أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
قضايا

الهند وباكستان والقنبلة الذرية

الهند وباكستان والقنبلة الذرية(*)

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI_index_2002b18N2-3_H01_002143.jpg

إن شبه القارة الهندية: هي المنطقة الأكثر

احتمالا في العالم لأن تنشب فيها حرب نووية.

<V.M. رامان> ـ <H .A. نايّار>

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N2-3_H01_002144.jpg

 

في الوقت الذي كانت الولايات المتحدة تعبئ قواتها المسلحة عقب الهجمات الإرهابية في 11/9/2001، تركز اهتمام العالم على دولة باكستان، البالغة الأهمية بالنسبة إلى العمليات العسكرية في أفغانستان. وعندما تعهد الرئيس الباكستاني <برويز مشرّف> في 14/9/2001 بالدعم الكامل للقوة المتعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة كان في مقدمة تفكير الناس: ماذا عن الأسلحة النووية الباكستانية؟ وهل من الممكن أن تقع هذه الأسلحة في أيدي المتطرفين؟ لقد صرح مشرّف لشعبه في خطابه قائلا إن «سلامة الصواريخ النووية» هي إحدى أولوياته. فبدأت إدارة بوش تأخذ في الاعتبار ضرورة تأمين ما يحمي المرافق النووية الباكستانية.

 

إن تجدد الاهتمام بالأسلحة النووية في جنوب آسيا يأتي بعد نحو ثلاث سنوات من أحداث الشهر 5/1998: التجارب النووية الخمس التي أجرتها الهند في مقاطعة راجستان الصحراوية الشمالية الغربية، والتي أعقبتها بعد ثلاثة أسابيع ستة تفجيرات أجرتها باكستان في إقليم شاگاي الشمالي الغربي. وهذه خطوة تشبه التحشيد النووي للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوڤييتي السابق، مع فارق مهم وهو أن الجباريْن في حربهما الباردة يفصل بينهما محيط، ولم يحارب أحدهما الآخر حربا صريحة. فقد نشبت بين الجارين الهند وباكستان ثلاث حروب منذ انقسام الهند البريطانية عام 1947 إلى دولتين ذواتي أغلبية مسلمة وأغلبية هندوسية. وحتى اليوم ثمة تراشق منتظم بالمدفعية عبر حدود إقليم كشمير المتنازع عليه، مع أن هذه الحدود تمثل رسميا خط وقف إطلاق النار.

 

في الشهر5/1999، وذلك بعد عام فقط من التجارب النووية، اندلع قتال عنيف حول احتلال جانب من جبل قرب مدينة كارگيل الكشميرية. وقد أدى الصراع الذي استمر شهرين إلى قتل 1300 شخص (بحسب تقديرات الهند) و1750 شخصا (بحسب تقديرات باكستان). ولأول مرة منذ عام 1971، نشرت الهند قواتها الجوية لشن الغارات. فاستُنفرت الطائرات المقاتلة الباكستانية خوفا من أن تتلقى ضربة وهي جاثمة على الأرض، وكانت صفارات الإنذار تسمع في العاصمة إسلام آباد. وقد أطلق كبار المسؤولين في البلدين دستة على الأقل من التهديدات النووية. فالأمن والاستقرار، اللذان يعزيان من قبل بعض المؤرخين والمختصين بعلم السياسة إلى الأسلحة النووية ـ لأن المفروض أن يكون ثمة خوف متبادل من التدمير المؤكد لهذه الأسلحة ـ كانا بمنأى عن الأنظار في كل مكان.

 

وقد انتصرت المشورة الحكيمة. لكن نهاية صِدام كارگيل لم تضع نهاية للمواجهة النووية في جنوب آسيا. إن نشر الأسلحة النووية المنظم من قبل البلدين يفاقم الأخطار. ونظرا لعدم الاستقرار السياسي، وعلى الأخص بسبب الصراع في أفغانستان، كانت هناك إمكانية حقيقية في باكستان تجعل الأخطار وشيكة الوقوع.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N2-3_H01_002145.jpg

شبيبة «الجماعة الإسلامية» (الحزب الأصولي الرئيسي في باكستان) وهي تعرض عبر شوارع كراتشي في يوم التضامن مع شعب كشمير الهندي في الشهر 2/1999، صاروخا دمية. ومثل هذه الحماسة للأسلحة النووية واسعة الانتشار، وإن لم تكن عامة، في كل من الهند وباكستان.

 

تعلّم حب القنبلة(**)

لقد قام كل من البلدين بتطوير برنامجه النووي تقريبا منذ استقلالهما عن بريطانيا. ومعرفة هذا التاريخ ضرورية لتصور ما يجب عمله الآن، وكذلك للحيلولة مستقبلا دون إنتاج الأسلحة النووية. ومع أن التحفظ في العلاقات الاجتماعية بين باكستان والهند ذو خصائص محلية مميزة، فإن كلتا الدولتين مدينتان بالكثير للدول النووية الأخرى. فالمواد المستخدمة في قنابلهما مصنعة بالتقانة الغربية، وتبريرهما للانضمام إلى النادي النووي يعتمد كليا على ذهنية الحرب الباردة. والاعتماد المستمر للولايات المتحدة وروسيا على آلاف الأسلحة النووية الموضوعة في حالة استنفار يقوي الشعور بالحاجة إلى ترسانات نووية في الهند وباكستان.

 

عندما أنشئت هيئة الطاقة الذرية الهندية (IAEC) عام 1948، أعلن <جواهر لال نهرو> [أول رئيس وزراء للهند] رغبته في أن بلاده «سوف تطور [طاقتها النووية] لأغراض سلمية.» ولكن في الوقت نفسه أقر أنه «لو اضطررنا كأمة أن نستخدمها لأغراض أخرى، فلا نظن أن من الممكن للعواطف الورعة أن توقف الأمة عن السير في ذلك الطريق.» وبقي هذا التوجه المتناقض السمةَ المركزية لسياسة الهند النووية عبر تطورها.

 

فبالنسبة إلى زعماء الهند يمثل البرنامج رمزا لطرح سياسي عالمي ولحداثة تقانية. وعلى مدى العقدين التاليين لتصريح نهرو، استمرت الهند في بناء وتشغيل المفاعلات النووية واستخراج اليورانيوم، وتصنيع الوقود واستخلاص الپلوتونيوم. ولكن على أساس الطاقة الكهربائية المنتجة، فإن هذه النشاطات غالبا ما أثبتت أنها غير اقتصادية ـ الأمر الذي يجعل المرء يفكر أين يجب لأمة نامية أن تضع مواردها. وقد برر السياسيون والعلماء البرنامج النووي على أساس أنه يرقى بالكفاية الذاتية، وهذا موضوع محبب لدى الكثيرين في هند ما بعد الاستعمار. وإذا نحينا الكلام الإنشائي جانبا، فإن الهند التمست وتلقت الكثير من المساعدة من كندا والولايات المتحدة وبلدان أخرى.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N2-3_H01_002146.jpg

إن التفجيرات النووية تحت الأرض التي أجرتها الهند في 11/5/1998 سببت تحطما فوريا للسطح الذي فوقها. وتشير قراءات زلزالية (كما في الصورة) إلى أن إجمالي الكتلة المنفجرة هو بين 16 و 30 كيلوطنا وهو يمثل نحو نصف ما زعمته الهند.

 

بعد اندحار الهند عام 1962 في حربها الحدودية مع الصين، طرح بعض السياسيين اليمينيين النداءات العلنية الأولى لتطوير ترسانة نووية هندية. واشتدت هذه المناشدات بعد تجربة الصين النووية الأولى عام 1964. وفي مواجهة هذا اللوبي(1) النووي ظهرت شخصيات بارزة، طرحت فكرة أن التكلفة الاقتصادية سوف تكون باهظة. ودافع كثير من العلماء القادة عن القنبلة. فقد ادعى <H.بهابها> [الفيزيائي النظري، مدير الهيئة IAEC] أن مؤسسته تستطيع صنع أسلحة ذرية «خلال 18 شهرا». وتنبأ بهابها، مستشهدا بتقرير المختبر الوطني لورنس ليڤرمور، أن القنابل النووية سوف تكون رخيصة. كما وعد أيضا بربح اقتصادي من «التفجيرات النووية السلمية» التي أطراها كثير من الباحثين النوويين الأمريكيين، لحفرها القنوات على سبيل المثال.

 

في الشهر11/1962 وافق رئيس الوزراء الهندي<L.شاستري> على حل وسط بأن تتقصى اللجنة عن التقانة اللازمة لمثل هذا التفجير. وكان بهابها قد قام ببعض الاستكشافات في هذا الصدد؛ وفي عام 1960 اقترح إرسال <V.إيا> [وهو كيميائي شاب] إلى فرنسا، ليستحوذ على أكبر كمية من المعلومات حول كيف يحضّر الپولونيوم، وهو عنصر كيميائي يستخدم لقدح التفجير النووي. توفي بهابها عام 1966 وتوقف العمل التصميمي على الجهاز «السلمي» ولم يُسْتأنف إلا بعد سنتين أخريين. ولكن في نهاية الستينات كان ما يتراوح بين 50 و 75 عالما ومهندسا يطورون الأسلحة النووية تطويرا فعالا. وقد تكلل عملهم بنجاح تجربة الهند النووية الأولى. لقد كان التفجير في 11/5/1974 على سلاح پلوتونيومي مع ناتج انفجاري يقدر بين 5 و 12 كيلوطنا. وللمقارنة نقول إن القنبلة التي ألقيت على هيروشيما كان ناتجها نحو 13 كيلوطنا.

 

لقد قوبلت تجربة 1974 بالحماسة الشديدة داخل الهند وبالخيبة في أمكنة أخرى. فقطعت البلدان الغربية جميع جهودها التعاونية في القضايا النووية مع الهند وشكلت المجموعة Nuclear Suppliers Group  التي تحدّ من تصدير التقانة النووية وموادها إلى الأمم التي ترفض أن توقع اتفاقية 19688 حول منع انتشار الأسلحة النووية Nuclear Non-Proliferation  بما فيها الهند وباكستان.

 

وفي السنوات التالية، ضغط اللوبي النووي من أجل إجراء المزيد من التجارب على الأسلحة المتقدمة، من أمثال تصميم الانشطار المدعوم boosted-fission والقنبلة الهدروجينية. ويبدو أنه في عام 1982 أو في بواكير عام 19833، وافقت رئيسة الوزراء<إنديرا غاندي> موافقة مؤقتة على تجربة أخرى؛ لكنها غيرت رأيها بعد 24 ساعة فقط. وقيل إن أحد أسباب هذا التغير هو محادثة مع وزير الخارجية الهندي، الذي واجهه موظف أمريكي ببرهان من القمر الصنعي (الساتل) عن الإعدادات الجارية في موقع التجربة. ويبدو أن الحادثة أقنعت غاندي أن رد فعل الولايات المتحدة على ذلك سوف يخلق للهند صعوبات اقتصادية. وبدلا من ذلك، كما ألمحت التقارير، أرادت إنديرا أن «تطور الأشياء الأخرى والاحتفاظ بها جاهزة.»

 

«الأشياء الأخرى» التي كانت في ذهنها هي الصواريخ الپالِستية. في عام 1983 وُضع «برنامج تطوير الصاروخ المتكامل الموجّه» تحت قيادة <عبد الكلام>Abdul Kalam [وهو مهندس صواريخ هندي مشهور]. وقد جاء هذا بعد محاولة سرية مبكرة لإعادة هندسة صاروخ سوڤييتي مضاد للطائرات ابتاعته الهند في بداية الستينات. ومع أن الجهود لم تنجح، فقد أدى ذلك إلى تطوير عدة تقنيات مهمة، وعلى الأخص تقنية محرك صاروخي. اتبع <كلام> أسلوبا إداريا واضحا ـ بالقياس مع برنامج البحث العسكري السري ـ وأشرك مؤسسات أكاديمية وشركات خاصة. وبمشاركة الهند في موانع الاستيراد، سعت إلى الإفراط في التزود بالجيروسكوپات gyroscopes ومقاييس التسارع accelerometersوالمحاكيات (المماثلات) simulators من منتجيها في فرنسا والسويد والولايات  المتحدة وألمانيا.

 

في عام 1988 أجرت الهند تجربتها الأولى على الصاروخ أرض-أرض القصير المدى. وبعد سنة من ذلك، ظهر الصاروخ المتوسط المدى. وفي الشهر 4/1999ظهر الصاروخ الطويل المدى، ويمكن لهذا الصاروخ أن يقطع مسافة 2000 كيلومتر، فيصل إلى أواسط الصين. وعلى الرغم من هذه القدرة الصاروخية، فإن الهند، على ما يبدو، غير قادرة على أن تتساوى مع الصين نوويا. وبحسب مختلف التقديرات فإن الصين تمتلك 400 رأس حربي، إضافة إلى ما يتراوح بين 200 و 575 سلاحا تحتوي على مواد قابلة للانشطار. وإذا عملت مفاعلات إنتاج الپلوتونيوم الهندية بمعدل يتراوح بين 50 و 80 في المئة من كامل طاقتها، فقد تمتلك الهند ما بين 55 و 110 من الأسلحة المستخدمة للپلوتونيوم (انظر الشكل في الصفحة 9). ويمكن للمخزون أن يزداد بكميات أكبر إذا استخدمت المفاعلات التجارية المخصصة من أجل إنتاج الپلوتونيوم للأسلحة.

 

وُضِع برنامج باكستان النووي تلبية لرغبة عامة هي مجاراة الهند في كل ما تفعله. وهكذا شكلت حكومة باكستان هيئة الطاقة الذرية عام 1954، وبدأت بتشغيل مفاعل بحثها النووي الأول عام 1965 وافتتحت أول مفاعلاتها التجارية عام 1970. وقد أدى مرشد الحكومة العلمي<محمد عبدالسلام>، الذي حاز لاحقا جائزة نوبل في الفيزياء، دورا مهما في ذلك.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N2-3_H01_002147.jpg http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N2-3_H01_002148.jpg

أبوا القنابل الذرية: <K.A.خان> (في اليسار) الذي أقام معمل النبذ centrifuge في كاهوتا، وفي هذا المعمل أنتج اليورانيوم المستخدم في القنابل الباكستانية. و<J.H.بهابها> (في اليمين) وهو فيزيائي نظري درس في جامعة كمبردج، ووضع الأسس لقدرات الهند النووية.

 

واجه البرنامج عقبة حادة وهي نقص العاملين المؤهلين. فلم يكن لدى الهيئة عام 1958 سوى 31 عالما ومهندسا، وكان يديرها<نظير أحمد> [الرئيس السابق للجنة النسيج]. وتابعت الهيئة برنامجا فعالا للتدريب بإرسال أكثر من 600 عالم ومهندس إلى الولايات المتحدة وكندا وأوروبا الغربية. وبمساعدة سخية من تلك البلدان، التي ساعد بعضها الهند، صار لدى باكستان بضعة مختبرات أبحاث نووية بدأت تعمل في منتصف الستينات.

 

بعد حرب عام 1965 مع الهند ضغط كثير من السياسيين والصحفيين والعلماء الباكستانيين لتطوير أسلحة نووية. وكان أبرز هؤلاء وزير الخارجية <ذو الفقارعلي بوتو> الذي اشتهر عنه تصريحه بأنه إذا طورت الهند قنبلة نووية، فلا بد من أن تلحق باكستان بها، «حتى إن كان علينا أكل الأعشاب أو أوراق الأشجار أو إن تحتم علينا أن نبقى جائعين.» وبعد اندحار باكستان في حرب الشهر12/1971، تولى بوتو منصب رئاسة الوزراء. وفي الشهر 1/1972 عقد بوتو اجتماعا دعا إليه علماء باكستانيين لمناقشة صنع قنابل ذرية.

 

في الجزء الأول من المجهود المتشعب للحصول على مواد للأسلحة، سعى الباحثون إلى شراء مصانع إعادة معالجة الپلوتونيوم من فرنسا وبلجيكا. وبعد الموافقة المبدئية على البيع امتنعت فرنسا تحت ضغط أمريكي. ولكن أوفد بضعة علماء باكستانيين إلى بلجيكا للتدرب على تقانة إعادة المعالجة. وبعد عودتهم إلى باكستان، كونوا مختبرا صغيرا لإعادة المعالجة وذلك في أوائل الثمانينات. وباستخدام وقود مستهلك من مفاعل إنتاج پلوتونيوم افتُتح عام 1998، تمكن هذا المختبر من إنتاج ما يكفي من الپلوتونيوم لصنع ما بين قنبلتين وأربع قنابل سنويا.

 

أما في الجزء الثاني من البرنامج، فقد استكشف الباحثون تقنيات من أجل إخصاب اليورانيوم ـ أي من أجل تركيز نظير اليورانيوم 235(2) المستخدم في القنابل الذرية. وفي عام 1975، انضم  إلى المجموعة <Q.A.خان> [عالم المعادن الباكستاني الذي عمل في شركة لإخصاب اليورانيوم بهولندا]. ومعه جاءت المعلومات السرية وقوائم مصنِّعي المُركبات الرئيسية في الغرب. وقد أبدى كثير من هؤلاء المصنعين الرغبة في خرق قوانين الرقابة على التصدير (انظر الإطار في الصفحة 14). وتحقق النجاح عام 1979 وذلك بإخصاب كميات صغيرة من اليورانيوم. ومنذ ذلك الحين قُدّر إنتاج باكستان من اليورانيوم المخصب بما يكفي لإنتاج ما يتراوح بين 20 و 40 قنبلة ذرية. وفي كل عام تنتج باكستان من اليورانيوم المخصب ما يكفي لصنع أربع إلى ست قنابل أخرى (انظر الشكل في الصفحة المقابلة).

 

وبحلول عام 1984 اكتملت التصاميم لصنع قنابل ذرية تحمل جوا. وقرابة هذا التاريخ، شرع بعض المسؤولين الأمريكيين في زعمهم أن الصين أعطت باكستان تصميم صاروخ لقنبلة جاهزة. وبالفعل تبادلت باكستان والصين التقانة والتجهيزات في عدة مجالات، بما في ذلك تلك التي تتعلق بالأسلحة النووية والصواريخ. فمثلا، يُعتقد أن باكستان استوردت الصواريخ القصيرة المدى من الصين. لكن الاتهام بأن الصين زودت باكستان بتصاميم أسلحة نووية لم يقم عليه قط أي دليل. وكما هو متوقع، رفض علماء الذرة الباكستانيون هذا الاتهام.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N2-3_H01_002149.jpg

مفاعل خُشاب النووي في باكستان ينتج سنويا من الپلوتونيوم ما يكفي لصنع بضع قنابل ذرية. واستنادا إلى تقديرات حجم أبراج التبريد في هذه الصورة التي التقطها الساتل التجاري إيكونوس، فإن المحللين النوويين يقدرون أن المفاعل ينتج نحو 50 ميگاواط من الحرارة.

 

في ربيع عام 1990 هددت الأحداث في كشمير باندلاع حرب شاملة أخرى. وطبقا لمقالة وردت في نيويوركر للصحافي الأمريكي<M.S  .هيرش> تحرت الأقمار الأمريكية قافلة من الشاحنات تنطلق من كاهوتا Kahuta، مَرْفق إخصاب اليورانيوم، باتجاه قاعدة جوية حيث تقبع القاذفات المقاتلة F16. وأفاد هيرش أن الدبلوماسيين الأمريكيين حملوا هذه المعلومات إلى الهند التي استدعت الكتائب المرابطة عند الحدود. لكن الرأي السائد بين الباحثين الذين حللوا هذه المزاعم هو أن باكستان لم تفكر قط في استخدام الأسلحة الذرية؛ كما شكك الخبراء في أن تكون الأقمار الأمريكية قد تحرت الحركة المزعومة لتلك الشاحنات. وعلى أي حال استخدم اللوبي الذري الباكستاني هذه المزاعم ليؤكد أن الأسلحة الذرية تصون البلاد من هجوم هندي. وفي الهند لم يعترف الرسميون قط برواية هيرش؛ إذ إن اعترافهم بهذه الرواية يُعدّ تسليمًا بأن القدرة النووية الباكستانية تنحي جانبا الميزة العسكرية التقليدية للهند.

 

لقد جرى حشد المزيد من القدرات النووية في كلا البلدين على خلفية بدّلتها نهاية الحرب الباردة. فقد تقلصت ترسانات القوى العظمى، وجرى التفاوض عام 1996 على توقيع معاهدة تحظر إجراء تفجيرات نووية تجريبية. ولكن الدول الذرية الخمس المُعلَنة [الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين] أوضحت أنها تنوي التمسك بترساناتها. هذا الموقف المتناقض قوّى اللوبي الذري في كل من الهند وباكستان.

 

وقوَّت التطورات الداخلية ضغوط هذه القوى. فقد شهدت الهند تصاعدا في القومية الهندوسية. ولعدة عقود ناصرت الأحزابُ التي تشترك بهذه الإيديولوجية، من أمثال حزب بهاراتيا جاناتا (BJP)، توجُّهَ الهند نحو حيازة القدرة العسكرية الأعظم ـ الأسلحة النووية. لذلك لم يكن مفاجئا أن يطالب حزب بهاراتيا جاناتا بإجراء تجارب نووية مباشرة بعد وصوله إلى الحكم في الشهر 3/1998.

 

صنع مواد الأسلحة النووية(***)

إن أصعب مرحلة في صناعة مواد الأسلحة النووية هو إنتاج الوقود اللازم، إما الپلوتونيوم أو اليورانيوم العالي الإخصاب. ونقطة الانطلاق هي اليورانيوم الطبيعي، وهو 99.3 في المئة يورانيوم 238 و 0.7 في المئة يورانيوم 235. والأخير فقط هو الذي يستطيع الإبقاء على تفاعل متسلسل. ولصنع قنبلة يورانيوم يحتاج المرء إلى زيادة محتوى اليورانيوم 235 إلى 80 في المئة أو أكثر. ومعظم مرافق الإخصاب الحديثة، بما في ذلك مرافق باكستان والهند، تستخدم نابذات centrifugesعالية السرعة [انظر: by , “The Gas Centrifuge ” D.R. Olander; ScientificAmerican, 8 (1978) ].

وثمة طريقة بديلة تُدخل الپلوتونيوم. وهذا العنصر غير متوافر في الطبيعة. فهو يُنتج في المفاعلات النووية بوساطة وقود يورانيوم مُشعّعirradiating uranium fuel [انظر: “The Reprocessing of Nuclear Fuel”, by W.P. Bebbington, Scientific American. 12 (1976) ].

وفي أكثر الطرق المتبعة في إعادة المعالجة، يُقطّع الوقود المشعع ويُحلّ في حامض ويعرض لمذيب يدعى تريبوتايل فوسفيت tributyl phosphateممزوجًا بالكيروسين. ويعمل هذا المذيب على فصل الپلوتونيوم واليورانيوم عن منتجات الانشطار. وبعدئذٍ يُرسّب الپلوتونيوم بوساطة مختزل (مُرجعِ) reductant، وهو مادة كيميائية تُغير الپلوتونيوم إلى شكل غير ذوّاب.

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N2-3_H01_002150.jpg

 

المؤسسة النووية الهندية

 
http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI_index_2002b18N2-3_H01_002143.jpg

مفاعلات

سيروس، 40 ميگاواطـ

الموقع: مومباي

الافتتاح: عام 1960

الدول المشاركة: كندا

المهدئ: ماء ثقيل

المادة المبردة: ماء خفيف

مقدار الإنتاج السنوي: 6.6 – 10.5 كغم من الپلوتونيوم▪

دروڤا، 100 ميگاواطـ

الموقع: مومباي

الافتتاح: عام 1985

المهدئ: ماء ثقيل

المادة المبردة: ماء ثقيل

مقدار الإنتاج السنوي: 16- 26 كغم من الپلوتونيوم▪

مفاعل اختبار ولود سريع، 40 ميگاواطـ

الموقع: كالپاكّام

الافتتاح: عام 1983

الدول المشاركة: فرنسا

المادة المبردة: صوديوم مائع

مقدار الإنتاج السنوي: 4- 6.4 كغم من الپلوتونيوم▪

إعادة معالجة البلوتونيوم

ترومباي

الموقع: مومباي

بدء الاستخدام: عام 1964

السعة السنوية: 30- 50طنا من الوقود المعدني المستهلك

پرفِر

الموقع: تاراپور

بدء الاستخدام: عام 1977

السعة السنوية: 100 طن من الوقود الأكسيدي المستهلك

كارپ

الموقع: كالپاكّام

بدء الاستخدام: عام 1997

مقدار الإنتاج السنوي: 100- 125طنا من الوقود الأكسيدي المستهلك

إخصاب اليورانيوم

راتّيهالّي•

الموقع: مايسور

الافتتاح: عام 1990

مقدار الإنتاج السنوي: غير معروف

منجم يورانيوم

جادوگودا

الافتتاح: عام 1968

مقدار الإنتاج السنوي: 200 طن

* خَرْج الطاقة الحراري

▪ يعمل بين 50 و 90 في المئة من طاقته الإنتاجية القصوى

• يقال إنه ينتج وقودا من أجل غواصة نووية

§ تسهيلات ذات صلة بالقنبلة؛ حذفت مفاعلات الطاقة التجارية

 

تسابق نووي(****)

على مدى خمسة عقود متواصلة، خاضت الهند وباكستان في كشمير حروبا محدودة النطاق، كما دخلتا في سباق لحيازة أسلحة نووية. والآن تمتلك كل منهما بنى تحتية كبيرة ومتنوعة لأسلحة نووية. وفي الوقت نفسه يظل مئات الملايين من سكان المنطقة يعانون فقرا مدقعًا.
http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N2-3_H01_002152.jpg

إن الصواريخ الأطول مدى لدى الهند، يمكن أن تصل إلى جميع أنحاء باكستان ومعظم أنحاء الصين.

والصواريخ الباكستانية المكافئة تغطي معظم أنحاء الهند.

 

المؤسسة النووية الباكستانية

مفاعلات

أبحاث/پلوتونيوم

مفاعل إنتاج، 40- 70ميگاواطـ

الموقع: خُشاب

الافتتاح: عام 1998

الدول المشاركة: الصين

المهدئ: ماء ثقيل [؟]

المادة المبردة: ماء ثقيل

مقدار الإنتاج السنوي: 6.6- 18كغم من الپلوتونيوم

إعادة معالجة الپلوتونيوم

مختبرات جديدة

الموقع: راوالبندي

الافتتاح: في مطلع الثمانينات

مقدار الإنتاج السنوي: 10 – 20 كغم من الپلوتونيوم

إخصاب اليورانيوم

مختبرات خان

الموقع: كوتا

الافتتاح: عام 1984

مقدار الإنتاج السنوي: 57- 93كغم من اليورانيوم العالي الإخصاب

منجم يورانيوم

ديرا غازي خان

الافتتاح: عام 1974

مقدار الإنتاج السنوي: 23- 30 طنا

 

وبدورها قدمت التجارب الهندية إلى المدافعين الباكستانيين عن امتلاك بلادهم قدرات نووية، ذريعة كاملة لإجراء تجارب نووية. وهنا أيضا دافع المتطرفون الدينيون عن حيازة بلادهم قنبلة ذرية. وقد صرح <غازي حسين أحمد> [من الجماعة الإسلامية، وهي كبرى الجماعات الإسلامية في باكستان]، في عام 1993 قائلا: «لنعلن الجهاد من أجل كشمير. فباكستان المسلحة ذريا سوف تمنع الهند من شن صراع شامل.» وأثناء ذلك كان العسكريون يبحثون عن أسلحة ذرية لمواجهة القوات الهندية المسلحة تسليحا ضخما.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N2-3_H01_002153.jpg

تجمهر المحتجون وقد وضعوا أقنعة الموت وارتدوا العَلَم الهندي خارج السفارة الباكستانية في نيودلهي وذلك بعد إجراء التجارب النووية الباكستانية عام 1998؛ كما رفع بعضهم زجاجات رضاعة للأطفال ساخرين من باكستان بأنها مازالت طفلة. ولا يعرف ما إذا كان هؤلاء المحتجون أنفسهم قد عارضوا إجراء التجارب النووية الهندية قبل ذلك ببضعة أسابيع.

 

وقد عدّلت هذا المسعى جزئيا الجهودُ الدبلوماسية الأمريكية والصينية، كما عدّد بعض المحللين والناشطين العواقب الوخيمة التي سوف تنجم عن المقاطعة الاقتصادية التي ستتلو بالتأكيد إجراء أي تجربة نووية، ورأوا أن على باكستان أن لا تتبع الهند في طريق لا جدوى منه، وعليها أن تدع الهند وحدها تواجه الغضب الدولي. وبعد ثلاثة أسابيع من التفجيرات الهندية تابعت باكستان تجاربها الخاصة.

 

وعلى الرغم من تفجير القنبلة، فإن حجم الإشارات الزلزالية من تجارب البلدين أثار شكوكا حول المحصولات الانفجارية المعلنة (انظر الشكل في الصفحة 6). فالبيانات المتسربة من مؤسسة الأسلحة الهندية تجعل هذه المزاعم ضعيفة بحق؛ فمثلا ليس في الرسم البياني لحجم النشاط الإشعاعي الناجم أي وحدات على المحورين. ولم يستطع العلماء المشتغلون أن يتحققوا من أن البلدين استخدما وسائل كثيرة كما يعلنان.

 

ومهما تكن التفاصيل، فقد غيّرت التجارب النووية تلك دراماتيكيا الوضع العسكري في جنوب آسيا؛ إذ أثارت مسألة تطوير أسلحة متقدمة جدا وصواريخ وغواصات ونظم صواريخ مضادة للقذائف ونظم قيادة وتحكم. ففي الشهر 8/1999 دعت «المسودة الهندية للمبدأ النووي» (IDND) إلى نشر ثالوث من «صواريخ جوية وأرضية متحركة وأجهزة تُقام على قواعد بحرية» لتوصيل الأسلحة النووية. وقد يكلف هذا النظام نحو 8 بلايين دولار. وفي الشهر1/2002 أعلنت الحكومة الهندية أنها سوف تنشر صواريخها الجديدة البعيدة المدى. وبعد شهر من ذلك أعلن نائب قائد البحرية الباكستاني أن بلاده بصدد تزويد واحدة على الأقل من غواصاتها بالصواريخ النووية.

 

الكتلة الحرجة(*****)

إن التعبئة النووية تزيد من خطر استخدام الأسلحة الذرية في أزمة ناجمة عن حادث عرضي أو سوء تقدير. فبصاروخ يجتاز في ثلاث إلى خمس دقائق المسافة بين البلدين، لا جدوى من أجهزة الإنذار المبكر. وقد لا يعلم القادة بالهجوم حتى ينظروا من نافذتهم ويروا توهج الضوء المعمي للأبصار؛ وعليهم والحالة هذه الاحتفاظ بأصابعهم قريبة من الزناد، أو عليهم أن يوكلوا ذلك إلى آخرين منتشرين جغرافيا.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N2-3_H01_002154.jpg

 

وبوجه عام ثمة سيناريوهان؛ أحدهما يفترض أن الهند تتخطى عتبةً ما أثناء الحرب ـ كأن تصل كتائبها إلى ضواحي لاهور أو تفرض سفنها حصارا بحريا على كراتشي ـ فترد باكستان بالأسلحة الذرية التكتيكية كطلقة إنذار؛ أما السيناريو الآخر فيفترض أن تقرر باكستان، تحت الظروف ذاتها، أن طلقة إنذار لن تؤدي الغرض منها ويجب أن يستعاض عنها بهجوم مباشر على مدينة هندية. وفي عام 1998 قام أحدنا (رامانا) بالدراسة العلمية الأولى لمعرفة الدمار الذي قد تسببه قنبلة متوسطة تزن 15 كيلوطنًا تُلقى على مومباي: في بضعة الأشهر الأولى سوف يموت ما بين 000 150و 000 850 شخص.

 

إن الجيش الهندي يستعد سلفا لهذه الأخطار. ففي الشهر 5/2001 أجرت الهند أضخم تدريباتها منذ أكثر من عقد، وسمّتها عملية النصر الكامل. فكانت عشرات الألوف من الكتائب تدعمها الدبابات والطائرات والمروحيات الهجومية، تندفع مقتربة من الحدود مع باكستان. والهدف الذي صرحت الهند به هو تدريب القوات المسلحة على العمل في «بيئة من العدوان الكيميائي والبيولوجي والذري» و«تلقين العدو درسا لن ينساه.» وفي تدريب مهم كان على الجيش أن «يعالج الوضع الحربي في حال مواجهته طيرانا للعدو يحمل رؤوسا نووية.» وقال عبدالكلام [رئيس برنامج الصواريخ الهندي]: «إن الأسلحة النووية الهندية جرى «اختبارها في عمليات عسكرية… لتدريب قواتنا المسلحة عليها.»

 

وحتى قبل 11/9/2001 كانت لدى جنوب آسيا جميع المقومات لحرب ذرية، ألا وهي امتلاك والاستمرار في تطوير قنابل وصواريخ والحشد المستمر للأسلحة النووية، وعدم كفاية الاحتراز من تجنب الاستخدام غير الرسمي لهذه الأسلحة، والجوار الجغرافي، والصدام المستمر في كشمير، وحركات التطرف الدينية المسلحة، والقادة الذين يبدون غير عابئين بأخطار حرب نووية.

 

لقد عكست استجابات الهند وباكستان لأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) والحملة على أهداف في أفغانستان بقيادة الولايات المتحدة، التنافس الاستراتيجي الذي شكله تاريخ هذين البلدين. فقد هرعت الهند إلى تقديم القواعد الجوية والدعم اللوجستي لجيش الولايات المتحدة وذلك بهدف عزل باكستان. وسعيا إلى ربط قضاياهما الخاصة في كشمير بالموقف العالمي حول الإرهاب، عمدت الدوائر الهندية حتى إلى التهديد بشن هجوم على خطوط الإمدادات الباكستانية وزعمت أن باكستان تقيم معسكرات تدريب للمحاربين في كشمير. وباكستان بدورها، وقد تحققت من ميزتها الجغرافية وأخطار عدم الاستقرار المدني، فكَّرت مليا قبل أن تقدّم الدعم في الحرب على طالبان. فالمكائد الدبلوماسية والحرب في أفغانستان والعنف في كشمير قد تزيد من سوء توقعات السلام في شبه القارة الهندية. إن رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي كانت قد فُرِضت في التسعينات حرر الموارد المالية لتوظيفها في الأسلحة.

 

أسرار، أية أسرار؟(******)

قد يستغل الإرهابيون موقف باكستان الفروسي(3) تجاه  المعلومات النووية.

<D.أولبرايت>

أكدت الحكومات الباكستانية المتعاقبة للغرب، عبر السنين الماضية، أنها تمسك بقبضة آمنة أسلحة البلاد النووية، وما يتعلق بها من مواد وتقانة. لكن المحللين النوويين لم يرتاحوا كليا لهذه التأكيدات. فكثيرون في برنامج الأسلحة النووية الباكستاني والجيش يتعاطفون مع المبررات الإسلامية الراديكالية أو المعادية للأمريكيين. لكن ما يُقلق، على وجه الخصوص، هو أن التطور التاريخي لبرنامج باكستان النووي ضاعف خطورة المساعدة غير المشروعة والخروق الأمنية الأخرى.

فقد اعتمد هذا البرنامج منذ انطلاقته، على جلب المواد التي يُحْتاج إليها بطرق محظورة وعلى الخداع المتعمد. لقد رعى اتصالات شاملة مع عالم الشركات والوسطاء المشبوهين الذين يعتمد التزامهم بقوانين مراقبة التصدير الغربي على السعر الذي يدفع لهم. ففي التثقيف التنظيمي لمثل هذا البرنامج، يمكن للأفراد الساخطين أن يجدوا كثيرا من المبررات والظروف لنقل المعلومات السرية أو أشياء حساسة. وقد يعزف آخرون عن التبليغ عن أفعال زملائهم المشكوك فيها. وربما يشعر بعضهم بملكية أجزاء من البرنامج ويؤمنون أن لهم الحق في بيع إسهاماتهم من أجل مصلحتهم الشخصية.

لقد كان لهذه المشكلات تأثير أقل في الهند لأنها بدأت برنامج أسلحتها النووية أبكر من باكستان. فقد حصلت الهند على كثير من بنيتها النووية التحتية من مزودين أجانب قبل أن يتضح للحكومات الغربية مدى إساءة البلدان النامية استخدام المساعدة المدنية النووية لصنع قنابل ذرية. ولا شك أن باكستان ليست وحدها التي تتعامل مع ثقافة تنظيمية تستخف بتعليمات وإرشادات الأمن والسلامة، فبرنامج النبذ الغازي المدني الألماني كان سيئ السمعة بسبب ضعفه الأمني. وفي أواخر الثمانينات قام خبراء نوويون ألمان بمساعدة العراق سرا.

لقد ولد عنصر أساسي في برنامج باكستان النووي، وهو إنتاج اليورانيوم المخصب جدا للقنابل، من خلال عمل من أعمال الجاسوسية الصناعية. ففي أواسط السبعينات كان أبو هذا المشروع <Q.A.خان> يعمل لدى شركة هندسة هولندية، وقد عهدت إليه مهمة ترجمة التصاميم والخصائص التصنيفية لنبذ الغاز(4). فحصل على تشكيلة واسعة من المعلومات الحساسة. ولدى عودته إلى باكستان أسس «مختبرات الأبحاث الهندسية»، المعروفة الآن باسم «مختبرات الدكتور خان»، لترجمة هذه المعرفة إلى مصنع للقنابل.

فبحسب مذكرة وزارية أمريكية رفعت عنها السرية عام 1983، أخفى برنامج الإخصاب نشاطاته بتقديم تقارير ملفقة عن الاستخدام النهائي للمواد والأجهزة التي كان يستوردها من البلدان الغربية. وقد وصفت باكستان مرة مصنع نبذ الغاز عندها على أنه معمل زبدة صناعية. وفي لقاء عام 1999 مع صحيفة الأهرام المصرية قال خان إن برنامجه اشترى معداته من شركات على الساحل الياباني وسنغافورة وأمكنة أخرى. وقد قامت هذه الشركات بخصم ما يتراوح بين 15 و 25 في المئة من ثمن الشراء.

لقد اتخذ خان وطلبته دور روبن هود فيما يتعلق بالمعلومات النووية السرية. ففي أواخر الثمانينات نشروا سلسلة من المقالات التقنية في الصحف الغربية عن نبذ الغاز. وكان غرضهم من ذلك استعراض الكفاية الذاتية لباكستان في النبذ، وبالتالي إشارة إلى أن بلادهم باتت جاهزة لصنع القنبلة الذرية. وقد ذكرت إحدى الصحف أن غرضها من نشر تلك المقالات هو: «تقديم معلومات مفيدة وعملية، كالمعلومات التقنية عن توازن دورات النبذ، هذه المعلومات التي يتعذر الحصول عليها لأن معظم الأبحاث حولها تكتنفه السرية.» وقد ساعدت هذه المقالات بلدانا أخرى على تطوير برامجها النووية، وذلك كما كانت الحال بالنسبة إلى جنوب إفريقيا.

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N2-3_H01_002155.jpg

تصاميم لنبذ الغاز كالتي تظهر في هذه الصورة، تديرها مجموعة يورنكو-سنتيك في أوروبا، وقد تمكن صانعو القنبلة الباكستانية من الحصول عليها خفية.

لقد كانت مقالة باكستانية هي الوحيدة التي نشرت دراسة حول وسادات مصنوعة من الفولاذ الإصلادي(5) maraging، وهو نوع من الفولاذ عالي المتانة. ولعدة سنوات اعتبر أورينكو Ureneco ـ وهو اتحاد إخصاب بريطاني ألماني  هولندي ـ أن مجرد الإشارة إلى هذه الوسادات يشكل خرقا لقوانين السرية.

إلى أي مدى أسهم علماء الذرة الباكستانيون في نشر فن صناعة القنبلة الذرية؟ إن المراقبين العسكريين التابعين للأمم المتحدة في العراق عثروا على صفحة في وثيقة من وثائق المخابرات العراقية، وقد كتب في أعلاها «سري للغاية» وتتضمن عرضا لتقديم أسلحة نووية كمساعدة من الباكستانيين. وبحسب هذه الوثيقة، فإن وسيطا قام بالاتصال بالمخابرات العراقية في الشهر10/1990 ـ بعد شهرين من الغزو العراقي للكويت، وقبل ثلاثة أشهر من الهجوم المضاد بقيادة الولايات المتحدة ـ وعرض ما يلي: يزود خان العراق بتصاميم القنبلة، ويساعده على الحصول على خدمات أخرى. وبالمقابل يدفع العراق ثمن ذلك بسخاء.

لم يتمكن مفتشو الأسلحة من العثور على الوسيط، وقد أنكرت باكستان وخان أي تورط في هذا الشأن. على أي حال حمل العراقيون هذا العرض على محمل الجد ـ ويبدو أنهم رفضوه. يقول <خضر حمزة> [عالم الأسلحة السابق الذي ترك العراق عام 1994 وعمل معي في أواخر التسعينات] إنه سمع بهذا العرض في حينه، ويعتقد أن العراق لم يتابع العرض خشية أن يحصل خان على الكثير من المعلومات عن البرامج النووية العراقية، وقد يتيح له ذلك التحكم فيها. وكان لخان سجل في تضليل العراقيين، فقد استغل عقدا لمرفق بتروكيميائي كغطاء للحصول على الفولاذ الإصلادي.

وفي الشهر3/2001 نقلت حكومة باكستان خان من رئاسة المختبر النووي وعينته مرشدا علميا وتقانيا خاصا؛ وقد بدا ذلك على نطاق واسع أنه محاولة لكبح جماح خان. وفي صيف 2000 أظهرت بعض التقارير أن المختبر احتفظ بروابطه مع برنامج الصواريخ البالستية لكوريا الشمالية، فأثار ذلك مخاوف التعاون النووي. وقد أنكر الباكستانيون الرسميون أي صلة بذلك.

ليس ثمة ما يثبت وجود أي صلة للحكومة الباكستانية بأي مجموعة إرهابية، لكن كان للحكومة الباكستانية صلات وثيقة بحركة طالبان. ويمكن تصور أن الإرهابيين استطاعوا استغلال هذه الصلات للحصول على أشياء نووية حساسة. فالأفكار السائدة ضمن البرنامج النووي تزيد من هذه الخطورة.

المؤلف

David Albright

فيزيائي ورئيس معهد العلم والأمن العالمي في واشنطن العاصمة، ومفتش الأمم المتحدة السابق للأسلحة في العراق.

 

لقد باتت محدودية السياسة الغربية في منع انتشار الأسلحة النووية واضحة الآن بصورة موجعة. فهي تقوم أساسا على التحكم في الجانب المتعلق بالتصدير للحيلولة دون التوصل إلى التقانات النووية. لكن برنامج باكستان يكشف أن هذه الإجراءات غير كافية. فأي استراتيجية فعالة لمنع انتشار الأسلحة النووية يجب أن تشتمل أيضا على سياسات تؤكد للبلدين أن القنابل الذرية ليست ضرورية للأمن الحقيقي. وأهم مطلب في هذا المضمار هو النجاح في نزع الأسلحة النووية عالميا. ويناقش البعض بأن نزع الأسلحة النووية عالميا ومنع انتشارها أمران غير مرتبطين. ولكن كما لاحظ <G.پيركوفيتش> [من مؤسسة <A.W .جونز> في شارلوتسفيل] في دراسته الدقيقة للبرنامج النووي الهندي، فإن الحجة التي ينطلق منها هؤلاء هي «الوهم الأعظم بالعصر النووي» وربما تمثل أيضا أعظم الأخطار.

 

المؤلفان

M. V. Ramana – A. H. Nayyar

فيزيائيان ناشطان سلميان عملا لرأب الصدع بين الهند وباكستان. رامانا، عضو هيئة الأبحاث في برنامج جامعة برنستون للعلم والأمن العالمي [www.princeton.edu/~globsec]، وهو عضو مؤسس للتجمع الهندي للسلم ونزع الأسلحة النووية. نشأ وترعرع في جنوب الهند ونشر كتابات قيمة عن الموسيقى الكلاسيكية في المنطقة. أما نايار فهو أستاذ الفيزياء في جامعة قائد أعظم بإسلام آباد، وهو مؤسس لتجمع السلم الباكستاني. يدير مشروعا لتقديم الثقافة للأطفال المعدمين.

 

مراجع للاستزادة 

Fissile Material Production Potential in South Asia. A. H. Nayyar, A. H. Toor and Zia Mian in Science and Global Security, Vol. 6, No. 2, pages 189-203;1997.

The Making of the Indian Atomic Bomb: Science, Secrecy and the Postcolonial State. Itty Abraham. Zed Books, 1998.

India’s Nuclear Bomb: The Impact on Global Proliferation. George Perkovich. University of California Press, 1999.

Out of the Nuclear Shadow. Edited by Smitu Kothari and Zia Mian. Zed Books, 2001.

For articles by M. V. Ramana, visit

www.geocities.com/CollegePark/5409/nuclear.html

For extensive information on both countries’ nuclear weapons, visit

www.isis-online.org/publications/southasia/index.html

www.ceip.org/files/Publications/trackingTOC.asp

www.fas.org/nuke/hew/

Scientific American, December 2001

(*) India, Pakistan and the Bomb

(**) Learning to Love the Bomb

(***)  Making Nuclear Weapons Material

(****) Nuclear Arena

(*****)Critical Mass

(******) Secrets, What Secrets?

 

(1)lobby، جماعة ضغط.

(2) isotope uranium 235

(3)cavalier

(4)gas centrifuge

(5)ويقال أيضا: “فولاذ مارتنزيتي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى