أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فلك وعلم الكونيات

أوجه المريخ المتعددة

أوجه المريخ المتعددة(*)

على سطح المريخ، رصدت مركبة جوالة صحراءَ قديمة العهد،

ورصدت مركبة أخرى عالما كان مائيا. إن التنوع على

الكوكب الأحمر يضاهي التنوع على الكرة الأرضية.

<R .Ph. كريسْتِنْسِنْ>

 

يتوجه كثير من الناس إلى الصحارى لبساطتها وخلائها، لكنني أذهب إليها لتعقيدها. فصخور غرب الأريزونا، حيث أعمل، تكشف عن أكثر التواريخ تعقيدا على الأرض. وتبين طبقات الأحجار الجيرية الكربوناتية، والأحجار الطينية السلتية(1)، ورمل الكوارتز، والحمم البركانية (اللابة) المتصلبة(2)، أنه على مدى الستمئة مليون سنة الماضية، كانت هذه المنطقة بحرا دافئا ضحلا، ثم صارت مستنقعا موحلا، ثم صحراءَ مترامية الأطراف ذات كثبان رملية برّاقة، ثم صفيحة جليدية شديدة البرودة، ثم أصبحت بحرا ضحلا مرة أخرى. وقد كوّنت البراكين الثائرة جزرا مثل اليابان، التي دُفِعَتْ بدورها 100 ميل إلى اليابسة على طول صدوع ضخمة، وهذا أدى إلى إمالة طبقات الصخور على حافتها صاهرا لها، ليتولّد الرخام والكوارتزايت(3). وفي النهاية أنتج نتوءُ القشرة الأرضية وعوامل الحت erosion، هذه الصحراء الشاسعة التي نراها اليوم.

 

ولمدة طويلة، اعتبر هذا النمط من إعادة التكوين التاريخيّ المفصل للمريخ أمرا مستحيلا. وعلى مدى عمري الذي عشته، تحوّل الكوكبُ الأحمر من نقطة في السماء الليلية إلى أرض تضم براكين شاهقة، وقيعان أنهار جافة، وبحيرات قديمة، وسهولا حمميّة تذروها الرياح. من الواضح أن للمريخ واحدا من أروع تواريخ النظام الشمسي. ومع ذلك لم يستطع العلماء عمل أكثر من تجميع مسودة لتخوم هذا التاريخ. وعلى مدى سنوات، دار بيننا جدال حول مسائل معقدة: هل كان المريخ في وقت ما «دافئا ورطبا» وشبيهًا بأرضنا، أم كان «باردا وجافا» وقاحلا مثل القمر؟. كما لو كانت قصة عَالَم كامل يمكن اختصارها إلى عبارة موجزة.

 

نظرة إجمالية/ غرائب مريخية(**)

▪ ظلت المرْكبتان سپيريت وأُپورتيونيتي تجولان في أرجاء المريخ طوال سنة ونصف، في حين رسمت ثلاث سفن مدارية طوبوغرافيةَ الكوكب وحدّدت مكوناته المعدنيّةَ بدقة لم تكن متيسرة حينذاك إلا للقياسات الأرضيّة.

▪ قبل هاتين البعثتين، كانت الأدلة الأساسية على وجودٍ سابقٍ للماءٍ على المريخ تستند إلى أشكال تضاريسه (أشكال الأرض فيه). ومع أن هذه التضاريس مُوحِيَة، لكنها غامضة. أما الآن، فالأدلة الأساسية تعدينية (وجود أكاسيد الحديد وأملاح الكبريتات)، ونسيجية textural(وجود كريات، وعلامات النِّيم (4)ripples  في  صخر الأساس)، مما لا يدع مجالا للشك في أن موقع هبوط ُأپورتيونيتي قاع بحيرة قديمة.

▪ ومع ذلك، فإن التاريخ الجيولوجي للكوكب شهد تغيرات هائلة، ومن الغريب أن تكون هذه التغيرات متعلقة بالمكان والزمان. فنادرا ما شهد معظم الكوكب قطرة ماء؛ وحتى الموقع الذي هبطت فيه المركبة أُپورتيونيتي، مرّ بفترات جفاف طويلةِ الأمد. وثمة معالمُ جيولوجية أخرى مثل البراكين، تختلف أيضا فيما بينها اختلافات غير متوقعة.

 

ومع ذلك، فقد دخلنا خلال العقد الماضي الحقبة الثالثة العظمى لاستكشاف المريخ، وهي التي أعقبت حقبتين تميّزتا بأرصاد القرن التاسع عشر المقرابية، واستعمال السفن الفضائية الأولى لريادة الفضاء في ستينات وسبعينات القرن الماضي. وقد رسمت بعثاتُ السفن المدارية والجوالة الحديثة التي أُرسلت إلى الكوكب، طوبوغرافيته، وحدّدت معادنه، وصوّرت سطحه بتفصيل كاف لتفسير عملياته الجيولوجية، ثم مزجت البياناتِ المدارية بحقائق الأرصاد الأرضية. وأخيرا أصبح المريخُ مكانا يمكنني سرد قصته من خلال دراستي الجيولوجية لصخوره ومعادنه وأشكال الأرض فيه.

 

إن ما اكتشفناه هو أن المريخ تعرّض عبر تاريخه لعمليات وظروف بالغة التنوع. وقد احتضن المريخ، الذي نحن بصدد تعرّفه، بيئات مختلفة: من جفاف كامل، إلى رطوبة شديدة، إلى التحاف بدثار من ثلج وجليد. ولم تعد التعبيرات البسيطة مناسبة. وبدلا من أن نسأل: «دافئ» أم «بارد»؟، نسأل: كم هو دافئ؟ كم هو رطب؟ وعلى مدى كم من الزمن؟ وأين؟. وتركز الإجابات الشافية عن هذه الأسئلة، على ما يجذب كثيرا منا لدراسة الكوكب الأحمر، وبخاصة احتمال وجود حياة عليه، الآن أو فيما مضى.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N12_H01_003844.jpg

شروق الشمس على البقعة المسماة أرابيا تيّرا Arabia Terra، عند النظر شرقا تجاه يوتوپيا پلانيتيا Utopia Planitia: وتبين الصورة التي رسمها فنان نقلا عن صور مدارية، حافات منطقة ڤاستيتاس بورياليس Vastitas Borealis، وهو سهل فسيح منخفض، ربما كانت تصب فيه فيضانات القنوات المائية القديمة. وترسل الشمس أشعتها الأولى ناحية المركز، على حافة فوهة لِيُو Lyot الغربية.

 

مكانان ومنظران(***)

في الشهر 1/2004، أنزلت وكالةُ ناسا، في موقعين مختلفين جدا على المريخ، اثنتين من أعقد الآلات التي صُنِعت حتى الآن، هما المرْكبتان الجوالتان سپيريتSpirit وأُپورتيونيتي Opportunity، اللتان حملتا على متنيهما مجموعة من الكاميرات والمقاييس الطيفية لدراسة تركيب التربة والصخور، بقصد الإجابة عن السؤال الرئيسي المتعلق بجيولوجية المريخ: ماذا كان دور الماء؟. أما المركبة سپيريت، فقد هبطت في فوهة گوزيڤ Gusev Crater، التي اختيرت لشكل تضاريسها، إذ بيّنت الصور المدارية التي أخِذت للفوهة أن ثمة واديا، هو مآديم(5)، يفضي إلى الفوهة، كما لو كانت فوهة گوزيڤ بحيرة يوما ما.

 

في بداية الأمر، بدا هذا الموقع مخيبا للآمال إلى حد ما، إذ لم تعثر المركبة سپيريت على علامات على وجود ماء في الماضي، وكان ما رأته صخورا بركانية، بينت مقاييس الطيف في المركبة سپيريت أنها مكونة من الزبرجد الزيتونيolivine، والپيروكسين pyroxene، وهما معدنان يمكن أن يتحللا بفعل أقل قدر من الماء السائل. ولا يمكن أن تكون الصخور قد تعرّضت في الثلاثة بلايين سنة أو نحوها التي أعقبت ثورات البراكين، لقدر ذي بال من المياه. وفيما كانت الجوالة سپيريت تتسلق تلال كولومبيا(6)، التي تشرف على موقعِ الهبوط، صار الوضع أكثر إثارة للاهتمام، حيث اكتشفت الجوالةُ كميات وفيرة من أملاح الكبريت. ومن الواضح أن الصخور البركانية سُحِقَتْ متحوّلة إلى حبيبات صغيرة، ثم لَصَق الملح بعضَها ببعض، وهذه عملية قد يشارك فيها ماء سائل يتخلل الصخور، أو حمض كبريتيك يتفاعل مع المعادن الموجودة أصلا في الصخور. وعلى الرغم من هذه الإشارة الضمنية إلى الماء، فمازالت الصخور تحوي مقادير كبيرة من الزبرجد الزيتوني والپيروكسين. وهكذا يبدو أن الماء ـ الذي ربما وجد على قاع بحيرة في وقت ما ـ أدى دورا ثانويا خلال بلايين السنين القليلة الماضية.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N12_H01_003845.jpg

جُرْفُ بيرنز، هو منكشف صخري رائع، تفحصته المركبة أُپورتيونيتي بإمعان. يبلغ ارتفاعه ارتفاع مبنى من ثلاثة طوابق، ويشكل جزءا من حافة فوهة إنْدْيُورَانْس Endurance، التي تبعد مسافة 700 متر تقريبا عن موقع هبوط الجوالة. وتشبه الصخورُ العلويةُ لهذا الجرف، الصخورَ الموجودةَ في موقع الهبوط، وهي غنية بأملاح الكبريتات [اللونان الأحمر والأصفر في الصورة الملوّنة اصطناعيا]، وربما جرى تكوّنها ثم جفافها خلال الفيضانات المتكررة في تلك المنطقة. ويُرَى تحتها طبقات ناعمة وخشنة ـ وهي مزيج (اللون الأخضر) من الهيماتايت المعدني المرتبط بالماء ومن المعادن البازلتية الكارهة للماء. ويبدو أنها كثبان رملية كانت جافة عموما، ولكنها كانت قريبة من حوض مائي. ويغطي قاع الفوهة رمل بازلتيّ (اللون الأزرق).

 

أما المرْكبة الجوّالة أُپورتيونيتي، فقد وُجِّهت إلى سهول ميريدياني. وكان اختيار هذا الموقع نقطة انطلاق عصر جديد في تاريخ استكشاف البشرية للنظام الشمسي: فلم يسبق لعلماء الكواكب إرسال مجس إلى موقع للتنقيب عن معادنه. صحيح أن بعثات السفن الفضائية المبكّرة للمريخ حدّدت تركيب سطحه بدلالة العناصر الكيميائية، لكن معرفة المعادن ـ المركَّبات والبُنى البّلورية التي كوّنتها تلك العناصر ـ كانت تتطلب استعمال المقياس الطيفي للانبعاث الحراري(7) (TES)، وهو آلة ابْتَكَرْتُها لسفينة المسح الشامل المدارية(8)، التابعة للوكالة ناسا، والتي وصلت إلى الكوكب عام 1997. وفي خرائط توزيع المعادن التي أعددناها، تميزت سهول ميريداني بوفرة عالية من الهيماتايت المتبلور crystalline hematite.

 

إن أكسيد الحديد هذا (الهيماتايت)، الشائع على الكرة الأرضية، يتكون بعدّة عمليات يدخل الماء في معظمها. إحداها عمليّة ترسيب precipitation من موائع تجري عبر رسوبيات sediments، وثانيتها عملية ترسيب من خلال انتزاع الماء من معادن الحديد الحاملة للماء مثل أكسيد الحديد المائي (الجيوثيت) goethite، وهو معدن ذو لون بني ضارب إلى الحمرة، يوجد في كثير من التُّرَب الصحراوية. وقد بدت صخور الميريدياني الغنية بالهيماتايت في طبقات رقيقة سهلة التآكّل، استقرت فوق السطح الأقدم الغني بالفوهات البركانية، مما يوحي بأنها تراكمات رسوبية. وقد ملأت قنواتٍ قديمة ومناطق أخرى ذات طوبوغرافية منخفضة، مما يشير إلى أن هذه الصخور ترسبت في الماء، ولم تكن رمادًا بركانيًا أو غبارًا تذروه الرياح.

 

بعد أيام من هبوطها، أكدت المركبة أُپورتيونيتي، أن سهول ميريدياني كانت ذات يوم مغمورة بالمياه. وقد اكتشفت فورًا منكشفات صخرية outcrops تضم صخورا رسوبية طباقية layered، شوهدت لأول مرة على المريخ. كانت هذه الصخور ممتلئة بالكبريتات ـ 30 إلى 40 في المئة من وزنها ـ ولا يُفَسَّرُ هذا إلاّ بتبخر الماء الغنيّ بالكبريت. هذا ولم تكن الكبريتات في فوهة گوزيڤ كثيفة. واتخذ الهيماتايت شكل كرات (أطلق عليها اسم «العِنَبِيَّات» blueberriers)، تراوح أقطارها بين مليمتر واحد وخمسة مليمترات، وكانت مطمورة في طبقات الصخور، ومبعثرة على الأرض كلها.

 

إن أكبر منكشف صخري كشفته المركبة أُپورتيونيتي ـ وهو الذي سُمِّى جُرف بيرنز Burns Cliff ـ بدا كسلسلة من كثبان رملية بللتها مياه سطحية وجوفية. ويتكون كثير من الحبيبات من كبريتات، تكوّنت نتيجة تبخر الماء الراكد، الذي ربما وجد في مناطقَ منبسطة (تسمّى غَوْطات أو سبخات صحراوية playas) واقعة بين تلك الكثبان. وقياسا على معالم مشابهة على الأرض، فقد استغرق تكوّنُ صخورِ جُرْفِ بيرنز مدة تراوح بين آلاف ومئات الآلاف من السنين. وربما تكوّنت حبيبات الهيماتايت الكروية في وقت لاحق من موائع غنية بالحديد، منسابة عبر الرسوبيات. ولأول مرة، يدرس العلماءُ منكشفا(9) صخريا على المريخ، وذلك بالطريقة المتعددة الأوجه التي يتبعها الجيولوجيون على كوكب الأرض.

 

بل إن مورفولوجية سهول ميريدياني، وهي أحد أكثر المواقع انبساطا، من بين جميع المواقع التي رُصدت على أي كوكب، تشبه قاع بحيرة. ويوحي الامتداد الواسع للهيماتايت، الذي رُصد من السفينة المدارية، بأنها كانت بحيرة كبيرة منعزلة أو بحرا صغيرا، أكثر من كونها جزءا من محيط شامل. وتحتوي عدة فوهات واقعة جنوب وغرب رواسب الهيماتايت الرئيسية كما تحوي صخورا طبقية غنية بالهيماتايت، وربما كانت بحيرات منفصلة.

 

ومجمل القول، إن الأمور بدت وكأنّ المرْكبتين الجوالتين هبطتا على كوكبين مختلفين تماما: أحدهما أشد جفافا من أي صحراء على الأرض، والآخر أرض تعجّ بآلاف البحيرات. فهل هذان هما الاحتمالان الوحيدان، أم أن جيولوجية المريخ أكثر تنوعًا من ذلك؟ وهل يمثّل هذان الموقعان، اللذان يفصلهما آلاف الكيلومترات، النسق (المدى) الكليّ لمكونات الصخور، والنشاط المائي على المريخ؟. للإجابة عن هذه الأسئلة الكبيرة، نظر العلماء من جديد إلى بيانات السفن المدارية حول المريخ.

 

أرض الحمم(****)

خلال السنوات الثماني الماضية، اكتشف مقياس طيف الانبعاث الحراريTES أن جميع الصخور والرمال المريخية تقريبا مكوّنة من المعادن البركانية: الفِلْسْپارْ feldspar (سيليكات الألمنيوم)، والپيروكسين والزبرجد الزيتوني ـ وهي مكوِّنات البازلت basalt. وفي ربيع عام 2004، شاركت في الجهود المبذولة سفينةُ وكالة الفضاء الأوروبية مارس إكسپرس المدارية(10) ـ الحاملة لمقياس طيف الإشعاع تحت الأحمر القريب(11) أوميگا OMEGA ـ وبينت السفينةُ الوجودَ الواسع لهذه المعادن. وقد جرى التوصل إلى أن الزبرجد الزيتوني موجود تحت السطح بعمق يتجاوز 4.5 كيلومتر، وذلك في جدران منظومة خانق ڤاليس مارينيريس Valles Marineris Canyon. وهو يظهر في جميع أنحاء السهول الاستوائية بما في ذلك قيعان القنوات. ولم يكن اكتشاف البازلت، الذي يغطي أيضا قسما كبيرا من أرضنا وقمرنا، مفاجأة كبيرة. فالحمم (اللابة) التي تنز عبر هاواي هي من البازلت ـ وهي نمط بدائي ـ تكوّنت في المرحلة الأولى لانصهار دثار الكوكب. وتنبثق الحمم على الأرض باستمرار من سلاسل التلال الموجودة في منتصف أرضية المحيطات لتكوّن قيعانها.

 

بيد أن هناك اكتشافا آخر لم يكن متوقّعا. ففي حين أن الصخور في الأراضي القديمة الغنية بفوهات البراكين كانت من البازلت، فإن الصخور الأحدث الموجودة في الأراضي المنخفضة الشمالية شابهت نمطًا أكثر تطورًا من الحمم يسمى أَنْدِيسايت andesite. فقد احتوت هذه الصخور قدرا أكبر من الزجاج والمعادن الغنية بالسيليكا، وقدرا أقل من المعادن الحاوية على الحديد. وعلى كوكب الأرض، تتكوّن الأنديسايتات عادة حينما تمزجُ الصفائحُ التكتونيةُ الهابطةُ الماءَ بالصخور المنصهرة الواقعة تحت سطح الأرض. هذا ويعتبر الوجود المحتمل للأنديسايتات على المريخ أمرا مثيرا، فقد يشير إلى أن دثار المريخ أكثر ابتلالا من دثار الأرض، أو أن الحمم الحديثة انصهرت تحت درجاتِ حرارة أو تحتَ ضغوط مختلفة عن تلك المتعلقة بالبازلتات القديمة. وللتأكد، يقترح بعض العلماء أن الأنديسايتات المفترضة هي «بازلتات متنكّرة»، إذ يمكن لضباب مائي أو حامضي، أن يتفاعل مع المعادن، لينتج قشرة رقيقة خارجيةveneer شبيهة بالأنديسايت. وقد يتعين على الباحثين انتظارُ نتائجِ دراسات  مفصّلَة لسطوح هذه الصخور، لحل هذه المسألة.

 

مناطق كان فيها المريخ رطبا(*****)

 
http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N12_H01_003846.jpg

تُظْهِرُ پانوراما فوهة النسر(12)، حيث حَطّتْ أُپورتيونيتي، كميات متباينة من معدن الهيماتيت المرتبط بالماء، تراوح بين كميات قليلة (الأزرق) وكميّات كبيرة (الأحمر). والرقع الزرقاء في مقدمة الصورة، هي علامات قطرها قرابة متر، خلفتها المرْكبة الجوالة أثناء هبوطها. أما المناطق البيضاء في المؤخرة فهي منكشفات صخرية مثل منكشف الكاپِتَان El Capitan [الإطار]؛ وعند إجراء فحص مفصّل لها، وُجِدَ أنها مؤلفة من رسوبيات مائية من الكبريتات والهيماتايت.

 

«العنبيّات» هي كريات صغيرة، بحجم ثمر العنبيّات، مبعثرة في أرجاء موقع الهبوط. وقد سمح تركيزها العالي في الصخرة المسماة Berry Bowl [المبينة هنا بألوان صنعية]، للجوالة بالحصول على سجل لتركيبها: فهي هيماتايت ربّما ترسّب من الماء في الفراغات المساميّة لرسوبيات قاع بحيرة.

http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N12_H01_003847.jpg

تبيّن الصور المجهرية حبات بحجم ثمر التوت في التربة (في اليسار) مطمورة في صخرة تدعى Upper Dells (في الأعلى)، والصخرة مخططة بطبقات سمكها مليمتر واحد، ينم شكلها عن أنها ترسبت في ماء جار.

http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N12_H01_003848.jpgآرام كاؤوس(13) هو فوّهة صدم ممتلئة  بالهيماتايت، مثل موقع هبوط المركبة أُپورتيونيتي. وتشير درجات الحرارة الليليّة التي قاستها سفينة مارس أوديسي المدارية، إلى قوام الفوهة المادي: فالدافئ [الأحمر] يعني صخرا، والبارد [الأزرق] يعني غبارا ورملا. ويبدو أن الصخور المنبسطة في مركز الفوهة [البرتقالي] هي ترسيبات قاع البحيرة. وتشير التضاريس المتقطّعة في الجنوب إلى أن الأرض انهارت فجأة، ربما عندما اندفعت المياه تحت السطحية إلى الخارج.

 

إن لمقياس طيف الانبعاث الحراري TES مَيْزا resolution (قوة تفريق فضائي) منخفضا إلى حدٍّ ما، فمدى الپيكْسِلْ (العنصورة) pixel الواحد عدة كيلومترات. لذا لم يبدأ التنوعُ الحقيقيُّ لعلم المعادن المريخيّ بالوضوح إلاّ عام 20011، عندما شرعت آلةُ التصوير تحت الحمراء ثيميس THEMIS (التي ابتَكَرَتْها مجموعتي البحثية لسفينة مدارية أخرى تابعة لوكالة ناسا) هي مارس أوديسي(14) ـ في رسم الكوكب بميز قدره 100 متر. وقد بيّنت هذه الكاميرا، مع المقياس أوميگا، مجموعة متنوعة من مكونات صخور نارية، تناظر مثيلاتها على الأرض.

 

وقريبا من خط الاستواء المريخي يوجد بركانٌ قطره 1100 كيلومتر يسمى سِيرْتِسْ مِيجر(15) تصطفّ على ذروته سلسلة من الفوهات الخامدة أو الكالديرات calderas. ويتكون معظم البركان من البازلت، لكنّ المنحدرات مرقّطة بمخاريط وتدفقات حممية مكوّنة من حمم زجاجية غنية بالسيليكون تسمى داسَيْتات dacites. ويتكون هذا النمط الصخري في حجيرات الصهير magmachamber القابعة تحت البراكين. فعندما يبرد الصهير، يَكُون معدنا الزبرجد الزيتوني والپيروكسين، الغنيّان بالحديد والمغنيسيوم، هما أول ما يتبلور. ويستقران في قاع حجيرات الصهير، تاركيْن الصهير المتبقي غنيّا بالسيليكا والألمنيوم ـ وهو الذي تبرز منه الداسيتات. وتتكون الذُّرا المركزية لكثير من الفوّهات الموجودة على جوانب سِيرْتِس ميجر من صخور أكثر غنى بالسيليكا، هي صخور الغرانيت، التي ربّما تشكلت بالانفصال الكامل للبلورات، أو بإعادة صهر البازلت القديم على نطاق واسع.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N12_H01_003849.jpg

دعه يثلج : ربما لا يكون المريخ ديناميكيا مثلما كان في الماضي، ومع ذلك ثمة حياة في هذا الكوكب. فقد شاهدت سفينة مارس إكسبرس المدارية ما يبدو أنه مجالد (أنهار جليدية) glaciers حديثة جيولوجيا، تتدفق عبر سلاسل جبلية وفوهات [في اليمين]. وكشفت سفينة مارس أوديسي تراكمات ثلجية [السهمان في الوسط واليسار] على المنحدرات المقابلة للقطبين. وقد يكون هذا الثلج مصدر الماء الذي أنتج الأخاديد الحالية [في اليسار]. وإذا كانت الميكروبات تعيش في أي مكان على المريخ هذه الأيام، فإن هذه التراكمات الثلجية هي موقع مناسب لها.

 

وقد خلص الباحثون إلى أن هذا البركان مرّ بمراحل تطورية عديدة. ففي البداية، انبثقت الحمم البازلتية من المركز وكوّنت البركان. ومع تطور الصهير كيميائيا، بدأت بالخروج من الحجرة الواقعة تحت الذروة، مسببة انهيار الأرض، ومغذية الانبثاقات على جوانب البركان. ولا تتميز البراكين المريخية بالضخامة فحسب، ولكنها أيضا معقدة بدرجة مذهلة.

 

وسوف تسقط أمطار خفيفة(******)

إن ما يفتقر إليه المريخ لا يقل أهمية عما يحتويه. إن الكوارتز الموجود بكثرة على الأرض، نادر جدا على المريخ، مما يشير إلى ندرة الغرانيت، الذي يتكون منه الكوارتز، على المريخ. ثم إنه لا دليلَ على وجود المعادن المتحولة(16) مثل الأُرْدُوَاز slate أو الرخام، التي تتكوّن عندما تخضع الصخور البركانية أو الرسوبية إلى ضغوط ودرجات حرارة عالية. والاستنتاج الرئيسيّ لهذه الحقائق هو أن تكتونية(17) tectonic المريخ غير قادرة على دفع الصخور إلى أعماق كبيرة  (حيث تُسَخَّن وتُكبَس) ثم إعادتها للسطح ثانية.

 

تحوي الكرة الأرضيةُ مخزونات هائلة من الصخور الكربوناتية مثل حجر الجير، الذي ترسّب في محيطات دافئة غنية بثنائي أكسيد الكربون. ويَرى علماءُ الكواكب أن المريخ كان عادة أدفأ وأرطب، ومن ثم لابد أن يحوي أيضا طبقاتٍ سميكة من الكربونات، لكنْ لم يكتشف شيء منها. وهذا يعني أن أي محيطات على الكوكب كانت إما باردة أو قصيرة الأمد أو مغطاة بالجليد، أو طاردة للكربونات لسبب أو آخر. ويحوي الغبار المنتشر في كل مكان كميات قليلة من الكربونات، ربما تكوّنت بالتآثر المباشر مع بخار الماء الموجود في الجو، وليس بالتآثر مع الماء السائل على السطح. وثمة طائفة أخرى من المعادن المرتبطة بالماء، هي الأطيان (جمع طين)، يندر وجودها أيضا على المريخ ـ مما يوحي ثانية بأن الكوكب كان في معظمه جافَّا. وينسجم هذا الاستنتاج مع الوجود الواسع الانتشار لمعدني الزبرجد الزيتوني والپيروكسين الكارهيْن للماء.

 

وبهذا المعنى، فإن ما رأته المركبة سپيريت في فوهة گوزيڤ أكثر تمثيلا للمريخ مما وجدته أُپورتيونيتي في ميريدياني. ومع ذلك، فإن ميريدياني ليست المكان الوحيد الذي تظهر فيه البحيرات في الصور المدارية، إذ تحوي فوهة آرام كاؤوس Aram Chaos، التي يبلغ قطرها 280 كيلومترا، مَسِيلا outflowchannel مليئا بالصخور الطباقيّة التي تحوي هيماتايت، وتكسو قاع فوهة البركان كتل عملاقة من الصخور. ويبدو الأمر كأن سيلا جارفا من ماء تحت سطحي قد اندفع بعنف، مسببا انهيار التضاريس الفوقيّة، فاستقر بعض الماء في الفوهة، وشكَّل طبقات من الرسوبيات الحاوية للهيماتايت.

 

وبالمثل، تحوي أغوار ڤاليس مارينيريس صخورا حاوية للهيماتايت تنتظم في طبقات رقيقة سهلة الحت، وهذا يشبه ما يتوقعه المرء من ترسيبات في مياه راكدة. إن هذه الصخور المنتشرة مع غيرها في المنطقة الاستوائية، غنية بالكبريتات، وهي إشارة خفيّة إلى رسوبيّات ماء راكد. وربما تكون البحيرات قد مرت بأحداث عديدة من إغراق بالماء، ثم تبخير (وربما تجميد)، ثم تجفيف.

 

وإضافة إلى قيعان البحيرات القديمة، هناك مناطق تغشاها شبكات كثيفة من قنوات، كوّنها ـ على ما يبدو ـ سقوط المطر وجريانه فوق السطح. ويجادل بعض الباحثين بوجود محيطات شاسعة على المريخ في السابق، اعتمادا على أن الصور الفوتوغرافية للكوكب وطوبوغرافيَته تشيران إلى وجود شواطئ وقيعان محيطات ملساء.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N12_H01_003850.jpg

تقع منطقة نيلي پاتيرا Nili Patera على ذروة البركان العملاق سيرتس ميجور، وتحتوي على حمم بازلتية قديمة (الأزرق)، ومخاريطَ داسيتيّة حديثةِ العهد وتدفقات (الأحمر). أما الكثبان الرملية (البرتقالي) فهي خليط من هذين النمطين. ويعتبر التبركن المرّيخي أعقد كيميائيا مما توقّعه العلماء.

 

وجميع هذه الاكتشافات مجتمعة توفر دليلا قويا على أن الماء كان مستقرا في مناطق منعزلة طوال فترات قصيرة الأمد. تُرى، ما هي العوامل التي جعلت الماء يتراكم ويظل مستقرا في هذه المواقع؟. ثمة تخمين قوي يعزو هذه العوامل إلى تآزر حرارة باطنِ الكوكب، وكميات وفيرة من الملح (الذي يخفض درجة حرارة التجمد)، ووجودُ غطاء واق من الجليد. وربما أدّت صدماتُ النيازك الكبيرة، بين حين وآخر، إلى تدفئة الغلاف الجوي وزيادة سماكته.

 

لكنْ يبدو أن فكرة تشابه الكوكب في وقت ما بالأرض قد عفا عليها الزمن. فالانطباع السائد من الخرائط التعدينية الشاملة هو أننا حيال سطح قديم، مازال يحتفظ بمعادنه البركانية الأصليّة، غَيََّرَهُ الماءُ قليلا. وحتى في سهول ميريدياني، تدل الرمال البازلتية أعلى بحيرة الرسوبيات، على جفاف الموقع طوال مدة تراوح بين بليونين وثلاثة بلايين سنة. وعلى الرغم من وجود شبكات البحيرات وأشباه الأنهار، فإن الماء ربما جرى فيها مدة قصيرة فقط.. ومن المحتمل أن الماء الذي ظلّ مجمّدا طوال معظم الوقت، كان يجري بين الفينة والأخرى، وما يلبث أن يتجمد ثانية. ومع ذلك، مازال علماء الكواكب حائرين في تفسير كيف أن عالَما كان في عمومه مجدبا إلى هذا الحد، يصبح، في أمكنة وأوقات معينة، مائيا بهذه الدرجة.

 

كوكب الفصول الطويلة(*******)

إن الماضي الملحمي(18) الطويل للمريخ يجعله يحظى بأكبر قدر من الاهتمام، بيد أن ثمة تطورين بعثا الحماس ثانيةً لدراسة نشاطه هذه الأيام. أولهما الإجماع المتعاظم على أن المريخ كان نشيطا جيولوجيّا في الماضي القريب. فمعظم البراكين الضخمة والسهول الحمميَّة قديمة، ويعود تاريخها إلى النصف الأول من تاريخ الكوكب، لكنّ غياب فوهاتِ صدم نيزكية على الطفوح البركانية، في مناطق مثل أثاباسكا Athabaska، يوحي بأنها حديثة (بالمعايير الجيولوجية)، وأنها نتيجة انبثاقات جرت في ملايين السنين القليلة الماضية. وقد فتّش الباحثون في الصور تحت الحمراء الليليّة عن براكين نشيطة، أو بقاع ساخنة في باطن الأرض، فلم يعثروا حتى الآن على شيء منها. ويبدو أن المريخ قد برُدَ إلى درجة يندر فيها التبركن، رغم تفجّر الحمم على السطح من وقت إلى آخر.

 

أما التطور الثاني فهو اكتشاف أن المريخ يحوي مستودعات هائلة من الماء المتجمد الذي ينساب في أرجاء الكوكب مع تغيرات مناخه. ومنذ البداية، يحوي كِلاَ القطبين مخزونات من جليد أو رسوبيات غنية بالجليد، يصل سمكها إلى عدة كيلومترات، وتمتد على مساحة تبلغ نحو ضعف الأريزونا. وقد بيّنت قراءات الحرارة تحت الحمراء في السبعينات من القرن العشرين أن قلنسوة القطب الشمالي هي جليد مائي water ice، لكنها لم تحدد تركيب قلنسوة القطب الجنوبي. وتماثل درجةُ حرارة سطحه، درجةَ حرارةِ ثنائي أكسيد الكربون المتجمد. لكنْ هل يقبع الجليد المائي في الأسفل؟. لقد كشفت قراءات حديثة لدرجات الحرارة، قاسها الجهاز THEMIS وجود جليد مائي ناتئ في أمكنة معينة، ومن ثم يبدو أن الجواب عن هذا السؤال هو نعم.

 

ويضاف إلى المخزونِ المائي المعروفِ، الجليدُ الجوفيُّ، الذي كشفته آلَتَا مقياس طيف أشعة گاما ومكشاف النيوترونات العالية الطاقة المحمولتان على السفينة مارس أوديسي، اللتان تقيسان أشعة گاما والنيوترونات الناتجة من تصادم الأشعة الكونية بذرّات في التربة. ويكشف التوزيعُ الطاقيُّ لفوتونات گاما والنيوترونات، عن عناصر تركيب التربة إلى عمقِ عدةِ أمتار. فالهدروجين مثلا، يمتصّ النيوترونات بقوة، ومن ثم فإن ندرة النيوترونات تنم عن وجود هدروجين تحت السطح ـ والأكثر احتمالا أنه جزيء الهدروجين H2 الناتج من الماء H2O. ويبدو أن الماء في المناطق المحصورة بين خطي عرض 60 درجة وكلٍّ من القطبين، يكوّن أكثر من 50 في المئة من وزن التربة. إن وجود الجليد بهذه الوفرة العالية لا يمكن أن يكون نتيجة لمجرد انتشار بخار الماء من الهواء الجوي إلى مسام التربة. وبدلا من ذلك، لا بد أن يكون الثلج قد اختُزِنَ على شكل صقيع أو جليد.

 

إن التضاريس غير العادية للأرض، التي شوهدت عبر خطوط العرض الوسطى، تشير أيضا إلى وجود جليد. وثمة تضاريس شبيهة بملعب كرة السلة بين خطي العرض 30 و 50 درجة في كلا نصفي كرتي الكوكب. وربما يتكوّن مثل هذه التضاريس نتيجة تسخن التربة وتبخر الجليد، وهذا يؤدي إلى تفتت التربة. ويوجد نمط ثان من الترسبات في تجاويفَ فوق المنحدرات الباردة المواجهة للقطبين، وهي طبقة مادية سمكها عشرةُ أمتار ـ يُحتمل أن تكون بقايا ثلج مائي نقي إلى حد كبير. وكانت الأخاديد الصغيرة الحديثة العهد التي تنشأ عادة عن جريان المياه بعد المطر ـ أحد أهم المكتشفات اللافتة للنظر في خطوط العرض الوسطى، وربما كانت نتيجةَ ماء ينبوعي، أو ذوبان للجليد القريب من السطح، أو ذوبان لمقادير وفيرة من ثلج منطلق من أسفل إلى أعلى.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/21/SCI2005b21N12_H01_00134.gif

أَپوليناريس پاتيرا Apollinaris Patera، هو بركان عريض لكنه منخفض، قذف حمما متباينة التكوين. ولربما كان هذا البركانُ مصدرَ الرمادِ الذي عثرت عليه الجوالةُ سپيريت على بعد 350 كيلومترًا جنوبًا. وجرى حت الرواسب البركانية إلى أعماق كبيرة بوساطة الماء. وقد رصدت سفنُ الفضاء انهيارات قوية في المنطقة.

 

وتوحي جميع هذه المعالم المرتبطة بالماء أن المريخ، مثل الأرض، يمر بدورة من دورات العصور الجليدية. ويتذبذب ميل محور دوران الكوكب حول زاوية تبلغ 20 درجة خلال دورة طولها 000 125 سنة. وعندما يكون الميل صغيرا، يكون القطبان أبرد مكانين على الكوكب، ويسقط عليهما ثلج أكثر مما يتبخر منهما، وتكون المحصلة تراكم الجليد. ومع ازدياد الميل، يستقبل القطبان قسطًا أكبر من ضوء الشمس، وَيَسْخُنانِ على حساب خطوط العرض الوسطى. ويميل الماء إلى الجريان من القطبين تجاه خط الاستواء. ومع تراكم الثلج على السطح، يمكن للماء أن يقطر برفق. وفي أيامنا هذه تَسْخُنُ خطوطُ العرض الوسطى، واختفى معظمُ الغطاءِ الثلجي. ولو كان نموذج عصر الجليد صحيحا فعلا، فلسوف تعود عصوره خلال ما يراوح بين الـ 000 25و 000 50 سنة المقبلة.

 

وقصة معلوماتنا عن كوكب المريخ شبيهة بحكاية المكفوفين الذين يصفون فيلاً: فجيولوجية الكوكب تبدو متغيرة، تبعا للموقع الذي ننظر نحوه. والكوكب مكان غني بالتضاريس، وله حاضر يتسم بدينامية مذهلة، وماضٍ معقد متناقض. وصخورُه البركانيّةُ متنوعة كمثيلاتها على الأرض، وتتباين المظاهر الدالة على وجود الماء تباينا شديدا. كان الكوكبُ عرضة لفيضانات غامرة، وربما لسقوط الأمطار عليه في باكورة تاريخه، ومع ذلك فإن صخورهُ القديمة مازالت تحوي معادن تتحلل بسرعة في البيئة الرطبة. والمناخ جاف وبارد، ومع ذلك فإن الجوالة أُپورتيونيتي وجدت نفسها على قاع بحر قديم، مما يشير إلى أن المناخ كان مختلفا جدا. والماءُ السائل غير مستقر في ظل الظروف الحالية، ومع ذلك فقد تكونت أخاديد حديثا، وقد يتواصل تكونها.

 

يعتبر تنوع البيئات السطحية من مكان لآخر ومن وقت لآخر، أحد أهم المؤشرات الواعدة لدراسة بيولوجية المريخ؛ إذ يوفر مجموعة غنية من البيئات، ربما سمحت بوجود الحياة. فقد كان الماء وفيرا في البحيرات عهودا طويلة، وإنْ كانت متقطعة. وربما دامت هذه المياه مدة طويلة تكفي لكي تدب حياة في المادة غير الحية. ولعل الكائنات الحية مازالت متشبثة بالحياة، وأنها تمر بحالة سبات خلال المراحل الباردة، ثم تنشط عندما تتحسّن الظروف المناخية. وسوف تكون بقايا البقاع الثلجية والأخاديد ومناطق مشابهة أخرى، مكانا رائعا، لتبحث البعثات الإنسالية(19) robotic المستقبلية عن حياة فيها.

 

 المؤلف

Philip R. Christensen

بدأ اهتمامُه بعلم الجيولوجيا في طفولته عندما كان دائم السفر في الغرب الأمريكي. وقد شاهد المريخ أول مرة بمقراب أهداه إليه والداه لبلوغه الثانية عشرة. <كريستنسن>، الذي يعمل حاليا أستاذا بجامعة أريزونا الحكوميّة، هو أكبر خبير عالمي في تركيب سطح المريخ. وقد ابتكر فريقُه البحثي آلاتِ الأشعة تحت الحمراء لسفن البعثات الفضائية: الماسح الشامل للمريخ، ومارس أوديسي، وبعثات السفن الجوالة لاستكشاف المريخ. وفي عام 2003 منحته وكالة ناسا ميدالية الإنجازات العلمية الاستثنائية، مكافأة له على أرصاده العلمية الرائدة للمريخ بالأشعة تحت الحمراء. ومنذ منتصف التسعينات من القرن الماضي، استعمل <كريستنسن> أيضا أرصاد سفن الفضاء لدراسة مشكلاتِ التنمية البيئية والحضرية على الكرة الأرضيّة.

 

مراجع للاستزادة 

Global Mapping of Martian Hematite Mineral Deposits: Remnants of Water-Driven Processes on Early Mars. P. R. Christensen, R. V. Morris, M. D. Lane, J. L. Bandfield and M. C. Malin in Journal of Geophysical Research, Vol. 106, Part 10, pages 23,873-23,885; 2001.

Morphology and Composition of the Surface of Mars: Mars Odyssey THEMIS Results. Philip R. Christensen et al. in Science, Vol. 300, No. 5628, pages 2056-2061; June 27, 2003.

Spirit at Gusev Crater. Special issue of Science, Vol. 305, No. 5685, pages 793-845; August 6, 2004.

Opportunity at Meridiani Planum. Special issue of Science, Vol. 306, No. S702, pages 1697-1756; December 3, 2004.

Roving Mars: Spirit, Opportunity, and the Exploration of the Red Planet. Steve Squyres. Hyperion, 2005.

Scientific American, July 2005

 

(*) العنوان الأصلي: THE MANY FACES OF MARS

(**) Overview/ Martian Oddities

(***) Two Places, Two Views

(****) Lava Land

(*****) Where Mars Was Wet

(******) And There Will Come Soft Rains

(*******) Planet of the Long Seasons

 

(1) silty mudstones

(2) solidified lava

(3) quartzite، صخر متحول حُبيبي يتكون من الكوارتز.

(4) نمط سطحي على المواد الرسوبية غير المتماسكة، خصوصا الرمل السائب، يتألف من حيود وحزوز متناوبة تنشأ عن تأثير الرياح أو الماء. (التحرير)

(5)Ma’adim

(6)Columbia Hills

(7)Thermal Emission Spectrometer

(8)Mars Global Surveyor Orbiter

(9) outcrop

(10) Mars Express orbiter

 (11) near-infrared spectrometer

(12) Panorama of Eagle Crater

(13) Aram Chaos

(14) Mars Odyssey

(15) Syrtis Major

(16) metamorphic minerals

(17) tectonics: فرع من الجيولوجيا يعنى بدراسة المعالم الإقليمية التركيبية والتحرفية لقشرة الأرض. (التحرير)

(18)epic past

(19)نسبة إلى إنسالة، وهذه نحت من إنسان ـ آلي. (التحرير)

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى