أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاءفلك وعلم الكونياتملف خاص

تقرير خاص

تقرير خاص

لِمَ الذهاب إلى المريخ؟(*)

في أول مقالة من هذه المجموعة من المقالات التي تتحدث عن البعثات

البشرية إلى المرّيخ، يقوم بتفحص هدفها الرئيسي:

البحث عن وجود حياة على المرّيخ.

 

طوال قرون، عرّض المستكشفون حياتهم للخطر، خلال محاولاتهم البحث عن المجهول، وذلك تلبية لأسباب اقتصادية وقومية تتفاوت في درجاتها. فقد توجَّه <كريستوفر كولومبوس> غربا للبحث عن طرق تجارية أفضل إلى الشرق، ولتعزيز أمجاد إسبانيا وإعلاء شأنها بين الدول. كذلك، قام <لويس> و<كلارك> برحلات عبر القفار الأمريكية للوقوف على ما جنته الولايات المتحدة من شرائها ولاية لويزيانا، ثم إن رواد فضاء بعثات أپولو انطلقوا إلى القمر في عملية مثيرة لليّ الذراع التقانية للسوڤييت خلال الحرب الباردة.

 

ومع أن بعثات هؤلاء المستكشفين تمخضت عن فوائد تجارية وسياسية عسكرية، فإنهم جميعا حققوا فتحا علميا مهما، وذلك لمجرد ذهابهم إلى أمكنة لم يسبق للعلماء أن وصلوا إليها. فقد جلب فريق لويس وكلارك معه عيّنات وأوصافا ومخططات لنباتات غربي الولايات المتحدة وحيواناتها، وكان الكثير منها جديدا على مستعمري الولايات المتحدة وعلى الثقافات التي كانوا يمثلونها. كذلك، فإن برنامج أپولو وفَّر في نهاية المطاف بيانات جديدة. ويقول<D.P. سپوديس> [وهو جيولوجي وأحد العلميين العاملين في معهد الكواكب والقمر بهيوستن]: “إن فهمنا الأساسي لإجمالي التاريخ الجيولوجي للقمر يُستَمد في معظمه من بعثات أپولو الثلاث الأخيرة.”

 

في أيامنا هذه، يبدو المريخ وكأنه الأرض العظيمة التالية التي يتعين على البشرية اكتشافها. وبالتوقعات المشكوك فيها لعوائد مالية قصيرة الأجل، مع تحوُّل الحرب الباردة إلى حدث مضى وانقضى والإلحاح المتنامي على تعاون دولي في تنفيذ رحلات فضائية ضخمة، من الواضح أن ثمة دواعي غير الربح المادي والدوافع القومية، تحمل البشر على ترك آثارهم على السطح الوردي لهذا الكوكب. تُرى، هل قُدِّر للعلم، الذي ظل لوقت طويل هدفا متواضعا في الاستكشاف، أن يؤدي أخيرا دورا رياديا في هذا المضمار؟

 

من الطبيعي أن يثير هذا الاستفسار سؤالين آخرين: هل ثمة تجارب لا يمكن أن يقوم بها على المريخ سوى البشر؟ وهل يمكن لهذه التجارب أن تزودنا بأفكار جديدة وعميقة إلى درجة تكفي لتسويغ نفقات إرسال الناس عبر الفضاء بين الكواكب؟

 

وفيما يتعلق بالمريخ فإن ثمة حججا تقول بأن الفوائد العلمية التي تُجنَى من السفر إليه هي الآن أكبر ممّا كانت عليه في الماضي. فموضوعُ وجود حياة في وقت من الأوقات على هذا الكوكب، ومعرفة ما إذا كانت هذه الحياة مازالت مستمرة عليه حتى الآن، مسألتان سُلِّطت عليهما الأضواء بعد وجود أدلة متزايدة على أن هذا الكوكب الأحمر كان يحوي في وقت من الأوقات ماء سائلا بمقادير وفيرة، وإثر الجدل المستمر حول الادعاءات بوصول مستحاثات بكتيرية إلى الأرض محمولة على نيزك من المريخ. وتَوَفُّر دليل مقنع على وجود حياة على المريخ، في الماضي أو الحاضر، يزود الباحثين ببيانات لا تُقدَّر بثمن حول مجموعة الشروط التي لو تحققت لتمكّن كوكب من توليد الكيمياء المعقدة التي تؤدي إلى نشوء الحياة. ولو أمكن الإثبات بأن الحياة نشأت على المريخ مستقلة عن نشوئها على الأرض، لوفَّر هذا الكشف أول مفتاح لكشف النقاب عن واحد من أعمق الأسرار في العلم كله، ألا وهو سر انتشار الحياة في الكون.

 

وفي خريف عام 1999 ذكر الكاتب ومهندس الملاحة الفضائية <R. زوبرين> في خطاب ألقاه في مؤتمر عقد بمعهد ماساتشوستس للتقانة (MIT) ما يلي: “إذا عَثَرْتَ على حياة في أي حال من الأحوال، فإن ما تكون قد أثبتَّه هو أن العمليات التي تسفر عن نشوء الحياة هي عمليات عامة وشاملة. إنها مسألة ذات أهمية فلسفية كبيرة، والمريخ هو بمثابة حجر رَشيد(1) لحل لغز هذه المسألة.”

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/17/SCI2001b17N3-4_H02_001655.jpg

قد تكون الخطوات الأولى على المريخ أكثر إثارة إذا كانت ثمة عواصف غبارية تدوِّم قريبا من رواد الفضاء. إن مركبة الصعود، في خلفية الصورة في اليمين، ستقوم فيما بعد برفع رواد الفضاء إلى سفينة تدور حول الكوكب، وذلك في سياق رحلة العودة إلى الأرض.

 

دليل حاسم على وجود ماء سائل

إن أحد الأسباب التي جعلت فكرة إرسال بعثة بشرية إلى المريخ تأسر ألباب قطاع، على الأقل، من الجمهور هو أن هذه الفكرة صارت قابلة للتحقيق ـ فالولايات المتحدة لديها المال والتقانات الأساسية اللازمة للقيام بذلك. والأهم من ذلك هو أن المكتشفات الحديثة المتعلقة ببيئة هذا الكوكب في الماضي البعيد قدّمت حوافز علمية واضحة وقوية لإرسال الناس إليه: إنها البحث عن أدلة على وجود حياة خارج كوكبنا.

 

لقد دُعِمَت النظرية القائلة بأنه كان يوجد في وقت من الأوقات ماء سائل على المريخ بالصور التي أخذها مسبار الماسح الشامل للمريخ Mars Global Surveyor في عام  1999 لقنال بدا أنه شُقَّ بعمق بفعل مياه جرت فيه قبل مئات، إن لم يكن آلافا، من السنين. وقد جاءت المكتشفات المهمة لهذا المسبار بعد الهبوط الناجح للمركبة مارس پاثفايندر MarsPathfinder على المريخ في الشهر 7/19977، والذي كان من بين أولى ثمرات الاستكشاف الفضائي الإنسالي(2) robotic “الأرخص والأسرع والأفضل” الذي نفذته الوكالة ناساNASA. ووفقا لهذه الاستراتيجية، شرعت هذه الوكالة بإرسال بعثات فضائية أكثر عددا وأدنى تكلفة وأقل طموحا.

 

لقد جرى الترحيب بإنجاز هذه المركبة الفضائية باعتباره إثباتا لفاعلية هذا الأسلوب في استكشاف الفضاء. بيد أن هذا الوضع لم يدم طويلا بسبب الإخفاقين اللذين حلا بالسفينتين الفضائيتين اللتين أُطلقتا بعدها، وهما Mars Climate Orbiter، التي بلغت كلفتها 125 مليون دولار، وMars Polar Lander التي كلفت 165 مليون دولار، واللتين بينتا مدى ما يمكن ارتكابه من أخطاء، حتى في بعثات إنسالية robotic واضحة المعالم  نسبيا.

 

إن هذين الإخفاقين سيعنيان، على نحو شبه مؤكد، أن علينا التريث مدة أطول قبل إرسال أناس إلى هذا الكوكب. ومع أن الوكالة ناسا لا تملك الآن أي تفويض رسمي لإرسال أناس إلى المريخ، فإن بعض مسابيرها الإنسالية نفّذت اختبارات هدفها الاستعداد للرحلات المأهولة. وبعد نجاح پاثفايندر، دارت أحاديث غير رسمية داخل الوكالة ناسا عن بعثة مأهولة تُطلق عام 2020 تقريبا. ويبدو الآن أن مثل هذا الجدول الزمني جدول متفائل.

 

البحث عن مستحاثات على المريخ

بدلا من أن يستكين مؤيدو القيام برحلات فضائية مأهولة للإخفاقين السابقين، فإنهم يستندون إلى مكتشفات المستحاثات البكتيرية على النيزك الذي جاءنا من المريخ، والتي مازالت مثارا للجدل، كما يستندون إلى النتائج المذهلة لمسبار الماسح الشامل للمريخ، لدعم آرائهم حول أهمية الاكتشافات والإنجازات التي يمكن أن يتوصل إليها خبراء من البشر على المريخ. وعلى سبيل المثال، يقول <زوبرين>: “لو أننا جادون في حل مسألة الحياة على المريخ، وليس الاقتصار على معرفة ما إذا كانت موجودة هناك، وإنما أيضا معرفة المدى الذي ربما بلغته في الماضي، فلا بد من الاستعانة بالبشر للتوصل إلى ذلك. وكي يدعم زوبرين قوله هذا، يلاحظ أن البحث عن دليل على وجود مستحاثات لحياة قديمة يتطلب “السفر مسافات طويلة عبر تضاريس عذراء، والحفر بالمعاول، وكسر الصخور، والقيام بفصلٍ متأنٍ لطبقات صخور المستحاثات ثم التخلص برفق من الوحل العالق بها باستعمال فرشاة. وكل هذه العمليات تتجاوز إمكانات إنسالة جوّالة.”

 

ويرى بعض الخبراء أن كل عملية بحث شامل عن أي حياة على المريخ ربما لم تزل مستمرة عليه ـ على الرغم من الظروف القاسية السائدة حاليا عليه ـ لا بد من أن تنفذ من قبل البشر. ويقول <P.لي> [وهو باحث في مركز بحوث إيمز التابع للوكالة ناسا]: “إن مثل هذه الحياة ستكون مخفية، وربما ميكروسكوبية (صِغْرية)، ويتطلب العثور عليها مسح أصقاع واسعة ودرجة عالية من قابلية الحركة والتكيف.” وهو يوافق على أن الإنسالات قد تصلح في المستقبل البعيد لإنجاز هذه المهمة، لكن الاعتماد عليها في مسح المريخ بحثا عن الحياة سيستغرق وقتا طوله غير واقعي “ربما بلغ عقودا، إن لم يكن قرونا.”

 

وكي تنفذ الإنسالات الأهداف العلمية ذاتها التي يمكن أن تنفذها سلسلة من البعثات الفضائية المأهولة، من الضروري القيام بعدد أكبر بكثير من البعثات الإنسالية ـ ومن ثم من عمليات إطلاق مركبات فضائية. ويعني العدد الأكبر من هذه العمليات أن البرنامج الإنسالي سيستغرق وقتا أطول، لأن فرص السفر من الأرض إلى المريخ محدودة إلى حد ما. ويعود ذلك إلى أن هذه الفرص تسنح مرة واحدة كل 26 شهرا أرضيا، وذلك عندما تكون مواقع الكواكب موزعة بطريقة ملائمة تجعل الرحلة إلى المريخ تستغرق أقل من عام. وهناك بعض الشك فيما إذا كان من الممكن لبرنامج يدوم عدة عقود أن يحظى بمساندة الناس والمسؤولين الذين ينتخبونهم. ويعبِّر <سپوديس> عن هذا الشك بقوله: “من ذا الذي يدعم إرسال سلسلة من البعثات إلى المريخ تنتهي دائما إلى نتائج سلبية؟”

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/17/SCI2001b17N3-4_H02_001656.jpg

صورة ذات ميز عال high resolution للمريخ أخذت في 1/1 /2000 .وهي تظهر سمات غير عادية للسطح تكوّنت نتيجة عمليات مجهولة قد ينفرد بها كوكب المريخ. وتقع تضاريس نصف الكرة الشمالي في منطقة تسمى نيلوسيرتس منسي Nilosyrtis Mensae.

 

وثمة سبب آخر يفسر ضرورة وجود بشر في المواقع التي يجري فيها بحث دقيق عن وجود حياة، وهو يُرَدّ إلى حقيقة أنه لو وُجدت في تلك المواقع حياة فعلا، فمن المحتمل أن تكون قابعة في الأعماق تحت سطح الكوكب. إن جو المريخ يحوي مقادير ضئيلة من عامل agent  مؤكسِد قوي، ربما كان پيروكسيد الهدروجين. ونتيجة لذلك، فإن الطبقات العليا من التربة خلْوٌ من المواد العضوية. ومن ثم فإن معظم استراتيجيات البحث عن ميكروبات (جراثيم) يتطلب القيام بعمليات حفر عميق، حيث تكون الحياة أو المواد العضوية محجوبة عن العامل المؤكسِد، وأيضا عن مستويات عالية من الضوء فوق البنفسجي.

 

وستكون المسابير المرسَلة في المستقبل مزودة بمجموعات إنسالية يمكنها إحداث ثقوب في الصخور عمقها عدة سنتيمترات، أو أن تحفر حفرا في التربة عمقها بضعة أمتار. لكن استحالة التوصل إلى أي اكتشافات على هذه الأعماق الضحلة يجبر الباحثين على جلب عيّنات من أعماق يصل مداها إلى مئات الأمتار، وربما حتى إلى كيلومتر واحد أو اثنين، وذلك قبل أن يستنتجوا أن المريخ ميت أو حي. هذا وإن “الحفر للحصول على عينات من مثل هذه الأعماق سيتطلب، في الأغلب، بشرا؛” وذلك على حدّ قول<C. إلاتشي> مدير مشروع الفضاء والأرض التابع لمختبر الدفع النفاث في پاسادينا بكاليفورنيا.

 

ويحاجُّ قلة من الباحثين في أن إرسال بعثة مأهولة إلى المريخ لن يدفع علم الكواكب إلى الأمام. ويمكن التوقع بأن حجتهم في دعواهم هذه هي التكلفة العالية للبعثات البشرية مقارنة بالبعثات الإنسالية. فالمشكلة هي أننا لا نعرف سوى القليل عن عدة عوامل رئيسية، وبالتالي فإن أي تحليل يجب أن يستند إلى افتراضات اعتباطية إلى حد كبير.

 

ثم إنه من الصعوبة بمكان التنبؤ بقدرات الإنسالات حتى بعد خمس أو عشر سنوات من الآن. وفي هذه الأيام، نرى أن نوع التقانة الإنسالية، التي يمكن توصيلها إلى كوكب آخر، والتي تحقق شروط الوكالة ناسا في أن تكون “أرخص وأسرع وأفضل،” لا ترقى في الحقيقة إلى ما يطلب إليها تنفيذه، وخاصة البحث عن مستحاثات في بيئة عذراء قارسة البرودة. ثم إن نوع نظام الإنسالات الجوّالة الذي استعملته ناسا على المريخ محدود الفعالية جدا: فالإنسالة الجوالة الصغيرة Sojourner، التي أطلقتها پاثفايندر، لم تسر سوى 106 أمتار حول موقع الهبوط قبل أن تتوقف پاثفايندر عن نقل اتصالاتها. هذا وإن أفضل أجهزة التحكم في الإنسالة الجوّالة لا تداني في ذكائها ذكاء صرصور.

 

إن نظام تحديد الموقع عن بُعْد telepresence ـ وفيه يكون للآلات الجوالة الشبيهة بالإنسالات محسّات sensors ومشغّلات تقوم مقام العيون والآذان والأطراف للمشغِّلين البشريين على الأرض ـ يبدو مبدئيا خيارا مغريا. ولسوء الحظ، فإن التخلف الزمنيtime lag في العملية الكاملة للاتصال بالمريخ يبلغ 40 دقيقة؛ الأمر الذي يجعل من  العسير إجراء بحوث علمية ميدانية عن بعد.

 

وإحدى الحقائق التي لا يختلف عليها اثنان هي أن البعثات الفضائية البشرية مكلفة. إن تقديرات تكلفة بعثة بشرية إلى المريخ تراوح بين 20 بليون دولار ـ استنادا إلى سيناريو تصوره زوبرين، الداعية إلى استكشاف المريخ [انظر: “الخطة المباشرة لبعثة المريخ”، في هذا التقرير الخاص] و 55 بليون دولار، وذلك وفق التقديرات الحالية للوكالة ناسا. (وللمقارنة فإن المبلغ الذي وافق الكونگرس على رصده لقيام الولايات المتحدة بدورها في الصراع الحديث العهد في كوسوفو هو 24 بليون دولار.)

 

ومع أن البعثات البشرية ستكون أعلى كلفة، فإن زوبرين يصر على أن هذه الكلفة تظل أكثر مردودا. وهو يقرّ بأن إرسال رواد فضاء لجمع عينات جيولوجية وإحضارها إلى الأرض يكلّف 10 أمثال ما يكلفه إرسال إنسالة. بيد أن حساباته تبين أن البعثة الفضائية ستجمع مواد أكثر مئة مرة من منطقة أوسع عشرة آلاف مرة.

 

من جهة أخرى، فإن < .L.A ألبي> [وهو عالم رئيسي سابق في مختبر الدفع النفاثJPL، وأحد علماء مشروع بعثة الماسح الشامل للمريخ] يشير إلى دراسة أجرتها عام 1986 لجنة استكشاف النظام الشمسي Committee Solar System Exploration التابعة للوكالة ناسا، أكدت فيها أنه كان من الممكن لبعثة إنسالية أن تنجز كامل المعاينةsampling الجيولوجية التي نُفذت على القمر خلال بعثة أپولو 15. ففي يوم واحد خلال تلك البعثة، قاد رائدا الفضاء <.R .Dسكوت> و<J .B . إيروين> عربة سارت 11.22 كيلومتر وجمعت عينات من خمس محطات. وقد التقطت العربة 45 صخرة و 177 عينة لينة من سطح التربة وثمانين عينة صلبة من قلب التربة. وقد توصلت هذه الدراسة إلى أن الإنسالة الجوّالة تستطيع إنجاز قدر كبير من هذه الأعمال نفسها، لكن هذا يستغرق 155 يوما. وستكون الجوّالة متوقفة عن العمل خلال مدة طويلة من هذه الفترة، في حين يكون الخبراء البشريون على الأرض منهمكين في النقاش حول الحركة التالية التي يجب أن تقوم بها هذه الجوالة. ويستغرق أخذ العينات الفعلي 70 يوما تكون الجوّالة خلالها في حالة حركة مدة 31 ساعة فقط. ويقول ألبي، الذي يشغل حاليا منصب عميد الدراسات العليا في معهد كاليفورنيا للتقانة (CIT): “إنك إذا وازنت بين الفوائد والتكلفة الحقيقية، فإنه يصعب عليك تسويغ إرسال إنسان إلى المريخ.”

 

التعاون على المريخ

بمساحته الشاسعة، وسماته الجيولوجية الغريبة وطقسه القاسي، من المؤكد أنه لن يتم استكشاف المريخ (الكوكب الأحمر) إلا من قبل أناس مزودين بآلات خاصة. وعلى سبيل المثال، فإن <لي> [الباحث في ناسا] يدير مشروعا في الفوهة البركانية هوتونHaughton بجزيرة ديڤون في القسم الكندي من المنطقة القطبية الشمالية. ففي هذه الصحراء النائية القارسة البرودة من تلك الجزيرة، التي تُعد أكبر جزيرة غير مأهولة في العالم، يقوم “لي” وزملاؤه بدراسة التشابهات الغريبة بين هذه المنطقة والمريخ، واستنباط إجراءات وتقنيات يمكن استعمالها من قبل مستكشفين لهذا الكوكب في المستقبل.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/17/SCI2001b17N3-4_H02_001657.jpg

من المحتمل أن محيطا شاسعا كان يغطي القطب الشمالي للمريخ بعمق متوسطه عدة مئات من الأمتار. وتشير الخطوط السوداء (في أسفل اليسار) إلى خطوط شواطئ محتملة، كما يبين المقياس الملون الارتفاعات بالكيلومترات. ويُظهر إسقاط مستو للارتفاعات على امتداد خط الطول الذي درجته 0 (في الأعلى) أن القطب الجنوبي للمريخ أعلى بنحو ستة كيلومترات من القطب الشمالي.

 

وفي سياق البحث عن عينات ذات دلالة وتمثل الكوكب تمثيلا حقيقيا، قطع <لي> والعاملون معه مئات من الكيلومترات، وتسلقوا عددا كبيرًا من المرتفعات ذات الطبقات الصخرية البارزة فوق سطح تلك الجزيرة؛ ويقول: “لا وجود هناك لطبقات صخرية بارزة نموذجية. وربما كان من الممكن الوصول إلى العدد القليل الذي بلغناه منها من قبل جوّالة غير متخصصة.”

 

ويتابع <لي> قائلا: “إن الاستكشاف والاكتشاف عملية تكرارية للغاية، ولا يمكن توقع إنجاز هذه العملية خلال فترة زمنية معقولة إلا بالتكيف وقابلية الحركة اللتين يتميز بهما البشر.”

 

لكنه يضيف إلى ذلك قوله: “يدرك كل ذي عقل سليم أن البشر وحدهم غير كافين على المريخ، إذ من الضروري استخدام آلات شبه أوتوماتيكية semiautonomous لإنجاز الأعمال المملة أو التي تعرِّض الناس للخطر، مثل القيام بعمليات مسح واستطلاع جوية، وإنشاء مستودعات للمؤن ومخابئ وملاجئ للرحلات الميدانية الطويلة، ونقل ومعالجة كميات من العينات التي يجمعها الجيولوجيون.”

 

أما <S.W . سكويرز> [الباحث الرئيسي في مشروع إنشاء الإنسالات الجوالة اللازمة لبعثات إعادة العينات المرسلة إلى المريخ] فإنه يتصور أيضا أدوارا تكميلية للناس والإنسالات. وقد تبلورت أفكاره عن هذا الموضوع منذ نحو 15 سنة خلال مشاركته في مشروع لدراسة جيولوجيا وترسب وبيولوجيا وكيمياء عدة بحيرات في المنطقة القطبية الجنوبية. وكانت البيئة الكامنة تحت الجليد هناك قارسة البرودة وعدائية ونائية، كتلك التي تسود المريخ. وبغية جمع البيانات استعمل فريق البحث مَرْكبات تُشغَّل من بعد وتجهيزات للغطس تحت الماء.

 

ويقول سكويرز: “كانت أكثر الطرق فعالية هي البدء بإنزال مَرْكبات تُشغل من بعد، وذلك للإجابة عن أسئلة الدرجة الأولى. وبعد أن تكون حدَّدتَ ما تريد فعله حقا، فإنك تنزِلُ البشر.” وهو يقول إن أسئلة الدرجة الأولى التي ترد في سياق التفتيش عن حياة تحت سطح المريخ هي: “أين تقوم بالحفر، وإلى أي عمق تقريبا؟ ما هو شكل قشرة المريخ؟ هل ثمة ماء تحت السطح؟ وإذا كان موجودا، فأين هو؟” ويلاحظ سكويرز ـ وهو أستاذ لعلم الفلك في جامعة كورنيل ـ أن ثمة حاجة إلى مزيد من البعثات الإنسالية إلى المريخ للإجابة عن تلك الأسئلة.

 

ومع أن بعض العلماء يدافعون بقوة عن الدواعي العلمية لإرسال الناس إلى الكوكب الأحمر، فمن المحتمل وجود دواع أخرى أيضا. وفيما يخص الدافع القومي ـ الذي كان، تاريخيا، أقوى الدوافع للقيام بالاستكشافات العظيمة ـ فإنه يُستبعد أن يكون دافعا مؤكدا، وذلك لسبب بسيط هو أن أعباء هذا المشروع أثقل مما يمكن لدولة أن تتحملها وحدها.

 

ومن المحتمل أن تقوم مجموعة من الدول الصناعية ـ وربما كانت من بينها روسيا، إذا غدت أكثر استقرارا سياسيا واقتصاديا ـ بالسعي إلى تمجيد نفسها بالذهاب إلى المريخ. ومع تزايد اتخاذ الأعمال والمشروعات الصناعية والتجارية طابعا عالميا، فقد يستفيد الاستكشاف الفضائي من نوع جديد من القومية. فكي تبرز الهيئات الدولية نفسها على المسرح العالمي، قد تسهم في تقديم رؤوس الأموال أو التقانة مقابل الدعاية لنفسها بأنها مرتبطة ببعثة إلى المريخ، أو مقابل حصولها على التقانات الجديدة، أو مقابل منحها حقوق البث الإذاعي أو التلفزيوني.

 

ومع ذلك، فإن أحداثا، تتفاوت بين الألعاب الأولمبية والدوران حول العالم بمنطاد، استفادت جميعها من مخصصات مالية دولية ضخمة رُصِدت لتنفيذها. وإن مبلغا قدره 55 بليون دولار يجعل مثل هذه المخصصات تبدو متواضعة جدا أمامه. وقد يحين وقت يبدو فيه هذا المبلغ ثمنا قليلا يُدفَع لترك علامة فارقة في التاريخ يتعذر محوها.

 

(*) Why Go to Mars?

(1) Rosetta stone

(2) نسبة إلى إنسالة، وهذه نحت من إنسان – آلي robot.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى