أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

انقضاض جديد على فيروس الإيدز

انقضاض جديد على فيروس الإيدز(*)

إن الأبحاث المتواصلة، التي أجريت حول مواطن الضعف في الفيروسHIV (فيروس الإيدز)،

طرحت أفكارا عن صنف جديد تماما من الأدوية العلاجية.

<G.ستيكس>

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/28.gif

 

ينفق حقل علم الفيروسات virology قسطا وافرا من موارده في استقصاء كل  خطوة من الخطوات البالغة الدقة في دورة حياة فيروس العوز المناعي البشري (الإيدز) HIV، بدءا بارتباطه بإحدى الخلايا المناعية وولوجه داخلها، ومرورا بتنسُّخه فيها، وانتهاء بانطلاق فيروسات جديدة من الخلايا المضيفة باحثة عن خلايا جديدة تفترسها. وقد جرى ابتكار أحدث صنف مهم من الأدوية المضادة للفيروس HIV قبل نحو عقد من الزمن مع إدخال مثبطات إنزيم الپروتيازprotease inhibiters، وهي أدوية توقف عمل أحد الإنزيمات المهمة في المرحلة الأخيرة من تنسُّخ الفيروس.

لقد تساءل بعض أعضاء فرق الأبحاث التي تدرس الفيروس HIV عما إذا كان  بوسع مثبطات إنزيم الپروتياز أن تكون أساسا يُعْتمد عليه في مداواة الإيدز. إلا أن ما يتسم به الفيروس من مكر أضاع ذلك الأمل. فقد تبين في إحدى الدراسات أن ما يقرب من نصف المرضى الإيجابيي الفيروس HIV، الذين يعالجون في الولايات المتحدة الأمريكية، مصابون بالعدوى بفيروسات مقاومةٍ لواحدٍ على الأقل من أدوية النظام العلاجي الذي يتلقونه. إن بإمكان الأطباء اختيار دواء من بين عشرين من المستحضرات الصيدلانية لمثبطات إنزيم الپروتياز، ومن صنفين من الأدوية التي تمنع الفيروس المهاجم من نسخ ما فيه من رنا RNA إلى دناDNA، مسببة بذلك إفساد التنسُّخ الفيروسي. أما إعطاء توليفة من هذه الأدوية فيؤدي إلى معاكسة القدرة المتأصلة لدى الفيروس على التطفُّر. ولكن تلك الاستراتيجية لا تأخذ بالاعتبار دائما المقاومة للأدوية، ومن بينها المقاومة للأدوية المثبطة لإنزيم الپروتياز. ويؤكد <E.فريد> [وهو أحد الباحثين في برنامج مقاومة الفيروس HIV للأدوية في المعاهد الوطنية (الأمريكية) للصحة]،  بقوله: «إذا أخذنا المقاومة المتزايدة لمثبطات إنزيم الپروتياز في الحسبان، فإن تعرُّف طرق جديدة للتدخُّل في دورة التنسُّخ الفيروسي يصبح أمرا بالغ الأهمية.»

 

وفي الوقت الحالي تمر الأدوية، التي تعترض بداية سيرورة الفيروسات ووسطها ونهايتها ضمن العائل، بمراحل مختلفة من الابتكار والإعداد. ويستلهم الباحثون الأكاديميون والباحثون في الشركة پاناكوس، [وهي مؤسسة صغيرة متخصصة في التقانة الحيوية في ووترتاون بماساتشوستس] ما تحققه الأدوية المثبطة لإنزيم الپروتياز من نجاحات، لابتكار أدوية مرشحة للنجاح أيضا أطلقوا عليها اسم مثبطات النضج maturation inhibitors، تعمل على إحصار إنزيم الپروتياز بطريقة جديدة. إن مثبطات إنزيم الپروتياز تشن هجومها المباشر على إنزيم الپروتياز في الفيروس HIV فتحول بينه وبين القيام بعمله على الپروتين الفيروسي الذي يدعى GAG. وحينما تنقطع الپروتيناتGAG بشكل ملائم تتضافر القطع الناتجة لتشكل النواة المخروطية الواقية، أو القُفَيْصَة capsid التي تحتضن الرنا داخلها. وفي المقابل، إن مثبطات  النضج التي يعمل فريق الشركة باناكوس على تطويرها، تحصر أحد المواقع على الپروتين GAG، وهو الموقع الذي يرتبط به إنزيم الپروتياز في الحالة السوية، لتمنع هذا الإنزيم من قضم الپروتينات GAG على نحو صحيح. ونتيجة  لذلك لا تتشكل القُفَيْصَة بشكل سوي، كما لا يتمكن الفيروس من إصابة خلية أخرى بالعدوى.

 

البحث عن دلالات(**)

 

منذ منتصف التسعينات بدأ السير في طريق البحث عن الأدوية المرشحة لتكون ضمن اهتمامات فريق الشركة پاناكوس، وذلك حينما تعاونت الشركة بوسطن بيوميديكا مع أستاذ من جامعة كارولينا الشمالية [في شابل هيل] للتحري عن المركَّبات التي استُُخلصت من مجموعة أعشاب صينية تقليدية بحثا عن فعالية كيميائية حيوية مضادة للفيروس HIV، وعندها أثارت مختبرات <H.K.لي> الانتباه إلى أن أحد الأدوية المحتملة في إحدى الأعشاب التايوانية سيحتل موقعا متقدما.

وكان لهذا المركب، وهو حمض البيتيولينك betulinic acid، فعالية ضعيفة مضادة للفيروس HIV. وبعد أن استفرد الباحثون في المختبر من هذا المركب مكوناته الكيميائية، وجدوا أن التعديل الكيميائي لأحد هذه المكونات يكسبه تأثيرا كيميائيا أقوى. ويقول <G.أولاوي> [رئيس العاملين في الشركة پاناكوس]: «إذا كان لحمض البيتيولينك فعالية مضادة للفيروس HIV على المستوى الميكرومولي micromolar، فإن لهذا المركب المشتق منه فعالية على المستوى النانومولي nanomolar.»

 

وقبل ستة أعوام حولت الشركة بوسطن بيوميديكا وحدة الأبحاث حول الفيروس HIV إلى الشركة پاناكوس التي بدأت منذ ذلك الوقت استقصاءاتها عن حمض البيتيولينك، الذي أطلق عليه حينذاك اسم PA-457. ولم يكن المركب PA-457مجرد مثيل جديد للتاكسول Taxol الذي هو دواء مضاد للسرطان تطلَّب الحصول عليه إتلاف أشجار الطقسوس yew، النادرة، وكان ذلك أمرا مثيرا للجدل قبل العثور على بديل له نصف تخليقي. ولم تكن الشركة پاناكوس بحاجة إلى مصدر دائم للأعشاب التايوانية؛ إذ كان من الممكن استخلاص حمض البيتيولينك من أشجار الدلب plane والبتولا birch الوفيرة؛ كما لا يتطلب الحصول على الجزيء المطلوب سوى خطوة عملية تصنيع لاحقة.

ومع أن الباحثين أدركوا مابدا من أن للمركب PA-457 فعالية مضادة لجميع ذراري الفيروس HIV، فقد كان عليهم أن يتعرفوا كيفية عمل المركب المشتق من حمض البيتيولينك المضاد للفيروس على المستوى الجزيئي molecular. وكان مطلب الشركة الحصول على صنف جديد من الأدوية، وليس الحصول على مركب آخر من مثبطات الپروتياز فحسب. ولهذا اتصلت الشركة پاناكوس بالمختبر فريد Freed في المعاهد الوطنية للصحة، الذي يقوم بدراسات حول دورة حياة هذا الفيروس.

وقد استقر رأي فريق المختبر فريد والشركة پاناكوس على أن الدواء يعمل في مرحلة متأخرة من عملية التنسُّخ الفيروسي، وبدا واضحا أن هذا يتم في مرحلة تشكيل القُفَيْصَة. وكان الباحثون حينذاك يعرفون أن قُفَيْصة الفيروس HIVتتشكل حين ارتباط الپروتينات GAG الحديثة التكون داخل الخلية التائية T cellلدى العائل بغشاء الخلية، وعندها تتقطع بتأثير إنزيم پروتياز الفيروس HIVإلى قطع أصغر حجما. وقد عرف العاملون في مجموعة المختبر فريد والشركة باناكوس أيضا، من خلال ابتكارهم للأدوية المثبطة للپروتينات، أن أي اختلال في عملية تصنيع الپروتينات GAG سيجعل الفيروس غير معدٍ. وهكذا بدؤوا بدراسة التآثر بين المركب PA-457 وبين الپروتينات GAG للوصول إلى معرفة دقيقة عن كيفية قيام المركب PA-457 بتقطيع الپروتينات GAG إلى أجزائها  الضرورية.

 

تنمية المقاومة(***)

 

لكي يفهم العلماء كيف يعمل مركب ما، فإنهم يبدؤون غالبا بإنشاء المقاومة؛ الأمر الذي يمكّنهم من معرفة الموقع الدقيق الذي يتآثر فيه الدواء مع الموضع المستهدف. وابتغاء تطوير المقاومة أعطى <فريد> وزملاؤه جرعات منخفضة من المركب PA-457 لخلايا تائية مصابة في المستنبتات بالفيروس HIV. وتم بعدئذ الحصول على سلسلة جينوم (مجين) genome الفيروسات المقاومة ومقارنتها بسلسلة الفيروس التي خضعت للمعالجة بالدواء PA-457. وأدى التحليل إلى معرفة الموقع الذي تغيّر في الفيروسات المتشكلة حديثا والمقاومة للدواء PA-457، واتضح أن هذا الموقع موجود على الپروتينات GAG في المكان الذي يرتبط به إنزيم الپروتياز. وهذا التغيُّر هو الذي حال دون إحصار الدواء PA-457 لفعالية الإنزيم.

ولدى تحليل الذراري المقاومة تيقن الباحثون أن الدواء PA-457 لم يكن مجرد مثبط آخر من مثبطات إنزيم الپروتياز. ففي حين تعمل معظم الأدوية، وليس المثبطة للفيروس HIV فحسب، من خلال التدخل بالإنزيمات، فإن لهذا الدواء ميزة فريدة يوضحها <أولاوي> بقوله: «إن استهداف الركيزة substrate [بدلا من الإنزيم] لم يكن أمرا معروفا من قبل، بل كان أمرا مثيرا للدهشة. ونتيجة لذلك، نعتقد أننا سنحظى بموقع قوي للحصول على براءة اختراع.»

 

إن زرع ذرارٍ مقاومة لا يعني بالضرورة أن الدواء سيكون ذا مدى عمر life spanعلاجي محدود. وفي الحقيقة إن المقاومة تجاه الدواء PA-457 لن تتطور بسرعة، لأن الموقع الذي يرتبط به على الپروتين GAG لا تغيره الطفرات سريعا من إحدى ذراري الفيروس HIV إلى أخرى.

 

 

استراتيجية جديدة لعلاج الفيروس HIV(****)

 

تشكل مثبطات النضج صنفا جديدا من الأدوية المضادة للفيروسHIV التي لاتزال قيد الدراسة. وتهاجم هذه الأدوية الفيروس في  مرحلة متأخرة من دورة حياته عندما تتجمع مكوّنات الفيروس الحديثة التشكل لتؤلف جزيئات مُعدية جديدة لا تلبث أن «تتبرعم» من إحدى الخلايا التائية المصابة بالعدوى ليصبح بمقدورها التحرك لإصابة خلية أخرى.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/017%20copy.gif

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/8-9/017%20copy2.gif

 

لقد مر الدواء PA-457 قبل الآن عبر الطور المتوسط من دراسة سريرية (إكلينيكية)، وهو الطور الذي يتحقق الباحثون فيه من فعالية الدواء لدى مرضى يتناولونه مدة عشرة أيام ومقارنتها بمجموعة أخرى تعطي دواء غُفْلاplacebo. إن الفيروس HIV يتنسخ بسرعة كبيرة إلى درجة تجعل من الممكن اعتماد دراسة قصيرة الأمد لتقرير ما إذا كان الدواء يهاجم العامل المسبب للمرض داخل الجسم. وقد تناقصت المستويات الفيروسية بمقدار 92 في المئة لدى تناول الجرعة الأعلى من الدواء ومقدارها 200  ملّيغرام. وكانت الدراسة تهدف إلى تحقيق نقص يعادل 70 في المئة على الأقل فيما يدعى الحِمْل الفيروسيviral load، كإشارة بدئية إلى فعالية الدواء. إلا أن بعض المرضى مع ذلك لم يستجيبوا للدواء، وستقرر الشركة في الطور التالي من الاختبار فيما إذا كان بمقدورها إعطاء جرعات أعلى. ويقول <M.J.جاكوبسون> [رئيس قسم الأمراض المعدية في كلية الطب بجامعة دريكسل، والباحث الرئيسي في الاختبارات السريرية]: «إن الرسالة الأساسية هي أننا بصدد دواء فعال، ويجب علينا المضي قُدُما بالأبحاث.»

 

وفي الجولة القادمة سيدرس الباحثون التآثرات المتبادلة بين الدواء PA-457وبين غيره من الأدوية؛ وهو اختبار ضروري في جميع الأدوية المرشحة المضادة للفيروس HIV؛ إذ لا توجد معالجة تقتصر على إعطاء دواء وحيد، نظرا لما يحمله ذلك من تهديدات ظهور المقاومة. وفي الوقت الراهن تشجع إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) إجراء هذه الاختبارات في مرحلة مبكرة من التجارب السريرية. وفي بعض الأحيان لم يكتشف الباحثون، حين تطويرهم أدوية جديدة مضادة للفيروس HIV، هذه التآثرات إلا في وقت متأخر من سيرورة التجربة السريرية. وإذا ما سارت الأمور جميعها وفق الخطة الموضوعة لها، فسيكون بمقدور الشركة پاناكوس التقدم بطلبها إلى إدارة الغذاء والدواء للحصول على الموافقة النهائية بحلول عام 2008.

 

حوافظ أخرى لعدم النضج(*****)

 

ومع أن الدواء PA-457 هو أكثر مثبطات النضج إحرازا للتقدم نحو الاستثمار التجاري، فإنه ليس المثال الوحيد على مثبطات النضج؛ ففي كل من جامعة ألاباما وجامعة ميريلاند كشف الباحثون، الذين كانوا يعملون مستقلين من الجامعتين، جزيئاتٍ عضويةً صغيرة يمكنها الحيلولة دون انضمام وُحَيْدات (وحدات فرعية) subunits القفيصة بعضها إلى بعض لتشكيل الغلاف النهائي. ويقول <P.بريفيليج> [الأستاذ في قسم علم الأحياء المجهرية بجامعة ألاباما]: «نحن نحاول أن نشوِّه الأجزاء كي نجعلها غير متلائمة بعضها مع بعض.»

وتتماشى هذه الاستراتيجية مع الأساليب الأخرى التي هي في طور الإعداد لإفساد دورة حياة الفيروس. فالعوامل المثبطة لدخول الفيروس ـ والتي تشتمل على هذا الدواء الذي تعمل عليه الشركة پاناكوس ـ تحول دون دخول الفيروس إلى الخلية. (وقد حاز مؤخرا أحد العوامل المثبطة لدخول الفيروس إلى الخلايا ـ وهو يؤخذ عن طريق الحقن ـ على موافقة إدارة الغذاء والدواء، إلا أن الدواء الذي تعده الشركة پاناكوس يؤخذ عن طريق الفم). ومن الأصناف الأخرى للأدوية التي وصلت إلى المراحل النهائية من الاختبارات مثبطات إنزيم الإنتگراز (إنزيم الدمج) integrase، التي تحبط عمل الإنزيم الذي يسمح للدنا الفيروسي الصنع بالاندماج ضمن دنا الخلية العائلة لإنتاج دنا فيروسي جديد. إن هذه العوامل البيولوجية جميعها ـ والمزيد منها ـ ضرورية. وفي غياب لقاح ـ لا يتوقع ظهوره على المدى القريب ـ فإن هذا الفيروس الوضيع ذا المحفظة التي لا يتجاوز قياسها نانومترا واحدا لرنا وحيد الطاق، سيستمر في مراوغة أفضل الأفكار التي يطرحها علماء البيولوجيا الجزيئية.

 

 

  مراجع للاستزادة 

 

PA-457: A Potent HIV Inhibitor That Disrupts Core Condensation by Targeting a Late Step in Gag processing. F. Liet al. in proceedings of the National Academy of Sciences USA, Val. 100, No. 23, pages 13555-13560; November 11, 2003.

 

The Prevalence of Antiretroviral Drug Resistance in the United States, Douglas D. Richman et al. in A/DS. Vol, 18, No. 10, pages 1393-1401; July 2, 2004.

 

The Discovery of a Class of Novel HIV-1 Maturation Inhibitors and thier Potential in the Therapy of HIV. Dongle Yu et al. in Expert Opinion on Investigational Drugs, Vol. 14, No-6, pages 681-693; June 2005.

 

(*) ANEW ASSAULT ON HİV

(**) Looking for leads

(***) Cultivation of  Resistance

(****) A Novel Treatment Strategy for HİV

 (*****) Other İmmaturity Preservers

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى