أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الرياضيات التطبيقية

جولة متعددة الفركتلية في سوق

جولة متعددة الفركتلية في سوق

نيويورك للأوراق المالية(*)

إن الهندسة المستخدمة في وصف أشكال خطوط السواحل وأنماط توزيع المجرات

 يمكن أيضا أن تستخدم لفهم كيفية ارتفاع وانخفاض أسعار الأسهم.

<B.B. ماندلبروت>

 

لا يحتاج فرادى المستثمرين وتجار الأسهم والعملات إلى مَنْ يذكرهم بأن الأسعار المعلنة للتداول في أي سوق مالية كثيرا ما تتغير بسرعة مذهلة؛ إذ تُكسب ثروات وتُفقد أخرى خلال فترات نشاط مفاجئة تتسارع فيها السوق وتتعرض لتقلبات شديدة. فمثلا في الشهر9/1998انخفض سعر السهم في شركة ألكاتيل Alcatel (وهي شركة فرنسية تعمل في مجال تصنيع معدات الاتصالات) بنسبة 40 في المئة تقريبا في يوم واحد ثم بنسبة 66 في المئة أخرى خلال اليومين التاليين. وفي اليوم الرابع انعكس اتجاه الأسعار فارتفع سعر السهم بنسبة 10 في المئة.

 

وتتنبأ النماذج المالية التقليدية، التي استخدمت خلال الجزء الأكبر من هذا القرن، بأن هذه الأحداث المفاجئة ينبغي ألا تحدث مطلقا. وتتمثل إحدى الدعامات الأساسية، التي يقوم عليها علم المالية العامة، في النظرية الحديثة للمحفظة (الحافظة) المالية modern portfolio theory التي تهدف إلى تحقيق  أقصى قدر من العائدات عند مستوى معين من المخاطرة. وتعالج الرياضيات، التي تقوم عليها نظرية المحفظة المالية، الحالات المتطرفة بإغفالها: فهي تعتبر احتمالات حدوث التحولات الكبيرة في السوق إما من القلة بحيث لن يكون لها تأثير أو مستحيلة الحدوث، ومن ثم لا داعي لأخذها بعين الاعتبار. صحيح إن نظرية المحفظة المالية تفسر ما يحدث في السوق في 95 في المئة من الوقت. وإذا سلَّمنا بأن الأحداث الرئيسية تمثل جزءا من نسبة ال5 في المئة المتبقية، يتبين أن الصورة التي تقدمها تلك النظرية لا تعكس ما يحدث في الواقع. ومثلها في هذه الحالة كمثل الملاّح في البحر، إذا كان الجو معتدلا في 95 في المئة من الوقت فهل يستطيع الملاح أن يغفل إمكانية حدوث إعصار؟

 

وتعتمد صيغ الحد من الأخطار التي تستند إليها نظرية المحفظة المالية على عدد من الافتراضات الصارمة التي لا أساس لها. الافتراض الأول هو أن التغيرات في الأسعار مستقلة إحصائيا بعضها عن بعض: فهي تفترض مثلا أن سعر اليوم ليس له تأثير في التغيرات التي تحدث في سعر الغد؛ ونتيجة لذلك يصبح التنبؤ بحركة السوق المستقبلية أمرا مستحيلا. الافتراض الثاني هو أن جميع التغيرات في السعر تكون موزعة وفقا لنمط محكوم بمنحني الجرس المعياري standard bell curve. ويبين اتساع قاعدة الجرس (مقيسة بقيمة «سيگما» أو الانحراف المعياري) القيمة التي تنحرف بها التغيرات في الأسعار عن القيمة المتوسطة؛ وتعتبر الأحداث المتطرفة أحداثا بالغة الندرة؛ ومن ثم لا تؤخذ الأعاصير في الاعتبار.

 

فهل تتفق البيانات المالية تماما مع مثل هذه الافتراضات؟ بداهة إنها لا تتفق معها مطلقا. فالرسوم البيانية التي تبين التغيرات في أسعار الأسهم أو العملات بالنسبة إلى الزمن تكشف عن وجود تحركات طبيعية ثابتة من الارتفاعات والانخفاضات الطفيفة في  الأسعار ـ ولكنها تكون منتظمة بالدرجة المتوقعة عندما تكون التغيرات في الأسعار متسقة مع المنحني الجرسي؛ على أن هذه الأنماط لا تشكل في الواقع إلا جانبا واحدا من الرسم البياني. فالخلفية الطبيعية background المكونة أساسا من ذبذبات منتظمة تضم أيضا عددا كبيرا من التغيرات الكبيرة المفاجئة ـ تظهر على هيئة أشواك تبرز إلى الأعلى وإلى الأسفل، كما في حالة سهم شركة ألكاتيل. وعلاوة على ذلك، فإن مقدار التغير (الكبير والصغير على السواء) في حركة الأسعار قد يظل ثابتا تقريبا لمدة سنة ثم يزداد فجأة وقد يستمر كذلك لفترة طويلة. ويزداد تواتر القفزات الكبيرة في الأسعار كلما زاد اضطراب السوق ـ تظهر مجموعات منها على الرسم البياني.

 

تشكل نظرية المحفظة المالية الحديثة خطرا على أولئك الذين

يؤمنون بها إيمانا قويا وتحديا صعبا أمام المنظِّرين.

ووفقا لنظرية المحفظة المالية، فإن احتمال حدوث هذه التقلبات الكبيرة لا يتجاوز مضاعفات العدد 1024/1 .(تزيد التذبذبات على 10 أضعاف الانحراف المعياري standard deviation). غير أنه في الواقع يلاحظ المرء أشواكًا (تقلبات حادة) تظهر بصورة منتظمة ـ قد تصل إلى مرة كل شهر ـ ويبلغ احتمال حدوثها بضع وحدات من واحد من المئة. صحيح إن المنحني الجرسي يُوصف في أحيان كثيرة بأنه المنحني الطبيعي ـ أو بتعبير أدق منحني التوزيع الطبيعي، ولكن هل يمكن إذًا وصف أسواق المال بأنها غير طبيعية؟ بطبيعة الحال لا ـ إن أسواق المال هي أسواق المال والعيب يكمن في نظرية المحفظة المالية.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N10_H01_008146.jpg

 

تشكل نظرية المحفظة المالية الحديثة خطرا على أولئك الذين يؤمنون بها إيمانا راسخا وتمثل تحديا قويا أمام المنظِّرين. ومع أن المؤمنين بصحة هذه النظرية يسلِّمون أحيانا بوجود أخطاء في أسلوب التفكير الحالي، فهم يزعمون أنه لا توجد افتراضات أخرى يمكن معالجتها من خلال النمذجة الرياضياتية. ويثير هذا تساؤلا بشأن إمكانية وضع وصف كمي صارم، على الأقل لبعض سمات الثورانات المالية الرئيسية. إن الإجابة المقتضبة هي أن التغيرات الكبيرة في السوق هي حالات شاذة، أو أعمال فردية «قدرية» ولا تنطوي على أي رتابة يمكن تصورها. ويقوم الإصلاحيون بتصويب الافتراضات الضعيفة التي تقوم عليها نظرية المحفظة عن طريق إدخال تعديلات طفيفة لا تستند إلى مبدأ توجيهي ولا تؤدي إلى تحسين الأمور بالقدر الكافي. أما بحوثي ـ التي أجريتها على مدى سنوات طويلة ـ فتتبع نهجا جديدا تماما، وهو بالتأكيد نهج صعودي.

الشكل التوضيحي1

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N10_H01_008147.jpg

فركتلي (كسوري) مكون من ثلاث قطع (المخطط العلوي: يمكن استكمال هذا الفركتلي بصورة متكررة في كل قطعة من القطع في الرسوم البيانية اللاحقة (المخططات الثلاثة العليا)، إن النمط الناتج يشبه باطراد التذبذبات في أسعار السوق. (يكون المولد المستكمل مقلوبا في كل قطعة من القطع الهابطة).

 

تصمَّم الأساليب الجديدة لإعداد النماذج من أجل إضفاء نوع من

النظام على الأسواق المالية التي تبدو كأدغال يصعب اختراقها.

وأزعم أنه يمكن تفسير التغيرات في الأسعار المالية باستخدام نموذج مستنبط من بحوثي في مجال هندسة الفركتليات (الكسوريات) fractal geometry. والفركتليات أو الصورة الحديثة لها المسماة الفركتليات المتعددة multifractals ـ لا تدّعي التنبؤ بالمستقبل على وجه الدقة، ولكنها توفر صورة أكثر واقعية لأخطار السوق. وفي ضوء المشكلات التي تواجه الأوعية الاستثمارية الجماعية الضخمة المسماة صناديق الأمان hedge funds، فإن من الصواب الاستفادة من دراسة النماذج التي توفر تقديرات أدق لاحتمالات الخطر.

 

الفركتليات المتعددة والسوق

توجد بالفعل قاعدة عريضة من الرياضيات المتعلقة بالفركتليات والفركتليات المتعددة، ولا تتجلى أنماط الفركتليات في تغيرات أسعار الأوراق المالية فحسب وإنما أيضا في توزيع المجرات في الكون وفي الأشكال التي تتخذها خطوط السواحل وفي التصاميم الزخرفية التي تولدها البرامج العديدة للحواسيب.

 

والفركتلي (الكسوري) fractal شكل هندسي يمكن تقسيمه إلى أجزاء يمثل كل جزء منها صورة مصغّرة للكل. وتطبيق هذا المفهوم في علم المالية finance ليس عملا تجريديا لا أساس له، ولكنه يمثل إعادة صياغة نظرية لجزء عملي من التقاليد المتعلقة بالسوق ـ وهو أن التحركات في سعر أي سهم أو عملة تبدو كلها متشابهة عندما يتم تكبير أو تصغير الشكل البياني لحركة السوق، بحيث ينتظمها جميعا مقياس واحد للزمن والسعر. عندئذ لا يستطيع المشاهد معرفة أي البيانات تتعلق بالأسعار التي تتغير من أسبوع لآخر أو من يوم لآخر أو من ساعة لأخرى. وتبين هذه الخاصية أن الأشكال البيانية تمثل منحنيات فركتلية، كما تتيح الكثير من الأدوات الفعالة للتحليل بوساطة الرياضيات والحواسيب.

 

ثمة مصطلح تقني أكثر تحديدا للتعبير عن التشابه بين الأجزاء والكل، وهو التآلف الذاتي self-affinity. وترتبط هذه الخاصية بمفهوم أكثر شهرة يتعلق بالفركتليات هو مفهوم التشابه الذاتي self-similarity، الذي يتم فيه تصغير أو تكبير كل خاصية من خصائص الصورة بنسبة معينة ثابتة ـ وهي ذاتها العملية التي تتم عند تكبير الصور الفوتوغرافية. غير أن الأشكال التي تُعبِّر عن تغير الأسعار في الأسواق المالية لا تنطوي على أي تشابه ذاتي.

 

ولدى النظر إلى أي رسم بياني ذي مخططات ارتفاعها أكبر من عرضها ـ كما هي الحال بالنسبة إلى كل واحد من التغيرات صعودا أو هبوطا في سعر سهم من الأسهم ـ نجد أنه عند تحويل الكل إلى الجزء لا بد من تصغير المحور الأفقي بنسبة أكبر من نسبة تصغير المحور الرأسي. وفي حالة رسم بياني يمثل تغير الأسعار، يتعين لإجراء هذا التحويل تقليص مقياس الزمن (المحور الأفقي) أكثر من تقليص مقياس السعر «المحور الرأسي». وفي هذه الحالة يقال للعلاقة الهندسية بين الكل وأجزائه علاقة تآلف ذاتي self affinity.

الشكل التوضيحي2

إن تحرك قطعة من قطع المولد إلى اليسار

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N10_H01_008148.jpg

الشكل التوضيحي3

… يتسبب في إحداث القدر نفسه من نشاط السوق في فترة زمنية أقصر في القطعة الأولى من المولد، كما يُحدث كمية النشاط نفسها في فترة زمنية أطول في القطعة الثانية من المولد…

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N10_H01_008149.jpg

الشكل التوضيحي4

… ويتسبب تحرك المولد إلى اليسار في زيادة تقلب السوق بصورة مطردة.

http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N10_H01_008150.jpg

 

ومعظم الإحصائيين لا يولون أهمية كبيرة لوجود خواص غير متغيرة. أما الفيزيائيون والمتخصصون في الرياضيات، من أمثالي، فهم مغرمون بهذه الخواص ويسمونها لامتغيرات invariances، كما أنهم يُفضلون النماذج التي لها خاصة لامتغيرة جذابة. ويمكن الحصول على فكرة جيدة عما أقصده تحديدا عن طريق رسم بياني بسيط تُمثَّل عليه التغيرات في الأسعار في خطوات متتابعة بدءا من زمن 0 إلى زمن لاحق 1. وتُحدَّد الفترات الزمنية اختياريا، فقد تُمثِّل الفترة الواحدة ثانية أو ساعة أو يوما أو سنة.

 

تبدأ السيرورة بسعر ما، يُمثَّل بخط اتجاه مستقيم a straight trend line[الشكل التوضيحي 1]. بعد ذلك يُستخدم خط منكسر، يسمى المُوَلِّد generator، لإعداد النمط المقابل للتذبذبات الصاعدة والهابطة في السعر المعلن في الأسواق المالية. ويتكون المُولِّد من ثلاث قطع يتم إدخالها عن طريق الاستكمالinterpolation على طول خط الاتجاه المستقيم (لا يمكن للمولِّد، الذي يقل عدد قطعه عن ثلاث، محاكاة سعر يمكن أن يرتفع وينخفض). بعد رسم المولِّد الأولي، تُستكمل قِطعُهُ الثلاث بثلاث قطع أقصر. وبتكرار هذه الخطوات يتكون شكل المولِّد أو منحني السعر، ولكن بمقاييس رسم مختزلة. إذ يختزل كل من المحور الأفقي (مقياس الزمن) والمحور الرأسي (مقياس السعر) بحيث ينطبقان على الحدَّين الأفقي والرأسي لكل قطعة من قطع المولد.

 

هل يمكنك تحديد المنحني المزيف؟

كيف يُقارَن أداء فركتليات متعددة بالسجلات الفعلية للتغيرات في الأسعار المالية؟ يمكننا تقييم أدائها بمقارنة عدة مجموعات سابقة للتغيرات في الأسعار بعدد قليل من النماذج المصطنعة. ومن المؤكد أن الهدف من نمذجة أنماط الأسواق الفعلية لا يتحقق في الشكل الأول، الذي يسير على وتيرة واحدة ولا يتجاوز كونه يمثل خلفية ثابتة من التغيرات الطفيفة في الأسعار، وهي تشبه الضوضاء الثابتة التي تصدر عن مذياع. فالتقلبات تظل منتظمة من دون قفزات مفاجئة. وفي أي سجل سابق من هذا النوع تختلف القراءات اليومية من يوم لآخر ولكن القراءات الشهرية تكون متشابهة إلى حد كبير. أما الشكل الثاني البسيط، إلى حد ما، فهو أكثر واقعية؛ لأنه يُظهِر قفزات حادة كثيرة؛ ولكن هذه القفزات تكون متباعدة، أما الخلفية فهي ليست متغيرة ويظل فيها التغير العام للأسعار ثابتا. ويتسم الشكل الثالث بتبادل فترات قوة وضعف لعدم وجود أي قفزات حادة.
http://oloommagazine.com/images/Articles/15/SCI99b15N10_H01_008151.jpg

وبمجرد النظر يتبين أن هذه الأشكال الثلاثة بسيطة بساطة غير واقعية؛ ولنبدأ الآن بكشف المصادر. يبين الشكل 1 تذبذبات الأسعار في نموذج وضعه في عام 1900 عالم الرياضيات الفرنسي<L.باشوليه>Bachelier. وتتبع التغيرات في الأسعار خطى عشوائية randomwalk تخضع لمنحني الجرس وتصور النموذج  الذي تستند إليه النظرية الحديثة للمحفظة المالية. ويمثل الشكلان 2 و 3 تحسينات جزئية أدخلت على عمل باشوليه: نموذج اقترحتُه في عام 1963 (أساسه عمليات ليڤي العشوائية الثابتة Lévy stable random processes) ونموذج آخر نشرتُه في عام 1965 (أساسه حركة «براون» الجزئية fractional Brownian motion). غير أن هذه التنقيحات غير كافية، إلا في ظل ظروف سوقية خاصة.

الأشكال الخمسة السفلى في الرسم البياني، وهي الأشكال الأكثر أهمية، بينها شكل واحد على الأقل يمثل سجلا حقيقيا وشكل آخر على الأقل يمثل عينة مولدة بالحاسوب لآخر نموذج وضعته للفركتلات المتعددة. وبوسع القارئ أن يصنف هذه الخطوط الخمسة في مجموعات على النحو الذي يراه مناسبا. وآمل أن يلاحَظ أن الأشكال المصطنعة متقنة بصورة مثيرة للدهشة. والواقع أن اثنين فقط من هذه الأشكال يمثلان نشاطا حقيقيا للسوق. فالشكل 5 يبين التغيرات في سعر أسهم شركةIBM، والشكل 6 يبين التقلبات في سعر صرف الدولار مقابل المارك الألماني. أما الأشكال المتبقية (4 و 7 و 8) فهي قريبة الشبه بالشكلين الحقيقيين المشار إليهما أعلاه، ولكنها كلها أشكال مصطنعة تماما، وهي نتاج صورة منقّحة بدرجة كبيرة لنموذج الفركتليات المتعددة الذي وضعته.

 

الاستكمال بلا حدود

لا تظهر في الشكل التوضيحي إلا المراحل الأولى، غير أن السيرورة تستمر على المنوال نفسه. ومن الناحية النظرية ليس لهذه السيرورة نهاية، أما من الناحية العملية فمن غير المفيد الاستمرار في الاستكمال لفترات زمنية تقل عن الفترات التي تفصل ما بين المعاملات التجارية، والتي قد تحدث في أقل من دقيقة. ومن الواضح أن كل قطعة تنتهي بشكل يشبه الشكل الكلي تقريبا. وبعبارة أخرى، فإن اللاتغير في المقياس يكون موجودا لمجرد أنه أدخل أصلا في العملية. والجديد في الأمر (والمدهش أيضا) هو أن منحنيات الفركتليات المتآلفة فيما بينها تُظهر بُنية ثرية في كل من هندسة الفركتليات ونظرية الشواش theory of chaos.

 

ويعطي عدد قليل من المولدات المختارة ما يسمى منحنيات الفركتلي الأحاديunifractal curves التي تُظهِر شكل السوق الهادئ نسبيا الذي تعبر عنه نظرية المحفظة المالية الحديثة. غير أن الهدوء لا يسود إلا في ظل ظروف خاصة غير عادية لا توفرها إلا هذه المولدات الخاصة. والفرضيات التي يقوم عليها هذا النموذج المفرط في التبسيط هي أحد الأخطاء الأساسية لنظرية المحفظة المالية الحديثة. وهي تشبه إلى حد كبير نظرية عن أمواج البحر لا تسمح بأن يزيد ارتفاع الموج على ست أقدام.

 

وجمال هندسة الفركتليات هو أنها تتيح إيجاد نموذج عام بدرجة تكفي لمحاكاة كل من الأنماط المميزة للأسواق الهادئة التي تنشأ عن نظرية المحفظة المالية وظروف التجارة الشديدة التقلب التي اتسمت بها الأشهر الأخيرة. ويمكن تعديل طريقة إعداد النموذج الفركتلي للأسعار التي ورد وصفها في الفقرات السابقة مباشرة بحيث تبين كيفية تسارع وتباطؤ نشاط الأسواق ـ جوهر التقلبات volatility. وهذا التغير هو السبب في وصف «فركتليات» بأنها «متعددة».

 

والخطوة الأساسية لإعداد فركتلي متعدد من فركتلي أحادي هي إطالة أو تقصير المحور الأفقي الذي يمثل الزمن بحيث يتم تمديد أو تقليص قطع المُولِّد. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يظل المحور الرأسي الذي يمثل السعر من دون أي تغيير. ففي [الشكل التوضيحي2]يتم تقصير القطعة الأولى من المولد الفركتلي الأحادي باطراد، مما يتيح فرصة أيضا لإطالة القطعة الخاصة بالسعر الثاني. وبعد إجراء هذه التعديلات تصبح المولدات متعددة الفركتليات (M1 إلى M4). ويتسارع نشاط السوق خلال الفترة الزمنية المقابلة للقطعة الخاصة بالسعر الأول من المولد، ويتباطأ ذلك النشاط خلال الفترة الزمنية للقطعة الخاصة بالسعر الثاني [الشكل التوضيحي3].

 

وهذا التعديل في المولد يمكن أن ينتج محاكاة تامة لتقلبات السعر خلال فترة معينة، باستخدام عملية الاستكمال التي سبق ذكرها: وفي كل مرة يُزاد تقصير القطعة الأولى من المولِّد ـ وتُجرى عملية الاستكمال المتتابع ـ فإنها تنتج منحنيا يماثل بصورة مطردة خصائص الأسواق المتقلبة [الشكل التوضيحي4]. والشكل الفركتلي الأحادي (U)(قبل إخضاعه لأي تقصير في الطول) يقابل الأسواق المستقرة becalmed markets المفترضة في نموذج نظريات المحافظ المالية. ومع التقدم في المجموعة (من M1 إلى M4)، يزداد الشكل انحرافا عن النموذج، ليتخذ هيئة القفزات الشوكية (أو الوتدية)الحادة في الأسعار والتقلبات الكبيرة المتواصلة التي تشبه المعاملات التجارية الحديثة. ومن أجل تقريب نماذج الأسواق المتقلبة إلى الواقع، تم خلط القطع الثلاث لكل مولد ـ وهذه العملية غير مبينة في الشكل التوضيحي. وهي تعمل على النحو التالي: تخيل حجر نرد (المستخدم في لعبة الطاولة)يحمل كل وجه من أوجهه صورة أحد التباديلpermutations الستة لقطع المولِّد. وقبل كل استكمال، يرمى النرد ويختار التبديل  الذي يظهر.

 

ما الذي يستنتجه أمين صندوق إحدى الشركات أو أي تاجر عملة أو أي شخص آخر مسؤول عن وضع استراتيجية للتعامل في السوق من كل هذا؟ من الواضح أن هناك اختلافات بين الصورة التي ترسمها نظرية المحفظة المالية الحديثة والتحركات الفعلية في الأسعار. فالأسعار لا تتغير بصورة مستمرة، وهي تخضع لتذبذبات كبيرة على نطاق جميع المقاييس الزمنية. أما التقلبات ـ وهي ليست كيانا استاتيكيا يمكن إهماله أو التعويض عنه بسهولة ـ فهي جوهر ما يحدث في الأسواق المالية. وفي الماضي، كان المسؤولون عن إدارة الأموال يتبنون الاستمرارية وتحركات الأسعار المقيَّدة في نظرية المحفظة المالية الحديثة بسبب غياب بدائل قوية. غير أن المسؤولين عن إدارة الأموال لم يعودوا مضطرين لقبول النماذج المالية الحالية بصورتها الراهنة.

 

البديل الآخر هو استخدام الفركتليات المتعددة لإجراء اختبار فاصل stress-test لأي محفظة مالية. وفي هذه الطريقة تسعى القواعد التي تستند إليها الفركتليات المتعددة إلى إيجاد أنماط التغير variability  نفسها، محاكية في ذلك القواعد غير المعروفة التي تحكم الأسواق الفعلية. وتقدم الفركتليات المتعددة وصفا دقيقا للعلاقة بين شكل المولِّد وأنماط التقلبات الصاعدة والهابطة في الأسعار التي تظهر في المخططات البيانية للأسواق الفعلية.

 

وعلى الصعيد العملي، تشير هذه النتيجة إلى إمكانية وضع مولِّد للفركتليات باستخدام البيانات السابقة للأسواق. ولا يقتصر النموذج الفعلي المستخدم على دراسة ما حدث في السوق في اليوم السابق أو الأسبوع السابق، بل يكون في الواقع تمثيلا أكثر واقعية لتقلبات السوق، التي تسمى الحركة «البراونية» الفركتلية fractional Brownian motion خلال فترة الاتجار المتعددة الفركتليات. ويمكن للأشكال التي تتكون من المولدات المنتجة بهذه الطريقة محاكاة سيناريوهات بديلة على أساس النشاط السابق للسوق.

 

ولا يمكن لهذه الأساليب أن ترقى إلى مستوى التنبؤ بأي انخفاض أو ارتفاع في السعر في يوم معين اعتمادا على سجلات الفترات السابقة. ولكنها توفر تقديرات لاحتمال ما يمكن أن يحدث في السوق وتتيح التأهب للتغيرات الحتمية القادمة. وتصمم الأساليب الحديثة لإعداد النماذج بحيث تضفي شيئا من التنظيم على «الأدغال الكثيفة» التي تكتنف الأسواق المالية والتي يبدو أنه يتعذر اختراقها. كما أنها تعترف بما أثبتته الأحداث الأخيرة بتحذيرات البحارة التي ينبغي الالتزام بها: حتى في أهدأ البحار قد تكون العاصفة وراء الأفق مباشرة.

 

 المؤلف

Benoit B.Mandelbrot

أسهم في العديد من المجالات العلمية والأدبية؛ وهو متخصص في علم الرياضيات بالتمرس. وعمل منذ عام 1987 أستاذا للعلوم الرياضياتية في جامعة ييل، كما كان عضوا في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، وعضوا مشاركا أجنبيا في الأكاديمية الوطنية للعلوم بالولايات المتحدة والأكاديمية النرويجية. ومن الجوائز التي حصل عليها جائزة ولف Wolf للفيزياء عام 1993. وحاز ميداليات كل من بارنارد وفرانكلين وستينميتز، كما حاز جائزة العلوم للفن Science of Art وهارڤي Harvey وهيومبولدت Humboldt وهوندا Honda.

 

مراجع للاستزادة 

THE FRACTAL GEOMETRY OF NATURE. Benoit B. Mandelbrot. W. H. Freeman and Company, 1982.

FRACTALS AND SCALING IN FINANCE: DISCONTINUITY, CONCENTRATION, RISK. Benoit B. Mandelbrot. Springer-Verlag, 1997.

THE MULTIFRACTAL MODEL OF ASSET RETURNS. Discussion papers of the Cowles Foundation for Economics, Nos. 1164-1166. Laurent Calvet, Adlai Fisher and Benoit B. Mandelbrot. Cowles Foundation, Yale University, 1997.

MULTIFRACTALS AND 1/F NOISE: WILD SELF-AFFINITY IN PHYSICS. Benoit B. Mandelbrot, Springer-Verlag, 1999.

Scientific American, February 1999

 

(*) A Multifractal Walk down Wall Street

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى