أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

نحو فهم أعمق للتجارب السريرية

نحو فهم أعمق للتجارب السريرية(*)

إن الرحلة الممتدة ما بين البحث الطبي الأولي وبين زجاجة الدواء

في صيدلية الأسرة، هي رحلة معقدة تستغرق وقتا طويلا وتكاليف

باهظة. تُرى هل يمكن تشذيب سيرورة التجربة السريرية؟

<A .J. زيڤين>

 

من المؤكد أن إحدى كبرى قصص الطب في السنوات الخمس الماضية تمثَّلت في فورة الغضب التي انصبت على الأنجيوستاتين والإندوستاتين، وهما مركَّبان أعلنت عنهما بعض التقارير الإعلامية وبشَّرت بهما علاجًا للسرطان (وهو بالتأكيد ادعاء سابق لأوانه). إن هاتين المادتين ـ اللتين أنقصتا حجم الورم على نحو مذهل في مجموعة من فئران المختبر ـ احتلتا في ربيع عام 1998 عناوين الأخبار الرئيسية على امتداد بضعة أسابيع، ولكن ما لبثتا أن توارتا عن الأنظار.

 

وعلى الرغم من ذلك، استمر العلماء في دراستهم المنهجية البطيئة لهذين العقارين. وبعد عام ونصف، أي في الشهر 9/1999، أصبح الأطباء متأهبين ـ في النهاية ـ لبدء اختبار الإندوستاتين في البشر. وفي الشهر 4/2000 كان يجري تنفيذ الطور الأول(1) من التجربة السريرية (الإكلينيكية) في بوسطن وهيوستن وماديسون بولاية وسكونسن. وما لم تحدث مضاعفات غير متوقعة، فمن المؤكد أن تستمر هذه التجارب خلال العام 2000. وحتى إن سارت الأمور كلها سيرا سلسا وبرهن الإندوستاتين على أنه وسيلة معالجة آمنة وفعالة، فلن يصبح متاحا للمرضى إلا بعد بضع سنوات.

 

وهناك قصة أخرى كثيرا ما تحتل الصدارة في الأخبار الطبية، وهي البشرى بالمعالجة الجينية. ومع أن ما يقرب من نصف قرن انقضى على بدء ثورة البيولوجيا الجزيئية، فليست مثل هذه المعالجات متاحة؛ إلا أن اختبار المداواة الجينية أمر قائم، وهو حاليا موضوع تفحُّص دقيق. وليست الشكوى الآن موجهة إلى بطء التقدم في البحوث، ولكن إلى ما إذا كانت البحوث في الواقع مؤذية للمرضى. ففي الشهر 9/1999 توفي شاب مشارك في الطور الأول من إحدى تجارب المعالجة الجينية استهدفت اضطرابا استقلابيا (أيضيا) نادرا هو عوز الأورنيثين ترانسكارباميلاز، ونجمت وفاته عن مضاعفات سببتها تلك المعالجة. وفي الأشهر اللاحقة، نُشرت أيضا تقارير عن وفيات أخرى نتيجة للتجارب السريرية في مجال المعالجة الجينية. وقد ركّز الكثير من النقاش الذي تناول هذه القصص المأساوية على كيفية تسيير التجارب، وعلى ما إذا كان احتمال سوء تصرف الباحثين قد أفضى إلى حالات الوفاة.

 

إن سيرورة التجربة السريرية (الإكلينيكية) ذات الأقسام الثلاثة المطلوبة للحكم على فاعلية المعالجات المحتملة وسلامتها هي مهمة أساسية. وقد تقتضي التجارب الضرورية ما يزيد على عقد من الزمن كي تكتمل؛ كما قد تكلف مئات ملايين الدولارات. (وللحصول على أوصاف أكثر تفصيلا عن الأطوار الثلاثة للتجربة السريرية، انظر ما هو مؤطر في الصفحات 13، 15، 17). إن التجارب التي تخفق في إثبات نجاح معالجةٍ ما تفوق كثيرا في عددها تلك التي تثبت نجاح المعالجة فعلا، مع أن كلا منهما قد تتطلب التكلفة ذاتها. ومع أن الأرقام الدقيقة غير متوافرة، إذ لا تحبذ الشركات الصيدلانية ذكر إخفاقاتها، فإننا لا نبالغ إن قلنا إن آلاف العقاقير والوسائل الطبية جرى تقييمها في العقد الماضي وحده.

 

إن معظم الناس لا يعرفون إلا النزر اليسير عن طريقة إجراء التجارب السريرية وعن أسسها العلمية. ومع هذا فقد يُطلب إليهم أن يخاطروا بصحتهم، وربما بحياتهم، للمشاركة في تجربة ما، ولا يتاح لهم في الغالب إلا وقت قصير لاتخاذ قرارات ذات شأن خطير. وفضلا عن ذلك، تجاوزت التجارب على البشر في السنوات الأخيرة حدود كونها مجرد طريقة لتحري العقاقير الجديدة، لأنها أدت دورا مهمًّا في إيصال الرعاية الصحية؛ فالعديد من المرضى يرون أن الاشتراك في تجربةٍ ما، هو الطريقة الوحيدة للحصول على المعالجات التجريبية التي يعدونها منقذا محتملا لحياتهم.

 

لقد برزت إلى السطح مشاعر القلق حيال الطريقة التي يتم بها إجراء التجارب السريرية، وذلك من حيث المال والوقت وصراعات المصالح المحتملة التي تشتمل عليها. تُرى هل تدفع شركات الأدوية الباحثين إلى إعلان نتائج بحوثهم بالطرق الأكثر خدمة لتلك الشركات فحسب؟ هل من المعقول حقا شرح الأخطار المحتملة كلها للمريض (وهو مطلب لضمان الحصول على «موافقته الصادرة عن وعي كامل»)، في الوقت الذي يعدُّ التوصل إلى معرفة تلك الأخطار هو هدف التجربة؟ كيف يمكن تحقيق التوازن بين الرغبة في إجراء اختبار شامل لعقار مرشح للقبول والرغبة في جعل المعالجات المنقذة للحياة متاحة للمرضى على نحو سريع؟ وتطول قائمة التساؤلات. وتحت وطأة الضغط الذي يمارسه الجمهور والحكومة والشركات الممولة للبحوث الطبية، يكافح القائمون على الاستقصاءات السريرية كفاحا مستمرا لتخفيض تكلفة السيرورة ومدتها ـ من غير أن يضحوا بضوابط الجودة المفروضة لحماية المرضى ولضمان سلامة المعالجات الجديدة وفعاليتها.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N12_H02_003542.jpg

 

وفي مدة تزيد على 20 عاما راقبتُ مئات التجارب السريرية من زوايا مختلفة؛ كنت فيها باحثا ومستقصيا وطبيب أعصاب سريريا. وعملت أيضا مستشارا في المعاهد القومية للصحة (NIH) وفي إدارة الأغذية والأدوية (FDA) في الولايات المتحدة وفي العديد من الشركات الصيدلانية. كما كنت مستشارا لمنظمة تبرم عقود بحث، وهي شركة تستطيع شركات الأدوية أن تستأجرها لتنظيم التجارب السريرية. وفي غضون هذه السنين حاول القائمون منا على التجارب السريرية إدخال تحسينات على التجربة التقليدية أو إيجاد بدائل لها. وقد تساعد بعض هذه التقنيات على حل المعضلات الحالية؛ إلا أنني أعتقد أنه عند الموازنة تبقى التجربة السريرية العشوائية randomized المُراقَبة controlledذات المراحل الثلاث هي الطريقة التي يمكن التعويل عليها والوثوق بها في اختبار العقاقير الجديدة والوسائل الطبية المستحدثة.

 

حماية المرضى

إن الشكوى من الحاجة إلى ما يُدعى التجارب السريرية المراقَبة المُعَمّاةblinded، هي الشكوى الأساسية حول الصيغة السائدة الآن في اختبار أشكال المداواة التجريبية على البشر. فمن الوجهة المثالية ينبغي ألا يعرف الأطباء ولا المرضى ما إذا كان فرد ما جزءا من الزمرة المعالَجة أو من الزمرة الشاهدة (الضابطة)(2) (وهي التي تتناول علاجا غُفْلا placebo أو تتناول أفضل علاج متاح مثبت الفاعلية)؛ وبهذا فهم «عُمْي» لا يعرفون هل يُعطوْن العقار الخاضع للاختبار أو لا. ومن دواعي تعقيد المسألة فكرة العشوائية randomization، وهي طريقة اختيار المرضى عشوائيا ووضعهم إما في زمرة التجربة أو في الزمرة الشاهدة. وبسبب هذه الممارسة فغالبا ما يتذمر المرضى من كونهم «فئران تجارب» لا حول لها تُوظَّف لصالح شركات الأدوية التي تفوقها جدا في القوة والبأس. وهم يحاولون الدفاع عن فكرة أن المرضى، الذين قد تبدو فرصتهم الوحيدة للشفاء كامنة في تلقّي آخر ما توصل إليه الباحثون من معالجات حديثة فعالة، يجب أن يتمتعوا بضمان الوصول إليها.

 

ولكن لو عرف الباحثون بشكل ما أن العقار المرشح هو في الواقع علاج أفضل، لما برزت الحاجة إلى إجراء تجربة. إن من المهم علميا تقسيم الأفراد ضمن إطار التجربة إلى مجموعة اختبار(3) ومجموعة شاهدة وعلى نحو عشوائي  تماما. وإن لم يحصل ذلك فالنتائج النهائية ستكون منحازة. وإذا كانت مجموعة الاختبار مؤلفة على نحو أساسي من مرضى أخفقت معهم العقاقير الأخرى جميعها (وهذا يرجح أنهم من أكثر المرضى اعتلالا) فقد يبدو العقار الخاضع للتحري أقل فعالية من العلاج الغُفْل، حتى وإن لم يكن كذلك، لا لشيء إلا لأن المرضى الذين تناولوه باشروا به وهم في حالة صحية متدهورة. وعلى نقيض ذلك، إذا أَعطى القائمون على التجربة السريرية العقار المختبر ـ عن دراية أو من دون دراية ـ للمرضى الأفضل صحة، فقد يبدو أنه أكثر فعالية.

 

إن ما هو أساسي في العلم ليس دائما ذا معنى عند المرضى، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين يعانون أمراضا تهدد حياتهم. ولهذا فمن أجل حماية المرضى من الانتهاكات المحتملة ومن أجل التوجه نحو مصادر قلقهم، يدمج منظمو التجارب مستويات عديدة من المراقبة ضمن خططهم. ففي البدء، إن الأطباء ملزمون ـ وفقا لأخلاقيات المهنة ـ بأن يقدموا للمرضى أفضل رعاية ممكنة، سواء أكانوا جزءا من التجربة أم لم يكونوا. ولا يُطْلب إلى الأطباء إطلاقا إدراج أحد في دراسة تجريبية، كما لا يمكن إجبار المرضى على الانخراط بها. وحينما يقرر أحد المرضى أن يسجل اسمه فعليا، فمن واجب الأطباء تزويده شفهيا وكتابيا بشرحٍ كامل لطبيعة الدراسة، وإعطاؤه كافة المعلومات المتاحة حول الأخطار والفوائد المحتملة للمشاركة. فإن وافق المرضى ـ أو الأوصياء المسؤولون عنهم ـ على الاستمرار، فعليهم الإقرار بذلك كتابيا. وتدعى هذه السيرورة الحصول على الموافقة الواعية. وللمرضى دائما حق رفض الاشتراك في تجربة ما أو الانسحاب منها في أي وقت يشاؤون.

 

من المستحيل أن تُعرف سلفا التأثيرات الجانبية المحتملة كلها لعقار تجريبي. ولهذا السبب تعتمد المستشفيات التي تجري تجارب سريرية في الولايات المتحدة على هيئات التدقيق المؤسساتية Institutional Review Boards IRBs . ويغلب أن يتألف هذا المستوى الثاني من الرقابة من لجنة من مانحي الرعاية ومن محامي المرضى ومن أفراد آخرين مهتمين غير مهنيين (من محامين ورجال دين مثلا). ويجب الحصول على موافقة الهيئة IRB على التجربة قبل  البدء بها في أي موقع. وإذا ساور أعضاءَها القلقُ حيال كيفية تقدم التجربة، فبإمكانهم إيقافها في المستشفى التابع لهم أو طلب إدخال تغييرات على أسلوب العمل.

 

ومن المألوف أن تتضمن كل تجربة ما يدعى هيئة مراقبة سلامة البيانات DataSafety Monitoring Board  DSMB  ابتغاء تأمين درجة حماية إضافية للمرضى. وتعمل هذه المجموعة من الأطباء وخبراء الإحصاء مستقلة عن رعاة تجربة العقار وعن الباحثين العلميين. فهم يراقبون التجربة ويدققون إجراءات السلامة باستمرار، ويقيّمون دوريا بعض المظاهر الأخرى. ويمكن كشف أسرار التعمية لهذه الهيئة خلال سير التجربة إن دعت الحاجة إلى ذلك. فإن وجدت هذه الهيئة أن الزمرة المعالَجة تتحسن على نحو أفضل كثيرا من الزمرة الشاهدة (أو العكس)، فإن بمقدورها أن توصي بإنهاء التجربة.

 

في بعض الأحوال، بوسع الأطباء إعطاء معالجات تجريبية للمرضى خارج نطاق تجربة سريرية. وهناك أشكال من المداواة لم تصادق عليها الإدارة FDA، ومع هذا يمكن إتاحتها لشديدي المرض بغية تقديم ما يدعوه الأطباء «علاج الرحمة»(4). ولكن مادامت هذه المعالجات لم تُختبر على نحو كاف بين البشر، فليس لمتلقيها ضمانات تكفل لهم فائدة ـ أو سلامة ـ العقار والإجراء الطبي الجديد. وفضلا عن ذلك، إن نتائج تجارب كهذه لن تنفع آخرين، لأنهم لم يكونوا جزءا من تجربة سريرية حسنة التصميم.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N12_H02_003543.jpg

يستغرق الحد الزمني النموذجي لتطوير العقار عدة سنوات، وتمتد هذه من البحث الأولي في المختبر، وحتى التجارب على البشر، والمعاينة من قبل وكالة تنظيمية (كإدارة الأغذية والأدوية FDA في الولايات المتحدة)، وأخيرا مراقبة العقاقير في السوق. ولقد أدت جهود الإدارة FDA والباحثين السريريين إلى تقصير زمن السيرورة إلى حد ما، بيد أن التجربة الكاملة تستغرق زمنا غير قصير.

 

وانطلاقا مما نعرفه الآن عن تجارب الطور الأول من المعالجة الجينية التي تخللتها وفاة بعض المرضى، يمكن القول إن لجنة المراقبة قد تُعطَى معلومات مغلوطة(5). ففي العديد من التجارب التي هي الآن قيد الاستقصاء (والتي أوقف عدد منها) لم يُعْلِم الباحثون المعاهدَ NIH ببعض الأخطار الصحية المرتبطة بالمعالجة ـ وهي أخطار سبق أن لاحظوها؛ إما في الاختبارات على الحيوانات وإما في مرضى آخرين. (قدم معظم الباحثين تقارير للإدارة FDA عن حدوث  مضاعفات، لكن هذه الإدارة لا تنشر بيانات عن التجارب).

 

لقد كان بإمكان تلك الإبلاغات ـ التي يتطلبها القانون الفدرالي ـ أن توقف التجارب وتمنع حدوث الوفيات. ومن سوء الطالع أن الباحثين حينما يعتقدون أنهم اكتشفوا «وسيلة سحرية» ـ أي معالجة تشفي بأمان كامل ـ فقد يصعب عليهم تعرف الأخطار المرتبطة بأي تجربة سريرية. بيد أن الصعوبات التي يرجح كثيرا أن يصادفها العلماء في تطوير المعالجات الجينية هي مشابهة لتلك التي تُعد شائعة في اختبار المعالجات التقليدية. إن الوفيات الحديثة ينبغي أن تذكِّر الباحثين كلهم بمدى حيوية وضرورة إجراء الدراسات حسب القواعد الراسخة جيدا.

 

إن الجمهور والأطباء والشركات الصيدلانية متفقون جميعا على وجوب توخي السرعة في اختبار العقار المرشح، مع مراعاة الدقة أيضا، كي تغدو طرق المداواة الجديدة المفيدة متاحة في أسرع وقت ممكن. ومن الواضح إلى حد ما، أن اعتبارات الجمهور هي اعتبارات إنسانية واضحة. لكن دوافع الأطباء قد تكون مختلطة. إنهم يريدون أن يتلقى المرضى أفضل معالجة، ولكنهم يستفيدون ماليا من إدخال المرضى في التجربة؛ إذ إن شركات الأدوية تدفع للأطباء مبالغ مالية لقاء كل مريض جديد يتم تسجيله. وتظهر أحداث تجارب المعالجة الجينية أن الالتزام بالسلوك المهني قد يتعرض للخطر أيضا. ومن نافلة القول إن للشركات الصيدلانية مصلحة مالية مؤكدة في دفع التجارب سريعا؛ إذ كلما طالت مدة التجربة ارتفعت تكاليفها. وعلاوة على ذلك فالتجربة الناجحة القصيرة الأمد تسمح للشركة ببيع منتجها بسرعة أكبر (والاستفادة من حماية براءة اختراعها مدة أطول).

 

تسريع سيرورة التجربة

تعتمد السرعة التي يمكن إجراء التجربة بها اعتمادا أساسيا على عدد الباحثين والمرضى المشاركين. وكلما ازدادت سرعة جمع المعلومات، ازدادت سرعة الباحثين في بدء تفسيرها. وينطبق هذا بصفة خاصة على المعالجات التي ربما قدمت فوائد مهمة لعدد محدود نسبيا من المرضى، وعلى المعالجات التي تقدم منافع متواضعة فحسب لأفراد كثيرين. وعلى سبيل المثال، يَمنع التناول اليومي للأسپرين حدوث السكتات (النشبات) الدماغية strokes  سنويا في نحو 1.5 في المئة من المرضى الذين عانوا سكتة سابقة. ولم يستطع الباحثون البرهان على وجود تأثير كهذا إلا بإعطاء الأسپرين لعدد ضخم جدا من المرضى. ومع أن هذه الفائدة قد تبدو ضئيلة، فإن الأسپرين لا يكلف إلا القليل من الدولارات كل عام، في حين تصل تكاليف رعاية مريض واحد بقي على قيد الحياة بعد إصابته بالسكتة الدماغية ما يقارب 000 50 دولار سنويا. وإذا تفحصنا الأمر من منظور أشمل قلنا إن نحو 000 15 فرد من بين مليون مريض يجب أن يستفيدوا من المعالجة بالأسپرين.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N12_H02_003544.jpg

الإندوستاتين: عقار محتمل مضاد للسرطان، يخضع الآن لاختبارات الطور الأول في مركز أبحاث السرطان بجامعة ويسكونسن.

 

يعمد القائمون على التجارب إلى إجراء دراساتهم في مواقع متعددة من العالم، وهي طريقة لإشراك أكبر عدد ممكن من المرضى وبأقصى سرعة ممكنة. ويعني ازديادُ مواقع العمل ازديادَ عدد المرضى وتنوع مجموعات الناس الذين سيكونون أفضل تمثيلا لأولئك البشر الذين سيقْدمون يوما ما على تناول ذاك العقار أو استعمال تلك الوسيلة الطبية.

 

وعلى الرغم من فوائد التجارب الدولية، فقد أضحت الجهود المبذولة في مجالها عرضة للانتقاد. فالذين يريدون الحط من قيمة هذه التجارب يدَّعون أن بعض شركات الأدوية تستغل الناس في العالم النامي حينما تُجري اختباراتها للمعالجات الجديدة المنقذة للحياة في الأقاليم التي يعيش فيها هؤلاء (ولا سيما دراسة ڤيروس عوز المناعة HIV المسبب لمرض الإيدز(6))، ولكنها تحول، بعدئذ، بينهم وبين الحصول على هذه الأدوية الباهظة التكلفة بالنسبة إلى غالبية المرضى الذين يتعذر عليهم شراؤها على نفقتهم. إن هذه القضية، على ما فيها من جوانب مزعجة، لا تعكس ولا تعني تصميما سيئا لتجربة سريرية، بل يمكن القول إن من يمتلك القدرة على الوصول إلى الدواء يعكس بدلا من ذلك أحوالا سياسية واقتصادية راهنة. ومن الواجب الاعتماد على الوسائل القانونية والمالية لضمان حصول المرضى على الأدوية اللازمة لهم والتي يعجزون عن شرائها.

 

الطور الأول: تحري السلامة

عدد المتطوعين: 10- 100  شخص، أصحاء الجسم عادة

ما يأمل الباحثون معرفته: الجرعة العُظمى الآمنة من العقار

المدة النموذجية: 1.5 سنة

التكلفة النموذجية: 10 ملايين دولار

في المرحلة الأولى من التجربة السريرية (الإكلينيكية) يجمع الباحثون معلومات عما إذا كان العقار آمنا كي يُعطى للبشر. وفي حالة ثبوت ذلك، ما المقدار الذي يمكنهم تحمله؟ قد يكون إعطاء العقار للمرة الأولى مخيفا؛ لأن المتطوعين (الذين هم عادة أصحاء الجسم تماما ويتقاضون أجرا لقاء اشتراكهم) يُقْدمون على مخاطرة حقيقية. ومن المألوف أن تكون الجرعة البدئية ضئيلة جدا بغية الإقلال إلى أدنى درجة ممكنة من احتمال حدوث رد فعل خطر. ولكن ما إن يَزِد الأطباء مقدار الجرعة حتى يزداد احتمال وقوع مشكلات. فإن لاحظوا احتمال حدوث تأثيرات جانبية شديدة الخطورة أتموا إجراء اختبارات الطور الأول على المرضى الذين يعانون الحالة المرضية التي تستهدف تلك المداواةُ علاجَها. وعندئذ فإن الضرر المحتمل يمكن موازنته بالفائدة المحتملة.

ومن البدهي أن يجري التأكد من السلامة العامة للعقار بتجريبه على الحيوان قبل اختباره على البشر. ولكن الحيوانات تعجز عن التعبير عما إذا شعرت بدوار أو غثيان أو عما إذا عانت أعراضا طبية نفسية، في حين يستطيع البشر ذلك ويعبرون عنه عادة. ويعاني المتطوعون في بعض الأحيان تأثيرات جانبية تهدد حياتهم ولم تتضح خلال اختبار العقار على الحيوان، مع أن هذه المسألة نادرة جدا.

يراقب فريقُ التجربة المتطوعين عن كثب، ويلاحظ سلوكهم باستمرار ويسألهم عن مشاعرهم. ويضاف إلى ذلك قيام الباحثين عادة بقياس ضغط الدم ودرجة الحرارة وجمع عينات من الدم والبول، والمراقبة المستمرة خشية ظهور علامات خطر أخرى أشارت إليها الدراسات على الحيوان، ويتم ذلك كله من أجل الكشف المبكر عن المشكلات. ويقيس العلماء كذلك مستوى العقار في مجرى الدم وفي النسج، ليحددوا شكل توزعه في الجسم وليعرفوا سرعة وصوله إلى المستوى العلاجي وكيف يطرح الجسم هذا المركب. وحينما تدمج هذه البيانات بعضها في بعض، فإنها تساعد على اتخاذ قرار بشأن النظام السليم للجرعات.

 

ومع ازدياد حجم التجارب، تتراكم لدى الباحثين كميات كبيرة من المعلومات. ومن المألوف أن تستهلك التقارير الناتجة من دراسة مريض واحد فقط أكثر من 100 صفحة. إن سيرورة جمع هذا الكم الهائل من البيانات، ومن ثم تفحصه والتأكد من دقته يعلل الكثير مما تستلزمه التجربة من تكاليف.

 

وتحاول المقاربة البديلة المعروفة بالتجربة البسيطة الواسعة large simple trialأن تعالج جزءا من هذه المشكلة. ففي هذا النهج، لا يجمع الأطباء إلا التفصيلات ذات الضرورة القصوى فحسب ـ ويقتصرون عادة على المعلومات التعريفية وعلى قائمةِ مراقبة بسيطة تشير إلى : هل صار المريض في حالة أفضل أو من دون تغير أو في حالة أسوأ. ويمكن بعدئذ إرسال السجل كاملا إلى مركز التنسيق على بطاقة بريدية. وتؤلف هذه التجارب البسيطة الواسعة خطة اقتصادية لجمع البيانات عن أعداد هائلة من المرضى؛ إذ إنها تشتمل مِنْواليا(7) على عشرات الآلاف من الأفراد ولا تكلف إلا جزءا بسيطا مما تكلفه طريقة أخرى. ويتيح وجود هذه الأعداد الضخمة من الناس كشف تأثيرات المداواة، حتى الصغيرة منها.

 

ومع هذا إن للتجارب البسيطة الواسعة نقيصة أساسية، إذ لا يمكن استعمالها لاختبار عقارٍ مرشح جديد، لأن التأثيرات الجانبية هنا مجهولة. ومن غير الأخلاقي إخضاع عدد ضخم من المرضى لمداواة تجريبية لم يتم تحري سلامتها كاملا وفوائدها غير مؤكدة. ونتيجة لذلك، يعتمد الباحثون عادة على التجارب البسيطة الواسعة لتقييم الفعالية النسبية للمعالجات المعروفة التي تمت المصادقة عليها.

 

الطور الثاني: وضع الپروتوكول (نظام العمل)

عدد المتطوعين: 50-500  مريض يعانون المرض موضوع الدراسة

ما يأمل الباحثون معرفته: من هم الأفراد الذين يجب إدخالهم في الطور النهائي من الاختبار وما هو عددهم، علامات انتهاء التجربة، تقديرات أولية للجرعات الفعالة، مدة المعالجة.

المدة النموذجية: سنتان

التكلفة النموذجية: 20 مليون دولار

إن الهدف الأساسي لاختبارات الطور الثاني هو هدف عمليpragmatic  يتوخى إيجاد الشروط التجريبية (الاختبارية) التي تسمح لطور التجربة النهائي أن يعطي نتيجة حاسمة. (وليس هدف تجارب الطور الثاني البرهان على أن العقار المدروس علاج فعال، كما يتوهم البعض). وهنا يحاول الباحثون بصفة خاصة تثبيت نظام الجرعات المثالي. وأحد المعايير التي يجب إقرارها حالا هو نقطة النهاية المبدئية(8). وتصف نقاط النهاية النتائج غير الملتبسة التي تشير بشكل دقيق إلى ما تستطيع المعالجة أن تفعله. وعلى سبيل المثال، إن نقطة النهاية الاعتيادية التي يجري البحث عنها حين تحري مضاد حيوي (صادة) جديد هي خلو المريض من العدوى (الخمج) infection بعد المعالجة. ولكن هناك الكثير من العلل التي لا يمكن شفاؤها بهذه السرعة. ولذا يُطرح بديل لنقطة النهاية ربما يتمثل فيما إذا كان تفاقم مرض الإيدز مثلا الناجم عن الڤيروس HIV قد تباطأ أو فيما إذا كان معدل  الوفيات بسبب السرطان قد تناقص.

ومن معالم الطور الثاني إدخال المجموعة الشاهدة (الضابطة) في التجربة. إن معظم الأمراض متغايرة جدا في تفاقمها، مع ظهور فترات هدأة(9) أحيانا تحدث تلقائيا. ومن واجب الباحثين أن يميزوا بين الهدأة الطبيعية وبين تأثيرات المعالجة. إن إدخال مجموعة شاهدة ـ وهي مجموعة تتلقى العلاج الُغْفل placebo  أو أفضل مداواة متوافرة ـ يتيح فرصة  إنجاز هذه المقارنة.

وكذلك إن وجود مجموعة شاهدة يمكِّن الأطباء من تعليل حدوث مشكلات صحية لا علاقة لها بالعقار المدروس. فمثلا، قد تُتهم المداواة الخاضعة للاختبار لعلاج ارتفاع ضغط الدم بأنها تسبب الغثيان؛ غير أن الغثيان قد يحصل لأي فرد. وما لم تكن نسبة حدوثه أعلى كثيرا في الزمرة المعالجة مما هي في الزمرة الشاهدة فلن يُعدّ مشكلة.

من الوجهة المثالية، لا يعرف الأطباء ولا المرضى ما إذا كانوا جزءا من مجموعة التجربة أو من المجموعة الشاهدة. وبكلمات أخرى: إنهم «عُمْي» حيال نمط المداواة المعطاة. وخلال الطور الثاني يبذل الباحثون جهدهم ليضمنوا نجاح إجراءات التعمية. ومثال ذلك أنه في حالة استعمال حبة عقار غُفْل تُصنع هذه تماما على شكل حبة العقار المدروس، ويعالج المرضى إما بالعقار الخاضع للاختبار أو بالعقار الغفل وبالطريقة نفسها.

ومع هذا، إن إبقاء التجربة معماة يصبح في بعض الأحيان مستحيلا. فإن سبَّب العقار المدروس نوعا ما من التأثيرات الجانبية الخفيفة فسيكتشف المرضى سريعا أنهم ضمن الزمرة المعالجة. ومن المألوف أن يُعد لاأخلاقيا تعريض المريض للتخدير أو لجراحة غُفْل حين تقييم الإجراءات الجراحية. ولكن بإمكان الباحثين تعويض خسارة التعمية، والطور الثاني سيمكنهم من استنباط ذلك التعويض قبل ولوج الطور الثالث.

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N12_H02_003544_1.jpg

حينما يعدّل منظمو التجربة مقدار الجرعات ومدة المعالجة التي يجب استغراقها في الطور الثالث، عليهم أن يراجعوا بعناية سجلات المرضى خلال الطور الثاني.

 

لقد غدا التقدم في تسريع سيرورة التجربة السريرية أمرا واضحا. وطبقا لتقرير عام 1999 الصادر عن مركز Tufts  لدراسة تطوير العقاقير كان متوسط مدة التجارب السريرية الجارية بين عامي 1996 و 1998 يساوي 5.99 سنة ـ وبذا هبط الرقم عن 7.5 الذي كان هو المتوسط بين عامي 1993 و 1995. ولكن على الرغم من وجود الإجراءات المناسبة الموفرة للوقت، فلاتزال التجارب تمثل استثمارا ضخما للوقت والمال. ولهذا، حينما تكون النتائج غامضة، فمن المألوف أن يلجأ القائمون على التجربة إلى محاولة استخلاص بعض المعلومات المفيدة من عملهم الشاق.

 

غالبا ما يبدي الطور الثالث من التجربة ميلاً لصالح عقار ما، ولكن التأثير قد يكون ضئيلا جدا بحيث لا يمكنه أن يشكل برهانا مقنعا من الناحية الإحصائية. كما أن التجارب الإضافية تعطي في أحوال كثيرة نتائج ملتبسة أيضا. ولهذا، ومن أجل حالات كهذه، طوَّر الإحصائيون طرقا غايتها تجميع البيانات من التجارب السابقة كلها؛ لإجراء ما اصطلحوا على تسميته ما بعد التحليل meta-analysis. ولكن مثل هذه التقييمات تظل مثار خلاف، ويبقى الإغراء الكامن في محاولة إنقاذ نتيجةٍ ذات قيمة من مجموعة رميات لم تحقق الهدف المنشود إغراءً قويا. كما تبقى التساؤلات قائمة حول صدق validity ما بعد التحليل؛ إذ إن هذه التقنية عرضة لانحياز bias  محتمل من حيث الدراسات التي اختيرت للتضمين وقابلية إجراء المقارنة بينها. وبوسع النتائج المستخلصة مما بعد التحليل أن تفيد في تفسير قدر ضخم من البيانات المتضاربة، إلا أن هذه النتائج لا تعد بصفة عامة نهائية حاسمة.

 

التعاملات المالية

إن المال ـ بمعنى من الذي يُمول البحوث ومن الذي يجني الأرباح ـ يطل برأسه فوق كل تجربة سريرية. فعلى امتداد سنوات عدة، أنجزت الشركات الصيدلانية معظم أعمال تجاربها بنفسها، مستأجرة أطباء لتنظيم التجارب وتسييرها، ومراقبين للتحقق من دقة جمع البيانات، وإحصائيين لتحليل النتائج، وموظفين لإدخال النتائج إلى قواعد المعلومات، وعددا متنوعا من المساعدين لتدبير الشؤون الإدارية اللازمة للتنسيق في هذا المسعى الضخم. ويضاف إلى هذا كله الأطباء والممرضات المحليين الذين يقومون على رعاية المرضى المشاركين في التجربة. وسرعان ما تصبح تكاليف هذا المشروع أمرا جوهريا، إذ تصل إلى مئات ملايين الدولارات. ولذا فلا عجب من أن تسعى شركات الأدوية إلى استعادة التكاليف بأقصى سرعة ممكنة.

 

إن قصص السلوك اللاأخلاقي من جانب الشركات الصيدلانية التي تُجري التجارب قصص نادرة نسبيا، ولكنها موجودة فعليا. وقد أبدى الباحثون المنهمكون في التجارب تذمرهم أحيانا من شركات الأدوية الراعية التي تفرض القيود على ما يمكنهم الإفضاء به لزملائهم وللجمهور في حالة إخفاق معالجة ما. ويمثل إقدام المعاهد NIH على رعاية التجارب السريرية كلها أحد البدائل عن قيام الصناعة الصيدلانية بتمويل دراسات عديدة جدا. ومثل هذا الإجراء ـ وهو يحصل في الواقع من حين لآخر ـ يُنقص على نحو مذهل من دافع الربح لدى الناس الذين يجرون التجربة، ويضمن في الغالب أن تتمتع الدراسات الناتجة بأعلى مستوى من الجودة.

 

ولكن تخصيص أموال الضرائب ـ التي يدفعها الناس ـ لتمويل بحوث العقاقير الجديدة التي لن تستفيد من أرباحها الطائلة إلا الشركات الصيدلانية فحسب هو أمر مزعج. ففي الماضي، اقتصرت الإعانات الحكومية على تجارب العقاقير التي لا يرجح أن تدر أرباحا كبيرة، أو على التجارب ذات الصفة الحدسية speculative الشديدة التي تنطوي على خطورة بالغة بحيث لا تتشجع الصناعة على خوض غمارها. فمثلا، رعت المعاهد NIH التجارب التي تشير إلى أن الأسپرين خفَّض نسبة حدوث السكتات الدماغية لدى المرضى الذين سبق لهم أن تعرَّضوا لها [انظر: «الأسبرين»، مجلة العلوم، العددان 3/4(1993)، ص 46]. ومع أن عدد المرضى الذين يستفيدون من هذه النتيجة كبير جدا، فالأسپرين رخيص جدا إلى درجة لم تُحبذ فيها أي من الجهات المصنعة رعايةَ دراساته؛ لأن الأرباح الناجمة لن تسوغ التكاليف.

 

وهناك مقاربة ثالثة لتسيير التجارب، وقد تم تجريبها في السنوات الأخيرة. وتتمثل هذه في إحالة تلك التجارب إلى منظمة بحوث بالتعاقد contract researchorganization CRO. وتعمل هذه الشركات مستقلة عن الشركات الصيدلانية، وهي تُستأجر تحديدا لإجراء التجارب السريرية. وبصفة عامة لا تعمل هذه المنظمات شيئا سوى إدارة التجارب، وهي غالبا ما تمتلك القدرة على اختبار عقاقير متنوعة في أقطار متعددة في الوقت نفسه. وينجم عن ذلك نظريا وجوب كون هذه المنظمات أكثر فاعلية. وبوساطة الاعتماد عليها يجب على شركات الأدوية أن تتمكن من إنقاص تكاليف إجراء دراسات واسعة في مستشفيات متعددة. إضافة إلى ذلك، فإذا أخفق برنامج تطوير عقار ما، فليس على الشركات أن تفصل من الخدمة ـ أو تنقل ـ عددا كبيرا من الأفراد اللازمين لإجراء البحوث.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N12_H02_003546.jpg

إن العوائد المتناقصة هي المعيار في سيرورة التجربة السريرية. فمن بين الطلبات المقدمة إلى الإدارة الأمريكية للأغذية والأدوية FDA لإجازة عقار جديد، ينجح فقط نحو 20 في المئة في الوصول إلى الخطوة النهائية، وذلك بعد عدة سنوات وعدة اختبارات. وحين تتم المصادقة على تطبيق العقار المستقصى، فإنها تؤهل العلاج للتسويق والوصول إلى الجمهور.

 

وبما أن المنظمات CRO لا تجني أرباحا من بيع المواد الصيدلانية، فإنه ينبغي أن تكون أقل تعرضا لصراعات تعارض المصالح التي يتعرض لها صانعو العقاقير، وهي لا تستفيد ماليا إلا من بيع خدماتها. لذا يفترض أن الشركات لن تستأجر إحدى هذه المنظمات إلا إذا كانت تُجري تجارب موثوقة تستطيع الصمود أمام الفحص الدقيق الذي تقوم به الإدارة الأمريكية FDA.

 

وابتغاء محاولة الإقلال من مشكلات الصراعات المالية المحتملة إلى أدنى حد ممكن، فإن معظم الجمعيات الطبية والمجلات الكبيرة تطلب الآن من الباحثين بيانا يصف كيف تم تمويل العمل الخاضع للبحث، إضافة إلى أية تفصيلات أخرى لها علاقة بصراعات المصالح. وتطلب حكومة الولايات المتحدة تصريحا مماثلا من الباحثين المشاركين في التجارب التي ترعاها الحكومة ومن المستشارين المشاركين في قرارات إعطاء المنح أو القرارات التنظيمية في منظمات أمريكية مختلفة كالمعاهد NIH أو الإدارة FDA. ووصل الأمر ببعضهم إلى القول إن من واجب الباحثين الذين يملكون أسهما في شركة أدوية تدعم بحوثهم أن يبيعوا تلك الأسهم. ومثل هذه الاعتبارات أمر جديد نسبيا، وليس واضحا تماما حتى الآن ما هو تأثيرها ـ إن وجد لها أي تأثير.

 

الطور الثالث: الاختبار النهائي

http://oloommagazine.com/images/Articles/16/SCI2000b16N12_H02_003544_2.jpg

أملا في نتائج جيدة، ينتظر الطبيب والمريض في الطور الثالث من العلاج بالليزر لمرض باريت في المريء(10) إجابة حاسمة: هل  يُجدي هذا العلاج؟

عدد المتطوعين: 300 – 000 30 مصاب بالمرض الذي هو قيد الدرس

ما يأمل الباحثون معرفته: هل المعالجة فعالة، وما التأثيرات الجانبية المهمة؟

المدة النموذجية: 3.5 سنة

التكلفة النموذجية: 45 مليون دولار

إن المرحلة النهائية من سيرورة التجربة السريرية ـ أي الطور الثالث ـ هي المألوفة لدى عامة الناس. ويشترك مئات وآلاف المرضى (وربما عشرات الآلاف منهم) في هذه الاختبارات، وغالبا ما تحظى النتائج بإعلام واسع. وحين التوصل إلى هذه النقطة، يكون العلماء الذين يسيّرون دفة التجربة قد حددوا على الأقل مجموعة من المرضى يُتوقع أن يستفيدوا منها وكيف يتحقق ذلك وأفضل طريقة للمعالجة. وبإمكان تجربة الطور الثالث أن توفر تأكيدا موثوقا بأن العقار فعال.

وإذا ما حدث بعد التحليل الإحصائي المتأني أن أثبت العقار المدروس أنه أشد فعالية ـ على نحو ملموس ـ من العلاج الشاهد (الضابط) وصفت التجربة حينئذ بأنها محورية pivotal. ومن الطبيعي أن يُطلب توافر تجربتين محوريتين للبرهان على قيمة طريقة مداواة جديدة أمام الوكالات التنظيمية كإدارة الأغذية والأدوية (FDA) في الولايات المتحدة أو الوكالة الأوروبية لتقييم المنتجات الطبية. ولكن إذا كانت النتيجة الأولى مقنعة بشكل كاف، أمكن الاقتصار على تجربة واحدة. وإذا ما اقتنعت الجهة المسؤولة، صادقت على بيع العقار علاجا للمرضى.

أما إن لم تكن نتائج اختبارات الطور الثالث إيجابية، فهناك خيارات متعددة. فعن طريق تأمل الكميات الهائلة من البيانات التي تم جمعها، قد يتمكن السريريون من تحديد طائفة من المرضى تقع ضمن المجموعة الأكبر ويبدو أنها استفادت من العلاج. وحينئذ يجب أن يُجري الباحثون تجربة طور ثالث كاملة أخرى مع مجموعة أضيق من المرضى للبرهان على ما إذا كان العقار مفيدا حقا. وفي مجال التطبيق العملي غالبا ما تخفق تجارب الطور الثالث البدئية في إظهار برهان كاف على فعالية عقار مرشح للقبول، ولا بد من إجراء العديد من تجارب المتابعة.

 

أما بالنسبة إلى المستقبل القريب، فليس هناك جديد في الإطار الأساسي للتجربة السريرية، مع أن ثمة جهودا تبذل لتحسين السيرورة وضبطها. ولكن المدى الذي يمكن بلوغه في هذا الصدد هو مدى محدود. وأود أن أقول إن باستطاعتنا وصف إجراء التجربة بأشكال ثلاثة: فقد تكون جديرة بالثقة أو سريعة أو رخيصة. ويمكن القول بوجه عام إن التجربة من الممكن أن تمتلك صفتين فقط من هذه الصفات. فإن كانت سريعة ورخيصة فمن غير المرجح أن تكون جديرة بالثقة.

 

لن يتوافر على الإطلاق عقار مثالي يقدم علاجا كاملا لكل فرد ومن دون تأثيرات جانبية لأي إنسان. وتبقى التجربة السريرية مجال البرهان الحاسم لأي عقار جديد أو وسيلة طبية مستحدثة. وتبدو إحدى الطرق الجيدة لتقييم موثوقية reliability التجارب في مقارنتها بالأمور الأخرى التي تتطلب حكمًا طبيًّا. كم من المرات أُجريت جراحات غير ضرورية؟ وكم من المرات أرسلت فواتير مزورة لشركات التأمين أو مؤسسات الرعاية الطبية؟ ولنبتعد خطوة واحدة ولنتساءل: ما مقدار جودة الاختبارات التي خضعت لها المواد الأخرى التي يشتريها المستهلكون، وما مقدار الدقة في ادعاءات إعلانات الدعاية؟ إن صدق الادعاءات الطبية مثبت على نحو أفضل كثيرا مما هو في أي مجال تجاري آخر.

 

إن الغالبية الساحقة من العاملين في المهن الطبية تقبل التجاربَ السريرية العشوائية المراقَبة، وترى فيها المستوى الأمثل المطلوب لتقرير فائدة المعالجة. ولاتزال منهجية تصميم التجارب وتنفيذها قيد التطور، ولا بد من أن تبرهن بعض طرائق الاختبار الجديدة على أنها ذات نفع. ومع ازدياد التعاون بين الباحثين والوكالات التنظيمية في أرجاء العالم، يمكننا أن نتوقع التوصل إلى معالجات أفضل وإلى تخلص مستمر من المعالجات والإجراءات القديمة التي لا جدوى منها. ويخبرنا تاريخ طويل كئيب عن مشعوذين قدموا وعودًا لا أساس لها واستغلوا أفرادًا في وقت كان هؤلاء أضعف ما يكونون قدرة على العناية بأنفسهم. إن التجربة السريرية هي النهج الذي يتمتع بأكبر قدر من الموضوعية وأمكن استنباطه حتى الآن لتقييم فاعلية معالجة ما. إن هذه السيرورة بطيئة وباهظة التكلفة، وبحاجة إلى تشذيبات ومراقبة مستمرة، ولكنها جديرة بأن يوثق بها ويعتمد عليها.

 

 المؤلف

Justin A. Zivin

أستاذ بقسم علوم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا بسان دييگو؛ كما أنه طبيب معتمد في مركز شؤون المحاربين القدماء الطبي بسان دييگو أيضا. حصل زيڤين على شهادة الطب والدكتوراه من جامعة نورث وِسْترن. وقبل انتقاله إلى كاليفورنيا، كان عضوا في هيئة التدريس بكلية الطب في جامعة ماساتشوستس. عمل زيڤين أيضا مستشارا للعديد من الشركات الصيدلانية والتقنية الحيوية، لكنه لم يمتلك قط أسهمًا في أي منها. وفي عام 1993 شارك في تأسيس شركة التقدم المخي الوعائي التي اندمجت عام 1997 في منظمة Quintiles Transnational، وهي منظمة تُجري بحوثا بالتعاقد.

مراجع للاستزادة 

GUIDE TO CLINICAL TRIALS. Bert Spilker. Raven Press, New York, 1991.

TISSUE PLASMINOGEN ACTIVATOR FOR ACUTE ISCHEMIC STROKE. National Institute of Neurological Disorders and Stroke rt-PA Stroke Study Group in New England Journal of Medicine, Vol. 333, No. 24, pages 1581-1587; December 14, 1995.

INTERNATIONAL STROKE TRIAL (IST): A RANDOMIZED TRIAL OF ASPIRIN, SUBCUTANEOUS HEPARIN, BOTH, OR NEITHER AMONG 19,435 PATIENTS WITH ACUTE ISCHEMIC STROKE. International Stroke Trial Collaborative Group in Lancet, Vol. 349, No. 9065, pages 1569-1581; May 31, 1997.

OVERSIGHT MECHANISMS FOR CLINICAL RESEARCH. Ralph Snyderman and Edward W. Holmes in Science, Vol. 287, No. 5453, pages S9S-S97; January 28, 2000.

Center Watch Clinical Trials Listing Service is available at www.centerwatch.com   on the World Wide Web.

Scientific American, April 2000

 

(*) Understanding Clinical Trials

 

(1) Phase I

(2) control group

(3) test group

(4) compassionate use

(5) [انظر:Gene Therapy Setback,” by Tim Beardsley”

News and Analysis, February 2000].

(6) HIV/AIDS

(7) routinely

(8) primary end point

(9) remission

(10) Barrett’s esophagus disease

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى