أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تكنولوجيا

افتراضيا هناك

افتراضيا هناك(*)

أسلوب الظهور البُعدي الثلاثي الأبعاد قد يضع العالم كله بين يديك يوما ما.

<J. لانير>

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N1_H04_002077.jpg

جارون لانير، الموجود حقيقة في آرمونك بولاية نيويورك، كما

يبدو على شاشة ظهور بعدي في تشاپل هيل بكارولينا الشمالية.

 

 إنني، شأن كثير من الباحثين، مستخدم دائم للائتمار الڤيديوي video conferencing، على الرغم من معارضتي له؛ فالتآثر البشري يتضمن عناصر لفظية www.ehtraf.tv   verbal وأخرى غير لفظية nonverbal. ويبدو أن الائتمار الڤيديوي صيغ بالضبط لكي يربك العناصر غير اللفظية، إذ من المستحيل ـ مثلا ـ عقد اتصال بصري  مناسب، في إطار نُظُم الائتمار الڤيديوي الحالية، بسبب تعذر وجود آلة التصوير وشاشة العرض في مكان واحد. وهذا يُفضي عادة إلى شعور ممل من التكلف في أثناء التآثر. ولا غرو، فالتواصل البصري المباشر طريقة لاشعورية واسعة الانتشار لتوكيد الثقة. أضف إلى ذلك عدم قدرة المشاركين في مؤتمر ڤيديوي على إدراك مكان كل منهم بالنسبة إلى الآخر، ومن ثم فليس لديهم طريقة واضحة للفت الانتباه أو إبداء الموافقة أو عدم الموافقة.

 

 إن الظهور البُعدي tele-immersion، وهو وسيلة جديدة للتآثر البشري أتاحتها التقانات الرقمية، يقوم بإيهام المستخدِم بأنه ـ والمشاركين الآخرين ـ ضمن الحيز المادي ذاته، حتى ولو فصلته عنهم في واقع الأمر مئات بل آلاف الأميال. إن هذا النظام يجمع تقنيات الواقع الافتراضي في العرض والتآثر، إلى تقانات الرؤية الجديدة التي تتجاوز الحدود التقليدية لآلة التصوير. ففي حين كان يقتصر الأمر على مجرد رصد الناس وبيئتهم المباشرة من نقطة مؤاتية واحدة، غدت محطات الظهور البعدي تصورهم حاليا «كتماثيل متحركة» دون التركيز على نقطة رؤية واحدة بعينها. والنتيجة هي تمكن المشاركين جميعا، على الرغم من بعد المسافة بينهم، من تقاسم واستكشاف فضاء بالحجم الطبيعي.

 

وفضلا عن تحسين مستوى الائتمار الڤيديوي، فقد عُد الظهور البعدي تطبيقا مثاليا لدفع بحوث هندسة الشبكات، باتجاه الإنترنت 2 تحديدا، وهي التجمع البحثي الرئيسي لدراسات الشبكات المتقدمة في الولايات المتحدة. فإذا كان بإمكان شبكة حاسوبية دعم نظام الظهور البعدي فمن المرجح أنها قادرة على دعم أي تطبيق آخر، لأن هذا النظام يتطلب أقل تأخير ممكن في تدفق المعلومات (وأقل قدر ممكن من التفاوت في هذا التأخير)، إضافة إلى الطلب الأكثر شيوعا لدفقات كبيرة جدا وعالية الوثوقية.

 

الواقع الافتراضي والشبكات(**)

لما كانت تقانة الظهور البعدي واقعة عند مفترق طرق البحث بين الواقع الافتراضي والشبكات، وكذلك بين الرؤية الحاسوبية وأبحاث واجهة التطبيق، فإن من المناسب إعطاء خلفية بسيطة حول مجالات البحث المختلفة هذه.

 

الظهور البعدي في سطور(***)

* وسيلة جديدة للاتصال من بُعد، تجمع بين الواقع الافتراضي والائتمار الڤيديوي، وتهدف إلى تمكين الناس الذين تفصل بينهم مسافات كبيرة من التآثر بصورة طبيعية، كما لو أنهم مجتمعون في غرفة واحدة.

* يجري تطويرها باعتبارها تطبيقا أوليا لتجمُّع بحوث إنترنت 2 الجديدة، وتشتمل على تحسينات بارزة في عدد كبير من التقانات الحاسوبية وتقانات الاتصالات، وقد تفضي في خاتمة المطاف إلى عدد من الاختراعات الجانبية.

* يرى المؤلف إمكان حلول هذه التقانة محل أنواع كثيرة من رحلات الأعمال التجارية في غضون نحو عشر سنوات.

 

في عام 1965 تقدم <I. سذرلاند> [الذي يُعتبر مبتدع الرسومات الحاسوبيةcomputer graphics] بما أسماه العارض النهائي Ultimate Display. يسمح هذا العارض للمستخدم بالتعامل مع فضاء من صنع الحاسوب يحاكي الفضاء الحقيقي، وأطلق سذرلاند على هذا الفضاء اسم العالم الافتراضي Virtual World، استيحاء من تعبير مستمد من فلسفة الجماليات aesthetics، وبخاصة كتابات<K.S. لانگر>. وفي عام 1968 أنجز سذرلاند للمرة الأولى عالما افتراضيا بوساطة جهاز عرض يوضع على الرأس head-mounted display، هو أشبه بخوذة مزودة بشاشتي عرض متوضعتين أمام العينين، لتعطي مرتديها شعورا بالتواصل ضمن فضاء مجسِّم ثلاثي الأبعاد. فعندما يحرك المستخدم رأسه، يبادر حاسوب إلى إعادة حساب وصياغة الصور الماثلة أمام كل عين، وذلك لكي يحافظ على الإيهام البصري بأن العالَم الذي صنعه الحاسوب ظل ثابتا في الوقت الذي يقوم المستخدِم باستكشافه.

 

 وخلال حقبة الثمانينات من القرن العشرين انتهى بي الأمر ـ من غير قصد مني ـ لأكون في موقع إدارة أول مؤسسة تبيع أدوات متعددة الاستعمالات لصنع ومعايشة experiencing عوالم افتراضية، ويعود جل الفضل في ذلك لهذه المجلة. فقد أفردت مجلة ساينتفيك أمريكان عدد الشهر 9/19844 لدراسة التقانات الرقمية الناشئة، واستعمَلَتْ إحدى تجاربي في البرمجة المرئية visual-programming صورة لغلاف ذلك العدد.

 

 في ذلك الوقت اتصل بي أحد المحررين هاتفيا وقد تولاه الذعر، فقد لاحظ أن جهة انتمائي لم تُذكر. فأجبت موضحا إنني، وكذلك العمل الوارد في المقالة، لا ننتمي إلى جهة معينة. رد جازما: «تعوَّدنا يا سيدي في مجلة ساينتفيك أمريكان الالتزام بقاعدة لا نحيد عنها، وهي الإشارة إلى الجهة التي ينتسب إليها المشارك بعد ذكر اسمه.» فندَّت مني عبارة «أبحاث VPL» (وأنا أقصد لغة البرمجة المرئية Visual Programming Language أو لغة البرمجة الافتراضية Virtual Programming Language)، وهكذا كانت ولادة الـ VPL. وما إن صدر العدد حتى تقاطر المستثمرون، وأُنشئت الشركة فعلا. وفي أواسط الثمانينات بدأت الشركةVPL ببيع أدوات العالم الافتراضي، واشتُهرت بإدخالها ما يسمى «الأدوات القفازية» glove devices  التي كانت هي الأخرى موضوع غلاف عدد الشهر 6/19888 من مجلة العلوم .

 

ما بين أواسط الثمانينات وأواخرها، أنجزت الشركة VPL باكورة التجارب على ما عزمتُ على تسميته «الواقع الافتراضي». والواقع الافتراضي هذا يجمع فكرة العوالم الافتراضية إلى الشبكات، فيضع مشاركين عديدين في فضاء افتراضي بالاستعانة بخوذات عرض رأسية. وفي عام 1989 قدَّمت الشركة VPLمنتجا يدعى RB2، أي «الواقع المبني من أجل اثنين» Reality Built for Two، وقد أتاح هذا لاثنين من المشاركين اقتسام عالم افتراضي. ومن بين المفاهيم الضمنية المثيرة في الواقع الافتراضي تمكين كل من المشاركين من رؤية صور الآخرين، فيما يُعرَف عموما بالصور المجسدة avatars. ومع أن قدرة الحواسيب في تلك الأيام قلصت التجسيدات الأولى إلى مجرد رسومات حاسوبية متحركة بالغة البساطة لا تعدو تمثيل أشكال وجوه المستخدِمين تمثيلا تقريبيا، إلا أنها نقلت حركات الأشخاص بأمانة تامة، ومن ثم أضفت شعورا بالحضور والعاطفة ونقاط الاهتمام.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N1_H04_002078.jpg

«متعاونان من بعد»، تفصل أحدهما عن الآخر مئات الأميال، يدرسان نموذجا طبيا استحدثه الحاسوب، بإمكان كل منهما منابلته وكأنه كائن حقيقي. تساعد الخوذةُ الحواسيب على تعيين موضع رأس المستخدِم وتوَجُّهه. إن تعيين الموضع هذا أساسي في تحديد الرؤية الصحيحة للمشهد. وسوف يُستغنى عن الخوذة في المستقبل.

 

لقد كان اقتسام عوالمنا الافتراضية بادئ الأمر مقتصرا على مسافات قصيرة، ولكننا أجرينا بعض تجاربنا على مسافات بعيدة كذلك. وتمكنا من تقديم عروض من الواقع الافتراضي بمشاركين في اليابان وكاليفورنيا، وفي ألمانيا وكاليفورنيا. ولم تكن هذه العروض لتُجهد الشبكة، لأن كل ما يراد إرساله هنا هو حركات المشاركين فحسب، وليس كامل الشكل الخارجي لكل شخص، كما هي الحال في الظهور البعدي.

 

بدأت أبحاث الشبكات الحاسوبية في الوقت نفسه مع أبحاث العوالم الافتراضية. وقد وُلدت الفكرة الأولى للشبكة الأصل المسماة أرپانِت(1) Arpanetفي أواخر الستينات من القرن العشرين. وكان لهذه الشبكة تأثير كبير في الشبكات الأخرى، فاندمجت جميعا في الثمانينات لتؤلِّف شبكة الإنترنت. ومع تنامي الإنترنت أُنشئت شبكات «فقار» داعمة backbones. و«الفِقار» شبكة ضمن شبكة أخرى تتيح انتقال المعلومات عبر وصلات ارتباط قوية جدا ومشترَكة على نطاق واسع، وعبر مسافات طويلة بسرعة أكبر. ومن أمثلة هذه الشبكات المرموقة التي صممت لدعم فعاليات البحث: الشبكة(2) NSFnet في أواخر الثمانينات، والشبكة vBNS في أواسط التسعينات. وكان لكل منهما دور في استنباط تطبيقات جديدة للإنترنت، مثل الشبكة العنكبوتية العالمية WWW. وثمة مشروع بحث «فقاري» آخر يسمى آبيلين Abilene استُهِل عام 1998 وكان الهدف منه تقديم خدمات لعدد من الجامعات أُطلق عليه اسم إنترنت 2 Internet.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N1_H04_002079.jpg

إن بإمكان ثلاثة مستخدمين من مدن مختلفة اقتسام فراغ افتراضي، بفضل حُجيرة الاتصالات البُعدية هذه.

 

 تنتشر خدمات شبكة آبيلين حاليا لتصل ما يزيد على 170 جامعة أمريكية. ولو كان الهدف الوحيد لشبكة إنترنت 2 تقديم مستوى عال من عرض الحزمة (النطاق) bandwidth (أي نقل عدد كبير من البتات في الثانية) لكفى وجود آبيلين والموارد الملحقة بها؛ لكن بحوث إنترنت 22 في واقع الأمر لها أهداف أخرى، منها تطوير پروتوكولات(3) جديدة لمعالجة التطبيقات التي تتطلب حزم اتصال عريضة جدا وأزمنة تأخير مقيَّدة (تفرضها معالجة الإشارات) منخفضة جدا.

 

غير أن إنترنت 2 كانت تعاني مشكلة غريبة، إذ لم يكن في التطبيقات الموجودة ما يستدعي مستوى الأداء المتوقع. فعلم الحاسوب مدفوع ـ تقليديا ـ بالحدس العلمي الذي يستشرف دائما استعمالات لأدوات رقمية أكثر سرعة واستيعابا، حتى وإن غابت عنا في يومنا طبيعة هذه الاستعمالات. غير أن هذا الاعتقاد لم يكن كافيا في حالة بحوث الشبكات المتقدمة، فلا بد من اختبار الأفكار الجديدة اختبارا عمليا على شيء معين.

 

فتقدم<H.A. وايس>، الذي أدى دورا رئيسيا في إنشاء الشبكة NSFnet، وكان مسؤولا عن مؤسسة بحوث غير ربحية تدعى الشبكة والخدمات المتقدمةAdvanced Network and Services وكانت مقرا للمكتب الهندسي لشبكة إنترنت  2 ومركزا لإدارته. استعمل وايس مصطلح «الظهور البعدي» لاستنباط تطبيق مثالي يدفع البحث، وطلب إليَّ أن أضطلع بمهمة الباحث الرئيسي في إنشاء مبادرة وطنية للظهور البعدي National Tele-Immersion Initiative. وقد سرني هذا العرض باعتباره الامتداد المنطقي لعملي السابق في مجال العوالم الافتراضية المشتركة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N1_H04_002080.jpg

 صورة مولَّدة عن مقارنة لَقْطتين أُخذتا لشخص بكاميرات ظهور بعدي. تمثِّل الألوانُ الحسابَ التقريبي الأول لعمق الملامح المميزة له.

 

صحيح إن كثيرا من المكوِّنات، مثل نظام العرض، لم يكن قد ابتُكر أو طور قبل أن ننعم نحن بنظام فاعل للظهور البعدي، لكن التحدي الأكبر كان يتمثل في ابتكار طريقة مناسبة للإحساس بالأشخاص والأمكنة إحساسا بصريا. وربما لا يتضح من الوهلة الأولى السبب في أن هذه المسألة مختلفة عن الائتمار الڤيديوي.

 

وراء نطاق آلة التصوير

كما نعرفها(****)

والسر هو أنه، في الظهور البعدي، لا بد من أن يكون لكل مشارك مرأىviewpoint  شخصي للمشاهد البعيدة ـ بل في الواقع مرأيان، إذ ينبغي أن تَرى كل عين من منظورها الخاص وذلك للمحافظة على الإحساس بالعُمق. كذلك يجب أن يتمتع المشاركون بحرية الحركة، بحيث يكون منظور كل فرد في حالة حركة مستمرة.

 

آلية عمل تقانة الظهور البعدي

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N1_H04_002081.jpg

توليد الصورة الثلاثية الأبعاد(*****)

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N1_H04_002082.jpg

مجموعة من الكاميرات تلتقط صورا للأشخاص ومحيطهم من زوايا مختلفة. تولد كل كاميرا صورة من مكان وجودها عدة مرات في الثانية.

تُفرَز كل مجموعة من الصور التُقطت في لحظة معينة إلى مجموعات أصغر مؤلفة من ثلاثيات متداخلة من الصور.

يُحسَب من كل ثلاثية صور «مخططُ تباين» disparity map يُظهر درجة التفاوت فيما بين الصور عند مختلف نقاط حقل الرؤية. وتُحلَّل درجات التباين لإعطاء الأعماق التي تفسر وجود فروق بين ما تراه كل كاميرا على حدة. وتُجمع قيم العُمق على شكل خريطة عُمق مجسمة للمشهد.

تُدمج خرائط العُمق كلها في نموذج مجسَّم واحد للمشهد عند لحظة معينة، بمعزل عن نقطة الرؤية. كما تتيح عملية ضم خرائط العمق الفرصة للتخلص من النقاط الزائفة والضجيج.

 

يتطلب الظهور البعدي الإحساس بكل مشهد بطريقة غير منحازة إلى أي نقطة معينة (في حين تقتصر آلة التصوير على إظهار المشهد من موقعها هي). ويتعين إدراك كل موقع ـ بما فيه من أشخاص وأشياء ـ من جميع الجهات في آن معا، فتُعرض صورته كما لو أنه تمثال مجسَّم ثلاثي الأبعاد نابض بالحياة. ويستقبل كل موقع بعيد على الشبكة معلومات تصف كامل التمثال ذي الحركة، ويقوم بتجسيده، بناء على هذه المعلومات، عند النقطة المطلوبة في الموقع. ويجب إنجاز عملية المسح بسرعة كبيرة كافية لإتمامها في زمن حقيقي، أي خلال جزء صغير من الثانية على الأكثر. بعدئذ يمكن تحديث التمثال الذي يصور شخصا بسرعة كبيرة يتحقق معها الشعور الوهمي بالحركة المستمرة، علما بأن هذا الشعور يبدأ بالظهور عند معدل 12.5 إطار frames في الثانية، لكنه يصبح أكثر تميزا عند معدل يقارب 255 إطارا في الثانية، ويتحسن أكثر فأكثر عند معدلات العرض الأكبر.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N1_H04_002083.jpg

سبع كاميرات تتفحص المستخدِم في منظومة ظهور بُعدي في تشاپل هيل.

 

 يمكن قياس الحدود الخارجية (الكفافية) contours المتحركة والثلاثية الأبعاد لأشخاص في غرفة (ولموجوداتها الأخرى) بطرق عدة. ففي عام 1993 عرض<H. فوكس> [من جامعة كارولينا الشمالية في تشاپل هيل] طريقة عُرفت باسم أسلوب «بحر الكاميرات» (فيض المصوِّرات) sea of cameras، تقوم على مقارنة صور التقطتها عدة آلات تصوير من وجهات مختلفة. ففي مَشاهد اعتيادية لبيئة إنسانية، قد تظهر بعض السمات البصرية المميزة، مثل طيَّة في رداء، لأكثر من آلة تصوير واحدة. وبمقارنة الزوايا التي تُرى عندها هذه السمات بآلات تصوير مختلفة، يمكن للخوارزميات أن تركِّب نموذجا ثلاثي الأبعاد للمشهد.

 

 وقد دُرست هذه التقنية في تشكيلات ليست بالزمن الحقيقي non-real-time configurations، وبخاصة من خلال العمل الذي أجراه <T. كانادي>، والذي تَنَاهى لاحقا إلى ما سمي بعرض «الواقع الافتراضي» Virtualized Reality demonstrationفي جامعة كارنيگي ميلون، الذي جرى عام 1995. وقد ضَمَّت تلك التركيبة 511 آلة تصوير موجهة نحو الداخل inward-looking cameras مثبتة في قبة جيوديسية(4)geodesic dome. ولأنها لم تكن أداة زمن حقيقي لم يكن بالإمكان استعمالها في مجال الظهور البعدي. فقامت بدلا من ذلك آلات تسجيل ڤيديو بالتقاط الأحداث في القبة، لمعالجتها فيما بعد.

 

باستعمال نظارات مقطِّبة استحال جداران من جدران الحجيرة

إلى نافذتين بدت من خلالهما المكاتب الأخرى

وفيها أشخاص آخرون ينظرون باتجاهي.

 

 واستأثرت فكرة «بحار الكاميرات» في الزمن الحقيقي باهتمام <R. باجكسي> [مديرة مختبر الإنساليات والأتمتة والاستشعار والإدراك (GRASP) في جامعة پنسلڤانيا] فقد عملَتْ منذ عام 1994 مع زملائها في تشاپل هيل وكارنيگي ميلون على مجموعات صغيرة مؤلفة من آلتين أو ثلاث آلات للتصوير، بهدف جمع بيانات واقعية تصلح لتطبيقات افتراضية.

 

 اضطلعت باجكسي وزميلها <K. دانيليدس> بمهمة إنشاء أول «بحر كاميرات» بالزمن الحقيقي، تميز بأنه قابل للتوسع scalable وذو وحدات تركيبية بحيث يمكن تطويعه ليلائم أمكنة واستعمالات عديدة. وقد عمل الباحثان بتعاون وثيق مع فريق تشاپل هيل، الذي كان مسؤولا عن أخذ بيانات عن «التمثال الحي»، واستعمال تقنيات الرسومات الحاسوبية، بغية تحويلها إلى مشهد واقعي لكل مستخدم.

 

إلا أن بحر الكاميرات في حد ذاته ليس حلا كاملا. افترِض أن بحرا من الكاميرات موجَّه إلى جدار أبيض ناصع. فالكاميرات هنا، وبسبب عدم وجود سمات مميزة على سطح الجدار، لا تملك أي معلومات تمكِّنها من بناء نموذج تمثال. ولكن الإنسان يستطيع النظر إلى جدار أبيض دون أن يلتبس عليه الأمر، لا يهمه أن الجدار ربما يكون مجازا يفضي إلى شق عميق أبيض، ذلك لأننا لا نعتمد على الدلالات الهندسية وحدها، بل أيضا على نموذج غرفة في أذهاننا يمكنه أن يكبح جماح تفسيرات ذهنية خاطئة. ومن المؤسف أن جبين المرء أو قميصه التائي (قصير الكمين) بالنسبة إلى الكاميرات الرقمية الحالية يبديان نفس التحدي الذي يبديه جدار أبيض. كذلك فإن البرمجيات الحالية ليست بعدُ على درجة من البراعة تجعلها تفك اللبس الناجم.

 

 وقد خلص الباحثون في تشاپل هيل إلى طريقة جديدة تعد بالتغلب على هذه العقبة، أُطلق عليها اسم «الضوء البنيوي غير المُدرَك» imperceptible structured light (ISL). فمصابيح الضوء التقليدية تومض 50- 60مرة في الثانية، وهو وميض سريع لا تدركه العين البشرية على وجه العموم. بالمثل يبدو الـ ISL للعين البشرية كمنبع مستمر من الضوء الأبيض، شأن المصباح المعتاد، إلا أنه في الواقع مملوء بأنماط سريعة التغير لا تدركها إلا آلات التصوير المتطورة المتزامنة بدقة. تقوم هذه الأنماط بملء الفراغات، كالجدران البيضاء مثلا، بمعالم مفروضة تتيح لبحر الكاميرات استكمال القياسات.

 

لحظة الاكتشاف(******)

 لقد تمكنا من عرض أول جلسة ظهور بعدي في9/5/ 2000، وذلك بجمع ثلاثة مواقع افتراضيا، وكان نحو عشرة من كبار الشخصيات حاضرين فعليا في الحُجيرة البُعدية telecubicle في تشاپل هيل. وهناك تعاقبنا وإياهم على الجلوس في مكتب المستقبل المُصنّع بالمحاكاة. وبقدر ما كانت سعادتي خلال الأعوام الثلاثة التي أمضيتها في الأبحاث التي أفضت إلى هذا العرض، فإن بهجتي في ممارسة الظهور البعدي كانت غامرة وغير متوقعة. فباستعمال نظارات مقطِّبة polarizing للنظر إلى جدران الحجيرة، استحال جداران إلى نافذتين بدت من خلالهما المكاتب الأخرى وفيها أشخاص آخرون ينظرون باتجاهي. (وقد ساعدت النظارات على إرسال صورة مختلفة قليلا لكل عين، مولِّدة بذلك شعورا بالرؤية المجسمة.) وعبر أحد الجدران ألقيتُ التحية على<A. ساداجيك> [الباحثة في مختبري بِآَرْمونك في نيويورك] وعبر الجدار الآخر كانت <J. مليگان> [الزميلة الباحثة في جامعة پنسلڤانيا].

 

أعضاء فريق الظهور البعدي(*******)

* جامعة كارولينا الشمالية في تشاپل هيل

هنري فوكس، هيرمان تاولز، كريگ ويلش، واي-تشاو تشِن، رُوِيگانگ يانگ، سانگ-يوك كوم، آندرو ناشل، سريهاري سوكوماران.

www.cs.unc.edu/Research/stc/teleimmersion

* جامعة پنسلڤانيا

روزينا باجكسي، كوستاس داينيليدس، جين موليگان، إبراهيم ڤولكان إيسلر.

www.cis.upenn.edu/~sequence/teleim 2.html

* جامعة براون

أندريز ڤان دام، لورينگ هولدِن، روبرت زيلزنك.

www.cs.brown.edu/~Ish/telei.html

* منظمة الشبكة والخدمات المتقدمةجارون لانير، أميلا ساداجيك.

www.advanced.org/teleimmersion.html

 

 وخلافا للعوالم الافتراضية الكارتونية التي عملت فيها لسنوات، فإن ما أراه على البُعد من أشخاص وأمكنة مستمد من الواقع فعلا، مع أن الصور ليست مثالية على أي حال. لقد كان ثمة «ضجيج» في النظام يشبه نثار ورق ملونconfetti يتساقط في حجيرات الأشخاص الآخرين. وكان معدل عرض الأطر منخفضا (2-3 إطارات في الثانية)، بتأخير يبلغ ثانية واحدة، ولم يدخل إلى شاشة عرض الظهور البعدي سوى جانب واحد فقط من المحادثة. ومع كل ذلك، فها هو ذا عالَمٌ افتراضي لا مراء فيه؛ إنه ليس مجرد تمثيل فني ساذج للعالَم الحقيقي، بل هو تصوير أمين له.

 

 في عرض لاحق (جرى في الشهر10 /2000) لوحظ اختفاء معظم نثار الورق الملون، وتحسن مجمل جودة النظام وسرعته. لكن أهم تحسن جاء من باحثين في جامعة براون، يقودهم <V.A. دام>. فقد توصلوا إلى جلسة ظهور بعدي تتضمن أجساما افتراضية غير مستمدة من المشهد الطبيعي. جلستُ إلى الطاولة مقابلا ل<C.R. زِلِزْنِك>ْ [من جامعة براون] الذي كان موجودا حقيقة في مختبري بآرمونك، وقدم نموذجا منمنما miniature لمكتب من الداخل (بعرض قرابة قدمين) وضعه على الطاولة بيننا، واستعملنا مؤشرات ليزرية محاكاة وأدوات أخرى لتعديل مواقع جدران المكتب وأثاثه أثناء حوارنا. وكان ذلك مثالا لافتا لتمازج تجربة استعمال المحاكاة مقرونة بالواقع الافتراضي، مع الوجود مع مجرد شخص آخر.

 

متى يمكنني استعماله؟(********)

إن المكوِّنات الرئيسية لمنظومة ظهور بعدي، علاوة على نظام التقاط المَشاهد، تتمثل في الحواسيب وخدمات الشبكات وتجهيزات العرض والتآثر. وقد طُوِّرت جميع هذه المكونات خدمة للظهور البعدي، ويتعين تطويرها أكثر فأكثر لهذه الغاية إذا علمنا أن الظهور البعدي مستهلِك نهم للمصادر الحاسوبية. وقد فضلنا التعامل ما أمكن مع مكونات حاسوبية «تجارية» (مما يُستعمل أيضا في المنتجات المنزلية والمكتبية المألوفة) وذلك لحرصنا على استقراب اليوم الذي يتيسر فيه توليد الظهور البعدي خارج المختبرات. وتقتضي الضرورة حاليا وجود عشرات من هذه المعالِجات processors في كل موقع، لمواكبة متطلبات هذه التقانة. وتتجمع هذه المعالِجات إما على شكل حواسيب شخصية في أغلفة بلاستيكية مرتبة على رفوف، وإما كلوحات دارات circuit boards على رفوف بحجم الثلاجات. وأحيانا أتساءل متندرا عن عدد «الثلاجات» اللازم لبلوغ مستوى جودة معين في مجال الظهور البعدي.

 

إ ن معظم المعالِجات تُخصَّص للحصول على المشهد scene acquisition. ويتألف بحر الكاميرات من مجموعة متداخلة ثلاثية العناصر من الكاميرات. وقد درجنا اليوم على استعمال صفيف array من سبع كاميرات من أجل شخص واحد يجلس إلى مكتب، وهي تؤدي عمليا دور خمس ثلاثيات. ومن المفترض، بحساب تقريبي، أن يكون بإمكان مجموعة مكوَّنة من ثمانية معالِجات پنتيوم Pentiumبتردد 2 جيگاهرتز وذاكرة مشتركة معالجةُ ثلاثيةٍ ضمن «بحر كاميرات» في الزمن الحقيقي تقريبا. ومع أننا نتوقع أن تستمر أسعار الحواسيب بالهبوط كما حدث في العقود القليلة الماضية، فإن علينا الانتظار قبل أن يغدو الظهور البعدي رخيص الكلفة بدرجة تسمح بانتشاره انتشارا واسعا. ويُنتظر أن تكون كلفة مجموعة من ثمانية معالِجات بحدود 30000 -50000 دولار في البداية، وستكون ثمة حاجة إلى عدد من هذه المجموعات لكل موقع (مجموعة لكل ثلاثية من الكاميرات) ـ وهذا حتى لا يُدخل في الحسبان المعالَجة اللازمة للأعمال الأخرى. مع العلم بأنه لا يمكننا الآن التكهن على وجه اليقين، بعدد آلات التصوير اللازمة لاستعمال ما للظهور البعدي، لكننا نقدر حاليا ـ ظنا وتخمينا ـ أن سبعا منها هو الحد الأدنى الكافي لإجراء محادثة عَرَضية، في حين قد يلزم 60 آلة تصوير للتطبيقات الأكثر أهمية ودقة من مثل عرض جراحي أو استشارة أو تدريب عن بعد.

 

إن احتياجاتنا الحاسوبية تتعدى مجرد معالجة دفقات الصور image streamsالقادمة من بحر الكاميرات. والحاجة قائمة إلى عدد أكبر من المعالِجات اللازمة لإعادة تركيب المشهد وصوغه نتيجة لانزياح المنظور، كتحريك أحد المشاركين رأسه أثناء الجلسة. وقد استعملنا ـ في البداية ـ حاسوبا مصمما خصيصا للرسومات الحاسوبية، ولكنا تمكنا في وقت لاحق من تركيب معالِجات تجارية ببطاقات رسوم حاسوبية منخفضة الكلفة، باستعمال معالِج واحد لكل عين. ومع ذلك فإن ثمة حاجة إلى معالِجات إضافية للقيام بالمهام الأخرى: كتجميع النتائج من كل ثلاثية من الكاميرات، وتوجيه الضوء البنيوي غير المدرك (ISL)، وقياس حركة رأس المستخدم، والحفاظ على واجهة التطبيق، وإجراء محاكاة لأجسام افتراضية.

 

 ونظرًا إلى ما لتخفيض زمن التأخير الظاهري من أهمية قصوى في هندسة الظهور البعدي، فستدعو الحاجة فيما بعد إلى موارد معالجة فعالة لاستعمالها في خوارزميات التنبؤ predictive algorithms. فالمعلومات التي تنتقل عبر ليف ضوئي تصل إلى وجهتها بسرعة تناهز ثلثي سرعة الضوء في فضاء حر؛ أولا لأنها تنتقل عبر الوسط الليفي بدلا من الفراغ، وثانيا لأنها لا تنتقل وفق مسار مستقيم، بل وثبا عبر القناة الليفية. ومن ثم فإن المعلومات المنتقلة عبر الألياف تستغرق زمنا يتراوح بين 25 و 50 ملي ثانية لعبور القارة الأمريكية، دون اعتبار لأزمنة التأخير الحتمية الأخرى مثل التأخير الناتج عبر محولات الشبكة المتنوعة.

 

ومن باب المصادفة المحضة، فإن من الجوانب الحرجة للعالم الافتراضي، أن الاستجابة يجب ألا تكون عُرضة لأكثر من 30 -50 ملي ثانية من التأخير، إذ من شأن أي تأخير أطول من ذلك أن يؤدي إلى إجهاد المستخدِم وإرباكه، وإلى تدني درجة الخداع البصري، بل قد يفضي في أسوأ الأحوال إلى شعور بالغثيان. وحتى لو أننا امتلكنا حواسيب لا حدود لسرعتها عند كل من الطرفين، سنبقى بحاجة إلى استخدام التنبؤ للتعويض عن زمن التخلف lag عند إجراء محاورات عبر أقاصي البلاد. وهذا من بين أسباب وجود مواقع الاختبار الحالية جميعها على الساحل الشرقي من الولايات المتحدة حصرا.

 

ولعل إحدى طرق الاستكشاف الواعدة في غضون الأعوام القليلة القادمة تتمثل في إرسال معالَجة الظهور البعدي في حينها، إلى مراكز حواسيب فائقة نائية، وذلك من أجل الوصول إلى قدرة حاسوبية فائقة. وفي هذه الحالة لا بد لهذا الحاسوب الفائق من أن يكون ذا سرعة عالية تعوض التأخير الإضافي الناجم عن زمن الانتقال من موقعه وإليه.

 

يمثل عرض الحزمة مصدر قلق مهما. وتتفاوت حاجتنا فيما يتصل بعرض الحزمة تبعا للمشهد والتطبيق؛ فالمشهد الأكثر تعقيدا يستلزم عرض حزمة أكبر سعة. ويمكننا أن نفترض أن جزءا كبيرا من المشهد ـ ولا سيما جدران الخلفية وما شابهها ـ غير متغير وليس بحاجة إلى إعادة إرساله مع كل إطار. لقد وُجد أن نقل شخص واحد يجلس إلى مكتب، من دون الحيِّز المحيط به، وبمعدل عرض للأُطُر frame rate يبلغ نحو إطارين في الثانية، يتطلب زهاء 200 ميگابتة في الثانية، ولكن قد تصل إلى 80 ميگابتة في الثانية في الذروة. على أن هذا العدد سيتناقص مع الزمن، وذلك عند استحداث تقنيات ضغط أكثر تطورا. وإذا كان على كل موقع أن يستقبل دفقات الصور من سائر المواقع، فإن عرض الحزمة في محاورة ثلاثية الأطراف يجب مضاعفته وفقا لذلك. إن «الميل الأخير» last mile من الارتباط الشبكي بين الأقسام المختلفة لعلم الحاسوب يميل حاليا إلى أن يكون خطا من النظام (OC3(5الذي يمكنه أن يحمل إشارة سرعتها 155 ميگابتة في الثانية ـ وهو تقريبا ما يلزم لاستمرار محاورة ثلاثية الأطراف بمعدل إظهار أطر بطيء. غير أن سعة خط OC3 أكبر مئة مرة تقريبا مما يعد حاليا ارتباطا عريض الحزمة broadband connection، وهو بالمقاذبل أعلى كلفة.

 

إنني أتطلع، وكلي أمل، إلى أن نشهد في غضون السنوات القادمة نموذجا للظهور البعدي لا يتطلب من مستخدميه استعمال نظارات خاصة أو أي أدوات أخرى. وفي هذا السياق نذكر أن<K. پيرلين> [من جامعة نيويورك] قام بتطوير نموذج أولي لعارض مجسامي آلي autostereoscopic display قد يجعل ذلك ممكنا.

 

ولا يمكن لتقانة الظهور البعدي أن تنافس تقانات الاتصال الأخرى في الوقت الحاضر، فهي أعلى كلفة بنحو مئة مرة من تلك التقانات، إضافة إلى أنها لاتزال بحاجة إلى مزيد من الصقل. وفي اعتقادي المتفائل أنها قد تكون متاحة بصورة ملائمة وكلفة معقولة، وعلى نطاق محدود فقط، في غضون خمس سنوات، تمهيدا للاستعمال الواسع الانتشار في غضون السنوات العشر القادمة.

 

آفاق المستقبل(*********)

عندما تصبح تقانة الظهور البعدي أمرا مألوفا، يترجح أن تترتب عليها مجموعة واسعة من التطبيقات المهمة: فقد تمكِّن من تضافر جهود فِرَق من المهندسين تفصلهم مسافات شاسعة، لتطوير تصاميم حاسوبية لآلات جديدة يمكن التعامل معها كما لو كانت نماذج حقيقية على منضدة عمل مشتركة. وربما يشهد علماء الآثار من كل أصقاع العالم تواجدهم معا لإجراء تنقيب حاسم عن الآثار. ولربما صار بإمكان نخبة متميزة من خبراء تفتيش الأبنية أو إصلاح المحركات زيارة المواقع دون حاجة إلى إضاعة الوقت في الانتقال جوا.

 

وبالفعل، فقد يصبح الظهور البعدي يوما ما ـ وخلافا للائتمار الڤيديوي ـ وسيلة حقيقية تنافس السفر جوا. ومع أن قلة فقط يزعمون أن الظهور البعدي سيكون على المدى القريب بمنزلة «الوجود الفعلي» قطعا، فقد يكون ذا فائدة لمنتديات الأعمال، والاستشارات الاحترافية، وجلسات التدريب، والمعارض التجارية وما شابه ذلك. وفي غضون عشر سنوات، ربما يحل الظهور البعدي بدرجة كبيرة محل رحلات الأعمال التجارية. وسبب ذلك لا يقتصر على أن هذا النوع من التواصل هو من سوية عالية ورخيصة، بل لأن زيادة السفر الجوي سوف تحدها قيود تتعلق بدواعي السلامة واستعمال الأرض والهموم البيئية كذلك.

 

ربما يكون لانتشار تقانة الظهور البعدي آثاره المدهشة في العلاقات والأدوار البشرية برمتها: فعلى سبيل المثال، إن أولئك الذين يقلقهم مصير المبدعين من أهل الفن والموسيقى والتأليف في كسب أرزاقهم عندما تضيق إمكانات حماية حقوق النشر أكثر فأكثر (كنتيجة طبيعية لانتشار نَسْخ الملفات على الإنترنت) اقترحوا أن يكون الحل عندئذ في الظهور الشخصي بأجر؛ لأن التآثر الشخصي لحظة الظهور جدير بأن يكون أكبر قيمة مما يمكن توليده لاحقا من ملف أو من تسجيل. ومن شأن هذه التقانة أيضا أن تجعل التآثر الجمالي عمليا ورخيص الكلفة بدرجة توفر أساسا مختلفا لتجارة الفن. ويجدر بنا أن نتذكر أن ضروب الفن كافة كانت قبل القرن العشرين تآثرية الصفة والأثر؛ فكان التفاعل مباشرا بين الموسيقيين ومستمعيهم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الممثلين على خشبة المسرح، والشعراء في الحدائق العامة، وهكذا. إن أشكال الظهور البعدي لهذه الفنون جميعا، والتي تؤكد على الحضور اللحظي والتقارب الحميمي والاستجابة الشخصية، ربما تكون حلا لأزمة تطبيق حقوق النشر.

 

ولا شك في أن تقانة الظهور البعدي ستفرض تحديات جديدة أيضا؛ فقد أعرب بعض أوائل من استخدموها عن قلقهم من أنها تقانة «منكشفة» أكثر من اللزوم، وأن أدوات الاتصال الهاتفي والائتمار الڤيديوي تيسر على المشاركين التواري والتحكم في انكشافهم ـ بوضع سماعة الهاتف أو الابتعاد عن شاشة العرض. لكنني متفائل بأننا ـ بالخبرة ـ سنكتشف تصاميم لواجهة التطبيق (كالمرآة الافتراضية المبينة في شكل الصفحتين 30 و 31)، وكذلك قواعد للسلوكيات تعمل على حل مشكلات كهذه.

 

كثيرا ما يسألني الناس: هل يخيفني العمل على تقانات جديدة من المحتمل أن تحمل في ثناياها آثارا عميقة في المجتمع كله لا سبيل إلى التكهن بحقيقتها؟ وجوابي أن الظهور البعدي هو في الأساس وسيلة تعين الناس على التواصل بأسلوب أرقى، لذا فإن السؤال في الواقع يتركز على مدى تفاؤل المرء بالطبيعة البشرية. وأعتقد شخصيا أن تقانات الاتصال تزيد من فرص تبادل المشاعر والأحاسيس، وبالتالي فإنها تعزز السلوك الأخلاقي. لذا فإنني متفائل بأن الدور الذي ستؤديه تقانة الظهور البعدي ـ أيا كان ذلك الدور ـ سيكون غالبا لصالح الإنسان في المقام الأول.

 

 المؤلف

Jaron Lanier

عالِم في مجال الحاسوب، كثيرا ما يوصف بأنه «رائد الواقع الافتراضي». من أهم ميادين اهتماماته، إضافة إلى ذلك، البرمجة المرئية والمحاكاة والتطبيقات الشبكية العالية الأداء. وهو باحث رئيسي في منظمة الشبكة والخدمات المتقدمة (هي منظمة غير ربحية في آرمونك بولاية نيويورك)، المقر والممول للمكتب الهندسي لإنترنت 2. وللمؤلف اهتمامات أخرى من أهمها الموسيقى: فهو واضع ألحان يؤلف للأوركسترا وغيرها من الفرق الموسيقية، وعازف جيد على عدد من الآلات، ولا سيما الآلات النفخية والوترية الآسيوية، ومعروف أيضا ككاتب مقالات في القضايا العامة.

 

مراجع للاستزادة 

National Tele-immersion Initiative Web site: Www.advanced.org/teleimmersion.html

Tele-immersion at Brown University: www.cs.brown-edu/~Ish/telei.html

Tele-immersion at the University of North Carolina at Chapel Hill: www-cs.unc.edu/Research/stc/ teleimmersion/

Tele-immersion at the University of Pennsylvania: www.cis.upenn.edu/-sequence/teleim1.html

Tele-immersion site at Internet2: www.internet2.edu/html/tele-immersion.html

Information about an autostereoscopic display: www.mrl.nyu.edu/projects/autostereo

Scientific American, April 2001

(*) Virtually There

(**)Virtual Reality and Networks

(***) Overview/Tele-immersion

(****) Beyond the Camera as We Know It

(*****) Generating The 3-D Image

(******)The Eureka Moment

(*******) Tele-immersion Team Members

(********) When Can I Use it?

(*********) Prospects

 

(1) شبكة واسعة طورتها وكالة مشروعات البحوث المتقدمة في وزارة الدفاع الأمريكية DARPA بهدف التبادل الحر للمعلومات بين الجامعات ومراكز البحوث، وانبثقت عنها في الثمانينات من القرن العشرين شبكة منفصلة هي MILNET واستُخدمت في التطبيقات العسكرية، ثم تطورت لتصبح فيما بعد شبكة إنترنت.

(2) شبكة المؤسسة الوطنية للعلوم (في الولايات المتحدة) National Science Foundation net.

(3) protocol: مجموعة من القواعد أو المقاييس standards تمكِّن الحواسيب من الاتصال بعضها ببعض، ومن تبادل المعلومات بأقل عدد ممكن من الأخطاء. (التحرير)

(4) القبة الجيوديسية أو قبة المثلثات: قبة مكونة من عدة عناصر إنشائية مستقيمة وخفيفة تحت تأثير إجهادات الشد، ومرتبة في إطار من المثلثات، لخفض الوزن والإجهادات. (التحرير)

(5) مختصر: Opticla Carrier 3 أحد أنظمة الإشارة الضوئية المستعملة في نقل البيانات بالألياف الضوئية العالية السرعة، المسماة الشبكات الضوئية المتزامنة SONET. (التحرير)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى