أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
علم الحيوان

إنتاج فئران أكثر ذكاء

إنتاج فئران أكثر ذكاء(*)

من خلال الهندسة الوراثية، جمع العلماء بعضا من المكونات

الجزيئية المركزية للتعلُّم والذاكرة بغية إنتاج فئران أكثر ذكاء.

< Z.J. تسين>

 

حينما قررت أن أصبح عالما، لم أتخيل في أحلامي الجامحة قط أن عملي سيقدَّم مادة علمية لبرنامج CBS التلفزيوني “العرض الأخير مع ديڤيد ليترمان(1)“. ولكن في الشهر9/ 1999، بعد أن أعلنت وزملائي أننا عدَّلنا جينات بعض الفئران بقصد تحسين قدراتها الذاكرية والتعلّمية، أدرت تلفازي لأجد أن إبداعاتي كانت موضوع واحدة من قوائم ليترمان ذات السمعة السيئة. وحسبما شاهدت، فإن هذا الكوميدي عدّد في قائمته “رؤوس الموضوعات العشرة الأول التي كتبتها فئران عبقرية كتقارير عن نشاطها خلال الفصل الدراسي.”

 

لقد غدت الفئران ـ موضوع أبحاثي ـ مشهورة بين عشية وضحاها، وتلقيت أكداسا من البريد، ووردتني عشرات من النكات التي تفوقت بها الفئران “الذكية” على دهاء البشر المغفلين ومصايدهم الواهية. وبدا أن فكرة الفأر الأكثر ذكاء شيء يستطيع كل شخص أن يتعاطف معه وأن يتفكّه به.

 

ولكنني وزملائي لم نُقْدم على عملنا لمجرد تحدي إبداعية صُنّاع مصايد الفئران؛ بل إن بحثنا كان جزءا من مسلسلِ استقصاء دام عقودا طويلة من الزمن حول ما يحدث بالضبط في الدماغ أثناء التعلم وما تتألف منه الذواكر. وبإنتاجنا للفئران الذكية ـ وهي سلالة أطلقنا عليها اسم دوگي Doogie نسبة إلى الفتى العبقري في البرنامج التلفزيوني دوگي هاورز Doogie Howser, M. D. ـ نكون قد أثبتنا صحة نظرية عمرها خمسون عاما حول آليات التعلم والذاكرة، وأوضحنا الدور المركزي لجزيء معين في سيرورة تكوين الذاكرة. ويمكن لهذا الجزيء في يوم من الأيام أن يشكل هدفا محتملاً لعقاقير اضطرابات دماغية من أمثال مرض ألزايمر، بل ربما من أجل رفع مقدرة التعلم والذاكرة لدى الناس العاديين.

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2001b19N5_H04_00484.jpg

 

يحتل فهم الأساس الجزيئي للتعلم والذاكرة أهمية كبيرة، لأن ما نتعلمه وما نتذكره يقرر إلى حد كبير من نكون. فالذاكرة، وليس مجرد المظهر الوجهي والجسدي، هي التي تحدد الفرد، وهذا ما يفهمه جيدا كل شخص عرف أحدا ما مصابا بمرض ألزايمر. وأكثر من ذلك، فإن التعلم والذاكرة يمتدان إلى ما يتجاوز الفرد فينقلان ثقافتنا وحضارتنا عبر الأجيال. إنهما قوتان رئيسيتان في قيادة التطور السلوكي والثقافي والاجتماعي.

 

أبجديات التعلم والذاكرة

يمتلك الدماغ البشري ما يقارب 100 بليون من العصبونات (الخلايا العصبية)neurons التي يترابط بعضها ببعض في شبكات تؤدي إلى قيام تشكيلة من الصفات العقلية والاستعرافية cognitive المميزة، مثل الذاكرة والذكاء والانفعال والشخصية. وقد تم وضع أسس فهم الآليات الجينية والجزيئية للتعلم والذاكرة في عام 1949، حينما عرض عالم النفس الكندي < O.D. هِبْ> فكرة بسيطة (ولكنها جوهرية) يفسر بها الكيفية التي تتمثل بها الذاكرة وتُختزن في الدماغ. فقد افترض، فيما يعرف الآن بقاعدة هب للتعلم Hebbs learning rule، بأن الذاكرة تتولد حينما ينشط عصبونان مترابطان بشكل متزامن على نحو يقوي مِشْبَكَهُما synapseبطريقة ما. ويعرّف المِشْبَك بأنه موضع تماس العصبونين أحدهما مع الآخر. ففي المشبك تسري المعلومات على شكل كيماويات تدعى النواقل العصبيةneurotransmitters من الخلية قَبْل المشبكية presynaptic إلى أخرى تدعى الخلية بعد المشبكية postsynaptic.

 

وفي عام 1973، تمكن < P.V.T. بلِسْ> و <T. لومو>، أثناء عملهما في مختبر پِر أندرسن في جامعة أوسلو، من اكتشاف نموذج تجريبي يتفق والسمات المميزة لنظرية هب. فقد وجدا أن الخلايا العصبية في منطقة دماغية تشبه في شكلها شكل حصان البحر (وتدعى لذلك الحصين (قرن أمون) hippocampus، من الأصل الإغريقي “مسخ البحر ذو رأس الحصان”) أصبحت أوثق ترابطا لدى تنبيهها بسلسلة من النبضات الكهربائية العالية التواتر. ويمكن لهذه الزيادة في قوة التشابك ـ التي تعرف باسم ظاهرة التعزيز الطويل الأمد(LTP)long-term potentiationـ أن تدوم ساعات أو أياما أو حتى أسابيع. إن تَوضُّع الظاهرة LTP في الحُصَيْن يشكل حقيقة آسرة على وجه الخصوص، لأن الحصين بنية دماغية أساسية لتكوين الذاكرة لدى البشر والحيوانات كليهما.

 

أظهرت دراسات لاحقة أجراها <F.M. بير> [من معهد هوارد هيوز الطبي في جامعة براون] وعلماء آخرون أن توجيه منبِّهٍ منخفض التواتر إلى نفس المسلك الحصيني يولد نقصانا طويل الديمومة في قوة الاتصالات هناك. ويكون هذا النقصان طويل الأمد كذلك، ويدعى الإخماد (الإضعاف) الطويل الأمد(LTD) long-term depression، مع أنه لا علاقة له بالخمود السريري حسبما يظهر.

 

لقد أصبحت تقوية وإضعاف الاتصالات المشبكية عبر سيرورات شبيهة بالتعزيز LTP والإخماد LTD، هما الآليتين الرئيسيتين المرشحتين لاختزان أو محو المعلومات المتعلَّمة في الدماغ. وإننا نعرف الآن أن الظاهرتين LTP وLTD تحدثان في صور متعددة مختلفة، وكذلك تحدثان في عدة مناطق دماغية إلى جانب الحصين، بما في ذلك القشرة المخية الحديثة neocrotex (أي المادة الرمادية) واللوزتين المخيتين amygdala، وهي تراكيب تؤدي دورا في الانفعال emotion.

 

ما الآلة الجزيئية التي تتحكم في هذين الشكلين من التغيرات المشبكية، أو المرونة plasticity؟ في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين وجدت الدراسات التي أجراها < L.G. كولينگريدج> [من جامعة بريستول في إنكلترا] و< A.R. نيكول> [من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو] و< C.R. مالينكا> [من جامعة ستانفورد] و < S.G. لينش> [من جامعة كاليفورنيا في إيرڤين] وباحثون آخرون، أن هذه التغيرات تعتمد على نمط وحيد من الجزيئات. فقد أوضح هؤلاء الباحثون أن إحداث الأشكال الرئيسية من الظاهرتين LTP و LTD يتطلب تنشيط activation ما يسمى المستقبلات(2) النمداوية NMDA receptors والواقعة فوق الأغشية الخلوية للعصبونات بعد المشبكية.

 

إن المستقبلات النِّمْداوِيّة هي ثقوب حقيقية صغيرة جدا يعتقد معظم العلماء أنها تتألف من أربع وُحِيْدات (وحدات فرعية) subunits پروتينية تتحكم في دخول أيونات الكالسيوم إلى الخلايا العصبية. (ونشير هنا إلى أن اسم هذه المستقبلات مشتق من -Nميثيل-D-أسپارتات N-methyl-D-aspartate (NMDA)، وهي مادة كيميائية اصطناعية تستطيع الارتباط بأيونات الكالسيوم. إنها مستقبلات مرشَّحة تماما لإجراء التغيرات المشبكية طبقا لقاعدة هِب للتعلم، لأنها تتطلب كي تنفتح إشارتينsignals منفصلتين تتمثلان في ربط گلوتامات glutamate الناقلة العصبية، وتغيرٍ كهربائي يدعى إزالة الاستقطاب الغشائي membrane depolarization. ولذلك فإنها تعتبر المفاتيح الجزيئية المثالية للعمل كمكاشيف توافقية coincidence detectors تساعد الدماغ على الربط بين حدثين.

 

ومع ما بدا من اعتماد الظاهرتين LTP و LTD على المستقبلات النمداوية، فقد تبين في النهاية أن ربط سيرورات شبيهة بهاتين الظاهرتين بالتعلم والذاكرة أمر أصعب مما ظنه العلماء في بداية الأمر. لقد لاحظ . < M.G.R. موريس> [من جامعة أدنبره] وزملاؤه أن الجرذان التي سُرِّبت إلى أدمغتها عقاقير تحصر blockالمستقبلة النمداوية لا تستطيع أن تتعلم كيف تنجز اختبارا يدعى متاهة موريس المائية Morris water maze على نحو ما تجيده الجرذان الأخرى. وتتفق هذه النتيجة إلى حد كبير مع التنبؤ بدور الظاهرة LTP في التعلم والذاكرة. ومع ذلك، فإن هذه العقاقير غالبا ما تؤدي إلى اضطرابات سلوكية وحسية حركية، مما يشير إلى الخط الواهي بين فعالية العقاقير وسميتها.

 

قبل أربع سنوات، بينما كنت أعمل في مختبر سوسومو تونيگاوا في معهد ماساتشوستس للتقانة، تقدمت خطوة أخرى وطورت تقنية جديدة لدراسة دور المستقبلة النمداوية في التعلم والذاكرة. وكانت هذه التقنية تشذيبا للطريقة المؤدية إلى تكوين ما يسمى فئرانا مُنْتَقَصةً جينيا knockout mice ـ وهي فئران تم فيها تعطيل إحدى الجينات بصورة انتقائية. وتفتقد الجرذان التقليدية المنتقصة جينيا جينة معينة في كل خلية ونسيج. وبدراسة سلوكيات مثل هذه الحيوانات وحالتها الصحية يستطيع العلماء استنباط وظيفة تلك الجينة.

 

إن فكرة تكوين فأر أكثر ذكاء من المعتاد،

كانت تروق لكل فرد ويجدها مادة للتندر بها.

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2001b19N5_H04_00485.jpg

ولكن أنماطا عديدة من الفئران المنتقصة جينيا تموت أثناء الولادة أو قبلها، لأن الجينات التي تفتقدها مطلوبة للتنامي الطبيعي. وقد تبين أن الجينات التي تكوِّد الوُحَيْدات المختلفة للمستقبلات النمداوية تكون على درجة متساوية من الأهمية: فالفئران المنتقصة جينيا التي افتقدت المستقبلة النمداوية المعيارية ماتت وهي صغيرة. ولذلك فقد صممتُ طريقة لحذف إحدى وحيدات المستقبلة النمداوية في منطقة محددة من الدماغ فقط.

 

الحصول على فأر منتقص جينيا

وباستخدام التقنية الجديدة هندستُ فئرانا افتقدت جزءًا حيويا من المستقبلة النمداوية يسمى الوُحَيْدة NR1، في قسم من الحصين يعرف بالمنطقة CA1. ولحسن حظنا أننا انتقصنا تلك الجينة من المنطقة CA1، لأن هذه المنطقة هي التي حظيت بإجراء معظم الدراسات على الظاهرتين LTP و LTD، ولأن البشر المصابين بتلف دماغي في تلك الباحة (المنطقة) area يُظهرون أشكالاً من العجز في الذاكرة. وبالتعاون مع  < A.M ويلسون> و< T.P. هويرتا> و< J.Th. مكهيو> و< J.K. بلوم> [من معهد ماساتشوستس للتقانة] وجدتُ أن الفئران المنتقصة جينيا هذه قد فقدت المقدرة على تغيير قوة الاتصالات العصبونية في مناطق CA1 لأدمغتها. فهذه الفئران تبدي تصورا مكانيا (حيّزيا) spatial representation غير سوي، كما تتصف بذاكرة مكانية ضعيفة: إذ لا تستطيع تذكر طريقها حول متاهة مائية. وقد كشفت دراسات حديثة أخرى في مختبرِي بجامعة پرنستون أن هذه الفئران تبدي كذلك عجزا في أداء عدة مهام ذاكرية أخرى غير مكانية nonspatial.

 

ومع أن هذه التجارب دعمت فرضية كون المستقبلات النمداوية حاسمة بالنسبة إلى الذاكرة، فهي لم تكن قاطعة الإقناع. فربما تكون العقاقير المستعملة في إحصار هذه المستقبلات قد مارست تأثيراتها عبر جزيئات أخرى، إضافة إلى المستقبلات النمداوية، على سبيل المثال. وربما يكون عوز الذاكرة لدى الفئران المنتقصة جينيا قد نجم عن شذوذ آخر غير متوقع لا علاقة له بأشكال القصور في الظاهرتين LTP / LTD.

 

الأساسيات

فأر يسمى دوگي

يستعرض المؤلف صفات الفئران “الذكية” وانعكاساتها على البشر.

كيف تختلف الفئران الدوگية عن الفئران الأخرى؟ لقد جرى هندستها وراثيا (جينيا) بحيث تنتج كميةً تفوق الكمية المعتادة من وُحَيْدة subunitرئيسية لپروتين يدعى المستقبلة النمداويةNMDA receptor  N – ميثيل-D-أسبرتات N-methyl-D-aspatate).

ماذا تفعل المستقبلة النمداوية؟ إنها تساعد على تقوية الاتصال بين عصبونين يصدف أن يكونا نشيطين في الوقت نفسه. ويتصور العلماء أن مثل هذه التقوية تشكل أساس التعلم والذاكرة.

ما درجة ذكاء الفئران الدوگية؟ إنها لن تقوم إطلاقا بحل معادلات تفاضلية أو تناور في البورصة، ولكنها أفضل من الفئران العادية في التمييز بين الأشياء التي رأتها من قبل، وفي تذكر الوصول إلى رصيف في حوض مملوء ماء عكرا على سبيل المثال.

كيف يجعلها التغيير الوراثي أكثر ذكاء؟ تبقى المستقبلات النمداوية للفئران الدوگية مفتوحة لمدة تقارب ضعف نظيرتها لدى الفئران العادية. ويساعدها هذا الزمن الإضافي بطريقة ما على تكوين ذاكرة جديدة بطريقة أكثر فاعلية.

هل يمكن استخدام التقنية ذاتها في تحسين مقدرة الناس على التعلم والتذكر؟ من الناحية النظرية، هناك إمكانية لذلك. ولكن التعلم والذاكرة لدى البشر أكثر تعقيدا من مجرد تعرف الأشياء أو تذكر متاهة مائية. وإلى جانب الحواجز العلمية والتقنية، لا بد من مواجهة قضايا السلامة والأخلاقيات التي تحيط بالهندسة الوراثية. ومن المحتمل جدا أن تحاول الشركات الدوائية بادئ ذي بدء صنع عقاقير تتآثر مع المستقبلة النمداوية بقصد زيادة المقدرة الذاكرية لدى البشر المصابين بقصور في الذاكرة.

 

وللتصدي لهذه المشكلات، قررتُ قبل سنتين أن أحاول زيادة فاعلية المستقبلات النمداوية في الفئران لرؤية ما إذا كان مثل هذا التغيير يؤدي إلى تحسين تعلم هذه الحيوانات وذواكرها. فإذا صح ذلك، فإن تلك النتيجة ـ بالاشتراك مع النتائج السابقة ـ ستعلمنا أن المستقبلة النمداوية تعد بحق لاعبا مركزيا في سيرورات الذاكرة.

 

في هذه المرة ركزت اهتمامي على أجزاء مختلفة من المستقبلة النمداوية، هما الوحيدتان NR2A و NR2B. فقد عرف العلماء أن المستقبلات النمداوية لدى حيوانات متباينة، مثل الطيور والقوارض والرئيسيات، تبقى مفتوحة لدى الأفراد الصغيرة لمدة أطول منها لدى الأفراد البالغة. وخمن بعض الباحثين، بمن فيهم أنا وزملائي، بأن هذا الفرق (بين الصغار والكبار) قد يفسر حقيقة كون الحيوانات الصغيرة قادرة في العادة على التعلم بسهولة أكبر، وتستطيع أن تتذكر ما تعلمته لمدة أطول، مقارنة بنظرائها الأكبر سنا.

 

وفيما يكتمل نضج الأفراد، يشرعون في التحول من صنع المستقبلات النمداوية التي تحتوي على الوحيدات NR2B إلى صنع مستقبلات نمداوية تحتوي على الوحيدات NR2A. وقد أظهرت الدراسات المختبرية أن المستقبلات ذات الوحيداتNR2B تبقى مفتوحة لمدة أطول من تلك المزودة بالوحيدات NR2A. وقد استنتجت أن هذا التحول المرتبط بالعمر قد يفسر لماذا يستصعب البالغون تعلم معلومات جديدة.

 

لذلك، أخذت نسخة من الجينة التي توجه إنتاج الوحيدة NR2B ووصلتُها بقطعة خاصة من الدنا DNA التي تعمل محفزا نوعيا لزيادة مقدرة الجينة على صنع الپروتين في الدماغ البالغ. ثم حقنتُ هذه الجينة داخل بيض ملقح لأحد الفئران، حيث اندمجت داخل الصبغيات وأنتجت فئرانا محورة جينيا تحمل النسخة الإضافية من جينة الوحيدة NR2B.

 

وبالتعاون مع < G. ليو> [من معهد ماساتشوستس للتقانة] و <M. زهو> [من جامعة واشنطن]، وجدت وزملائي أن المستقبلات النمداوية المأخوذة من الفئران المهندسة وراثيا، يمكن أن تبقى مفتوحة لمدة تقارب 230 ملّي ثانية؛ وهي مدة تبلغ ضعف طول مدة نظيرتها لدى الفئران العادية. وكذلك تحققنا أن العصبونات (الخلايا العصبية) في حُصَيْنات هذه الفئران البالغة أقدر على صنع اتصالات مِشْبَكِية أقوى من نظائرها لدى الفئران العادية ذات العمر نفسه. وفي الحقيقة، شابهتْ اتصالاتها الاتصالات الموجودة في الفئران اليافعة.

 

ما تستطيع الفئران الذكية عمله

وبعد ذلك، شرع < Y. تانگ> وأعضاء آخرون في مختبرِي بتقييم المهارات التعلّمية والذاكرية للفئران التي سميناها دوگي. فقمنا في البداية باختبار واحدة من أهم المظاهر الأساسية للذاكرة: وهي المقدرة على تعرف شيء ما. فوضعنا فئرانا داخل صندوق مفتوح وسمحنا لها بتفحص شيئين لمدة خمس دقائق. وبعد بضعة أيام استبدلنا شيئا جديدا بأحد الشيئين الموجودين من قبل، وأعدنا الفئران إلى الصندوق. فوجدنا أن الفئران المحورة جينيا تذكرت الشيء القديم وكرست وقتها لاستكشاف الشيء الجديد، في حين استغرقت الفئران العادية زمنا متساويا في استكشاف كلا الشيئين، مما يشير إلى أن الشيء القديم لم يَعُد مألوفا لديها أكثر من الجديد. ولدى تكرار الاختبار في فترات زمنية مختلفة، وجدنا أن الفئران المحورة جينيا استمرت في تذكر الأشياء مدة تفوق أربعة أو خمسة أضعاف نظائرها العادية.

 

اختبار دوگي:

امتحان كفاءات الفأر الذكي

في الاختبارات الأولية للفئران الدوگية وجدنا أنها أكثر توفيقا من الفئران العادية في تعرف الشيء المألوف لها من الشيء الجديد عليها، مثل اللعبة الحمراء في الصورة أعلاه. ولكن ذلك الاختبار، الذي يدعى “اختبار تعرف الأشياء”، لا يقيِّم إلا نمطا واحدا من الذاكرة.

ومن أجل تقييم ما إذا كانت الفئران الدوگية تمتلك قابليات تعلمية وذاكرية محسنة، استخدمنا تجربة مختبرية أكثر تعقيدا تدعى “متاهة موريس المائية.” ففي هذه التجربة، وضعنا فأرا داخل حوض دائري قطره 1.2 متر ومملوء ماءً عكرا (قاتم اللون). ووضعنا داخل الحوض رصيفا من زجاج الپلكسي plexiglas الرائق وغير المرئي تقريبا، ويعادل ارتفاعه ـ إلى حد ما ـ عمق الماء، بحيث يكاد يختفي عن الرؤية تحت سطح الماء. هذا وقد أحطنا الحوض بستارة سوداء حملت علامات معينة عليها، مثل تلك النقطة الحمراء في أعلى الصورة في اليمين. وتجدر الإشارة إلى أن الفئران لا تحب البلل بالماء، ولذلك كانت تحاول في هذه الاختبارات السباحة هنا وهناك إلى أن تعثر على الرصيف حيث تستطيع إخراج نفسها ما أمكن من الماء وتستريح.

لقد وجدنا أن الفئران الدوگية استطاعت العثور على الرصيف المغمور على نحو أسرع من الفئران العادية، فقمنا لذلك بالتقدم خطوة أبعد في اختبارنا؛ إذ أزلنا الرصيف لرؤية ما إذا كانت هذه الحيوانات تتذكر المكان الذي كان فيه الرصيف بدلالة علامات مرشدة مثل النقطة الحمراء. وعندما أعدنا الفئران الدوگية إلى الحوض صرفتْ من الوقت ما يفوق الفئران العادية في منطقة الحوض التي كان يشغلها الرصيف؛ مما يشير إلى أنها تذكرت المكان الذي ينبغي أن يكون فيه ذلك الرصيف. أما ما الذي حصلت عليه من مكافأة على ذلك، فقد كان تجفيفها بمنشفة ووضعها هنيهة تحت مصباح حراري.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2001b19N5_H04_001897.jpg

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2001b19N5_H04_001898.jpg

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2001b19N5_H04_001899.jpg

 

وفي الجولة الثانية من الاختبارات، قمت وتانگ بتفحص مقدرة الفئران على تعلم الربط بين صدمة خفيفة لكفوفها ووجودها في حجرة ذات نمط معين أو سماعها نغمة معينة؛ فوجدنا أن احتمال اتخاذ فئران دوگي وضعية الجمودfreezing كان أكبر مما لدى الفئران العادية. واتخاذ وضعية الجمود علامة تدل على أن الفئران تذكرت الخوف لدى إعادتها إلى تلك الحجرة أو إسماعها تلك النغمة بعد بضعة أيام. فأوحت لنا هذه الاختبارات بأن الفئران الدوگية هذه كانت تمتلك ذاكرة أفضل. ولكننا نتساءل: هل كانت كذلك أسرع تعلما؟
يمثل التعلم والذاكرة مرحلتين مختلفتين من سيرورة واحدة تدريجية ومتواصلة، غالبا ما لا يسهل تمييز خطواتها. فمن دون الذاكرة لا يستطيع شخص ما أن يقيس التعلم، ومن دون التعلم لا توجد ذاكرة تُقاس. وكي نحكم ما إذا كان التغير الجيني لفئران الدوگي قد ساعدها على التعلم، قمنا بتوظيف صيغة تجريبية سلوكية كلاسيكية تعرف باسم تعلم تبديد الخوف fear-extinction learning.

 

كيف ننتج فأرا غبيا

(أزل جزءا من مستقبلة رئيسية من دماغه)

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2001b19N5_H04_001900.jpg

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2001b19N5_H04_001901.jpg

 

ففي اختبار تعلم تبديد الخوف هذا، كيفنا الفئران على غرار ما فعلنا من قبل في حجرة الصدمة، ثم أعدنا الحيوانات إلى الوسط المسبب للخوف ـ ولكن من دون صدمات الكف ـ مرة تلو الأخرى. ويلزم لمعظم الحيوانات خمسة تكرارات أو نحو ذلك لتكف عن الربط بين وجودها في حجرة الصدمة وتلقيها الصدمة. أما الفئران الدوگية فقد تعلمت ألا تخاف بعد تكرارين فقط، وكذلك تعلمت ألا تخاف من النغمة بشكل أسرع من الفئران العادية.

 

أما الاختبار السلوكي الأخير فكان اختبار متاهة موريس المائية، حيث كان المطلوب من الفئران استعمال دالات إبصارية visual cues على جدران المختبر لمعرفة موقع رصيف مغمور مخبأ في حوض ماء لونه لون الحليب. ويتضمن هذا الاختبار الأعقد قليلاً عدة عوامل استعرافية cognitive factors، بما في ذلك مهارات تحليلية وتعلم وذاكرة وقدرة على تكوين استراتيجيات. وهنا مجددا، كان أداء الفئران المحورة جينيا أفضل من أداء نظائرها العادية.

 

لقد أيدت تجاربنا على الفئران الدوگية بوضوح تنبؤات قاعدة هِبْ Hebb s rule؛ كما أوحت بأن المستقبلة النمداوية مفتاح جزيئي رئيسي لعدة أشكال من التعلم والذاكرة.

 

ومع أن تجاربنا أظهرت الدور المركزي للمستقبلات النمداوية في تشكيلة متنوعة من سيرورة التعلم والذاكرة، فإنها ربما لا تكون الجزيء الوحيد المسؤول؛ إذ يمكننا أن نتوقع وجود عدة جزيئات تؤدي دورا في التعلم والذاكرة وينتظر تعرفها في السنوات المقبلة.

 

لن تتمكن الهندسة الوراثية (الجينية) أبدا من جعل الفئران

عباقرة يمكنها العزف على البيانو.

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2001b19N5_H04_001902.jpg

لقد رغب كل من صادفته من الناس، منذ أن نشرتْ نتائجنا، في أن يعرف ما إذا كانت اكتشافاتنا تعني أننا سرعان ما سنكون قادرين على تحقيق هندسة وراثية (جينية) تمنحنا أطفالاً أكثر ذكاء، أو ابتكار حبوب تجعل كل فرد عبقريا. الجواب المختصر هو: لا، والسؤال هو: وهل سنرغب في ذلك؟

 

تعرِّف القواميس والعديد من البيولوجيين التجريبيين الذكاء تقليديا بأنه “المقدرة على حل المشكلات”. ومع أن التعلم والذاكرة جزءان متكاملان من الذكاء، فإن هذا الأخير سمة معقدة تتضمن كذلك عدة عوامل أخرى مثل التفكير المنطقي والمهارات التحليلية والمقدرة على تعميم المعلومات المتعلَّمة سابقا. إن على العديد من الحيوانات أن تتعلم وتتذكر وتعمم وتحل أنماطا متنوعة من المشكلات، مثل التعامل مع الإقليم الذي تعيش فيه، وتوقع العلاقة بين السبب والنتيجة، والهرب من الأخطار، واجتناب الأطعمة السامة. وكذلك البشر، فإنهم يمتلكون العديد من أنواع الذكاء المختلفة، مثل الذكاء الذي يجعل من شخص ما رياضياتياmathematician مرموقا أو مديرا تنفيذيا بارعا أو لاعب كرة سلة عظيما.

 

ولما كان التعلم والذاكرة اثنين من المكونات الأساسية لحل مشكلة ما problem solving، فلن يكون من المستغرب تماما إذا ما أدت زيادة مهارة التعلم والذاكرة إلى تحسين الذكاء. ولكن وجود أنواع مختلفة من الذكاء يعني أن نمط ودرجة الزيادة لا بد أن يعتمدا بقوة على طبيعة المهارات التعلمية والذاكرية التي تتضمنها مهمة معينة. فالحيوانات ذات المقدرة المحسنة على تعرف الأشياء وحل المتاهات في المختبر، على سبيل المثال، قد تكون فرصتها أسهل في الوصول إلى الطعام والتجوال هنا وهناك في البرية. وكذلك قد تكون أقدر على الهرب من المفترساتpredators أو حتى على تعلم اجتناب المصايد. ولكن الهندسة الوراثية (الجينية) لن تستطيع إطلاقا تحويل الفئران إلى عباقرة قادرة على العزف على البيانو.

 

إن اكتشافنا ـ أن مداخلة جينية بسيطة يمكن أن تحدث فرقا ملموسا كهذا في مجموعة كاملة من مهام التعلم والذاكرة ـ يشير إلى إمكانية أن تكون الوحيدةNR2B  هدفا لأدوية جديدة تستخدم لمعالجة اضطرابات متنوعة في الذاكرة المرتبطة بأعمار الأفراد. ويمكن أن يتمثل أحد التطبيقات الفورية لذلك في البحث عن مواد كيميائية تعزز الذاكرة عبر زيادة فعالية أو كمية جزيئات NR2B لدى مرضى أصحاء الجسم ولكن أدمغتهم بدأت تتخرب بفعل خرف dementia الشيخوخة. إن مثل هذه العقاقير يمكن أن تحسن الذاكرة لدى مرضى الإصابة الخفيفة أو المتوسطة بداء ألزايمر أو لدى أناس ذوي حالات مبكرة من أشكال الخرف الأخرى. وسيتمثل الأساس المنطقي في تقوية الوظيفة الذاكرية للعصبونات السليمة المتبقية عن طريق زيادة وتحسين فعالية الوحيدة NR2B للخلايا. وبالطبع، سيستغرق تصميم مثل هذه المركَّبات ما لا يقل عن عقد من السنين، وسيواجه كثيرا من الشكوك. أما التأثيرات الجانبية المحتملة لمثل هذه العقاقير لدى البشر ـ على سبيل المثال ـ فستتطلب تقييما دقيقا، مع أنه لم يَبْدُ أن الفعالية الزائدة للوحيدة NR2B لدى فئران دوگي قد سببت سمية أو نوبات أو سكتات دماغية.

 

صورة عصبونين (خليتين عصبيتين) يتقابلان في ملتقى يسمى مشبكا synapse، وتشير فرضية رئيسية تبحث في كيفية تكون الذاكرة إلى دور پروتينات تدعى المستقبلات النمداوية. وتوجد هذه الأخيرة على سطوح الخلايا بعد المشبكيةpostsynaptic، وتكون المستقبلات النمداويةNMDA receptors على شكل ثقوب بالغة الصغر  يستطيع الكالسيوم عبورها فتتمكن بذلك من الربط بين حدثين ينشطان في آن واحد ـ وهو أمر يعد متطلبا مسبقا لتأسيس الذاكرة ـ لأن هذه الثقوب لا تنفتح إلا حينما تستقبل إشارتين. وتتمثل الإشارة الأولى في ربط الگلوتامات المحررة من قبل الخلية قبل المشبكية presynaptic، في حين تتمثل الثانية بتنبيه كهربائي يرد من خلية عصبية أخرى تقوم بإخراج المغنسيوم من قناة المستقبِلة. وينشِّط اندفاع الكالسيوم نحو الداخل سلاسل كيميائية حيوية تقوي المشبك في نهاية المطاف.
http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2001b19N5_H04_001903.jpg

 

ولكن، إذا كان المزيد من الوحيدة NR2B في الدماغ أمرا جيدا لصالح التعلم والذاكرة، فلماذا رتبت الطبيعة تناقص كميته مع تقدم العمر؟ لقد أدلت بضع مدارس فكرية بدلوها إجابة عن هذا التساؤل. وترى إحداها أن التحول من الوحيدة NR2Bإلى الوحيدة NR2A  يحول دون تحميل السعة الذاكرية للدماغ فوق طاقتها، في حين توحي مدرسة أخرى ـ وأميل أنا إليها ـ بأن النقصان أمر تكيفي من الناحية التطورية للمجتمعات، لأنه يقلل من احتمال نجاح الكبار الذين يفترض فيهم أنهم أتموا الإنجاب، في منافسة الصغار على الموارد المتاحة مثل الطعام.

 

البحث عن عقار يقوي الذاكرة

 الفئران الذكية هي مجرد خطوة أولى

 هل اقترب الباحثون من اكتشاف حبة دواء تساعدك على تذكر المكان الذي وضعت فيه مفاتيح سيارتك؟ الجواب المختصر على ذلك: “لم يقتربوا كثيرا”. ولكن ذلك لا يعني أنهم لا يعملون على ذلك ـ وبشكل حثيث. فبعد أقل من ثمانية أشهر على ما ذكره مؤلف المقالة < Z.J. تسين> وزملاؤه من أنهم هندسوا وراثيا فأرا ذكيا، انضم تسين إلى الرأسمالي المغامر < Ch. هسو> في تأسيس شركة مبنية على هذا الاكتشاف. وتدعى هذه الشركة يوريكا للمستحضرات الطبية Eureka Pharmaceuticals، وتقع في الوقت الحاضر في مكتب هسو بمجموعة والدن Walden Group في سان فرانسيسكو. وتتوجه هذه الشركة في المقام الأول من أعمالها إلى استخدام تقانة وراثية تدعى الجينوميات genomics لغرض تحديد جزيئات تشكل أهدافا محتملة لعقاقير تعالج اضطرابات الجهاز العصبي المركزي مثل فقدان الذاكرة والخرف. ويقول هسو: “نعتقد أن الأدوات التي أوجدها <جو> وزملاؤه يمكن أن تترجم بسرعة إلى أساس لاكتشاف معالجات للأمراض البشرية.” ونشير إلى أن هسو هو المدير التنفيذي لشركة يوريكا، وأن تسين هو مستشارها العلمي ولكنه سيبقى في پرنستون. إن الهدف الأول لشركة يوريكا هو ما يسمى المستقبلة النمداوية NMDA receptor التي نابلها تسين ومعاونوه وراثيا لصنع فئرانهم الدوگية الذكية ـ مع أن الشركة سوف تبحث عن أهداف أخرى. فهذه المستقبلة هي من الناحية الأساسية ثقب يسمح بدخول الكالسيوم في الخلايا العصبية، الأمر الذي يعد مطلبا مسبقا لتقوية الاتصال بين خليتين عصبيتين. ويعتقد بأن مثل هذه التقوية يشكل أساس التعلم والذاكرة. وطوال العقد الماضي، قامت عدة شركات للمستحضرات الطبية باختبار العديد من المركبات المتنوعة التي تقلل من فعالية المستقبلة النمداوية، كعلاج محتمل للسكتة الدماغية. فعندما يحرم الدماغ من الدم، مثلما يحدث حينما تسد الجلطة الدموية المسببة للسكتة الدماغية أحد الشرايين، تستطيع الخلايا العصبية تحرير كميات كبيرة من الگلوتامات (وهي مادة كيماوية تستخدمها هذه الخلايا في الاتصال communication فيما بينها). وفي الظاهرة المسماة التسمم الاستثاري excitotoxicityترتبط الگلوتامات الفائضة بالمستقبلات النمداوية لخلايا عصبية أخرى، مما يسمح لفيض غامر من الكالسيوم بالتدفق إلى الخلايا الأخرى، الأمر الذي يؤدي، بالاشتراك مع نقص الأكسجين، إلى موت الخلايا. ولكن، حسبما يعلق المختص بالعلوم العصبية < C.R. مالينكا> [من جامعة ستانفورد] فإن محاولات البحث عن حاصرات blockers للمستقبلة النمداوية يمكنها أن تفيد كعقاقير للسكتة الدماغية بقيت لغاية الآن مخيبة للآمال إلى حد لا يصدق. ويوضح مالينكا أن المشكلة تكمن في إيجاد مادة كيميائية ترتبط بالبقعة الصحيحة تماما على المستقبلة النمداوية وبالطريقة الصحيحة بالضبط، من دون أن تسبب تأثيرات عصبية neurological أخرى. (وفي النهاية، فإن عقار الفِينْسيكليدين phencyclidine المثير للهلوسة ـ والمعروف باسم PCP أو غبار الملائكةangle dust ـ يرتبط هو أيضا بهذه المستقبلة.) لقد أضعف عدم نجاح حاصرات المستقبلة النمداويةNMDA-receptor blockers ضد السكتة الدماغية ـ  إضافة إلى إمكانية سمية المواد التي ترتبط بهذه المستقبلة ـ بعضا من حماسة العلماء لإيجاد عقاقير يمكنها تعزيز التعلم والذاكرة عن طريق تنشيط هذه المستقبلة. ويقول مالينكا: “لا أحد يدرس جديا تعديل فاعلية المستقبلة النمداوية بما يرقى لتعزيز الذاكرة، على حد علمي.” ويضيف قائلاً: “ولكن قد يتقدم شخص ذكي ما بذلك العقار السحري الذي سيروض هذه المستقبلة.” وهناك سيناريو أكثر احتمالاً ـ يقوم تسين بمتابعته ـ ويتمثل في إمكانية إيجاد عقاقير تغير بلطف نشاط المستقبلة النمداوية من دون الارتباط بها مباشرة، حسب رأي < B.I. بلاك> [من جامعة الطب البشري وطب الأسنان في نيوجرسي]. ويدرس بلاك مادة كيميائية موجودة في الطبيعة تسمى العامل التغذوي العصبي المشتق من الدماغ(BDNF) brain-derivedneurotrophic factor ، تزيد من أرجحية استحواذ أجزاء من المستقبلة النمداوية على مجموعة فسفاتية ترتبط بها. ومن الأرجح أن تكون المستقبلات النمداوية ذات المجموعات الفسفاتية أكثر نشاطا من نظائرها الخالية من مثل هذه المجموعات. ومع ذلك، فإن معظم علماء الأعصاب يتفقون على أن البحث عن عقار يحسن التعلم والذاكرة من دون تأثيرات جانبية سيستغرق زمنا طويلاً.

< C. إيزيل>

 

إن الفكرة القائلة بأن الانتقاء (الانتخاب) الطبيعي لا ينمي أفضل القدرات التعليمية والذاكرية لدى الكائنات الحية البالغة إنما تحمل في طياتها تضمينات عميقة؛ إذ تعني أن التحوير الجيني لصفات مميزة عقلية واستعرافية مثل التعلم والذاكرة، يمكن أن يفتح طريقا جديدا تماما للتطور الوراثي (الجيني) المستهدَف للبيولوجيا، وربما للحضارة، بسرعة لم يسبق لها مثيل.

 

 المؤلف

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2001b19N5_H04_001904.jpg

Joe Z. Tsien

عمل مدرسا في قسم البيولوجيا الجزيئية بجامعة پرنستون منذ عام 1997. جاء إلى الولايات المتحدة في عام 1986 بعد تخرجه من جامعة شرق الصين النظامية في شانگهاي ومزاولته العمل لمدة عامين معيدا في جامعة شرق الصين للعلوم والتكنولوجيا في شانگهاي. حصل على الدكتوراه في الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية في عام 1990 من جامعة مينيسوتا. وطلبت مشورته عدة شركات للتكنولوجيا الحيوية تسعى إلى إيجاد عقاقير لاضطرابات الذاكرة المرتبطة بتقدم السن. وحقق الفأر دوگي نجاحا باهرا خلال عرض تعليمي مدرسي.

مراجع للاستزادة 

THE ORGANIZATION OF BEHAVIOR: A NEUROPSYCHOLOGICAL THEORY. Donald O. Hebb. John Wiley, 1949.

MEMORY AND BRAIN. Larry R. Squire. Oxford University Press, 1987.

LONG-TERM POTENTIATION-A DECADE OF PROGRESS? Robert C. Malenka and Roger A. Nicoll in Science, Vol. 285, No. 5435, pages 1870-1874; September 17, 1999.

ENHANCING THE LINK BETWEEN HEBB’S COINCIDENCE DETECTION AND MEMORY FORMATION. Joe Z. Tsieri in Current Opinion in Neurobiology, Vol. 10, No. 2; April 2000.

Scientific American, April 2000

 (*)Building a Brainier Mouse

(1) Late Show with David Letterman

(2) receptor: يقال مستقبلة أو مستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى