أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

رصاصات سحرية تنطلق من جديد

رصاصات سحرية تنطلق من جديد(*)

لقد نُصبَت قذائف جزيئية مُوَجهة كي تقضي على السرطان

ومجموعة أخرى من الأمراض، بيد أن تلك القذائف تحطمت واحترقت.

والآن ينتشر جيل جديد منها في سماء الأسواق.

<C. إيزل>، محررة في ساينتفيك أمريكان

 

كان التفاؤل المُطلق العِنان الذي أحاط في الثمانينات بالأضداد وحيدة النسيلة monoclonal antibodies  مُعْديا. فقد كان عليك أن تكون أشد الناس تشاؤما في هذا العالم كي لا تؤخذ منبهرا. هل أصبت بالسرطان؟ لا تقلق. فالأضداد وحيدة النسيلة ـ مثلها مثل الصواريخ الباحثة عن الحرارة ـ سوف تحمل رؤوسها سموما أو نظائر مشعة، تستبيت(1)  في الخلايا الخبيثة، ملقية حمولتها المميتة لتمحو السرطان، دون أن تصيب الخلايا السوية بأي أذى.

 

ولكن ماذا إذا كان المرض معديا (خمجيا)؟ كل شيء سيكون على ما يرام. فالأضداد وحيدة النسيلة ستطوق الڤيروسات والبكتيريا الغازية وتحاصرها، ثم تعزلها في بعض المسالك الجانبية، حيث تجعلها الخلايا القاتلة killer cells التابعة للجهاز المناعي لقمة شهية يصعب رفضها.

 

ولكن ليت الأمور كانت بهذه البساطة. إن الأضداد وحيدة النسيلة هي جمهرات (عشائر) ذات نقاوة عالية من پروتينات الجهاز المناعي تهاجم أهدافا جزيئية نوعية. ولكن مما يؤسف له أن الأشخاص الذين تلقوا تسريبا infusion  من  الأضداد وحيدة النسيلة العلاجية الأولى، نزعوا إلى تشكيل أضدادهم الخاصة المضادة للأضداد الغريبة؛ وهذا جعلهم، لأسباب غير واضحة تماما، أكثر اعتلالا. ثم إن أكباد هؤلاء المرضى أظهرت ميلا خاصا لامتصاص هذه الأضداد وحيدة النسيلة المبكرة قبل أن تستهدف فرائسها. وأخفقت التجارب السريرية. وانهارت أسعار الأسهم، فبلغت الخسائر ملايين الدولارات. وتولد لدى جيل بأكمله من العلماء ورجال الأعمال في مجال التقانة الحيوية ارتياب لا يشاركهم فيه إلا أولئك الذين اكتووا مرة فترددوا مرتين، فالمرء لا يُلدغ من جحر واحد مرتين.

 

ولكن لحسن الحظ وعلى الرغم من الأنباء السيئة، فإن بعض هؤلاء الأفراد تماسك واستبسل، واهتدى إلى طرائق لتجاوز إخفاقات الأشكال المبكرة لتلك العقاقير. ويتفاءل كثير منهم في اعتبار العام 2001 عام الأضداد وحيدة النسيلة، في ضوء نجاح مثابرتهم على إنتاج أشكال كثيرة من العقاقير الفعَّالة القائمة على الأضداد وحيدة النسيلة، التي تمت الموافقة عليها فعلا أو هي قيد التقييم من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA). وكما يقول <M .F.  بِرگر> [وهو محلل في التقانة الحيوية يعمل في مؤسسة JP مورگان للسندات المالية]: «ستصبح الأضداد وحيدة النسيلة في الطليعة.» وهو يتنبأ بأن الأضداد وحيدة النسيلة التي ستنتظر إجازة الإدارة FDA ستكون على درجة من الكثرة بحيث  تشكِّل مختنقا (عنق قارورة) في سيرورة التقييم.

 

الأضداد وحيدة النسيلة/ نظرة شاملة(**)

•  الأضداد جزيئات ضخمة لها شكل حرف Y، تنتجها خلايا الجهاز المناعي (التي تعرف باللمفاويات البائية) لمقاومة الغزاة. وتُصنع الأضداد وحيدة النسيلة من قبل نسخ متماثلة (أي نسائل clones) للمفاوية بائية واحدة، ومن ثم فهي تهاجم هدفا نوعيا واحدا.

• تسوق حاليا عشرة أنواع من الأضداد وحيدة النسيلة، الغرض منها فعل كل شيء: من منع رفض الأعضاء المغترسة إلى معالجة السرطان. وهنالك ثلاثة أنواع أخرى تنتظر موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA).

•  ومع أن الأضداد وحيدة النسيلة تُنتِجها عادة خلايا خاصة من الثدييات تعرف بالأورام الهجينة، فالعلماء يعملون على اشتقاقها من حليب (لبن) حيوانات مهندسة جينيا ومن نباتات محوَّرة جينيا (معدلة وراثيا).

•  إن الأضداد وحيدة النسيلة (وتعرف بالاختصار MAb) 2) أقل كلفة وأسرع جاهزية للتجارب السريرية من الأدوية التقليدية، التي تتكون من جزيئات لاعضوية صغيرة.

 

لقد تم تسويق عشرة أنواع من الأضداد وحيدة النسيلة، كما أن ثلاثة أخرى تنتظر موافقة الإدارة FDA عليها، بما في ذلك أول ضدين وحيدي النسيلة مجهزيْن بآلية لإيصال جرعة فاعلة إشعاعيا (انظر الجدول في الصفحة 188). كما أن مئة نوع آخر أو أكثر تختبر سريريا (أي لدى البشر)، بعد أن أظهرت فعلا نتائج واعدة في اختبارات تناولت الحيوانات.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N7-8_H02_002440.jpg

 

بيد أن الإدارة FDA بعثت في صيف عام 2001 رسالة قد تضعف من قوة المد الساحق للأضداد وحيدة النسيلة. ففي الشهر 7/2001 أبلغت الإدارة FDA شركة «جيننتك» Genetech  القائمة في جنوب سان فرنسيسكو بكاليفورنيا، بأن عليها تقديم بيانات (معطيات) إضافية، تتعلق بالتجارب السريرية، تبرهن على سلامة أضدادها وحيدة النسيلة على الأمد الطويل، والخاصة بمعالجة الربو (المعروفة تجاريا بالاسم زولير Xolair  ذات المقدرة على التخلص من الأضداد المسؤولة عن الربو والأرجية allergy. وفسر بعض المراقبين هذه الخطوة من الإدارة FDA مؤشرا على أن هذه الإدارة ستكون صارمة على وجه التخصيص عند تفحصها التأثيرات الجانبية للأضداد وحيدة النسيلة، وبخاصة تلك التي سيتناولها المرضى سنوات عديدة لمعالجة الحالات المزمنة. ولقد ولد هذا الإعلان لدى المستثمرين شعورا مؤقتا بالإحباط، ودفعهم إلى تخفيض قيم أسهم شركات تطوير الأضداد وحيدة النسيلة مدة أسبوع أو نحو ذلك.

 

ومع ذلك يصعب تجاهل ميزات الأضداد وحيدة النسيلة؛ إذ يقول <L .D. دريكمان> [الرئيس التنفيذي لشركة ميداركس المنتجة للأضداد وحيدة النسيلة في نيوجرسي] إن الأضداد وحيدة النسيلة هي ببساطة أسهل تطويرا من الأدوية التقليدية التي تتألف من جزيئات لاعضوية صغيرة. ونظرا إلى ضخامة جزيئاتها، قد لا تلائم الأضداد وحيدة النسيلة كل مرض من الأمراض، ولكنه يشدد على أنه في حين أننا نحتاج إلى عام واحد أو عامين لتحضير ضدٍّ وحيدِ النسيلة صالح للاختبار، فإن هذا الأمر يتطلب في حال الجزيئات الصغيرة خمسة أعوام. إن هذه السرعة تعني اقتصادا في النفقات، فنحن نحتاج (كما يقدر دريكمان) إلى إنفاق مليوني دولار لتحضير ضدٍّ وحيد النسيلة صالح للاختبار السريري، مقارنة بعشرين مليون دولار للعقار التقليدي. وعلى الرغم من تردد الإدارة FDA في الموافقة على المعالجة التي اقترحتها شركة جيننتك للربو، فإن دريكمان يجزم بأن الأضداد وحيدة النسيلة تمتعت حتى الآن بمعدل من النجاح أعلى مما حققته العقاقير ذات الجزيئات الصغيرة، وذلك في ما يتعلق باجتياز العقبات التنظيمية (القانونية). ويوضح دريكمان قائلا: «تكاد الأضداد تكون غير سامة.»

 

تحضير الأضداد وحيدة النسيلة ـ القسم الأول(***)

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N7-8_H02_002441.jpg

 

ومن المفارقات حقا احتمال أن تكون الأضداد وحيدة النسيلة ضحية نجاحها الذاتي؛ إذ يتنبأ محللو السوق بأن الشركات المنتجة لن تمتلك مرافق الإنتاج الضرورية لصنع الأضداد وحيدة النسيلة كلها. ولكن صناعات التقانة الحيوية سبق أن توقعت نشوء هذه المشكلة. ويشتمل بعض أكثر الاقتراحات إبداعا على إنتاج الأضداد وحيدة النسيلة في حليب (لبن) الأنعام، أو حتى في النباتات.

 

طرائق تحضير الأضداد وحيدة النسيلة(****)

يرجع جزء من الإخفاق السابق للأضداد وحيدة النسيلة إلى الطرائق التي اتُّبعت أصلا في تحضيرها. لقد ابتكرت تقنية تحضيرها التقليدية في عام 1975 من قبل<F .G. كُهلر> و<C. مِلشتاين> [من مختبر البيولوجيا الجزيئية لمجلس البحوث الطبية في كمبردج بإنكلترا] فنالا في عام 1984 جائزة نوبل في الطب والفيزيولوجيا. وتشتمل الطريقة أساسا على حقن مستضدٍّ ما (مادة يتعرفها الجهاز المناعي على أنها غريبة أو خطرة) في الفأر، مما يحرض خلاياه (وتعرف باللمفاويات البائية) على  توليد أضداد لهذا المستضِد. وكي يجني العلماء هذه الأضداد، يعمدون نمطيا إلى جَنْي البائيّات التي تصنع حصرًا هذه الأضداد. ولكن العثور على هذه الخلايا وحثها على صنع كميات كبيرة من الأضداد، يتطلبان جهدا غير قليل.

 

ويتضمن قسم من الإجراءات المعقدة دمج البائيات من الفأر في مزرعة بخلايا «خالدة» (أي تضاعف نفسها بالانقسام إلى ما لانهاية) لإنشاء خلايا تعرف باسم الورم الهجين hybridoma (انظر الشكل التوضيحي في الصفحة المقابلة). والعيب في عمل هذه الأورام الهجينة بالذات هو أنها تنتج أضدادا فأرية، يتعرفها الجهاز المناعي البشري على أنها جزيئات دخيلة (غريبة). فالمرضى الذين تلقوا بالتسريب أضدادا وحيدة النسيلة فأرية، عانوا ما يعرف باستجابة هاما HAMA (وهي الحروف الأولى من الكلمات الإنكليزية human anti-mouseantibodies، أي: الأضداد البشرية المضادة لأضداد الفأر)، التي تولِّدها بائيات المرضى. وتشتمل استجابة «هاما» على انتفاخ المفاصل والطفح وقصور الكلوة، وقد تشكل خطرا على حياة المريض. كما أن هذه الاستجابة تؤدي إلى تخريب الأضداد.

 

ولتجنب كل من استجابة «هاما» والتعطيل المبكر لأضداد الفأر من قبل الجهاز المناعي للمريض، طور العلماء تقنيات متنوعة لجعل الإنسان أكثر تقبلا لأضداد الفأر. ومن المعلوم أن لجزيء الضد شكل الحرفY ، ويترابط بالمستضد بوساطة ذراعي هذا الحرف، أو بما يعرف بالمنطقتين فاب FAb  (وهي الأحرف الأولى من الكلمات الإنكليزية fragments of antigen binding، أي: شُدَف الارتباط بالمستضد). أما جذع الY، أو ما يعرف بالمنطقة crystallizable fragment)Fc  أي: الشدفة القابلة للتبلور)، فيتآثر مع خلايا الجهاز المناعي. والمنطقة Fc  مهمة على  وجه التخصيص في استئصال البكتيريا: فما إن يتم تغليف البكتيرة بجزيئات الأضداد (وذلك بالارتباط بها بوساطة المناطق FAb)، حتى تقوم المناطق Fc  بجذب  الخلايا بالعةِ الميكروبات كي تدمرها.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N7-8_H02_002442.jpg

تشمل أنواع الأضداد التي يمكن إنتاجها حاليا: الأضداد الفأرية والخيميرية(1) والمؤنسنة والبشرية الخالصة.

 

يتفاءل الكثيرون في اعتبار العام 2001 عام الأضداد وحيدة النسيلة،في ضوء نجاح مثابرتهم على إنتاج

 أشكال كثيرة من العقاقير الفعَّالة القائمة على الأضداد وحيدة النسيلة، والتي تمت الموافقة على بيعها.

وتتمثل إحدى المقاربات في الاستعاضة عن جميع مناطق الضد الفأري ـ فيما عدا مناطق الارتباط بالمستضد ـ بمكونات بشرية. إن أربعة من الأضداد وحيدة النسيلة التي تباع حاليا في الولايات المتحدة هي خيميريات(2) chimeras  من هذا النمط، أي قسم منها فأري والآخر بشري. ومن هذه الأضداد الريوپرو ReoProالذي تصنعه شركة سِنْتوكور Centocor في پنسلڤانيا، وهو يمنع تجلط الدم، وذلك بترابطه بمستقبل نوعي يوجد على سطح الصُفيِّحات platelets؛ وفي عام 2000 بلغ مجموع مبيعاتها منه 418 مليون دولار. (وتجدر الإشارة إلى أن الجسم لا يصنع عادة أضدادا تستهدف النُّسُج الصحيحة، وإلا نشأت أمراض مناعية ذاتية. أما الأضداد التي تُعطى كأدوية، فإنها تساعد على معالجة اضطرابات معينة).

 

وثمة خمسة منتجات أخرى تباع أيضا في السوق ولكن تُحضَّر باستراتيجية أخرى تعرف بالأنسنة humanization، وهي تضم الهِرْسِپْتينHerceptin: الضد الوحيد النسيلة الذي يستهدف سرطان الثدي والذي طورته شركة جيننتك. وتستلزم الأنسنة استعمال الهندسة الجينية للاستعاضة انتقائيا عن الأضداد الفأرية (وبطبيعة الحال عن معظم مناطق الارتباط بالمستضد) بأكبر قدر ممكن من الپروتين البشري (انظر الشكل التوضيحي في هذه الصفحة). أما الضد كامپاث Campath، الذي تنتجه شركة ميلينيوم للصيدلانيات Millenium Pharmaceuticals في ماساتشوستس، فيعتقد صانعوه أنه أول ضد مُؤَنْسَن حُضر حتى الآن، وقد حصل في الشهر 5/20011 على إجازة الإدارة FAD  لاستعماله في معالجة المصابين بالابيضاض اللمفاوي المزمن للبائيات(3) والذي لا يستجيب لأي علاج آخر. ويترابط الضد كامپاث بمستقبِلات توجد على سطوح أنماط مختلفة من خلايا الجهاز المناعي، السوية منها والسرطانية. ولكن أجسام المرضى المعالجين تصنع في نهاية المعالجة أعدادا أكبر من الخلايا السوية. أما الأضداد الأخرى وحيدة النسيلة الموجودة في الأسواق فهي أضداد فأرية خالصة.

 

تحضير الأضداد وحيدة النسيلة ـ القسم الثاني

يمكن استعمال الڤيروسات المعروفة بالعاثيات (البَلُوع)

 [التي تُعدي (تخمج) البكتيريا] عوضا عن الأورام الهجينة.

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N7-8_H02_002443.jpg

 

وبعد أكثر من 25 عاما من المحاولات، استطاع الباحثون أخيرا دمج بائيات بشرية مع خلايا «خالدة»، لينشئوا أوراما هجينة تولِّد أضدادا وحيدة النسيلة بشرية الطبيعة تماما. وأعلن <A. كارپاس> وزملاؤه [من جامعة كمبردج] في الشهر 2/2001 أنهم أنجزوا هذا العمل الفذ، علما بأنه من المبكر حاليا معرفة ما إذا كانت هذه الأضداد وحيدة النسيلة (التي اشتقت كليا من خلايا بشرية) هي أكثر سلامة أو أشد فاعلية أو أقل كلفة من حيث التصنيع مقارنة بالأضداد وحيدة النسيلة التي يتم تحضيرها باستعمال التقانات الأخرى.

 

ولقد ابتكرت «ميداركس» و«فريمونت» [من شركة أبجينكس ومقرها كاليفورنيا] وسائل تحرض الفئران على إنتاج أضداد بشرية خالصة. فقد حوَّرت هاتان الشركتان الفئران جينيا لتحتوي على جينات الأضداد البشرية، فلما حُقِنت هذه الفئران بالأضداد، أنتجت أضدادا بشرية من جميع النواحي. ويقترح< W. نيومان> [النائب الأول للرئيس لشؤون العلاجيات الحيوية وللتطوير اللاسريري في شركة ميلينيوم للصيدلانيات (التي تطور هي الأخرى طرائق علاجية بالأضداد وحيدة النسيلة)] قائلا: «تعد تقانة أنسنة الأضداد وحيدة النسيلة أو تصنيعها كاملة بشكلها البشري، أحد التغيرات التي جعلت هذه الأضداد عيوشة أكثر من النواحي التجارية.»

 

وتُجري شركة أبجينكس اختبارات سريرية لأضداد بشرية خالصة ضد الإنترلوكين I(IL-8) 8؛ وهي مادة كيميائية طبيعية تعرف بالسيتوكين، تفعِّل تفعيلا سويا خلايا الجهاز المناعي. وعندما يُنتج الجسم كميات مفرطة من الإنترلوكين 8، تنشأ أمراض مناعية ذاتية التهابية، كالتهاب المفاصل الرَّثْيانيrheumatoid arthritis والصُّداف (الصََّدَفِيّة) psoriasis. كما أن «ميداركس» تُجري حاليا تجارب سريرية متنوعة على أضداد وحيدة النسيلة بشرية تماما ومتطورة ضد حالات معينة من السرطان والمناعة الذاتية. وتطور هذه الشركة أيضا أضدادا تعرف بالأضداد المُصَمَّمة designer antibodies، تمت هندستها إما لتوصل ذيفانا (توكسينا) مباشرة إلى الخلايا المعتلة أو لتعبئة خلايا مناعية نوعية كي تهاجم الأورام.

 

قد تكون الأضداد وحيدة النسيلة ضحية نجاحها الذاتي: يتنبأ محللو السوق بأن الشركات المنتجة

 لن تمتلك مرافق الإنتاج الضرورية لصنع الأضداد وحيدة النسيلة كلها.

ويحاول باحثون آخرون إنتاج كميات كبيرة من الأضداد وحيدة النسيلة بدون الاستعانة بالفئران. وتستعمل الشركة Cambridge Antibody Technologyبإنكلترا والشركة MorphoSys AG في ميونخ تقنية تعرف بعرض العاثيات (البَلوع) phage display، تؤدي هذا الغرض بالذات، كما أنها تساعد على العثور على أكثر الأضداد وحيدة النسيلة نوعية ضد مستضد معين (انظر الشكل في الصفحة المقابلة).

 

وتفيد تقنية عَرْض العاثيات من ڤيروس ليفي طويل، يُعرف بالعاثية الخيطية وهي تعدي (تخمج) البكتيريا. وبوسع الباحثين أن يعزلوا الدنا DNA  من  اللمفاويات البائية البشرية (حيث تصنع كل واحدة منها ضدا موجها نحو مستضد واحد فقط)، وإن غرز هذا الدنا في بكتيرة ما، كالإشريكية القولونية مثلا، ومن ثم السماح للعاثيات الخيطية بأن تعدي البكتيريا. وفي أثناء إنتاج العاثية نسخا من ذاتها، فإنها تصنع بصورة آلية الپروتينات التي تكودها جينات الأضداد المأخوذة من البائيات المتباينة، وتضيفها إلى سطوح الجسيمات الڤيروسية المتشكلة لتوها. وبوسع العلماء عندئذ استعمال المستضد الذي سيستهدفونه (مثل مستقبلٍ على سطح خلايا سرطانية) لتصيُّد العاثيات التي تحوي الجينة الخاصة بالضد الأشد نوعية ضد هذا المستضد. ولإنتاج كميات كبيرة من هذا الضد، يعمد الباحثون إلى إعداء (إخماج) عاثية واحدة لأعداد أكبر من البكتيريا أو غرز جينة الضد في الخلايا المزروعة (المستنبتة).

 

الاستهداف الأكثر دقة(****)

إن الأشكال الجديدة من الأضداد وحيدة النسيلة (الخيمرية والمؤنسنة والبشرية) تبدو ـ في مجموعها ـ فعالة ضد منظومة من الأمراض. فإذا ما اجتاز (كما هو متوقع) اثنان من هذه الأضداد التمحيص الصارم للإدارة FDA، فإنهما سيحققان الحلم المتمثل باستعمال الأضداد وحيدة النسيلة المقترنة conjugated (أي التي تحمل كيميائيات فعالة إشعاعيا أو ذيفانات (توكسينات)، وتوصلها مباشرة إلى الأورام كشكل جديد من أشكال معالجة السرطان). فالعقار زيڤالينZevalin (الذي طورته شركة IDEC للصيدلانيات في سان دييگو وشركة شيرينگAG) والعقار بِكسار Bexxar  (الذي طورته شركة كوريكسا في سياتل وشركة گلاكسوسميث كلاين)، يستهدف كلاهما مستضدا (يُعرف بالرمز CD 20(1))،  يوجد  على سطوح اللمفاويات البائية (البائيات) التي تنمو على نحو لا يمكن السيطرة عليه في نوع من السرطان يعرف بالورم اللمفاوي اللاهودجكيني non-Hodgkin’s lymphoma. ويحمل كل من هذين العقارين جزيئًا قاتلا: فالزيڤالين يحمل نظيرا للإتريوم هو الإتريوم 90 (90Y)، في حين أن بِكْسار يحمل شكلا مشعا من أشكال اليود هو اليود 131 (131I ).

 

كما أن هناك عددا كبيرا آخر من الأضداد وحيدة النسيلة التي تخضع حاليا للتجريب السريري، يستهدف هو أيضا جزيئات على سطوح الخلايا المناعية تؤدي دورا في أنواع مختلفة من الأمراض. فمثلا، تُجري شركة جيننتك المراحل الأخيرة من اختبار العقار زانليم Xanelim، الذي هو ضد وحيد النسيلة موجَّه ضد المستضد CD11a. ويتوضع هذا الپروتين على سطوح اللمفاويات التائية (التائيات)، ويساعدها على الارتشاح في الجلد لتسبب الالتهاب المترافق مع الصُّداف، الذي يصيب قرابة سبعة ملايين شخص في الولايات المتحدة وحدها. وفي دراسة أعلن عنها في مؤتمر أكاديمية طب الجلد الأمريكية، الذي عقد في الشهر 7/2001، وتناولت 600 مصدوف (مصاب بالصداف)، وجد الباحثون أن شدة الأعراض انخفضت إلى النصف على الأقل في 57 في المئة من المرضى الذين تناولوا الجرعة الأكبر من العقّار. كذلك هناك شركات أخرى تطوِّر أضدادا وحيدة النسيلة ضد المستضد CD18، وهو پروتين يتوضع على سطوح التائيات التي هي أساس التهاب النُّسج وتلفها الناجمين عن الهجمة (النوبة) القلبية.

 

ويشكِّل جزيء يعرف بمستقبِل عامل نمو البشرة (EGF) هدفا مغريا لمطوري الأضداد وحيدة النسيلة. فثلث المصابين بورم صلب solid  يصنعون كميات زائدة من هذا المستقبِل. وبالفعل، فإن العقار گليڤك Gleevec  ذا الجزيء الصغير، الذي حظي بأكبر نصيب من الدعاية وتسوقه شركة نوڤارتيس، يتدخل في مقدرة الخلايا السرطانية على تلقي إشارات تصدر عن هذه المستقبِلات. وقد تكون أنجع الطرق للإفادة من مضاد مستقبِل العامل EGF، هي إعطاؤه مقترنا بالمعالجة الكيميائية التقليدية. ولقد أعلن الباحثون في مؤتمر الجمعية الأمريكية لعلم الأورام السريري الذي عقد في الشهر 5/2001، أن سيتوزيمابCetuximab، وهو ضد وحيد النسيلة مضاد لمستقبِل العامل EGF تنتجه شركةImClone Systems  في نيويورك، كان ناجعا في إعادة فاعلية المعالجة الكيميائية في 23 في المئة من مرضى المراحل المتقدمة من سرطان القولون والمستقيمcolorectal cancer  الذين توقفت لديهم الاستجابة للمعالجة الكيميائية منفردة.

 

أدوية الأضداد وحيدة النسيلة المطروحة في السوق(******)

http://oloommagazine.com/images/Articles/18/SCI2002b18N7-8_H02_0079.gif

 

وتركز شركات أخرى على صنع أضداد وحيدة النسيلة موجهة ضد جزيئات تتوضع على سطوح الخلايا المبطنة للأوعية الدموية. إن أنماطا معينة من هذه الجزيئات، كالجزيء αvß3، يؤدي دورا في تكوّن (نشوء) الأوعية angiogenesis (أي نمو أوعية دموية جديدة)، وهي خطوة حاسمة في نماء الورم.

 

ويتوفر في السوق حاليا عقار ضدي وحيد النسيلة، لاقى نجاحا كاسحا ويعرف بالاسم التجاري ريميكاد Remicade، وهو يستهدف عامل نخر (تَنَكْرُز) الأورام (tumor necrosis factor (TNF)I)، الذي هو جزيء يستعمله الجسم في تعزيز الشق الخلوي للجهاز المناعي، ولكنه يؤدي أيضا دورا في الأمراض الالتهابية. ووفقا لتقارير الشركة، فإن العقار ريميكاد، الذي يباع في الصيدليات لمعالجة داء كرون Crohn’s disease  (مرض التهابي يصيب الأمعاء) والتهاب المفاصل الرثياني، أكسب في العام 2000 شركة سنتوكور (التي طورته) مبلغ 3700 مليون دولار. ووفقا للمسؤولة <C. وِرثر> [مديرة أبحاث الأوراق المالية في مصرف آدامز وهاركنسن وهيل] فإن حجم المبيعات السنوي المتوقع للمعالجات التي تزيل العامل TNF يُقدر ببليوني دولار. (وتجدر الإشارة إلى أن إينبرل Enbrel، وهو عقار مضاد للعامل TNF طورته شركة إميونكس في سياتل واعتمد عام  2000 لمرضى التهاب المفصل الرثياني المتوسط والوخيم، لا يعد من النواحي التقنية ضدا وحيد النسيلة، ذلك أن قسما فقط من جزيء الضد (عموده الفقري) هو الذي يُستعمل؛ حيث يتم ارتباط هذا العمود الفقري بقطعة من جزيء آخر، هو الذي يمثل المستقبل الخلوي السوي للعامل TNF.

 

معضلات المستقبل(*******)

وبتحقيق هذه الفرص الملائمة أمام شركات التقانة الحيوية والصيدلانيات، من المتوقع أن تزيد كثيرا خطوط إنتاجها استعدادا للطلبس الكبير المحتمل. أما في الحقيقة، فلا تعمل حاليا على نطاق العالم كله سوى عشرة مصانع ضخمة لإنتاج الأضداد وحيدة النسيلة.

 

ويتمثل قسم من المشكلة في التمويل: فالمصارف لا ترغب في إقراض مئات ملايين الدولارات التي يتطلبها بناء مصنع يحوي أحدث التجهيزات لإنتاج الأضداد وحيدة النسيلة ما لم يكن لديها الاقتناع بأن هذه المصانع ستدر الأرباح المطلوبة. وكثرة من هذه المصارف تستعيد ما حدث في الثمانينات عندما أقدمت شركات الأدوية على بناء مصانع عملت سنوات عديدة بجزء من طاقتها فقط.

 

ويعتمد النمط الأمثل لإنتاج الأضداد وحيدة النسيلة من الأورام الهجينة على استعمال صهاريج ضخمة، تعرف بالمفاعِلات الحيوية bioreactors. ويقدر <B.V. لوليس> [رئيس شركة ديوسنث ATP في نورث كارولينا] أن مصنعا لمفاعل حيوي عملاق، سعته000 60 لتر، لن ينتج (افتراضيا) سوى أربعة منتجات. وإذا افترضنا (كما يتنبأ المحللون) أن مئة نوع من الأضداد وحيدة النسيلة ستُطرح عام 2010 في السوق، فإن لوليس يرى أن على الصناعة أن تبني على الأقل 25 مصنعا جديدا، وإلا «فإننا لن نفي باحتياجات السوق كلها.» إن إنشاء هذه المصانع الإنتاجية سيتطلب خمسة بلايين دولار وربما أكثر، وسيستغرق إنشاؤها والمصادقة عليها من قِبَل الإدارة FDA ما بين ثلاث إلى خمس سنوات،  وهو احتمال لا يراهن أحد على حدوثه.

 

ولملء الفراغ، تتجه بعض الشركات إلى الحيوانات والنباتات المحوَّرة جينيا. لقد هُندست هذه الكائنات الحية لتحمل جينات لأضداد منتقاة. وتفرز الثدييات المحورة جينيا في حليبها (لبنها) أضدادا وحيدة النسيلة بمعدل غرام واحد من هذه الأضداد لكل 100 دولار، وهي كلفة تعادل (كما يقول خبراء الصناعة) ثلث ما تكلفه طرائق الإنتاج التقليدية. وتدرس الشركتان سنتوكور وجونسون وجونسون إنتاج العقار ريميكاد باستعمال الماعز المحور جينيا، كما أن الشركة إنفيجن [في ويسكونسن] تعتزم إنتاج الأضداد وحيدة النسيلة في حليب الأبقار، مع العلم بأن هذه المنتجات لم تحظ بعد بموافقة الإدارة FDA. وعلاوة على ذلك، فمن غير الواضح كم هو عدد الشركات التي ترغب في تفضيل خيار الحيوانات المحورة جينيا على المفاعلات الحيوية المعيارية.

 

ويسلم نيومان بأن الحيوانات المحورة جينيا بدائل جذابة، ولكنه يضيف أنه مازال على الشركات اتباع خطوات تكون أحيانا مملة بغية عزل الأضداد وحيدة النسيلة من پروتينات الحليب. ويضيف قائلا: «هناك مشكلات تتعلق بالتنقية، غير أنها تتضاءل أمام كلفة بناء مفاعلات حيوية بسعة عشرة آلاف لتر.» ولكن هندسة الحيوانات وراثيا واستيلادها قد يستغرق سنوات عديدة.

 

ويرى <B .M. هاين> [من الشركة أُپيسايت في سانت دييگو] أن النباتات الخُضْر تشكل الحل الأمثل لمشكلات إنتاج الأضداد وحيدة النسيلة. ويضيف قائلا: «من الواضح أن مرافق إنتاج الأضداد وحيدة النسيلة لن تفي بمتطلبات حتى أكثر الجزيئات واعدية.» وتتمتع النباتات بميزة أنها اقتصادية، ويسهل التحكم فيها وفقا لأي مستوى من الطلب؛ فهي يمكن أن تنتج أطنانا مترية من الأضداد وحيدة النسيلة. ولكن مشكلات التنقية ستظل قائمة، كما أنه مازال من غير الواضح كيف ستنظم الإدارة FDA  المنتجات الصيدلانية المشتقة من النباتات  المحورة جينيا.

 

لقد شكلت شركة إپسايت مع شركة داو فريقا لإنتاج نبات ذرة يولِّد أضدادا وحيدة النسيلة، تصاغ على شكل «كريمات» أو مراهم تُطلى بها السطوح المخاطية كالشفاه والأعضاء التناسلية، أو على شكل أدوية تُعطى عن طريق الفم في حالة العدوى المَعِدية المعوية أو التنفسية. ويتنبأ هاين بأن شركة إپسايت ستسعى في نهاية العام 2002 إلى الحصول على ترخيص الإدارة FDA للشروع في إجراء التجارب السريرية على أضداد وحيدة النسيلة مشتقة من الذرة، وتستعمل لمنع انتقال الحلأ (الهرپس) البسيط بين البالغين وفي أثناء الولادة. كما أن الشركة تطور أضدادا وحيدة النسيلة ترتبط بالنطاف كموانع للحمل، وكذلك أضدادا يمكن أن تقي من ڤيروس الورم الحُلَيْمي الذي يسبب الثآليل التناسلية وسرطان عنق الرحم.

 

وسواء أُنتجت الأضداد وحيدة النسيلة في الأبقار أو الأغنام أو الماعز أو الذرة أو المفاعلات الحيوية، فإن هذه الأضداد انطلقت لتغدو ركنا أساسيا من أركان أدوية القرن الحادي والعشرين.

 

مراجع للاستزادة 

Monoclonal Antibodies: A 25-Year Raller Coaster Ride. N. S. Halim in The Scientist, Vol. 14, No. 4, page 16; February 21, 2000.

A Human Myeloma Cell Line Suitable forthe Generation of Human Monoclonal Antibodies. A. Karpas, A. Dremucheva and B. H. Czepulkowski in Proceedings of the National Academy of Sciences USA, Vol. 98, No. 4, pages 1799-1804; February 13, 2001.

Biotech Industry Faces New Bottleneck. K. Garber in Nature Biotechnology, Vol. 19, No. 3, pages 184-185; March 2001.

Abstracts of scientific presentations at the 2001 annual meeting of the American Society of Clinical Oncology are available atvirtuaimeeting.asco.org/vm2001/

Scientific American, October 2001

 

(*) Magic Bullets Fly Again

(**) Overview/ Monoclonal Antibodies

(***) Making Monoclonals – Part One

(****) Monoclonal Methods

(*****) Zeroing In on the Targets

(******) Monoclonal Antibody Drugs on the Market

(*******) Emerging Issues

 

(1) home 

(2)monoclonal antibody

(3) الخيميرا في الأساطير الإغريقية عنزة لها رأس أسد وذيل حية. ويطلق اللفظ على أي شيء من الكائنات الحية التي تتألف من مجموعات خلوية مشتقة من عدد من الزيجوتات التابعة للنوع أو لأنواع متعددة، أو لبنية نسيجية مشتقة من أصول جنينية مختلفة. (التحرير)

(4) القسم الأهم من جزيء الضد. (التحرير)

(5) CD من Cluster of differentiation تعنقد التمايز: مجموعة من المستضدات توجد على سطوح الخلايا ويفوق عددها 1255 نوعا. (التحرير)

(6) انظر: هامش ص 15.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى