أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاءفلك وعلم الكونيات

اكتشافات مقراب هَبل الفضائي

اكتشافات مقراب هَبل الفضائي
العشرة الكبرى(*)

يقوم الفلكيون، أثناء انتظارهم تنفيذ عمليات الصيانة
الأخيرة لمقراب هَبل الفضائي، بدراسة اكتشافات
ذلك المقراب طوال الستة عشر عاما الماضية.

<M.ليکيو>

 

قلة من المقاريب في التاريخ لها أثر بالغ في الأبحاث الفلكية يداني الأثر الذي خلَّفه مقراب هبل الفضائي. لكن أثره الحقيقي مغاير لما يظنه معظم الناس. فلم يحقق هذا المقراب اكتشافات فردية متمثلة في إنجازات تخصه وحده؛ إذ إنه، عموما، تناول التلميحات والشكوك المحيطة بالأرصاد التي أجرتها الآلات الفلكية المقامة على الأرض وحوّلها إلى حقائق يقينية تقريبا. لقد عمل مقراب هبل بانسجام مع المراصد الأخرى لتقديم رؤية متعددة الأشكال عن الكون، كما أُرغم المنظِّرون على إعادة النظر في بعض النظريات غير المحكمة، وعلى صياغة نظريات جديدة لشرح الظواهر الفلكية بتفصيل أدق بكثير. واختصارا، أصبح لهذا المقراب تأثير بالغ، ليس بتفرّده عن المراصد والتقنيات الأخرى، وإنما لأنه، في المقام الأول، أصبح متكاملا معها.

في الشهر 4/2006، احتُفِل ببلوغ مقراب هبل عامه السادس عشر في الفضاء، إلا أن إنجازاته ـ سواء في تقديم معلومات مفصلة غير مسبوقة إلى الفلكيين، أو في إدخاله لمحة خاطفة عن عجائب الكون إلى البيوت على النطاق العالمي ـ توارت بعض الشيء أمام الجدل الدائر حول مصيره. وفي حين تكافح الوكالة ناسا NASA لاستئناف الرحلات الفضائية لمكوكات الفضاء، فإن مقراب هبل يستمر في التصدع. وما لم يقم رواد الفضاء بصيانته، فسوف يبلغ المقراب نهاية حياته المعطاءة بحلول منتصف عام 2008. وقد دفعني الوصول إلى مفترق الطريق هذا إلى أن أقدم تقييما لاكتشافات مقراب هبل وعلم الفلك، خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، التي يراها كثير من الفلكيين أنها العصر الذهبي لتخصصاتهم.

أقدم هنا اختياراتي (التي أعترف بانحيازها) لأكثر عشرة إسهامات لمقراب هبل لفتا للأنظار، بدءا من اكتشافه لأصغر الأجرام كالكواكب، مرورا بالمجرات والكون ككل. ومن الصعب بمكان أن نعدِل بين جميع إسهامات هبل في مقالة واحدة، فعند كتابة هذه المقالة كان سجلّه (أرشيفه) يحتوي على أكثر من 27تيرابايت(1) من البيانات التي تتزايد بمعدل 390 جيكابايت(2) شهريا. وكانت هذه البيانات الأساس الذي استند إليه 6300  بحث علمي، إضافة إلى أن المقراب لايزال يُقدم إنجازات علمية مذهلة. وخلال العام الماضي (2005)، عمل مقراب هبل، مع المراصد الأخرى، على اكتشاف: قمرين إضافيين لكوكب بلوتو، ومجرة ضخمة على نحو غير متوقع في المراحل الزمنية الأولى للكون، وكذلك اكتشاف تابعٍ لقزم بنّي له كتلة كوكب، في حين لا تزيد كتلة القزم نفسه على كتلة كوكب. يجب أن نعتبر أنفسنا محظوظين لأننا نعيش في عصر رأينا فيه أول مرة سمات للكون لم يكن لدى البشر من قبل سوى خيالهم لتصورها.

 

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/11-12/64.gif

 

أثناء مهمة الصيانة الأولى لمقراب هبل في الشهر 12/1993، أصلح رواد الفضاء <S.موسكريک>(على الذراع) و<J.هوفمان> (في المكوك) ورفاقُهما المشكلةَ السيئة السمعة التي حدثت لمرآة  المقراب، وفتحوا الباب لسيل من الاكتشافات.

 

1- الاصطدام العظيم لمذنب(**)

 

من منظور كوني، كان اصطدام مذنب شوميكر-ليکي 9 بكوكب المشتري حدثا عاديا؛ فالسطوح ذات الفوهات للكواكب والأقمار الصخرية تشهد بأن المنظومة الشمسية مسرح للرماية. بيد أننا نرى في التصادم حدثا فريدا؛ فمن المعتقد أن مذنّبا يصطدم بكوكب مرة واحدة، في المتوسط، كل ألف عام.

قبل عام من فناء مذنب شوميكر-ليکي 9، أظهرت صور مقراب هبل أنه انقسم إلى قرابة دستتين من الشظايا، التي شكلت ما يشبه سلسلة من اللآلئ. اصطدمت الشظية الأولى بالغلاف الجوي للمشتري في 16/7/1994، ثم تبعتها بقية أجزاء المذنب في الأسبوع التالي. وقد أظهرت الصور تشكيلات مماثلة للسحب الشبيهة بنبتة الفطر التي تخلفها الانفجارات النووية. وترتفع هذه التشكيلات فوق أفق المشتري، ثم تسقط وتنتشر خلال عشر دقائق من اصطدام الشظايا، ثم تظل آثار الاصطدام ظاهرة طوال أشهر.

وكانت ندرة الصور تجعلها ذات قيمة عالية، لكنها أيضا طرحت سؤالا مثيرا عن المكونات الغازية لهذا الكوكب الضخم. ففي أحد مواقع الكوكب، انطلقت إلى الأعلى موجات بسرعة 450 مترا في الثانية. كان التفسير الرئيسي لهذه الموجات أنها موجات ثقالة gravity waves تبثها قوة ارتداد ناشئة عن قوة الطفو buoyancy، مثلما يحدث عند محاولة غمر قطعة من الخشب في الماء، فتتحرك إلى الأعلى والأسفل. وإذا كان هذا التفسير صحيحا، فإن خاصيات الموجات توحي بأن نسبة الأكسجين إلى الهدروجين في السُّحب المائية، حيث انتشرت الموجات، تعادل عشرة أضعاف قيمتها في الشمس. لكن إذا كان المشتري قد نشأ عن الانقسام التثاقلي gravitational breakup لقرص بدائي primordial disk من الغبار والغاز، كما تفترض بعض النظريات، فيجب أن تكون مكوناته نفس مكونات القرص، ومن ثم تكون شبيهة بمكونات الشمس، إلا أن هذا التعارض لايزال من دون تفسير.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/11-12/90%20copy.gif

 

 

 

2- كواكب خارج نطاق المنظومة الشمسية(***)

 

 

في عام 2001 طلبت الجمعية الفلكية الأمريكية إلى علماء الكواكب التصويت على ما يعتقدون بأنه أهم اكتشافات العقد الماضي، فاختار العلماء اكتشاف كواكب خارج نطاق المنظومة الشمسية. ويعرف الباحثون الآن نحو 180 من هذه  الأجسام، وقد وُجِدَ معظمها بوساطة مقاريب أرضية أثناء رصدها للاضطرابات الصغيرة التي يحدثها السحب التثاقلي gravitational tug لكوكب في حركة النجم، الذي يدور حوله الكوكب. إلا أن هذه الأرصاد قدمت قدرا ضئيلا من المعلومات التي اقتصرت على حجم مدار الكواكب وإهليليجيته والحد الأدنى لكتلته.

تَتبّع مقراب هبل هذه الكواكب، وركّزتْ أرصاده على تلك التي تتراصف مستويات مداراتها مع خط بصرنا، ومن ثم تمر هذه الكواكب دوريا أمام نجومها، وهذا يجعلها تحجب بعض ضوء هذه النجوم ـ وهي ظاهرة تعرف بالعبور transit. وقد أعطت أرصاد مقراب هبل أول كوكب عابر يكتشف، وهو الكوكب التابع للنجم HD 209458، أكثر المعلومات تفصيلا عن أي كوكب خارج المنظومة الشمسية. فهو أخف وزنا من المشتري بنسبة 30 في المئة، لكن قطره أكبر بنسبة 30 في المئة، وربما كان السبب في ذلك التيارات الغزيرة من الأشعة القادمة من نجمه التي تؤدي إلى انتفاخه. وكانت بيانات هذا المقراب فائقة الدقة لدرجة تسمح لها بكشف الحلقات العريضة والأقمار الكبيرة حول الكوكب في حال وجودها، لكن لم يُكتشف شيء من هذا القبيل. وأكثر ما هو مثير للإعجاب أن مقراب هبل نفذ أول قياسات لمكونات عالم جديد حول نجم آخر، ووجد أن الغلاف الجوي للكوكب يحتوي على الصوديوم والكربون والأكسجين، وكان الهدروجين يتبخر في الفضاء مخلفا ذيلا شبيها بذيول المذنبات. وتعد هذه الأرصاد باكورة البحث عن المؤشرات الكيميائية للحياة في أمكنة أخرى من مجرتنا.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/11-12/86.gif

صورة ظلّية لكوكب تصوّرها فنانٌ واستوحاها من قياسات مقراب هبل لسطوع النجم العائل (المضيف).

 

 

3- آلام الاحتضار(****)

 

تتنبأ النظرية بأن النجم الذي تكبر كتلتُه كتلةَ الشمس بين 8 مرات و 25 مرة، تنتهي حياته بانفجار مستعر أعظمي supernova explosion. فعندما يستنفد النجم وقوده المستخدم، فإنه يتوقف فجأة عن كفاحه المتواصل ضد الانهيار التثاقلي لكتلته، وعندئذ ينهار لب النجم مكونا نجما نترونيا neutron star ـ وهو بقايا خاملة فائقة الكثافة ـ وتُقذف الطبقات الغازية الخارجية للنجم بسرعة تصل إلى 5 في المئة من سرعة الضوء.

كان اختبار هذه النظرية أمرا صعبا لعدم حدوث انفجار مستعر أعظمي في مجرتنا منذ عام 1680. لكن في 23/2/1987وجد الفلكيون شيئا يشغل المرتبة الثانية في الأهمية، مستعرا أعظميا في إحدى المجرات التابعة لدرب التبانة وهي السحابة المجلانية الكبيرة. لم يكن مقراب هبل قد أُطلق بعد؛ ولكنه، بعد ثلاث سنوات، بدأ بتتبع تطور هذا الحدث، وسرعان ما كشف منظومةً من ثلاث حلقات حول النجم المنفجر. لقد بدت الحلقة المركزية وكأنها تمثل الوسط الضيق لانتفاخ غازي يشبه ساعة رملية، في حين كانت الحلقتان الكُبْرَيان حافتيْ فصّيْن لكل منهما شكل قطرة دمع، ومن الواضح أنهما تكونتا بوساطة النجم قبل انفجاره ببضع عشرات الآلاف من السنين. وفي عام 1994، بدأ هبل برؤية بقع تسطع في تتابع على طول الحلقة المركزية: إنها مقذوفات المستعر الأعظمي المصطدمة بالحلقة. ومازالت أرصاد هذه الحلقة تُسلِّط الضوء على الحقبة الأخيرة من حياة ذلك النجم.

وعلى خلاف نظائرها التي لها كتلة أكبر، من المعتقد أن تموت النجوم الشبيهة بالشمس بهدوء، وذلك بقذف طبقاتها الغازية الخارجية في عملية غير متفجرة، تستغرق قرابة عشرة آلاف عام. وخلال انكشاف اللب المركزي الساخن للنجم، تؤين أشعته الغاز المقذوف مسببة توهجه باللون الأخضر المتلألئ (المنبعث من الأكسجين المتأين) واللون الأحمر (المنبعث من الهدروجين المتأين). ويطلق على نتاج هذه العملية السديم الكوكبي planetary nebula، وهو اسم مضلل بعض الشيء. وهناك نحو الألفين من السدم الكوكبية المعروفة حاليا، وقد أظهر مقراب هبل أشكالا معقدة جدا لهذه النجوم بتفصيلات غير مسبوقة.

تُظهر بعض السدم مجموعة من الحلقات المتحدة المركز التي تشبه عين الثور، مشيرة بذلك إلى حدوث عملية القذف، وقد جرى بصورة عرضية episodicوليس بطريقة مستمرة. ومن الغريب أن تكون الفواصل الزمنية المستنتجة بين حوادث القذف قرابة 500 عام، وهو وقت طويل جدا إذا فسرناه بأنه نتيجة  للنبضات الديناميكية (التي تجعل النجم ينقبض وينبسط نتيجة الصراع الهادئ بين الثقالة وضغط الغاز)، وقصير جدا إذا فسرناه بأنه نتيجة للنبضات الحرارية (التي تجعل النجم يفقد اتزانه)؛ لذلك فإن طبيعة الحلقات المرصودة مازالت غير واضحة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/11-12/84.gif

سديم عين القط catصs-eye nebula هو أحد أكثر السدم الكوكبية المعروفة تعقيدا. ومن المعتقد أنه مكون من النجوم الشبيهة بالشمس الميتة.

 

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/11-12/85.gif

عندما ضربت موجةُ صَدْم صادرة عن المستعر الأعظمي 1987A حلقةً غازية موجودة سابقا، بدأت بقع ساخنة بالسطوع.

صورة معدلة بواسطة فنان

 

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/11-12/83.gif

صورة المقراب الفضائي هبل

 

4- الولادة الكونية(*****)

 

عرف الفلكيون مدة طويلة أن التيارات الغازية الضيقة المتدفقة هي مؤشرات لولادة النجوم؛ إذ يُمكن لنجم حديث الولادة أن يرسل زوجا من تلك البثقات المتوازية التي يبلغ طولها عدة سنين ضوئية. ولكن هذه العملية مازالت غير مفهومة تماما. وتذهب أكثر الفرضيات الواعدة إلى أن ثمة حقلا مغنطيسيا واسع الانتشار يتخلل قرص الغبار والغاز المحيط بالنجم الفتي، حيث تُرغَم المادة المتأينة على أن تنساق على طول خطوط الحقل المغنطيسي، مثل خرزات موجودة على أسلاك تدور. لقد أيّد مقراب هبل هذا التصور النظري عن طريق تقديمه أول دليل مباشر على انبعاث هذه البثقات الغازية من مركز القرص.

وقد أسقط هذا المقراب توقعا آخر مفاده أن الأقراص المحيطة بالنجم تكون مطمورة بعمق في السحب التي أتت منها، ومن ثم يستحيل رؤيتها. لكن مقراب هبل أظهر دستات من أقراص الكواكب الأولية التي غالبا ما تكون مظلَّلة بالسدم. ويمتلك أكثر من نصف عدد النجوم الفتية التي دُرِست مثلَ تلك الأقراص، وهذا يبرهن على أن المواد الخام اللازمة لتكوّن الكواكب هي كليةُ الوجود في المجرة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/11-12/81.gif

أقراص من الغبار، شبيهة بأميبات amoebas مشوهة، تحيط بنجوم بدائية في سديم الجوزاء orion nebula

 

5- علم الآثار المجرّية(******)

 

يعتقد الفلكيون أن المجرات الكبيرة، مثل درب التبانة وأندروميدا (المرأة المسلسلة) المجاورة، نمت عن طريق استيعاب المجرات الصغيرة، وأن تدوين التاريخ المتشابك لهذه المجرات يجب أن يُدخِل تنظيم وأعمار وتركيبات وسرعات نجومها. وكان لمقراب هبل دور مؤثر في فك شفرة هذا التاريخ. ونورد، مثالا على ذلك، أرصادَه للهالة النجمية لأندروميدا، وهي السحابة الكروية الرقيقة من النجوم والعناقيد النجمية المحيطةِ بالقرص الرئيسي للمجرة. وقد وجد الفلكيون أن لنجوم الهالة مدى واسعا من الأعمار، إذ يمتد عمر الهرِم منها من 11إلى13.5 بليون عام، والفتيّ من6 إلى 8 بلايين عام، وكأن هذه النجوم الأخيرة  أطفال في دور الحضانة. ولا بد أن تكون هذه النجوم قد أتت من مجرة أصغر عمرا (كأن تكون مجرة تابعة تم استيعابها)، أو من جزء أصغر عمرا من مجرة أندروميدا نفسها (أي من قرص المجرة إذا تعرض للتمزق من قبل مجرة عبرت بجواره أو اصطدمت به). ولا تحتوي هالة درب التبانة على أعداد كبيرة من النجوم الفتية مقارنة بأندروميدا. ولذا فمع أن لأندروميدا ودرب التبانة شكلين متشابهين، فإن أرصاد هبل توحي بأن للمجرتين تاريخين مختلفين جدا.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/11-12/82%20copy.gif

نجوم صغيرة العمر، واقعة في جوار مجرة أندروميدا (في اليمين)، يمكن أن تكون شظايا ناتجة من تصادم هذه المجرة بمجرة أخرى [يظهر أيضا في هذه الصورة عدة مجرات خلفية].

 

6- وفرة من الثقوب السوداء الفائقة الكتلة(*******)

 

اعتقد الفلكيون منذ الستينات أن الكوازارات quasars ونوى المجرات النشيطة  الأخرى (وهي القلوب الساطعة المتقدة للمجرات) تستمد طاقاتها من ثقوب سوداء عملاقة تتغذى بالمادة. وقد ترسخت أرصاد مقراب هبل هذا السيناريو العام، إذ إنه وجد ثقبا أسود مندسا في محور كل مجرة تقريبا رصدها بدقة. وكان هناك اكتشافان مهمان بوجه خاص: أولهما صورٌ ذات ميز عال لكوازارات موجودة داخل مجرات إهليليجية ساطعة أو داخل مجرات متداخلة، وهذا يوحي أن هناك ترتيبا معينا للأحداث لإمداد الثقب الأسود المركزي بالمادة. وثانيهما أن ثمة ارتباطا وثيقا بين كتلة الثقب الأسود الضخم وكتلة الانتفاخ الكروي للنجوم المحيطة بمركز المجرة. ويوحي هذا الارتباط بأن تكوّنَ وتطوّرَ المجرة وثقبها الأسود مرتبطان ارتباطا وثيقا.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/11-12/78%20copy.gif

بثقة بلازما تندفع من المجرة M87، يُعتقد صدورها عن ثقب أسود آخذ في التنامي، تقدر كتلته بثلاثة بلايين كتلة شمسية.

 

 

7- أعظم الانفجارات الكونية(********)

 

انبثاقات أشعة گاما (GRBs)(3) هي ومضات قصيرة الأمد لأشعة گاما تدوم من بضعة أجزاء من ألف من الثانية إلى عشرات الدقائق. وتندرج هذه الانبثاقات ضمن صنفين متباينيْن طبقا لطول أمدهما؛ فالصنف الأول يدوم أكثر من ثانيتين، والآخر أقل من ثانيتين. وتُصدر انبثاقات الصنف الأول فوتونات منخفضة الطاقة، مقارنة بما تُصدره انبثاقات الصنف الآخر. هذا وإن أرصاد كل من مرصد كومپتون لأشعة گاما ComptonGamma-RayObservatory وساتل الأشعة السينيةBeppoSAX والمراصد الأرضية، عَزَت الانبثاقات الطويلة الأمد إلى انهيار  لب النجوم الضخمة القصيرة العمر، أي إلى نوع معين من المستعرات الأعظمية (السوپرنوکا). ويثير ذلك تساؤلا: لماذا يقوم جزء صغير فقط من المستعرات الأعظمية بتوليد الانبثاقات GBRs؟

 

لقد وجد مقراب هبل أنه على حين تحدث المستعرات الأعظمية في جميع مناطق التكون النجمي في المجرات، فإن الانبثاقات GRBs الطويلة الأمد تتركز  في المناطق الأكثر سطوعا، حيث توجد معظم النجوم الضخمة. إضافة إلى ذلك ومقارنة بالمجرات العائلة (المضيفة) للمستعرات الأعظمية، فإن المجرات العائلة للانبثاقات GRBs الطويلة الأمد كانت أخفت كثيرا وأقل تناسقا وامتلاكا  للعناصر الثقيلة. وهذا شيء مهم، لأن النجوم الضخمة المفتقرة إلى العناصر الثقيلة تولِّد رياحا نجمية أضعف من تلك التي تطلقها النجوم الغنية بتلك العناصر. وخلال دورة حياتها، تحتفظ هذه النجوم بقدر أكبر من كتلها، وعندما تموت تكون أثقل. ويسبب انهيار قلوبها ثقبا أسود، لا نجما نترونيا. وفي الواقع، يعزو الفلكيون الانبثاقات GRBs الطويلة الأمد إلى الدفقات الموجهة  الناتجة من الثقوب السوداء السريعة الدوران. فالعوامل الحاسمة لإمكانية إنتاج انبثاق GRB من انهيار قلوب النجوم تبدو محصورة في كتلة ومعدل دوران النجم الأصلي وقت موته.

وفي المقابل، كان تحديد مصدر الانبثاقات القصيرة الأمد أكثر صعوبة. ففي عام2005 فقط، تم تحديد مواقع عدد قليل منها بوساطة أرصاد سواتل HETE2 وSwift. وقد أظهر مرصد هبل ومرصد ChandraX-rayObservatory أن هذه الانبثاقات  تُصدر، عموما، طاقة أقل من تلك التي تصدرها الانبثاقات الطويلة الأمد، وهي تأتي من مجرات ذات تنوع واسع يشمل المجرات الإهليليجية، التي توقفت عن توليد النجوم. ومن الواضح أن الانبثاقات القصيرة الأمد ليست مرتبطة بالنجوم الضخمة القصيرة العمر، بل ببقايا تلك النجوم بعد موتها. والفرضية الأكثر معقولية هي أن الانبثاقات القصيرة الأمد تنشأ عن اندماج نجميْن نترونيين.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/11-12/79.gif

المجرة المضيفة لبثقة أشعة گاما 971214، وهي تظهر كبقعة ضباب متواضعة (تلي السهم).

 

8- حافة الفضاء(*********)

 

أحد الأهداف الرئيسية لعلم الفلك هو تتبع تطور المجرات وأسلافها القريبة قدر الإمكان من الانفجار الأعظم bigbang. ولأخذ فكرة عما كانت عليه مجرة درب التبانة في سالف الزمن، حاول الفلكيون أخذ صور لمجرات مختلفة الأعمار: من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضوج. ولهذا الغرض، أخذ مقراب هبل ـ بالتعاون مع المراصد الأخرى ـ صورا ذات مُدَد تعرّض طويلة(4) لرُقَع صغيرة من السماء، هي: حقول هبل العميقة Hubble DeepFields وحقل هبل الفائق العمقHubbleUltraDeep Field والمنطقة المسماة GreatObservatories Origins DeepSurvey، وذلك بغية إظهار أبعد المجرات (ومن ثم أكبرها عمرا).

لقد كشفت هذه الصور الفائقة الحساسية مجرات وُجدت عندما كان عمر الكون لا يتعدى بضع مئات من ملايين السنين، أي نحو 5 في المئة من العمر  الحالي للكون. لقد كانت هذه المجرات أصغر حجما وأقل تناسقا في أشكالها، مقارنة بالحديث منها، وهذا ما يتوقع إذا كانت مجرات اليوم تكوّنت من تكتل مجرات صغيرة (وليس من تفكك مجرات كبيرة). إن الرجوع بالزمن إلى الوراء بقدر أكبر، هو الهدف الرئيسي لخليفة مقراب هبل، وهو مقراب جيمس ويب الفضائيJames WebbSpace Telescope الذي لايزال قيد الإنشاء.

وتتبعتِ الأرصادُ العميقة، أيضا، تضاؤلَ ونمو عملية التكون النجمي في الكون عبر أزمنة كونية مديدة. ويبدو أن معدل هذه العملية وصل إلى ذروته قبل زهاء7 بلايين عام، ثم هبط إلى عُشر هذا المعدل منذ ذلك الوقت. وحين كان الكون  حديث العمر نسبيا (بليون عام)، كان معدل تكون النجوم مرتفعا، إذ بلغ المعدل حينذاك نحو ثلث قيمته العظمى.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/11-12/74.gif

مجرات بعيدة أخفتُ ببلايين المرات من أي شيء يمكن أن تراه العين البشرية. وهي تتناثر عبر الرقعة السماوية المسماة حقل هبل الفائق العمق.

 

9- عمر الكون(**********)

 

في العشرينات من القرن الماضي، أظهرت أرصاد العالِم الفلكي <E.هبل> وآخرين أننا نعيش في كون يتمدد. فالمجرات تتباعد بسرعة بعضها عن بعض وفق نمط منتظم، وهذا يوحي بأن نسيج الفضاء ذاته آخذ في التمدد. إن ثابت هبل (Ho) هو قياس للمعدل الحالي للتمدد، وهذا يجعله المقياس الأساسي لتحديد عمر الكون. والاستنتاج ببساطة أن الثابتHo هو معدل تباعد المجرات  بعضها عن بعض؛ لذا، فبإهمال أي تسارع أو تباطؤ في ذلك المعدل، فإن مقلوب الثابتHo يحدد الزمن الذي كانت فيه المجرات متكتلة سويا. وتؤدي قيمة الثابتHo دورا في نمو المجرات وإنتاج العناصر الخفيفة وتوقيت مراحل التطور  الكوني. لذا فليس من المستغرب أن يكون التحديد الدقيق لثابت هبل هدفا أساسيا لمقراب هبل منذ بداية مهمته.

وعمليا، يعني إيجاد قيمة ثابت هبل التحققَ من بُعد المجرات المجاورة، وهي مهمة شاقة وعسيرة، أدت إلى جدل طال أكثر مما يجب في القرن العشرين. وأجرى المقراب هبل دراسة دقيقة للنجوم القيفاوية (نجوم سيفيد) المتغيرة cepheid variables، وهي نجوم تكشف نبضاتُها المميزة عن سطوعها الذاتي، وهذا يمكِّن من تحديد بعدها. لقد نفذ مقراب هبل ذلك في 31 مجرة، وبلغت دقة القيمة المستنتَجة للثابت Ho قرابة10 في المئة. وإذا أضفنا إلى ذلك قياسات الخلفية الميكروية الموجة للكون cosmicmicrowave background، فإن قيمة ثابت هبل تدل على أن عمر الكون يقدر بنحو13.7 بليون عام.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/11-12/77.gif

تُعَدُّ النجوم القيفاوية النبّاضة pulsating cepheid stars، الشبيهة بهذه الأشكال التي أبدعها فنان، المرجعَ الأساسي لتقدير المسافات بين المجرات.

 

 

10- الكون المتسارع(***********)

 

في عام 1998، فجر فريقان مستقلان من الفلكيين قنبلة بإعلانهم أن تمدد الكون آخذ في التسارع. فقد كان علماء الفلك يفترضون، عموما، تباطؤ تمدد الكون؛ لأن المجرات يجذب بعضها بعضا بفعل التثاقل، ومن ثم يجب أن تقل المسافات التي تفصل بعضها عن بعض. ويعتقد، على نطاق واسع، أن اللغز الأكبر في علم الفيزياء اليوم هو السبب الذي يدفع ذلك التسارع. والفرضية المعمول بها هي أن الكون يحتوي على مكونات غير مرئية تسمى الطاقة السوداء(5)dark energy. وتوحي مجموعة من أرصاد مقراب هبل وأرصاد المقاريب الأرضية والخلفية الميكروية الموجة، أن الطاقة السوداء تؤلّف نحو ثلاثة أرباع كثافة الطاقة الكلية للكون.

لقد بدأت عملية تسارع الكون قبل نحو خمسة ملايين عام، وقبل ذلك كان تمدد الكون يتباطأ. في عام 2004 اكتشف مقراب هبل ستة عشر مستعرا أعظميا  بعيدا في مرحلة الانتقال من التباطؤ إلى التسارع الكوني. وقد وضعتْ هذه الأرصاد قيودا ذات مغزى على النظريات المتعلقة بماهية الطاقة السوداء، وأبسط الاحتمالات (لكن أكثرها غموضا) هو أنها نمط من الطاقة مندمج في الفضاء ذاته، حتى حينما يكون خاليا. وفي الوقت الحاضر، ليس هناك أداة أخرى أكثر فاعلية في اصطياد المستعرات الأعظمية البعيدة لتحديد ماهية الطاقة السوداء. إن الدور الذي يقوم به مقراب هبل في دراسة الطاقة السوداء يُعد، إلى حد بعيد، أهم الأسباب التي تجعل الفلكيين شديدي الحرص على أن تُبقي الوكالة ناسا على استمرار عمل المقراب.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2006/11-12/76%20copy.gif

ساعدت المستعرات الأعظمية البعيدة، المكتشفة عن طريق مقارنة الصور في أزمنة مختلفة، على كشف تحول مهم جدا من التباطؤ إلى التسارع الكوني.

 

المؤلف


Mario Livio

 

أحد أطول الباحثين الحاليين باعا في علم الفلك، إذ إن أبحاثه تشمل الطاقة السوداء وانفجارات المستعرات الأعظمية والكواكب خارج المنظومة الشمسية وتنامي المادة على الأجسام المتراصة. ويعمل <ليکيو> في  معهد علوم مقراب الفضاء ببلتيمور، وله عدة كتب علمية مبسَّطة، أحدثها كتاب المعادلة التي لم يمكن حلها. وفي هذا الكتاب، يناقش موضوعَ التناظر في أشياء تمتد من اختيار الزملاء إلى قوانين الفيزياء.

 مراجع للاستزادة 

 

 مقالات سبق نشرها حول الفقرات الواردة في هذه المقالة مرتبة حسب رقم الفقرة :

 

 

1- Comet Shoemaker-Levy 9 Meets Jupiter. David H. Levy, Eugene M. Shoemaker and Cryolyn S. Shoemaker. Vol. 273, No. 2, pages 84-91; August 1995.


2-البحث في الكون عن ظلال أراض أخرى، مجلة العلوم، العدد 4(2002) ، ص 24.


3 -The Extraordinary Deaths of Ordinary Stars. Bruce Balic and Adam Frank. Vol. 291, No. 1, pages 50-59; July 2004.


4 -الأيام المبكرة في حياة نجم، مجلة العلوم، العدد12 (2000) ، ص 26.


6- الزوج المجرِّيُّ المُستغرب، مجلة العلوم، العددان 12/11(2003) ، ص 42.


7- أسطع الانفجارات في الكون، مجلة العلوم، العددان7/6 (2003) ، ص 32.


8 -Galaxies in the Young Universe. F. Duccio Macchetto and Mark Dickinson. Vol. 276, No. 5, pages 92-99; May 1997.


9- معدل تمدد الكون وحجمه، مجلة العلوم، العددان 7/6(1994) ، ص 72.


10-توسع الكون من تباطؤ إلى تسارع، مجلة العلوم، العددان 5/4(2004) ، ص 74.

 

(*)HUBBLE’S TOP 10
(**)The Great Coment Crash
(***)Extrasolar Planets

(****)Death Throes
(*****)Cosmic Birthing

(******)Galactic Archaeology

(*******)Supermassive Black Holes Galore

(********)The Largest Explosions
(*********)The Edge of Space

(**********)The Age of the Universe

(***********)The Accelerating Universe

(1) terabyte
(2) gigabyte
(3) gamma-rar bursts
(4) long exposures
(5) أو المعتمة أو الخفية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى