الثالثة)، مثل المعادلة التي تستخدم في حساب طول محيط القطع الناقص. تأخذ المعادلات التكعيبية للمنحنيات الناقصية في الحالة العامة الصورة: y2 = x+ ax2 + bx + c، حيث a و b و cأعداد صحيحة تحقق بعض الشروط البسيطة. ويقال لمثل هذه المعادلة إنها من الدرجة الثالثة لأن أعلى قوة (أس) متضمنة فيها هي ثلاثة.

 

يحاول المتخصصون بنظرية الأعداد دائما أن يتحققوا من عدد ما يُسَمّى بالحلول المُنْطَقَة(1) لمختلف المعادلات. ومن المعروف بالنسبة إلى المعادلات من الدرجة الأولى والثانية أنه إذا كان لها حلول مُنْطَقة، فإن عدد هذه الحلول لانهائي، ومن السهل تحديد ذلك. أما المعادلات الأكثر تعقيدا، وبالذات المعادلات من الدرجة الرابعة، فعدد حلولها المنطقة يكون دائما منتهيا finite ـ وتسمى هذه الحقيقة مخمنة موردل Mordell، وقد برهن على صحتها الرياضياتي الألماني <G. فولتنگز> عام 1983. ولكن المنحنيات الناقصية تقدم تحديا فريدا، إذ قد يكون لها عدد منته أو لانهائي من الحلول، ولا توجد وسيلة سهلة لتحديد ذلك.

 

لتبسيط المسائل المتعلقة بالمنحنيات الناقصية، يدرسها الرياضياتيون عادة باستخدام الحساب المقياسي modular arithmetic، فهم يقسمون x و y في المعادلة التكعيبية على عدد أولي p، ويحتفظون بالباقي فقط. وتسمى الصورة المعدلة الناتجة للمعادلة الأصلية معادلتها المكافئة «بمقاس p» 2 . بعد ذلك يُجْري الرياضياتيون عمليات القسمة هذه على عدد أولي ثان ثم يكررون هذه العمليات بأعداد أولية أخرى. ومع إجراء هذه العمليات يُحدَّد عدد الحلول لكل معامل أولي prime modulus. وفي نهاية الأمر، تولد هذه الحسابات متسلسلة من المسائل الأبسط والتي تناظر المسألة الأصلية.

 

إن الميزة الكبيرة للحساب المقياسي هي أن القيم العظمى لِx و y تتحدد فعليا بِ p، وبالتالي تُختصر المسألة إلى ما هو منته. وللإحاطة بالمسألة الأصلية اللانهائية، يدرس الرياضياتيون كيفية تغيّر عدد الحلول بتغير p. وباستخدام هذه المعلومة، يوجِدون ما يسمى متسلسلة (3)L- للمنحني الناقصي. وهذه المتسلسلة هي في الأساس متسلسلة قوى لانهائية يتحدد معامل القوة P فيها بعدد الحلول «بمقاس p».

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H04_008500.jpg

أصيب <L. أويلر>، وكان أعظم المشتغلين بنظرية الأعداد في القرن الثامن عشر، بالإحباط لعجزه عن إثبات مبرهنة فيرما الأخيرة لدرجة أنه طلب إلى أحد أصدقائه تفتيش منزل فيرما بحثا عن أية مسودة تتضمن إثباتا لهذه المبرهنة.

 

والواقع إن أشياء رياضياتية أخرى، تسمى صيغا مقياسية (موديولية)modular forms لها هي الأخرى متسلسلات L. ويجب عدم الخلط بين الصيغ  المقياسية وبين الحساب المقياسي. فالصيغ المقياسية هي دوال من نوع خاص تتعامل مع الأعداد المركبة (العقدية) من الشكل (x+iy)، حيث x و y عددان حقيقيان و-1√ =I.

 

والأمر الذي يميز الصيغ المقياسية هو إمكان تحويل العدد المركب بطرق متعددة، ولكن الدالة تعطي فعليا النتيجة نفسها. والصيغ المقياسية تكاد تنفرد بهذه الصفة. والدوال المثلثية لها صفة مشابهة؛ فالزاوية q يمكن تحويلها بإضافة 29، ومع ذلك تظل الإجابة نفسها من دون تغيير: sin q = sin q + 29ππ. يطلق على هذه الصفة اسم التناظر (التماثل) symmetry، وتتصف الدوال المثلثية بهذه الصفة في نطاق محدود. وفي المقابل، تتصف الصيغ المقياسية بمستوى عال للغاية من التناظر، لدرجة أن الرياضياتي الفرنسي العملاق <H. پوانكريه> عندما اكتشف أولى الصيغ المقياسية في نهايات القرن التاسع عشر، سعى جاهدا لتعرّف خواصها التناظرية. وقد وصف لزملائه كيف أنه كان يستيقظ من نومه كل يوم ولمدة أسبوعين ليبحث عن خطأ ما في حساباته، وفي اليوم الخامس عشر استسلم للأمر وتقبَّل حقيقة أن الصيغ المقياسية متناظرة إلى أقصى الدرجات.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H04_008501.jpg

في الخمسينات، طور <J. شيمورا> و<Y. تانياما> (في الأعلى والأسفل، بالترتيب) فكرة ساعدت أخيرا على برهان ويلز. وقد تضمنت مخمنتهما الصيغ المقياسية ـ وهي دوال في الأعداد المركبة التي على الصورة
(x + iy) حيث x و y عددان حقيقيان و i= -1√. لقد اقترح الباحثان أن كل منحن ناقصي يمكن ربطه بصيغة مقياسية بحيث تتفق متسلسلتا L الاثنتين للمنحني. ومن المحزن أن تانياما لم يمتد به العمر ليرى نجاح ويلز، فقد انتحر عام 1958.

 

قبل أن يعرف ويلز شيئا عن فيرما بنحو عشر سنوات، كان شابان يابانيان من المشتغلين بالرياضيات، وهما <G. شيمورا> و<Y. تانياما>، قد طوّرا فكرة تتضمن صيغا مقياسية، صارت في نهاية المطاف حجر الأساس في برهان ويلز. فلقد اعتقدا أن بين الصيغ المقياسية والمنحنيات الناقصية ارتباطا أساسيا ـ مع أنه يبدو أنهما ينتميان إلى فرعين مختلفين تماما من الرياضيات. ولأن الصيغ المقياسية لها متسلسلات L ـ مع أن هذه المتسلسلات يحصل عليها بأسلوب  مختلف عن الأسلوب الذي يُحصل به على نظائرها الخاصة بالمنحنيات الناقصية ـ فقد اقترح هذان الشابان أن كل مُنْحنٍ ناقصي يمكن ربطه بصيغة مقياسية بحيث تتفق متسلسلتا L الاثنتين.

 

كان شيمورا وتانياما يعرفان أن النتائج ستكون غاية في الغرابة لو أن رأيهما كان صائبا. فأولا، يعرف علماء الرياضيات عن متسلسلة L للصيغة المقياسية أكثر مما يعرفونه عن نظيرتها للمنحني الناقصي. ومن ثم فقد لا يكون من الضروري الحصول على متسلسلة L لمنحنٍ ناقصي لأنها ستتطابق مع متسلسلة L الخاصة بالصيغة المقياسية المقابلة. هذا وإن إقامة هذا الجسر بين فرعين من فروع الرياضيات، كانا حتى حينه غير مرتبطين، قد تكون مفيدة لكليهما؛ فكل تخصص منهما سيُثْرى من المعرفة التي تمّ تحصيلها في آخر المطاف.

 

تنص مخمنة شيمورا وتانياما، كما صاغها شيمورا في أوائل ستينات هذا القرن، على أن كل منحن ناقصي يمكن أن يُقرن بصيغة مقياسية معينة. وبعبارة أخرى، فإن جميع المنحنيات الناقصية هي مقياسية. ومع أنه لم يستطع أحد إثبات هذه المخمنة، فقد أخذ تأثيرها يزداد مع مرور الزمن. وبحلول السبعينات، كان الرياضياتيون يفترضون عادة أن هذه المخمنة صحيحة ثم يستخلصون نتيجة ما جديدة منها. ومع مرور الوقت، صارت معظم الاكتشافات الرياضياتية الحديثة تعتمد على هذه المخمنة، مع أن قلة من العلماء قد توقّعوا إثباتها خلال هذا القرن. ومن المحزن أن أحد الرجلين اللذين ابتكرا هذه المخمنة لم يمتد به العمر ليرى أهميتها النهائية، ففي 17 /11/1958 انتحر يوتاكا تانياما.

 

الحلقة المفقودة

في خريف عام 1984 ألقى <G. فراي> من جامعة سارلاند محاضرة في ندوة بمدينة أوبرولفاخ(5) الألمانية، ألمح فيها إلى استراتيجية جديدة للتصدي لمبرهنة فيرما الأخيرة والتي تنص على أن معادلة فيرما ليس لها حلول من الأعداد الصحيحة. لاختبار تقرير من هذا النوع، يفترض الرياضياتيون عادة خطأ التقرير ثم يبحثون عن النتائج التي يؤدي إليها هذا الفرض. والقول بأن مبرهنة فيرما الأخيرة خطأ يعني وجود عددين صحيحين مجموع ناتج رفعهما إلى قوة صحيحة n هو عدد صحيح ثالث مرفوع إلى القوة n نفسها.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H04_008502.jpg

تابعت <S. چرمان> دراساتها تحت اسم مستعار هو <مسيو لوبلان>، وذلك بسبب التحيز ضد السيدات المشتغلات بالرياضيات. وقد توصّلت إلى أول اختراق مهم في القرن التاسع عشر، إذ أثبتت مبرهنة قطعت بها شوطا طويلا نحو حل معادلة فيرما عندما يكون كل من n و (n + 12) عددا أوليا وتكون n أكبر من 2.

 

وكانت فكرة فراي تتسلسل كالتالي. نفرض أن العددين A و B ينتجان من رفع عددين صحيحين إلى القوة الصحيحة n وأن العدد A + B  ينتج أيضا من رفع عدد صحيح ثالث إلى القوة n؛ أي إن A و B هما حل لمعادلة فيرما. يمكن عندئذ استخدام A و B كمعاملين في معادلة منحن ناقصي معين:

y2 = x(x – A)(x + B. نحتاج عادة، عند دراسة المنحنيات الناقصية، إلى حساب كمية تسمى «مميز» discriminant المنحني. مميز المنحني السابق هو: A2 B2(A+B)2؛ وحيث إن A و B هما حل لمعادلة فيرما، ينتج أن هذا المميز هو عدد صحيح مرفوع إلى القوة n.

 

إن الفكرة الحاسمة في مقاربة فراي هي أنه إذا كانت مبرهنة فيرما الأخيرة خطأ، فإن حلول هذه المعادلة من الأعداد الصحيحة مثل A و B يمكن استخدامها لإنشاء منحن ناقصي مميزه عدد صحيح مرفوع لقوة صحيحة n. وعلى ذلك، فبرهان أن مميز منحن ناقصي لا يمكن أن يكون القوة الصحيحة n  لعدد  صحيح، يقتضي ضمنيا صحة مبرهنة فيرما الأخيرة. لم يتمكن فراي من بناء مثل هذا البرهان، ولكن كان لديه شعور بأنه إذا وُجِدَ منحن ناقصي مميزه هو القوة الصحيحة n لعدد صحيح، فإن هذا المنحني لن يكون مقياسيا. وبعبارة أخرى، فإن مثل هذا المنحني الناقصي لن يحقق مخمنة شيمورا وتانياما. وبعكس خطوات المنطق السابق، فإن فراي يشير إلى أنه إذا تم البرهان على صحة هذه المخمنة وعلى أن المعادلة الناقصية(y2 = x(x-A)(x+B ليست مقياسية، فذلك يثبت عدم وجود حل للمعادلة الناقصية. وفي هذه الحالة، لا يوجد حل لمعادلة فيرما؛ وبالتالي يكون البرهان على صحة مبرهنة فيرما الأخيرة قد تم.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H04_008503.jpg

في عام 1984، اقترح <J. فراي> استراتيجية جديدة للتصدي لمبرهنة فيرما الأخيرة: نفرض أن العددين A و B ينتجان من رفع عددين صحيحين إلى القوة الصحيحة n وأن A+B هو أيضا القوة n لعدد صحيح ثالث ـ أي إن A و B هما حل لمعادلة فيرما. ويمكن عندئذ استخدام A و B كمعاملين في معادلة منحن ناقصي معين:

(y2 = x(x-A) (x+B ، و«مميز» هذا المنحني  الناقصي:

 A2 B2 (A+B)2 هو أيضا عدد صحيح مرفوع إلى القوة n. لقد اعتقد فراي أن مثل هذا المنحني الناقصي لا يمكن أن يكون مقياسيا. وبعبارة أخرى، أشار فراي إلى أنه إذا أمكن البرهان على صحة مخمنة شيمورا وتانياما أو على أن جميع المنحنيات الناقصية مقياسية، فقد يمكن البرهان على أنه ليس للمعادلة التكعيبية (y2 = x(x-A) (x+B حل. وعندئذ يستحيل وجود حل لمعادلة فيرما، وبذا يكون قد تم البرهان على صحة مبرهنة فيرما الأخيرة.

 

نقَّب كثير من الرياضياتيين عن هذا الارتباط بين فيرما وشيمورا وتانياما. وكان أول هدف لهم هو البرهان على أن منحني فراي الناقصي (y2 = x (x – A)(x + B ليس مقياسيا. وقد قدم كل من <P-J. سِير> من كوليدج دو فرانس و<B. مازور> من جامعة هارڤارد، إضافات مهمة في هذا الاتجاه. وفي الشهر 6/1986، تمكن أحدنا (ريبت)أخيرا من إنشاء برهان كامل لهذا النص. ويتعذر إعطاء هذا البرهان بالتفصيل في هذه المقالة، ولكننا سنقدم بعض ملامحه.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H04_008504.jpg

تابع <A .K. ريبت> عمل فراي وبرهن في عام 1986 على استحالة أن يكون المنحني الناقصي مقياسيا إذا كان مميزه عددا صحيحا مرفوعا إلى قوة صحيحة n. ويعتمد برهان ريبت على طريقة هندسية «لجمع» النقاط على منحن ناقصي. والفكرة هي أن المستقيم المار بنقطتين P1 و P2 على المنحني الناقصي، سيقطع هذا المنحني في نقطة ثالثة P3. بعد ذلك تُعكس هذه النقطة الجديدة في محور x للحصول على النقطة Q التي تسمى مجموع P1 و P2. وبينما تُكَوِّن جميع النقاط الواقعة على المنحني الناقصي مجموعة لانهائية، فإنه توجد مجموعات منتهية لنقاط تتميز بخاصية أساسية هي أن مجموع كل نقطتين في المجموعة هو نفسه نقطة في المجموعة. وهذه المجموعات المنتهية تتبع قواعد معينة، وبالتالي تكوِّن ما يسمى زمرة. وإذا كان المنحني الناقصيُ مقياسيا، فإن النقاط التي تنتمي إلى الزمر المحدودة تكون بالمثل مقياسية. وما أثبته ريبت هو أن زمرة محدودة معينة لمنحني فراي ليست مقياسية، وبالتالي فإن المنحني كله ليس مقياسيا.

 

أولا، يعتمد برهان ريبت على طريقة هندسية «لجمع» نقطتين على منحن ناقصي [انظر التوضيح في أسفل الصفحة المقابلة]. والفكرة هي أن المستقيم المار بحلين معينين P1 وP2 يقطع امتداده المنحني في نقطة ثالثة يمكن تسميتها، مؤقتا، حاصل جمع P1 و P2. وثمة صيغة لهذا الجمع أعقد قليلا ولكنها أكثر فائدة، وهي كالتالي: اجمع أولا النقطتين واحصل على نقطة جديدة P3 كما شرحنا من قبل، ثم اعكس هذه النقطة الأخيرة في محور X لتحصل على ناتج المجموع النهائي Q.

 

يمكن تطبيق صيغة الجمع الخاصة هذه على أي زوج من النقاط من بين المجموعة اللانهائية للنقاط الواقعة على منحن ناقصي، ولكن لهذه العملية أهمية خاصة من حيث إن هناك مجموعات منتهية من النقاط تتمتع بخاصيّة حاسمة، وهي إن مجموع أي نقطتين من المجموعة هو نقطة في المجموعة نفسها. وهذه المجموعات المنتهية من النقاط تشكل زمرة(6) group. وقد تبين أنه إذا كان المنحني الناقصي مقياسيا، فإن النقاط التي تنتمي إلى كل زمرة من الزمر المنتهية للمنحني الناقصي تكون أيضا مقياسية. وما أثبته ريبت هو أن زمرة معينة من زمر منحني فراي ليست مقياسية، وبالتالي فإن المنحني بأكمله ليس مقياسيا.

 

لثلاثة قرون ونصف، ظلت مبرهنة فيرما الأخيرة مسألة معزولة ولغزا غريبا يقع على حافة الرياضيات يستحيل حله. وفي عام 1986، أدت إضافات ريبت إلى نقل هذه المبرهنة إلى مسرح الرياضيات الرئيسي. فقد صار بالإمكان البرهان عليها عن طريق البرهان على مخمنة شيمورا وتانياما. ولم يَضَيِّع ويلز، الذي أصبح عندئذ أستاذا في جامعة پرنستون، أيّ وقت، فقد عمل بسرية تامة مدة سبع سنوات. فإضافة إلى رغبته في تجنب ضغوط الاهتمام العام، كان ويلز يأمل في منع الآخرين من نقل أفكاره. وخلال هذه الفترة، كانت زوجته هي الشخص الوحيد الذي علم بما استحوذ عليه – وكان ذلك في شهر عسلهما.

 

سبع سنوات من السرية

كان على ويلز أن يربط بين الكثير من الإنجازات الرئيسية التي تحققت خلال القرن العشرين في نظرية الأعداد. وعندما كان يجد أن هذه الأفكار غير كافية، كان يضطر إلى إيجاد وسائل وأساليب أخرى. وقد شبه خبرته في عمله بالرياضيات برحلة داخل مبنى ضخم مظلم: «تدخل الحجرة الأولى وهي مظلمة تماما. تتخبط داخلها وتصطدم بالأثاث، ولكنك تتعرّف بالتدريج مكان كل قطعة منه. وأخيرا، وبعد ستة أشهر أو نحو ذلك، تجد زر الإضاءة؛ تضغط على الزر وفجأة تجد كل شيء مضاءً؛ سوف ترى موقعك بالضبط. بعد ذلك تتحرك نحو الحجرة التالية وتقضي ستة أشهر أخرى في الظلام. وعلى ذلك فكل من هذه الاختراقات التي قد تحدث لحظيا، وفي بعض الأحيان على مدى يوم أو يومين، هي في الواقع حصيلة ما سبق من تخبط في الظلام لشهور عديدة، وأيضا ما كانت لتحدث من دون هذا التخبط.»

 

والذي حدث هو أن ويلز لم يضطر إلى البرهان على مخمنة شيمورا وتانياما كاملة. وبدلا من ذلك، كان عليه أن يبرهن فقط على أن مجموعة جزئية معينة من المنحنيات الناقصية – تتضمن المنحني الناقصي الذي اقترحه فراي – لابد، إن وجدت، أن تكون مقياسية. والواقع، إن ذلك لم يكن تبسيطا ملموسا للمسألة. فهذه المجموعة الجزئية مازالت لانهائية وتتضمن أغلب الحالات التي تسترعي الاهتمام. وكانت استراتيجية ويلز هي استخدام الأساليب نفسها التي استخدمها ريبت مع إضافة الكثير إليها. وكما هي الحال في برهان ريبت، لا يتسع المجال هنا إلا للمحات فقط للنقاط الرئيسية التي تضمَّنها برهان ويلز.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N1_H04_008505.jpg

كانت كلمة «وجدتها» العنوان الرئيسي لجريدة نيويورك تايمز بعد أن كشف ويلز في محاضرة عامة عن برهانه الأول لمبرهنة فيرما الأخيرة في الشهر 6/1993. ولكن، لم يمض وقت طويل حتى اكتشف المراجعون خطأ جسيما في البرهان. ناقش ويلز الخطأ مع تلميذه السابق <R. تايلور> فقط، وقد حاولا معا إصلاح الطريقة التي استخدمها ويلز في برهانه المذكور واستخدما بدورهما وسائل سبق أن عزف ويلز عن استخدامها. وأخيرا، وجدا التعديل الأساسي لبرهان ويلز الأول، وكان ذلك بتاريخ
19/9/1994.

 

كانت الصعوبة هي إثبات أن كل منحن ناقصي في مجموعة ويلز الجزئية مقياسي. ومن أجل ذلك، استعان ويلز بالخاصية الزّمْرِيّة للنقاط الواقعة على المنحنيات الناقصية، وطبّق مبرهنة <P .R. لانگلاندز> (من معهد الدراسات المتقدمة في پرنستون) و <J. تانل> (من جامعة روتجرز). تبين هذه المبرهنة أنه توجد، لكل منحن ناقصي في مجموعة ويلز، زمرة معينة مقياسية من نقاط المنحني. وهذا الشرط ضروري ولكنه غير كافٍ لتوضيح أن المنحني الناقصي بأكمله مقياسي.

 

والزمرة التي نتحدَّث عنها لها تسعة عناصر فقط؛ وبالتالي فقد يُظن أن مقياسيتها تُعبِّر عن خطوة أولية صغيرة للغاية نحو إثبات المقياسية التامة. ولسدّ هذه الفجوة، رغب ويلز في أن يفحص زُمَرا تتدرج في الكبر، بادئا بزُمَر عدد عناصرها 9 و 81= 92 ذو729=93 وهكذا. فإذا تَمَكَّنَ من الوصول إلى زمرة كبيرة كبرا لانهائيا وأثبت أنها أيضا مقياسية، فإن ذلك يكافئ البرهان على أن المنحني بأكمله مقياسي.

 

أتم ويلز هذا العمل من خلال سيرورة مبنية إلى حد ما على الاستقراءinduction. فكان عليه إثبات أنه إذا كانت زمرة معينة مقياسية، فلابد من أن تكون الزمرة التي تليها في الكبر، هي أيضا مقياسية؛ وبالتالي يتحقق الشيء نفسه بالنسبة إلى الزمرة الأكبر التالية. وتشبه هذه المقاربة عملية الإطاحة بقطع الدومينو. فللإطاحة بعدد لانهائي من قطع الدومينو، يكفي التأكد من أن الإطاحة بأي قطعة منها ستؤدي دائما إلى الإطاحة بالقطعة التالية لها. وفي نهاية الأمر تأكد ويلز من أن برهانه قد اكتمل. وفي 23/6/1993، أعلن نتيجته في مؤتمر عُقِد بمعهد نيوتن للعلوم الرياضياتية في كمبردج. لقد تُوّج برنامجه البحثي السري بالنجاح، وقد فوجئ الرياضياتيون والصحافة وابتهجوا ببرهانه. ونشرت صحيفة نيويورك تايمز بفخر شديد في صفحتها الأولى: «وأخيرا، صيحة وجدتها Eureka في لغز رياضياتي محير قديم.»

 

ومع ازدياد الإثارة في وسائل الإعلام، بدأت مراجعة كبار الرياضياتيين للبرهان(7). وعلى الفور تقريبا، كشف <M .N. كاتز> (من جامعة پرنستون) عن خطأ أساسي ومُدمّر في إحدى مراحل برهان ويلز. استخدم ويلز في عملية الاستقراء التي أجراها، طريقة وجدها <A .V. كوليڤاگن> (من جامعة جون هوپكنز) و<M. فلاخ> (من معهد كاليفورنيا للتقانة)، وذلك للبرهان على أن الزمرة مقياسية. ولكن، بَدَا الآن أنه لا يمكن الاعتماد على هذه الطريقة في هذه الحالة بالذات. لذا انقلب حلم ويلز – الذي لازمه منذ الطفولة – إلى كابوس.

 

اكتشاف التعديل في البرهان

اعتزل ويلز لمدة أربعة عشر شهرا، ولم يناقش الخطأ إلا مع تلميذه السابق <R. تيلور>. صارع الاثنان المشكلة محاوِلَيْن إصلاح الخلل في طريقة البرهان. وقد استخدم ويلز وطبَّق وسائل أخرى كان قد رفضها من قبل. وعندما كان الاثنان على وشك الإقرار بالهزيمة والموافقة على نشر البرهان الخاطئ لكي يحاول غيرهما تصحيحه، وجدا في 19/9/ 1994التعديل الفعال. كان ويلز قد اتبع قبل سنوات عديدة مقاربة بديلة مبنية على ما يسمى نظرية أوساواIwasawa، ولكنه لم ينجح في ذلك وتخلّى عنها. والآن، تحقق من أن السبب في عدم نجاح طريقة كوليڤاگن وفلاخ هو بالضبط ما يسبب نجاح أسلوب نظرية أوساوا.

 

يتذكر ويلز رد فعله لهذا الاكتشاف: «كان جميلا بدرجة يتعذر وصفها، كان بسيطا للغاية وأنيقا للغاية. في الليلة الأولى، عدت إلى المنزل وأويت إلى فراشي تاركا المسألة للغد. وفي الصباح راجعت البرهان مرة أخرى ثم توجهت إلى زوجتي وأخبرتها قائلا: لقد حصلت عليه. أعتقد أني وجدته. وكان الأمر غير متوقَّع لديها لدرجة أنها ظنت أني أتحدث عن لعبة لأحد أطفالنا أو عن شيء من هذا القبيل، فسألتني: حصلت على ماذا؟ وكانت إجابتي: لقد أصلحت برهاني، لقد وجدته.»

 

إن فوز ويلز بجائزة ولفسكهل يعني بالنسبة إليه نهاية هاجس استبد به لمدة 30 عاما. ويذكر ويلز: «لاشك أن حلي لهذه المسألة قد منحني شعورا بالحرية. لقد استحوذت عليَّ هذه المسألة لدرجة أني كنت أفكر فيها طوال الوقت على مدى ثمانية أعوام – منذ استيقاظي في الصباح إلى أن آوي إلى فراشي في المساء – لقد انتهت الآن هذه الملحمة. لقد ارتاح عقلي وهدأ بالي.» ولكن مازالت هناك أسئلة مهمة يثيرها غيره من الرياضياتيين. وعلى الخصوص، يتفق الجميع على أن برهان ويلز معقد وحديث للغاية وبالتالي لا يمكن أن يكون هو البرهان نفسه الذي ألمح إليه فيرما عندما كتب ملاحظته على هامش كتاب الأريثماطيقا. فإما أن يكون فيرما مخطئا، ويكون برهانه – إن وجد – غير صحيح، وإما أن يكون ثمة برهان آخر بسيط وبارع لم يُكْتشف بعد.

 

 المؤلفان

Simon Singh – Kenneth A. Ribet

يتشاركان في اهتمام حاذق بمبرهنة فيرما الأخيرة. سنگ فيزيائي متخصص بالجسيمات الأولية، وتحول إلى مراسل علمي للتلفزيون، وقد ألّف كتاب لغز فيرما Fermat’s Enigma، كما شارك في إنتاج فيلم تسجيلي عن الموضوع. أما ريبت فهو أستاذ للرياضيات في جامعة كاليفورنيا ببيركلي، حيث يركز عمله على نظرية الأعداد والهندسة الحسابية الجبرية. وبناء على برهانه على أن مخمنة شيمورا وتانياما تتضمن البرهان على صحة مبرهنة فيرما الأخيرة، فاز وزميله <عباس بحري> بجائزة فيرما Prix Fermat.

 

مراجع للاستزادة 

YUTAKA TANIYAMA AND HIS TIME: VERY PERSONAL RECOLLECTIONS FROM SHIMURA. Goro Shimura in Bulletin of the London Mathematical Society, Vol. 21, pages 186-196; 1989.

FROM THE TANIYAMA-SHIMURA CONJECTURE TO FERMAT’S LAST THEOREM. Kenneth A. Ribet in Annales de la Faculte des Sciences de L’Universite de Toulouse, Vol. 11, No. 1, pages 115-139;1990.

MODULAR ELLIPTIC CURVES AND FERMAT’S LAST THEOREM. Andrew Wiles In Annals Of Mathematics, Vol. 141, No. 3, pages 443-551; May 1995.

RING THEORETIC PROPERTIES OF CERTAIN HECKE ALGEBRAS. Richard Taylor and Andrew Wiles in Annals of Mathematics, Vol. 141, No. 3, pages 553-572; May 1995.

NOTES ON FERMAT’S LAST THEOREM. A. J. van der Poorten. Wiley Interscience, 1996.

FERMAT’S ENIGMA. Simon Singh. Walker and Company, 1997.

 

(*) Fermat’s Last Stand

(1) prime nunber، وهو عدد لا يقبل القسمة إلا على نفسه وعلى الواحد. (التحرير)

(2) alchemy، محاولات لتحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب، وإيجاد علاج كلي للأمراض ووسيلة لإطالة الحياة.

(3) rational solutions حلول مُنْطَقَة (نسبية ـ قياسية) وهي الحلول التي تكون أعدادا صحيحة أو كسورا (مُنْطَقَة ـ نسبية).

(4) mod p.

(5) L-series.

(6) يقصد عدد من علماء الرياضيات من جميع أنحاء العالم هذه المدينةَ الصغيرة الواقعة في الغابة السوداء بألمانيا حيث تتوافر لهم جميع الظروف للإبداع. (التحرير)

(7) مجموعة من النقاط تحقق عددا قليلا من المسلَّمات axioms. (التحرير)

(8) لمزيد من المعلومات المفصلة حول هذا البرهان،انظر المقالة بعنوان «Fermat enfin démontré» في مجلة Pour la Science، العدد2/1996، ص 92. (التحرير)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى