أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

تحت الأضواء

تحت الأضواء

http://oloommagazine.com/images/Articles/SCI_General_index005.jpg

مواجهة ريح ممرض

الولايات المتحدة تستعد للتعامل مع الإرهاب البيولوجي.

 

لفترة طويلة، كان شبح خسارة كبيرة من المدنيين من جراء هجوم بالأسلحة البيولوجية أسوأ سيناريو يدور في أذهان مخططي الدفاع. لكن في السنوات الأخيرة تحرك هذا التهديد إلى مقدمة جدول أعمال سياسة الولايات المتحدة بسبب سلسلة غير مرحب بها من إفشاء الأسرار. فقد روى المهاجر السوڤييتي <كين علي بك>، الذي كان نائب رئيس المختبر السري المعروف باسم Biopreparat، كيف صنّع الاتحاد السوڤييتي السابق عشرات الأطنان من سلاح بيولوجي مكون من ڤيروس (حمة) الجدري(1) الشديد العدوى والذي يمكنه الانتشار بسرعة بين سكان الولايات المتحدة غير الممنعينَ تجاهه حاليا. كما يتهم علي بك السوڤييت بإنتاجهم أسلحة تعتمد على الطاعون الرئوي(2) والجمرة الخبيثة(3)، وبأنهم اختبروا ضَبُوبات aerosols  لڤيروسات إيبولا وڤيروسات ماربورگ، التي  تسبب نزوفات شديدة.

 

كما أن الكشف عن تصنيع العراق لأسلحة بيولوجية متطورة تعتمد على الجمرة الخبيثة أسهم أيضا بزيادة المخاوف، وكذلك فعل اكتشاف أمر نشر أبواغ الجمرة الخبيثة(4) والمطثيات الوشيقية(5) في طوكيو من قبل جماعة آوم  شينريكيو تسع مرات قبل تنفيذ هجومهم القاتل في محطة لقطار الأنفاق بطوكيو عام 1995 باستخدام غاز الأعصاب سارين(6). ويردُّ سبب فشل محاولات الهجوم البكتيري لجماعة آوم إلى زرع بيولوجييهم لذرية من الجمرة غير ضارة تستخدم لصنع اللقاح، ولو أنهم استخدموا الذرية الممرضة لكانت النتيجة مختلفة جدا. (ولا أحد يعرف سبب فشل الهجوم بالمطثيات الوشيقية).

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N5_H05_008844.jpg

إجراءات التطهير التي اتبعت من قبل عمال الطوارئ بعد الاستنفار من وجود ڤيروس الجمرة الخبيثة في إندياناپوليس.

 

إن عدم نجاح جماعة آوم بصنع أسلحة بيولوجية يعني أنه من الصعب صنع مواد قاتلة. وبعض الاختصاصيين مثل <P.A. زيليكوف> (من مختبرات سانديا الوطنية) يؤكدون أن تطوير نظام نشر الجمرة الخبيثة أو عوامل أخرى بهدف إحداث الكثير من الوفيات هو تحد جدي بحد ذاته. فقد أجرى زيليكوف تجارب بأسلحة زائفة ولم يكن قادرًا على إحداث نشر جيد.

 

لكن ثمة من هم أقل ثقة، فالأكاديمي <A.D. هندرسون> (من جامعة جونز هوپكنز) الذي رأس حملة منظمة الصحة العالمية الناجحة في القضاء على الجدري، يخالف ذلك الرأي معتبرا أن المعرفة الواسعة والمتقدمة في التخميرfermentation وفي تقانة النشر dispersion technology  تجعل الأمر أسهل من أي وقت مضى على مجرم يريد أن يُنمي ويستخدم كميات مهمة من بعض العوامل القاتلة. وخلافا للأسلحة النووية والكيميائية، فإن الأسلحة البيولوجية يمكن تصنيعها من مواد وأدوات متوافرة بسهولة. فالعديد من العوالم القاتلة، بما فيها الطاعون والجمرة الخبيثة، يمكن إيجادها في الطبيعة. (هناك فقط مكانان مصرح عنهما في العالم يمتلكان ڤيروس الجدري، إلا أن هندرسون يقول إنه مقتنع بأنه تم العمل على الجدري في مختبرات غير مصرح عنها في روسيا، وربما في أماكن أخرى). ويعتقد هندرسون أن من 10 إلى 12 بلدا تُجرى الآن أبحاثا على الأسلحة البيولوجية.

 

إضافة إلى ذلك، وبسبب المحن الاقتصادية الداخلية في روسيا، فإن الاختصاصيين بالأحياء المكروية (المجهرية) الروس مستهدفون للتجنيد من قبل قوى أجنبية. وما أحرز من تقدم في علم البيولوجيا الجزيئية يجعل هندسة ممرض ـ فائق superathogen أمرا أكثر سهولة، وذلك حسب رأي <M.S. بلوك> (من جامعة پرينستون) وهو الاختصاصي الوحيد في البيولوجيا الجزيئية بين مستشاري وزارة الدفاع المعروفين باسم Jasons. ويقول بلوك: “إن هندسة الجدري أو الجمرة الخبيثة من أجل مزيد من الإماتة هي في الواقع أمر ممكن جدا.”

 

تُحدِث معظم العوامل أعراضا مشابهة للانفلونزا في الأطوار الأولى من العدوى (الخمج)، وعليه فإن أوائل الضحايا سوف يُرسَلون على الأرجح إلى بيوتهم مع تشخيص متلازمة ڤيروسية غير نوعية. ولكن فقط عندما تلاحظ السلطات وفيات غير اعتيادية، يُطلق جرس الإنذار، وعندئذ يتزايد سريعا طلب الجمهور لأدوية واقية. وفي الوقت الحالي يوجد فقط سبعة ملايين جرعة لقاح ضد الجدري في الولايات المتحدة، وزيادة الإنتاج تستغرق على الأقل 36 شهرا، حسبما جاء على لسان هندرسون. إنه يقدر أن هجوما بڤيروس الجدري بشكل ضَبوب يُعدي في البداية 100 شخص وخلال أسابيع قليلة سيشل جزءا من البلاد؛ وعندما يتم تشخيص الحالات الأولى، يكون الناس قد حملوا العدوى إلى مدن أخرى.

 

ويمكن لدزينة من العوامل أن تستخدم كأسلحة. في الحقيقة، إن الهجوم البيولوجي الناجح الوحيد في الولايات المتحدة، والذي لم يُعترف به في حينه، كان بالسالمونيلا. ففي عام 1984، وضع بعض أعضاء جماعة باگوان شري راجنيش(7) البكتيريا (الجراثيم) في سلطات مطاعم في دالس بولاية أوريگون،  مما أدى إلى إمراض عدة مئات من الأشخاص. لكن هندرسون يقول إن الجمرة الخبيثة والجدري والطاعون تشكل إلى حد بعيد التهديد الأعظم.

 

لقد اقترحت الإدارة زيادات كبيرة في الميزانية لمواجهة التهديدات البيولوجية للمدنيين. فقد رُفعت ميزانية مراقبة الانتشار الغريب للأمراض بنسبة 22 في المئة، لتصل إلى 86 مليون دولار، وأُنشئت مختبرات في المناطق، وتم تمويل 25 فريقا طبيا جديدا لطوارئ المدن. كما دُعّمت الأبحاث في مجال اللقاحات بـ 30 مليون دولار، وتم تخزين أدوية خاصة.

في حين تعمل وزارة الطاقة على إنتاج محسات (مشعرات) جديدة أفضل وتدرس جريان الهواء في المدن وفي جوار محطات قطارات الأنفاق.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N5_H05_008845.jpg

استخدام بالون سد النفق لصد هجوم في محطة قطار الأنفاق.

 

يجري حاليا التركيز على محاولة تجنب انتشار العوامل القاتلة باستخدام ستائر مائية ونُفَّاخات(8) عملاقة تسد الأنفاق. كما طور علماء سانديا رغوة غير مخرشة تُحيّد العوامل الكيميائية وتقتل بشكل فعال أبواغ بكتيرة مماثلة للجمرة الخبيثة. وبعض الأبحاث البعيدة عن الأبحاث التقليدية تم تمويلها من قبل برامج نمت بسرعة في وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة (DARPA)، كالبحث في أدوات الكشف الحساسة وفي إجراءات مضادة تعمل على مواجهة طيف واسع من العوامل. ويشير <B.sh. جونز> (رئيس برنامج الإجراءات المضادة للعوامل الممرضة غير التقليدية في الوكالة DARPA) إلى أن العديد من العوامل الممرضة تستخدم آليات جزيئية متماثلة في الأطوار المبكرة من العدوى. كما أن العديد منها تتقاسم آليات متماثلة في التخريب مما يجعل البحث عن عوامل واسعة الطيف جديرًا بالاهتمام. ويجري حاليا اختبار جزيئة molecule واعدة لإزالة الالتهاب.

 

وتقوم الوكالة DARPA بتمويل مشاريع لتعديل خلايا الدم الحمراء. فقد بين <M. بيتنسكي> (من جامعة بوسطن) و <R. تايلور> (من جامعة ڤيرجينيا) أن معقدات أنظيمية(9) وأضدادا (أجساما ضدية) يمكن أن تضاف إلى سطوح  خلايا الدم الحمراء لتعطيها القدرة على ربط عوامل ممرضة. وتحمل الأضداد العواملَ الممرضة إلى الكبد لإتلافها، وبشكل لافت للنظر لا يتأثر بذلك عمر خلايا الدم الحمراء في الجسم. وتُستخدم في ماكسيجين بكاليفورنيا تقانة تسمى تخالط الدنا DNA shuffling، تَجمع كيفما اتفق قطعا جينية محتملة الفائدة في تطوير لقاحات ممكنة من الدنا. كما يطور <R.J.بيكر جونيور> (من جامعة ميتشيگان) ليبوسومات (جسيمات شحمية) liposomes و پوليميرات (مكاثير) تغصنية dendritic polymers آمنة لدى تطبيقها على الجلد ومع ذلك تحلّ العوامل  الممرضة.

 

ومهما يكن من أمر، فإن بعض المنتقدين يشيرون إلى أن التقانة العالية قد لا تكون أفضل ردّ. وفي هذا الصدد، يقول <B.J. توكر> (من معهد مونتيري للدراسات الدولية) إن الحكومة عالجت موضوع الأسلحة البيولوجية “من وجهة نظر تقييم الحصانة (سرعة التأثر)، وليس تقييم التهديد.” ويعتقد <توكر> أن الحاجة تكمن “في فهم أفضل بكثير لما يمكن أن يحث مجموعة ما لاستخدام هذه الأسلحة،” بحيث يمكن إيقاف الإرهابيين قبل أن يُقدموا على ضربتهم. إضافة إلى ذلك، يؤكد بلوك (من پرينستون) الأهمية الكبرى لدور الاستخبارات البشرية؛ إلا أن مؤيدي مبادئ الحرية المدنية قلقون حيال إعطاء العسكريين أي دور دائم في مواجهة الإرهاب على أرض الوطن.

 

إذا كانت العمليات الخفية تواجه صعوبات، فإنه من الممكن أن تكون العلنية منها أسهل. ويؤكد <A.L. كول> (من جامعة روتگرز) أنه يمكن لمحاولة إقناع بسيطة أن تحول دون اتّباع عدة إرهابيين سياسيين لطريق السلاح البيولوجي؛ لأن مثل هذه الأسلحة سوف تنفّر جمهور ناخبيهم.

 

وتعلن <B. روزنبرگ > (من اتحاد العلماء الأمريكيين) إمكانية إسهام الولايات المتحدة بشكل بناء أكثر في المفاوضات الجارية في جنيڤ والهادفة لدعم اتفاقية الأسلحة البيولوجية والذيفانية toxic لعام 1972. إنها تشير إلى أن المسؤولين الرئيسيين “يقولون الأشياء الصحيحة” حول الاتفاقية. لكنها تتهم الولايات المتحدة بمعارضة متكررة لمقترح نظام تفتيش ميداني يعتمد على زيارات مفاجئة من قبل مفتشين دوليين؛ لأن ذلك قد يعرض للخطر الأسرار التجارية أو الأمن القومي.

 

إضافة إلى ذلك، يشير البعض إلى أن العلماء أنفسهم قادرون على عمل المزيد للحيلولة دون الإرهاب البيولوجي. فكما نشط الفيزيائيون في حركتهم لتجنب الحرب النووية في القرن الماضي، يتوقع بلوك من علماء البيولوجيا أن يؤدوا دورا قياديا في النشاط المضاد للأسلحة البيولوجية.

<T. بيردسلي>. 

 

(1) smallpox virus.

(2) pneunonic plague.

(3) anthrax.

(4) anthrax spores.

(5)botulinum

(6) sarin.

(7) Bhagwan Shree Rajneshc.

(8) balloons.

(9) enzmatic complexes.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى