أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم التطبيقية

تقانة ضد الإرهاب

  تقانة ضد الإرهاب(*)   

يعمل البيولوجيون والمهندسون على تصميم أنظمة إنذار مبكر تستطيع

اكتشاف أي هجوم إرهابي بيولوجي في حينه للحد من تأثيراته.

<R. كاساگراند>

 

في الشهر 5/2000 أخذ عدد من كبار موظفي الحكومة الأمريكية يراقبون سحابة من البكتيرات(1)وهي تنساب داخل مركز دنڤر للفنون المسرحية، وهو مجمع يضم سبعة مسارح تتسع لما مجموعه 7000 متفرج. وبعد أسبوع من ذلك، مات أو احتضر آلاف الناس نتيجة الوباء، وتم إغلاق حدود ولاية كولورادو، وبدأت الإمدادات الغذائية والطبية تتناقص، كما توقفت أشكال الرعاية الصحية بسبب مرض الأطباء والممرضات ونضوب المضادات الحيوية. ولحسن الحظ، فإن هذا السيناريو لم يكن حقيقيا، بل كان تدريبًا محوسبا computerized يحاكي مفعول هجوم بيولوجي ضد هدف ما في الولايات المتحدة. لقد كان ـ في الواقع ـ جزءا من اختبار يحمل اسم TopOff يهدف إلى توعية المسؤولين المدنيين بأنهم لا يستطيعون الانتظار إلى أن يتوافد المرضى إلى غرف الإسعاف إذا كانوا يأملون شن دفاع ناجع ضد أسلحة بيولوجية. ويقوم العلماء حاليا بتصميم سلسلة من أنظمة الإنذار المبكر لتنبيه الموظفين الحكوميين إلى هجوم ما أثناء حدوثه. وتتضمن هذه التقانات شيپات حيوية biochips مبنية على الدنا DNAوالأضداد، كما تتضمن أنوفا إلكترونية electronic noses تستطيع أن تشتمّ  sniff out الميكروبات المميتة.

 

هل نحن ضحايا هجوم من هذا القبيل؟(**)

إن الحرب البيولوجية حرب ماكرة؛ إذ إن سُحُب العوامل البكتيرية أو الڤيروسية تكون نسبيا غير مرئية وبدون رائحة، بحيث لا يعرف الناس الذين يستنشقونها أنهم تعرضوا للهجوم إلا حين يمرضون بعد أيام؛ وعندما يدركون ذلك، ربما يكون قد فات أوان معالجة أولئك الضحايا أو حماية الآخرين من العدوى. وعلى الرغم من أن معظم العوامل البيولوجية ليست مُعْدية contagiousجدا، فإن المرء الذي لا يدري أنه مصاب يمكن أن ينقل المرض في كثير من الحالات.

 

المكاشيف البيولوجية/ نظرة إجمالية(***)

 ▪ عوامل الحرب البيولوجية ليس لها لون ولا رائحة، وقد تستغرق أياما لتظهر أعراضها. ووفقا لذلك قد لا يعرف مجتمع ما أنه تعرض للهجوم إلا بعد فوات أوان الاستجابة.

 ▪ حاليا يعمل البيولوجيون والمهندسون على تطوير مكاشيف تتألف من شيپات chips تكتشف العوامل الممرضة عن طريق استخدام أضداد أو دنا DNA. كما أنهم يطلعون علينا اليوم بأجهزة «تستشم» الروائح التي تطلقها الميكروبات أو المضافات التي تحيلها إلى أسلحة.
▪ يجب على المسؤولين الحكوميين أن يقرروا النهج الأفضل لنشر المكاشيف الجديدة للأسلحة البيولوجية. فمثلا، قد يكون من غير العملي أن توضع هذه الأجهزة في زاوية كل شارع.

 

ولحسن الحظ، فإن فترة حضانة العوامل البيولوجية تسمح بفسحة من الزمن يستطيع خلالها موظفو الصحة العامة حَجْر quarantine الضحايا ومعالجتهم، وكذلك تلقيح آخرين غيرهم. ففي الفترة التي تسبق ظهور الأعراض، يكون العديد من الأمراض التي تسببها العوامل البيولوجية قابلا للمعالجة بالمضادات الحيوية؛ في حين يتعذر معالجة بعض الضحايا بعد ظهور الأعراض .

 

إن للكشف المبكِّر أهمية خاصة، لأن العديد من الأمراض التي تسببها عوامل الحرب البيولوجية تحدث أعراضا أولية(مثل الحمى والغثيان)يمكن أن تُعزى خطأ إلى الإنفلونزا(النزلة الوافدة). وبشكل عام يُلقن طلبة الطب جملة مفادها:«حينما تسمع ضربات الحوافر، فكِّر بالأحصنة وليس بحمير الوحش،»باعتبار ذلك وسيلة تذكِّرهم بضرورة استبعاد الأمراض الشائعة قبل التفكير بالأمراض الأكثر غرابة. ومع أن هذا القول المأثور يوفر الوقت والجهد في الأحداث اليومية، فقد يقود الأطباء بداية إلى إغفال أمر هجمة بيولوجية. ولهذا السبب توصف بعض المكاشيف البيولوجية biological detectors باللغة العامية بأنها شيپات حمار الوحش zebra chips(أو Z chips اختصارا)، لقدرتها على تحذير الأطباء بوجود حمار وحش مجازي metaphorical طليق.

يمكن شن حرب بيولوجية عن طريق تلويث الأطعمة أو الإمدادات المائية أو عن طريق الحشرات الناقلة للأمراض كالبعوض، ولكن لا يحتمل أن تصيب هذه السبل آلاف الضحايا خلال هجوم واحد. ولا تصل الأسلحة البيولوجية إلى مستوى أسلحة دمار شامل ـ ذات تأثيرات فتاكة بالبشر بشكل يضاهي الأسلحة النووية ـ إلا حين تنتشر عبر الهواء كرذاذ aerosal قابل للاستنشاق، يتكون من دقائق ذات حجوم من رتبة الواحد من المليون من المتر. وتستطيع هذه القطيرات البالغة الدقة أن تطفو في الهواء لمسافات بعيدة، وأن تدخل عميقا في الرئتين لتسبب عداوى(أخماجا)خطرة في أجهزة الجسم.

 

بيد أن العوامل البيولوجية المحمولة في الهواء تبقى صعبة الكشف بسبب تنوعها؛ إذ يمكن أن تكون في شكل بكتيريات أو ڤيروسات أو ذيفانات غير حية تنتجها ميكروبات. ويمكن أن تكون العوامل البيولوجية مميتة حتى في حال وجودها بتراكيز ضئيلة للغاية. ونشير هنا إلى أن الشخص السوي يتنفس نحو ستة لترات من الهواء في الدقيقة وأن بعض العوامل المُمْرِضة(المُمْرِضات)تستطيع أن تسبب المرض حتى لو قل عدد المُستَنشق منها إلى 10 كائنات (متعضيات). وإذا ما أريد حماية الناس الحاضرين لفترات قصيرة في منطقة ملوثة لا بد من وجود أداة تحتجز عامليْن ممرضين من كل لتر من الهواء، وهذا يشكل مهمة شاقة إلى أبعد الحدود.

 

لقد اقتصر عمل المكاشيف البيولوجية الأولى الناجحة على تفحص سحب من الجسيمات الصغيرة. وبعض هذه المكاشيف ـ من أمثال المكشاف العسكري الأمريكي XM2، الذي استعمل أثناء حرب الخليج الثانية ـ تختبر الهواء من حولها وتتصل بآلات تحصي الجسيمات ذات الحجم المناسب(المستخدم في الأسلحة البيولوجية). فإذا تجاوز تعداد تلك الجسيمات عتبة معينة، ينطلق صوت إنذار يطلب من الجنود إخلاء المنطقة. وتوجد مكاشيف أخرى للجسيمات تستخدم الليدار lidar، وهو نظام يشبه الرادار يطلق شعاعا ليزريا، ثم يستكشف الضوء المرتد عن الأشياء الواقعة في مساره. وفي الظروف الجوية الجافة تصلح الأجهزة المبنية على الليدار للعمل من مسافة 50 كيلومترا، ولكنها لا تستطيع التمييز بين شبّورات mists العوامل البيولوجية وسُحب الغبار الناعم أو الدخان.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N4-5_H01_002930.jpg

 

وهناك أنظمة ليدار أكثر حداثة تستفيد من جزيئات معينة توجد في معظم الخلايا الحية، تتفلور حينما يستثيرها ضوء فوق بنفسجي (UV). فهذه الأجهزة الليدارية فوق البنفسجية تهيِّج الجسيمات بشعاع فوق بنفسجي ثم تراقب الفلورة الصادرة عن السحابة. ولكن حتى الليدار فوق البنفسجي لا يستطيع أن يَمِيزَ العوامل الممرضة من سحب الأحياء الدقيقة غير الضارة، أو الطلع، أو زُغُب plumes أبواغ الفطور. وعلى الرغم من هذه العيوب فإن مكاشيف الجسيمات تفيد في إبعاد الجنود عن المناطق التي يمكن أن تشكل خطرا من رذاذ بيولوجي. ولعلها تستخدم أيضا للتنبيه إلى ضرورة البدء باستخدام مكاشيف أكثر حساسية للقيام بتحليل عينات الهواء (انظر الإطار في الصفحة7).

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N4-5_H01_002931.jpg

تعمد الشيپة البيولوجية المبنية على الدنا إلى اكتشاف الدنا التابع لأحد العوامل الممرضة عن طريق تكوين جسر من جسيمات ذهبية تصل بين مسريين(إلكترودين). يستكمل هذا الجسر دارة كهربائية تبعث إشارة إنذار.

 

إبرة في كومة قش(****)

تستطيع بعض مكاشيف الأسلحة البيولوجية الأحدث عهدا أن تميز العوامل الممرضة من الأحياء الدقيقة الحميدة أو الجسيمات الأخرى على أساس الفروق في تركيبها الجيني. ولأن الدنا DNA يتوضع داخل الميكروبات، كان لا بد أولا من شق(فتح)الخلايا بغية استخراج دناها. وتحتوي بعض الأجهزة في داخلها (من أمثال المنظومة GeneXpert التي تصنعها الشركة Cepheid في سانيڤيل بكاليفورنيا) على ممزِّقات disrupters للخلايا، في حين تتطلب الأجهزة الأخرى أحد الفنيين لعزل الدنا.

 

تستند إحدى أولى الشيپات الدناوية، التي تم تطويرها في جامعة نورث وسترن إلى الطبيعة المتتامة complementary nature للشريطين (الطاقين) المكونين للولب الدنا المضاعف. فهذا اللولب الدناوي يشبه سُلما ملتويا تتكون كل من درجاته من وحدتين فرعيتين تدعيان القواعد (الأسس). وينشطر هذا السلم على طول خطه المتوسط حينما تُنَشَّط الجينات أو حينما تقوم خلية ما بنسخcopying جيناتها قبل انقسامها. وهناك أربع قواعد تكوّن درجات اللولب: وهي الأدنين(A)والثيمين(T)والسيتوزين (C) والگوانين (G). وترتبط القاعدة A على الدوام بالقاعدة T كما تتزاوج القاعدة C على الدوام بالقاعدة G. إن المرء إذا ما عرف تتالي القواعد لأحد الشريطين، وليكن ATCGCC على سبيل المثال، يستطيع أن يتنبأ بالتتالي sequence المتتام للشريط الآخر، وهو في حالتنا هذه TAGCGG.

 

يحتوي العنصر المِحساس sensing (في جهاز جامعة نورث وسترن)على أشرطة وحيدة من الدنا مُتممة لتتالٍ قصير للدنا خاص بعامل ممرض محدد. ويتم تثبيت الأشرطة على رقاقة زجاجية بين مسريين (إلكترودين). فعندما يدخل دنا العامل الممرض إلى الجهاز، يلتصق(أو يتهاجن hybridize)بإحدى نهايتي الدنا المثبَّت. وكيما يكتشف الفني هذا التهجين يعمد إلى إضافة قطع من دنا ربطت بها جسيمات من الذهب تكُون متتامة مع النهاية الأخرى للتتالي الدناوي المستهدف. فحيثما ترتبط التتاليات الدناوية الحاملة للجسيمات الذهبية تقوم باستكمال دارة كهربائية بين المسريين وتبعث إشارة إنذار.

 

وهناك بضعة مكاشيف أخرى مبنية على الدنا تستند إلى إمكان تضخيم تتاليات نوعية من الدنا عبر سيرورة تدعى التفاعل التسلسلي الپوليميرازيpolymerase chain reaction (أو PCR اختصارا). ففي هذه التقنية يسخن العلماء الدنا كي تتكسَّر الروابط الواقعة بين القاعدتين bases  المكونتين لكل درجة من درجات السلم، وينفصل شريطا الدنا. ومن ثم يعمدون إلى تبريد المحلول وإضافة قطعتين قصيرتين من الدنا تدعيان البادئتين (الشَّعِيلتين) primers، وهما مصممتان للتهاجن نوعيا مع كل من نهايتي تتالي الدنا الذي تحاولان اكتشافه. وتتشبث إنزيمات بالبادئتين فتطيلهما، ناسخة بذلك الشريطين الأوليّين للدنا إلى أربعة. ويستطيع العلماء مضاعفة عدد نسخ التتالي الدناوي المستهدف في كل مرة يكررون فيها الدورة إلى أن يتوافر لديهم القدر الذي يكفي لاكتشافه.

 

وبإدخال جزيئات مُفَلْورة fluorescent في قطع الدنا الحديثة الاصطناع، يستطيع الباحثون رصد سيرورة التضخيم أثناء تطورها. وتتيح كذلك آلات تدعى المنوِّبات الحرارية السريعة rapid thermal cyclers (تستكمِل كل دورة من التسخين والتبريد في أقل من دقيقة) إنجاز 30 عملية مضاعَفَة لكل من التتاليات الدناوية القليلة خلال نصف ساعة من الزمن.

 

ولكن لا بد للأنظمة المبنية على الدارة الكهربائية والتفاعل التسلسلي الپوليميرازي من أن تُحمَّل مسبقا بكواشف reagent نوعية لعوامل ممرضة محددة، مما يعني أنه يجب على مستعملي هذه الأجهزة أن يخمنوا سلفا وبشكل صحيح أي العوامل الممرضة يحتمل أن يختاره الإرهابي المعني. وللتغلب على هذه المشكلة طور العلماء لدى الشركتين Ibis Therapeutics (في كارلسباد بكاليفورنيا) وScience Applications International Corporation(في سان دييگو) نظاما يدعى(TIGER) (2). وعلى غرار عدة شيپات دناوية أخرى، يقوم النظام TIGER  بتضخيم الدنا المستهدف باستخدام التفاعل التسلسلي الپوليميرازي. ولكنه مع ذلك يختلف عنها بكونه يستخدم بادئات (شَعِيلات)تتهاجن مع قطعة دناوية معنية بالتحكم في الاصطناع الپروتيني الذي يعد جزءا من الآلية الأساسية لجميع الخلايا. ويظل هذا النظام حساسا على نحو فائق، لأن الأجزاء الواقعة بين البادئات (الشَّعِيلات) تكون في غاية الاختلاف إلى درجة أن كل كائن ميكروي microorganism تقريبا يمتلك تتاليا فريدا خاصا به. وهكذا يستطيع الفنيون تحليل تلك التتاليات المضخمة باستخدام مطياف كتلي ومقارنتها بقاعدة معلومات لأنماط جميع الأحياء الميكروية المعروفة بغية تحديد هذا العامل.

 

بيد أن للأجهزة المبنية على الدنا تقييداتها. فهي لا تستطيع اكتشاف الذيفانات toxins  التي لا تمتلك دنا. كما أن زمن تفاعلها الطويل، وهو نصف ساعة، يحد من استعمالها لتنبيه الناس إلى اقتراب سحابة من مُمْرضاتِ أسلحة بيولوجية، بما يكفي لعملية الإخلاء في الوقت المناسب.

 

نشر وسائل الدفاع(*****)

قد يكون الجزء الأصعب هو اتخاذ القرار بشأن متى ينبغي

 استخدام مكاشيف الحرب البيولوجية وأين.

قد يحدث هجوم بيولوجي في أي وقت وأي مكان. فالمجانين الذين عقدوا العزم على قتل أكبر عدد ممكن من الناس يستطيعون بكل سهولة إطلاق سحابة من العوامل الممرضة في سوق ريفية، كما يستطيعون إطلاق عامل بيولوجي في قطار أنفاق لإحدى المدن أثناء فترة الازدحام. (وفي الحالة الأولى ينبغي لهم اختيار يوم ملبد بالغيوم؛ لأن أشعة الشمس تقتل معظم الميكروبات).

منذ 11/9/2001 طغى الخوف من هجوم إرهابي على تفكير المخططين للأحداث بدءا من مدينة نيويورك وحتى پونكسوتوني(3) في پنسلڤانيا، الذين عززوا إجراءات الأمن في «يوم خنزير الأرض» المنصرم بغية إحباط أي هجوم محتمل. وعلى الرغم من أن تنوع الأهداف المحتملة وكثرتها تجعل من المستحيل أو غير العملي إمكانية حماية جميع هذه الأهداف بشكل تام، فإن نشر المكاشيف البيولوجية بشكل مناسب يمكن أن يقلل من احتمال نجاح أسوأ الهجمات.

إن مكاشيف العوامل البيولوجية في الوقت الحاضر باهظة الثمن وتتطلب الكثير من الصيانة، بصورة يصعب معها وضع هذه المكاشيف في زاوية كل شارع. بيد أن الحس السليم يفرض أن بعض الأحداث أو المواقع تستحق إجراءات أمنية أشد بسبب أهميتها أو بسبب العدد الكبير من الضحايا المحتمل عندها. فمبنى الكاپيتول والپنتاغون يشكلان قلب الديمقراطية والقوة للولايات المتحدة، ولذلك فإنهما يستحقان المراقبة البيولوجية على مدار الساعة. وفي نهاية المطاف قد تتقدم التقانة إلى النقطة التي تصبح معها مكاشيف العوامل البيولوجية موثوقة الأداء ورخيصة الثمن وذاتية الفعالية بالقدر الذي يكفي لحراسة المباني البلدية لكل مدينة رئيسية.

ولسوء الحظ فإنه ما من مكشاف للعوامل البيولوجية متاح اليوم يستطيع في آن واحد أن يَميِزَ الكائنات(الأحياء) الضارة من الحميدة، وأن يرصد بشكل مستمر محيطه بحثا عن العوامل الممرضة. فبعض الأجهزة لا يستطيع جمع العينات بشكل آلي ويتطلب شخصا يشغّله، في حين تستطيع أجهزة أخرى أن تفحص العينات بشكل ميكانيكي عن طريق أخذ عينات من الهواء والماء ولكنها لا تستطيع ذلك إلا عن طريق مُشَغّل يقوم بالحصول على العينات في فترات مناسبة تتيح وقتا كافيا للتحليل. ولئن كان المشغّلون يستطيعون جمع عينات في أوقات محددة (كل ساعة مثلا أو حال انتهاء تحليل العينة السابقة) فإن سحابة العوامل البيولوجية يمكن أن تمر فوق منطقة بأكملها أو أن تنتشر في غضون دقائق. ولا يخفى أن أخذ العينات في الوقت الخطأ يمكن أن يؤدي إلى الإخفاق في الإنذار بهجوم ما.

تُوصل بعض المكاشيف بأنظمة «ليدار» أو بعدّادات الجسيمات، ولا تَجمع العينات إلا في حال وجود سحابة الجسيمات ذات الحجم الصحيح. ويمكن استخدام أنظمة مشابهة من أجل اختبار الماء الذي يتدفق في الشبكات المائية الرئيسية التي تزود المباني الحساسة؛ فإذا ارتفع تعداد الجسيمات في أنبوب تغذية مائي رئيسي بشكل مفاجئ، يقوم النظام بتحويل عينة من الماء من أجل المزيد من التحليل.

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N4-5_H01_002932.jpg

نظام كشف بيولوجي بعيد المدى يستخدمه الجيش الأمريكي، يعمل على متن سمتية(هيليكوپتر)من طراز بلاك هوك. ويمكن مزاوجة مثل هذه المكاشيف المبنية على مبدأ الليدار بشيپات بيولوجية تستطيع أن تَمِيزَ جسيمات الميكروبات غير الضارة من تلك المستخدمة كسلاح بيولوجي.

إن النظام الذي يستطيع رصد بيئته بشكل متواصل ويحلل العينات بسرعة ويعمل بتكاليف منخفضة يعد نظاما مثاليا، ولكن مثل هذا النظام لايزال بحاجة إلى بلوغ حد الكمال. وفي غضون ذلك يتعاون علماء الطب الوبائي والحاسوب في إنجاز قاعدة بيانات لرصد الأعراض التي تظهر على المرضى الذين يراجعون غرف الإسعاف بغية استقصاء أبكر علامات هجوم بيولوجي ما. ويستند هذا الپروتوكول إلى أجهزة محمولة باليد يستخدمها الأطباء لتلقيم قاعدة للبيانات بمعلومات عن الأعراض. وتستطيع قاعدة البيانات هذه أن تتعرف أنماط الأمراض (مثل عدد غير عادي من الحالات الشبيهة بالإنفلونزا وذلك في غير موسمها) التي تتناغم مع مقومات هجوم بيولوجي ما.

إن أحد هذه النظم، المعروف اختصارا باسم ليدرز (LEADERS (4والمستخدم منذ العام 2000 في غربلة قواعد بيانات المشافي في المناطق القريبة من مواقع الأحداث الرئيسية مثل مؤتمرات الأحزاب السياسية والبطولات الرياضية السنوية لكرة القدم Super Bowlوالبيسبول World Series. ومع مراعاة أن معظم الناس لا يذهبون إلى  المشافي حين يعتقدون بأنهم مصابون بالإنفلونزا، يعمد مصممو البرامج إلى إضافة مؤشرات في قواعد البيانات الليدرية، مثل: مبيعات الأدوية من غير وصفات طبية، وسجلات الغياب بسبب المرض، ووصولات رسوم الطرق السريعة (إذ يقل احتمال قيادة المرضى لسياراتهم). ومن الناحية المثالية، تدوِّن قواعد البيانات هذه معلومات المرضى من كل أنحاء البلاد بشكل متواصل بحيث يسهل كشف الهجمات مبكرا، بغض النظر عن مكان حدوثها وزمانه وكيفيته.

 

كناري في منجم فحم(******)

يمكن لشيپات مبنية على الأضداد antibodies (وهي جزيئات لها شكل حرف(Y)يولِّدها الجهاز المناعي وترتبط بجزيئات نوعية في الأجسام الغازِية) أن تتغلب على هذه العوائق. فمادامت الأضداد تستطيع اكتشاف جزيئات على سطوح الميكروبات، فإنها لا تحتاج إلى الزمن الإضافي اللازم لشق الخلايا المستهدفة. كما أنها تستطيع أن تستكشف الذيفانات، إضافة إلى الكائن الدقيق بكامله.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N4-5_H01_002933.jpg

إن الشيپات المبنية على الأضداد ترتبط نوعيا بالعوامل الممرضة، ومن ثم يمكن كشفها عن طريق استخدام أضداد أخرى ذات أذناب (ذيول) مفلورة.

 

تشكل الأضداد صميم نظام كشف الأسلحة البيولوجية الذي صممه مختبر أبحاث سلاح البحرية الأمريكية والذي يدعى الطير الكاسر Raptor. ويوصف هذا النظام بأنه مقايسة شطيرية sandwich assay، لأن العوامل الممرضة المستهدفة تلتصق بالأضداد الموجودة على الشيپة ويتم كشفها حينما تنحشر (كما في الشطيرة) بين طبقة أخرى من الأضداد الموسومة labeled  بأصبغة مفلورة. ويستطيع نظام «الكاسر» أن يتعامل مع العديد من المُمْرِضات المختلفة في وقت واحد، لأنه يمكنه أن يستوعب مواضع للعديد من الأضداد المختلفة، يعتبر كل واحد منها نوعيا لسلاح بيولوجي مختلف. وكذلك يكتشف النظام أوريگنOrigen (الذي تنتجه الشركة Igen في گيثرزبورگ بميريلاند) العوامل الممرضة بوساطة المقايسة الشطيرية، ولكنه يستعيض عن الأصبغة المفلورة بمركب يصدِر دفقة ضوئية عند تعرضه لحقل (مجال)كهربائي. والميزة هنا أن الضوء المنبعث يكون أسطع من الفلورة العادية، وهذا يسمح بتحليل عينات لا تحتوي إلا القليل من العوامل الممرضة. وإضافة إلى ذلك، يتم ربط واحد من الأضداد بسطح يسمح بتركيز العوامل الممرضة المستهدفة قبل اكتشافها.

 

وهناك تعاون ما بين شركتنا «سِرْفِس لوجيكس» وشركة «أجهزة رصد الإشعاع» في واترتاون بماساتشوستس لتطوير تقانة يمكن استخدامها في تعرف العوامل الممرضة على نحو مستمر. ويقوم هذا الجهاز، الذي يمكن وصله بأداة لأخذ عينات الهواء، بمزج أي جسيمات موجودة في عينة الهواء في محلول يحتوي على كريات مغنطيسية مجهرية. وتكون كل كرية مكسوة بأضداد مفلورة ترتبط بميكروب معين.

 

ينساب دَفْق (تيار) محلول العينة المحتوي على الكريات نازلا في قناة مجهرية ذات قطر يقارب شعرة الإنسان لتلتقي دفقا(تيارا) نظيفا خاليا من الأحياء الميكروية. ويجري هذان الدفقان (النظيف والعينة) جنبا إلى جنب بدون امتزاج إلى أن يصلا إلى تشعب fork في القناة. ويقوم مغنطيس مركب قبل التشعب مباشرة بجذب الكريات المغنطيسية ـ وما يرتبط بها من عوامل ممرضة ـ إلى داخل الدفق النظيف، ثم ينساب هذا الدفق بعدئذ إلى مكشاف يُسجل وجود العوامل الممرضة من خلال كشف فلورتها (تألقها).

 

وثمة ميزة رئيسية لنظامنا تتمثل في كونه يزيل العوامل الممرضة المُستهدفة من بين آلاف الأحياء غير الضارة الموجودة في عينة معينة. ولا يؤثر الدخان والملوثات البيئية الأخرى الموجودة في العينة في عملية الكشف، لأن الكريات الميكروية تنجذب إلى داخل الدفق(التيار)النظيف قبل مرحلة الكشف عن الفلورة. يضاف إلى ذلك أن هذا الجهاز يقبل، بشكل متواصل، عينات مأخوذة من البيئة ويحللها خلال بضعة أجزاء من ألف من الثانية.

 

وتستخدم أنظمة أخرى الأضداد لاحتجاز العوامل الممرضة المارة فوق أدوات اهتزازية، مثل: بلورات الكوارتز أو الأغشية الدقيقة أو الكوابيل cantileversالمجهرية. وحينما تحتجز هذه الأدوات العوامل الممرضة تغدو أثقل وزنا، الأمر الذي يسبب تباطؤ اهتزازها. وهنا يتم كشف هذا التغير إلكترونيا.

 

استشعار المعتدين(*******)

إن الأجهزة المذكورة في هذه المقالة هي إما متاحة الآن أو يتوقَّع لها أن تتاح في غضون السنوات القليلة القادمة. بيد أنه يُجرى على الدوام تطوير تقانات أكثر جدّة وأقوى مفعولا.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/19/SCI2003b19N4-5_H01_002934.jpg

أنف إلكتروني مزود بأصابع پوليميرية تنتفخ حينما تتحسس رائحة خاصة. ويؤدي هذا الانتفاخ إلى فصل أجزاء من مادة موصلة كهربائيا موضوعة داخل الأصابع وقطع الدارة الكهربائية لتنطلق إشارة إنذار.

 

ويتم حاليا تعديل ما يسمى الأنوف الإلكترونية (التي تستخدم اليوم للكشف عن المتفجرات والأسلحة الكيماوية)كي تتمكن من استشمام القنابل البيولوجية. ويحتوي أحد هذه الأجهزة المسمى سيرانوز (صنعته الشركة «سيرانو سيانسز» في پاسادينا بكاليفورنيا) على صفيف من أوتاد مصنوعة من پوليميرات(5) مختلفة. ويتصف كل وتد بسعة نوعية لامتصاص مادة كيماوية بعينها تجعله ينتفخ. وتحتوي هذه الأوتاد على رُقط flecks  من مادة  موصلة للكهرباء. فحينما تكون الأوتاد غير منتفخة تكون الرقط الموصلة متقاربة فيما بينها بما يكفي لوصل الكهرباء؛ أما حينما تنتفخ، فإن الرقط تتباعد عن بعضها لتفصل الدارة الكهربائية وتعطي إنذارا. هذا ويختلف نمط الدارات المقطوعة باختلاف الرائحة. ويعمل الباحثون حاليا على تصميم أنوف تستطيع أن تتعرف المستقلبات metabolites التي تطلقها بكتيرات خطرة أو كيماويات مثل المثبِّتات stabilizers  التي غالبا ما تشكل جزءا من الأسلحة البيولوجية. والأمل معقود على إيجاد نمط فريد لكل مادة بيولوجية.

 

وفي مقاربة راقية الإبداع، تستخدم الشركة BCR Diagnostics (في جيمس تاون برود أيلاند) أشكالا هاجعة من البكتيرات تدعى أبواغا لغرض اكتشاف وجود أسلحة بيولوجية. فعندما تدخل البكتيرات هذا المكشاف يشق cleaves استقلابها العادي مغذيا خاملا ليعطي مغذيا فعالا يسمح بدوره لأبواغ المكشاف بالإنبات (الإنتاش). ولما كانت هذه الأبواغ قد عدلت وراثيا، بحيث تصدر ضوءا حينما تخضع لمثل هذا التحول، فإن المكشاف يسجل وجود العامل المُمْرِض. ولسوء الحظ، يكشف هذا الجهاز وجود جميع البكتيرات ـ الضارة وغير الضارة. ولكن يمكن مُهايأته عن طريق تصميم مغذيات خاملة خاصة يمكن تحويلها إلى مغذيات فعالة بوساطة الأنماط البكتيرية الأرجح استعمالا في الأسلحة البيولوجية دون غيرها.

 

ومع ذلك، يمكن لإرهابي ذكي أن يضلل حتى أحسن المكاشيف البيولوجية، وذلك بإنتاج ذيفانات مميتة من كائن حي غير مؤذ عن طريق هندسته وراثيا. إن المكشاف المثالي ينبغي أن يستجيب لوجود سلاح بيولوجي بالطريقة نفسها تماما التي يستجيب بها الإنسان الذي يستهدفه ذلك السلاح، ولكن بشكل أسرع. ولهذه الغاية تقوم حاليا وكالة مشروعات البحوث الدفاعية المتقدمة (DARPA) بتمويل بحوث المكاشيف البيولوجية التي تتضمن خلايا حية مأخوذة من البشر والحيوانات والنباتات، على أساس أن العامل الممرض للبشر لا بد أن يكون ضارا لنوع واحد على الأقل من الخلايا البشرية، بحيث إن قياس مقدار موت الخلايا في المكشاف سيشير إلى وجود كائن حي ضارٍّ ما في البيئة.

 

ومع أن الأسلحة البيولوجية شيء مرعب، فما من دولة أو مجموعة إرهابية لجأت حتى الآن إلى استخدامها لقتل آلاف الناس. صحيح إن المكاشيف البيولوجية يمكن أن تفيد من حيث المبدأ في وقاية الجماعات من مثل هذا الحدث غير المحتمل، ولكنها أيضا تستطيع أن تلبي أدوارا أخرى؛ إذ يمكن استخدامها في تحديد الأطعمة الملوثة أو في تشخيص الأمراض المُعدية(الخامجة) في عيادة الطبيب. هذا ويمكن استخدام أجهزة قياس الاستجابات الخلوية لغرض تقييم تحسس الخلايا السرطانية لمختلف العقاقير، مما يسمح للعلماء بأن يحددوا العلاجات الفعالة على نحو أسرع. وبهذه الطريقة قد يغدو ممكنا تحويل الدروع(بدلا من السيوف)إلى شفراتِ محاريث.

 

 المؤلف

Rocco Casagrade

عالم في الشركة Surface Logix للتقانة الحيوية في برايتون بماساتشوستس، حيث يعمل على تصميم مكاشيف للعوامل البيولوجية واختبارها. حصل على الدكتوراه من معهد ماساتشوستس للتقانة عام 2001. استشارته وكالة الدفاع الأمريكية لتخفيض التهديد USDTRA، إضافة إلى كونه عضوا في مجموعة التحكم في العوامل الممرضة الخطرة بجامعة ماريلاند. وكان كاساگراند ضمن أعضاء مفتشي لجنة الأمم المتحدة للرصد والتفتيش والتحقق، المسؤولة عن نزع أسلحة العراق الكيمياوية والبيولوجية.

 

مراجع للاستزادة 

America’s Achilles’ Heel: Nuclear, Biological and Chemical Terrorism and Covert Attack. Richard A. Falkenrath, Robert D. Newman and Bradley A. Thayer. MIT Press, 1998.

Biological Warfare: Modern Offense and Defense. Edited by Raymond A. Zilinskas. Lynne Rienner Publishers, Boulder, Colo., 1999.

Information on the TopOff exercise and Dark Winter is at

www.house.gov/ reform/ns/web_resources/briefing_memo_july_23.htm

 

 TECHNOLOGY AGAINST TERROR(*)

?Are We Under Attack(**)

 Overview/Biodetectors(***)

 A Needle in a Haystack(****)

 Deploying the Defense(*****)

 Canary in a Coal Mine(******)

Sniffing Out Invaders (*******)

(1) ومفردها بكتيرة.

(2) اختصارا لعبارة: Triangulation Identification Genetic Evaluation of Biological Risks

(3)  Punxsutawney، مدينة صناعية صغيرة، اشتهرت بحرصها على الاحتفال ب«يوم خنزير الأرض» Grounding Day(وهو قارض لبون يعيش في أمريكا الشمالية)، في اليوم الثاني من الشهر الثاني من كل عام؛ إذ تقول الأساطير إن خنزير الأرض يخرج من جحره في ذلك اليوم، فإذا ما شاهد ظله(بمعنى أن اليوم مشمس صاف) فإن الشتاء سيتواصل لستة أسابيع أخرى، أما إذا لم يشاهده فسيكون ذلك إيذانا بربيع مبكر.

(4)اختصارا لعبارة: Lightweight Epidemiology Advanced Detection and Emergency Response System. (التحرير)

(5) ويقال أيضا: مكثورات ومتماثرات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى