أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الدماغتكنولوجياعلم الأعصاب

شيپاتٌ ميكرويةٌ عصبونيةُ البنية


شيپاتٌ ميكرويةٌ عصبونيةُ البنية(*)

يمكن للإلكترونيات المتراصَّة العالية المردود والمبنية على النظام العصبي للدماغ

أن  تُنتج شبكيَّات سيليكونية يمكن زرعها لاستعادة البصر،

إضافة إلى استخدامها عيونا للإنسالات(1) ومُحسَّات ذكية أخرى.

<K .بوهن>

 

حينما تغلَّب حاسوبIBM الفائقDeep Blue على بطل العالم للشطرنج < G.كاسپاروڤ > في مباراتهما الشهيرة عام 19977، فقد فعل ذلك وفقا لمبدأ «البحث الشامل(2)» الصرف. فقد قيّمت الآلة نحو 200 مليون حركة محتملة على رقعة الشطرنج في الثانية، في حين أن خصمها الذي هو من لحم ودم لم ينظر إلا في ثلاث حركات في الثانية على الأكثر. لكنْ على الرغم من انتصار ذلك الحاسوب، فلا تستطيع الحواسيب أن تكون منافسة حقيقية للدماغ البشري في مجالات كالبصر والسمع وتعرُّف الأشكال والتعلُّم. فالحواسيب لا تستطيع، على سبيل المثال، مضاهاة قدرتنا على تعرّف صديق من بُعْد بمجرد ملاحظة طريقة مشيه. وحينما يصبح الأمر متعلقا بالمردود العملياتي، فلا مجال للمقارنة إطلاقا. فالحاسوب الفائق النموذجي الذي يساوي حجمه حجم الغرفة يزن نحو 1000 ضعف، ويحتل حيزا حجمه 10000 ضعف، ويستهلك من الطاقة مليون ضعف مما تزن وتحتل وتستهلك كتلة النسيج العصبي التي تشكل الدماغ والتي يبلغ حجمها حجم ثمرة الشمام.

 

كيف يؤدِّي الدماغ، الذي يرسل إشارات كيميائية بين العصبونات ببطء نسبي يعادل جزءا من ألف جزء من الثانية، بعض المهام على نحو أسرع وأعلى مردودا من معظم المعاِلجات الرقمية الفائقة السرعة؟ يبدو أن السر كامن في كيفية تنظيمه لمكوناته الكهربائية البطيئة العمل.

 

لا يُنفِّذ الدماغ تعليمات مكوّدة coded، بل يُفعِّل الروابط، أي المشابك العصبيةsynapses، بين العصبونات. ويُكافئ كلُّ تفعيلٍ من هذا النوع تنفيذَ تعليمة رقمية، ولذلك يمكن للمرء مقارنة عدد الوصلات التي يُفعِّلها الدماغ كلَّ ثانية بعدد التعليمات التي ينفِّذها حاسوب في المدة نفسها. لا شكّ أن تفعيل المشابك العصبية أمر مذهل، حيث يتم تفعيل 10 كوادريليون (1016) مشبك عصبي كل ثانية. وتتطلب مضاهاة ذلك المعدل مليون حاسوب، كلٌّ منها مزود بمعالج IntelPentium، إضافة إلى بضع مئات من الميگاواط لتغذيتها.

 

وحاليا ثمة مجموعة صغيرة، ولكن خلاَّقة، من المهندسين الذين أحرزوا تقدما ملحوظا في نَسْخ التنظيم والوظيفة العصبونيَّين. ويقول الباحثون إنهم أدخلوا «بنية» الوصلات العصبية في الدارات السيليكونية، مُنتجين بذلك شيپَّات ميكروية عصبية البنيةneuromorphic microchips . فإذا نجحوا، يمكن لهذا العمل أن يقود إلى شبكيَّات سيليكونية يمكن زرعها في عيون العميان، أو إلى معاِلجات صوتية توضع في آذان الصمّ وتدوم 30 عاما ولا تحتاج إلا إلى بطارية واحدة جهدها  9ڤلط، أو إلى شيپَّات زهيدة التكلفة عالية المردود تتعرّف الصورة أو الصوت أو الرائحة لاستخدامها في الإنسالات والآلات الذكية الأخرى [انظر الإطار في الصفحة27 ].

 

لقد تركَّز عمل فريقنا في جامعة پنسلڤانيا في البداية على تشكيل الشبكيَّة، وهي صفيحة نسيجية تبلغ سماكتها نصف مليمتر وتتوضع في مؤخرة العين. والمعروف أن الشبكيَّة التي تتألف من خمس طبقات متخصِّصة من الخلايا العصبية «تُعالج أوليا» الصور المرئية الواردة لاستخلاص المعلومات المفيدة دون أن يحتاج الدماغ إلى بذل جهد كبير. وقد اخترنا الشبكيَّة لأنها وُثِّقت، بصفتها نظام تحسِّس، توثيقا جيدا من قبل علماء التشريح. ثم انتقلنا إلى تشكيل الآلية التطويرية التي تبني هذه الدارات الحيوية، وهي عملية سميناها إحداث التبدُّل البنيوي metamorphing.

 

نظرة إجمالية/ إلهام من الطبيعة(**)

▪ تستطيع الحواسيب الحالية أن تنفّذ بلايين العمليات في الثانية، لكنها مازالت قاصرة حتى عن مضاهاة طفل صغير في مهارات كتعرُّف الأنماط أو المعالجة البصرية. يُضاف إلى ذلك أن الدماغ البشري أعلى مردودا للطاقة بمليون مرة وأكثر تراصا بكثير من حاسوب شخصي عادي.

▪ الشيپَّات الميكروية العصبونية البنية، والمستلهمة من البنية العصبونية، أظهرت فعلا تخفيضات مدهشة في استهلاك الطاقة. وقد يمكّن مردودها العالي من تطوير شبكيَّات صُنعيَّة قابلة للزرع لدى أناس ابتلوا بأنواع معينة من العمى، أو للاستخدام بصفتها محسَّات إلكترونية أفضل.

▪ يوما ما، يمكن للشيپَّات العصبونية البنية أن تصنع نسخا من التوصيلات الذاتية النمو التي يستخدمها الدماغ لتحقيق قدراته الوظيفية المذهلة.

 

تشكيل الشبكيَّة عصبيا(***)

يقوم نحو مليون خلية من الخلايا العقدية العصبية ganglion cells في الشبكيَّة بمقارنة الإشارات البصرية المستقبلة من مجموعات تحتوي على ما بين ستة و عدة مئات من المستقبِلات الضوئية، تُترجِم كل مجموعة منها ما يحدث في جزء صغير من حقل الرؤية. ومع تغيُّر الخصائص، كشدة الضوء في قطاع معين، تُرسِل كل خلية عقدية نبضات كهربائية عبر العصب البصري إلى الدماغ. كذلك فإن كل خلية تطلق عددا من النبضات يتناسب مع التغيُّر النسبي في شدة الضوء زمانيا أو مكانيا، لا مع المستوى المطلق للدخل. لذلك تتناقص حساسية العصب مع تزايد شدة الضوء الكلية كي تتكيَّف، على سبيل المثال، مع زيادةٍ مقدارها خمسون ضعفا في مستويات ضوء السماء التي تُلاحظ بدءا من لحظات ما قبل الفجر وحتى الظهيرة.

 

لقد احتلت أعمال الباحثة <.A.Mماهوالد> بعد وقت قصير من حصولها على إجازتها الجامعية في البيولوجيا، وأعمال < C .ميد > [المتخصِّص الشهير في الإلكترونيات الميكروية] مركز الصدارة في الجهود المبذولة لمحاكاة بناء الشبكيَّة في السيليكون بمعهد كاليفورنيا للتقانة. فقد تمكّنا خلال عملهما الجبَّار من بناء الطبقات الثلاث الأولى من طبقات الشبكيَّة الخمس بطريقة إلكترونية(3). وقام باحثون آخرون، وكان العديد منهم قد التحق بالمختبر Caltech التابع لـ <ميد> (ومن بينهم مؤلف هذه المقالة)، بتشكيل مراحل لاحقة من النظام البصري والنظام السمعي أيضا. وكان< كريم زغلول> قد شكل عام 2001 جميع طبقات الشبكيَّة الخمس حينما كان طالب دكتوراه في مختبري، ما مكَّننا من محاكاة الرسائل البصرية التي ترسلها الخلايا العُقدية، أي عصبونات خرج الشبكيَّة، إلى الدماغ. إن شيپَّة الشبكيَّة السيليكونية التي بناها< زغلول>، والتي سميتVisio1، تُولِّد نسخا مماثلة لاستجابات الأنواع الرئيسية الأربعة من الخلايا العُقدية في الشبكيَّة التي تصب في العصب البصري وتشكل مجتمعة 90 في المئة منه [انظر الشكل في الصفحة 26].

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N5-6_H04_004030.jpg

يمكن للشبكيَّة السيليكونية التي يمكن زرعها في العين، والمبينة هنا كما تخيَّلها فنان، أن تُحاكي وظيفة العين

 الطبيعية مُعيدة الإبصار إلى مرضى مصابين بأنواع معينة من العمى.

 

لقد مثَّل <زغلول> النشاط الكهربائي في كل عصبون في دارة العين بجهد (ڤلطية) خرج مستقلة. يتحكم هذا الجهد (الڤلطية) في التيار الذي تنقله ترانزستورات موصولة بين موقع معين في الدارة ونقاط أخرى، محاكيا كيفية تعديل الجسم لاستجابات المشابك العصبية. ويؤثر الضوء الذي تكشفه محسَّات الضوء الإلكترونية في الجهد في ذلك الجزء من الدارة على نحو مماثل لتأثيره في خلية  موافقة في الشبكيَّة. وبتنضيد نسخ من هذه الدارة الأساسية على الشيپَّة، استطاع< زغلول> أن يعيد نَسْخ الأنشطة في طبقات خلايا الشبكيَّة الخمس [انظر الإطار في الصفحة 28].

 

تُحاكي هذه الشيپَّة الطريقة التي تدفع فيها القنوات الأيونية المُفعَّلة بالجهد الخلايا العُقدية (والعصبونات في بقية الدماغ) إلى إطلاق النبضات. ولتحقيق ذلك، وضع< زغلول> ترانزستورات تُعيد التيار إلى الموقع نفسه من الدارة. وحينما يصل تيار التغذية العكسية هذا، فإنه يُحدث زيادة إضافية في الجهد الذي يُنتج بدوره زيادة في تيار التغذية العكسية ومن ثم يؤدي إلى تضخيم إضافي. وعندما يصل هذا الجهد إلى مستوى أولي معين، يتسارع هذا المفعول التضخيمي رافعا الجهد إلى أعلى مستوى له ومؤديا إلى توليد نبضة.

 

تبلغ استطاعة شيپَّة< زغلول> العصبونية البنية 60 ملّي واط، أي إنها تستهلك طاقة كهربائية تقل 1000 مرة عمَّا يستهلكه حاسوب شخصي. وبهذه المتطلبات المنخفضة من الطاقة، يمكن لشبكيَّة السيليكون هذه أن تمهد السبيل إلى جراحة الاستبدال الكلي لمكونات العين الداخلية بآلة تصوير ومعالِج ومحرّض تُزرع جميعا داخل عين شخص أعمى مصاب بالتهاب الشبكية الصباغي retinitis pigmentosa أو بالتنكس البقعي macular degeneration ، وهما مرضان يُتْلِفان المستقبلات الضوئية ولا يتلفان الخلايا العُقدية. وتجدر الإشارة إلى أن جراحة استبدال الشبكيَّة، التي تُطوَّر حاليا في جامعة جنوب كاليفورنيا على سبيل المثال، تُحقِّق ما يسمى الرؤية البقعية(4) phosphene vision، حيث يرى المرضى المُعالجون بها العالم على شكل شبكة من بقع الضوء الناجمة عن تحريض الخلايا العُقدية بأقطاب ميكروية مزروعة داخل العين، وتتطلب حاسوبا قابلا للارتداء لمعالجة الصور التي تلتقطها آلة تصوير مُلحقة بنظارات المريض. ونظرا إلى كون صفيف الأقطاب الميكروية صغيرا جدا (أصغر من 10 پكسلات (عنصورات) *10 پكسلات)، فإن المريض يعاني الرؤية النفقية(5) tunnelvision التي تستدعي تحريك الرأس يمينا ويسارا لمسح المشهد الذي يعرض  أمامه.

 

والحل الآخر البديل هو استخدام العين ذاتها كآلة تصوير لحل مشكلة «البحلقة» rubbernecking، حيث يمكن لمخارج الخلايا العُقدية في الشيبَّة، وعددها 3600 مخرج، أن تحقِّق رؤية قريبة من الرؤية الطبيعية. لكن مواد التعليب المتوافقة بيولوجيا biocompatible encapsulation materials مع الجسم وواجهات التحريض البينية مازالت تحتاج إلى تحسينات إضافية قبل أن تصبح الجراحة العالية الدقة لاستبدال الأعضاء حقيقة واقعة، ربما بحلول العام .2010 وثمة حاجة أيضا إلى فهم أفضل لكيفية استجابة أنواع الخلايا الشبكية المختلفة للتحريض ولكيفية إسهامها في الإدراك. وإلى أن يتم ذلك، يمكن لمثل هذه الشيپَّات العصبونية البنية أن تجد لها استخداما كمحسَّات في تطبيقات الآليات أو الأمن أو الإنسالات أو نظم أتمتة المصانع.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N5-6_H04_004031.jpg http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N5-6_H04_004032.jpg

http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N5-6_H04_004033.jpg http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N5-6_H04_004034.jpg

http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N5-6_H04_004035.jpg http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N5-6_H04_004036.jpg

تتحسَّس شبكيَّة سيليكونية الحركات الأفقية لرأس <كريم زغلول>الباحث في جامعة پنسلڤانيا. إن هذه الأنواع السيليكونية الأربعة من الخلايا العُقدية الموجودة في شيپَّته Visio1 تُحاكي قدرة خلايا الشبكيَّة الحقيقية على المعالجة الأولية للمعلومات البصرية دون متطلبات كثيرة من الحساب. تستجيب إحدى فئات الخلايا للمناطق المعتمة (الأحمر)، في حين تستجيب فئة أخرى للمناطق المضيئة (الأخضر). وتتبع مجموعة مختلفة من الخلايا حافات الجسم الأمامية (الأصفر) وحافاته الخلفية (الأزرق). أما الصور ذات التدرج الرمادي المولَّدة من فك تكويد هذه الرسائل فتبيِّن ما يمكن أن يراه شخص أعمى زُرعت في عينه شيپَّة شبكيَّة عصبونية البنية.

 

إحداث التبدُّل البنيوي في التوصيلات العصبية(****)

كان وفر الطاقة الذي حصلنا عليه من تشكيل الشبكيَّة مشجعا، وتلك نتيجة جعلتني أفكر في الكيفية التي يحقِّق بها الدماغ بالفعل مردودا عاليا. لقد بدا< ميد> وكأنه على علم مسبق بذلك حينما أدرك قبل عقدين من الزمن أنه حتى لو تمكَّنت الحوسبة من الاستمرار وفقا لقانون مورMoore’s law (الذي ينص على أن عدد الترانزستورات في الإنش المربع في الدارات المتكاملة يتضاعف كل 18 شهرا)، فإن الحواسيب ـ كما نعرفها ـ لن تستطيع الوصول إلى مردود يشابه مردود الدماغ. لكنْ، ما هو السبيل البديل لتحقيق المردود العالي؟ لقد هبط عليّ الحل كالإلهام قبل ثماني سنوات.

 

فقد أدركتُ أن المردود يأتي من درجة تخصُّص العتاد بالمهمة المنوطة به. والحواسيب التقليدية لا تتيح مثل هذا التخصُّص العتادي؛ ولكن البرمجيات هي التي تُفصَّل بدلاً منها على مقاس المهمة. و تَستخدِم حواسيب اليوم بضع أدوات متعددةَ الاستخدامات لكلِّ مهمة، في حين تُغيِّر البرمجيات الترتيب الذي تُستخدم به تلك الأدوات. في المقابل، فإن التخصُّص العتادي شيء مشترك بين الدماغ والشيپَّات العصبونية البنية، لأن كلاً منهما مُبرمج في مستوى الوصلات الإفرادية. إنهما يُكيِّفان الأداة مع المهمة المحددة. ولكنْ، كيف يُكيِّف الدماغ نفسه؟ إذا استطعنا نقل تلك الآلية إلى السيليكون، أي آلية إحداث التبدُّل البنيوي، أمكننا أن نفرض على شيپَّاتنا العصبونية البنية أن تُعدِّل نفسها بالطريقة ذاتها. وبذلك لا نحتاج إلى القيام بالهندسة العكسية الصعبة لدارة الدماغ. لهذا السبب بدأتُ بدراسة التطور العصبي آملا بتعلُّم المزيد عن كيفية إنتاج الجسم للأدوات التي يحتاج إليها بالضبط.

 

يعتبر بناء شبكة الدماغ العصبية، المكوَّنة من تريليون (1012) عصبون تصل بينها 10 كوادريليونات (1016) من المشابك العصبية، مهمة مثبّطة للهمم. وعلى الرغم من أن الدنا DNA  يحتوي على ما يوازي بليون بتة من المعلومات، فإن ذلك المقدار غير كاف لتحديد الوجهات التي يجب على تلك العصبونات الذهاب إليها والكيفية التي يجب أن تتصل بها معا. لكن الدماغ، بعد استخدامه المعلومات الوراثية أثناء مرحلة النمو المبكرة، يكيّف نفسه نحو المزيد من التخصُّص من خلال التآثرات الداخلية فيما بين العصبونات ومن خلال التآثرات الخارجية مع العالم المحيط بالجسم. بكلمات أخرى، تتصل العصبونات الحسِّية فيما بينها استجابةً لإشارات الدخل الواردة من المحسَّات. والقاعدة العامة التي تحكم هذه العملية بسيطة جدا: العصبونات التي تقدح معا هي التي تتصل معا. أي إن العصبون لا يقبل من بين جميع الإشارات التي يستقبلها إلا تلك الواردة من العصبونات التي تظل نشيطة حينما يكون هو نشيطا، ويُهمل كل ما عداها.

 

مجموعات بحث الإلكترونيات العصبونية البنية(*****)

يسعى الباحثون إلى ردم فجوة المردود بين المحسَّات الإلكترونية وشبكات الجسم العصبونية بشيپَّات ميكروية تحاكي الدماغ. ويُركِّز هذا العمل على نظم محسَّات صغيرة يمكن زرعها في الجسم أو تركيبها في الإنسالات.

http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N5-6_H04_004037.jpg

 

لمعرفة الكيفية التي تصبح بها طبقة من العصبونات موصولة بطبقة أخرى، درس علماء الأعصاب الاستطالاتprojections التي تصل الشبكيَّة في عين الضفدع مع السقف tectum (وهو سقف الدماغ الأوسط الذي يُعالج الإشارات الواردة من الأعضاء الحسِّية). وقد تبين لهم أن وصل طبقة عصبونات بأخرى يحصل على مرحلتين. فالعصبون الحديث يمد استطالات («أذرعا») في شجرة متعددة الفروع. بعد ذلك تصبح الذراع الأطول هي المحور العصبي أو المحوار axon، وهو سلك مخرج الخلية. أما الأذرع الأخرى فتشكل تغصنات dendrites تمثل أسلاك مدخلها. ويستمر المحور العصبي بعدئذ بالنمو مقطورا ببنية أميبية في مقدمته. ويتحسَّس مخروط النمو growth cone  هذا، كما يسميه العلماء، التدرجات الكيميائية التي تضعها طلائع إشارات الاتصالات العصبونية علاماتٍ لاقتفاء الأثر، مُرشِدة بذلك المحور العصبي إلى الطريق الصحيح في مدينة خلايا السقف، لكنْ لا إلى البيت الصحيح إذا جاز التعبير.

 

تتطلب عملية حصر الهدف بغية الوصول إلى البيت الصحيح في السقف خطوة ثانية، لكن العلماء لا يفهمون هذه العملية بالتفصيل. بيد أن من المعروف جيدا أن الخلايا العُقدية المتجاورة في الشبكيَّة تنزع إلى أن تقدح معا. وقد قادتني هذه الحقيقة إلى التخمين بأن المحور العصبي يستطيع أن يجد الخلايا الشبكيَّة المجاورة له في السقف بتوجيه نفسه باتجاه آثار كيميائية تُطلقها عصبونات نشيطة في السقف، وذلك نظرا لأن هذه الخلايا المجاورة موجودة بأرجحية عالية في منبع ذلك الأثر. وحينما يصبح المحور العصبي على تماس مع شجرة تغصنات عصبون السقف، يتشكَّل مشبك عصبي بينهما، وتكون النتيجة أن العصبونين اللذين قدحا معا أصبحا موصولين معا.

 

في عام 2001، بنى <B. تابا>، [وهو طالب دكتوراه في مختبري] شيپَّة منمذجة وفقا لهذه الصورة لسيرورة التطور الدماغي. ونظرا لعدم إمكان تغيير مسارات الأسلاك المعدنية فقد قرَّر تغيير مسارات النبضات. وقد استفاد من حقيقة أن شيپَّة <زغلول> المسماة Visio1 تُعطي في خرجها عنوانا فريدا مكونا من13 بتة كلما نبضت واحدة من الـ 36000 خلية من خلاياها العقدية. وتجدر الإشارة إلى أن إرسال العناوين بدلا من النبضات يتفادى مشكلة كون عدد نقاط الدخل والخرج في الشيپَّة محدودا. بعد ذلك تُفك رموز العناوين في الشيپَّة المستقبِلة التي تعيد توليد النبضة في الموقع الصحيح من فسيفساء عصبوناتها السيليكونية. تُنتج هذه التقنية رزمة افتراضية من المحاور العصبية التي تصل بين المواقع الموافقة في الشيپتين: أي عصبا  ضوئيا سيليكونيا. وإذا استبدلنا عنوانا بآخر، فإننا نغير مسار محور عصبي افتراضي يخص عصبونا معينا (العنوان الأصلي) إلى موقع آخر (العنوان البديل). وبإمكاننا أن نسيّر هذه “الأسلاك البرمجية” softwires، كما نسميها، حيثما نشاء بخزن البدائل في قاعدة بيانات (جدول بحث look-up table) ثم باستخدام العنوان الأصلي لاستحضارها [انظر الإطار في الصفحة 30].

 

في شيپَّة السقف الصنعية التي بناها <تابا>وسمَّاها Neurotrope1، تقوم الأسلاك البرمجية بتنشيط دارات تحسُّس التدرج (مخاريط النمو السيليكونية) إضافة إلى عصبونات سيليكونية مجاورة متوضعة في خلايا شبكة نخروبية الشكل. وعندما تكون هذه العصبونات السيليكونية مفعّلة، فإنها تطلق شحنات كهربائية في الشبكة التي صمَّمها <تابا> لكي تنقل الشحنة مثلما يفعل الترانزستور. تنتشر الشحنة في الشبكة على نحو يشابه كثيرا انتشار الكيماويات التي تطلقها خلايا السقف عبر النسيج العصبي. وتتحسَّس مخاريط النمو السيليكونية هذه “الكيماويات” المحاكاة المنتشرة، وتسحب أسلاكها البرمجية صعودا مع التدرج – نحو منبع الشحنة العصبوني السيليكوني- عن طريق تحديث جدول البحث. ولما كانت الشحنة يجب أن تُطلَق من العصبون السيليكوني وأن يتحسَّسها مخروط النمو السيليكوني في الوقت نفسه، فإن الأسلاك البرمجية تصل بين العصبونين النشيطين في الوقت نفسه. وهكذا، تعمل الشيپَّة Neurotrope1على وصل عصبونين يقدحان معا على غرار ما يحدث في محور عصبي حقيقي نام.

 

وانطلاقا من توصيلات برمجية مبعثرة بين الشيبَّة Visio1 والشيپَّةNeurotrope1، استطاع <تابا> إجراء محاكاة ناجحة لميل الخلايا العُقدية الخاصة بالشبكيَّة للقدح معا عن طريق تنشيط رقع من الخلايا العُقدية السيليكونية عشوائيا. وقد لاحظ بعد تحريض عدة ألوف من الرقع تبدُّلا جوهريا في وصلات الأسلاك البرمجية بين الشيپَّتين. فقد وُصلت الآن خلايا عُقدية صنعية بعصبونات في السقف السيليكوني كانت أقرب إليها بمرتين من التوصيلات الأولية. لكنّ هذا الوصل لم يكن أمثليا بسبب الضجيج وقابلية التغيُّر، لأن نهايات الخلايا المتجاورة في الشبكيَّة السيليكونية لم تتراصف بجانب بعضها بعضا في السقف السيليكوني. وقد تساءلنا عن كيفية تشكُّل أنماط الوصل المعقدة التي يُعتقد أنها تمثل أساس وظيفة القشرة الدماغية البيولوجية، وعن إمكان الحصول على تلميحات إضافية من الطبيعة لتحسين نظمنا.

 

خرائط القشرة الدماغية(******)

للإجابة عن ذلك، كان علينا أن ننظر عن كثب إلى ما توصلت إليه علوم الأعصاب حول التوصيلات في القشرة الدماغية cortex، وهي المنطقة المسؤولة عن الإدراك في الدماغ. إن قطر رقعة القشرة الدماغية يساوي 16 إنشًا، وقد طُويت كورق الأوريگامي(6) كي تتوضع بصورة جيدة داخل الجمجمة. وعلى هذه الرقعة المدهشة، تُرسم «خرائط» العالم الخارجي أثناء الطفولة. والمثال الذي دُرس جيدا هو ما يسميه العلماء الباحة V1 (وهي جزء الرؤية الرئيسي في القشرة) التي تدخل منها أولا الرسائل البصرية الواردة من العصب البصري إلى القشرة. والمعروف أن بعدي الطول والعرض للصورة ليسا فقط ما يُرسم على الباحة V1 ، بل أيضا اتجاهات حافات الأجسام فيها. ونتيجة لذلك، تستجيب العصبونات في الباحةV1 على الوجه الأفضل إلى الحافات الموجهة بزاوية معينة، كالخطوط الرأسية أو الأفقية أو ما شابهها. وتتكرر تفضيلات الاتجاهات كل مليمتر أو نحوه، ما يتيح اكتشاف اتجاهات الحافات في القطاعات المختلفة من مشهد الإبصار.

 

كان عالما البيولوجيا العصبية <H.D.هيدبِل>  و <N.T .ويزل>، اللذان حازا مناصفة جائزة نوبل للطب لاكتشافهما خريطة الباحةV1 في ستينات القرن العشرين، قد وضعا مخطط توصيلات لبناء قشرة إبصار دماغية – وكان مخططا مروِّعا. وبحسب النموذج الذي وضعاه، فإن كل خلية من خلايا القشرة تتصل بمجموعتين من الخلايا المهادية thalamic cells التي تؤدي دور وسيط نقل relayلإشارات الشبكيَّة المتوجهة إلى القشرة. ويفترض أن تستجيب إحدى مجموعتي الخلايا المهادية لتحسُّس المناطق المُعتمة (التي تحاكيها خلايا Visio1 المفصولةOff-cells)، في حين يفترض بالمجموعة الأخرى أن تستجيب لتحسُّس الضوء (على غرار خلايا Visio1 الموصولةOn-cells  ). ولكي نجعل إحدى خلايا القشرة الدماغية تُفضِّل الحافات الرأسية، على سبيل المثال، يجب أن توضع كلتا المجموعتين في خط رأسي، مع إزاحة إحداهما بالنسبة إلى الأخرى قليلا بحيث تتوضع الخلايا المفصولة إلى يسار الخلايا الموصولة. بهذه الطريقة، تقوم حافة رأسية لجسم في حقل الرؤية بتنشيط جميع الخلايا المفصولة وجميع الخلايا الموصولة حينما تكون تلك الحافة في الموضع الصحيح. من ناحية أخرى، تقوم الحافة الأفقية بتنشيط نصف الخلايا فقط في كل مجموعة. ومن ثم فإن خلايا القشرة تستقبل ضعف الدخل في وجود حافة رأسية، ومن ثم تستجيب على نحو أقوى.

 

عصبونات الشبكية وشيپَّات الإبصار العصبونية البنية(*******)

تتيح نظم التحسُّس البيولوجية نماذج متراصَّة وذات مردود عال من الطاقة للمحسَّات الإلكترونية العصبونية البنية. فالمهندسون الذين يحاولون نسخ الشبكيَّة في السيليكون يواجهون تحديا قاسيا يتمثل في أن سماكة الشبكيَّة لا تزيد على نصف مليمتر، ووزنها نصف غرام، وتستهلك طاقة تكافئ عشر الواط فقط. وقد أسفر بحث حديث في جامعة پنسلڤانيا عن شبكيَّة سيليكونية بدائية.
http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N5-6_H04_004038.jpg

الشبكيَّة البيولوجية

تَستخلص خلايا الشبكيَّة المتصلة ببعضها بعضا المعلومات من حقل الرؤية بدخولها في شبكة معقدة من التأثيرات signaling المحرِّضة (الأسهم الوحيدة الاتجاه) والمانعة (دائرة على خط) والموصِلة أي المزدوجة الاتجاه (الأسهم المزدوجة الاتجاه). وتولِّد هذه الدارة الاستجابات الانتقائية لأنواع الخلايا العُقدية الأربعة (في الأسفل) التي تشكل 90 في المئة من ألياف العصب البصري الذي ينقل معلومات الإبصار إلى الدماغ. وتزيد خلايا العُقد العصبونية الموصولة On (الأخضر) والمفصولة Off(الأحمر) معدل إطلاق النبضات حينما تكون كثافة الضوء المحلية أشد بريقا أو إعتاما من المنطقة المحيطة. وتطلق الخلايا العُقدية المُزيدة Inc (الأزرق) والمُنقِصةDec (الأصفر) نبضات حينما تتزايد كثافة الضوء أو تتناقص، على  التوالي.

الشبكيَّة السيليكونية

تُحاكي الدارات العصبونيةُ البنية التآثرات المعقَّدة التي تحصل بين أنواع خلايا الشبكيَّة المختلفة بإبدال المحاور العصبية والتغصنات في كل خلية (مسارات الإشارة) بأسلاك معدنية، وإبدال كل وصلة عصبونية بترانزستور. وتُنتج تباديل permutations هذا الترتيب تآثرات محرِّضة وأخرى مانعة تُحاكي الاتصالات المشابهة بين العصبونات. تُوضَّع الترانزستورات والأسلاك التي تصل بينها على شيپَّات سيليكونية، وتُنفِّذ المناطق المختلفة من سطح الشيپَّة وظائف طبقات الخلايا المختلفة. أما المربعات الخضراء الكبيرة فهي ترانزستورات ضوئية تُحوِّل الضوء إلى كهرباء.

 

في البداية أصبنا ببعض الإحباط بسبب التفصيلات التي تطلبتها أنماط التوصيل هذه. فقد كان علينا أن نصل كل خلية وفقا لأفضلية اتجاهها، ثم نعدل أنماط التوصيل هذه بشكل منهجي بحيث تتغير أفضليات الاتجاه بنعومة، فيما تبقى أفضليات الخلايا المتجاورة متشابهة. وكما هي الحال في القشرة، يجب أن تتكرر نفس الاتجاهات كل مليمتر، ويجب أن تكون خلايا السيليكون متصلة بالمواقع المتجاورة في الشبكيَّة. لكن مخاريط النمو في تصميم< تابا> لم تستطع ـ بالتأكيد ـ التكيُّف مع هذه الدرجة من التعقيد، ولذلك بحثنا في أواخر عام 2002 عن سبيل للخروج من هذا الكابوس كليا. وقد وصلنا في النهاية إلى إيجاد الجواب في تجربة مضى عليها خمسة عقود.

 

في خمسينات القرن الماضي، بيَّن عالم الحاسوب الشهير <M.A. تورينگ> كيف أن أنماطا منتظمة من مثل رُقط النمر أو رقوش البقرة يمكن أن تنشأ تلقائيا عن الضجيج العشوائي. وقد أمِلْنا أن نتمكَّن من استخدام تقنية مشابهة لتوليد مناطق متجاورة ذات أنماط اتجاهات مشابهة في شيپَّتنا. وكانت فكرة< تورينگ>، التي اختبرها بالمحاكاة على واحد من أوائل الحواسيب الإلكترونية في جامعة مانشستر، تقضي بأن خلايا الجلد المنمذجة يمكن أن تفرز “صبغة سوداء” أو “مادة تبييض” دون تمييز. وقد تمكن< تورينگ> من توليد رقط ورقوش، وحتى شرائط كشرائط حمار الزرد، عن طريق إدخال اختلافات في الخلايا بحيث تُنتج مقادير مختلفة من الصبغة والمُبيِّض. ثم عمل على تضخيم تلك الفوارق الأولية الضئيلة بالتلطيخ والتبييض لتوليد أنماط حاسمة (ناجحة تماما أو فاشلة تماما). وقد تساءلنا عن إمكان نجاح هذه الفكرة في خرائط القشرة الدماغية.

 

صنع التوصيلات (بيولوجيا أو سيليكونيا)(********)

في المراحل المبكرة من تطور العين، تطلق خلايا العُقد العصبونية في الشبكيَّة محاور عصبية إلى مركز تحسُّس يقع في الدماغ الأوسط يسمى السقف. وتتوجه المحاور العصبية في الشبكيَّة نحو روائح كيميائية تطلقها خلايا السقف المجاورة التي تَنشَط في الوقت نفسه، لذا، فإن العصبونات التي تقدح معا تتصل معا. وفي نهاية الأمر، تتشكل خريطة التنظيم المكاني لمحسَّات الشبكيَّة في الدماغ الأوسط.

لمحاكاة هذه العملية، استخدم مهندسو البنية العصبية في جامعة پنسلڤانيا أسلاكا برمجية” تنظِّم ذاتيا الوصلات بين الخلايا في شيپَّة الشبكيَّة السيليكونية Visio1 (في الأعلى) وتلك الموجودة في شيپَّة السقف الصنعية Neurotrope1 (في الأسفل). و” تُسيَّر” نبضات خرج كهربائية من خلايا العُقد العصبونية الصُنعيَّة إلى خلايا السقف باستخدام شيپَّة ذاكرة نفاذ عشوائي RAM (في الوسط). وتُقدِّم شيپَّة الشبكيَّة عنوان العصبون السيليكوني الذي يطلق النبضة، وتعيد شيپَّة السقف توليد تلك النبضة في المكان الموافق. في هذا المثال، يأمر السقف الصنعي الذاكرة بمبادلة مدخلي العنوان 1 و 2. ونتيجة لذلك تنتقل نهاية المحور العصبي لخلية العُقدة العصبونية 2 إلى خلية السقف 1، فيزيح المحور العصبي لخلية العقدة العصبونية 3 من ذلك الموقع. و”تتحسَّس” المحاور العصبية تدرُّج شحنة كهربائية تطلقها خلية نشيطة من السقف السيليكوني، ما يساعد على إرشاد التوصيلات.

بعد أن قام المهندسون بتكرار تنشيط رقع من عصبونات سيليكونية متجاورة في الشبكيَّة الصُنعيَّة (المثلثات المُعلَّمة، الشكل الأيسر العلوي)، فإن نقاط نهايات المحاور العصبية لخلايا السقف- التي كانت في البداية متباعدة عن بعضها بعضا (المثلثات المُعلَّمة، الشكل الأيسر السفلي)- تقاربت لكي تنتج رقعا أكثر تجانسا على خريطة ملونة (الشكل الأيمن السفلي).

http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N5-6_H04_004039.jpg

 

ومنذ أربع سنوات، بيَّن عالم الأعصاب الحاسوبية < M .تسوديكس>وزملاؤه في معهد وايزمان للعلوم في فلسطين، أن سيرورة مشابهة تستطيع فعلاً أن تنشئ خرائط مشابهة لخرائط القشرة الدماغية بالمحاكاة البرمجية. وقد أخذ . <P. ميرولاَّ> [وهو طالب دكتوراه آخر في مختبري] على عاتقه جعل هذه السيرورة الذاتية التنظيم تعمل في السيليكون. وكنا نعرف أن الشوائب الكيميائية (الملوثات) التي تُدخَل أثناء عملية التصنيع الميكروي تكون عشوائية، ما يُدخل فوارق بين الترانزستورات التي لولا تلك الفوارق لكانت متماثلة، ولذلك شعرنا بأن هذه السيرورة يمكن أن تُحقِّق العشوائيةَ التي تميّز تعبير الجينات gene expression في الطبيعة. وذاك هو ما يُعتقد أنه منبع اختلافات أنماط الترقيط بين النمور واختلافات أنماط خريطة الاتجاهات بين الأشخاص. وعلى الرغم من أن الخلايا التي تولِّد هذه الأنماط في الطبيعة تعبر عن جينات متماثلة، فإنها تُنتج مقادير مختلفة من الصبغة أو من پروتينات القناة الأيونية ion channel proteins.

 

آخذا هذا التشابه في الحسبان، صمم< ميرولاَّ> عصبونا سيليكونيا واحدا، ونضدَّه لتكوين فسيفساء ذات توصيلات محرضة excitatory أو مانعةinhibitory بين الجوار مشابهة للعصبونات وتلعب دور المُلطِّخ والمبيِّض. وعندما شغَّلنا الشيپَّات عام 2003، نشأت أنماطُ أنشطةٍ مماثلة لرقط النمر. وقد أصبحت مجموعات مختلفة من الخلايا نشيطة حين عَرَضنا حافات باتجاهات مختلفة. وبعد تلوين مواضع هذه المجموعات المختلفة بألوان مختلفة، حصلنا على خرائط أفضليات للاتجاه مشابهة لتلك التي صُوِّرت في مناطق الباحةV1 من دماغ ابن مقرض(7) [انظر الإطار في أعلى هذه الصفحة].

 

تفضيلات الاتجاهية في الدماغ والسيليكون(*********)

في كلٍّ من القشرة الدماغية البصرية لابن مقرض (في اليسار) وشيپَّة القشرة الدماغية العصبونية البنية (في اليمين)، حدَّد العلماء خريطة موقع الخلايا التي تستجيب بأفضلية إلى حافات أجسام ذات اتجاهية معينة (مفتاح الرموز في الأسفل). وفي كلتا الخريطتين تنزع الخلايا المتجاورة لامتلاك تفضيلات اتجاهية متماثلة، ما يبين أن شيپَّة القشرة الدماغية تُحاكي النظام البيولوجي.
http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N5-6_H04_004040.jpg

 

بناء أدمغة في السيليكون(**********)

بعد أن شكَّلنا طبقات الشبكيَّة الخمس في السيليكون، أصبح هدفنا عمل الشيء نفسه لجميع طبقات قشرة الإبصار الست. وكانت الخطوة الأولى هي تشكيل الطبقة IV، وهي طبقة دخل القشرة، للحصول على خريطة تفضيل الاتجاهات في صورة غير ناضجة. غير أن القشرة التي تبلغ سماكتها ثلاثة مليمترات تعتبر أكثر سماكة من الشبكيَّة بخمس مرات، ويتطلب تشكيل الطبقات القشرية الست كلها المزيد من الترانزستورات في وحدة المساحة.

 

يستطيع مصنِّعو الشيپَّات حاليا حشر مليون ترانزستور و 10 أمتار من الأسلاك في مليمتر مربع واحد من السيليكون. وبحلول نهاية هذا العقد (2010)، سوف تكون كثافة الشيپة مجرد عُشر كثافة نسيج القشرة الدماغية التي تحتوي على 100 مليون وصلة عصبونية وعلى 3 كيلومترات من المحاور العصبية في المليمتر المكعب الواحد.

 

وسوف يصبح الباحثون قاب قوسين أو أدنى من مضاهاة القشرة الدماغية باستخدام أعداد كبيرة من التجهيزات، ولكن كيف سيتعاملون مع بليون ترانزستور على سنتيمتر مربع واحد من السيليكون؟ لا شك أنه لا بد من تجنيد آلاف المهندسين لتصميم شيپَّات التقانة النانوية العالية الكثافة باستخدام الطرائق الشائعة. فحتى الآن، ترافقت زيادة أعداد مهندسي التصميم مئة ضعف مع تضاعف عدد الترانزستورات بمقدار 10000 مرة في معاِلجات Intel. وعلى سبيل المقارنة، فإن مجرد رفع عدد الجينات في الذبابة إلى عدد الجينات في الإنسان مكّن قوى التطور من بناء أدمغة تحتوي على 10 ملايين ضعف من العصبونات. كما أن السيرورات التطورية الأكثر ذكاء جعلت التعقيد المتزايد ممكنا انطلاقا من مفاهيم بسيطة نسبيا. وبالطريقة نفسها، فإن بناء سيرورات التطور العصبونية بدلا من مجرد بناء الدارات العصبونية يحمل وعدا عظيما للتعامل مع تعقيد نظم الإلكترونيات النانوية المستقبلية.

 

 المؤلف

Kwabena Boahen

مهندس متخصص في البنى العصبية وأستاذ مشارك للهندسة الحيوية في جامعة پنسلڤانيا. ترك موطنه غانا لمتابعة الدراسة الجامعية في الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسوب في جامعة جونز هوپكنز عام 1985، وبعدها بوقت قصير اهتم بالشبكات العصبية. ويرى <بوهن> نوعا من الأناقة في النظم العصبية تفتقر إليها الحواسيب الحالية. لذا يسعى إلى تضمين هذا التعقيد الرفيع في تصاميمه السيليكونية.

 

مراجع للاستزادة 

Analog VLSI and Neural Systems. Carver Mead. Addison-Wesley, 1989.

Topographic Map Formation by Silicon Growth Cones. Brian Taba and Kwabena Boahen in Advances in Neural Information Processing Systems, Vol. 15. Edited by Suzanna Becker, Sebastian Thrun and Klaus Obermayer. MIT Press, 2003.

Optic Nerve Signals in a Neuromorphic Chip. Kareem A. Zaghloul and Kwabena Boahen in IEEE Transactions on Biomedical Engineering, Vol. 51, No. 4, pages 657-675; 2004.

K Recurrent Model of Orientation Maps with Simple and Complex Cells. Paul Merolla and Kwabena Boahen in Advances in Neural Information Processing Systems, Vol. 16. Edited by Sebastian Thrun, Larry Saul and Bernhard Sholkopf. MIT Press, 2004.

The author’s Web site: www.neuroengineering.upenn.edu/boahen

Scientific American, May 2005

 

(*) NEUROMORPHIC MICROCHIPS

(**) Overview / Inspired by Nature

(***) Neuromorphing the Retina

(****) Metamorphing Neural Connections

(*****) Neuromorphic electronics Research Groups

(******) Cortical Maps

(*******) Retinal Neurons and Neuromorphic Vision Chips

(********) Making Connections (Biological or Silicon)

(*********) Orientation Preferences in the Brain and in Silicon

(**********) Building Brains in Silicon

 

(1) ج : إنسالة وهذه نحت من إنسان ـ آلي (روبوت).

(2) brute force، وقد عرَّبناها بعبارة «البحث الشامل» لأنها تنطوي فعلا على استخدام جميع الإمكانات دون استثناء. (التحرير)

(3) [انظر: “The Silicon Retina,”

by Misha A. Mahowald – Carver Mead; Scientific American, May 1991

(4) ضوء أو أشكال تظهر في حقل الرؤية حينما تكون العينان مغمضتين (وأحيانا حينما تكونان مفتوحتين) وتنتج من عيوب بصرية غير ضارة في الشبكية.

(5) أي انعدام الرؤية الجانبية، حيث لا يرى المرء سوى الأشياء الموجودة في الاتجاه الأمامي للرأس. (التحرير)

(6) origami، الاسم الياباني لفن طي الورق لأغراض الزخرفة. (التحرير)

(7) حيوان من القوارض يطارد الأرانب ويصطاد الفئران والجرذان. (التحرير)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى