أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
علم الاجتماع

تنظيم الأسرة وما يفتقر إليه

تنظيم الأسرة وما يفتقر إليه(*)

في كثير من البلدان، يتعذر على النساء والرجال على حد سواء

الحصول على موانع الحمل المناسبة لهم. وما لم تمنح النساء

خيار التحكم في ولاداتهن فستواجه أرجاء واسعة من

العالم في القرن القادم مشكلات بيئية وصحية وخيمة.

<M.پوتس>

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N4_H01_00244.jpg

 

خلال عام 1999 ارتفع عدد سكان العالم فجأة ليتجاوز سقف الستة بلايين نسمة، وكانت إضافة البليون الأجدّ خلال 12 عاما فقط. ومثل هذه الأحداث العددية المهمة، كالانقلاب التقويمي للشهر 12 من هذا العام، ليست بالطبع سوى نتاج صنعي كيفي لنظامنا الحسابي العشري، ومع ذلك فإنها تتيح فرصة ملائمة لتقييم بعض الاتجاهات المهمة.

 

على المستوى العالمي، فإن متوسط عدد الأطفال المولودين لكل امرأة، أي معدل الخصوبة fertility rate، قد انخفض خلال العقود الثلاثة الماضية من 6 إلى 2.9، وقد حدا ذلك ببعض المعلقين إلى التكهن بأن الزيادات السكانية لم تعد تشكل أي تهديد. لقد أخطئوا في ذلك، فمازال عدد السكان الإجمالي يتنامى كل عام بنحو 78 مليون نسمة ـ وهو عدد يساوي عدد سكان ألمانيا، إضافة إلى أن بلدانا كثيرة لديها أعداد كبيرة من الشباب؛ فقد شاع فيها حتى وقت قريب، الإقبال على تكوين أسر كبيرة.

 

وتعني هذه التركيبة السكانية بأن هذا النمو السكاني السريع سوف يستمر قطعا في العقود القادمة، إضافة إلى أن معظمه سيحدث في البلدان النامية، حيث خدمات تنظيم الأسرة ناقصة أو غير متوافرة. ففي البلدان التي تفتقر إلى المؤسسات الطبية والمالية والتربوية المناسبة، فضلا عن شح مواردها الغذائية والمائية، سوف يؤدي النمو السكاني السريع فيها إلى زيادة معاناة شعوب هذه البلدان، ولسوف ترتبط خلال القرن القادم جودةُ حياة نسبة كبيرة من البشر ـ ومجملُ سكان العالم في المستقبل ـ ارتباطا حاسما بقدرة العالَم على تلبية عاجلة لما يفتقر إليه حاليا تنظيم الأسرة.

 

عالميا، تحدث يوميا أكثر من 000 400حالة من الحمل. وإذا كان نصف هذا العدد مرغوبا فيه وبقرارات متوافقة، إلا أن النصف الآخر غير مرغوب فيه، ويؤسف له بمرارة. وقد تبين عبر سلسلة من الاستبيانات أجريت في 50 بلدا محدودة الدخل، وشملت أكثر من000 300امرأة، أن عدد الأطفال الذين ترغب كل واحدة منهن في إنجابهم تجاوز، على وجه التقريب في كل بلد من هذه البلدان، عدد حمول هذه النساء. وعندما كنت أمارس طب التوليد في مستشفى لندن في الستينات كنت أسأل كل واحدة من الأمهات الجديدات: «متى ترغبين في إنجاب طفلك التالي؟» كن يجبن في معظم الحالات: «يا دكتور، كنت على وشك سؤالك عن هذا الأمر.» وبعبارة أخرى، كن سعيدات لإتاحتي الفرصة أمامهن لإثارة موضوع مُرْبِك ولكنه مهم في الوقت نفسه. بيد أن رئيسي في المستشفى لامني بسبب مناقشتي موضوع التحكم في الولادات، فأدركت عندئذ بأن تنظيم الأسرة، حتى ولو كان مقبولا، يظل مثيرا للجدل.

 

وخلال الثلاثين عاما الماضية، اتخذت عدة بلدان إجراءات واسعة لتحسين خدمات تنظيم الأسرة. وقد ازداد استخدام موانع الحمل في العالم من 1 لكل 10 أزواج إلى أكثر من نصف عدد جميع الأزواج. علما بأن زيادة 15% في استعمال موانع الحمل تؤدي إلى ولادة واحدة أقل لكل امرأة. وهكذا، ففي أثيوبيا يمارس 4% فقط من النساء منع الحمل، ومعدل الخصوبة فيها هو 7، أما في جنوب إفريقيا فيستخدم نحو 53% من النساء بعض موانع الحمل ومعدل الخصوبة فيها هو 3.3: فالرغبة في أسر صغيرة بدأت بالانتشار. وفي عام 1998 قام الباحثون المشاركون في البنك الآسيوي للتنمية في لاووس، أحد البلدان الأكثر فقرا في العالم، بدعوة الناس هناك للإدلاء بآرائهم حول نوع المساعدة التي يرغبون فيها أكثر من غيرها. وفيما طلب الرجال تأمين عمل لهم، كان تنظيم الأسرة على رأس أولويات النساء.

 

الخصوبة واستخدام موانع الحمل في بعض المناطق المختارة في التسعينات

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N4_H01_00245.jpg

إن لاستعمال مانع الحمل تأثيرا واضحا في معدل عدد الأطفال من أم واحدة. وتكون معدلات الخصوبة أخفض على نحو بارز في المناطق التي تكون مساعدات برامج تنظيم الأسرة سهلة المنال.

 

ويختلف بوضوح معدل الحاجة إلى موانع الحمل في أثيوبيا أو في غرب إفريقيا، حيث تنجب النساء عادة ستة أطفال، عما هي عليه الحال مثلا في إيطاليا التي لديها أحد أخفض معدلات الخصوبة في العالم وهو 1.2. ويحدث الانخفاض في الخصوبة حيثما يعبر الناس عن رغبتهم في إنجاب عدد قليل من الأطفال، وتكون لديهم إمكانات تنظيم الأسرة. إن ما يرغب فيه هؤلاء هو الحصول على وسائل متنوعة، يقوم برفدها الإجهاض المأمون فيما إذا اختاروا ذلك. فالأقراص والرفالات والمواد المزروقة (المحقونة) هي النماذج الأكثر استعمالا إلى حد بعيد في البلدان النامية.

 

عقبات أمام التقدم

تكمن المشكلة في أن موانع الحمل في بعض أنحاء العالم، إما غالية جدا، أو ببساطة غير متوافرة لمن هم بحاجة إليها. ولقد أثبت الرفال النسائي femalecondom، وهو تطور حديث، بأن استعماله مكلف جدا في غالبية المناطق الفقيرة. وقد شاهدت في سريلانكا نساء متلهفات للتحكم في ولاداتهن، ولكنهن فقيرات إلى الحد الذي كن فيه مضطرات إلى شراء خمسة أقراص من مانع الحمل الفموي بدلا من عبوة شهرية تحوي 21 قرصا. وفي البلدان النامية يقدر بأن 120 مليون من الأزواج لا يرغبون في إنجاب طفل آخر، ولكنهم لا يستطيعون الحصول على وسائل تنظيم الأسرة أو لديهم معلومات ناقصة حول الموضوع. ونتيجة لذلك يجلب الحمل اليأس والكآبة بدلا من البهجة والسرور.

 

وقد يكون تحديد حجم الأسرة صعبا، فخصوبة المرأة السليمة تتراوح ما بين 12 إلى 50 عاما من عمرها، فيما ينتج الرجال نطفا قابلة للحياة منذ البلوغ وحتى الوفاة. ويمارس العديد من الأزواج الجماع من دون احتياطات لعدم تمكنهم من الحصول على مانع الحمل أو شرائه. وبالنسبة إلى بعضهم الآخر يتسم الاتصال الجنسي بالعنف بحيث لا تُتاح للمرأة فرصة تحاشي الحمل غير المرغوب فيه. وقد تبين من خلال استفتاء أجري في عام 1998 في ولاية أوتاربراديش الهندية، أن 43% من الزوجات تعرضن للضرب من قبل أزواجهن. فمساعدة هؤلاء النسوة تتطلب أن يكون الحصول على موانع الحمل سهلا جدا.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N4_H01_00246.jpg

يرتبط الحجم المستقبلي لسكان العالم ارتباطا حاسما بالسرعة التي يتم بها التوصل إلى الحد الذي تنجب عنده كل امرأة بمعدل 2.1 طفل. وتشير الإسقاطات إلى أنه قد يكون للتقدم السريع نحو تخفيض الخصوبة أثر واسع.

 

وفي بلدان عديدة تشكل القوانين بعض العقبات. وحتى العام الفائت، كان الحصول على أقراص منع الحمل محظورا على النساء اليابانيات، ولذلك كان عليهن الاعتماد اعتمادا أساسيا على الإجهاض. وفي إيرلندا، كان بيع الرفالات ـ حتى بداية التسعينات ـ مقتصرا على بعض الأسواق، ومازال بعض الصيادلة يرفضون بيعها حتى الآن. ولا تسمح الحكومة الهندية باستعمال موانع الحمل الزروقة injectable، مع أنها أثبتت شعبيتها لدى الجارة بنگلادش. وعلى نحو عام يستطيع الأغنياء إيجاد طرق للالتفاف حول مثل هذه العقبات، إلا أن الفقراء لا يستطيعون ذلك.

 

ولدى بعض الشعوب لا يمكن الحصول على موانع الحمل إلا بوصفة طبية. ويعني ذلك أن هذه الموانع لن تصل إلى الكثير من القرى في آسيا وإفريقيا، حيث لا يوجد أطباء أو تتوافر قلة منهم. وفي تايلند بدأ عدد كبير من النساء باستعمال أقراص التحكم في الولادات(1) عندما أعطيت الممرضات والقابلات صلاحية توزيعها عليهن. ولسوف يحد حصرها بالممارسات الطبية من خيارات تنظيم الأسرة ويجعل منع الحمل أكثر غلاء من دون أن نضيف شيئا من الأمان؛ علما بأن أقراص التحكم في الولادات أكثر أمانا من الأسبرين. ولسوف يكون العالَم في وضع صحي أفضل إذا توافرت موانع الحمل الفموية في الدكاكين الصغيرة، ومُنع بيع السگائر إلا بوصفة طبية.

 

وتقدم التبدلات في كوريا الجنوبية والفلبّين مثالا واضحا جدا على كيفية تقلص حجم الأسرة عندما تُعرض سلسلة من خيارات موانع الحمل للمستهلكين بأسعار مناسبة وعبر قنوات سهلة. وفي عام 1960 كان معدل عدد الأطفال لدى الأسر في كلا البلدين نحو 6 أطفال لكل أسرة. وفي عام 1998 انخفضت الخصوبة إلى 1.7 في كوريا الجنوبية. ومع ذلك بقيت الخصوبة في الفلبين ثابتة عند 3.7 بسبب صعوبة الحصول على مساعدة برامج تنظيم الأسرة فيها. وقد بينت الأبحاث الاقتصادية بوضوح بأن صغر حجم الأسرة هو متطلب من متطلبات رفع الدخل الفردي في أي بلد كان. إذًا، فإن الفرق في معدل الخصوبة بين كوريا الجنوبية والفلبين قد يفسر لنا إلى حد بعيد سبب بلوغ دخل الفرد في كوريا الجنوبية 550 10دولارا، في حين ظل هذا الدخل في الفلبين 1200 دولار فقط.

 

وفي كولومبيا انخفضت الخصوبة من 6 إلى 3.5 خلال 15 عاما فقط بعد توافر موانع الحمل بكثرة في عام 1968. وفي تايلند استغرقت الوثبة ذاتها ثماني سنوات فقط، فيما استغرق هذا الانتقال المماثل في الولايات المتحدة 60 عاما تقريبا، من 1842 حتى 1900. ففي عام 1873، تمكن<A.كمستوك> (وكان من الناشطين ضد الرذيلة) من إقناع الكونگرس بالحد من مبيعات موانع الحمل. واستمر هذا الوضع حتى عام 1965 عندما ألغت المحكمة العليا القوانين المتبقية التي تحرّم منع الحمل. ولم تُجْرَ أية استقصاءات عن حجم الأسر المرغوبة في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، ولكن يخامرني الشعور بأن لدى الكثير من الأزواج أطفالا أكثر مما كانوا يرغبون.

 

وتوضح الحالتان المتناقضتان في بنگلادش وباكستان خاصة كيف يمكن لتنظيم الأسرة أن يساعد النساء على النجاة من قرون من الإذعان لرغبات حمواتهن ومن حالة الخنوع لأزواجهن. وكان هذان البلدان حتى الحرب الأهلية في عام 1971 ضمن وحدة سياسية واحدة، حيث وصل عدد الولادات لدى النساء إلى 7. وخلال العشرين عاما الماضية قامت بنگلادش بجهد منهجي للتزود بمختلف وسائل تنظيم الخصوبة بما فيها الأقراص والزروق. وبوساطة هذه الوسائل صار من الممكن للنساء التحكم في ولاداتهن سواء أصبحن حوامل أو لا ـ وهي ميزة قد يفتقرن إليها إذا كن يعتمدن على استعمال أزواجهن للرفالcondom. ونتيجة لذلك، ومع وجود الفقر المدقع، انخفضت الخصوبة إلى 3.3 بسبب استعمال موانع الحمل بين النساء البنگلادشيات، فقد ارتفعت نسبة استعمال موانع الحمل من 5% في السبعينات إلى 42% حاليا. ولم تحدث تبدلات مماثلة في باكستان حيث لم تتمكن حتى الآن غالبية السكان من الوصول إلى تنظيم الخصوبة fertility regulation، وظلت النساء يحملن بمعدل 5.3 طفل. ولسوف ينجم عن هذه الفروق نتائج من المتوقع استمرارها طويلا وبنشاط خلال القرن الحادي والعشرين. ومع أن بنگلادش سيزداد عدد سكانها بنسبة 65% بحلول عام 2050، فمن المحتمل أن يزداد عدد سكان باكستان 2.2 مرة عما هو عليه اليوم.

 

الخيارات المطروحة

لقد شهدتُ خلال حياتي أعظم التبدلات الديمگرافية (السكانية) في التاريخ. فلقد تضاعف عدد السكان الإجمالي ثلاث مرات تقريبا منذ ولادتي في عام 1935، بل تضاعف هذا العدد أربع مرات خلال المئوية الماضية. وكان السبب الرئيسي في ذلك هو الانخفاض المرحب به في وفيات الرضّع والأطفال بفضل انتشار إجراءات الصحة العامة بما فيها التلقيح. ولسوء الحظ لم يرافق هذا التقدم انتشار مواز لوسائل منع الحمل الحديثة.

 

واعتبارا من القرن التاسع عشر فقط، بدأت الأسر تضم أكثر من طفلين يبقيان على قيد الحياة حتى الجيل التالي ـ ولو كان الأمر خلاف ذلك لحدث انفجار سكاني منذ قرون. إن وجود الأسر الكبيرة أمر حديث ووقتي وشاذ. فالأسر الصغيرة تخفف التوتر في البيئة، وتسهم في زيادة الوفورات(2) ـ وتشكل مغنما مباشرا لذاتها. وقد بينت الأبحاث التي أجريت في تايلند أن الأطفال المولودين في أسر أنجبت ذرية من اثنين أو أقل هم أكثر حظا لدخول المدرسة والاستمرار فيها من أطفال الأسر الكبيرة التي تضم أربعة أو أكثر من الصغار. وعندما تحدث المباعدة بين الحمول مدة عامين على الأقل، فإن لذلك أهمية كبرى للمحافظة، على نحو مؤكد تقريبا، على حياة الأم والطفل. وعالميا، تموت امرأة واحدة كل دقيقة نتيجة للحمل والولادة أو الإجهاض. وتحدث 99% من هذه الوفيات في البلدان النامية. وإن تيسير الحصول على وسائل منع الحمل سوف يُخفض من معدل هذه الوفيات، وذلك بإنقاذ ما يعادل 000 100امرأة كل عام.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N4_H01_00247.jpg

تُفْصح الكثيرات من نساء البلدان المحدودة الدخل عن رغبتهن في الاستفادة من خدمات تنظيم الأسرة إذا كانت متوافرة بسهولة. ويُشير بعضهن إلى رغبتهن في تجديد حجم أسرهن، فيما يرغب بعضهن الآخر في مساعدتهن على المباعدة بين الحمول.

 

عندما ألّف<P.إهرليخ>كتابه الشهير القنبلة السكانية عام 1968 كانت الحكومات الغربية قد بدأت فعلا بدعم تنظيم الأسرة في عدد من البلدان مثل كوريا الجنوبية. وفي الوقت نفسه بدأ علماء السكان والسياسيون يتكلمون عن التحكم في السكان population control، فأعطوا انطباعا بأن البلدان الغنية ترشد الشعوب الأخرى كيف تعيش. وأما اليوم، فإننا نعلم بأن الطريق الأنجع لإنقاص معدل الولادات هو الإصغاء إلى مناقشة الناس لهذا الأمر، ومن ثم منحهم سلسلة من الخيارات. فالبالغون قادرون على اتخاذ القرارات الخاصة حول ما يريدون.

 

وقد يتمكن الكثير من الناس في العالم النامي من تحمّل مبلغ ضئيل من أجل موانع الحمل الحديثة، ولكن البلدان الفقيرة لا تستطيع تغطية كامل تكاليف تصنيع وتوزيع وتطوير موانع الحمل. وتُوافر القلة من الحكومات كالهند وأندونيسيا موانع الحمل معفية من الضريبة أو بأسعار التكلفة. إلا أن بعض الشعوب فقيرة جدا أو يعتريها الفساد لدرجة أنها لا تستطيع أن تجعل تنظيم الأسرة إحدى أولوياتها. وبالنسبة إلى الكثير من مئات الملايين من الناس في العالم الذين لا يتجاوز دخلهم اليومي دولارا واحدا، تشكل المعونات التي تمنحها الدول الغنية أمرا أساسيا ـ وملحا.

 

واتفاق الآراء هذا حول تنظيم الأسرة حفّز عقد مؤتمر عالمي عام 1994، عندما نظمت هيئة الأمم المتحدة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في القاهرة. وقد وسّع البرنامج الذي أُقر في القاهرة النظرة التقليدية للنشاطات السكانية التي لم تعد تتضمن تنظيم الأسرة فحسب، بل أيضا المساعي المبذولة لتخفيض عدد وفيات الأمهات ومعالجة حالات العدوى (الخمج) infection المنتقلة عن طريق الممارسة الجنسية، وللحد من انتشار الإيدز. وقد قُدِّر أن تبلغ تكاليف ذلك في هذا العام، 17 بليون دولار تدفع منها الدول المتقدمة 6.5 بليون (من دولارات عام 1998).

 

هل سيتم تأمين هذا المبلغ من المال؟ ليس في المدى المنظور. ففي عام 1998 كان مجموع المساعدات الخارجية المقدمة من البلدان المتقدمة إلى البلدان الفقيرة هو الأدنى خلال ثلاثين عاما. ومن هذا المجموع جرى تخصيص نحو 3% فقط من أجل برامج تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية. وفي الواقع، قطعت الولايات المتحدة اعتمادها المالي لبرامج تنظيم الأسرة الدولية خلال الأعوام الخمسة الماضية.

 

وفي العام الماضي قدمت البلدان المتقدمة فقط ثلث المبلغ الذي تعهدت بتقديمه في القاهرة. وفي بعض البلدان وبسبب هذا العجز صار من الصعب مجاراة التكلفة المتزايدة لموانع الحمل وللمضادات الحيوية لعلاج الأمراض المنتقلة عن طريق الممارسات الجنسية.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N4_H01_00248.jpg

ازداد استخدام موانع الحمل في العالم. كما ازداد عدد النساء اللواتي يستخدمن وسائل حديثة مقارنة بالتقنيات التقليدية كالعزل والعفة. ومع ذلك ثمة تفاوت واسع في هذا المضمار بين البلدان الغنية والفقيرة.

 

إحصاء الأجيال المقبلة

إن الكثيرين من آباء أطفال القرن الحادي والعشرين قد ولدوا قبل الآن. ولذلك يمكن إجراء تقديرات موثوقة لمستقبل سكان العالم حتى عام 2050. وتتصور الإسقاطات الأخيرة الصادرة عن قسم السكان في الأمم المتحدة في عام 1998 مجموعا إجماليا لعدد سكان العالم عام 2050، يتراوح ما بين 7.3 و 10.7 بليون نسمة. ويعتبر 8.9 بليون هو التصور الأكثر احتمالا.

 

ومن الضروري أن نُدرك مع ذلك بأن هذا العدد «الأكثر احتمالا» يفترض ارتفاعا مستمرا في معدل استعمال موانع الحمل وما ينجم عن هذا الأمر من انخفاض هائل في معدلات الولادة. وعلى نحو خاص يفترض أن الخصوبة في البلدان النامية سوف تصل إلى 2.1 في عام 2050؛ ونظرا للتوجهات الحالية يبدو ذلك مستبعدا. ففي مناطق واسعة من إفريقيا وجنوب آسيا، يُلاحظ أن معدلات الخصوبة أعلى من 2.1 بكثير. فما لم تتوافر الاعتمادات المالية من أجل برامج تنظيم الأسرة، فإنني لا أرى سببا للاعتقاد بأن الخصوبة سوف تنخفض بالقدر الذي تفترضه الأمم المتحدة«أكثر احتمالا».

 

إن إسقاطات عام 1998 تأخذ بالضرورة في اعتبارها الانتشار الذي لا يتوقف لڤيروس الإيدز في كثير من البلدان. ويبدو الآن أنه من المحتمل حتى عام 2010 أن يصاب بالعدوى أكثر من 50 مليون من البشر، وهذا العدد هو تقريبا عدد المحاربين والمدنيين الذين قتلوا إبان الحرب العالمية الثانية. وقد عمل الإيدز على تخفيض متوسط توقع الحياة بنحو سبع سنوات في 29 بلدا من البلدان الأكثر معاناة في إفريقيا. وعلى الرغم من هذه الانعكاسات المدمرة يتابع عدد سكان إفريقيا ازدياده المطرد بدءا من 750 مليون حاليا ليتجاوز 1.7 بليون في عام 2050؛ وذلك بسبب الزخم القائم في البنية السكانية الشبابية.

 

وليست الإسقاطات السكانية تنبؤات، ولكنها بيانات عن «ماذا لو؟». فإذا كان الدعم لتنظيم الأسرة لا يفي بالغرض، هنالك ثلاث إمكانيات لا تمنع واحدة الأخرى.

 

أولا، قد تكون معدلات الولادة أعلى مما تفترضه الأمم المتحدة في إسقاطاتها. وسيكون للتبدلات الطفيفة في المعدل، كأن تنخفض الخصوبة في العقود القليلة القادمة، نتائج عميقة فعلا حتى القرن الثاني والعشرين. فعلى سبيل المثال، إن نيجيريا التي يبلغ عدد سكانها حاليا 114 بليون نسمة، إذا وصل معدل الخصوبة إلى 2.1 في عام 2010 فلسوف يستقر عدد سكانها في نحو عام 2100 على 290 مليونا. وإذا لم يصل هذا البلد إلى معدل خصوبة 2.1 لكل امرأة حتى عام 2030، فلسوف يرتفع عدد السكان حتى 450 مليونا وتصبح كثافة نيجيريا السكانية أكبر بنسبة 40% مما هي عليه حاليا في هولندا. وإذا استقر معدل الخصوبة على ما هو حتى عام 2050، فقد يصل عدد سكان نيجيريا نظريا إلى 700 مليون. وفي واقع الأمر سوف يحد المرض أو الجوع من عدد السكان بأبشع الطرق قبل ذلك التاريخ بكثير.

 

إن النتيجة الثانية الممكنة للإخفاق في نشر تنظيم الأسرة هو ميل بعض الحكومات إلى فرض إجراءات قاسية للتحكم في عدد السكان كما هي الحال في الصين. ففي الخمسينات والستينات قام ماوتسي تونگ بتشجيع الأسر الكبيرة لأسباب أيديولوجية (علما بأن التايوانيين الذين يحصلون بسهولة على موانع الحمل، لديهم أسرع الانخفاضات في الخصوبة في التاريخ.) وفي الوقت نفسه استفاق الصينيون في عام 1979 على الحاجة إلى إبطاء نموهم السكاني، حيث كان زخم هذا النمو كبيرا إلى حد أن الدولة فرضت قوانين صارمة من أجل أن يقتصر كل زوجين على طفل واحد فقط. وعلى الرغم من هذه السياسة نما عدد الصينيين من 989 مليون في عام 1979 إلى 1.25 بليون حاليا ـ وهي زيادة أقل قليلا من مجموع سكان الولايات المتحدة في بلد له المساحة نفسها تقريبا.

 

أما الإمكانية الثالثة فهي ارتفاع معدل الإجهاضات. والمعدل العالمي حاليا هو عملية إجهاض واحدة في حياة كل امرأة. ويشير أحد الحسابات الحديثة المستندة إلى إحصاءات إفريقية إلى أنه في الحالات التي لا تتوافر فيها موانع الحمل لتلبية الحاجات المتزايدة إليها، فلسوف يلزم إجراء ستة إجهاضات أو أكثر لينخفض معدل الولادات بحسب افتراضات الأمم المتحدة. ولسوف يؤدي ذلك إلى وفاة الآلاف من النساء لأن الإجهاض غالبا ما يتم بطريقة غير مأمونة.

 

ففي مستهل هذه الألفية سوف يقسم نجاح أو فشل الجهود الوطنية لتنظيم الأسرة العالمَ على امتداد صدع جيوسياسي جديد. فالشعوب الصناعية الجديدة في آسيا وأمريكا اللاتينية سوف يستقر حجم أسرها على طفلين أو أقل نحو عام 2010 لتلتحق بركب الشعوب الغربية الغنية، وسوف تتكون لديها شيئا فشيئا مجموعة سكانية معمِّرة، وسيتضاعف عدد مواطنيها الذين بلغوا الستين عاما بحلول عام 2050.

 

ولسوف يرهق الانتشار السريع للزيادات السكانية المجموعة الأخرى من البلدان في إفريقيا وشبه القارة الهندية. كما أن جماعات واسعة من الشباب فيها ستدخل سن الرجولة بتعليم بسيط وبفرص عمل قليلة أيضا. وقد يشكل بعضهم عصابات في الأحياء الفقيرة من المدينة المتفجرة وغير المستقرة سياسيا، ويحاول آخرون الاحتيال على العيش بالقضاء على بقايا الغابات.

 

وقد اعترف مؤتمر القاهرة بالمساهمة الحاسمة التي يمكن أن يحققها إنجاز التنمية المستدامة sustainable development في إرساء الاستقرار السكاني العالمي على نحو مبكر. إن تحويل الاقتصاد الشامل إلى اقتصاد مستدام بيولوجيا يمكن أن يبرهن على أهم جوانب التحديات التي تواجه البشرية. وأخيرا يجب أن نبني عالما لا نتعدى فيه على البيئة بأكثر مما تستطيع تعويضه وأن لا ننشر تلوثا بأكثر مما تستطيع هذه البيئة تحمله.

 

ولكي ينجح هذا الانتقال يتوجب على المجتمعات أن تخفض من معدلات الاستهلاك ومن الأحجام السكانية على حد سواء. فلقد أضحى من المستحيل على الكرة الأرضية حاليا تأمين مستوى حياة غربي western  لكل فرد. كما يتوقع عدد من الخبراء بأن بليونا من البشر سوف يواجهون أزمات مياه وخيمة بحلول عام 2025.

 

ولحسن الحظ فقد تراكمت خبرات عديدة حول كيفية جعل تنظيم الأسرة قانونيا ومتاحا. وتلبية هذه الحاجة الحيوية ستكلف البلدان المتقدمة أقل من خمسة دولارات سنويا للفرد الواحد. وهو مبلغ تافه مقارنة بالتكاليف المالية والبيئية والبشرية في حالة التقاعس عن توفير الدعم اللازم لبرامج تنظيم الأسرة.

 

 المؤلف

Malcolm Potts

طبيب بريطاني، وقد حصل على الدكتوراه في علم الجنين embryology من جامعة كمبردج. وخلال الثلاثين عاما الماضية عمل مع عدة مجموعات في تخطيط وإنجاز خدمات تنظيم الأسرة وفي الوقاية من الإيدز. وهو عضو في مجلس الخدمات السكانية العالمية وعضو في عدة منظمات أخرى. وقد شارك في تأليف مجموعة من الكتب حول جوانب الخصوبة البشرية. وفي العام الماضي (1999) نشر پوتس كتابين: منذ زمن آدم وحواء و تطور الجنسانية البشرية. وهو أستاذ في معهد الصحة العامة بجامعة كاليفورنيا.

 

مراجع للاستزادة 

SEEKING COMMON GROUND: DEMOGRAPHIC GOALS AND INDIVIDUAL CHOICE. Steven Sinding, with John Ross and Allan Rosenfield. Population Reference Bureau, Washington, D.C., May 1994.

HOPES AND REALITIES: CLOSING THE GAP BETWEEN WOMEN’S ASPIRATIONS AND THEIR REPRODUCTIVE EXPERIENCES. Alan Guttmacher Institute, New York, 1995.

SEX AND THE BIRTH RATE: HUMAN BIOLOGY, DEMOGRAPHIC CHANGE, AND ACCESS TO FERTILITY-REGULATION METHODS. Malcolm Potts in Population and Development Review, Vol. 23, No. l, pages 1-39; March 1997.

6 BILLION: A TIME FOR CHOICES. THE STATE OF WORLD POPULATION 1999. UNFPA, United Nations Population Fund, New York, 1999. Available at wwwunfpa.org/ swp/swpmain.htm on the World Wide Web.

LET EVERY CHILD BE WANTED: HOW SOCIAL MARKETING IS REVOLUTIONIZING CONTRACEPTIVE USE AROUND THE WORLD. Philip D. Harvey. Greenwood Publishing, 1999.

Scientific American, January 2000

 

(*) The Unment Need for Family Planning

 

(1)birth-control pills

(2)economies

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى