أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

فك تشابك جذور السرطان

فك تشابك جذور السرطان(*)

تتحدى البراهين الحديثة النظريات التي صمدت طويلا

والتي تتناول كيفية تحول الخلايا السوية إلى خلايا سرطانية

خبيثة، وتقترح طرقا جديدة لإيقاف الأورام قبل انتشارها.

<W .W. گيبس>

 

ما هي أسباب السرطان؟

سيقول أكثر الناس إنه تدخين التبغ، وربما الإفراط في تعاطي الكحول، أو التعرض لأشعة الشمس، أو تناول اللحوم المشوية، أو الإصابة بعدوى (خمج)infection ڤيروسات الأورام الحُلَيمية العنقية cervical papillomaviruses، أو الأسبستوس (الحرير الصخري). ومن المؤكد أن هذه جميعها ذات علاقة قوية بالسرطان، ولكن لا يمكنها أن تشكل أسبابًا جذرية له؛ فالكثير من الناس معرضون لهذه العوامل المسرطنة، ومع هذا لا تعاني إلا أقلية ضئيلة أوراما خطيرة نتيجة لذلك.

 

وحتما، يؤدي السبب، بالتعريف، إلى حدوث أثر. لذا فالسبب الآني للسرطان لا بد من أن يكون نوعا من تجمع أذيات جسدية وحوادث تحث الخلايا السوية في جسم الإنسان السليم على التحول إلى خلايا خبيثة، تنمو كالأعشاب الضارة وتظهر في أمكنة غير طبيعية.

 

وفي هذا المستوى، ليس سبب السرطان لغزا كاملا. ففي واقع الأمر، كان العديد من المختصين بالوراثة قبل عقد من الزمن متأكدين أن العلم يقترب من التوصل إلى إجابة نهائية تعتبر السرطان نتيجة طفرات تراكمية تغير مواقع محددة في دنا DNA الخلية، وبهذا تُغير الپروتينات المعينة التي تكودها الجينات المتعلقة بالسرطان عند تلك النقاط. وتؤثر الطفرات في نوعين من جينات السرطان، يدعى أولهما كابتات الورم tumor suppressors، وهي تعوق بشكل طبيعي قدرة الخلايا على الانقسام، كما تؤدي الطفرات إلى إعاقة الجينات على نحو دائم. أما النوع الثاني المعروف بمكوّنات الورم oncogenesفهو ينبه النمو؛ أو بعبارة أخرى، يحث الانقسام الخلوي. وتعمل الطفرات على حبس مكونات الورم في حالة نشيطة. ولايزال بعض الباحثين يرون بديهيا أن مثل هذه التغيرات المشجعة للنمو التي تصيب عددا صغيرا من جينات السرطان هي الحدث البدئي والسبب الجذري لأي سرطان بشري.

 

نظرة إجمالية/ كيف ينشأ السرطان(**)

• السرطان مرض جيني. وبإمكان تغيرات الدناDNA  داخل الخلايا أن تكسبها «قوى خارقة» مرضية، كالقدرة على النماء في أي مكان والاستمرار في الانقسام إلى ما لانهاية.

• منذ زمن طويل، ركّز معظم باحثي السرطان اهتمامهم على الطفرات التي تصيب مجموعة صغيرة نسبيا من الجينات المرتبطة بالسرطان، واعتبروها الأحداث الحاسمة في تحول الخلايا السليمة إلى خلايا سرطانية.

• ولكن ظهرت مؤخرا نظريات أخرى تتحدى وجهة النظر هذه، وتفترض إحداها أن انهيارا في تضاعف الدنا أو إصلاحه يسبب ظهور آلاف عديدة من الطفرات العشوائية في الخلايا. وتفترض أخرى أن الضرر الذي يصيب جينات «رئيسة» قليلة يشوش الصبغيات، فتصبح عندئذ خطرة. أما النظرية المعارضة الثالثة فتقترح أن الأعداد الشاذة للصبغيات في خلية ما قد تكون المَعْلم الأول على طريق السرطان.

 

ولكن مازال آخرون، ومنهم بضعة مختصين مشهورين في علم الأورام، يبدون اعتراضا متزايدا على تلك النظرية. ولا يرتاب أحد في أن السرطان هو في نهاية المطاف مرض يصيب الدنا. غير أن البيولوجيين الذين تتبعوا الأورام حتى جذورها اكتشفوا شذوذات عديدة أخرى تعمل داخل نوى الخلايا. ومع أن هذه الشذوذات لم تصبح سرطانية بعد، فهي تتجه نحو ذلك. ويغلب في الصبغيات (الكروموسومات) الكاملة، التي يحتوي كل منها 1000 جينة أو أكثر، أن تتلاشى أو تتضاعف بكاملها. وغالبا ما تختلط قطع الصبغيات أو تتقطع أو يلتحم بعضها ببعض. وتستطيع الإضافات الكيميائية إلى الدنا، أو إلى پروتينات الهستون التي تلتف حولها، أن تُسكت إلى حد ما جينات مهمة، ولكن بسيرورة عكوس تختلف تماما عن الطفرة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N2-3_H02_003330.jpg

تؤدي الصبغيات رقصة منسجمة متأنية خلال الانقسام الخلوي. والخطوات السيئة التي تشوش الصبغيات أو ترسل عددا خاطئا إلى كل خلية بنت، قد تؤلف أحداثا حاسمة في وقت مبكر من تطور السرطان، حسبما تفيد النظريات الحديثة.

 

وقد أنتجت الأدلة التراكمية ثلاث فرضيات على الأقل تتنافس مع الفكرة (الدُگمة) المعهودة في شرح التغيرات التي تحدث أولا، وإبراز أشكال الزيغabberration ذات الأهمية الأكبر في تحول الخلية وسلالاتها على امتداد عقد من الزمن، وتغيرها من نسيج ذي سلوك حسن إلى ورم مجتاح. ويعارض الذين يُظهرون التحدي وجهة النظر السائدة القائلة إن هذا المرض هو نتاج حالة جينية محددة. ويرون من الأجدى النظر إلى السرطان على أنه نتيجة سيرورة فوضوية، وتوليفة تجمع بين قانون مورفي وقانون دارون(1): إن أي شيء يمكنه أن يتخذ مسارا خاطئا، لا بد من أن يتخذه؛ وفي بيئة تنافسية إن الأفضل تكيفا هو الذي يبقى ويزدهر.

 

وعلى الرغم من المبدأ الضمني المشترك، تقدم النظريات الحديثة تنبؤات مختلفة حول نوع المعالجات ذات التأثير الأنجع. فالبعض يرى أن بالإمكان تفادي سرطانات عديدة من خلال تحرٍّ أفضل، وإدخال تغييرات على النظام الغذائي، واستعمال عقاقير جديدة ـ أو حتى القديمة منها كالأسپرين. إلا أن نظريات أخرى تلقي ظلال الشك على هذا الأمل.

 

علائم الخباثة(***)

على نظرية السرطان المقبولة أن تعلل أمرين هما: لماذا يغلب أن يرتبط هذا المرض بتقدم السن، ولماذا لا نموت جميعا بسببه. إن نسبة مَنْ يُشخَّص لديهم المرض في عمر السبعين يعادل نحو 100 ضعف مَنْ يشخص لديهم في سن التاسعة عشرة. ومع هذا يبلغ معظم الناس مرحلة الشيخوخة دون أن يصابوا بالسرطان.

 

يقدر البيولوجيون أن أكثر من 10 ملايين بليون خلية يجب أن تتعاون معا للحفاظ على الإنسان سليما على امتداد عمر يبلغ 80 عاما. فإن كان بوسع أي من هذه الخلايا الضخمة العدد أن تُحدث ورما، فلماذا لا يصاب إلا أقل من نصف عدد الناس بسرطان خطير إلى درجة تشد انتباه الطبيب؟

 

إن أحد التفسيرات المطروحة هو أن الخلية يجب أن تكتسب مهارات استثنائية عديدة كي تغدو خبيثة. ويؤكد <A .R. وَينبرگ> [من معهد وايتهد التابع لمعهد ماساتشوستس للتقانة] أن «من اللازم أن يصيب الاختلال خمسة أو ستة أجهزة تنظيمية مختلفة لتنمو الخلية السوية وتصبح خلية سرطانية.» وقد ذكر وينبرگ، ومعه <C .W. هان> [من معهد دانا فاربر للسرطان في پوسطن] في مقالة عن دراسة لهما نُشِرت في الشهر 11/2002، أن جميع السرطانات المهددة للحياة تبدي على الأقل ست قدرات خاصة. (ومع أن وينبرگ هو أحد الأنصار المؤسسين للأفكار النموذجية المعهودة في هذا الشأن. فإن الذين يعارضون تلك النظرية يميلون إلى الموافقة على وجهة نظره هذه).

 

وعلى سبيل المثال، تستمر خلايا السرطان بالانقسام في حالات تنتظر فيها الخلايا السوية بهدوء تلقّي إشارة كيميائية خاصة من جارٍ متضرر مثلا. وبطريقة ما تقوم الخلايا السرطانية بتزوير هذه الرسائل المؤيدة للنمو. وعلى نقيض ذلك، يتوجب على هذه الخلايا الورمية أن تتجاهل أوامر «تَوَقّف عن الانقسام» التي تطلقها النسج المجاورة التي تضغط الخلايا عليها، كما تطلقها آلياتها التشيخية(2) الداخلية الخاصة بها.

 

تعاني جميع الخلايا السرطانية مشكلات خطيرة من نوع ما في دناها(3). ويفضي تضاعف الخلايا مرة بعد أخرى إلى أن تصبح خلايا عديدة في المستعمرة الناتجة بعيدة عن الأوعية الدموية التي تزود بالأكسجين وبالمواد المغذية. وتقدح مثل هذه الضغوط زناد آليات التخريب الذاتي في الخلايا السليمة. ولكن الخلايا الورمية تجد طريقة ما لتفادي هذا النوع من الانتحار. وعليها بعدئذ أن تستميل الأوعية الدموية القريبة لإنشاء البنية التحتية التي تحتاج إليها كي تنمو وتزدهر.

 

إن القوة الخارقة الخامسة التي تكتسبها معظم السرطانات هي استمرار البقاء immortality. ومن المعروف أن الخلايا في مزرعة خلايا بشرية سوية تتوقف عن الانقسام بعد 50 إلى 70 جيلا. وهذا يعني تضاعفات أكثر من اللازم للحفاظ على تمتع شخص ما مدة تصل إلى قرن من الحياة السليمة. غير أن الغالبية العظمى من خلايا الأورام تموت سريعا بسبب عيوبها الجينية؛ ولذا يجب على الخلايا التي تبقى حية أن تتكاثر على نحو لانهائي إذا كان للورم أن ينمو. وتنجز الخلايا التي تستمر في الحياة هذا العمل جزئيا عن طريق منابلة(4) قُسيماتها الانتهائية telomeres، وهي معقدات الدنا والپروتين الخالية من الجينات التي تحمي نهايات كل صبغي.

 

تسبب الأورام التي تحصل على هذه القدرات اضطرابا، ولكنها قد لا تكون مميتة. إنها الصفة المميزة السادسة ـ أي القدرة على غزو النسيج المجاور، ومن ثم الانتقال إلى أجزاء بعيدة من الجسم لتشكل نقائل metastases ـ التي تمنح السرطان خاصته المميتة. ويمكن عادة استئصال الاجتياحات الموضعية جراحيا، بيد أن تسعا من بين كل عشر وفيات بسبب السرطان هي نتيجة للنقائل.

 

يبدو أن بعض الخلايا المصطفاة في الورم هي وحدها التي تكتسب قابلية الانفصال عن الكتلة البدئية، والجريان خلال الدوران(5)، وإنشاء مستعمرة جديدة في عضو مختلف عن العضو الذي تكونت فيه. ومن سوء الطالع، أنه في الوقت الذي يتم فيه اكتشافها، يكون العديد منها قد انتقل مسبقا. ويشمل هذا في الولايات المتحدة وحدها 72 في المئة من حالات سرطان الرئة، و57 في المئة من سرطان القولون والمستقيم، و34 في المئة من سرطان الثدي. ويغلب أن يكون الإنذار حينئذ مروعا.

 

نظام الاضطراب(****)

بوسع الأطباء اكتشاف الأورام الأولية في وقت أبكر إن استطاع العلماء تتبع خطوات الخلايا على مسار الطريق إلى السرطان بعد الاعتداء البدئي على دناها. وينفذ هذا الاعتداء عامل مسرطن أو حادث مؤسف كيميائي حيوي تم عشوائيا. ويتفق معظم الباحثين على سمات الخلايا المصابة التي تنشأ بعد قَطْع هذه الرحلة. ولكن القوة الدافعة ونظام كل مرحلة هما اللذان مازالا خاضعين لنقاش نشيط.

 

«إذا نظرت إلى معظم الأورام الصلبة لدى الكبار،

بدا لك وكأن أحدا ما قد فجر قنبلة في النواة.»

<C .W. هان> [معهد دانا فاربر للسرطان]

لقد كانت الفكرة المسيطرة على مدى 25 عاما هي أن الأورام تنمو بشكل اندفاعات من الطفور والتوسع. والضرر الجيني الذي يَلْحَق بالخلية يلغي أو يمزق الجينات الكابتة للورم ـ RB وp53 وAPC هي من بين أشهرها ـ وبذا يتم كبت الپروتينات التي تكفل في الحالة السوية سلامة الجينوم(6) genomeوسيرورة انقسام الخلية. وبدلا من ذلك، قد تزيد الطفرة من نشاط أحد مكونات الورم ـ مثل BRAF أو c-fos أو c-erbb3 ـ الذي تنبه پروتيناته عندئذ الخلية كي  تتكاثر.

 

إن التغيرات التي تصيب الجينات السرطانية تهب الخلية واحدة أو أكثر من القوى الخارقة، التي تسمح لها بمزاوجة جيرانها. وتمرر الخلية الشذوذات الموجودة في سلسلة دناها إلى أعقابها، فتشكل نوعا من حشد نسيلي clonearmy ينمو حتى يبلغ أقصى حدود طاقته. وفي نهاية الأمر، تتغلب طفرة عشوائية ثانية تصيب إحدى الجينات السرطانية على عقبة أخرى، مستهلة بذلك اندلاعا جديدا في نمو الورم.

 

تملك الخلايا في حالتها السوية نسختين من كل صبغي، إحداهما من الأم والأخرى من الأب. وبذا تحصل على نسختين، أو أليلين alleles، من كل جينة. (وفي الذكور، إن الصبغيين المفردين X وY هما استثناءان مهمان.) وإن طفرة تصيب أليلا واحدا فقط كافية لتنشيط مكون الورم على نحو دائم. ولكن الأمر يتطلب ضربتين للقضاء على أليلي الجينة الكابتة للورم. وبإمكان 4 طفرات إلى 10 في الجينات الملائمة أن تؤدي إلى تحوّل في أي خلية، أو هكذا تقول النظرية.

 

وقد لاقت فكرة الجينة الطافرة قبولا شبه عالمي لأنها شرحت جيدا ما رآه العلماء في تجاربهم على الفئران المهندسة جينيا وعلى مزارع الخلايا البشرية. ولكن التقانات الحديثة تسمح للباحثين الآن بدراسة جينومات الخلايا السرطانية وما قبل السرطانية المأخوذة مباشرة من البشر. ويبدو أن العديد من المشاهدات الحديثة تناقض الفكرة القائلة إن الطفرات التي تصيب قلة من الجينات النوعية تكمن في جذور السرطانات جميعها.

 

ظواهر غير معلَّلة(*****)

وعلى سبيل المثال، ذكر <محمد الحاج> وزملاؤه [من جامعة متشيگان في آن آربر] في الشهر 4/2003 أنهم تعرفوا علامات مميزة لمجموعة فرعية نادرة من الخلايا ضمن سرطانات الثدي البشرية يمكنها أن تشكل أوراما جديدة. وأدى حقن عدد قليل لا يتجاوز 100 خلية من هذا النمط إلى إحداث المرض سريعا لدى فئران ينقصها الجهاز المناعي. غير أن عشرات آلاف الخلايا الأخرى التي جُمعت من حالات تسع تعاني الخباثات الصدرية نفسها، ولكنها تفتقر إلى العلامات الدالة، أخفقت في أن تفعل ذلك. ويقول البيولوجي <E .J. ديك> [من جامعة تورنتو] الذي تعرّف خلايا مماثلة في ابيضاض الدم: «هذه هي أول خلية يبدأ بها الورم وأمكن استفرادها من الأورام الصلبة.»

 

ويرى ديك أن ما يبعث على الغيظ هو أن عددا ضئيلا فقط من خلايا الورم هو المسؤول عن نموه وانتقاله، ويفضي بعدئذ إلى اعتلال المريض وموته. فإذا ما ثبت أن هذا صحيح بين البشر كصحته بين الفئران، طرح مشكلة أمام نظرية الجينة الطافرة في السرطان. وإذا كانت الطفرات، التي تُنسخ من خلية إلى نسلها، تعطي الخلايا الورمية قوتها، أفلا يجب على نسائل المجموعة الخلوية كلها إذا أن تتساوى في قوتها؟

 

وفي الواقع، ليست معظم الأورام كتلا من نسائل متماثلة؛ بل على نقيض ذلك، أظهر الفحص الدقيق تفاوتا جينيا مدهشا بين خلاياها. ويختلف بعضها اختلافا شديدا عن الخلايا البشرية السوية (كما يختلف بعضها عن بعض) إلى درجة يمكن فيها القول إنها تؤلف نوعا جديدا.

 

للسرطان ست قوى شيطانية خارقة(******)

1- النمو حتى في حالة غياب إشارات «تَقَدَّم»Go  العادية

تنتظر معظم الخلايا السوية تلقي رسالة خارجية قبل انقسامها. ويغلب أن تزيّف الخلايا السرطانية [الصورة] الرسائل الداعمة للنمو الخاصة بها.

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N2-3_H02_003331.jpg

2- استمرار النمو على الرغم من أوامر «تَوَقّف»STOP  الصادرة عن الخلايا المجاورة

فيما يتسع الورم [اللون الأصفر] فهو يضغط على النسيج المجاور، الذي يبعث رسائل كيميائية يمكنها في الحالة السوية أن توقف الانقسام الخلوي. أما الخلايا الخبيثة فتتجاهل الأوامر.

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N2-3_H02_003332.jpg

3- تجنب آليات التخريب الذاتية المثبتة

إن التخرب الجيني، الذي يتجاوز المستوى الحرج، ينشط في الخلايا السليمة عادة برنامجا انتحاريا. تجتاز الخلايا السرطانية [اللون الأرجواني] هذه الآلية، مع أن عوامل الجهاز المناعي [اللون البرتقالي] قد تنجح أحيانا في إصدار أمر إلى الخلايا السرطانية كي تتخرب ذاتيا.

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N2-3_H02_003333.jpg

4- القدرة على تنشيط إنشاء أوعية دموية

تحتاج الأورام إلى الأكسجين وإلى مواد مغذية كي تبقى حية. وتحصل عليها عن طريق حث أوعية الدم القريبة على تشكيل فروع جديدة [خيوط بنية] تنساب خلال الكتلة التي تنمو.

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N2-3_H02_003334.jpg

5- استمرار فعلي في البقاء

لا تنقسم الخلايا السليمة أكثر من 70 مرة. وتحتاج الخلايا الخبيثة إلى أكثر من ذلك كي تشكل الأورام. لذا فهي تحتال على الأجهزة كالقُسيمات الانتهائية(7)  [اللون الأصفر] في  نهاية الصبغيات [اللون الأزرق] التي تفرض الحد التكاثري.

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N2-3_H02_003335.jpg

6- القدرة على غزو النسج الأخرى والانتشار والوصول إلى أعضاء جديدة

لا تصبح السرطانات مهددة للحياة إلا بعد أن تعوق إلى حد ما الدارة الخلوية التي تحصرها في جزء محدد من العضو الذي نشأت فيه. وتظهر الأورام الجديدة [اللون البرتقالي والأصفر] وتتدخل في نهاية الأمر في الأجهزة الحياتية.

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N2-3_H02_003336.jpg

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N2-3_H02_003337.jpg

 

 

ويبدو أن بعض الجينات المرتبطة، مثل p53، تعرضت لطفرة في غالبية الأورام. ولكن جينات سرطانية عديدة أخرى تتغير في جزء ضئيل فقط من أنماط السرطان، أو في أقلية من المرضى، أو في بعض الخلايا ضمن الورم. وقد قام <D. سدرانسكي> والعاملون معه [في كلية طب جامعة جونز هوپكنز] باختبار الدنا في 476 ورما من أنواع مختلفة. وذكروا في الشهر 4/2003 أن مكون الورمBRAF تغير في ثلثي حالات السرطانات الدرقية الحُلَيْمية. إلا أن مكون الورمBRAF لم يطفر في أي من أنواع السرطانات الدرقية العديدة الأخرى.

 

فضلا عن ذلك، إن نسبة ضئيلة من معظم الجينات السرطانية الشائعة التغير هي ذات تأثيرات غير ثابتة أبدا. وقد وجد فريق <E .B. ڤوگلشتاين> [في جامعة جونز هوپكنز] أن مكوني الورم c-fos وc-erbb3  اللذين دُرسا بشكل مستفيض هما أقل نشاطا على نحو مستغرب في الأورام، مما هما في النسج السوية المجاورة. وقد ظهر حديثا أن الجينة RB  الكابتة للورم مفرطة النشاط ـ وغير معوقة ـ في بعض سرطانات القولون؛ ويبدو على نقيض ذلك أنها تحمي تلك الأورام من آلياتها التخريبية الذاتية.

 

الطفرات الخبيثة: خريطة جزئية(*******)

لقد تم العثور على أكثر من 100 جينة تطفر على نحو متكرر في أحد أنواع السرطان أو في غيره. وطبقا للاعتقاد السائد، فإن الپروتينات التي تنتجها عادة الجينات الكابتة للورم [الدوائر الحمراء] ومكونات الورم [الدوائر الخضراء] تنتظم في دارات كيميائية حيوية معقدة تضبط تكاثر الخلايا وبقاءها حية. والطفرات التي تسبب إخفاق أجزاء من الدارة [إشارات الضرب] أو فرط نشاطها [الأسهم] تشجع الخلايا على التضاعف لتصبح أوراما. ولكن العدد التام لجينات السرطان ـ ولا يظهر منها أدناه إلا جزء صغير ـ قد خيب محاولات استنتاج أي منها ضروري وكافٍ لإحداث المرض.

قيد الإنشاء:

خرائط جينات تتحكم في …

… تشكل أوعية دموية جديدة في الأورام

… نقائل خلايا سرطانية في أجزاء بعيدة من الجسم

… دمار الخلايا المجاورة على نحو تساعد فيه الورم

… زوال استقرار الصبغيات

… تحاشي التدمير بوساطة الجهاز المناعي

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N2-3_H02_003338.jpg

 

لقد أدى اكتشاف ظاهرة تدعى القصور الفرداني haploinsufficiency إلى إلغاء فرضية «الضربتين» التي ترى من الضروري تعطيل أليلي الجينة الكابتة للورم. ويحدث في بعض السرطانات أن كابتات الورم لا تطفر على الإطلاق، بل يقل نتاجها فحسب. ويبدو أن هذا كاف لدفع الخلايا نحو الخباثة. وقد تمت رؤية هذا التأثير حتى الآن في أكثر من 12 جينة كابتة للورم، ويتوقع الباحثون العثور على كثير غيرها. وأما البحث عن وجود الپروتين الجيني أو غيابه فقط، فأمر فيه الكثير من التبسيط، لأن مقدار الپروتين مهم أيضا.

 

ما وراء الطفور(********)

واليوم يفحص الباحثون بعناية ظواهر أخرى يمكنها أن تغير بشدة مقدار الپروتين في الخلية، إضافة إلى تفحصهم الأخطاء في تسلسل دنا الجينة. وتضم الظواهر المرشحة نقصان أو زيادة صبغي (أو جزء منه) يحتوي على الجينة، والتغيرات في تركيز الپروتينات الأخرى التي تنظم كيفية انتساخtranscription الجينة من دنا إلى رنا RNA وترجمة هذه الجينة إلى پروتين؛ كما تضم ما يدعى بالظواهر اللاجينية epigenetic التي تغير نشاط الجينات على نحو عكوس. وهذه التغيرات كلها موجودة في معظم السرطانات المثبتة.

 

ويقول هان: «إذا نظرت إلى معظم الأورام الصلبة لدى الكبار، بدا لك وكأن أحدا ما قد فجَّر قنبلة في النواة. ففي أغلب الخلايا، هناك قطع كبيرة من الصبغيات بعضها متشابك مع بعض، وهناك تضاعف أو فقدان في صبغيات كاملة.»

 

ويبقى على العلماء اعتماد عبارة تدل على مجموعة حالات الزيغ الصبغي المشاهدة في السرطان. وقد استُخدم مصطلح «اختلال الصيغة الصبغية»aneuploidy مرة ليدل بشكل محدد على عدد شاذ من الصبغيات. ولكنه استعمل فيما بعد بمعنى أوسع يشمل أيضا الصبغيات ذات التقطّعات(8)، أو الامتدادات، أو القطع المتبادلة. والتعريف الأشمل هو الذي يخدم أهدافنا هنا.

 

وقبل نحو قرن من الزمن، لاحظ البيولوجي الألماني <Th. بوڤري> اختلالا غريبا في خلايا السرطان بين أعداد الصبغيات الأمومية(9) إزاء الصبغيات  الأبوية؛ حتى إنه اقترح أن بوسع الخلايا التي اختلت صيغتها الصبغية أن تسبب المرض. ولكن العلماء لم يتمكنوا من إيجاد نموذج متكرر لهذه الفوضى الصبغية. وفي الحقيقة، ليس جينوم خلية سرطانية نمطية مختل الصيغة الصبغية فحسب، بل غير مستقر أيضا؛ كما أنه يتغير كل بضعة أجيال. وهكذا تم إسقاط فكرة <بوڤري> حينما بدأ البحث عن مكونات الورم يعطي ثماره. وقد استبعد اختلال الصيغة الصبغية وعدم الاستقرار الجينومي داخل خلايا الورم باعتبارهما تأثيرين جانبيين للسرطان، وليسا مستلزمين.

 

لكن فرضية مكون الورم والجينة الكابتة للورم، عجزت، على الرغم من عقدين من الجهود المبذولة، عن تعرُّف مجموعة خاصة من الطفرات الجينية التي تحدث كل لحظة في أكثر أنواع السرطانات البشرية شيوعا وإماتة. ووصلت قائمة الطفرات المرتبطة بالسرطان إلى ما يزيد على 100 مكون للورم و15 جينة كابتة للورم. وقد أبدى <وينبرگ> و<هان> أسفهما في مقالتهما التي نشرت في الشهر 11/2002 بالقول: «إن معدل تعرف هذه الواسمات الجزيئية يزداد بسرعة. ونتيجة لذلك يمكن القول إن كل ورم متفرد في نمط اضطرابه الجيني.»

 

لقد درس <هان> هذه الإمكانية في مكتبه في پوسطن في الشهر 1/2003. وبالاشتراك مع <وينبرگ>، كان <هان> أول من شكَّل أوراما صنعية باستخدام جينات سرطانية طافرة. غير أنه أقر أن هذه لا يمكنها أن تحقق تماما ما يسعى إليه، وتساءل: «ما الذي يسبق؟ أهو الطفرات أم اختلال الصيغة الصبغية؟»

 

هناك على أقل تقدير ثلاث إجابات ينافس بعضها بعضا. دعونا نطلق عليها: المبدأ المحوّر، ونظرية عدم الاستقرار المبكر، ونظرية اختلال الصيغة الصبغية كلها. ومن الأمور المشجعة أن هذه النظريات تبدو متقاربة في ميلها إلى التلاؤم مع النتائج التجريبية الجديدة.

 

ويُحيي الشكل المحور للمبدأ القياسي فكرة اقترحها <A .L. لويب> عام 1974 [يعمل حاليا في جامعة واشنطن]. وقدر لويب واختصاصيو وراثة آخرون أن طفرة عشوائية واحدة في المتوسط سوف تؤثر في جينة واحدة فقط في خلية ما على مدى الحياة. ويرى <لويب> أن شيئا ما ـ كعامل مسرطن مثلا، أو مؤكسدات تفاعلية، أو ربما خلل وظيفي في تضاعف الدنا وآلية إصلاح الخلية ـ عليه أن يسرّع على نحو مثير من معدل الطفور. ويتفق <هان> مع <لويب> إذ يقول: «ربما كانت هذه الفكرة صحيحة، وإلا لما تمكنت الخلايا من أن تجمع عددا كافيا من الطفرات لتشكل ورما.»

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N2-3_H02_003339.jpg http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N2-3_H02_003340.jpg

يمكن للصبغيات الزائغة aberrant في خلية سرطانية أن تغير آلاف الجينات في وقت واحد. وتحوي خلية سليمة (في الأسفل) زوجا واحدا من كل من أنواع الصبغيات التي تبلغ 22 نوعا (ألوان متميزة)، إضافة إلى صبغيين جنسيين. وفي خلية خبيثة (في اليسار)، تحوي بعض الصبغيات أذرعا من أنماط مختلفة (متعددة الألوان، عند الحافة اليسرى). والأخرى هي أطراف مفقودة (اللون الأزرق) أو أنها موجودة بأعداد غير صحيحة (اللون الأخضر).

 

ويعتقد لويب «أن أعدادا هائلة من الطفرات العشوائية، تتفاوت بين 000 10 و000 100 طفرة، تحدث في كل خلية أثناء باكورة تشكل السرطان.» ولكنه يعترف أن البرهان على هذه النظرية مازال ضعيفا. ومن الصعب إجراء تعداد للطفرات العشوائية؛ إذ يجب على العلماء أن يقارنوا بين جينومات الخلايا المفردة حرفا بحرف. وفقط منذ عهد قريب، أدى تقدم التقانة الحيوية إلى إمكان تحقيق ذلك.

 

وهكذا ستضيف المجموعة المحورة من الأفكار المعهودة تمهيدا لقصة حياة السرطان المقبولة منذ زمن طويل. ولكن تبقى طفرات الجينات التي تعمل على زيادة نجاح الخلايا في التكاثر أهم النقاط في عقدة تلك القصة. وليست الصبغيات المشوهة المتغيرة باستمرار إلا منتجات ثانوية تصادفية.

 

غير مستقر منذ البداية(*********)

لقد اقترح <C. لنگور> و<ڤوگلشتاين> [اختصاصيا سرطان القولون من جامعة جونز هوپكنز] نظرية بديلة تقول بإمكان حدوث عدم استقرار صبغي(10)في وقت مبكر. حينئذ، ترتبط قوى التدفق الجيني بالانتقاء الطبيعي لتنتج تكاثرا سليما بإمكانه أن يتحول فيما بعد إلى خباثة مجتاحة وإلى نقائل تهدد الحياة.

 

وتتضمن فرضيتهما القول بأن هناك جينات رئيسة master genes عديدة ذات  وظيفة مهمة جدا في تكاثر الخلية على نحو صحيح. فإذا كان لقلة أو لواحدة من هذه الجينات أن تتعوق، إما بطفور أو بتأثير لاجيني المنشأ، فإن الخلية تتعثر كل مرة تحاول فيها أن تنجز عملية الانقسام الخلوي بأناة وانسجام، مما يؤدي إلى تشوش بعض الصبغيات على نحو يجعلها مختلة الصيغة الصبغية. وتتجلى إحدى نتائج ذلك في ارتفاع المعدل الذي تفقد فيه الخلايا عشوائيا واحدا من الأليلين في جيناتها بمعدل 000 100 ضعف. وقد ينجم عن فقدان الأليل في جينة كابتة للورم أن تغدو هذه الجينة غير صالحة للعمل فعليا، إما لأن النسخة المتبقية قد طفرت سلفا أو بسبب تأثير القصور الفرداني. ومازال <لنگور> و<ڤوكلشتاين> يزعمان أنه لا بد من تغير بعض الجينات السرطانية قبل أن تتمكن الخباثة من الاندلاع.

 

نشوء السرطان: أربع نظريات(**********)

على امتداد عقود، كانت وجهة النظر الأكثر قبولا وانتشارا عن كيفية بدء السرطان هي أن طفرات تصيب حفنة من جينات خاصة تلغي نشاط الپروتينات الكابتة للورم وتنشّط الپروتينات الورمية. وقد راجت مؤخرا ثلاث نظريات بديلة. تحوِّر إحداها الفكرة السائدة عن طريق افتراض حدوث زيادة هائلة في تراكم الطفرات العشوائية في جينومات الخلايا قبل السرطانية. وتركز نظريتان أخريان على دور اختلال الصيغة الصبغية، أي: حدوث أشكال من الزيغ على نطاق واسع في الصبغيات. وقد يؤدي اختلال الصيغة الصبغية إلى عدم استقرار جينومي مبكر، وفيما بعد يطفر جينات سرطانية معروفة. أو قد يشكل أوراما أثناء وقوع تغيرات جينية شديدة التنوع.

1 العوامل المسرطنة، كالأشعة فوق البنفسجية وتدخين التبغ تغير على نحو مباشر تسلسل الدنا DNA  في الجينات المرتبطة بالسرطان.

1 يعوق شيء ما جينة واحدة ـ أو أكثر ـ مطلوبة لتركيب الدنا أو إصلاحه.

2 حينما تنقسم الخلية، تحدث طفرات عشوائية تستمر دون إصلاح، وتتراكم بعشرات الآلاف. وأخيرا تُصاب الجينات المرتبطة بالسرطان.

1 يُسكت شيء ما واحدة أو أكثر من الجينات «الرئيسة» المطلوبة لانقسام الخلية

2 الطفرات في الجينات الكابتة للورم

تسبب تلاشي الپروتينات المثبطة للنمو

المكودة بالجينات، وتسمح للخلية بالبقاء حية والاستمرار بالانقسام حينما

يجب ألا تفعل ذلك.

3 وفي الوقت ذاته تؤدي طفرات

مكونات الورم إلى أن تصبح الپروتينات الورمية مفرطة النشاط، مما يحث الخلية على النمو في حالات لا تتصرف فيها على هذا النحو في الحالات السوية.

يتغير مقدار الجينات في الخلية تبعا لازدياد قطع الصبغيات أو نقصانها

2 مع تضاعف الصبغيات، تحدث أخطاء. فبعض الخلايا البنات تحصل على عدد خاطئ من الصبغيات، أو على صبغيات ناقصة الأذرع أو ذات أقسام إضافية. ويزداد الزيغ سوءا مع كل جيل.

1 إن أي خطأ يحدث أثناء الانقسام الخلوي يؤدي إلى ظهور خلايا مختلة الصيغة الصبغية.

2 إن الصبغيات المبتورة أو التي ليست في مكانها الصحيح، تغير أعدادا من آلاف الجينات المناسبة لها. وتبدأ بالإخفاق مجموعات الإنزيمات التي تتعاون عادة على نسخ الدنا أو إصلاحه. وتموت أكثر الخلايا ذات الاختلال الصبغي نتيجة لذلك.

4 يؤدي فرط الپروتينات الورمية، ونقصان كابتات الورم إلى تكاثر الخلايا الطافرة على نحو شديد.

3 كما في الأفكار المتعارفة، إن زوال الپروتينات الكابتة للورم وتنشيط الپروتينات الورمية يقطع الطريق على آليات التخريب الذاتي للخلية بحيث لا تستطيع الخلية الإقدام على الانتحار.

3 ومع الزمن، يهبط مقدار الپروتينات الكابتة للورم إلى ما دون العتبة الحرجة…

… كما يمكن لنسخ مكونات الورم الإضافية أن ترفع الپروتينات الورمية إلى مستويات خطرة.

3 لكن قلة منها تبقى حية وتنتج ذرية مختلة الصيغة الصبغية أيضا، ومختلفة بشكل ما عن خلايا الأبوين.

5 بعد جولات عديدة من الطفور والتوسع، تتحرر إحدى خلايا الكتلة الطافرة من القيود المفروضة على نموها. وتغزو المستعمرة النسيج المجاور في العضو المضيف.

6 وفي أكثر المراحل تطورا من تقدم السرطان، يسرّب السرطان الخلايا إلى مجرى الدم. وتشكل هذه الخلايا النقيلية مستعمرات جديدة في مواقع بعيدة من البدن، متدخلة في نهاية الأمر بالوظائف الحياتية المهمة.

5 ومع تطور الخلايا على مدى سنوات أو عقود تكتسب بالتدريج القدرة على غزو النسج المجاورة ذات الأنماط المختلفة. 

4 وأخيرا تكتسب خلية أو أكثر مزيجا من الصبغيات الزائغة التي تحمل واحدة أو أكثر من قوى السرطان الخارقة. وتتضاعف الخلايا لتصبح ورما قبل سرطاني precancerous.

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N2-3_H02_003341.jpg

 

وفي الشهر 12/2002 نشر لنگور وڤوگلشتاين بالتعاون مع <A .M. نواك> و<L .N. كوماروفا> [من معهد الدراسات المتقدمة في پرنستون] تحليلا رياضياتيا طُبقت فيه هذه النظرية على سرطان القولون اللاوراثي(11). وتوصلوا حسابيا إلى القول إنه حتى وإن لم يكن هناك إلا عدد ضئيل لا يتجاوز ست جينات رئيسة في الجينوم البشري، فمن المرجح جدا أن تصاب إحدى هذه الجينات بالإعاقة قبل أن تُصاب جينة سرطانية معينة.

 

ولئن كانت الحسابات مقبولة، فالاقتناع لا يأتي إلا من الأدلة التجريبية. وتدعم بعض الدراسات الحديثة نظرية عدم الاستقرار المبكر. وفي عام 2002 فحص مختبر لنگور أوراما غدية (غدومات) قولونية ـ وهي سلائل polyps حميدة تتحول إلى خبيثة أحيانا ـ فوجد أن أكثر من 900 في المئة منها تميزت بقطع إضافية أو ناقصة من صبغي واحد على الأقل. وظهر أن أكثر من نصف النماذج المفحوصة فقدت الذراع الطويلة للصبغي 5، وهو مَسكن الجينة APC الكابتة للورم، التي طالما اتُّهمت بالتورط في تشكل سرطان القولون. كما اكتشف باحثون آخرون صبغيات زائغة على نحو مماثل في أورام قبل سرطانية مأخوذة من المعدة والمريء والثدي.

 

ولكن بعض نتائج نظرية عدم الاستقرار المبكر تظل غير محددة؛ إذ كيف تستطيع الخلايا ذات الصبغيات المراوغة أن تنافس نظيراتها المستقرة؟ قد تعجز عن ذلك ضمن الشروط السوية حسب رأي <J. بريڤك> [من جامعة أوسلو]. أما في «ساحة الحرب» حيث يصيب عامل مسرطن أو عامل ضاغط آخر الخلايا بأذى مستمر، فتتوقف الخلايا السوية عن الانقسام إلى أن تنتهي من إصلاح دناها. وتسلك الخلايا غير المستقرة جينيا هذا الطريق لأن أجهزة إصلاح الدنا لديها معطلة سلفا. وهكذا فهي ببساطة تتجاهل الضرر، وتستمر في التكاثر، وتتقدم بنجاح، وذلك كما يفترض <بريڤك>.

 

ويستشهد بريڤك بتجربة أجراها لنگور وزملاؤه، وفيها عرضوا سلالات خلايا بشرية لمستويات سامة من عامل مسرطن في لحم مشوي. ولم تتمكن إلا قلة من الخلايا من إظهار المقاومة والبقاء حية. وكانت جميعها غير مستقرة جينيا قبل التعرض للذيفان.

 

ولكن ما الذي يؤدي إلى اختلاط نظام الصبغيات في المقام الأول؟ ما من جينات تم تعرُّفها حتى الآن على أنها جينات رئيسة بشكل حاسم، على الرغم من توجيه أصابع الاتهام إلى بعض منها. وربما كشف <A .G. بيهان> والعاملون معه [من كلية طب جامعة ماساتشوستس] عن الدليل في دراستهم التي نُشرت في الشهر 3، والتي شملت 116 ورما قبل مرحلة الخباثة، وتم إدراكها قبل غزوها النسج المجاورة لعنق الرحم والپروستاته (الموثة) والثدي. وقد احتوت 30 إلى 72 في المئة من الأورام على جسيمات مركزية معيبة، وهي بنى تظهر خلال الانقسام الخلوي لتساعد على فصل الصبغيات المتضاعفة حديثا عن الصبغيات الأصلية. ومن غير المدهش أن معظم تلك الحالات كانت مختلة الصيغة الصبغية. وما انفك العلماء يدرسون جميع الجينات التي تتحكم في تكوّن الجسيم المركزي وفي وظيفته، وربما كان أي منها جينة رئيسة.

 

اختلال الصيغة الصبغية

على طول المسار(***********)

ومن ناحية أخرى، ربما تمكنت الخلايا من أن تغدو خبيثة حتى قبل أن يطفر أي من الجينات الرئيسة، أو مكونات الورم أو الجينات الكابتة للورم. وقد طرح <H .P. دويسبرگ> و<R. لي> [من جامعة كاليفورنيا في بيركلي] نظرية ثالثة تقول بأن غالبية الخلايا السرطانية هي مختلة الصيغة الصبغية(12) (ويعد ابيضاض الدم استثناء) لأنها تبدأ هكذا. ويمكن لأشياء كثيرة أن تتدخل في خلية قيد الانقسام كي يتم خداع إحدى الخلايا البنات وحرمانها من مكملها الطبيعي ليبلغ العدد 46 صبغيا، في حين تُمنح البنت الأخرى نصيبا إضافيا. ويرى دويسبرگ أن بوسع الأسبستوس (ألياف الحرير الصخري) أن تمزق السيرورة فيزيائيا.

 

إن معظم الخلايا المختلة صبغيا هي مليصة stillborn أو متخلفة نمائيا. ولكن دويسبرگ يقترح أن عددا يقدر بآلاف الجينات يتغير في القلة النادرة من الخلايا التي تبقى حية. وهذا يفسد مجموعات الإنزيمات التي تركّب الدنا وتصونها. وتظهر انكسارات في الحلزون المزدوج double helix تؤدي إلى إخلال إضافي في استقرار الجينوم. ويشرح دويسبرگ فكرته قائلا: «كلما ازداد اختلال الصيغة الصبغية في الخلية، ازداد بُعْدها عن الاستقرار، وازداد احتمال إنتاجها توليفات(13) جديدة من الصبغيات التي ستسمح لها بالنمو في أي  مكان.»

 

وخلافا للنظريات الثلاث الأخرى، تتنبأ فرضية الاختلال الكلي للصيغة الصبغية بأن نشوء الورم وتقدمه هما على ارتباط أوثق بتنوع الصبغيات في خلاياه من ارتباطهما بطفرات الجينات على تلك الصبغيات. ويبدو في الواقع أن بعض المشاهدات تؤيد هذه الفكرة.

 

وكمثال على ذلك، ذكر دويسبرگ في الشهر 5/2003 ـ وكان يعمل في جامعة هايدلبرگ مع علماء آخرين ـ أن تجارب أجريت على أجنة القداد (الهمستر)hamster السوية والمصابة باختلال الصيغة الصبغية. وقد وجدوا أنه كلما اشتد انحراف الخلايا عن العدد الصحيح للصبغيات، ازدادت سرعة تراكم الزيغ في صبغياتها، وارتفع انعدام الاستقرار الجينومي أسيا exponentially مع ارتفاع درجة اختلال الصيغة الصبغية.

 

واستطاع <T. ريد> [رئيس مبحث جينومات السرطان في المعهد القومي للسرطان] الحصول على دليل داعم في البشر مستمد من استقصاءاته حول اختلال الصيغة الصبغية في سرطانات عنق الرحم والقولون والمستقيم. ويقول جازما: «من المؤكد وجود أنماط متكررة من التباينات الجينومية. إن كل حالة غير وراثية من حالات سرطان القولون والمستقيم مثلا، فيها زيادات في الصبغيات 7 أو 8 أو 13 أو 20، أو فقدان للصبغي 18. ويحدث اختلال الصيغة في الصبغي 3 مبكرا جدا في سرطان عنق الرحم، ويبدو أن تلك الخلايا ذات ميزة انتقائية.» ويرى ريد أن متوسط عدد الصبغيات الشاذة يرتفع تدريجيا من 0.2 في خلية سوية إلى 12 في خلايا أورام القولون النقيلية.

 

ويضيف ريد: «لذا أعتقد فعلا أن دويسبرگ على حق في رؤيته أن بإمكان اختلال الصيغة الصبغية أن يؤلف الزيغ الجيني الأول في خلايا السرطان. ولكنه يرى أيضا أن ليست هناك ضرورة لحدوث طفرات جينية. ومن الواضح أن هذا غير صحيح.»

 

إيقاف السرطان من جذوره(************)

لا يمكن للأفكار المعهودة ولا لأي من النظريات الجديدة التي تتحداها أن تفك على نحو كامل تشابك جذور الأمراض المئة الغريبة التي ندعوها سرطانات، وأن تفسرها كتغيرات لمبدأ واحد. وستحتاج النظريات جميعها إلى توسيع كي تدمج دور الظواهر اللاجينية، التي ربما كانت بالغة الأهمية ولكنها مازالت غامضة.

 

ومن المهم تحديد أي الأفكار هي الأكثر صحة من غيرها، لأن كلا منها يطرح توقعات مختلفة حول أنواع العلاج الأشد فاعلية ضد أكثر السرطانات شيوعا وإماتة. ومن وجهة النظر السائدة، فإن الأورام تُدمن في واقع الأمر على الپروتينات التي تنتجها مكونات الورم في حين تتسمم بالپروتينات الكابتة للورم. ولذا يجب تصميم الأدوية على نحو تنكسر فيه حلقة الإدمان أو تزود بالسم. وفي الحقيقة، جرى استثمار هذه الاستراتيجية في إنتاج الأدوية الأحدث، مثل گليڤك Gleevec (للأشكال النادرة من ابيضاض الدم وسرطان المعدة) وهيرسيپتين Herceptin (لأحد الأنواع المتقدمة من سرطان الثدي).

 

 

ولكن أشكال المداواة الموجودة كلها، بما فيها هذان الدواءان، تخفق في معالجة بعض المرضى لأن الأورام لديهم تتطور فتصبح ذرية مقاومة. ويخشى <لويب> من ألا تتوافر طريقة سهلة لحل هذه المشكلة. وفي هذا الصدد يقول: «إن كنت على صواب أقول إنه ضمن أي ورم يحتوي تقريبا 100 مليون خلية، هناك خلايا ذات طفرات عشوائية تحميها من أي معالجة يمكنك تصورها. لذا فأقصى ما بوسعك أمله هو تأخير نمو الورم، ولكنك لن تستطيع شفاءه.»

 

وفي حالة المسنين الذين هم في النهاية ضحايا السرطان الأساسيون، فإن تأخير وقوع المرض هو بمنزلة علاج. وربما كان تأخير تشكل الورم أفضل من إبطاء نموه. وإذا نجح <لنگور> وغيره من أنصار نظرية عدم الاستقرار المبكر في تعرف الجينات الرئيسة، صار لزاما صنع أدوية تحمي أو ترمم وظيفة تلك الجينات. ويقول لنگور إن فريقه أجاز إعطاء سلالات خلوية للصناعات الدوائية لاستخدامها في تحري العقاقير.

 

وقد يمثل اللجوء إلى شكل آخر من التحري الطريقة الأفضل إذا ثبت أن نظرية الاختلال الكلي للصيغة الصبغية صحيحة. وليست هناك وسائل معروفة تقضي انتقائيا على الخلايا ذات الصبغيات الشاذة. غير أن باستطاعة خزعة مكتظة بالخلايا ذات الاختلال الصبغي أن تضمن مراقبة متأنية، أو حتى جراحة واقية في بعض الحالات. ويرى دويسبرگ وجوب اختبار الأطعمة والأدوية والمواد الكيميائية لتعرف المكونات التي تسبب اختلال الصيغة الصبغية.

 

محطات مهمة في تطور نظرية السرطان(*************)

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/20/SCI2004b20N2-3_H02_003342.jpg

في عام 1914 طرح <بوڤري> فكرة أن الصبغيات الزائغة قد تسبب السرطان

في عام 1927 لاحظ <J .H. مولر> أن الإشعاع يسبب طفور الخلايا

في عام 1951 اقترح <مولر> نظرية تقول إن الطفرات المتعددة تحول الخلية السوية إلى خلية خبيثة

في عام 1960 اكتشف أن تبادل الدنا بين الصبغيين 9 و22 يؤدي إلى ابيضاض دم مزمن نقوي المنشأ

في عام 1971 فسر <G .A. كنودسن> المعدلات المختلفة للسرطان الشبكوي retinal  الموروث والعفوي بنظرية أن «ضربتين»، أو طفرتين ضارتين مطلوبتان لإعاقة أليلي الجينة RB، وأن طفرة واحدة يمكن أن تورّث.

في عام 1974 رأى <لويب> أن الطفرات العشوائية يجب أن تتراكم على نحو أسرع كثيرا مما هو طبيعي داخل الخلايا التي تصبح خبيثة.

في عام 1986 عزل <وينبرگ> وزملاؤه الجينة RB، وهي أول جينة كابتة للورم.

في عام 1990 نشر ڤوگلشتاين و<R .E. فيرون> نموذجا من الطفرات الجينية المؤدية إلى سرطان القولون.

في عام 1997 أوضح <لنگور> و<ڤوگلشتاين> والعاملون معهما الزيادة الهائلة في ربح الصبغيات وخسارتها في خلايا ورم قولوني، واقترحوا أن عدم الاستقرار الصبغي حادثة مبكرة حاسمة تؤدي إلى طفور الجينات المكونة للورم والكابتة له.

في عام 1999 نشر <دويسبرگ> ومساعدوه نظرية مفصلة عن دور اختلال الصيغة الصبغية وكيف يمكنه أن يكون كافيا ليسبب السرطان بمفرده، ولو بدون طفرات إلى أي مجموعة خاصة من الجينات.

في عام 2002 تعرف ريد أنماطا متكررة من اختلال الصيغة الصبغية في سرطانات عنق الرحم والقولون عند الإنسان.

في عام 2003 يستمر في الزيادة بسرعة عدد جينات السرطان التي تم تعرفها والتي تربو الآن على 100 جينة.

 

وسيتوصل العلم يوما ما إلى إجابة حاسمة عن التساؤل حول أسباب السرطان. وربما كان الجواب شديد التعقيد، أو ربما أجبرنا على نقل أملنا من العقاقير التي تشفى من الداء إلى الأدوية التي تقي منه. وقد اكتشف الأطباء أن تناول حبة أسپرين أطفال يوميا يبدو واقيا من الأورام الغدية لدى الكبار، ولو أنهم لم يتوصلوا بعد إلى فهم واضح للسبب وراء ذلك. إن التأثير بسيط، ولكنه يمثل خطوة في الابتعاد عن العلاج الكيميائي والاقتراب من بديل أفضل هو الوقاية الكيميائية chemoprevention.

 

 المؤلف

W. Wayt Gibbs

 

كاتب رئيسي لدى ساينتفيك أمريكان.

مراجع للاستزادة 

Aneuploidy Precedes and Segregates with Chemical Carcinogenesis. Peter Duesberg, Ruhong Li, David Rasnick, Charlotte Rausch, Andreas Willer, Alwin Kraemer, George Yerganian and Ruediger Hehlmann in Cancer Genetics and Cytogenetics, Val. 119, No. 2, pages 83-93; June 2000.

Chromosome Segregation and Cancer: Cutting through the Mystery. Prasad V. Jallepalli and Cristoph Lengauer in Nature Reviews Cancer, Vol. 1, No. 2, pages 109-117; November 2001.

Rules for Making Human Tumor Cells. William C. Hahn and Robert A. Weinberg in New England Journal of Medicine, Vol. 347, No. 20, pages 1593-1603; November 14, 2002.

Multiple Mutations and Cancer. Lawrence A. Loeb, Keith R. Loeb and Jon P. Anderson in Proceedings of the National Academy of Sciences USA, Vol. 100, No. 3, pages 776-781; February 4, 2003.

Scientific American, July 2003

 

(*) UNTANGLING THE ROOTS OF CANCER

(**) Overview/ How Cancer Arises

(***) Marks of Malignancy

(****) The Order of Disorder

(*****) Unexplained Phenomena

(******) Six Diabolical Superpowers of Cancer

(*******) Malignant Mutations: A Partial Map

(********) Beyond Mutation

(*********) Unstable from the Outset

(**********) The Genesis of Cancer: Four Theories

(***********) Aneuploidy All the Way Down

(************) Stopping Cancer at Its Roots

(*************) Branching Points in the Evolution of Cancer Theory

 

(1) Murphy’s Law & Darwin’s Law

(2) aging mechanisms

(3) DNA

(4) manipulating أو مداورة.

(5) circulation

(6) أو المجين.

(7) telomeres

(8) truncations

(9) maternal

(10) chromosomal instability

(11) nonhereditary

(12) aneuploid

(13) combination أو جَميعَة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى