أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاءملف خاص

تقرير خاص

تقرير خاص

السفر إلى المريخ عن طريق قَمَرَيْه(*)

سيكون القمران فوبوس وديموس محطتي توقف مثاليتين في الطريق

إلى المريخ، هذا ما يحاول إثباته <F .S. سينگر> خبير الفضاء.

 

على الرغم من مرور ثلاثة عقود على هبوط أول بعثة لأپولو على سطح القمر، فإن الجدل بين مؤيدي البعثات الفضائية المأهولة وغير المأهولة لم يتغير كثيرا. إلا أن عددا كبيرا من علماء الفضاء المتخصصين بالسواتل الإنسالية(1)، ومنهم مؤلف المقالة، تحوّلوا تدريجيا من موقف معارض لإرسال سفن فضائية مأهولة إلى موقف أكثر اعتدالا. ونحن ندرك الآن، ولا سيّما في بعض الحالات الخاصة، أن إرسال رواد فضاء ليس مجرد عمل مثير مكلف، بل يمكن أن يكون أجدى اقتصاديا من إرسال إنسالات. ويمثل استكشاف المريخ إحدى هذه الحالات.

 

إن الميزة الأساسية لإرسال رواد فضاء تتمثل في قدرتهم على استكشاف المريخ في الزمن الحقيقيreal time غير متأثرين بالتأخيرات في الاتصالات، وتتمثل كذلك في تمكنهم من متابعة بحوث مثيرة بإجرائهم تجارب جديدة. أما الإنسالات، حتى بعد إجراء بحوث طوال عقود لجعلها آلية تماما، فهي لا تستطيع التصرف دون تدخل بشري في عملها. لكن السؤال الذي يرد في هذا الصدد هو: أين يجب أن يكون رواد الفضاء لإنجاز المهمات الموكلة إليهم؟ إن الجواب الواضح ـ وهو أن يكونوا على سطح المريخ ـ ليس هو الجواب الأصح بالضرورة. ففي أول مؤتمر عُقد عام 1981 بعنوان “Case for Mars”، كانت إحدى أكثر النتائج المثيرة التي توصل إليها هذا المؤتمر هي أن قمري المريخ فوبوس وديموس، صالحان ليكونا رأسين لجسرين رخيصين نسبيا.

 

وتضم معظم سيناريوهات البعثات الحالية زوجا من السفن الفضائية. تقوم السفينة الأولى بوضع صهاريج الوقود الدّاسر(2) وأعتدة ثقيلة أخرى، مثل العربات الاحتياطية ومركبات العودة reentryvehicles، على سطح المريخ أو قربه. ولما كانت مدّة هذه الرحلة ليست مهمة، فتستطيع السفينة الأولى استخدام دفع كهربائي وإجراءات تعتمد على الثقالة بغية تخفيض الكلفة. أما سفينة الفضاء الثانية التي تنقل روّاد الفضاء فأمرها مختلف؛ فعليها قطع الأحزمة الإشعاعية الأرضية(3)  بسرعة، وأن تقتصد في المؤن التي تحملها، لذا وجب أن تكون مدة رحلتها إلى المريخ أقصر ما يمكن. وعلى المدى المنظور، تبدو الصواريخ الكيميائية هي الخيار العملي الوحيد.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/17/SCI2001b17N3-4_H05_001676.jpg

قد تكون القاعدة على القمر ديموس مؤلفة من صفيف من الألواح (الصفائح) الشمسية (التي تدور لتعقّب الشمس)، ومختبر (قائم على دعامات مثبتة بالسطح بمسامير ملولبة بسبب الثقالة الضعيفة)، ومن غرف للمعيشة (موجودة في القسم المركزي من القاعدة للوقاية من الإشعاع). ونشاهد في أقصى اليمين مسبارا منطلقا إلى سطح الكوكب. ويُرى، في اليمين من وسط الشكل، الصاروخ الذي سيقل رواد الفضاء في رحلة عودتهم إلى الأرض.

 

تتبع الخطط المختلفة للبعثات طرقا متباينة حين يتعلق الأمر بتقرير ما يجب أن يحدث بعد التقاء سفينة الملاحين بسفينة الحمولة عند الكوكب الأحمر. هناك ستة سيناريوهات محتملة نوردها مرتّبة وفق تزايد التكلفة ودرجة الصعوبة وهي: طيران قريب حول المريخ مماثل لما حدث في بعثات أپولو، ثم عودة فورية إلى الأرض؛ القيام بالدوران في فلك حول المريخ، وهذا يسمح بإقامة أطول قريبا من الكوكب؛ بعثة إلى فوبوس ـ ديموس Phobos – Deimos Ph-D  يجري فيها الانتقال إلى مدار استوائي دائري يعقبه هبوط على قمر مريخي، يفضل أن يكون ديموس؛ بعثة هجينية (Ph-D-plus) يضاف فيها إلى بعثة Ph-D طَلْعة sortie سريعة إلى سطح المريخ؛ هبوط كامل على المريخ وإقامة طويلة على سطحه وبرنامج استكشاف كامل؛ وأخيرا إقامة طويلة الأجل على المريخ يشيّد رواد الفضاء خلالها بنى دائمة ويشرعون في استيطان مستمر للكوكب.

 

وستكون البراعة في التأكيد أن البعثة المأهولة الأولى طموحة ـ فالمغامرة هي، على كل حال، بعض ما يجذب الانتباه ـ لكنها ليست طموحة أكثر مما يجب، لئلا تحظى بالتمويل اللازم. وتحقق البعثتانPh-D وPh-D-plus  توازنا جيدا بين التكلفة والفائدة، كما أنهما تقدمان أعظم عائد للعلم.

 

وقد يوفر ديموس قاعدة ممتازة لدراسة المريخ. والسبب هو أن رواد الفضاء يستطيعون من هناك أن ينشروا ويتحكموا في مجسات الرصد الجوي وتجهيزات اختراق السطح والعربات الجوّالة على كامل سطح المريخ. ثم إن مدار هذا القمر يسمح بالاتصال المباشر بعربة جوّالة مدة 40 ساعة متواصلة في كل دورة له حول الكوكب. ولمّا كان فوبوس أقرب إلى المريخ من ديموس، فهو يدور حوله بسرعة أكبر ومن ثم فهو يفتقر إلى هذه الميزة. لكن رواد الفضاء على أي من القمرين يستطيعون تحليل العينات المستعادة من المريخ، وهم مطمئنون إلى عدم تلويث الأرض بأي من أشكال الحياة المريخية.

 

إن كون جو ديموس مخلّى من الهواء يجعل تشغيل التجهيزات المختبرية، مثل المطاييف الكتلية(4)mass spectrometers والمجاهر الإلكترونية عملية أسهل. وبترحيل السفينة الفضائية إلى مواقع مختلفة على ديموس ـ وهذه مهمة سهلة بسبب الثقالة الضعيفة جدا على هذا القمر ـ يستطيع رواد الفضاء وقاية أنفسهم من العواصف الشمسية والسيول الشهبية(5) meteor streams. فضلا على ذلك، فإن القمرين جرمان ساحران في حد ذاتهما؛ ثم إن أخذ عينات مباشرة منهما يمكِّننا من دراسة أصليهما الغامضين(6).

 

وللمقارنة نذكر أن اختيار موقع قاعدة التشغيل لتكون موجودة على سطح المريخ يسبب عدة مشكلات. فالعربات الجوالة المنتشرة في أمكنة أخرى من الكوكب يجب تشغيلها بوساطة التحكم من بعد، وهذا يتطلب نظام أقمار للاتصالات لترحيل الأوامر. ثم إن إعادة العينات من مواقع بعيدة إلى القاعدة ستكون أمرا أصعب. هذا ومن الضروري الاستعانة هناك ببطاريات (مدخرات) احتياطية ثقيلة الوزن أو بمولدات نووية، وذلك لتزويد القاعدة بالطاقة في الليل أو خلال عواصف الغبار.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/17/SCI2001b17N3-4_H05_0026.gif

يبدو ديموس، وهو القمر الخارجي بين قمري الكوكب الأحمر وكأنه كويكب، ومن الممكن أنه كان فعلا كذلك قبل أن يأسره المريخ. ويبين هذا الشكل، الذي تصوره فنان، ثلاثة مناظر لديموس، وموقعا محتملا للهبوط: وهو فوهة قمعية الشكل قطرها 200 متر، وتقع قرب القطب الشمالي لهذا القمر، حيث ترى الشمس من هذا الموقع على الدوام.

 

إن معظم الفوائد التي يمكن جنيها من بعثة للهبوط على المريخ، يمكن أن توفرها طلعة sortie من القمرين إلى سطح المريخ. وهنا تكفي سفينة مكوكية صغيرة بدلا من مركبة هبوط كاملة ـ وهذا يخفض التكلفة الإجمالية للبعثة. وكون رواد الفضاء قادمين من قاعدة مقامة في مدار حول المريخ، يجعلهم يتمتعون بمرونة أكبر في اختيار موقع الهبوط، في حين يحتاج ملاحو مركبة جاثمة على المريخ إلى اختيار موقع مأمون يسهل منه انطلاق رحلة العودة إلى الأرض.

 

وفي المستقبل الأبعد، يمكن أن يقوم هذان القمران مقام محطتين متوسطتين للذهاب إلى سطح المريخ أو للصعود منه بوساطة حبال. وبمقدور العلماء أن يُجروا بأمان على ديموس تجارب مناخية على نطاق واسع، كتغيير أنماط الطقس أو إذابة القبعتين القطبيتين(7) ـ وبذا يختبرون بعض التقنيات لتحويل المريخ إلى شيء يشبه الأرض فيما يخص الحياة عليها، أو تلطيف التغيرات المناخية على الأرض.

 

ومع أن تقدير العوائد والتكاليف لسيناريوهات البعثات المختلفة أمر يصعب تحديده في هذه المرحلة المبكرة، فقد أجريتُ استفتاء لخبراء البعثات إلى المريخ حول هذا الموضوع خلال أحد المؤتمرات قبل سنوات عدة. وكانت نتيجة الاستفتاء تشير إلى أن أكثر الفوائد التي يمكن جنيها من إرسال البعثة الأولى تأتي من تطبيق المشروع Ph-D-plus، لأنه يقدم كامل الأجوبة عن المشكلات العلمية المطروحة بتكلفة أقل وسرعة أكبر. إنه سيهيئ، في نهاية المطاف، الظروف الضرورية لإقامة قاعدة ومستوطنة على سطح هذا الكوكب.

 

 المؤلف

S. Fred Singer

مدير المشروع المسمى مشروع العلم والسياسة البيئية Science and Environmental Policy Project، ومقره في فيرفاكس بولاية ڤرجينيا. وسينگر أستاذ في جامعة جورج ميسون، وهو من رواد استعمال الصواريخ في تقصي طبقات الجو العليا والفضاء القريب من الأرض، وكان أول مدير للمركز National Weather Satellite Center. وقد ابتكر طريقة استعمال الأشعة الكونية لتحديد تاريخ الأحجار النيزكية، وكان من بين أوائل الدارسين لأصل قَمَري المريخ وتطورهما.

 

(*) To Mars by Way of Its Moons

(1) robotic satellites و«إنسالية» هي نسبة إلى «إنسالة»، وهذه نحت من إنسان-آلي وقد أُنثت لأنها آلة.

(2) propellants

(3) Earth’s radiation belts

(4) المطياف الكتلي هو مكشاف طيف كتلي يتحرك فيه شق عبر مسارات الجسيمات ذوات الكتل المختلفة، ويسجل مكشاف كهربائي موجود خلف الشق شدة توزع الكتل.

(5) مجموعة من الأجرام النيزكية لها مدارات متماثلة تقريبا.

(6) [انظر: “Phobos and Deimos”, by J. Veverka; Scientific American, February 1977].

(7) polar caps

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى