أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
بيولوجيا

تعزيز تنوع الحياة

تعزيز تنوع الحياة(*)

إن فهما جديدا لكيفية انقراض بعض الأنواع قد يساعدنا على

اكتشاف أفضل السبل للحفاظ عليها بتكاليف لن تكون باهظة.

<L.S .پيم> ـ <C.جينكينز>

 

على طريق مملوء بالنفايات، نقف تحت زخات مطر دافئ نتأمل أحد مراعي القطعان الخضراء. وهو عبارة عن فجوة بين جانبي غابة يبلغ طوله كيلومترا واحدا وعرضه مئة متر. وفي هذا المكان الذي يبعد بضع ساعات بالسيارة عن مدينة ريودو جانيرو، سيتخذ جيلنا قرارات تحدد فيما إذا كان بإمكاننا تعزيز التنوع الحالي للحياة على الكرة الأرضية، وهو ما يمكن أن نسميه التنوع الأحيائي biodiversity. لقد كان يوما في البرازيل ما يزيد على مليون كيلومتر مربع من الغابات الساحلية وفي العشرة في المئة من أنواع الحياة المتبقية تعرض أكثر الأنواع عددا في الأمريكتين إلى خطر الانقراض.

 

وحينما نقول «إننا» نقف تحت المطر المنهمر، فنحن نعني كلينا إضافة إلى زميلة برازيلية تدعى <A.M.ألفز> [وهي عالمة بيئة من جامعة ريودو جانيرو الحكومية]. ويوجد معنا أيضا صاحب المرعى الذي قام بقطع أشجار الغابة لتربية قطيعه، ظانا أن هذه هي أفضل وسيلة لكسب المال. كما يصحبنا ممثل عن إحدى المنظمات غير الحكومية(NGO)  المحلية التي تسعى إلى المحافظة على الغابة. ويمكننا نحن العلماء أن نقنع الرأي العام العالمي بدعم هذا الجهد، لكن البرازيليين الثلاثة، الذين يمثلون الملايين من أبناء بلدهم، هم من يملكون اتخاذ القرار فيما يتعلق بتحديد أولويات بلادهم بين رعي قطعان الماشية وإدارة شؤون البيئة.

 

في هذا المرعى وعبر اليابسة والمحيطات يقل توازن الحياة على الكرة الأرضية بشكل مستمر لا رجعة فيه (غير عكوس). وليس هناك من قوة تستطيع أن تعيد الأنواع المنقرضة إلى الحياة مرة أخرى، ذلك أننا لا نعيش في حديقة جوراسية Jurassic Park. وفي مناطق أخرى صار الوقت متأخرا جدا لعمل أي شيء في هذا المضمار. ففي مرتفعات هاواي كنّا نرتعش تحت المطر البارد وعبثا نبحث عن طيور لها أسماء غريبة ومناقير أكثر غرابة؛ ذلك أن طيور «أكيالو» و«أويو» و«نوكوپوو»(1) كان  يراها الناس قبل عقود من الزمن.

 

 أما طيور پو أولي(2) فيبدو أنها قد اختفت أثناء كتابة هذه المقالة. ولا يحتاج المرء إلى زيارة الأمكنة النائية ليلحظ التغيرات،  إذ يكفي أن نستعرض الأسماك عند بائعيها لنلحظ اختفاء الكثير من الأنواع. فالمسمكة التي كانت تبيع السمك البرتقالي orange roughy في بداية الثمانينات من القرن  العشرين، انهارت خلال ذات العقد. لقد تسببت عمليات الصيد الجائر في اختفاء هائل  لمعظم أنواع السمك الرئيسية في سائر أنحاء المعمورة.

 

وقد تتساءل.. «أليس الفناء ظاهرة طبيعية؟» ونجيب «بالتأكيد!» فمعظم الأنواع تتعرض يوما للانقراض، ولا يثير هذا النوع من الفناء القلق ما دام يحدث بمعدلات طبيعية؛ ذلك أن الأحافير fossils والآثار الجزيئية  للأنسال (الذريات) lineages التطورية evolutionary تُظْهِر أن الأنواع تولد  وتنقرض على مدار فترة زمنية تمتد مليون عام. (باستثناء تلك الأحداث الخمسة  للانقراض الجماعي، التي تسببت باختفاء الدينوصورات وثلاثيات الفصوص trilobitesوأنواع عديدة أخرى). وفي هذا السياق يكمن تناظر مؤداه أننا نحن البشر نعيش 75 عاما أو ما يقاربها. وفي عينة من 75 شخصا نتوقع موت واحد منهم كل عام، وفي عينة  من سبعة أشخاص يموت واحد كل عقد من الزمن. وإذا افترضنا أن الفترة الزمنية التي يعيشها أحد الأنواع تمتد إلى مليون عام، فإننا نتوقع أن يفنى واحد من كل مليون بشكل طبيعي كل عام. وعلى هذا الأساس، فإن من بين عشرة آلاف نوع من الطيور المعروفة، ينقرض أحدها كل قرن من الزمان. ولكن المعدل الحقيقي لانقراض هذه الأنواع من الطيور هو واحد كل عام، وهو معدل غير طبيعي ويبلغ مئة ضعف معدل الفناء الطبيعي.

 

ويتشابه انقراض جميع أنواع الحيوانات والنباتات المعروفة في كونه غير طبيعي. إضافة إلى أن هذه الأنواع تتشابه في مَعْلَم آخر، وهو أن انقراضها يتم بسبب ممارسات الإنسان، بما في ذلك الصيد وإدخال أنواع غريبة (مثل الفئران والنباتات العشبية الضارة)، إضافة إلى تدمير مواطن الأنواع. وهناك تهديدات أخرى قادمة، تتمثل في الاحتباس الحراري global warming الذي يمثل خطرا على التنوع الأحيائي ربما يكون مساويا ـ ومضافا إلى ـ فقدان الموطن(3).

ولأسباب سنوضحها لاحقا، فإن بعض الأنواع أقل حصانة(4) من غيرها ومتمركزة جغرافيا. وتزداد معدلات الانقراض غير الطبيعية، حينما تصطدم الأنشطة البشرية بهذه التمركزات. وهذا ما يدفعنا للحضور إلى مرعى للمواشي في البرازيل أو إلى غابة غائمة بهاواي وليس إلى حقل ذرة بولاية أيوا. ومن أجل الحفاظ على تنوع الحياة، لا بد للمرء أن يتعامل مع أمكنة مختارة، وهذا ما يتيح فرصا ومشكلات في آن واحد. ومن بين هذه المشكلات أن مثل هذه الأمكنة المختارة تقع في الغالب في البلدان النامية عبر المناطق الاستوائية في العالم.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/5/P20.gif
إن الحفاظ على نحو دِزينتين من المواقع التي تحددت على أسس علمية، مثل هذه الغابة الساحلية المطيرة قرب مدينة ريودو جانيرو في البرازيل، سيكون بداية طريق طويل في اتجاه الحفاظ على التنوع الأحيائي على الكرة الأرضية.

 

وقد نتساءل «ألم يؤد استخدامنا لمصادرنا الطبيعية إلى تطورنا؟» وهذا يعني بداهة أن البشرية يمكن أن تكون أحسن حالا على الرغم من فقدان بعض الأنواع، وربما بسبب ذلك. ولنا أن نتساءل أيضا «من نحن حتى نسمح لأنفسنا بإعاقة تقدم الدول الفقيرة؟» وفي معظم الأحيان فإن الدول المتقدمة لا تحقق فائدة من إتلاف مصادرها الذاتية. وفي الغالب لا يعي أغنياء العالم مقدار الضرائب الهائلة التي يجب عليهم تسديدها للإقلال من الأنشطة المدمرة للبيئة. فنحن نخسر كلا من الطبيعة والمال في ذات الوقت. وحتى فقراء العالم لا يستفيدون في الغالب من تخريب بيئتهم؛ فهم على سبيل المثال، يحصلون على نسبة عالية من حاجتهم إلى الپروتين من الأسماك، ولا يمكنهم في ذلك الاعتماد على السمك المستورد من بلاد بعيدة، إذا ما دمرت مصايد أسماكهم المحلية. كما أنهم يعتمدون على ما يحصلون عليه من الغابات القريبة، مثل الوقود والغذاء والماء العذب.

ومن أجل تعزيز التنوع الأحيائي، على العالم أن يحدد أولا الأمكنة المختارة، ثم يقوم فورا بحمايتها. وفي هذه الأثناء لابد من الإجابة عن أسئلة أخرى، منها: هل يمكنننا أن نحصل على كفايتنا من الطعام ونحافظ في ذات الوقت على التنوع الأحيائي؟ والجواب نعم. وهل الحفاظ على الأنواع يتطلب من البشرية أن تعود إلى نظام الحياة البدائي الذي عاشته قبل النهضة الصناعية؟ والجواب لا. ولا جدال بأن تعزيز التنوع الأحيائي يكلف أثمانا باهظة، كما ستكون المنافع كثيرة.

 

 (**)جغرافية الانقراض غير الطبيعي 

 

إن معدلات الانقراض المرتفعة ليست في كل مكان، بل تنحصر في أمكنة غير متوقعة، ويفترض بداهة أن الانقراض سيحدث في الأمكنة ذات الكثافة السكانية العالية وحيث تعيش أعداد كبيرة من الأنواع (حيث يكون مزيد منهم في خطر). لكن هذه الفرضية خاطئة، ذلك أن الأنشطة البشرية تتركز في شرق أمريكا الشمالية وأوروبا، ومع ذلك فإن هذه المناطق لا تعاني إلا انقراضا قليلا. وهناك عدد قليل من الأمكنة يعيش فيها عدد كبير من الأنواع، مثل حوض الأمازون. وتشمل مناطق الانقراض السوداء معظم الأنواع في الجزر والثدييات mammalsفي أستراليا  والنباتات في القرن الجنوبي لإفريقيا وأسماك المياه العذبة في حوض الميسيسيپي وبحيرات شرق إفريقيا.

في الجغرافية الحيوية biogeography أربعة قوانين تفسر هذه النماذج الشاذة [انظر الإطار في الصفحة 29]. ويمكن إجمالها بالقول إن الطبيعة قد كونت عددا هائلا من «البيض»(5) (وهي الأنواع غير الحصينة أو الحساسة vulnerable species) ووضعتها في عدد قليل جدا من السلال، ثم ألقت بها في طريق الأذى والدمار.

 

إن إزالة أشجار غابة أو تجفيف أراض رطبة أو بناء سد على نهر أو نسف شعب (حيد بحري) مرجاني coral reef بالديناميت لقتل ما به من  أسماك، يمكن أن يؤدي إلى القضاء مباشرة على الأنواع ذات المديات(6) الصغيرة أكثر  من  الواسعة الانتشار. ويشير القانون الأول إلى أنه يوجد في العادة العديد من هذه الأنواع غير الحصينة.

 

أما القانون الثاني فيجعل الأمور أكثر سوءا، لأن الأنواع غير الحصينة وذات مديات صغيرة تكون عادة نادرة محليا، مما يجعلها أقل حصانة. ويوضح القانون الثالث أن غابات العالم الاستوائية تحتوي على العدد الأكبر من الأنواع غير الحصينة. ويبيِّن القانون الرابع أن الأمور تزداد سوءا، ذلك أن الأنواع غير الحصينة أكثر من غيرها تستوطن عددا قليلا من الغابات الاستوائية الخاصة. وهكذا، فإن هذه القوانين تولّد النمط الذي نلحظه، حيث يحدث الانقراض في الأمكنة التي يتم تخريب بيئتها الطبيعية، وبخاصة في عملية إزالة الغابات، وهي ذات الأمكنة التي تكثر فيها الأنواع غير الحصينة.

 

 

مفترق طرق أمام

التنوع الأحيائي(***)

 

 المشكلة:

إن معدلات انقراض الحيوانات والنباتات أعلى بكثير من توقعاتنا المبنية على الأدلة الأحفورية والجزيئية، وهي تقترب من كونها أعلى من العلامة القياسية(3) ألف مرة.  وبسبب هذه الانقراضات سوف يقل التوازن على الكرة الأرضية بشكل لا عودة عنه.

الخطة:

من أجل الحفاظ على التنوع الأحيائي يجب علينا الحماية الفورية لبعض الأمكنة المختارة التي تتعرض فيها معظم الأنواع للمخاطر. وقد تم تحديد هذه الأمكنة على أنها 25 «بقعة ساخنة» في العالم، إضافة إلى  مختلف مناطق الغابات البرية.

تظهر جميع الصور في هذه المقالة أنواعا نادرة من بقع العالم الساخنة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/5/P21.gif

 

ربما يعيش نصف أنواع العالم في25  منطقة استوائية غنية بالغابات، حيث أدت الأنشطة البشرية إلى إزالة أكثر من 70 في المئة من مساحات  الكساء  الخضري الطبيعي. إن هذا الجمع بين الأعداد الكبيرة للأنواع غير الحصينة والمعدلات العالية لتخريب البيئة، يميز هذه المناطق بأنها بقاع ساخنة  hot spots. [انظر الإطار في الصفحتين  30و 31]. أما معرفة الباحثين بأحوال المحيطات فهي أقل مما يعرفون عن اليابسة، لكن هذه المحيطات أيضا تحتوي على تجمعات مماثلة للأنواع بمديات صغيرة. وتوجد هذه التجمعات في نظم بيئية لشعاب مرجانية في مواجهة مباشرة مع الأنشطة البشرية، كما هي الحال بالنسبة إلى مثيلاتها البرية.

 

لكن مساحات واسعة من البراري البكر مازالت قائمة، مثل الغابات الاستوائية الرطبة في الأمازون والكونغو والغابات الخشبية الجافة في إفريقيا والغابات الصنوبرية في كندا وروسيا. وإذا ما استمرت عمليات إزالة هذه الغابات البرية بالوتيرة الحالية فإن معدل الانقراض فيها وفي البقاع الساخنة(7) سوف يصير قريبا أعلى بألف ضعف العلامة القياسية(8) «واحد في مليون».

 

إيجاد حلول لمناطق  خاصة(****)

 

بعد أن يتم الاتفاق على المناطق الواجب حمايتها، كيف يمكن للعالم أن يحقق هذا العمل؟ وبصفة خاصة، من الذي سيدفع تكلفة الحماية؟ من الواضح أن الدول المتقدمة هي المصدر الأساسي للدعم، لكن الحل يبدو أكثر تعقيدا؛ إذ إن معظم الغابات البرية إضافة إلى 25 من المناطق الساخنة كانت يوما مستعمرات  أوروبية (ومازالت كاليدونيا الجديدة محمية فرنسية). ومثل هذه البلدان المستقلة حاليا تنظر بحذر إلى جهود الدول التي استعمرتها سابقا، لإنقاذ غاباتها. ومن الواضح أن هذه الدول غالبا ما تنظر إلى غاباتها على أنها مصدر للدخل أكثر من كونها حدائق وطنية مستقبلية يجب الحفاظ عليها.

 

ويوفر بيع عقود التخشيب (قطع الأشجار) logging leases للدول الفقيرة مدخولا ماديا قليلا لا أكثر، ولكن الدمار الذي تسببه عمليات التخشيب الجائرة للمناطق الطبيعية وللبشر الذين يعيشون فيها يمكن أن يكون كبيرا. لذا فإننا نتساءل ما هي التكلفة التي يمكن أن تتحملها مجموعات الحفاظ على البيئة لشراء عقود التخشيب؟ وتقدّر هذه التكلفة من واقع عقود حقيقية، بخمسة بلايين دولار أمريكي لحماية ما يقرب من خمسة ملايين كيلومتر مربع من الغابات التي مازالت برية. وتوفير هذا المبلغ لا يبدو عملا مستحيلا، إذا ما عرفنا مقدار المبالغ التي تتدفق إلى المنظمات الدولية للحفاظ على البيئة.

 

ولا شك أن هناك العديد من التحديات التي يمكن من خلالها مساعدة البلاد الغنية بالغابات على تطوير بدائل لعمليات التخشيب، ليس أقلها إقناع الخشابين بأن قيمة الغابات سوف تزداد كلما ازدادت المساحات المحمية منها. وهناك أيضا انتشار عمليات التخشيب غير القانونية، وهذا يدعونا للتساؤل ما هي الضمانات المتوافرة للاستمرار في حماية هذه الغابات؟ وعلى سبيل المثال، فإن أندونيسيا تمتلك ثاني أكبر احتياطي من الغابات، لكنها حسب التقييمات الدولية تعتبر من الدول التي يكثر فيها الفساد، إضافة إلى أن لها سجلا سيئا في التعدي على حقوق الذين مازالوا يعيشون في الغابات.

 

 

قوانين الجغرافيا(*****)

 

إن القوانين البيئية (الإيكولوجية) هي أنماط تُطبق عالميا على الكثيرمن المجموعات المختلفة للأنواع species. وأربعة من هذه القوانين تصف أين تعيش هذه الأنواع ووفرتها.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/5/P22.gif

 

القانون الأول: إن معظم المديات (ج: مدىrange) البيئية صغير جدا؛ والقليل منها واسع جدا. فواحد من 10 طيور، وواحد من6 ثدييات، وأكثر  من نصف عدد البرمائيات لها مديات بيئية أصغر مساحة من ولاية كونكتيكت. ومعظم الطيور والثدييات والبرمائيات جميعها تقريبا لها مديات بيئية أصغر من مساحة الولايات الثلاث: كاليفورنيا ـ أوريگون ـ واشنطن، مجتمعة. أما الطيور الشائعة في المدن والقرى، مثل طيور الكاردينال (طائر أمريكي مغرد) cardinals وطيور البقر cowbirds فمدياتها البيئية واسعة فوق العادة.

القانون الثاني: إن الأنواع ذات المديات البيئية الصغيرة هي نادرة محليا. فبالنسبة إلى الطيور، يلاحظ أن ثلث عدد تلك الطيور التي تمتلك مديات بيئية مساحتها تساوي مساحة كونكيتكت، «نادر» ـ فقد يحتاج المراقب إلى عدة أيام من البحث الحقلي ليعثر على واحد منها. وقلة منها فقط «شائعة» ـ يراها المراقب في كل رحلة حقلية. وجميع الأنواع تقريبا التي لها مديات بيئية تبلغ تقريبا مساحة شمال أمريكا، هي شائعة.

القانون الثالث: إن عدد الأنواع التي توجد في مساحة مفروضة يختلف كثيرا وتبعا لبعض العوامل المشتركة. فعلى سبيل المثال، إن في القطب الشمالي Arctic أنواعا قليلة، في حين ثمة أنواع كثيرة في المناطق الاستوائية tropics.

القانون الرابع: إن الأنواع التي مدياتها صغيرة هي غالبا ما تكون مركزة جغرافيا.

 

إن تهجير السكان الفقراء يشكل واحدا من أهم أسباب اضمحلال الغابات الاستوائية. فبعضهم أُجْبر على ترك مزارعه إلى أمكنة أخرى، وبعضهم الآخر شجعته الحكومات على البحث عن مأوى في المدن الفقيرة. ونحن من الناحية العملية أو الأخلاقية لا نستطيع توجيه اللوم إلى هذه الحكومات أو نحذرها من القضاء على الغابات. وإذا كنا نحن الأغنياء نقدر هذه الغابات لذاتها، وليس كمراعٍ للقطعان العجاف، وجب علينا أن نجد الوسائل لتعويض الدول التي تحافظ على غاباتها تعويضا ماديا. ومن المهم أن نجد الوسائل للتأكد من أن هذه التعويضات ستذهب إلى أولئك القاطنين على أطراف هذه الغابات والذين يملكون القرار اليومي حول مصير هذه الغابات. وكما هي الحال في السياسة فإن الحفاظ على البيئة هو خيار و قرار محليان.

 

تشكل البقع الساخنة تحديات مختلفة عن تلك الخاصة بالغابات ذات الكثافة السكانية القليلة؛ ذلك أن هذه البقع الساخنة تتوافر فيها أعداد كبيرة من السكان، إضافة إلى أن ثمن الأراضي فيها أعلى بكثير. فهل من العملي أن نحمي ما تبقى منها؟ الجواب نعم، لكن علينا أن ندفع الثمن.

 

 

إنقاذ مناطق خاصة(******)

تؤوي مناطق الغابات الاستوائية الثلاث المتبقية في العالم، إضافة إلى25 من «البقاع الساخنة» (المشار إليها على الخريطة)، معظم أنواع النباتات والحيوانات الموجودة في العالم. ويعرف <N.مايرز> [من جامعة ديوك] «البقاع الساخنة» بأنها المساحات التي تحوي عددا كبيرا من النباتات المستوطنة والتي فقدت 70 في المئة من غطائها  الأخضر. إن حماية هذه الأمكنة وحماية ما تبقى من الغابات الاستوائية البرية تدعم بقاء معظم الأنواع بأقل تكلفة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/5/P24.gif http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/5/P23.gif

 

لننظر إلى الغابات الساحلية المتبقية في البرازيل. لقد توصلنا مع <ألکيس> وزملائها إلى حل مشترك يجمع ما بين المعرفة بتوزع الأنواع وخرائط الاستشعار عن بعد للمساحات المتبقية التي تغطيها الغابات والمرتفعات (انظر الشكل في هذه الصفحة). ويلاحظ أن الغابات على المرتفعات العالية مازالت في حالة جيدة وتشكل كتلا متواصلة. لقد حمتها صعوبة الوصول إليها، وهي تحتوي على عدد قليل من الأنواع المهددة بالانقراض. لكن همنا الأكبر هو الغابات التي تغطي الأراضي المنخفضة والتي تحتوي على العدد الأكبر من الأنواع غير الحصينة. لقد جرى تقطيع هذه الأراضي إلى رقع صغيرة. ويعتبر التقطيع مشكلة في حد ذاته، لأن التجمعات غير الحصينة من الحيوانات والنباتات في كل بقعة يمكن أن تتضاءل وتنقرض في غياب مهاجرين من حين إلى آخر. ويؤدي التقطيع كذلك إلى منع الأنواع من الانتشار والنفاذ إلى بيئات أكثر برودة في أعالي المنحدرات حينما تصبح في حاجة إلى ذلك بسبب الاحتباس الحراري.

 

إن إعادة تأهيل الغابات بسد الثغرات بين غابات الأراضي المنخفضة، مثل مراعي القطعان، تعد مجدية؛ ولأن المساحات المستهدفة صغيرة فإن تكاليفها قليلة نسبيا. ومما يساعدنا على أداء مهمتنا أننا نعمل مع علماء محليين وبإشراف منظمات محلية. لكن معظم البلدان ذات التنوع الأحيائي تفتقر إلى الخبراء القادرين على تحديد مشكلاتهم الخاصة بتأثير فقدان الأنواع في اقتصاداتهم المحلية المتنوعة ونظمهم السياسية ومعتقداتهم الدينية وقيمهم الثقافية. ولا يتوقع المرء أن تبقى المساحات الطبيعية سليمة ما لم يتوافر مختصون محليون في مجال الحفاظ على البيئة ممن حصلوا على تدريب جيد، كي يتمكنوا من وضع حلول مبدعة للإشكاليات التي يفرضها استغلال المصادر الطبيعية في بلدانهم.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/5/P25%20copy.gif

تمتلك ولاية ريودو جانيرو البرازيلية (الموضحة في الخريطة باللون اليمين) واحدا من أكبر تجمعات الأنواع المهددة في العالم. يقع مرعي القطيع الذي زارة الكاتبان في بداية هذا المقال في رقعة من غابة في أرض منخفضة.  ويعيش معظم أنواع الطيور المستوطنة في تلك الولاية والمهددة بالانقراض في مثل هذة الرقاع . إن أعادة الاتصال بين هذة المناطق مع غابات المناطق المرتفعة تشكل أهم الأولويات للحفاظ علي البيئة (المناطق الرمادية أصبحت خالية من الغابات).

 

حسن استخدام الحوافز(*******)

 

لماذا لا تقوم البرازيل بإزالة غابات الأمازون لتجني الفوائد التي حصلت عليها الولايات المتحدة جراء إزالة غاباتها؟ (ولدى البرازيل لتنفيذ ذلك خطة طموحة، يطلق عليها «تقدمي يا برازيل» Avança Brasil). بداية يمكن القول إن المقارنة بين الدولتين فيها الكثير من الخلل؛ ذلك أن التربة تحت الغابات الرطبة، بخلاف تلك التي توجد في غابات المناطق الحارة، غاية في الفقر. وقد تم إزالة ما يقرب من سبعة ملايين كيلومتر مربع من غابات المناطق الاستوائية الرطبة على مستوى العالم أجمع، وهو ما يساوي نصف مساحتها الإجمالية. ولقلة خصوبة التربة والخبرات الزراعية المتردية، تم تحويل مليوني كيلومتر مربع إلى أراضٍ زراعية، أما باقي تلك الأراضي فقد كانت غير قابلة للاستخدام، وقد امتلأت بأعشاب كريهة لا تصلح إلا لعدد قليل من القطعان أو الأغنام. إن هذه المساحات الواسعة غير المستخدمة والتي كانت يوما مليئة بالغابات، تدحض ما يذهب إليه الذين يعتقدون أن إزالة الغابات يمكن أن تؤدي إلى رخاء اقتصادي محتوم.

 

والأمر الآخر، أن الدولة التي تجادل في أن تطورها يتطلب أن تدمر ثرواتها الطبيعية، تجلب على نفسها عواقب مشؤومة جراء هذا القرار. ونستدل على ذلك مما جرى في الولايات المتحدة، إذ قامت بالإضرار بأنهارها نتيجة إقامة السدود عليها أو توزيعها عبر قنوات. لقد كانت التكلفة العالية لهذه المشاريع التي تحمَّلها دافعو الضرائب، كارثية. وعلى سبيل المثال، فإن سلسلة الخنادق الضخمة والسدود تسببت في دمار هائل لمنطقة إکرگلادز Everglads في جنوب  فلوريدا. وقد تم ذلك بهدف توفير مساحات رطبة لزراعة قصب السكر. ويدفع الأمريكيون نحو بليون دولار سنويا، للإبقاء على الإنتاج المحلي للسكر وذلك أكثر مما قد يدفعونه لشراء هذه السلعة من الأسواق العالمية. إضافة إلى ذلك، فإن التكلفة التي يتحملها دافعو الضرائب جراء بناء الخنادق والسدود وصيانتها وتنظيف البيئة ودعم ضريبة الملكية المحلية تعتبر تكلفة إضافية. وهناك خطة إعادة التأهيل والترميم لمنطقة إفرگلادز تتكلف عشرة بلايين دولار لدعم عملية إيصال الماء لجنوب فلوريدا؛ ولكن هذه الخطة لا تضيف أي فوائد، أو قليلا منها، لإکرگلادز خلال ربع القرن الأول من تشغيلها.

 

وتقدم المسامك أمثلة أخرى كثيرة، فبسبب الدعم الحكومي العام، فإن تكلفة عمليات صيد الأسماك على مستوى العالم أقل من تكلفتها الحقيقية من دون هذا الدعم. ويذكر كل من <مايرز> و <J.كنت> في كتابهما الموسوم «الدعم الخاطئ» Perverse Subsidies أن الدخل المحقق من سوق السمك وصل إلى 70بليون دولار عام 1989 ، في حين أن التكلفة الحقيقية لصيد هذا السمك بلغت 124بليون دولار، وحتى هذا الرقم لا يتضمن الدعم الإضافي الذي  تدفعه حكومات الأقاليم والولايات.

 

أما الوجه الآخر من هذه العملة فيتمثل في أن الطبيعة تمنحنا خدمات أساسية ولكنها لا تحظى بالتقدير الذي تستحقه. وهناك قائمة طويلة من هذه الخدمات يعددها تقرير صدر أخيرا حول «تقويم النظم البيئية خلال قرن» منها: الغذاء، الماء النقي، خشب الوقود، النباتات الطبية، المحاصيل النباتية البرية، منع الفيضانات، تنظيم المناخ، وغيرها الكثير. ويضاف إلى جميع هذه الخدمات: القيمة، المنافع الترفيهية والجمالية والروحية التي ينبغي أن تأخذها الدولة في الحسبان إذا أرادت أن تقرر فيما إذا كان تقطيع غابة يجلب المنافع فعلا.

 

وتتمثل إحدى الوسائل التي يمكن من خلالها أن تدعم الدول الغنية قرار الحفاظ على الغابات في أن تعمل على أن تنضم الدول النامية إلى نظام كيوتوKyoto لتجارة الكربون [انظر: «كيف يجب علينا تحديد الأولويات؟» في هذا العدد الخاص]. فقد اتضح أن التغيير الذي يطرأ على الأرض، وبخاصة التغيير الذي يتعلق بطريقة التعامل معها والذي من أهم مظاهره إزالة الغابات، يتسبب في إطلاق ربع كمية ثنائي أكسيد الكربون على مستوى العالم، وذلك حسب ما توصلت إليه «هيئة المستشارين الدولية (بين الحكومية) حول تغير المناخ.»(9)إن سوقا دولية في الكربون يمكن أن  تولِّد حافزا للدول الغنية بالغابات للحفاظ على غاباتها بدلا من تحويلها إلى مراعٍ للقطعان.

 

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/5/P26.gif
 

أُزيلت سبعة ملايين كيلومتر مربع من الغابات الاستوائية الرطبة، وهذا يعادل نصف مساحتها الإجمالية الأصلية، لكنه لم يُستَصلح سوى مليوني كيلومتر مربع من الأرض لتصبح منتجة للمحاصيل.

 

 

وهناك حافز دولي آخر هو السياحة البيئية ecotourism؛ ذلك أن الغابات الاستوائية والشعاب المرجانية والأراضي الرطبة ـ وهي في الحقيقة أمكنة تعيش فيها الأنواع غير الحصينة ـ تعتبر مناطق طبيعية ساحرة بسبب وجود هذه الكائنات فيها. وغالبا ما يغامر السائح البيئي بالذهاب إلى الأمكنة البعيدة عن عاصمة الدولة المعنية وما ينفقه قادتها فيها بسخاء كبير. ففي قرية بعيدة في شمال غرب مدغشقر، حيث تعمل مجموعتنا، يبلغ معدل دخل الفرد أقل من دولار واحد في اليوم. إن الأموال التي ينفقها السيّاح لزيارة الحديقة الوطنية القريبة، ليأكلوا في مطعم محلي وليقيموا في أحد المخيمات تعتبر قليلة بالمعايير المحاسبية الدولية. لكنها على المستوى المحلي تعتبر سببا قويا ودافعا لعدم إحراق الغابة والقضاء على الليمورات lemurs (من  فصيلة القردة  الطويلة الذنب) التي تعيش فيها.

 

إن حماية التنوع الأحيائي، سواء كان ذلك في الغابات البعيدة أو في البقع الساخنة المشبعة بالكائنات الحية والموجودة في المحيطات أو على اليابسة، يمكن أن تتحقق؛ إذ إن العديد من الإجراءات اللازمة لذلك غير مكلفة، وأن الكثير من هذه الغابات يوفر منافع اقتصادية محلية. وعلى جيلنا أن يقرر تفعيل هذه الإجراءات، وإلا فقد يفوت الأوان إذا ما تُرك ذلك للجيل القادم.

 

المؤلفان

 Stuart L.Pimm – Clinton Jenkins

 

 يعملان في مدرسة نيكولاس للبيئة وعلوم الأرض في جامعة ديوك، وهما باحثان في مجال الحفاظ على البيئة يقومان بتوثيق الانقراضات الماضية والمستقبلية المحتملة، وذلك للوصول إلى طرق تساعد على منع حدوث تلك الانقراضات. ويختص جينكنز في استخدام نظم المعلومات الجغرافية GIS وتقانة الاستشعار من بعد لتحديد الأولويات في إجراءات الحفاظ على البيئة.

 

  مراجع للاستزادة

 

Biodiversity Hotspots for Conservation Priorities. N. Myers, R.A. Mittermeier, C.G. Mittermeier, G.A.B. da Fonseca and J.Kent in Nature, Vol. 403,pages 853-858; February 24, 2000.

 

Can We Defy Nature’s End? S. L. Pimm et al. in Science, Vol. 293, pages 2207-2208; September 21, 2001.

 

Perverse Subsidies: How Tax Dollars Can Undercut the Environment and the Economy. Norman Myers and Jennifer Kent. Island Press, 2001.

 

The World According to Pimm: A Scientist Audits the Earth. Stuart L. Pimm. McGraw-Hill, 2001.

 

Ecosystems and Human Well-being: Synthesis Report (Millennium Ecosystem Assessment). Island Press, 2005

 

(*) SUSTAINING THE VARIETY OF LIFE

(**) The Geography of Unnatural Extinction

(***) Crossroads for Biodiversity

(****) Finding Solutions for Special Places

(*****) The Laws of Biogeography

(******) Saving Special Places

(*******) Getting the Incentives Right

 

(1)nukupu’u ou ،akialoa         

(2) Po’ouli

(3) habitat loss

(4) vulnerable غير حصين أو عطوب.

(5) “eggs”

(6) ج: مدى range

(7) The hot spots

(8) benchmark

(9) intergovernmental Panel on Climate Change

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى