أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

هل الخلايا الجذعية

 هل الخلايا الجذعية

المسبب الحقيقي للسرطان؟(*)

يتمثل الجانب المظلم للخلايا الجذعية ـ وهو إمكان تحولها

إلى خلايا خبيثة ـ في كونها أصل عدد قليل من السرطانات، وربما

السبب في سرطانات أخرى كثيرة. ويمكن أن يعتمد الشفاء من

هذا المرض على تعقب هذه الخلايا المحيرة القاتلة وتدميرها.

<F.M.كلارك> ـ <W.M.بيكر>

 

 

 

بعد انقضاء أكثر من ثلاثين عاما على الحرب المعلنة ضد السرطان، يمكن الادعاء أن انتصارات قليلة مهمة قد تحققت، مثل معدل للبقيا قدره 85 في المئة لبعض سرطانات الطفولة التي كان تشخيصها يمثل في ما مضى حكما بالموت. كما أمكن لأدوية حديثة في حالات أخرى من السرطانات أن تعمل نوعا ما على إحصار المرض، لتجعل منه حالة يمكن للمريض أن يعيش بها. ففي عام 2001مثلا، تمت المصادقة على العَقَّار گليکك Gleevec  لمعالجة ابيضاض الدم النّقَوي (النخاعي)(1) المزمن chronic myelogenous leukemia CML. ولاقى العَقَّار نجاحا باهرا، ذلك أن عددا كبيرا من المرضى هم حاليا في هدأة نتيجة المعالجة بالعقار گليکك. ولكن الأدلة توحي بقوة بأن هؤلاء المرضى لم يشفوا شفاء حقيقيا، ذلك أن مستودعا من الخلايا الخبيثة مسؤولا عن إبقاء المرض لم يُستأصل بعد.

 

ووفقا لمعرفة تقليدية شائعة، فقد ظل الاعتقاد سائدا لفترة طويلة أن بقاء أي خلية ورمية في الجسم قد يجعل احتمال الإصابة بالمرض قائما. لذا، فإن المعالجات الحالية تتركز على قتل أكبر عدد ممكن من الخلايا السرطانية. ولكن نجاحات هذه المقاربة لاتزال إلى حد كبير قيد الصواب والخطأ. كما يظل التكهن بالمرض ضعيفا لدى ذوي الحالات المتأخرة من الأورام الخبيثة الصلبة الأكثر شيوعا.

 

فضلا على ذلك، فلقد غدا واضحا حاليا أنه في السرطان CML (ابيضاض الدم النقوي المزمن) وأنواع قليلة أخرى من السرطانات هنالك نسبة في غاية الضآلة من الخلايا الورمية تمتلك القدرة على إنتاج نسيج سرطاني جديد، وأن استهداف هذه الخلايا النوعية بغية تدميرها قد يمثل الطريقة الأكثر نجاعة للتخلص من المرض. وبالنظر إلى أن هذه الخلايا تعمل كمحرك يستثير نمو خلايا سرطانية جديدة، ويحتمل كثيرا أنها تشكل أصل الخباثة نفسها، فلقد عُرفت بالخلايا الجذعية السرطانية ولكن يعتقد أيضا ـ بموضوعية تامة ـ أن هذه الخلايا أو ذريتها غير الناضجة والتي خضعت لتحول سرطاني، كانت في وقت ما خلايا جذعية سوية.

 

إن هذا التصور في أن تجمعا صغيرا من الخلايا الجذعية الخبيثة يستطيع أن يسبب السرطان ليس جديدا. ويُعتبر أن أبحاث الخلايا الجذعية قد بدأت فعليا في خمسينات وستينات القرن الماضي بدراسة الأورام الصلبة وسرطانات الدم. وتم الكشف عن عدد كبير من المبادئ الأساسية لتكوّن النسج السوية ولسيرورات التنامي بملاحظة ما يحدث عندما تخرج السيرورات السوية عن مسارها.

 

 

نظرة إجمالية/ الخلايا الجذعية السرطانية(**)

 

 غالبا ما ينظر إلى الخلايا السرطانية على أن لجميعها الإمكانية نفسها لتتكاثر ولتنشر المرض. ولكن في أنماط كثيرة من السرطان يوجد فقط مجموعة ضئيلة من الخلايا الورمية تمتلك هذه المقدرة.

 تتقاسم الخلايا المولدة للورم مع الخلايا الجذعية سمات أساسية، بما في ذلك مدى عمر غير محدود وقدرتها على توليد طيف متنوع من أنماط خلوية أخرى. لذا فقد اعتُبرت هذه الخلايا المولدة للورم خلايا جذعية سرطانية.

 يعتقد أن هذه السليفات الخبيثة تنشأ نتيجة إخفاقات تنظيمية في الخلايا الجذعية التالفة أو لنسلها المباشر.

 ومن أجل استئصال شأفة المرض، فإن على معالجات السرطان أن تستهدف الخلايا الجذعية السرطانية.

 

 

واليوم تُلقي دراسة الخلايا الجذعية الضوء على أبحاث السرطان. وفي السنوات الخمسين الفائتة زودنا العلماءُ بتفاصيل وافية عن الآليات الناظمة لسلوك الخلايا الجذعية السوية ولنتاجها الخلوي. وبدورها أدت هذه التبصرات الجديدة إلى اكتشاف سلسلة مماثلة بين الخلايا السرطانية ضمن الورم نفسه، لتضيف سندا قويا للنظرية التي ترى أن الخلايا الشبيهة بالجذعية والتي ضلت طريقها تمثل الجذر الذي نشأت عنه سرطانات عديدة. لذا، فإن الاستهداف المجدي لهذه الخلايا الجذعية السرطانية بغية استئصال شأفتها يتطلب في المقام الأول فهما جيدا للكيفية التي تتحول فيها خلية جذعية سوية إلى ضارة.

 

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2007/2-3/16.gif
قد تكون خليةٌ من بين آلاف الخلايا الورمية خليةً جذعية سرطانية مسؤولة عن تحفيز المرض.

 

 

سلوك منظم(***)

 

وكما هو معروف، فإن الجسم البشري يمثل «منظومة ذات أحياز غاية في التخصص»(2)، تتألف من أعضاء ونسج متفردة، يؤدي كل منها وظيفة أساسية للحفاظ على الحياة. ولكن الخلايا الإفرادية التي تؤلف هذه النسج غالبا ما تتميز بقصر أجلها. فالجلد الذي يغطي جسدك اليوم هو ليس حقيقة الجلد نفسه الذي كان لديك قبل شهر من الزمن، ذلك أن خلايا سطحه قد انسلخت، وتم استبدالها. كما أن بطانة المِعَى تُستبدل كل أسبوعين تقريبا. ويبلغ مدى عمر الصُّفيحات الدموية التي تساعد على تجلط الدم قرابة عشرة أيام.

 

إن الآلية التي تُبقي على مجموعة ثابتة من الخلايا العاملة في هذه النسج تكون متناغمة عبر الجسم كله، وهي في واقع الأمر مصانة في الأنواع المعقدة كافة. وتتمركز هذه الآلية في جَميعة pool صغيرة من الخلايا الجذعية المديدة العمر، تعمل مصانع للإمدادات الجديدة من الخلايا الوظيفية. وتتبع هذه السيرورة التصنيعية خطى على درجة عالية جدا من التنظيم والانتظام، بحيث يصبح وفقا لذلك كل جيل من ذراري(3) الخلايا الجذعية على درجة متزايدة من التخصص.

 

ولعل عائلة نِقي (نخاع) العظم المكونة للدم وللخلايا المناعية تشكل خير مثال لهذه المنظومة. فجميع الخلايا الوظيفية الموجودة في الدم واللمف تنشأ عن خلية والدية عامة واحدة، تعرف بالخلية الجذعية المكونة للدم hematopoietic stemcell HSC، تستوطن نِقي العظم. وتمثيل الخلية HSC في البالغ لا يزيد على 0.01في المئة من مجموع خلايا نِقي العظم. ومع ذلك، فإن كل خلية من هذه الخلايا النادرة تعطي عددا كبيرا جدا من الخلايا السليفة progenitor cells المتمايزة تمايزا وسطا (غير كاملة التمايز). وتنقسم هذه الخلايا بدورها، وتتمايز أكثر عبر عدة مراحل إلى خلايا ناضجة، مسؤولة عن إنجاز مهام نوعية؛ تراوح بين الدفاع ضد العدوى (الخمج) وبين نقل الأكسجين إلى النسج [انظر الإطار في الصفحة المقابلة]. وفي اللحظة التي تصل فيها الخلية هذه المرحلة النهائية الوظيفية، تكون قد فقدت كليا قدراتها على التكاثر أو على تغيير مصيرها وقَدَرها، فيقال عنها عندئذ إنها صارت كاملة التمايز.

 

أمَّا الخلايا الجذعية نفسها فتبقى، في غضون ذلك، غير متمايزة: حالة يتم الحفاظ عليها من خلال قابليتها المتفردة للتجدد الذاتي(4). فلكي تشرع في إنتاج نسج جديدة، تنقسم الخلية الجذعية إلى خليتين اثنتين، ولكن خلية واحدة من الخليتين الابنتين(5) الناتجتين قد تواصل، عبر مسلك خاص، باتجاه زيادة النوعية(6). أمَّا الخلية الابنة الأخرى فقد تحتفظ، عوضا عن ذلك، بهويتها كخلية جذعية. وهكذا، فإن العدد المجمل للخلايا الجذعية في الجَميعة الواحدة يبقى ثابتا، في حين أن تكاثر الخلايا السليفة غير كاملة التمايز يتيح لتجمعات من أنماط نوعية من الخلايا المكونة للدم بأن تنتشر بسرعة كاستجابة للحاجات المتغيرة.

 

 

 إن مقدرة الخلايا الجذعية على تجديد نفسها تضعها فعليا خارج قواعد اللعبة.

 

 

وتُعَدُّ قابليةُ الخلايا الجذعية لإعادة تخليق نفسها بالتجدد الذاتي هي الخاصةَ المميزة الأكثر أهمية، وهي التي تمنح هذه الخلايا الكمون لمدى عمرٍ ولتكاثر في المستقبل غير محدودين. وبالمقابل، فإن الخلايا السليفة تمتلك بعض المقدرة على تجديد نفسها أثناء تكاثرها، ولكنها مقيدة بآلية ضبط داخلية لعدد محدد تماما من الانقسامات الخلوية. ومع تزايد التمايز، فإن قدرة ذراري السليفات على التكاثر تتناقص تناقصا مطردا.

 

ويمكن ملاحظة الدلالة العملية لهذه الامتيازات عندما يتم اغتراس الخلايا الجذعية المكونة للدم أو الخلايا المتحدرة عنها. فعندما يتم تشعيع نِقي عظم الفأر بغية تخريب الجهاز الطبيعي المكون للدم في الجسم، يمكن للخلايا السليفة التي تم اغتراسها في وسط النِّقي أن تتكاثر وتجدد تكوين الدم مؤقتا. ولكن بعد أربعة أسابيع إلى ثمانية، فإن تلك الخلايا ستموت. ومن جهة أخرى، فإن اغتراس خلية جذعية واحدة فقط مكونة للدم، يمكن أن يجدد كامل الجهاز الدموي للحيوان طوال مدة حياته.

 

لقد تم التوصل إلى فهم جيد لتعضي الجهاز المكوِّن للدم قبل أكثر من ثلاثين عاما؛ إلا أنه تم حديثا تعرّف سلسلة خلوية مماثلة في نُسج بشرية أخرى، تشمل الدماغ والثدي وغدة الپروستاته (الموثة) والأمعاء الغليظة والدقيقة والجلد. كما أن مبادئ سلوك الخلايا الجذعية المنظمة تتشاركها أيضا هذه النسج، بما في ذلك آليات نوعية للتحكم في أعداد الخلايا الجذعية، ولتوجيه القرارات في ما يتعلق بمصير كل خلية من الخلايا. فمثلا، هنالك جينات عديدة وشلال من الأحداث(7) تستثير فاعلية هذه الخلايا ـ تعرف بالمسارات الجينية ـ تؤدي دورا حاسما في تقرير مصير الخلايا الجذعية ووظيفتها. وتوجد بين هذه المسارات الجينية سبل تأشير(8) تضبطها الجينات Bmi-1 و Notch وSonichedgehog و Wnt. ومع ذلك، لم يتم تعرف أغلب هذه الجينات للمرة الأولى بوساطة علماء يدرسون الخلايا الجذعية، بل من قبل باحثي السرطان؛ ذلك أن مسارات هذه الجينات متورطة أيضا في تنامي السرطانات.

 

وبالفعل، فقد تمت ملاحظة الكثير من أوجه التشابه هذه بين الخلايا الجذعية والخلايا السرطانية. وينطوي التعريف الكلاسيكي للسرطان نفسه على القابلية الظاهرية للخلايا السرطانية لتعيش وتتكاثر إلى ما لانهاية، وقدرتها على غزو النسج المجاورة، وعلى الهجرة (الانتقال metastasization) إلى مواقع بعيدة في الجسم. وفي الواقع، إن التقييدات المألوفة التي تضبط بصرامة التكاثر الخلوي وهوية الخلايا السوية يبدو أنها قد رُفعت عن الخلايا السرطانية.

 

 

 

الهرمية في الخلايا المكونة للدم(****)

 

 توضح الخلايا الجذعية في جهاز تكوين الدم hematopoieticsystem المبادئ التي تحكم أيضا فاعلية الخلايا الجذعية في نسج أخرى. وتشكل مجموعة صغيرة من الخلايا الجذعية المكونة للدمhematopoieticstem cellsHSC في نقي (نخاع) العظم مصدرَ معظم الأنماط  الخلوية المختلفة، الدموية منها والمناعية، التي تجول في الجسم البشري. وتستوطن الخلاياHSC في عش بيئي(9) خاص، محاط بخلايا من نسيج ضام تعرف بالخلايا السدوية (اللحمة) stromalcells، تزود الخلايا الجذعية بإشارات تنظيمية مهمة. فعندما تدعو الحاجة إلى خلايا دموية أو مناعية جديدة، تنقسم الخليةHSC لتنتج خلية ابنة  تبقى في العش محتفظة بهويتها المديدة العمر، وخلية ابنة أخرى قصيرة العمر تعرف بالخلية السليفة المتعددة الإمكان (القوى) multipotentprogenitor cellMPP. وبدورها تنقسم الخلية MPPلتنتج سليفات تلتزم بتوليد خلايا في السُّلالات النقوية (الدموية) أو اللمفاوية (المناعية). وما إن يتزايد تخصص الخلايا المتحدرة من السليفات، حتى تعاني انخفاضا مبرمجا في قدرتها على التكاثر حتى تتوقف عن الانقسام، فيقال عنها إنها في حالة تمايز نهائي. والخلايا الجذعية هي الوحيدة التي تحتفظ بكمون تكاثري غير محدود(10) عبر  قدرتها على تجديد نفسها تجديدا لانهائيا بأن تنقسم من دون أن تتمايز.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2007/2-3/sc_007.gif

 

 

أمَّا في الخلايا الجذعية السوية، فإن التنظيم الجيني الصارم يجعلها تحت السيطرة من النمو والتنوع غير المحدودين. إن إزالة آليات السيطرة تلك سينجم عنها ما يماثل كثيرا السرطان. وتوحي هذه القواسم المشتركة، جنبا إلى جنب مع أدلة تجريبية متنامية، أن إخفاق تنظيم الخلايا الجذعية يمثل الكيفية التي تبدأ وفقا لها أنماط خلوية عديدة بالتسرطن، وكيف تُخلِّد هذه السرطانات نفسها، وكيف يمكن احتماليا للسرطانات أن تنتشر.

 

موطن الضَّعف(*****)

 

إن وجود الخلايا الجذعية في نسج معينة، وبخاصة تلك التي يكون معدل التحول الخلوي (الانقسام الخلوي) فيها عاليا كالمِعَى والجلد يبدو وكأنه منظومة شديدة التعقيد وغير كفؤة لتحل محل الخلايا التالفة أو الهرمة، أو لا يبدو أنه سيكون معقولا أكثر في ما يتعلق بالكائن الحي إذا أمكن لكل خلية من خلاياه أن تتكاثر ببساطة، وكلما دعت الحاجة إلى ذلك، لتقدم خلايا بديلة عوضا عن الخلايا المتأذية المجاورة لها؟ للوهلة الأولى، قد يبدو ذلك ممكنا، ولكن هذا سيجعل من كل خلية في الجسم خلية سرطانية كامنة.

 

ويُعتقد أن السرطانات تنشأ عندما تتراكم تغيرات «جينية ورمية» oncogenic، تتناول جينات أساسية داخل الخلية، وتؤدي إلى نموٍ وتحول شاذين لتلك الخلية. وتحدث الطفرات الجينية نمطيا عبر أذى مباشر، كتعرض الخلية للإشعاع أو للكيماويات، أو ببساطة عبر أخطاء عشوائية عندما يتم نسخ الجينة نسخا خاطئا قبل حدوث الانقسام الخلوي. وبالنظر إلى أن الخلايا الجذعية النادرة هي الخلايا الوحيدة المعمرة في الأعضاء حيث تتنامى معظم السرطانات، فهي تمثل مستودعا كمونيا أصغر بكثير من أن يتراكم فيه التالف الجيني الذي قد يؤدي في النهاية إلى السرطان. ولكن مما يؤسف له أنه بسبب كون الخلايا الجذعية معمرة، فإنها تصبح أيضا المخزن الأكثر احتمالا لمثل هذا التلف.

 

وبالفعل، فإن طول عمر الخلايا الجذعية نفسه قد يفسر لماذا يتنامى الكثير من السرطانات بعد عقود من تعرض النسيج للتشعيع. وقد لا تكون الأذية البدئية سوى الأولى في سلسلة من الطفرات الضرورية لتحول خلية سوية إلى خلية خبيثة. وإضافة إلى تكديسها واحتفاظها بهذه الندب الجينية الورمية، فإن القدرة التكاثرية المذهلة للخلايا الجذعية تجعلها هدفا مثاليا للخباثة (للسرطان). وبالنظر إلى أن التجدد الذاتي للخلايا يكون منظما تنظيما صارما، فإن مجموعة خلوية تمتلك تلك القابلية ستحتاج لكي تصبح سرطانية إلى طفرات إضافية أقل مما تحتاج إليه الخلايا التي لا تمتلك تلك القابلية.

 

وإذا ما أخذنا هذه الاعتبارات في الحسبان، فستصبح مسارات ممكنة كثيرة للسرطان جلية. ففي أحد الطرز، تحدث الطفرات في الخلايا الجذعية نفسها، مما يتسبب في فقدها السيطرة على قرارات التجدد الذاتي منتجة جُميعة من الخلايا الجذعية مؤهلة للإصابة بالسرطان. إن أحداثا جينية ورمية إضافية تالية تحفز تكاثر الخلايا الخبيثة (السرطانية) داخل ورم ما، قد تقع في الخلايا الجذعية أو في الخلايا المتحدرة منها؛ أي في المجموعة الخلوية السليفة المتورطة. ويُعتقد في طراز ثانٍ أن الطفرات الجينية الورمية تحدث في البدء في الخلايا الجذعية، لكن الخطوات النهائية في التحول إلى خلايا سرطانية تحدث فقط في الخلايا السليفة المتورطة. وسيتطلب هذا السيناريو أن يعاد بطريقة ما تفعيل القدرة على التجدد الذاتي التي فقدتها السليفات.

 

 إن مسارات ممكنة عديدة للسرطان ستصبح جلية.

 

 

وتدعم الأدلة الحالية كلا الطرازين إنما في سرطانات مختلفة. ويوجد مثال واحد على الأقل لكلتا السيرورتين اللتين تؤديان دورا معينا في مراحل مختلفة للمرض نفسه. فابيضاض الدم النقوي المزمن (CML) هو سرطان الخلايا الدموية البيض، وينجم عن اندماج خاطئ لجينتين اثنتين. إن غرز الجينة المندمجة الناتجة سيحول خلية جذعية مكونة للدم سوية إلى خلية جذعية لابيضاض (لسرطان) الدم. إن مرض CML الذي تُرك من دون معالجة يتطور إلى شكل حاد يعرف ببُحران(12) (عصف) ابيضاض الدم النقوي المزمن CML blast crisis. إن الأحداث الجينية الإضافية النوعية المسؤولة عن هذا الشكل المحور الأكثر ضراوة للمرض قد منحت خلايا سليفة معينة القدرة على التجدد الذاتي.

 

مسعى مطرد(******)

 

خلال العقد الماضي، رسَّخ دليلٌ على أنه يمكن للخلايا الجذعية أن تصبح خبيثة، وإن خلايا سرطانية معينة فقط تتقاسم تنوعا من السمات مع الخلايا الجذعية؛ رسخ الفكرةَ أن الباعث الأساسي لنمو الورم قد يكون مجموعة صغيرة من الخلايا السرطانية الشبيهة بالجذعية. ومع أن لهذه النظرية تاريخا طويلا، فإن التِّقانة لم تكن متوافرة في الماضي للبرهان عليها.

 

وفي ستينات القرن الماضي بدأت فعلا قلة من العلماء بملاحظة أن مجموعات من الخلايا داخل الورم نفسه قد اختلفت في قدرتها على إنتاج نسيج ورمي جديد. وفي عام 1971، برهن <C.H.پارك> وزملاؤه [في جامعة تورنتو] على أن الخلايا في مزرعة خلوية مصدرها ورم نقوي أصلي أو أولي (سرطان يصيب خلايا پلازمية plasma cells في نقي العظم) أبدت اختلافات ذات دلالة في قدرتها على التكاثر. ولم يكن بإمكان مجموعة <پارك> إيجاد تفسير قاطع لهذه الظاهرة، ذلك أن تعليلين ممكنين على الأقل كانا قد اقترحا حينئذ: قد تكون الخلايا جميعها قد امتلكت القدرة على التضاعف في الزرع، ولكن بالمصادفة بعضها فقط تضاعف، أو أن تسلسلا خلويا يوجد في الورم، وأن الخلايا الجذعية السرطانية ستعطى خلايا غير مكونة للورم أو غير قادرة على التكاثر.

 

وفي عام 1967، برهن فعلا <J.P.فيالكو> [من جامعة واشنطن] على أن طراز الخلايا الجذعية هو احتماليا الطراز الصحيح لابيضاض الدم. فباستعماله پروتينا واسما على غشاء الخلية، يعرف بالرمز G-6-PD، يمكنه تعرف السُّلالة الخلوية، برهن <فيالكو> على أنه في بعض المصابات بابيضاض الدم نشأت الخلايا المكونة للورم وأيضا سليفاتها غير المكونة للورم والأكثر تمايزا كليهما من الخلية الوالدية نفسها.

 

وكانت هذه الدراسات المبكرة حاسمة في تطوير نموذج الخلايا الجذعية للسرطان، ولكنها ظلت مقيدة بعدم قدرة الباحثين على عزل الجمهرات الخلوية المختلفة الموجودة داخل ورم وفحصها. ولذا، فإن الحدث الرئيسي في بيولوجيا الخلايا الجذعية كان في المُتاحية (المستفادية) التجارية، بدءا من سبعينات القرن الماضي، لجهاز يعرف بمقياس الجريان الخلوي flow cytometer، الذي يستطيع آليا أن يفرز الجمهرات الخلوية الحية المختلفة بناء على الواسمات السطحية المتفردة التي تحملها.

 

وتمثل الحدث الحاسم الثاني حول تطور دراسات الخلايا الجذعية السرطانية في تطوير اختبارات حاسمة للتجدد الذاتي في تسعينات القرن الماضي. ولم تتوافر المقايسات(13) التي تؤكد التجدد الذاتي في الخلايا البشرية إلا عندما طور كل من <وايزمان> [من جامعة ستانفورد] و<J.E.ديك> [من جامعة تورنتو] طرائق أتاحت للخلايا الجذعية البشرية السوية أن تنمو في الفئران. فباستعمال مقياس الجريان الخلوي(14) ونموذج الفأر الجديد هذا، شرع <ديك> في عام 1994  في نشر سلسلة من التقارير التي أثرت في تطور هذا المجال في المستقبل، أوضح من خلالها كيف تعرَّف خلايا جذعية سرطانية في ابيضاض الدم. وفي عام 2003 تعرّف<R.جونز> [في جامعة جونز هوپكينز] مجموعة من الخلايا الجذعية السرطانية في الورم النقوي (المييلوم) المتعددmultiple myeloma.

 

 

 

(*******)مسارات ممكنة للسرطان

 

 لقد تم التثبت من وجود الخلايا الجذعية السرطانية التي تتسبب في نمو الورم في أنواع عديدة من سرطانات الدم وفي حفنة من الأنماط الورمية الصلبة، ولكن الكيفية التي تنشأ وفقا لها هذه الخلايا الجذعية الخبيثة مازالت غير مؤكدة. وكالخلية الجذعية السوية، فإن للخلية الجذعية السرطانية القدرة على التجدد الذاتي بالانقسام من دون أن تتمايز، ولذا فإنها تستطيع كمونيا أن تنشئ عددا غير محدود من الخلايا غير المتمايزة الشاذة التي تشكل معظم الورم. ولهذه الخلايا السليفة مدى عمري محدود، وليست بحد ذاتها مولدة للورم؛ أي إنها لا تولد خلايا سرطانية جديدة. ويُضبط سلوك الخلايا الجذعية السوية ضبطا صارما من قبل برنامجها الجيني بالتوافق مع إشارات تتلقاها من عشها البيئي. لذا، فإن التغيرات التي تطرأ على الطريقة التي تستجيب وفقا لها الخلايا الجذعية السرطانية، التي تحمل طفرات جينية مكونة للورم ـ لتأشير العش(15)، قد تؤدي دورا مهما في الانتقال النهائي للخباثة [a، b، c، d]. أمَّا الخيار الآخر فيتمثل في أن الطفرات في  الخلايا الجذعية قد تُستبقى في الخلايا غير الناضجة المتحدرة منها؛ أي الخلايا السليفة progenitorcells، التي تعاني في ما بعد طفرات إضافية تعيد تفعيل خاصية التجدد الذاتي التي تمتلكها في الحالة السوية الخلايا الجذعية فقط [d]. وقد لوحظت أدلة على هذه الإمكانات جميعها في أنواع مختلفة من السرطان.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2007/2-3/sc_008.gif

 

عش بديل. تتضمن الطفرات الجينية الورمية التي تصيب الخلايا الجذعية السرطانية تغييرات تمكنها من أن تتلاءم مع ظروف عش جديد. وباستطاعة الخلايا الجذعية السرطانية أن تزيد من انتشارها وتكاثرها، وربما تجتاح النسج المجاورة أو تنتقل إلى مواضع بعيدة في الجسم. عش متسع. تُستبقى الخلايا الجذعية السرطانية ذات الطفرات الجينية الورمية في حالة مقيدة بوساطة إشارات عُشِّية صحيحة حتى يتسبب تغير إضافي في الخلايا الجذعية السرطانية، أو في العش، في توسع هذا العش. ويتيح العش الأكبر للخلايا الجذعية الخبيثة أن تزيد مجموعاتها (جمهراتها) الخلوية الخاصة بها، ومن ثم زيادة عدد الخلايا الشاذة التي تولدها

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2007/2-3/sc_009.gif
طفرة التجدد الذاتي. إن الخلايا السليفة المؤهبة للخباثة، بوساطة طفرات جينية ورمية وُرثت عن خلايا جذعية والدية، تعاني طفرة إضافية تعيد إليها قدرتها على التجدد الذاتي. وما إن يحدث ذلك، حتى تصبح هذه الخلايا ذات مدى عمري غير محدود، وتمتلك أيضا القدرة على تكوين الورم فتغدو خلايا جذعية سرطانية. استقلالية العش. تجعل الطفرة الخلايا الجذعية التي هي مؤهبة فعلا للخباثة مستقلة عن تأشير العش، مما يزيل جميع أشكال التحكم البيئي السوي الخاصة بالتجدد الذاتي والتكاثر في الخلايا الجذعية السرطانية.

 

 

 

 (********)تضييق الخناق على الخلايا الجذعية السرطانية

 

 لقد قادت تِقنيات فرز الخلايا السرطانية الحية، وكذلك تِقنيات تحديد فيما إذا كانت هذه الخلايا تمتلك القدرة على التجدد الذاتي، إلى التعرف الإيجابي للخلايا الجذعية السرطانية داخل مجموعات خلوية سرطانية كبيرة. وقد أوضحت أنماط السرطان المُجَدوَلة في الأسفل أن الخلايا الجذعية الخبيثة لديها القدرة على التجدد الذاتي، وأنها تستطيع أن تنشئ المزيج الكامل لأنماط الخلايا التي كانت توجد في الورم الأصل. وتعني هاتان الخاصتان أن بإمكان عدد ضئيل من الخلايا الجذعية السرطانية أن تجدد الورم بكامله؛ وبإمكانها أيضا أن تستكمل باستمرار مجموعتها (جمهرتها) الخلوية الأكثر ضخامة ـ حيث يكون معظم الخلايا غير مكوِّن للورم، وأن تعيد تشكيل السرطان الأصلي حتى لو تم تدمير معظم الورم أو كله. إن استئصال شأفة المرض سيتطلب إذًا معالجات تستهدف بنجاعة الخلايا الجذعية السرطانية.

 

نمط السرطان (السنة التي تم فيها تعرف الخلايا الجذعية السرطانية)

ابيضاض الدم النقوي المنشأ الحاد (1994)

ابيضاض الدم بأُرومة اللِّمفاوية الحاد (1997)

ابيضاض الدم النقوي المزمن (1999)

الثدي (2003)

الورم النقوي المتعدد (2003)

الدماغ (2004)

الپروستاته (الموثة) (2005)

 

 

وفي وقت مبكر من العام نفسه (2003)، نشرت مجموعتنا [من جامعة ميتشگان في آن أربر] الدليل الأول على وجود الخلايا الجذعية السرطانية في الأورام الصلبة. فباغتراس مجموعات خلوية من أورام الثدي البشرية في الفئران، كان باستطاعتنا أن نؤكد أنه ليس لجميع خلايا سرطان الثدي البشرية القدرة نفسها على توليد نسيج ورمي جديد. كانت هنالك مجموعة صغيرة واحدة فقط من الخلايا قادرة على إعادة تخليق الورم الأصل في البيئة الجديدة. عندئذ قارنّا الطرز المظهرية، أو السمات الفيزيائية، لتلك الأورام الجديدة من عينات المرضى، فوجدنا أن سمات الأورام الجديدة تستعيد سمات الأصل. وتدل هذه النتيجة على استطاعة الخلايا المكونة للورم المغترسة أن تجدد نفسها وأن تنشئ أيضا جميع المجموعات الخلوية المكونة للورم المختلفة الموجودة في الورم الأصل، بما في ذلك الخلايا غير المكونة للورم.

 

لقد وثقت دراستنا صحة وجود هرمية خلوية (سلسلة من الخلايا) داخل سرطان الثدي تماثل تلك التي تم تعرفها في سرطانات الدم. ومنذ ذلك الحين، شهدت أبحاث بيولوجيا الخلايا الجذعية السرطانية توسعا هائلا، حيث تستمر المختبرات عبر العالم في العثور على مجموعات خلوية صغيرة مماثلة مكونة للورم في أشكال أخرى من السرطان. فمثلا في عام 2004، تعرف مختبر <P.ديركس> [من جامعة تورنتو] خلايا من أورام أولية في الجهاز العصبي المركزي للإنسان تمتلك القدرة على تجديد كامل الورم في الفئران. إضافة إلى ذلك، وجد هذا الباحث عددا كبيرا من الخلايا الجذعية السرطانية في واحد من أسرع أشكال سرطان الدماغ البشري نموا، ونعني بذلك الورم الأُرومي اللبيmedulloblastoma، وذلك إذا ما قورن بخلايا مكونة للورم أقل عددا بكثير، وتوجد في أنماط ورمية دماغية أقل ضراوة.

 

ويقدم أيضا حقل له صلة بأبحاث مكثفة حديثة دعما لطراز الخلايا الجذعية السرطانية. وتُظهر بيئة التأشير التي توجد بها الأورام أنها تؤثر بقوة في استهلال الخباثة وبقائها. وفعلا أثبتت الدراسات على خلايا الجسم السوية، وكذلك على الخلايا الجذعية، الدور الأساسي للإشارات الصادرة عن النسيج المحيط، وعن المطرس(16) خارج الخلايا extracellular matrix، في الإبقاء على هوية نمط خلوي معين وفي توجيه سلوكه. فمثلا، تميل الخلايا السوية التي أزيلت من بيئتها الطبيعية في الجسم إلى فقدان بعض خصائصها الوظيفية التمايزية. وبالمغايرة، فإنه يتعين زرع الخلايا الجذعية في وسط يزودها بإشارات تنبئها بالبقاء في حالة غير متمايزة، وإلاّ فإنها ستشرع بسرعة في التكاثر والتمايز في ما يبدو أنه تعبير عن فقدانها لسلوكها المبرمج، وإشارات العش (البيئة المحيطة) هي وحدها التي تبقيها مقيدة.

 

وتكون بيئة الخلايا الجذعية في الجسم (على شكل غير محدد) محاطة بأنماط خلوية نوعية كالخلايا السَّدَوية التي تكون النسيج الضام في نقي العظم. وبصرف النظر عن استثناءات قليلة، فإن الخلايا الجذعية تبقى دائما في العش وأحيانا تتصل فيزيائيا بها عن طريق جزيئات التصاق. ومن ناحية أخرى، تهاجر الخلايا السليفة مبتعدة عن العش، وغالبا ما تكون برفقة خلايا حارسة، حيث ستصبح أكثر تمايزا.

 

إن أهمية التأشير الصادر عن العش في الإبقاء على الخلايا الجذعية بحالة غير متمايزة، وفي الحفاظ عليها هاجعة quiescent حتى تتم دعوتها إلى إنتاج خلايا جديدة، توحي بأنه يمكن لهذه الإشارات البيئية الموضعية أن تمارس ضبطا تنظيميا مماثلا على الخلايا الجذعية السرطانية. فمثلا، أوضحت تجارب مثيرة للاهتمام أنه عند زرعها في بيئة جديدة فإن الخلايا الجذعية المؤهبة للخباثة (للسرطنة) بسبب الطفرات الورمية، تفشل رغم ذلك في إنتاج ورم. وعلى العكس من ذلك فإن الخلايا الجذعية السوية التي اغترست في بيئة نسيجية سبق أن تضررت بالتشعيع كانت باعثا على تكوين أورام.

 

إن كثيرا من المسارات الجينية ذاتها التي تم تعرفها بالتأشير بين الخلايا الجذعية وبين عشها قد ترافقت مع السرطان، مما يوحي أيضا بوجود دور للعش في التحول النهائي إلى الخباثة. فمثلا، إذا ما احتجزت الخلايا الجذعية الخبيثة مقيدة في العش، ولكن تم بطريقة ما تحوير هذا العش وتوسيعه، فستجد جميعة الخلايا الجذعية الخبيثة متسعا تنمو فيه. وهناك احتمال آخر في أن طفرات جينية ورمية معينة داخل الخلايا الجذعية السرطانية سمحت لهذه الخلايا بالتلاؤم مع عش مختلف، ومرة ثانية تتركها تزيد في أعدادها وتوسع حيز وجودها. ويبقى بديل ثالث يتمثل في احتمال أن تكون الطفرات قد سمحت للخلايا الجذعية السرطانية أن تصبح مستقلة كليا عن إشارات العش كافة، لاغية أشكال الضبط البيئي على كلٍّ من التجدد الذاتي والتكاثر.

 

(*********) تقارب الاتجاهات

 

إن تضمينات طراز الخلايا الجذعية للسرطان في ما يتعلق بالطريقة التي نفهم بها ونعالج أيضا وفقا لها الخباثات جلية ودرامية. وتستهدف المعالجات الحالية أنواع الخلايا الورمية جميعها، ولكن دراستنا ودراسات أخرى أوضحت أن جزءا ضئيلا فقط من الخلايا السرطانية لديه القدرة على إعادة الإنشاء وعلى دوام الخباثة. وإذا كانت المعالجات التقليدية تسبب انكماش الورم ولكنها تخطئ تلك الخلايا، فإن السرطان سيعود على الأرجح. أمَّا المعالجات التي تستهدف نوعيا الخلايا السرطانية الجذعية فقد تدمر المحرك الدافع للمرض، تاركا أيا من الخلايا المتبقية غير المكونة للورم لتموت في النهاية موتا ذاتيا.

 

وفي الممارسة الطبية يوجد فعلا دليل ظرفي يدعم هذه المقاربة. فمثلا، بعد إجراء المعالجة الكيميائية لسرطان الخِصية، يُفحص ورم المريض لتقييم تأثير المعالجة. فإذا ما احتوى الورم على خلايا ناضجة فقط، فإن السرطان عادة لا يعود، ولن تكون هنالك حاجة إلى معالجات إضافية. أمَّا إذا كان هنالك عدد كبير من الخلايا التي تبدو غير ناضجة ـ أي إنها ليست متمايزة تماما ـ موجود في عينة الورم، فإن السرطان سيعود على الأرجح، وأن الإجرائية (البروتوكول) المعيارية تستدعي معالجة كيميائية إضافية. ولكننا مازلنا نفتقر إلى البرهان على أن هذه الخلايا غير الناضجة هي نسل حديث يدل على وجود خلايا جذعية سرطانية. ولكن ترافق هذه الخلايا مع التكهن بالمرض أمر واجب.

 

بيد أنه لا يمكن تعرف الخلايا الجذعية بناء على مظهرها فقط. لذا، فإن تطوير فهم أفضل للخصائص النوعية المتفردة للخلايا الجذعية السرطانية سيتطلب في المقام الأول تِقنيات محسنة لعزل هذه الخلايا النادرة ودراستها. وما إن نفهم الخصائص المميزة لها، يمكننا استعمال هذه المعلومات لاستهداف الخلايا الجذعية السرطانية بمعالجات صُممت لها خصوصا. وإذا كان على العلماء مثلا أن يكتشفوا الطفرة أو العامل البيئي المسؤول عن منح القدرة على التجدد الذاتي لنمط خاص من الخلايا الجذعية السرطانية، فإن ذلك سيصبح هدفا واضحا لتجريد تلك الخلايا المكونة للورم من خباثتها.

 

 

إن تدمير المحرك الدافع للمرض يعني ترك الخلايا غير المكونة للورم تموت ذاتيا.

 

 

وقد تم إيضاح هذه الاستراتيجية الواعدة بأمثلة مشجعة قدمها كل من <C.T.جوردان> و<M.L.گوزمان> [من جامعة روشستر]. ففي عام 2002، تعرف هذان الباحثان سمات جزيئية متفردة لخلايا جذعية سرطانية يُعتقد أنها تسبب ابيضاض الدم النقوي الحاد acute myeloid leukemia AML، وأوضحا أنه بالإمكان استهداف الخلايا الجذعية السرطانية استهدافا تفضيليا بعقاقير نوعية. وفي عام 2005، نشرا اكتشافهما مركبا مشتقا من نبات الأقحوان feverfew، يستحث الخلايا الجذعية المصابة بالابيضاض AML على الانتحار، في حين أنها لا تؤثر  في الخلايا الجذعية السوية.

 

وتأمل بعض المجموعات البحثية في تدريب الخلايا المناعية لتتعرف الخلايا السرطانية وتسعى إليها. كما أن بعضها الآخر يستكشف استعمال العقاقير الموجودة لتحوير تأشير العش (البيئة) على أمل حرمان الخلايا الجذعية السرطانية من العوامل التي تساعدها على النماء. وإضافة إلى ذلك، هنالك فكرة هي حاليا قيد الاستقصاء، تتمثل في إمكان تطوير عقاقير لإجبار الخلايا الجذعية السرطانية على التمايز، وهذا يجردها من القدرة على التجدد الذاتي.

 

ويتمثل الأمر الأكثر أهمية في أن الباحثين في نطاق السرطان هم حاليا في عنق قارورة الارتياب. فبمقاربات تضامية(17)  غرضها استهداف مسارات جينية وحيدة في حفاظها على الخلايا الجذعية السرطانية، وفي تعطيلها للّغة المتبادلة بين الخلايا الورمية وبيئتها، نأمل أن نستطيع في القريب العاجل العثور على المتهم الحقيقي في السرطان وكبح نشاطه

 

المؤلفان

 Michael F.Clarke – Micheal W. Becker

 

  عملا معا في مختبر <كلارك> بجامعة ميتشيگان، حيث تم عام 2003 ـ أول مرة ـ عزل الخلايا الجذعية لورم الثدي. و<كلارك> هو حاليا مدير مساعد وكذلك أستاذ بيولوجيا السرطان والطب في معهد استانفورد للخلايا الجذعية والطب التجديدي (التخليقي). ويستمر في عمله على تعرف الخلايا الجذعية السرطانية وعلى الآليات التي تتجدد وفقا لها هذه الخلايا وكذلك الخلايا الجذعية السوية. وأما <بيكر> فهو أستاذ مساعد في قسم علم الدم وعلم الأورام في المركز الطبي التابع لجامعة روشستر. إن بؤرة أبحاث <بيكر> هي تعرف خصائص الخلايا الجذعية لابيضاض الدم، وتتركز أعماله السريرية (الإكلينيكية) على الدم السطحي (المحيطي) peripheral وعلى اغتراس نقي العظم.

 

  مراجع للاستزادة

 

The Reversal of Tumor Growth. Armin C. Braun in ScientficAmerican Vol. 213, No. 5, pages 75-83; November 1965.


The Proteus Effect: Stem Cells and Their Promise for Medicine. Ann B.Parson. Joseph Henry Press, 2004


Context, Tissue Plasticity, and Cancer: Are Tumor Stem Cells AlsoRegulated by the Microenvironment? Mina J. Bissell and Mark A.

LaBarge in Cancer Cell, Vol. 7, pages 17-23; January 2005.

 

Leukaemia Stem Cells and the Evolution of Cancer-Stem-Cell Research. Brian J. P. Huntly and D. Gary Gilliland in Nature Reviews
Concen Vol. 5, No. 4, pages 311-321;ApriI 2005.

 

Stem Cells and Cancer: Two Faces of Eve. Michael F. Clarke and Margaret Fuller in Cell, Vol. 124, pages 1111-1115; March 24, 2006.

 

(*)STEM CELLS: THE REAL CULPRITS IN CANCER?

(**) Overview/ Cancer Stem Cells

(***) Orderly Conduct

(****)Hierarchy in Blood-Forming Cells

 (*****)Achilles Heel أو المقتل.

(******)  Steady Pursuit

(*******) Possible Paths to Cancer

(********)Cornering Cancer Stem Cells

(*********) Closing in

 

(1)myelogenous: ينشأ في نقي (نخاع) العظام.(التحرير)

(2)  highly compartmentalized system

(3) جمع ذُرية.

(4) self-renewal

(5) daughter

(6) specificity

(7) cascades of events

(8) signaling pathways

(9) environmental nicke

(10) unlimited proliferative potential

(11)committed progenitors

(12) هو التغير الذي يحدث دفعة في الأمراض الحاد

(13) assays

(14)flow cytometry

(15) niche signaling: تأشير صادر عن العش. (التحرير)

(16) المطرس (الأمهة) خارج الخلايا: هو المادة بين الخلوية؛ أي التي تحيط بالخلايا في بعض النسج. وتفرز هذه المادة الخلية نفسها ـ أو مجموعة الخلايا. والأمّهة matrix نحت من الأم mater، وix تفيد تأكيد التأنيث. (التحرير)

(17)combination

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى