أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تكنولوجيا

تشكيل صورة لوجه جورج واشنطن في شبابه

تشكيل صورة لوجه جورج واشنطن في شبابه(*)

خبير في علم الأصول البشرية يُركِّب صورة لِ<جورج واشنطن>(1)
عندما كان شابا، وبذا يحل لغز سرٍ مدهشٍ قديم.

<J.شوارتس>

 

من بين الذكريات القليلة المتبقية في مخيلتي من المدرسة الابتدائية عن <جورج واشنطن>(1) أنه قطع في طفولته شجرة كرز ونسب تلك الفعلة الشنعاء  إلى والده؛ وأنه عندما كبر، كانت لديه أسنان من خشب. لكنْ أخيرا، ازدادت معلوماتي عن <واشنطن> قليلا، وقد تبين لي أنه لم يقطع شجرة كرز قط، وأنه لم تكن لديه أسنان من خشب؛ إلا أن هذين الأمرين كانا أقل ما فاجأني.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/011s.gif

إعادة تشكيل رقمي لما يمكن لهيئة <واشنطن> أن تكون عليه في التاسعة عشرة من عمره


فقد تلقيت دعوة غير متوقعة لإعادة تركيب صورته وهو في شبابه، وقبل ظهور صوره الشهيرة وتمثاله، وقد دفعتني هذه الدعوة إلى الانطلاق في رحلة بحث كشفت لي عن شخصِ <واشنطن> المختلف تماما عن <واشنطن>، رجلِ الدولة الخشن الجانب ذي الشفاه الرقيقة الذي رُسِمت صورته على ورقة الدولار. لقد بدأت غزواتي للتاريخ الأمريكي عندما طلب إلي <J.C.ريس>[المدير التنفيذي لماونت فرْنون، وهي مجموعة عقارات واشنطن] أن أعيد رسم صورة <واشنطن>، المولود في عام 1732 والمتوفى في عام 1799، وهيئته التي كان يبدو عليها خلال ثلاث مراحل مهمة من حياته. لقد أراد <ريس> هذه الصور بالحجم الطبيعي لوضعها في مركز ماونت کرنون التعليمي الذي سيُفتتح في هذا العام.

سيصوَّر <واشنطن> ذو التسعة عشر ربيعا في عام 1751 حينما ابتدأ حياته العملية مغامرا ومسَّاحا، وسيصوّر أيضا كما كان في الخامسة والأربعين من عمره حينما عسكر مع جنوده في العراء خلال الشتاء القارس في وادي فورجValley Forge بانتظار الفرصة السانحة للانقضاض على البريطانيين الذين كانوا قد احتلوا مدينة فيلادلفيا. وسوف تُضم هاتان الصورتان إلى صورة ثالثة ل<جورج واشنطن>، ذي السبعة والخمسين عاما وهو يؤدي القسم في30/4/1789، بوصفه أولَ رئيس، وهو دور اختاره عوضا عن الدور الآخر الذي عُرض عليه، وهو أن يصبح ملكا.

وبصفتي متخصصا في علم الأصول البشرية، فقد درست سابقا عظاما قديمة لإنسان بدائي، وركبت عينات لأسلافنا. وقد عزَّز تجربتَي هذه عملي في مكتب التحقيقات في الوفيات المشتبه فيها في پنْسِلکانيا. لكن لا يوجد لدي حاليا ما يتيح لي مواجهة التحديات الفضولية المتعلقة باكتشاف الصورة الحقيقية لهيئة <G. واشنطن>، فأول ما علمته هو أنه لن يُسمح لي بدراسة هيكله العظمي الذي سيبقى مدفونا. من دون عظام؟ كيف لي أن أتصور نفسي أبدأ بتشكيل جديد لهيئة الجسد من دون توافر عظام؟ لكن التحدي كان أشد إغراء من أن يقاوَم.

مفاتيح الحل(**)


كان بين المواد التي حصلت عليها تمثالٌ ل<واشنطن> بالحجم الطبيعي من الرخام الأبيض وتمثال نصفِي وقناع حقيقي لوجهه، وجميعها من أعمال نحات البلاط الفرنسي <جان-أنطوان هودون> الذي شرع في تجسيداته ل<واشنطن> خلال زيارة قام بها لماونت کرنون في عام 1785 عندما كان عمر <واشنطن> ثلاثة وخمسين عاما. وقد أغنت حفنة من اللوحات التي رُسِمت ل<واشنطن> في منتصف حياته وأواخرها المعلومات المتوافرة عنه، وبخاصة اللوحات التي رسمها <J.ستيوارت>، و<Ch.W.پيل> وابنه <R.پيل> و <J.ترمبُلّ>. وأسهمت أيضا عدة مجموعات من أسنان صنعية وملابس مبعثرة، تعود أيضا إلى آخر جزء من حياته، في توفير أدلة أخرى قيِّمة.

ما كنت أحتاج إليه هو طريقةٌ ما لضم هذه المفاتيح معا ومعالجتها. فعلى سبيل المثال، إذا استطعتُ إجراء مسح حاسوبي ثلاثي الأبعاد لقناع الوجه والتمثال النصفي، اللذين نحتهما <هودون>، لاستطعت مقارنة دقة تفاصيلهما. وإذا استطعتُ مسح الأسنان الصنعية المتبقية مسحا ثلاثي الأبعاد، لاستطعت إدخالها في الرأس الرقمي لتحديد تقوسات الفكين. حينئذ يمكنني تخمين مقدار العظم الذي فقده <واشنطن> من فكيه قبل بلوغه الثالثة والخمسين من عمره، والتعويض عنه وأنا أشق طريقي باتجاه جعله يبدو أصغر تدريجيا (من المحتمل أن يكون شكل الفكين حينئذ قريبا جدا من شكلهما وهو في السابعة والخمسين).

 

 

نظرة إجمالية/ تشكيل جديد ل<جورج واشنطن>(***)

 

طُلِب إلى الكاتب، وهو خبير في الأصول البشرية، أن يُجري أول تشكيل شرعي جديد<لجورج واشنطن>. وهذا المشروع، بوصفه جزءا من مركز تعليمي جديد في ماونت کرنون، بناء تماثيل بالحجم الطبيعي للرئيس الأول عندما كان في التاسعة عشرة، والخامسة والأربعين، والسابعة والخمسين من عمره.


لم يكن ممكنا استخدام بقايا الهيكل العظمي لـ <واشنطن> لتكوين فكرة عن مقاسات جسمه، إلا أن تمثالا ولوحاتٍ وقناعَ وجهٍ وأطقمَ أسنان صنعية وملابسَ، تعود جميعها إلى السنوات الأخيرة من حياته، وفَّرت المعلومات اللازمة.


أتاح برنامج حاسوبي خاص ثلاثي الأبعاد للكاتب وزملائه جمع هذه المعلومات ومعالجتها للوصول إلى النماذج الثلاثة شبه الحية.


وحالما أدركت أنني بحاجة إلى العمل في المجال الرقمي الثلاثي الأبعاد، اتجه تفكيري نحو الشركة بريزم(2)، وهي شركة لأبحاث النمذجة الفضائية في جامعة ولاية أريزونا. كنت قد زرت مختبر الشركة عندما ألقيت محاضرة في هذه الجامعة، وتذكرت رؤية نتائج التعاون الذي ضم جهود النحاتين وخبراء الأصول البشرية والمهندسين وعلماء الحاسوب. ومع أن المختبرات الأخرى لها أيضا خبرة في مجال التصوير الرقمي الثلاثي الأبعاد، فإن الشركة بريزم لديها سجل حافل في مجال العمل مع خبراء الأصول البشرية، وهذا يعني أننا نتشارك معا في لغة علمية واحدة. وقدَّمت المشروع إلى مدير الشركة بريزم <A.رازدان>، الذي أبهجتني موافقته على مساعدتي على التصوير.

وقررت أن أبدأ بالصورة التي وضعها <هودون> لـ <واشنطن> عندما كان في الثالثة والخمسين. أما سبب اختياري <هودون> فهو شهرته بأسلوبه الذي يُعنى بأدق التفاصيل. فوفقا للروايات التي عاصَرَته، استخدم المسماك(3)calipers لقياس الرئيس من رأسه حتى أخمص قدميه. لكن من سوء الطالع أن مَشْغَل <هودون> وجميع مدوَّناته قد دُمِّرت أثناء الثورة الفرنسية، ومع ذلك فإن العديد من الخبراء مقتنعون بدقة التمثالين النصفي والكامل، لأن <واشنطن> طلب إلى النحات ألاّ يتجاوز في عمله حجمه الطبيعي، خلافا لما كان معتادا حينذاك في صنع تماثيل المشاهير.

 

 

 من دون عظام؟ كيف يمكنني أن أبدأ بتصوّر تشكيل جديد لجسد من دون توافر عظام؟

 


ولتحديد درجة الدقة، قام <رازدان> وزملاؤه بمسح التمثال النصفي وقناع الوجه. وبمقارنتهما رقميا، وجدوا أنهما متطابقان تقريبا. فالفرق بينهما لم يتجاوز 0.3  مليمتر، وهي قيمة مهملة إحصائيا. وهذا يثبت أن التمثالين، الكامل والنصفي، يمثلان وجه <واشنطن> تمثيلا دقيقا. إلا أن شيئا أثار قلقي هو التطابق المذهل بين قناع الوجه ووجه التمثال النصفي. تشير الوثائق في ماونت کرنون إلى أن <هودون> كان قد صنع التمثال النصفي قبل أيام من صنعه قناع الوجه، وهذا يوحي بأنهما يجب أن يختلفا بقدر أكبر، لأن من المفترض أن يكون التمثال النصفي قد صنع يدويا من دون استخدام أي أدوات. لكن العينين والأنف والذقن المائل اللامتناظر، وموضعي صيواني الأذنين الظاهرين، وتجاعيد الجبهة هي ذاتها في قناع الوجه وفي التمثال النصفي. أخيرا، وبعد أشهر من الحيرة، استنتجت أن <هودون> لم يصنع الوجه في التمثال النصفي يدويا من دون أدوات. فبعد أن أضاف العينين إلى قناع الوجه (لقد غُطِّيت عينا واشنطن حين صنع القالب لوجهه)، صنع قالبا للقناع وضغط فيه طينا مشويا للحصول على وجه التمثال النصفي. وكان عليَّ أن أُسلِّم بأن بقية الرأس قد ارتكزت على قياسات <هودون> بالمسماك.

وبينما كنا نفرز المعلومات التي حصلنا عليها من المسح الرقمي، التقيت بـ <E.G.مايلز> [المشرفة على الرسم والنحت في معرض اللوحات الوطني السميثوني Smithsonian National Portrait Gallery]، حيث بدأتُ بجمع المعلومات عن دقة لوحات <واشنطن> ومزاياها. لقد حذرتني <مايلز>، منذ البداية، أن على المرء أن يكون مرتابا، ليس فقط في اللوحات المنسوخة عن لوحات أصلية رسمها فنانون وقف <واشنطن> أمامهم كي يرسموه، بل باللوحات الأصلية ذاتها أيضا. خُذْ، على سبيل المثال، لوحة <ستيوارت> التي رسمها في أواخر تسعينيات القرن الثامن عشر، وهي واحدة من بضع لوحات رُسِمت لـ <واشنطن> بالحجم الكامل في ذلك القرن. يمكن التمييز أن الوجه فيها هو وجه <واشنطن>، ويبدو أن <ستيوارت> قد نقله من لوحته المعلقة حاليا في مكتبةBoston Athenaeum (مجمع بوسطن للآداب والعلوم)، وهي صورة مرآتية لتلك  الموجودة على ورقة الدولار. أما اليدان على الأقل، فهما من نسج خيال <ستيوارت> على الأرجح، وأما الجسد فقد شُكِّل على مقاس نحو ثلاثة أشخاص مثَّلوا <واشنطن> أمامه.

 

 

الخطوات الأولى في التشكيل الجديد(****)

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/24.gif

مقارنة

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/25.gif

صورة رقمية لقناع الوجه. صورة رقمية للتمثال النصفي.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/013s.gif

تمثال نصفي لـ <واشنطن> وهو في الثالثة والخمسين صنعه <هودون<

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/012s.gif

قناع وجه حقيقي لـ <واشنطن> وهو في الثالثة والخمسين صنعه <هودون<

 

كان التمثال النصفي وقناع الوجه الحقيقي، اللذان صنعهما النحات <A.J.هودون> في عام 1785، عندما كان <واشنطن> في الثالثة والخمسين، نقطة بداية التشكيل الجديد. ولتحديد إمكان استخدام التمثال النصفي بثقة ليعبِّر عمَّا كان يبدو عليه <واشنطن>، أجرى الكاتب وزملاؤه مسحا حاسوبيا ثلاثي الأبعاد لقناع الوجه والتمثال النصفي وقارنوهما رقميا. وكانت النتيجة فرقا بسيطا يساوي 0.3 مليمتر. يشير اللون الأصفر إلى مناطق التباين، أما مناطق العين والأنف والفم التي هي أكثر أهمية، فهي متطابقة تماما.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/22.gif

مقارنة اللوحة بالتمثال النصفي.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/21.gif

وضْعُ صورة اللوحة الرقمية
فوق التمثال النصفي.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/23.gif

صورة رقمية للوحة

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2006/8-9/014.gif

لوحة ل<واشنطن> في الاربعين من عمره رسمها < W.C.پيل>

 

للمساعدة على استعادة هيئة <واشنطن> الشاب، مسحوا رقميا أقدم لوحة موجودة، وهي لوحة رسمها< W.C.پيل> في عام1772، عندما كان القائد في الأربعين من عمره. وبيَّنت مقارنة هذه الصورة الرقمية بصورة التمثال النصفي الرقمية أن المسافة بين الأنف والذقن كانت أطول في اللوحة. وعلَّل الكاتب هذا كما يلي: صحيحٌ أن <واشنطن> كان قد فقد معظم أسنانه في الثالثة والخمسين من عمره، لكنه في بداية الأربعينات من عمره، بقيت لديه أسنان أمامية على الأرجح، وهذا ما سبب الاختلاف في شكل وجهه. والاختلاف الذي لوحظ، أرشد الكاتب إلى نهج العودة إلى الوراء، انطلاقا من التمثال النصفي والقناع، إلى سنوات أبكر.


وبالمقارنة، يمكن أن تمثِّل اللوحةُ، التي رسمها <ترمبُلّ> في عام 1792، جسمَ <واشنطن> من الرقبة إلى الأسفل بدقة أكبر مما تمثله من الرقبة إلى الأعلى. ثمة مثال رائع للتفسير الفني لهذا التباين تجلى حينما قارنت <مايلز> لوحتين رسمهما <پيل> وابنه <رامبرانت> ذو السبعة عشر عاما، في آن واحد في عام1795، عندما جلس <واشنطن> أمامهما ليرسماه وهو في الستينات من عمره. لقد قام <پيل> الأب برسم شخص قصير بدين، يبدو رؤوفا، ذي وجنتين ورديتين؛ إنه رفيقه وصديق عمره. أما الابن فقد رسم رجلا مسنا هزيلا ملأت وجهه تجاعيد عميقة. وهكذا تكون لدينا أربع صور على الأقل شبيهة لـ >واشنطن< في الستينات من عمره، كلٌّ منها يختلف عن الأخريات اختلافا واضحا.

صحيحٌ أن الصور كانت مربكة، بيد أن أطقم الأسنان الصنعية كانت أشد إرباكا. طبعا، سرعان ما عرفت أن <واشنطن> لم يستخدم أسنانا صنعية خشبية قط، خلافا للأسطورة القائلة بذلك. ففي القرن الثامن عشر، كان العاج أكثر مادة استعمالا في صنع الأطقم الصنعية التي تُثبَّت فيها أسنان (إنسان أو حيوان)، وكان غالبا ما يؤخذ من أنياب فرس النهر. ومع الوقت، كانت تحدث تشققات شعرية في سطح العاج بين المواشير المتمعدنة التي يتألف منها. وتصبح هذه الشقوق داكنة اللون بفعل التصبغ الناجم عن الأكل والشرب والتدخين، مقارنة بمواشير العاج الناصعة. من الواضح أن ثمة من أخطأ عندما ظنَّ أن أنماط الوسخ تلك هي عروق الخشب، فنشأت الأسطورة.

إن الصحيح هو أن <واشنطن> كان قد فقَد معظم أسنانه قبل أن يزوره <هودون>في ماونت کرنون. ففي الواقع، خُلعت سنه الأولى عندما كان في بداية العشرينات من عمره. وحين بلوغه الثالثة والخمسين، لم يبقَ من أسنانه سوى سنَّيْن في الفك السفلي على الأرجح. إننا نجهل سبب مشكلته السنية، ولكن من المحتمل أنه أُصيب بأمراض سنِّية متتابعة، تفاقمت بسبب إدمانه أكل الجوز الذي كان يكسره بأسنانه، وفق اعترافه الشخصي. وعندما يفقد المرء سنا، يضمر العظم الذي كان جذر السن مغروسا فيه، فيتقلص ارتفاع الفك في تلك المنطقة. وعندما يفقد الكثير من أسنانه، فإن الفكين، وبخاصة الفك السفلي، يتغيَّران تماما حجما وشكلا. وهذا يعني أن عليَّ أن أحاول أولا تحديد حالة فكي <واشنطن> وتجويف فمه وهو في الثالثة والخمسين من العمر، قبل أن أتمكن من التفكير بإضافة أسنان وعظم وتشكيل جديد للفكين لاسترجاع هيئته وهو في التاسعة عشرة وفي الخامسة والأربعين من العمر.

بداية، كان عليَّ اقتفاء أثر وجود أي طقم أسنان متبقٍّ بعد موت <واشنطن> يُحتمل أن يكون قد استخدمه في تلك الحقبة من حياته. فتبيَّن أنه قد دُفن مع آخر طقم أسنان له. لكنني تمكنت من فحص صفيحة أسنان صنعها طبيب الأسنان <جوزيف گرينوود> في عام 1789، وهي موجودة في أكاديمية الطب بنيويورك، إضافة إلى جزء سفلي مما كان يوما طقما كاملا صنعه <گرينوود> في عام 1795 حينما فقد <واشنطن> سنه الأخيرة، وكان موجودا في المعرض السميثونياني، أما الآن فهو موجود في المتحف الوطني لطب الأسنان. لقد اختفى الجزء العلوي أثناء سرقة تعرض لها مستودع المعرض السميثونياني. أما المجموعة الكاملة الوحيدة التي استطعت الحصول عليها فقد كانت طقم أسنان، بدا غامضا أولَ وهلة، ضمن مجموعة ماونت کرنون.

لقد وُجدَت هذه المجموعة ضمن أحد صناديق الممتلكات الشخصية لـ <مارثا واشنطن> بعد وفاتها بعدة عقود. لم تكن لها أسنان صنعية، ولذا يُحتمل أنها تخص زوجها. ولم يعرف أحد مَنْ صَنَعها ومتى صُنِعت، مع أنني استطعت أن أخمِّن أنها قد صُنعت على الأرجح بين عامي 1789 و 1795. وقد أكد الباحثون أن الصفيحتين مصنوعتان من الرصاص، وأن الأسنان في الصفيحة العليا تتضمن قواطع عليا لحصان أو حمار، وسفلى لبقرة، وأن تلك التي في الفك السفلي هي أسنان إنسان، إضافة إلى جسم صنعي يُحتمل أن يكون قد نحت من قشرة جوزة. إن ما أدهشني هو أنني رأيت أن بعض الأسنان في الصفيحة السفلى هي أسنان بشرية عليا. وأشد غرابة هو اكتشافي أن طقم الأسنان غير قابل للاستخدام أساسا. فسطحا الصفيحتين الرصاصيتين لم يكونا مقعَّرين لاحتواء اللثة الخالية من الأسنان، بل كانا مسطحين. وأكثر من هذا هو أن النوابض التي تربط الصفيحتين معا وتضغطهما على اللثتين كانت متقوسة إلى الخلف، لا إلى الجانبين، وهذا ما يجعلها تدفع الصفيحتين خارجا عندما يفتح واشنطن فمه. إن الغرض الوحيد الممكن من طقم الأسنان هذا على الأرجح هو ملء تجويف فم <واشنطن> حينما كان يجلس لرسم لوحة له. ومع ذلك، عرفت من هذا الطقم شيئا عن حجم فكي الرئيس وشكليهما.

 

 

 إن مجموعة الأسنان الكاملة الوحيدة التي وجدتها كانت طقم أسنان، بدا غامضا أولَ وهلة، في ماونت فرْنون.

 

 

مسترشدا بأبعاد الأسنان الزائفة، بدأت بتجميع نموذجٍ لداخل فم <واشنطن>. بعدئذ، سوف أهتم بضم هذه المعلومات إلى معلومات قناع الوجه والتمثال النصفي اللذين شكَّلهما <هودون>.

(*****)تجميع الرأس

 

بالتعاون مع <M.توشري> [الذي كان يعمل حينذاك لدى الشركة بريزم] أجريت قياسات على التمثال النصفي تخص عرض الفك السفلي في موضع اتصاله مع قاعدة الجمجمة. وبالمصادفة، كان لدى <B.بيكر> [العالمة في الأصول البشرية لدى حكومة ولاية أريزونا] مجموعة صغيرة من الهياكل العظمية لجنود بريطانيين من الحربَيْن الفرنسية والهندية. وكان لأحدها فك سفلي حجمه يساوي حجم فك <واشنطن> تقريبا، فمسحناه حاسوبيا ووضعناه رقميا ضمن وجه التمثال النصفي، وضخمناه قليلا ليصل إلى الحجم الصحيح. وبعدئذ قمنا رقميا بتهريم(4) الفك بِحَتِّ العظم وجميع الأسنان باستثناء الضاحك الثاني السفلي الأيسر. ورقميا وضعنا الأسنان الصنعية الموجودة في ماونت کرنون على سطح الفك السفلي كما لو كانت متوضعة في فم <واشنطن>، وضبطنا انحناء العظم ومكان وارتفاع الضاحك ليصبح ملائما لمكانه. ثم زدنا دقة هذا التركيب بالمسح الحاسوبي لنسخة مطابقة للأسنان السفلية التي صنعها <گرينوود> في عام 1789، ووضَّعناها على المجموعة التي شكَّلناها. ونظرا إلى أن الذقن في الفك السفلي للجندي لا يطابق فك <واشنطن> تماما، فقد أعدنا تشكيل ذقن الجندي رقميا للحصول على شكل ذقن <واشنطن> العريض المائل. وباستخدام برنامج كتبه <J.هانسن> لدى الشركة بريزم خصوصا لهذا المشروع، غيَّرنا الزاوية الخلفية للفك السفلي لتعبِّر عمَّا استطعت استنتاجه عن الحنك من قناع الوجه، وعن تغيُّر شكل العظم الذي يمكن أن يكون قد حصل خلال نحو ثلاثة عقود من فقدان الأسنان.

أما التشكيل الجديد للفك العلوي لـ <واشنطن>، فلم يكن بالأمر السهل لافتقارنا إلى القسم العلوي المسروق من طقم الأسنان الذي صنعه <گرينوود> في عام 1795. إلا أن المتحف الوطني لطب الأسنان كان يمتلك نسخة عن الأصل الكامل، وخطر ببالي أنه بإمكاننا أن نمسحها مع الفك السفلي الأصلي أيضا. لكنْ عندما قارنت بالعين المجردة النسخة بالفك السفلي الأصلي، رأيت اختلافات واضحة، فقد نُظِّفت النسخة كي تبدو أجمل من النسخة الأصلية المخيفة إلى حد ما. ومن حسن الطالع أن النسخة والأصل كانتا قد صُوِّرتا فوتوغرافيا معا، ولذا نستطيع مسح النسخة. ولما كنا نعرف حجمها، فقد استطعنا حساب حجم الأصل. وهكذا استطعنا توليد أسنان عليا ثلاثية الأبعاد. وعدَّلنا فك الجندي العلوي ليتوافق مع وضع تلك الأسنان فيه، وضبطنا التركيب العظمي الناتج ليتوافق أيضا مع وجه التمثال النصفي.

ولإدخال هذه المعلومات في وجه <واشنطن> وهو في الخامسة والأربعين، ومن ثمَّ وهو في التاسعة عشرة من عمره، لجأت إلى لوحات <تشارلز ويلسون پيل> التي تصوِّر <واشنطن> وهو في الأربعين، وفي السابعة والأربعين. وبعد أن أمضيت ساعات أحدِّق فيها، فوجِئت بأن المسافة بين الأنف والذقن كانت أطول مما هي عليه في كلٍّ من التمثال النصفي واللوحات التي تمثل واشنطن في أعمار متقدمة. وللتوثُّق من هذا الأمر، قارنا نسخا رقمية ثنائية الأبعاد للوجوه في تلك اللوحات بالوجه الرقمي الثلاثي الأبعاد في التمثال النصفي. وأظهرت النسخ الرقمية اختلافا فعليا، وكان لذلك مغزى. فغالبا ما تُفقد الأسنان الخلفية أولا، والاستطالة السفلية البسيطة في وجه واشنطن عندما كان في الأربعين وفي السابعة والأربعين هي على الأرجح نتيجة وجود أسنان أمامية مع عظمها.

مستعينا باللوحات باعتبارها دليلا، استخدم <هانسن> برنامجه لتحويل طول الوجه الرقمي ذي الثلاثة والخمسين عاما إلى طول يتناسب مع وجهٍ أصغر عمرا. وقد لاحظت أن ذقن <واشنطن> في الأربعين وفي السابعة والأربعين كان أكثر تناظرا منه في التمثال النصفي أو في اللوحات التي تمثل أعمارا متقدمة، ولذا عدَّلناها وفق المقتضى. ثم ضممنا فك الجندي المعدَّل إلى ما أصبح الآن وجها ذا أربعين عاما وضبطناهما، وتوثَّقنا من الصورة بمقارنتها بالبيانات المستخلصة عن سماكة الجلد. ونظرا إلى أن ذا الخمسة والأربعين عاما يمتلك من العظم عادة على طول حنكه أكثر مما يمتلكه ذو الثلاثة والخمسين عاما، وجب أن تكون الزاوية في المؤخرة أفضل رسما. وأخيرا، حصلنا على القسم السفلي من الوجه ذي الخمسة والأربعين عاما، فاستخدمته نموذجا للوجه ذي التسعة عشر عاما، وجعلت زاوية الفك أشد وضوحا في النسخة التي هي أصغر عمرا. أما ما يخص بقية ملامح الوجه، فقد خفَّفتُ أو محوتُ التجاعيد وآثار الشيخوخة، وأضفت بعض الشحم إلى الوجنتين (فهو يُفقد مع تقدم السن) وقصَّرت الأنف وصيوانَيْ الأذنين (لأن غضاريفهما تنمو طوال الحياة).

إن إنشاء الوجوه الثلاثة لا يعني انتهاء العملية، فالجلد الذي تحت الذقن وحول العنق يجب أن يُشدَّ في الرأس ذي الخمسة والأربعين عاما، وأن يُشدَّ أكثر في الرأس ذي التسعة عشر عاما. وهكذا أصبحت الرؤوس جاهزة، وما علينا الآن إلا التشكيل الجديد للأجسام وضمَّ الرؤوس إليها رقميا.

 

(******)تشكيل الجسم

 

يصوِّر التمثال واللوحات هيئةً لـ <واشنطن> تختلف إلى حد ما عمَّا نتوقع رؤيته في بنية الذَّكَر في القرنين العشرين والحادي والعشرين. فقد اكتشفت أنه تماشيا مع تقاليد القرن الثامن عشر التي كانت شائعة بين الأسر الإنكليزية العريقة، أُلبِس <واشنطن> مِشَدّاً لخصره حتى بلوغه الخامسة من العمر. ولم أستطع الحصول على نموذج، أو حتى على وصف، لذلك المشد، لكنه يختلف حتما عن المشدّ الذي تستخدمه الفتيات والنساء لتضييق الخصر، فهو يجعل جسم الذكر يبدو كجسم راقص الباليه. إنه يشد الكتفين إلى الخلف، وينفخ الصدر إلى الأمام، ويسطِّح المنطقة بين عظمتي الكتفين وتحتهما، مولِّدا انحدارا طويلا من الرقبة في الجانبين؛ أما الانحناء الطبيعي للظهر السفلي نحو الوراء، فيُزاد لدفع البطن إلى الأمام. (ووفقا لما علمته أيضا، كان <واشنطن> راقص حفلات بارعا. وفي الواقع، كان يحتفظ بملاحظات تفصيلية عن كل نوع من الرقصات). وعندما يتغير مسار النمو في جسم الصبي، فإن الشكل الجديد يبقى طوال الحياة، وهذا ما يفسر أن اللوحات التي تمثل النبلاء الإنكليز في القرن الثامن عشر، ومنهم أولئك الذين وقَّعوا إعلان الاستقلال، تتضمن صورا مميزة لا تتضمنها اللوحات التي تمثل رجالا مرموقين في القرون اللاحقة.

إن طول <واشنطن> الفريدَ في أيامه، والذي يبلغ نحو ست أقدام وبوصتين (لا ست أقدام وثلاث بوصات ونصف، كما يقال أحيانا، فهذا على الأرجح طول تابوته) كان يُعدُّ سببا لمهارته الفائقة، لا في الرقص فحسب، بل في الفروسية أيضا. فقد وُصف بأنه كان يلف ساقيه الطويلتين بشدة حول بطن جواده عندما كان يبز رفاقه في سباق الخيل. ووفقا لما اكتشفته، كان <واشنطن> يستطيع فعل ذلك، لا لأن ساقيه كانتا طويلتين فحسب، بل أيضا لأن كثيرا من سلالات الخيول التي كانت تربى في القرن الثامن عشر كانت أصغر حجما من معظم السلالات التي هُجِّنت خلال القرن التاسع عشر. وهناك سبب آخر، فقد تبين أنه يستند إلى وصف غير صحيح كُرِّر كثيرا، يفترض أن <واشنطن> كان عريض الوركين، وهذا ما يفسر قدرته على الجلوس جيدا على سرج الحصان.

 

 

إنهاء الوجه(*******)

 

وفَّر تاريخ أسنان <واشنطن> معلومات مهمة لإتمام التشكيل الجديد لرأسه وهو في الخامسة والأربعين وفي التاسعة عشرة. إن فقدان الأسنان يؤدي إلى فقدان العظم الذي يقلص ارتفاع الفك ويغيِّر كثيرا حجمه وشكله. وحالما تمكَّن فريق التشكيل الجديد من تحديد شكل الفك لسن الثالثة والخمسين، أضاف سنا وعظما لإعادة تشكيل الفكين اللذين أخذا الشكل الذي كان لهما في أيام شباب <واشنطن>.

بدؤوا بمسح فكٍّ حقيقي سليم [a] له نفس حجم فك واشنطن تقريبا، وأدخلوه رقميا في صورة التمثال النصفي الثلاثية الأبعاد. ثم عدَّلوا الفك[b] بالحذف الرقمي لبعض العظم وجميع الأسنان عدا الضاحك الأيسر  السفلي الثاني، وهي السن الوحيدة المتبقية في رأس واشنطن عندما كان في السابعة والخمسين من عمره. وأخيرا، أدخلوا رقميا طقم أسنان الرئيس في سطح الفك [c] وعدَّلوا العظم والضاحك ليأخذا مكانهما؛. ثم أضافوا عظما إلى الفك [d] للتشكيل الجديد لبنية الوجه السفلي في الخامسة والأربعين وفي التاسعة عشرة.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/15.gif

c


أسنان موجودة بماونت کرنون [صفيحتان رصاصيتان، أسنان حصان وبقرة في الأعلى؛ وأسنان إنسان في الأسفل]

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/13.gif

b

فك مُهرَّمaged رقميا.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/12.gif

a

صورة رقمية لفك حقيقي مشابه
في حجمه لفك <واشنطن>.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/16.gif

أسنان ماونت کرنون منمذجة رقميا

 وموضوعة ضمن الفك المهرَّم.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/015s.gif http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/14.gif

d

ضبط العظم في الفك المهرَّم رقميا [الأخضر] ليتناسب مع سماكة النسيج الطري الذي كان بينه وبين الجلد. تمثِّل الخطوط الأرجوانية سماكة الجلد.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/18.gif

في التاسعة عشرة من العمر

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/19.gif

في الخامسة والأربعين من العمر

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/20.gif

في السابعة والخمسين من العمر.


للحصول على معلومات أكثر دقة عن بنية جسم <واشنطن>، طلبت إلى القيِّمين في ماونت کرنون أيَّ مجموعة أشياء يمكن أن يكون قد ارتداها، فنمط الملابس حينذاك كان من النوع الضيق الذي ينطبق على الجسم تماما، وبخاصة حول الجذع والوركين والساقين. لكن كان عليَّ أن أقلِّص قائمة رغباتي سريعا، إذ لم تكن ثمة قبعات أو أحذية أو جِزَمٍ أو قفازات يمكن أن تزودنا بتفاصيل عن حجم وشكل الرأس واليدين والقدمين. أما مجموعات الأشياء الموجودة في ماونت کرنون ومتاحف أخرى، فتضمنت ملابس من الحقبة الممتدة من عام 1770 حتى عام1790 (أي من منتصف عمره حتى أواخر حياته) فقد أمكن  التوثُّق من أن <واشنطن> ارتداها ولم تُعدَّل بعد وفاته لتلائم أقاربه. وبمساعدة العين الخبيرة ل<L.بومگارتن>، [القيِّمة على الأقمشة في متحف المقاطعةColonial Williamsburg] حصلت على مقاسات ملابس <واشنطن>، وقارنتها بالتمثال الذي صنعه <هودون>.

لقد تبيَّن أن هذه المقارنات كانت شديدة الأهمية عندما درست التمثال المقام في مبنى البرلمان الحكومي في ريتشموند بفيرجينيا. فعندما اقتربت من التمثال أولَ مرة، لاحظت مباشرة أن واشنطن يبدو أنحل بكثير مما صوَّرَتْه الأوصاف واللوحات، وخصوصا عند الوركين. وبمساعدة <G.كوبر> و <S.کان نوت> [اللذين يعملان في الشركة بريزم] قارنت طولي ذراعي وساقي التمثال والعرض بين كتفيه بالقياسات التي أخذتها من الملابس، وكانت النتيجة أنها متماثلة تقريبا، مع أن الملابس أشارت إلى شخص أضخم قليلا مما يمثِّله التمثال. لم يكن أضخم كثيرا، لكن بضعة سنتيمترات هنا أو هناك تمثِّل فرقا. وضبطنا شكل التمثال رقميا وفق ذلك. وانطلاقا منه، استطعت إعادة تركيب الأجسام ذات التسعة عشر عاما، والخمسة والأربعين عاما، والسبعة والخمسين عاما، مسترشدا بالمعرفة العامة عن كيفية تغيُّر الأجسام مع تقدم العمر، وبمعلومات معينة تخص واشنطن نفسه.

إن الوثائق التاريخية التي تنطوي على أن <واشنطن> كان هزيل البنية في سنواته الأخيرة، بسبب نوبات المرض وصعوبة تناول الطعام، تعزِّز القياسات المأخوذة من الثياب. لذا رأيت من المعقول أن أستخدم جسم التمثال المعدَّل ليمثِّل شخص السابعة والخمسين. أما جسم الخامسة والأربعين، فقد تطلب نهجا مختلفا. إن لوحات <پيل الأب> لـ <واشنطن> في الأربعين وفي السابعة والأربعين تُري الجنرال ممتلئا حول البطن والوركين مقارنة بما تبينه اللوحات والملابس اللاحقة. وتساءلت عن سبب سمنته، ولا سيما أنه في السابعة والأربعين كان قد تحمَّل مشقات الحرب، ومنها عناء الشتاء في وادي فورج. فقد كان ألم أسنانه خلال هذه السنوات متواصلا إلى حد يمكن أن يكون قد دفعه إلى تغيير نظامه الغذائي وتناول طعام أكثر ليونة ودسما على الأرجح. (لقد بلغت معاناة واشنطن خلال حرب تِرِنْتون Trenton عام 1776، وكان حينذاك في الرابعة والأربعين، درجة جعلت طبيبه يكلِّف حدّادا أن يصنع كماشة كي يتمكن من اقتلاع الضرس الذي يسبب له الإزعاج). وهكذا جعلتُ جسم الخامسة والأربعين أضخم، وبخاصة في الوسط. أما جسم التاسعة عشرة، حتى إنْ كان قد وصل إلى الطول النهائي للشخص البالغ، فإنه لا يكون قد نضج هرمونيا. قد يكون قد اكتسب لياقة نتيجة صعوده التلال ونزوله عنها حاملا معدات المساحة، ومع ذلك يمكن أن يكون نحيلا وقويا، وهذه هي الصورة التي ارتأيت أن أرسمها له.

 

 

التشكيل الجديد للجسم(********)

 

كان الأب المؤسس لأمريكا طويلا ونحيلا ومفتول العضلات في التاسعة عشرة من عمره. وعندما نُصب التمثال، الذي نراه هنا بالطول الكامل أولَ مرة، في ماونت کرنون في مطلع هذا العام، أُلبس الزي الذي كان <واشنطن> قد ارتداه عندما كان مساحا للحدود. وقد رُبط شعره البني، المائل إلى الحمرة، إلى الخلف على شكل ذيل حصان.

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2006/8-9/1010.gif

 

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/10.gif

أُلبس <واشنطن> مِشدّاً حتى الخامسة من العمر تقريبا، لشدّ الكتفين إلى الخلف، ونفخ الصدر إلى الأمام وتكوين انحدار طويل من الرقبة إلى الكتفين.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/09.gif http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/08.gif

إن طول <واشنطن> الأكثر دقة يأتي من التمثال الذي صنعه <هودون> في عام 1785 [اليسار] والذي يُظهِر الرئيس بطول لا يقل عن ست أقدام وبوصتين. أما اللوحات فهي أقل وثوقية؛ فاللوحة الشهيرة التي رسمها <ستيوارت> لِ <واشنطن> بالطول الكامل [اليمين]، على سبيل المثال، تتضمن أشياء من <واشنطن>، وأشياء من آخرين مثَّلوه أمام <ستيوارت>.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/g3s.gif

في الخامسة والأربعين من العمر

[ممتطيا حصانا]

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/g2s.gif

في السابعة والخمسين من العمر


أخيرا استطعنا وضع الرؤوس على الأجساد. وللقيام بذلك كان علينا أن نخيط الصورة الرقمية لكل رأس وجسم معا. تعطي الصورة الرقمية نقاطا من البيانات تتصل معا لتشكِّل مثلثات، لذا كان العمل أشبه بحل أحجية الصورة المجزَّأة، وذلك بضم آلاف المضلعات الصغيرة معا. بعدئذ أرسلنا البيانات الرقمية إلى الشركةKreysler and Associates في كاليفورنيا الشمالية لاستخدامها في  صنع ثلاثة رؤوس مختلفة لِ<واشنطن> من الإسفنج البلاستيكي الكثيف.

 

 

 تماشيا مع الأعراف السائدة في القرن الثامن عشر، أُلبِس واشنطن مِشدًّا حتى بلغ الخامسة من العمر.

 


ونُقِلت هذه الرؤوس إلى الاستديو Studio EIS في مدينة نيويورك، حيث  صُنِعت قوالب لها بهدف تشكيلها من الصلصال. وفي النهاية، سوف تُضمُّ الرؤوس، اعتمادا على الصورة الرقمية المجزَّأة، إلى الأجسام التي صنعت في الاستديو. وسوف تُبنى الأجسام من الإسفنج الكثيف، وتغطى بالجص، وتبطن حيث تدعو الحاجة إلى محاكاة طراوة الجسد الحقيقي. لقد عملت مع النحات <S.ويليامسون>، [المستشار لدى الاستديوEIS]، لإعطاء كل وجه تعبيرا مميزا له قبل صنع قالب الصلصال الذي سيُستخدم في إنتاج نسخ من الشمع. وقامت <S.داي>، [وهي رسامة تعمل مستشارةً أيضا في الاستديو]، بطلاء الوجوه الشمعية كي تبدو نابضة بالحياة إلى أبعد حد ممكن، جاعلة الجلد شاحبا والوجنتين ورديتين والعينين زرقاوين مائلتين إلى الرمادي، وفق وصف <جيلبرت ستيوارت> لـ <واشنطن>. وسيُزرع شعر ضارب إلى الحمرة في الرأسين الأصغر عمرا، وسيُربط إلى الخلف على غرار ما كان عليه الشعر المستعار حينذاك. أما رأس السابعة والخمسين، فسيكون شعره مائلا إلى الرمادي ليحاكي مظهره المزيَّن بالمساحيق في مشهد تنصيبه رئيسا.

في الختام، آمل أن يعبِّر كلٌّ من هذه التماثيل الثلاثة لأبي هذه البلاد، عن بعض الحيوية والجانب الإنساني لشخص سيبقى، مع أهميته التاريخية، رمزا ليس له صبغة معينة في نظر معظم الأمريكيين. ومن ناحية أخرى، فقد أسفر المشروع عن نتيجة مهمة أخرى، هي أن التعاون غير المسبوق بين مجالات أبحاث مختلفة وتطبيق تلك الأبحاث مكَّناني، ومن تعاونت معهم، من تحقيق فتوح في صهر العلم والفن والتاريخ معا بطرائق كان من الصعب تخيلها حتى قبل سنوات قليلة.

 

 

المؤلف

JEFFREY H. SCHWARTZ

 

 أستاذ في قسمي علم الأصول البشرية وتاريخ وفلسفة العلوم بجامعة بيتسبورگ، وباحث مشارك في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي ومتحف كارنيگي للتاريخ الطبيعي، وخبير في الأصول البشرية بمكتب التحقيق الجنائي في مقاطعة ألِّگني بپنسلکانيا. تشمل أبحاثه تطور الرئيسات البشرية وغير البشرية ونظرية التطور وعلم الأحياء التطوُّري وعلم تشكُّل الهيكل العظمي المقارن. وهو عضو في الأكاديمية العالمية للفنون والعلوم، ومؤلف لعشرة كتب ولأكثر من 150 مقالة. ومن أحدث منشوراته: The Human Fossil Record, with Ian Tattersall (Wiley-Liss, 2002, 2003, 2005) , The Red Ape: Orangutans and Human (Origins (Westview, 2005

 

  مراجع للاستزادة 

  

George and Marha Washington: Portraits from the Presidential  Years. Ellen G.Miles. Smithsonian Institution, Natural Portrait Gallery, 1999. Exhibition Web site: www.npg.si.edu/exh/gw/

 

His Excellency: George Washington. Joseph J.Ellis. Vintage, 2005.

1776 David McCullough.Simon & Schuster, 2005.

 

Skeleton Keys: An intorduction to human Skeletal Morphology, Development, and Analysis. Second revised edition. Jeffery H.Schwartz. Oxford University Press (in press).

 

The mount Vernon Web site; www.mountvernon.org

 

(*) PUTTING A FACE ON THE FIRST PRESIDENT

(**) The Clues

(***) Overview / Reconstructing GW

(****) First Steps in the Reconstruction

(*****) Putting the Head Together

(******) Constructing the Body

(*******) Finshing the Face

(********) Re-Creating the Body

 

 

 

 

(1) الرئيس الأول للولايات المتحدة الأمريكية.

(2)(artnership for Research in Spatial modeling (PRISM

(3) أداة لقياس البعد بين نقطتين، تتكوَّن من ذراعين طويلتين رفيعتين مرتبطتين معا في أحد طرفي كل منهما. (التحرير)

(4) aging

˜

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى