أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
رياضياتفيزياء نظرية

الألف طريقة وطريقة لقابلية المكاملة

الألف طريقة وطريقة لقابلية المكاملة(*)

إن المسائل الفيزيائية التي يمكننا حلها حلا دقيقا والتي نسميها
مسائل قابلة للمكاملة أو قابلة للحل هي مسائل نادرة. وقد استطاع الفيزيائيون الربط بين ظواهر مختلفة بتحويل مسائل معقدة إلى مسائل يمكن حلها، وذلك بفضل الاستفادة من تناظرات خَفِيّة.

<D.برنارد> ـ <Ph.دي فرانسسكو>


هل هناك تلميذ لا يشعر بالارتياح عندما يستطيع إيجاد حلّ لمسألة رياضياتية أو فيزيائية؟ وهل هناك فيزيائي لم يحلم بحل المعادلات التي تصف الظاهرة التي يدرسها؟ ذلك صحيح، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن؛ إذ إن جلّ المسائل لا تقبل حلولا صريحة. وهذا لا يرجع إلى ضعف مواهب الأشخاص الذين يبحثون عن تلك الحلول، بل إلى البنية الرياضياتية للمسائل المطروحة التي تجعل الحلّ الوحيد الممكن هو حل تقريبي أو عددي.

هناك عدد قليل من المسائل التي تتمتع بحلول مضبوطة يمكن التعبير عنها بصيغة واضحة ومتماسكة (مثل تلك التي تعبّر عن سقوط جسم في الفراغ)، وهي تسمى مسائل قابلة لحل مضبوط(1) (نقول أيضا إنها «قابلة للمكاملة» intégrable) وتخضع في الفيزياء لوضع خاص. إنها مسائل تسمح بالتأكد من صحة قوانين فيزيائية، لأننا نستطيع بوساطة هذه القوانين التنبؤ بدقة بتطوّر نظام عبر الزمن والتحقق من تطابق النتائج مع الدراسة النظرية. لكن السؤال المطروح هو: كيف نتعرّف تلك المسائل القابلة للمكاملة؟


سنرى أن وجود الحلول المضبوطة مرتبط بوجود تناظرات، كما هي حال المسألة المتميّزة لجسمين متآثرين تثاقليا(2)، التي حلت في القرن السابع عشر. وسنصف بعد ذلك كيف يمكن أن يؤدي البحث عن التناظرات الخفية أحيانا إلى توسيع حقل «قابلية المكاملة» إلى مسائل جسيمات متآثرة، لاسيما في دراسة تغيّرات حالة النظم الترموديناميكية (الحركية الحرارية). وستبيّن أمثلة متعاقبة أن اكتشاف أسباب قابلية المكاملة أقام جسورا بين العديد من حقول الفيزياء، وحتى الرياضيات، التي كانت تبدو وكأن لا روابط بينها. تلك هي أهمية النماذج القابلة للحل في الفيزياء!


إن أبرز مسألة قابلة للحل بالضبط هي مسألة كپلر Kepler، المتعلقة بحركتي جسمين ضخميْ الكتلة، مثل حالة كوكب مع نجم من نجومه عندما يكونان خاضعين لفعل تجاذبهما التثاقلي. إن «حلّ» المسألة يعني هنا أن معرفة كتلتي هذين الجسمين، وكذا موقعيْهما وسرعتيْهما الابتدائيتيْن، تمكّننا من وصف تطوّر موقعيْ الكوكبين عبر الزمن وصفا تحليليا(3)  (أي بعبارات رياضياتية متماسكة). من أجل ذلك يكفي تحديد الموقع النسبي لكل من الكوكبين بدلالة الزمن. وتتمثل مسألة كپلر عندئذ في حل ثلاث معادلات تطوّرية ، واحدة لكل وسيط من الوسطاء (الپارامترات) parameters الثلاثة التي تعيّن هيئة configuration النظام (المسافة التي تفصل الكوكبين والزاويتين اللتين تعينان الاتجاه في الفضاء للقطعة المستقيمة الواصلة بين الجسمين).

لِمَ هذا الحل ممكن؟ لقد أثبت الرياضياتي الفرنسي <J.ليوکيل> في القرن التاسع عشر مبرهنة مهمة تقول: إذا كان عدد المقادير التي يحافظ عليها النظام عبر الزمن يساوي عدد درجات حرّيته(5)  (أي عدد المتغيرات اللازمة لتحديده) فإننا نستطيع، نظريا، حل مسألة كپلر حلا مضبوطا، أي التعبير عن تطوّرها عبر الزمن تعبيرا صريحا باستخدام عمليات رياضياتية أوليّة كتبديل المتغيرات واللجوء إلى تكاملات لدوال في متغير واحد ومن ثمّ جاء مصطلح «قابلية المكاملة».

تلك هي حالة مسألة كپلر. ما المقادير التي تتم المحافظة عليها خلال حركة الجسمين؟ تبيّن معادلات الميكانيك المعهود (التقليدي) أن الطاقة الكلية للنظام، وكذا عزمه الحركي الكلي (العزم الحركي لجسيم هو الجداء المتجهي(6)  لمتجه موقِعِه(7) في متجه كمية حركتِه) يظلان ثابتين عبر الزمن. إن الحفاظ على الطاقة وعلى العزم الحركي ناتج من وجود تناظرات.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/1-2/scan0010.gif
 الشكل 1: إن تشكيلات العزوم المغنطيسية لنموذج معطى على شبكة ثنائية الأبعاد، حيث يكون لكل موقع في الشبكة عزم مغنطيسي موجه نحو الأعلى (باللون الأزرق) أو نحو الأسفل (باللون الأصفر)، تتكون (هذه التشكيلات) من حشود مختلفة الحجوم. عندما تكون درجة الحرارة «حرجة» فإنه يتم الانتقال من حالة ممغنطة (تكون فيها معظم العزوم المغنطيسية موجهة نحو الاتجاه نفسه) إلى حالة غير ممغنطة (تكون فيها للعزوم المغنطيسية اتجاهات عشوائية). وبجوار درجة الحرارة «الحرجة» نلاحظ وجود لاتغير في السلم: عندما نعتبر سلما معينا (في اليسار) نشاهد حشودا مختلفة الحجوم، وعندما نجري تكبيرا (بمعامل 2 مثلا، في اليمين) فإن النظام يُظهر الهيئة العامة نفسها. يسمح اللاتغير المذكور بحساب دقيق لبعض خصائص النظام الذي نسميه نظاما «قابلا للمكاملة»


وهكذا فإن الحفاظ على الطاقة يعبّر عن أن قوة الجذب التثاقلي لا ترتبط صراحة بالزمن. ونقول عندئذ إن النظام لامتغيّر invariant، أو متناظر بالانسحابtranslation في الزمن؛ بمعنى أن تغيير مبدأ الزمن (أي لحظة الصفر) لا ينجم عنه أي تأثير يمكن مراقبته. كما أن الحفاظ على العزم الحركي الكلي يرجع إلى التناظر الحاصل بفعل دوران مجمل الجسمين الضخميْ الكتلة؛ لأن القوة التثاقلية بين الكوكبين لا ترتبط إلا بالمسافة التي تفصلهما، وليس بمنحى المستقيم الواصل بينهما. وبعبارة أخرى، فإننا لا نحدث أي تغيير إذا أخضعنا مجموعة الكتلتين المتآثرتين لدوران، مهما كانت زاوية هذا الدوران.


التناظرات تؤدي دورا حاسما(**)


عندما يتعلق الأمر بمسألة كپلر نلاحظ أن التناظرات بفعل الانسحاب في الزمن وبفعل الدوران تكفي للحفاظ على ثلاثة مقادير مستقلة، وهي عدد درجات حريّة النظام؛ ولذا تكون المسألة قابلة للمكاملة.

لقد تمّ حلّ مسألة الجسمين قبل أن يتم تحديد الصلة بين قابلية المكاملة والتناظرات، أو المقادير اللامتغيّرة. لكن المقادير الثلاثة اللامتغيرة المستقلة في مسألة كپلر تضمن إمكانية كتابة الدوال الثلاث المستقلة، التي تصف موقعيْ الجسميْن بدلالة الزمن، كتابة صريحة. بمعنى أنه يمكن ردّ المسألة إلى حلّ ثلاث مسائل أحادية الأبعاد (أي بدرجة حرية واحدة) ومستقلة. وقد تم التوصل إلى العلاقة بين التناظرات والمقادير اللامتغيرة في مطلع القرن العشرين وذلك من قبل الرياضياتية الألمانية <E.نوثر >.

والملاحظ أن مفهوم قابلية المكاملة ينطبق أيضا على النظم الكمومية (الكوانتية) quantum. فثمة ما يكافئ مسألة كپلر: إنها ذرّة الهدروجين. في هذه الحالة، يكون الجسمان (پروتون وإلكترون) خاضعين لتفاعل كهرسكونيelectrostatic، والمقدار المطلوب تعيينه هو الدالة(8) الموجية، وهي الدالة التي تعبّر عن احتمال وجود الإلكترون في كل لحظة عند كل نقطة من الفضاء. إن الحل الدقيق لهذا النموذج معروف منذ العشرينات من القرن الماضي. وكما هي الحال بالنسبة إلى مسألة كپلر المعهودة فإن ذرّة الهدروجين تمثّل عندما لا نراعي فيها سوى التآثر الكهرسكوني نظاما كموميا قابلا للمكاملة وذلك بفضل وجود تناظرات كافية.

كان عدد الأنظمة القابلة للمكاملة في مطلع القرن العشرين لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. ففي الميكانيك المعهود كان الأمر يتعلق خصوصا بخذاريف(9) متناظرة إلى حد ما وخاضعة أحيانا لقوة الجاذبية. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن مسألة الأجسام الثلاثة المتآثرة تثاقليا التي تبدو من البساطة بمكان لا يمكن حلّها حلا مضبوطا. وكذلك الأمر فيما يتعلّق بالميكانيك الكمومي (الكوانتي) إذ لا يمكن بالضبط تحديد الدوال الموجية للذرة الثانية في التصنيف الدوري للعناصر وهو الهليوم (نواة وإلكترونان متآثران كهرسكونيا).

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/1-2/scan0011.gif
http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/1-2/scan0012.gif الشكل 2: عندما تلتقي موجتان منعزلتان فإنهما تتقاطعان من دون أن تتشوها. وهكذا فإننا نثبت أن الحالة النهائية لنظام مؤلف من ثلاث موجات منعزلة، حالة مستقلة عن الترتيب الذي تتم وفقه الاصطدامات (الشكلان a و b). وتسمح هذه الخاصية المتمثلة في تناظر مجرد بتحليل تآثر عدد كبير من الموجات المنعزلة (الشكل c)، وهي مجموعة اصطدامات مؤلفة من ثلاثة أجسام، بشكل يجعل النظام  قابلا للمكاملة. وبذلك نكون قد استخرجنا من بين المسارات الكثيرة (المبينة في الشكل c) نظامي اصطدام قابلين للمكاملة مؤلفين من ثلاثة أجسام: تلك المسارات التي تتقاطع عند النقاط 1-2 و 1-3 و 2-3 (النقاط الزرقاء)، وعند النقاط 1-2 و 1-6 و 2-6 (النقاط الحمراء).


يعتبر الفيزيائيون الكون منقوصا: ذلك أن الوضعيات الحقيقية تؤدي إلى نظم عدد مركباتها يفوق اثنين بكثير. وهكذا فإن جلّ الذرات لها عدد مرتفع من الإلكترونات، ونَوَاها تتشكل من عدد مماثل من الپروتونات والنيوترونات. والملاحظ أن عدد المركبات في السوائل والغازات كبير للغاية. وعليه فإننا بعيدون عن التفكير في إمكانية تحديد مسارات كلٍّ من المركبات الأولية لمثل تلك النظم. ولذلك ندخل في اعتبارنا متغيّرات جديدة، تسمى متغيرات ماكروسكوبية (عِيانيّة)macroscopic (الضغط، درجة الحرارة، المغنطة، …) للمقادير المحصل عليها وذلك بحساب متوسطات المتغيرات الميكروسكوبية (المجهرية) microscopic  للمركبات. وفي هذه الحالة، فإن الحلّ المضبوط لمسألة معيّنة يعني التحديد المضبوط لسلوك المتغيّرات الماكروسكوبية الواحدة بدلالة الأخرى. فالأمر يتعلق هنا مثلا بتعيين درجة الحرارة التي ينتقل عندها جسم من حالة إلى أخرى (مثل انتقال الماء من الحالة السائلة إلى الحالة الغازيّة أو الحالة الصلبة) وذلك بدلالة الضغط أو بدلالة متغيّر آخر ترمودينامي (حركي حراري).

تنتج قابلية المكاملة في معظم الحالات المدروسة من قبل الفيزيائيين من تناظرات أكثر تعقيدا من تلك التي جئنا على ذكرها حتى الآن. ولنوضّح ذلك من خلال ما يعرف بالسوليتون soliton الهدرودينامي (الحركي المائي) hydrodynamic. إنها ظاهرة شاهدها في منتصف القرن التاسع عشر المهندس <J.روسل> وهو يتجوّل، ممتطيًا حصانه، على ضفاف إحدى القنوات المائية. لقد شاهد <روسل> أن أمواجا منعزلة تتشكل في القناة وتنتشر فيها على مسافات كبيرة من دون أن يتغيّر شكلها.

كائنات لامتغيّرة: السوليتونات الهدرودينامية (***)


تحكمُ في هذه الموجات الهدرودينامية المسماة موجات منعزلة أو سوليتونات إحدى معادلات ميكانيك السوائل التي تمّ البرهان عليها في أواخر القرن التاسع عشر. وكانت تلك المعادلةُ قابلةً للمكاملة؛ إذ نعرف كيف نحسب بالضبط مَلْمَحَ(10) السوليتون الهدرودينامي أي ارتفاع سطح الماء عند كل نقطة منه، وكيفية تحديد انتشار الموجة. ومن المذهل أكثر أننا نلاحظ بالمشاهدة والحساب معًا أن موجتين منعزلتين ومتعاكستين في الاتجاه تتقاطعان وتخترق إحداهما الأخرى من دون أن يُحْدِث ذلك تغيّرا في شكليهما. وكل ما نلحظه من تغيّر في آخر المطاف هو بعض التأخر في سرعة الانتشار.

إن ثبات سرعات الموجات يتعارض مع ما نشاهده عند اصطدام جسميْن رخْويْن حيث يتمّ خلال الصدمة امتصاص جزء من الطاقة الحركية. أما بالنسبة إلى هذه الموجات، فليس ثمة فقدان للطاقة، بل على العكس فنحن نشاهد بشفافية جليّة كل موجة واضحة المعالم بالنسبة إلى الأخريات، مع أنه ليس لهذه الموجات بنى صلبة.


يعتبر مثال الموجات المنعزلة مثالا بنّاءً لسببين: أولهما تِبْيانه إمكانية أن تكون مسألة قابلة للمكاملة على الرغم من كونها موصوفة بمعادلة معقدة وليس فيها تناظر ظاهري. ثم إن المثال يوضّح أن قابلية مسألة للمكاملة تؤدي إلى ظهور خصائص جماعية بالغة الأهمية. لنكرّر مجددا أن خضوع سوليتون لاصطدام لا ينجم عنه سوى تأخر في انتشار الموجة. وإذا ما قَدِمَت عدة سوليتونات من أية جهة من قناة، كلّ منها بسرعة وسِعَة amplitude معينتيْن، فإن الحالة الإجمالية للنظام (بعد مختلف الاصطدامات) لا تتعلق إلا بالحالة الابتدائية للنظام (أي حالته قبل حدوث أول اصطدام)، وهي لا تتعلق بتسلسل التآثرات المتعاقبة. وعليه ينبغي إضافة هذه الخاصية المتمثلة في اللاتغيّر بمبادلة permutationالاصطدامات إلى قائمة الخصائص من هذا القبيل مثل اللاتغيّر بالدوران التي يحيط بها المختصون في المسائل القابلة للمكاملة.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/1-2/scan0013.gif
الشكل 3: عندما يتطور نظام أحادي الأبعاد عبر الزمن كما تتطور مجموعة مصطفة من السپينات حيث يستطيع كل منها تغيير اتجاهه في كل «خطوة» زمنية (الشكل الأيسر) فإن هذا النظام يصبح مكافئا لنظام ثنائي الأبعاد (الشكل الأيمن) يمكن دراسة خصائصه «السكونية» (أي تلك التي لا تتعلق بالزمن). وبفضل هذا التكافؤ يمكننا تطبيق طرائق مستخدمة لحل مسائل أحادية الأبعاد على نظم ثنائية الأبعاد.


ويمكن نقل فيزياء الموجات المنعزلة الهدرودينامية، وكذا تناظرها، إلى مسائل فيزيائية أخرى. لنعتبر مثلا حالة موصِّل كهربائي أحادي الأبعاد يضم حشدا من الإلكترونات. إذا كان هناك إلكترون واحد، فإن معادلة شرودينگر Schrödinger التي تمثل معادلة أساسية في الميكانيك الكمومي لأنها تتحكم في تطور الدالة الموجية تتنبأ بانتشار الدالة الموجية للإلكترون عبر الزمن: بمعنى أن الدالة لا تحافظ على شكلها. لنتخيّل الآن وجود عدد كبير من الإلكترونات، ولنفترض أنها لا تتآثر فيما بينها إلا عند نقطة التقائها، وهنا تتنافر بشدة. ضمن هذه الشروط، فإن الدالة الموجية الكلية للنظام ذي الطاقة المثبتة وهي تكافئ مُركب دوال موجية لجسيم واحد تحافظ على بنيتها عبر الزمن شأنها في ذلك شأن موجة منعزلة.

وهكذا فإن اللاتغيّر بمبادلة الاصطدامات ينتقل أيضا إلى هذا النظام المؤلف من جسيمات كمومية متآثرة عند نقاط تماسها. ماذا يحدث عندما يقع اصطدام بين جسيمين تابعين لنظام كمومي قابل للمكاملة؟ نلاحظ – كما هي الحال بالنسبة إلى السوليتونات المعهودة أن ملامح الدوال الموجية تُحْفَظ خلال الاصطدامات، وأن التأثير الوحيد لتلك الاصطدامات هو تأخر محتمل مقارنة بالانتشار الحرّ (أي الانتشار من دون اصطدامات). ومن ثمّ نثبت أن ترتيب وقوع الاصطدامات في النظام ليس له أهمية ذات شأن. والتأخرات المتراكمة وحدها هي التي لها أهمية. وكما هي الحال بالنسبة إلى السوليتونات الهدرودينامية، فإن قابلية المكاملة لهذه المسألة ناجمة عن خاصية اللاتغيّر بمبادلة الصدمات بين الجسيمات. لذا باستطاعتنا استنتاج جميع خصائص النظام انطلاقا من وصف الصدمات بين جسيمات ثلاثة (انظر الشكل 2).

إننا لم نتطرق حتى الآن إلا لأنظمة أحادية الأبعاد وهذا إما لكونها هكذا بشكل صريح، وإما لأن التناظرات كانت تسمح باختزال ضمني لمسألة متعددة الأبعاد فتردّها إلى عدة مسائل مستقلة أحادية الأبعاد. والجدير بالذكر هنا أنه لا توجد مبرهنة تشير إلى أن المسائل الأحادية الأبعاد هي المسائل الوحيدة القابلة للمكاملة. لكن الواقع ينبئنا بأن حل المسألة يزداد تعقيدا بقدر تزايد عدد أبعادها.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/1-2/scan0014.gif
الشكل 4: عندما نعتبر حالة جسم مغنطيسي حديدي فإن طاقة تفاعل سپينين متجاورين طاقة أصغرية إذا ما كان للسپينات الاتجاه نفسه (جميعها متوازية). ويمكن إجمالا تحقق هذا الشرط سواء تعلق الأمر بشبكة مربعة (الشكل a) أو بشبكة مثلثية (الشكل c). وخلافا لذلك فإن طاقة التآثر في حالة جسم مغنطيسي حديدي مضاد تكون أصغرية عندما يكون للسپينين المتجاورين اتجاهان متعاكسان. وهنا يمكن ألا نخل بهذا الشرط في جميع نقاط شبكة مربعة (الشكل b) لكننا لا نستطيع ذلك في شبكة مثلثية (الشكلان d و e). وينبغي أن نلاحظ في شبكة مثلثية مغنطيسية حديدية مضادة أن السپينات الثلاثة المتجاورة لا يمكن أن تكون جميعها متضادة التوازي: إذا كان سپينان متضادي التوازي، فإن ثالثهما يوازي أحدهما. ومن ثم فلابد أن يكون هناك «إحباط» للروابط الواصلة بين السپينات المتجاورة: وهناك على الأقل ثلث عدد اتجاهات السپينات يستحيل إخضاعه لقيد التوازي المضاد.


ويمكن الانتقال من حالة بُعْدٍ واحد إلى حالة بُعْدين باعتبار أن جملة أحادية الأبعاد تتطور عبر الزمن تمثل نظاما سكونيا ثنائي الأبعاد. لنلجأ مرة أخرى إلى المقارنة وذلك كما فعلنا لدى الانتقال من مسألة هدرودينامية إلى مسألة جسيمات كمومية متآثرة. فعندما أشرنا إلى حالة الإلكترونات المتحركة على مستقيم كنا نريد وصف تطوّر مواقعها (أو بالأحرى، احتمال وجودها) عبر الزمن. لننظر إلى هذا النظام من زاوية أخرى. تكون الإلكترونات في لحظة معينة في هيئة ما تحدّدها مواقعها أو تحدّدها متغيرات أخرى. وفي اللحظة التالية تتغيّر هذه الهيئة، وهكذا دواليك. لنتخيّل الآن أننا وضعنا هذه «اللحظات» جنبًا إلى جنب. يمكن أن نعتبر من الناحية النظرية بأننا تحصّلنا بذلك على نظام سكوني ذي بعدين (انظر الشكل 3).

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/1-2/scan0015.gif
الشكل 5: يتحول نظام عزوم مغنطيسية في الحالة المغنطيسية الحديدية المضادة (حيث تكون الطاقة أصغرية عندما تكون سپينات موقعين متجاورين متعاكسة الاتجاه) إلى تبليط paving للمستوى بثلاثة أنواع من المعينات (الشكل b) عند إزالة الروابط المحبطة (وهي الروابط الموجودة بين سپينين من الاتجاه نفسه). كما أن تلوين المعينات بثلاثة ألوان مختلفة يجعلنا نرسم (بالرسم المنظوري) حشدا من المكعبات (الشكل c) يمكن أن يمثل سطح جسم صلب ذي بنية بلورية مكعبة. إن التناظر (الشكل d) يماثل إجراء تبديل في ترتيب وقوع الصدمات في مسألة من مسائل الموجات المنعزلة. والملاحظ أن تطبيقها يكافئ إضافة أو إزالة مكعب. وعندما نطبق هذا التحويل الموضح في الشكل السداسي ذي المحيط البرتقالي على كامل المكعبات (الشكل e) فإننا نحصل على حشد مكعبات جديد (الشكل f).

 

من حالة بُعْد واحد إلى حالة بُعْدين(****)


يتمثّل تغيير وجهة نظرنا للمسألة في اعتبار الهيئات configurations المختلفة لنظام أحادي الأبعاد على فترة زمنية معينة بمثابة مجموعة هيئات سكونية لنظام ذي بعدين في لحظة واحدة. وهكذا نَلْمَح كيف يمكن أن تعمَّم الطرق المطبقة على الأنظمة الأحادية الأبعاد القابلة للمكاملة لتشمل دراسة الظواهر السكونية ذات البعدين.

غير أن ما يشغل بال الفيزيائيين في كثير من الحالات هو الخصائص السكونية للنظام. ذلك ما نلحظه في الترمودينامية، وفي الفيزياء الإحصائية، حيث يتركز اهتمامنا على تغيرات حالة جسم بدلالة درجة الحرارة أو الضغط أو حقل مغنطيسي خارجي أو مقدار فيزيائي آخر. إن نمط النماذج المستخدمة من قبل المختصين في الفيزياء الإحصائية هو نموذج آيزنگ Ising، الذي أدخله الفيزيائي الألماني<W.لنز> عام 1920 ثم واصل البحث فيه تلميذه <E.آيزنگ>. ويتمثل النموذج في شبكة نقاط موزّعة بصفة دورية نضع فوقها عزومًا مغنطيسية، المكافئ الميكروسكوبي لمغنطيسات صغيرة. ومن حيث المبدأ، يمكن أن تكون لهذه الشبكة أبعاد فضائية بالقدر الذي نريد، كما أن شكلها الهندسي يمكن أن يكون كيفيا. وفي أبسط الحالات، التي تفيد مثلا في نمْذَجة بلَّوْر مغنطيسي، نجد أن الشبكة مكعبة cubic والعزوم المغنطيسية تمثّل سپين spin (أي العزم المغنطيسي الذاتي intrinsic) ذرّات الشبكة البلّوْرية. إضافة إلى ذلك، فإننا نفترض أن العزوم المغنطيسية لا تأخذ سوى قيمتين متعاكستين في الاتجاه، وأنها لا تتآثر إلا مع أقرب جيرانها.

نقول عن التآثر إنه مغنطيسي حديدي إذا مال كل سپينيْن متجاوريْن إلى التوجه نحو الاتجاه نفسه. وعليه نجد في حالة انخفاض درجة الحرارة عندما تكون التقلّبات الحرارية ضعيفة أن عددا كبيرا من السپينات يتجه نحو الاتجاه نفسه: ذلك أن هناك مغنطة شاملة للمادة المستعملة. وعندما تكون درجة الحرارة المطلقة منعدمةً فإن جميع السپينات ترْكُن في الاتجاه نفسه وتكون المغنطة أعظمية. وعلى العكس من ذلك، عندما تكون درجة الحرارة مرتفعة فإن التقلّبات الحرارية تتغلب على التآثرات المتبادلة: يكون للعزوم المغنطيسية اتجاه عشوائي وتكون المغنطة الشاملة الناجمة عنها معدومة. وهكذا عندما ترتفع درجة الحرارة فإن طور phase النظام يتغيّر، حيث ينتقل من طور ممغنط إلى طور غير ممغنط.

يسمح نموذج <آيزنگ> ومشتقاته بوصفٍ مختصر لبعض نواحي عدد كبير من الظواهر: من تغيّر الأطوار المغنطيسية إلى تآثرات الجسيمات الأولية مرورا بالتحول سائل-غاز. لنركّز الآن على الحالة ذات البعدين. فبفضل التشابه القائم بين نظام سكوني ذي بعدين ونظام أحادي الأبعاد يتطوّر عبر الزمن يمكن القيام بحساب مضبوط لنموذج <آيزنگ> في حالة بعدين، وكذا حساب متغيرات ترمودينامية أخرى. كان هذا الحلّ المضبوط عملا رياضياتيًا بالغ الأهمية، أنجزه عام 1944 الفيزيائي النرويجي <L.أونساجر>، وذلك بعد أكثر من عشرين سنة من تاريخ إدخال نموذج <آيزنگ>.

نموذج <آيزنگ>، نموذج مثالي للفيزياء الإحصائية(*****)

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/1-2/scan0016.gif
الشكل 6: نعتبر فسيفساء دورية تغطي المستوي مكوّنة من دوائر متمركزة (الشكل الأيسر، الخلية الأولية)، ثم نطبق عليها التحويل المطابق z→ 1/zالذي يحول كل
نقطة (yوx) إلى النقطة [x/(x2+y2), -y/(x2+y2)]. عندئذ نلاحظ أن مظهر الفسيفساء يتغير. فعلى سبيل المثال تصبح الدوائر غير متمركزة؛ لكنها تتحول إلى دوائر. إن هذه الخاصية لامتغيرة بالنسبة إلى التحويل. يسمح وجود اللامتغيرات للفيزيائيين بتصنيف نظم فيزيائية في الصنف نفسه في حين أنها قبليا مختلفة.


يمكن بصفة عامة، في حالة بعدين، إنشاء نماذج قابلة للمكاملة لوصف ظواهر جماعية تؤدي إليها التآثرات الميكروية للجسيمات. ومن أبسط صيغ نموذج <آيزنگ> نموذجه المغنطيسي الحديدي المضاد antiferromagnetic، حيث يساعد التآثرُ المتبادلُ على وجود اتجاهين متعاكسين لعزمين مغنطيسيين متجاورين، وليس مساعدة الاتجاهات المتطابقة، كما هي حال النموذج المغنطيسي الحديدي. وهكذا نلاحظ في حالة شبكة مربّعة أن الحالة الأساسية أي حالة الطاقة الأصغرية لمجموعة العزوم المغنطيسية المعدومة الحرارة تمثّل بنية شبيهة برقعة الشطرنج: كل سپين محاط بسپينات اتجاهها معاكس لاتجاهه.

إن الوضع يزداد تعقيدا إذا ما عرَّفنا النموذج على شبكة ذات هندسة مختلفة؛ مثلا، شبكة مثلثية. نجد في هذه الهندسة أن كل عزم مغنطيسي قريب من ستة جيران (انظر الشكل 4). عندما تكون درجة الحرارة جدّ منخفضة فإن عدد ثنائيات العزوم المغنطيسية المتجاورة والمتجهة في اتجاهات متعاكسة ينبغي أن يكون أعظميا. نقول عن ثنائية سپينيْن متجاوريْن متجهيْن باتجاه واحد إنها مُحْبَطةfrustrated  إلا أننا نرى بسهولة في حال شبكة مثلثية أن هناك ثنائيتيْن فقط من بين ثلاث يمكن أن تمثّلا معا روابط ملائمة، أي سپينات متضادة التوازيantiparallel.

وفي نموذج المغنطيسية الحديدية هناك حالة واحدة مستقرة الطاقة في درجة حرارة منخفضة: إنها الحالة التي تكون فيها العزوم المغنطيسية متجهة في الاتجاه نفسه. أما في حالة المغنطيسية الحديدية المضادة فيوجد عدد من حالات التوازن يساوي عدد إمكانيات ترتيب ثنائية العزوم المغنطيسية المحبَطة وغير المحبَطة على الشبكة. وعندما تكون درجة الحرارة منعدمة، فإن نموذج المغنطيسية الحديدية المضادة يقبل المكاملة. دعنا نحاول إدراك السبب. لنبدأ بإثبات أن هذا النموذج للمغنطيسية المحبَطة يكافئ مسألتيْن أخرييْن. من أجل ذلك نزيل الروابط المحبَطة، أي روابط الشبكة التي تصل عزوما مغنطيسية لها الاتجاه نفسه. وبذلك نشكّل معيّنات rhombuses تتألف من ثنائيات مثلثية تشترك في رابط محبط (انظر الشكل 5). إننا أمام مسألة تبليط paving عشوائي للمستوي ذات علاقة بفيزياء أشباه البلّوْرات. ونستخلص من ذلك أن هناك عددا من الحالات الأساسية في النموذج الابتدائي المغنطيسي الحديدي المضاد يساوي عدد التبليطات الممكنة للمستوي بوساطة معيّنات من تلك الأنماط الثلاثة.

توجد صياغة أخرى للمسألة نفسها تتمثل في استخدام ثلاثة ألوان للتمييز بين أنماط المعينات الثلاثة في التبليط، وهو ما يجعلنا نظهر (في رسم منظوري) تكدّسًا ثلاثي الأبعاد يتألف من مكعبات. والواقع أن ذلك التكدس يعرّف سطحا فاصلا لبلّوْرين مكعبي الشبكة، أحدهما مشكّل من تكدّس مكعبات والآخر مما تبقى. وعندما نصيغ بهذا الشكل نموذج <آيزنگ> المغنطيسي الحديدي المضاد فإنه يصبح مثالا لنموذج يدعى «صَلْب على صَلْب» solid on solid  ويكتب اختصارا(SOS). وفي هذا الإطار، يمكننا استكشاف جميع الهيئات الممكنة للسطوح الفاصلة، أي تكدّسات المكعبات وذلك بإضافة أو إزالة مكعبات أولية بصورة متعاقبة.

في التمثيل المنظوري نلاحظ أن العملية الأولية الموافقة لإضافة أو إزالة مكعب تتمثل فقط في المبادلة permutation بين المعيّنات الثلاثة داخل الشكل السداسي. ثم إن هذا التحويل الأولي يذكّرنا بالمفهوم الأساسي في قابلية المكاملة: إنه استقلال سيرورات الاصطدامات عن الترتيب الزمني لحدوث تلك الاصطدامات. وعندما نترجم ذلك إلى لغة نموذجنا الإحصائي فإن اللاتغيّر المشار إليه هنا يؤدي إلى إمكانية استنتاج الخصائص الإجمالية للنظام من تعداد هيئات ثلاثة مواقع متجاورة. وفي إطار أعمّ للنظم القابلة للمكاملة يمكن التعبير عن هذا التناظر الرابط بين الخصائص الإجمالية للنظام ومميّزاته المحلية بوساطة علاقات رياضياتية، تدعى علاقات يانگ-بَكستر Yang-Baxter، كان قد أدخلها في أواخر الستينات من القرن الماضي الفيزيائي الصيني< N.Ch.يانگ> والفيزيائي الأسترالي <R.بكستر>.


التنوّع الموحّد(******)


تسمح قابلية المكاملة بإقامة روابط بين ظواهر فيزيائية متنوعة إلى حد كبير. وهكذا نلاحظ في نموذج موضّح على شبكة أن المركّبات الواقعة في عُقَد الشبكة تتآثر وفق قواعد يمكن للفيزيائي اختيارها بالشكل الذي يريده. وحسب التآثر المختار، فإن خصائص النظام يمكن أن تكون جدّ مختلفة. فعلى سبيل المثال نلاحظ في نموذج التبليط بوساطة المعيّنات الوارد آنفا أن بعض الاختيارات للتآثرات المحلّية تضمن ارتباط توجيه أي معيَّنٍ بالمعيّنات التي تفصلها عنه مسافات كبيرة جدا. ومن ثمّ يحدث أحيانا أن تكون المسافات المميّزة التي تؤثر فيها هذه الارتباطات، مسافات تقارب في مقاديرها حجم النظام بكامله. في هذه الحالة يكون الحديث عن نظم حرجة. ولنظم كهذه، لا تؤثر كثيرا التفاصيل على المستوى المحلي في الخصائص الإجمالية أو الجماعية. وفي النموذج sos  مثلا،  نستطيع أن نعوّض تكدّس المكعبات الصغيرة بسطح متصل من دون أن نفقد معلومات مفيدة في موضوع عرض المسألة كما لو لاحظنا الوضع من بعد إثر إزالة تفاصيل الحالة الابتدائية.

وهكذا، وعلى ضوء ما ذكرنا آنفا، فإن ربط التفاصيل الميكروية للنموذج بالطبيعة «الحرجة» للنظام، يضمن تعادل النظر مجهريا لجزء من النظام مع النظر إلى النظام بكامله (انظر الشكل 1). وفي هذه الحالة نتحدث، على اللاتغيّر بتبديل السلم. وفي الحالة الخاصة للنظم الثنائية الأبعاد، يؤدي هذا اللاتغير إلى لاتغيّر إثر التحويلات المطابقة(11)  المحلية، أي تلك التحويلات التي كان من المفترض أن تتغير تبعا لتغيّر السلم من نقطة إلى أخرى من نقاط النظام. تلك هي الفكرة التي استغلها عام 1984 الباحثون السوکييت <A.بلاکين > و<A.پولياكوف > و<A.زمولودشيكوک > كي يرسوا أسس اللاتغيّر المطابق الثنائي الأبعاد(12).

اللاتغير وقابلية المكاملة(*******)


يعتبر اللاتغيّر مؤشرا ينبئ بقابلية تلك النظم للمكاملة. وقد سمح ثراء بنية اللاتغيّر المطابق بفرز وتصنيف مختلف السلوكيات الحرجة التي يمكن أن تظهر في النظم الثنائية الأبعاد ذات التآثر المحلي (أي حيث لا تتآثر سوى المواقع المتجاورة). كما مكّن أخيرا من وضع جدول شبيه بجدول <مندلييک> يبرز الظواهر الجماعية لتلك النظم. وينبغي أن ندرك هنا أن كل عنصر من الجدول يوافق العديد من النظم على شبكة مستوية تشترك في كثير من السلوكيات الجماعية الحرجة: تسمى هذه العناصر صفوفا شمولية. فعلى سبيل المثال، نلاحظ أن جميع نماذج <آيزنگ>  المغنطيسية الحديدية الثنائية الأبعاد تنتمي إلى صف شمولية واحد، وذلك مهما كانت الشبكة المستوية المختارة. وعلى العكس من ذلك، فقد سبق أن رأينا أن الحالة المغنطيسية المضادة أقل «شمولية» لأنها مرتبطة ببنية الشبكة: نلاحظ أن بعض الأشكال الهندسية تؤدي إلى إحباط ثنائيات السپينات. لكن هذه الحالة التي تُطرح في كثير من المسائل الفيزيائية تسمح ببلوغ صفوف شمولية أخرى في الجدول المذكور. من جهة أخرى، فإن اللاتغيّر المطابق وجد تطبيقات حديثة تسمح بنمذجة مواد جديدة ذات أحجام نانومترية(13) ومن أجلها تم تبني وصفٍ شبه أحادي الأبعاد.


وخلال العشرين سنة الأخيرة اكتسبت النظم القابلة للمكاملة، بفضل ثرائها البنيوي، مكانة مرموقة في الرياضيات والفيزياء. وكان ذلك قد بدأ باكتشاف صلة بين مفاهيم قابلية المكاملة ونظرية الجبور algebras  غير التبديلية المرتبطة بتباديلpermutations مجموعة أشياء. ذلك أن الرابط بين اصطدامات Nجسيما وتباديل Nجسيما يتمثّل في النظر إلى العناصر التي نجري عليها التبديل كأنها الجسيمات نفسها، علما بأن ترتيب مواقع الجسيمات يتبادل خلال كل اصطدام.

توفّر عناصر زمرة group التباديل الحل الأبسط لعلاقات يانگ-بكستر، كما أنها توافق جسيمات من دون تآثر. أما إذا كانت الجسيمات متآثرة فلابدّ من إجراء تعديل في صيغة الحل. وقد أثبتت الدراسة العامة لحلول معادلات يانگ- بكستر أنها دراسة مثمرة. ذلك أنها أدت في الرياضيات إلى ميلاد نظرية الزمر الكمومية التي أدخلها خلال التسعينات من القرن العشرين الروسي <V.دريرنفلد> (الحائز ميدالية فيلدز لعام 1990) والياباني <M.جيمبو> والپولندي <S.ورونوکيتش>  كما أنها أظهرت صلات مع نظرية العُقد استفاد منها بوجه خاص< V.جونس>(الحائز ميدالية فيلدز لعام 1990).


تفرعات عدة في الفيزياء والرياضيات(*******)


لقد جرت دراسة النماذج SOS الآنفة الذكر على صعيد آخر حيث تمّ اعتبار شبكات هندساتها تتغير عشوائيا من نقطة إلى أخرى، وذات طبولوجيات مختلفة. وقد اتضح أن هذه النماذج ذات الهندسات المتقلّبة قابلة للمكاملة أيضا، وأدى حلّها إلى تصنيف تأثيرات هندسة عشوائية في الظواهر الحرجة الثنائية الأبعاد. وبفضل دراسة نماذج مماثلة استطاع . <M.كونتسکيتش> (الحائز ميدالية فيلدز عام 1998، وعضو معهد الدراسات العليا العلمية الفرنسي IHES، الواقع في ضاحية بورس سورإکيت الباريسية) تجديد الهندسة التعدادية(14)، وهي فرع قديم من فروع الرياضيات يُعنَى بتعداد أشياء (مستقيمات، مستويات، الخ.) خاضعة لعلاقات ذات صلة بتقاطعاتها. إضافة إلى ذلك، فإن هذه النماذج غالبا ما تُعتَبر كصياغات أولية لنظريات الأوتار التي تدعي أنها توحّد بين نظرية النسبية العامة والنظرية الكمومية.

وهكذا فإن دراسة النظم القابلة للمكاملة وعلاقات يانگ-بكستر تشعّبت اليوم وتولدت منها تفرعات عدة في الفيزياء والرياضيات. فعالم قابلية المكاملة، عالم شبيه بنظام بيئي، توسّع بشكل معتبَر مقتحما فروعا فيزيائية ورياضياتية بكاملها فصارت جميعها تشكّل اختصاصا جديدا هجينا يعيد النظر في مفاهيمه حرفيا من موضوع إلى آخر، مقيما بذلك جسورا بين حقول علمية لا صلة بينها قبليا(15).

المؤلفان

Denis Bernard – Philippe di Francesco

 

 <برنارد> مدير أبحاث لدى المركز القومي للبحث العلمي الفرنسي CNRS. فاز عام 2004 بالميدالية الفضية لهذا المركز.<دي فرنسسكو> كان أستاذ رياضيات في جامعة شپيل هيل بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو فيزيائي لدى هيئة الطاقة الذرية الفرنسية. يعمل المؤلفان الآن في قسم الفيزياء النظرية بساكلي (فرنسا).

  مراجع للاستزادة

 

O. BABELON, D. BERNARD et M. TALON, Introduction to classical integrable systems, Cambridge University Press, Cambridge, 2003


P.DIFRACESCO, P.MATHIEU et D. SÈNÈCHAL, Conformal field theory, Springer Verlag, New York, 1997.

 

(*) Les mille et une facettes de l’intégrabilité :هذه ترجمة للمقالة بعنوان

 Scientific American الفرنسية هي و إحدى أخوات مجلة العلوم الثماني عشرة التي تترجم مجلة Pour la Science وقد صدرت في عدد الشهر 10/2005 من مجلة

(**) Les symétries jouenet un rôle clef

(***) Des objets invariants: les solitons hydrodynamiques

(****) De une à deux dimensions

(*****) Le modèle d’lsing, archétype de la physique statistique

(******) La diversité unifiée

(******) Invariance et intégrabilité

(*******) Des ramifications nombreuses en physique et en mathématiques

 

(1) exactement solubles

(2) interaction gravitationelle

(3) analytique

(4) équations d’évolution

(5) degrés de liberté

(6) produit vectorial أو الجدار الشعاعي

(7) vector position

(8) fonction أو تابع

(9) toupies ج: خذروف (دوامة أو بلبل)

(10) profil: المنظر العام

(11) conform

(12) L’invariance conforme bidimensionnelle

(13) النانومتر: وحدة قياس طول تساوي جزءا من بليون من المتر. وعلى سبيل المثال فإن سمك شعرة من شعر الإنسان يراوح بين 50 ألف و 100 ألف نانومتر.
(14) la géométrie énumérative

(15) a priori    (التحرير)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى