أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
علم الحيوانعلم المحيطات

التونة البلوفين

التونة البلوفين
معرضة لخطر الانقراض(*)

إن الطريقة الوحيدة لإنقاذ البلوفين [(سمكة) التونة ذات
الزعانف الزرق]، وهو أحد الأسماك الأروع والأكثر تعرضا
للانقراض في المحيطات، قد تكون بتدجين نوعه.

<R.إليس>

 

مفاهيم مفتاحية


أهلكت الشعبية المفرطة لوجبات طبقي السوشي والسيشيمي سمكة تونة البلوفين. فقد أدى صيدها إلى تخفيض أعدادها في محيطات الأطلسي والهادئ والهندي، دافعا نوعها نحو الانقراض. وقد فشلت الإدارات المسؤولة في وضع حصص صيدٍ صارمة بصورة كافية، إضافة إلى تعذّر مراقبة صيدها غير القانوني.

قد ينقذ التكاثر في الأسر نوع البلوفين من الانقراض، وهو جهد سيتعرّض إلى التحدّي. وقد قامت جماعات البحث اليابانية والأوروبية بإكثار التونة في مختبراتها. وهناك شركة أسترالية تسعى إلى إنجاز العمل على نطاق تجاري.

محررو ساينتفيك أمريكان

 

ليست جميع أسماك التونة متشابهة، فالتونة التي توضع في الشطائر والسلطات تأتي من أحد نوعين: إمّا من النوع سكيپجاك skipjack الذي يصل طوله إلى المتر ويجري اصطياده حول العالم بكميات هائلة وتقديمه ك«لحم تونة خفيف»، أو من النوع ألباكور albacore وهو سمك صغير أيضا ويُسوَّق ك«لحم تونة أبيض». أما أسماك اليلّوفين yellowfin (التونة ذات الزعانف الصفر) والبيگ آي big eye (التونة ذات العيون الكبيرة) فهي أنواع  أكبر ويجري اصطيادها بأعداد كبيرة، ولكن لا يحضّر منها طبق السوشي sushi المدهش بصورة خاصة، وعادة ما تقدّم  مشوية. ولكن البلوفين (التونة ذات الزعانف الزرق) ـ وهو من الأسماك الضخمة والخيار المفضل لتحضير طبقي السوشي والسيشيمي sashimi ـ أصبح طبق السمك الأكثر إقبالا عليه في العالم. ولهذا السبب فقد  وُضع هذا النوع على رأس قائمة الأسماك الأكثر تعرضا للانقراض، وقد تكون كذلك بين جميع أنواع الأسماك الكبيرة. فالصيد الجائر اللاواعي المستمر يدفع البلوفين نحو الانقراض، ويمكن أن يختفي ما لم يتعلم مربو الأسماك المستثمرون كيفية إكثار التونة في الأسر.

وعندما يصل البلوفين إلى أقصى وزنه المعروف ـ أي حوالي ثلاثة أرباع الطن ـ وطول أربعة أمتار، فإنه يمثل كتلة ضخمة من عضلات قوية تشق الماء بضربات ذيله الذي يشبه السيف العربي المعقوف. وبينما يكون معظم أنواع الأسماك ـ التي يقدر عددها بحوالي  000 20 نوع ـ من ذوات الدم البارد وتكون درجة حرارة أجسامها مساوية لدرجة حرارة الماء الذي تسبح فيه، فإن البلوفين هو أحد الأنواع القليلة من الأسماك من ذوات الدم الحار. وأثناء غوصه إلى عمق يصل إلى كيلومتر واحد تحت سطح الماء، حيث يمكن أن تكون حرارة الماء خمس درجات مئوية (41 درجة  فرنهايت)، فإن البلوفين يستطيع أن يحافظ على حرارة جسمه وقدرها 27 درجة مئوية (81 درجة فرنهايت)، وهي قريبة من درجة حرارة الثدييات. ويُعدّ البلوفين أيضا من بين أسرع الأسماك، فقد تصل سرعته إلى 80كيلومترا في الساعة ويرتحل عبر المحيط بكامله. إنه سبّاح مدهش. لذلك استخدم العلماء في التسعينات، عندما حاولوا بناء سمكة ميكانيكية، هذا النوع نموذجا وصمموا إنسالة(1) robot على شكل جسم انسيابي(2) مستدق الرأس وبزعنفة ذيلية قوية هلالية الشكل. وقد وجد  الباحثون أنّ فعالية الذيل تُعزى إلى تفاعل الدوامات التي تتولد من التواءاته السريعة؛ ولكن هيدرودينامية نماذجه الإلكترونية لم تقترب من هيدرودينامية البلوفين الحقيقي. فقد ذكر الأخوان <تريانتافيلو> أنّه كلما زاد تعقيد تصاميمنا لإنسالة التونة، زاد إعجابنا بالنموذج الحي المصنوع من لحم ودم.

وكما تصطاد الذئاب، فإن البلوفين غالبا ما يصطاد فرائسه في جماعات تشكل خطا منحنيا مكافئا parabolic يتقدّم بسرعة  كبيرة ومجمّعا الفرائس، وهذا يسهّل على سرب التونة الإحاطة بها. والتونة متكيّفة  من الناحية الفيزيولوجية لصيد الطرائد السريعة؛ ولكن باعتبارها متغذّيات انتهازية ستأكل ما تجده، سواء كان أسماك الماكريل mackerel السريعة السباحة أو أسماك الفلاندرflounder القاعية أو الإسفنج اللاطئ. فقد كشفت دراسة محتويات معدة البلوفين في نيوإنگلاند، قام بها <B.شيس> [في قسم المصايد البحرية بماساتشوستس]، أن المادة الغذائية المهيمنة هي أسماك الرنگة herringالأطلسية، تليها أسماك ساند لانس sand lance والقنبر bluefish وأنواع مختلفة من الحبار. (وهناك فرائس أخرى تتضمّن: أنواع البترفيش butterfish والسيلکر هيك silver hake والويندوپين فلاوندر windowpane flounder والوينتر فلاوندرwinter flounder والمانهادن menhaden والسي هورسيز sea horses وسمك القد codوالپليس plaice والپولاك pollk والفايلفيش filefish والهافبيك halfbeak والسكالپينsculpin والسپايني دوكفيش spiny dogfish والسكيت skate والأخطبوط  والجمبري والكركدن البحري والسرطانات والسالپ salp والإسفنجيات). والتونة تأكل أي شيء تصطاده، ويمكنها اصطياد أي شيء يسبح (أو يطفو أو يزحف أو حتى الذي يكون لاطئا على القاع). وبصورة عامة، فإنّها تصطاد كل شيء تراه.

من أسماك الهورس ماكريل
إلى طبق السوشي(**)

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/93.gif

 

في الماضي، لم يكن البلوفين دائما صنف طعام شهيا. في بداية القرن العشرين عُرفت هذه السمكة باسم هورس ماكريل واعتبر لحمها الأحمر ذو النكهة المستحبة طعاما مناسبا للكلاب والقطط. ومع ذلك، فإن صيادي الأسماك الكبيرة big-game بالقرب من شواطيء نيوجيرسي ونوکا سكوتيا استهدفوا البلوفين، لأن هذه الأسماك القوية كانت تعتبر هدفا يستحق التحدي والمجابهة؛ حتى إنّ <Z.كري> [المؤلف الشعبي لقصص الوسترن، مثل Riders of the PurpleSage] قد أنفق معظم مكافآته السخية (بلغت مبيعات كتبه أكثر من 13 مليون نسخة) على معدّات الصيد وقوارب  ورحلات الصيد لأمكنة ممتعة بحثا عن أسماك التونة وأبو سيف swordfish والمارلين marlin. صحيح إن أسماك أبو سيف تعتبر من الأسماك التي يمكن أكلها، لكن كان ينظر إلى البلوفين والمارلين على أنهما هدف لمتعة الصيد فقط. ولم يصبح البلوفين ذا قيمة كسمكة للغذاء حتى النصف الأخير من القرن العشرين، عندما بدأ طبق السوشي بالظهور ضمن قوائم الطعام حول العالم.

ومن المفترض أن طبقي السوشي والسيشيمي كانا من النظام الغذائي الياباني لقرون، ولكن في الحقيقة إنّ استهلاك الأسماك النيئة الواسع هو ظاهرة حديثة نسبيا. وبالاعتماد على البحر في تزويد اليابانيين بمعظم الپروتين اللازم لغذائهم لم يكن في مقدورهم تخزين الأسماك لأي وقت قبل أن تتلف إلا بحفظها بالتدخين أو التمليح. ولكن مع دخول الثلاجات إلى اليابان ما بعد الحرب العالمية الثانية، فإن الأسماك التي كانت من قبل تُدخّن أو تملّح، صار من الممكن تخزينها تقريبا إلى أجل غير محدود. ومع تبني صناعة صيد الأسماك لتقنيات جديدة ـ بما فيها خيوط الصيد المفرطة في الطول، ذات الخطافات العديدة، المزوّدة بطعم؛ والشباك الكيسية الشكل الضخمة، التي يمكنها أن تحتجز مجموعات كبيرة من الأسماك؛ إضافة إلى المجمدات والمبردات على ظهر السفن ـ صارت الظروف متاحة لتغيير غير مسبوق في عادات اليابانيين الغذائية. فقد تغيّر حال البلوفين من سمكة لا تَرغب طبقة الساموراي في أكلها لاعتقادهم أنها غير نظيفة، إلى الماكورو maguro وهو طعام شهي يمكن أن يكون سعره مرتفعا مثل سعر بعض أنواع الفطر والكافيار. ويصنع التوروtoro الذي هو أفضل أنواع الماكورو  من لحم الأحشاء الدهنية للبلوفين البالغ. إن سعر الكمأة والكافيار مرتفع بسبب  ندرتهما، غير أن البلوفين الذي لم يكن يعتبر من المأكولات من قبل يمكن أن يوجد في أسراب كبيرة بالقرب من الشواطئ، وأصبح بسرعة بندا معتبرا في قائمة الطعام العالمية. وفي عام 2001 بيعت سمكة واحدة من البلوفين في سوق أسماك تسوكيجي بطوكيو بمبلغ  600 173 دولار أمريكي.

 

 

حقائق عن أسماك البلوفين(***)

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/92.gif


البلوفين هو آلة التهام حقيقية تكيفت مع الصيد في المياه الباردة في المحيطات المعتدلة الحرارة.

الحجم: بلغ وزن أكبر سمكة بلوفين تم اصطيادها عام 1979 قرب ساحل «نوفا سكوتيا»، 679 كيلوغراما (1496 پاوندا). ويبلغ الوزن  النموذجي للبالغة منها نصف هذا الوزن، ويبلغ طولها مترين (6 أقدام).

السرعة: يمكن أن يسبح البلوفين بسرعة تصل إلى 80 كيلومترا في الساعة بجهد ضعيف ويمكنه أن  يعبر المحيط الأطلسي في أقل من60 يوما.

التكاثر: تبيض الإناث ما يصل إلى 10 ملايين بيضة في العام الواحد. ويبلغ طول  الأسماك التي تفقس من البيض (أي اليرقانات) حوالي ثلاثة ملّيمترات وتنمو بمعدل ملّيمتر واحد كل يوم.

مدة العمر: تقدّر إمكانية وصول يرقانات البلوفين إلى سن البلوغ بواحد من أربعين مليون فقط، ولكن البلوفين البالغ يمكن أن يعيش حتى 30 عاما.

السعر: في عام 2001 تم شراء سمكة بلوفين وزنها 200 كيلوغرام في  أحد أسواق الأسماك اليابانية بمبلغ  000 173 دولار أمريكي، أي نحو868 دولارا للكيلوغرام الواحد (394 دولارا لكل پاوند).

 

وفي الولايات المتحدة الأمريكية ـ حيث كان أكل الأسماك النيئة شيئا بغيضا قبل أربعين سنة ـ أصبح طبقا السوشي والسيشيمي شيئا عاديا يباع في المتاجر الكبيرة والمطاعم الفاخرة. وقد يكون المقام الأكبر لطبق السوشي في الولايات المتحدة الأمريكية في مطعم «ماسا» بمدينة نيويورك الذي افتتحه الطاهي الياباني <M.تاكاياما> في عام 2004. وبسعر موحد قدره 350 دولارا (غير شامل الضريبة ولا الخدمة  ولا المشروبات)، أصبح مطعم ماسا فورًا أكثر مطاعم المدينة غلاءً، إذ يكلّف الغداء أو العشاء لشخصين فقط مبلغا يزيد على 1000دولار.

ومن المنطق أن بيع سمكة واحدة بمئات الدولارات سيجذب أساطيل الصيد. ومن المتوقّع أن يؤدّي الطلب العشوائي الملحّ على تزويد أسواق أطباق الطعام السوشي والسيشيمي اليابانية بالتونة إلى تكثيف صيد هذه الأسماك حول العالم. لقد حاول اليابانيون ملء مخازن حفظ اللحوم وثلاجاتهم، إضافة إلى أسواق الأسماك، بجميع ما يمكن اصطياده بالقرب من شواطئهم من التونة التي تنتمي إلى نوع البلوفين «تونوس أورينتاليس» Thunnus orientalis الذي يعيش في المحيط الهادئ. ولكنهم أدركوا سريعا أنّ البلوفين  كان أكبر حجما وأكثر غزارة في شمال المحيط الأطلسي. لقد أصبح منظر وكلاء مستوردي الأسماك اليابانيين مألوفا على أرصفة الموانئ الأمريكية، مثل «جلوسستر»Gloucester و«بارنستيبل» Barnstable فى ولاية ماساتشوستس، وهم  جاهزون لاختبار درجة بدانة التونة فإذا ما كانت مقبولة قاموا بشراء الأسماك  مباشرة وشحنها إلى اليابان.

وفي وقت ما اعتقد الباحثون أن هناك جمهرتين(3) منفصلتين من البلوفين في شمال المحيط الأطلسي تنتميان إلى النوع تونوس تينوس Thunnusthynnus: جمهرة تتكاثر في خليج المكسيك وتبقى في غرب الأطلسي، وأخرى تتكاثر في البحر الأبيض المتوسط وتبحث عن غذائها في الجزء الشرقي من المحيط الأطلسي. وقد اعتمدت اللجنة الدولية لحماية تونة الأطلسي (ICCAT)، وهي كيان تنظيمي تأسس عام 1969، حصص صيدها للبلوفين وفق مفهوم الجمهرتين ووضعت حدودا صارمة على غرب الأطلسي (حيث أصبح البلوفين نادرا بدءا من السبعينات)، في حين سمحت بصيد أوسع في شرق الأطلسي. ولكن تجارب الوَسْم (وضع علامات مميزة على بعض الأسماك وإطلاقها) ـ التي انطلقت في الخمسينات والستينات من قبل <J.F.ماذر> و<G.F.كاريه> [في معهد وودز هول لعلوم البحار] وطورتها مؤخرا <A.B.بلوك> [في محطة أبحاث هوپكنز البحرية الخاصة بجامعة ستانفورد] ـ بينت أن البلوفين أربك المعرفة التقليدية. صحيح إن خليج المكسيك والبحر الأبيض المتوسط هما منطقتا تكاثر البلوفين لشمال الأطلسي، غير أنّ أسماكا منها يمكنها الهجرة عبر المحيط فتتشابك بذلك أراضي جمع الغذاء. وبسبب فشل «المؤسسة الدولية لحماية تونة الأطلسي» في وقف الصيد الجائر للتونة في شرق الأطلسي، فقد انهارت مخزونات البلوفين بشدة في أرجاء المحيط.

ومن الممكن أن تكون الأمور أسوأ في البحر الأبيض المتوسط. فباستخدام أفكار وتقانة تم تطويرها في الأصل في جنوب أستراليا (مع البلوفين من النوع تونوس ماكوفييه Thunnus maccoyii)، يحبس الصيادون مجموعات من التونة غير المكتملة النمو ويقطرونها في أحواض عائمة إلى مزارع بحرية، حيث تُغذّى (تسمّن) قبل أن تقتل وتُشحن إلى اليابان. وهناك قواعد تمنع أساطيل الصيد من جمع التونة الصغيرة في البحر الأبيض المتوسط، لكن ليس هناك قواعد تمنع صيد التونة غير البالغة وتسمينها في أحواض طافية. فكل دولة على البحر المتوسط (ما عدا إسرائيل) تنتهز فرصة هذا المنفذ وتحتفظ بمزارع التونة قرب شواطئها. إن صيادي إسبانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان وتركيا وقبرص وكرواتيا ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب ومالطة يقومون بأسر التونة غير المكتملة النمو بأعداد كبيرة. وإذا كان يتعيّن عليك تصميم وسيلة للحفاظ على عُشر عدد الأسماك المتكاثرة، فهذا قد يتم بصيد الأسماك قبل بلوغها بمدة كافية وإكثارها وحفظها في أحواض التربية حتى تاريخ قتلها. إنّ مربّي التونة، الذين اعتبروا ذلك فيما مضى حلا للمشكلة، يجعلون المشكلة في آخر الأمر بحالة أسوأ. وفي عام 2006 طلب الصندوق العالمي لتمويل  الحياة البرية التوقف عن صيد جميع التونة في البحر المتوسط، ولكن عند الأخذ  بالحسبان المكافآت المالية الضخمة الحالية يمكنك أن تتصور كيف تكون فعالية هذا الطلب. وفي الاجتماع الأخير للجنة ICCAT في الشهر 11/2007 تم تجاهل مناقشات المنادين بضرورة صيانة الموارد الطبيعية ووضع حصص عام 2008 بالقدر نفسه تقريبا للحصص التي كان قد تم الاتفاق عليها لعام 2007. وتبنّت اللجنة ICCATخطةً لخفض صيد التونة في البحر الأبيض المتوسط بمقدار 20 %  بحلول عام2010 مع تخفيضات تالية أخرى، غير أنّ رئيس  الوفد الأمريكي شجب أنصاف الحلول مشيرا إلى أنّ اللجنة ICCAT قد فشلت في مواجهة المهمة التي  شُكِّلت من أجلها.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/90.gif  http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/91.gif

 

 

 

 

 

 

 

 

يكون الصيد الجائر للتونة مفرطا بصورة خاصة في البحر الأبيض المتوسط. وتبدو هنا مجموعة من صيادي التونة في جنوب أسبانيا يرفعون إحدى الشباك الممتلئة بالبلوفين (في الأعلى) ويحملون كومة من الأسماك العملاقة إلى الشاطئ (في اليسار).

 

ومع ذلك، حتى لو كانت الحصص أقل انخفاضا، فإن البلوفين سيبقى معرضا للخطر؛ ذلك أن تجارة صيد التونة حافلة بأساطيل بحرية غير قانونية وغير منضبطة، حيث إنها تتجاهل الحصص والقيود والحدود وأية قواعد وتنظيمات أخرى يمكن أن تُهدّد صيد تلك الأسماك. إضافة إلى ذلك، فإن السوق الياباني ـ الذي يستهلك حوالي  000 60 طن من البلوفين سنويا أو أكثر من ثلاثة أرباع مجمل الصيد العالمي ـ توّاق أيضا إلى شراء التونة مهما يكن مكانها وكيفية اصطيادها. فقد احتال الصيادون اليابانيون، لتفادي حتى قيود بلادهم الخاصة، بجلب آلاف الأطنان من التونة المصطادة بطرق غير شرعية كل سنة والقيام بعد ذلك بتزييف سجلاتهم. وقد يكون من المفيد للتونة، وفي النهاية من المفيد للمستهلك، إذا لم يمارس صيدها بهذه الطريقة القاسية. لكن مثل هذا التغيير قد يستتبع على الأقل تغيير المبادئ الأساسية لطبيعة البشر. وكما تستمر أعداد التونة في التناقص، فإنه يتزايد طلب اليابانيين للتورو toro الذي هو أفضل أنواع الطعام الشهي  المعروف باسم الماكورو. وكلما قلّت كميات التونة زادت أسعارها، وهذه بدورها تقود إلى المزيد من تكثيف عمليات صيدها، وهذا سيؤدي بالطبع إلى أعداد أقل من التونة. (وجميع الرهانات يمكن أن تُلغى فيما إذا خفّف اليابانيون بطريقة ما من رغبتهم في تناول الطعام الشهيّ «الماكورو». لكن ذلك يبدو كما لو أنك تطلب إلى الأمريكيين التوقف عن أكل الهمبرگر). ويبدو واضحا أن الأمل الوحيد لإنقاذ البلوفين هو إكثاره في الأسر.

 

 

تاريخ طبق السوشي(****)

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/87.gif


إن الطلب الجشع على طبقي السيشيمي (شرائح الأسماك الطازجة) والسوشي (أرز تعلوه شرائح الأسماك والخضار أو ملفوف بها) هو مصدر التهديد الرئيسي لأسماك البلوفين بخطر الانقراض.

القرن الرابع قبل الميلاد: نشأ طبق السوشي باعتباره طريقة لحفظ الأسماك في جنوب شرق آسيا. فتخمير الأرز يحمي الأسماك من التعفن. وقد وصلت طريقة الطبخ هذه إلى اليابان في القرن الثامن الميلادي.

القرن التاسع عشر: إنّ طبق النيكيري ـ سوشي الذي تؤكل فيه الأسماك طازجة بدلا من كونها محفوظة، أصبح شعبيا في أسواق البيع في إيدو Edo التي أصبحت الآن طوكيو.  لكن تناول الأسماك النيئة لم يصبح المكوّن الأساسي للنظام الغذائي الياباني إلا بعد اعتماد وانتشار أدوات التبريد بعد الحرب العالمية الثانية.

من سبعينات القرن العشرين إلى الآن: انتشر استهلاك السوشي في الولايات المتحدة الأمريكية انتشارا كبيرا، لكن المطاعم الفاخرة وحدها هي التي تقدم البلوفين. ويأتي معظم طبق تونة السوشي الذي يقدم في الولايات المتحدة الأمريكية من النوع يلوفين yellowfin أو النوع بيگ آي big eye (التي ما تزال أيضا مهددة بالانقراض). ولا تزال الكمية الكبرى من البلوفين تُستهلك في اليابان.

 

مواشي البحر(*****)

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/88.gif

يعاين وكلاء مشتريات الأسماك أجسام البلوفين المعروض في سوق بيع الجملة في تسوكيجي بطوكيو. وقد حقّق هذا السوق أعلى رقم بيع في عام 2001، حيث تم بيع سمكة بلوفين واحدة بمبلغ 20.2 مليون «ين»، أي ما يعادل  600 173 دولار أمريكي.

 

في مقالة بعنوان «متى سندجّن حيوانات المحيطات؟»، نشرتها مجلة نيتشر في عام 2005، أدرك <J.مارّا> [وهو عالم أحياء بحرية في مرصد لامونت -دوهرتي الأرضي التابع لجامعة كولومبيا] أنّ صيد الأسماك في المحيط لن يستمر مدة طويلة. «فعلى المستوى العالمي، أخفقنا في إدارة موارد الصيد في المحيطات، وفي أقل من عقود قليلة من السنين لن تبقى هناك موارد صيد فيها لنديرها.» فما هي توصيته؟ تدجين واسع النطاق لحيوانات المحيطات ـ مع مَرْبى لإكثار أنواع الأسماك ذات القيمة العالية تجاريا وجني محصولها. وقد أقرّ <مارا> بأن المزارع السمكية الموجودة حاليا أضرّت بالبيئة؛ ملوثةً النظم البيئية للشواطئ ومخلفةً إجهادات إضافية على أعداد الأسماك الوحشية، وذلك بنشر الأمراض والمواد الكيميائية السامة. وكان الحل الذي عرضه هو نقل ما يسمى المزارع البحرية للأسماك بعيدا عن الشواطئ إلى المياه خارج الرفوف القاريةcontinental shelves، ونشر أحواض سمكية أكبر (بنى شبكية مغلقة تحتوي على 000 100 متر مكعب من الماء) يمكن تعويمها تحت سطح الماء وسحبها من مكان لآخر. وهذه الاستراتيجية يمكنها على الأقل بعثرة الملوّثات الناتجة من المزارع السمكية مقللة بذلك الضرر البيئي.

وأشار <مارّا> أيضا، منتهزا فرصة نزعة بعض التونة إلى التجمع تحت ضحية من ضحاياها، إلى أنّ هذه الأسماك تختلف عمّا يحيط بها. لقد تم بالفعل استغلال هذه النزعة من قبل الصيادين في تصميم وسائل لتجميع الأسماك التي يمكن سحبها خلف القوارب لتجذب أسراب التونة. وبدلا من صيد جميع الأسماك مرة واحدة بالشباك، تمكّن مربو الأسماك من إحداث عمل مستدام، وذلك بتغذية بعض التونة في السِّرْب وحجزها، وجني محصولها من وقت لآخر، والتعامل معها بالطريقة نفسها التي يتعامل بها مربو الماشية مع قطعان ماشيتهم على اليابسة.

ولو لم تكن التونة قابلة للتربية كما لو أنّها حيوانات مدجّنة، فإن أعدادها العالمية ستستمر في الانهيار. ومع ذلك، إن تربية البلوفين في الأسر هو تحدٍ كبير. وإحدى الشركات التي أخذت على عاتقها هذا التحدي هي شركة «كلين سيز أكواكلتشر گروآوت» Clean Seas Aquaculture Growout، التي تمتلكها مجموعة «ستيهر» في پورت لنكولن بجنوب أستراليا. وقد قامت الحكومة الأسترالية بمنح هذه الشركة مبلغ 4.1 مليون دولار أسترالي (3.4 مليون دولار أمريكي) للمساعدة على استثمار إكثار البلوفين الجنوبي(4). وبالفعل قامت الشركة من قبل بتربية أسماك في الأسر تنتمي إلى النوعين: يلوتيل كينگ فيشyellowtail kingfish (سيريولا لالاندي Seriola lalandi) ومالووي mulloway(أرجيروسوموس هولوليپيدوتوس Argyrosomus hololepidotus) اللذين يمثلان الآن إنتاجا تجاريا كبيرا. وفي الشهر 10/2006، قامت الشركة، جوًّا، بنقل مخزون سِرْب البلوفين الجنوبي (ذكورًا وإناثًا ناضجة جنسيا) من أحواضها إلى خزانات سعتها ثلاثة ملايين لتر ( 000 790 گالون) تم تصميمها لتماثل الظروف المثلى لعملية إنتاج السرء (بيض الأسماك). وصرّح <H.ستيهر> [مؤسس الشركة في عام 2006] لمجلة الأستراليان The Australian بقوله: «إنّنا قمنا بكل ذلك مستخدمين الحواسيب، ويمكننا جعل  الخزانات أكثر إضاءة أو ظلمة، ويمكننا أيضا ترك الأسماك فيها بحالة صحية مناسبة، وتوصلنا كذلك إلى جعل الشمس تُشرق أو تغيب… وهذا شيء جديد في العالم لم يجربه اليابانيون، وجرّبه الأمريكيون وفشلوا، وجربه الأوروبيون أيضا وفشلوا.»

 

 

[التمثيل المعبّر] نهبٌ عالمي(******)


لقد انتزعت أساطيل الصيد كمية كبيرة تقدّر بآلاف الأطنان من أسماك البلوفين من محيطات العالم لدرجةٍ أصبح هذا النوع الآن يواجه الانقراض. ويبدو أنّ البلوفين معرض لأقصى حدود خطر الانقراض في غرب المحيط الأطلسي. وعلى الرغم من حقيقة أنّ اللجنة الدولية للمحافظة على التونة في الأطلسي قد فرضت حصص صيد محدّدة في غرب هذا المحيط منذ عام 1981، فإن الباحثين يقدرون أنّ كمية الأسماك البالغة جنسيا في تلك المنطقة (مقدرة على أساس الكتلة الكلية) هي أقل من 20 %  عما كانت عليه في  منتصف السبعينات. ويكمن جزء من المشكلة في أنّ البلوفين يهاجر من الجانب الغربي للمحيط الأطلسي إلى الجانب الشرقي منه، حيث تبلغ حصص الصيد عشر مرات أكثر. إضافة إلى ذلك، فإن أرقام كمية الصيد الواردة في المخططات في الأسفل لا تشتمل على كميات الصيد غير المشروع. ويعتقد بعض العلماء أن المحصول الحالي للبلوفين في شرق الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط قد يصل إلى ضعف الأرقام الواردة. وهناك نزعات مشابهةٌ تُقلّص أعداد البلوفين في المحيط الهادئ وفي محيطات جنوب خط الاستواء، التي تبيض في المحيط الهندي.

التوزيع الجغرافي لأسماك البلوفين

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/140.gif


شرق الأطلسي (والبحر الأبيض المتوسط)
كمية صيد البلوفين (آلاف الأطنان)

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/0141.gif


غرب الأطلسي
كمية صيد البلوفين (آلاف الأطنان)

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/0142.gif


محيطات جنوب خط الإستواء
كمية صيد البلوفين (آلاف الأطنان)

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/0144.gif


الهادئ
كمية صيد البلوفين (آلاف الأطنان)

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/0143.gif

 

 

و خلال زيارتي إلى پورت لنكولن في الشهر 2/2007، قادني <R.ستاونتن> [مدير مزرعة «مجموعة ستيهر»] إلى خليج أرنو على بعد 120 كيلومترا شمال پورت لنكولن على الشاطئ الغربي من سپنسر گلف. لقد مُنحتُ خلال هذه الزيارة اطلاعا محدودا على ما كنت أبحث عنه في تجارة التونة المتمثلة في الخزان العملاق المغلق الموجود في مكان تفقيس البيض بخليج أرنو. وأقول: اطلاع محدود، لأن الموافقة على ترخيص زيارتي تمت من قبل <ستيهر> نفسه وجاءت مع قيود شديدة على كل ما يمكن فهمه تماما؛ إذ لم يسمح لي بالتصوير في المؤسسة نفسها، لأنه يجب بكل حرص حماية تصميم هذه المعجزة الواعدة من حيث الهندسة ومعالجة المياه وتنظيم درجات الحرارة وكل عنصر آخر فيها، وذلك لمنع أية سرقة تجارية للتصميم. وبمساعدة المنحة الحكومية الأسترالية، قامت مجموعة ستيهر باستثمار ملايين الدولارات في التصميم المبتكر في هذه المؤسسة. وبالطبع ستكون هناك كارثة فيما لو أنّ أحدا ما سرق تصاميمهم أو عدّلها. إنه لمن الصعب تخيل أن يقوم أحد ما بنسخ هذه العملية الكبيرة من دون علم أستراليا. ومن دون أدنى شك يهتم المقاولون كثيرا في بلدان أخرى ـ كاليابانيين على سبيل المثال ـ بتجارة إكثار البلوفين في الأسر. لقد قام العلماء اليابانيون بالفعل في جامعة كينكي بتفقيس البلوفين من البيض، ومن ثم بتربيته إلى عمر التكاثر في المختبر، ولكن ليس على المستوى التجاري الذي تقوم به شركة «كلين سيز».

ولبدء جولتنا كان عليّ وعلى <ستاونتن> أن نلبس أحذية خاصة: بيضاء عالية الساق من المطاط ومعقمة لمنع دخول أية ميكروبات خارجية إلى الخزانات التي يُربّى فيها البلوفين. وبمرافقة <Th.ماركوريتي> [وهو أسترالي من أصل فرنسي يدير المؤسسة] استبدلنا أحذية مطاطية زرقًا بأحذيتنا البيض، عندما دخلنا حرم «أرنو بيي» Arno Bay لتفقيس بيض الأسماك. ففي حجرة واسعة  مضاءة بمجموعة من مصابيح الفلوريسنت مع طنين هادئ لأجهزة تكييف الهواء التي يشكل صوتها الضجة الخلفية الوحيدة (وكانت درجة الحرارة الخارجية 38 درجة مئوية تقريبا)، قمنا بتسلق الحافة  الأسمنتية للخزان الواسع ونظرنا إلى الأسفل.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/85.gif

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/86.gif

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/84.gif

إن أحواض التونة، التي يتسارع فيها تناقص أعداد البلوفين، تُسحب عبر البحر الأبيض المتوسط إلى مزارع التونة بالقرب من جزيرة صقلية (في الأعلى). يحتوى كل حوض على ما يقرب من 250سمكة من البلوفين. ومقابل  شاطئ «انسينادا» في المكسيك يُغذّي مزارعو التونة مجموعات من البلوفين حتى تصبح ضخمة (سمينة) بصورة كافية تسمح ببيعها (في الوسط). ويتم إرسال شرائح التونة الطازجة إلى مطار لوس أنچلوس الدولي، حيث تُنقل في رحلات طيران مباشر إلى اليابان. وضمن حوض التونة في البحر الأدرياتيكي مقابل سواحل كرواتيا، يسبح غطّاس مع البلوفين المحكوم عليه بالانقراض (في الأسفل)، قبل أن يتم شحنه بالسفن إلى اليابان أيضا.

 

تقريبا كان قطر الخزان 25 مترا وعمقه ستة أمتار. وبسبب أنّ درجة الإضاءة كانت منخفضة تماما لم نستطع رؤية الكثير، إلى أن  قام <ماركوريتي> بإلقاء زوجين من الأسماك الصغيرة. وفجأة تقطّع سطح الماء بوميض تحت بحري لامع حالما قامت إحدى أسماك التونة بالهجوم على الطعم السمكي الصغير. لقد دبت الحياة في الخزان وأزبدت مياهه التي اخترقتها الزعانف المعقوفة بشكل المنجل للتونة التي كانت تنتظر وجبة غذائية، مع أنها كانت قد أُطعمت، كما شرح لنا مرشدنا، قبل ساعة فقط من زيارتنا. وبينما كان البلوفين يدور لاهثا تحتنا، كان بإمكاننا أن نرى أنه بحجم التكاثر: جسم أملس مصقول وزنه 300 كيلو غرام، أسطواني مستدق الطرفين مع  خط منقط من الزعانف الصغيرة الصُّفر قبل بداية الذيل مباشرة ومسافات فاصلة مدهشة تحدّد حروفا أفقية بارزة تُميّز الأنواع، وهي بلون أصفر كرومي في أنواع البلوفين الجنوبي (الذي يعيش جنوب خط الإستواء) وبلون أسود في أنواع البلوفين الشمالي. وفيما عدا البلوفين نفسه، لا يمكن لأحدٍ أن يُميّز الذكر الحي من الأنثى الحية.

كنّا نتكلّم ونحن واقفون على حافة الخزان عن برنامج التكاثر. فقال <ماركوريتي>: «يمكننا أن نكرّر الشروط الصحيحة في المياه الإندونيسية، حيث من المعروف أن هذه الأسماك تضع فيها بيضها بصورة طبيعية.» وأضاف: «إذا كان من المعتاد أن تبيض هذه الأسماك خلال فصل صيف محيطات نصف الكرة الجنوبي عندما يكون النهار طويلا و درجة حرارة الماء في أقصى ارتفاعها، فإنه يمكننا أن نجعل هذا الخزان مطابقا ليوم مختار ـ وليكن يوم 20من الشهر 11 ـ ونضبط طول ساعات النهار المضيئة ودرجة  حرارة الهواء والماء وحتى التيارات المائية لتطابق شروط تلك اللحظة في المحيط  الهندي جنوب الأرخبيل الإندونيسي.» والاختلاف الوحيد الذي لا يمكن تحقيقه هو عمق الماء، فإنهم يتمنون أن لا يكون هذا الاختلاف عاملا حاسما في تكاثر البلوفين الجنوبي. وإلى جنوب قوس الجزر الإندونيسية تماما ـ المؤلَّف من جزر جاوة وبالي وفلورنس وسومبا وكومودو وتيمور ـ يقع خندق جاوة Trench Java الذي يصل عمقه إلى 8 كيلومترات وهو إحدى النقاط الأعمق في  المحيط الهندي. وإذا كان عمق الماء عاملا حاسما في وضع البيض، فإن «كلين سيز» هو  مشروع محكوم عليه بالإخفاق. فمخزون بيض الأسماك المحضون في شركة «كلين سيز» لم يُنتج أية ذرية في عام 2007، وستُجرى محاولة أخرى هذا العام.

تدجين البلوفين(*******)

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/8&9/83.gif

تظاهر محتجون من جماعة السلام الأخضر ـ وهى المجموعة البيئية العالمية ـ على أحد شواطئ البحر الأبيض المتوسط في جنوب تركيا أواخر الشهر 11/2007، بالتزامن مع المؤتمر السنوي للجنة الدولية للحفاظ على التونة الأطلسية والذي عقد في تلك الدولة. ومع تجاهل النداءات بالوقف الفوري لصيد البلوفين في البحر الأبيض المتوسط، تبنّت المؤسسات المنظمة خطة نادت بتخفيض ضئيل لحصص الصيد خلال السنوات القادمة.

 

في غرفة محاضرات الشركة «كلين سيز» بالمركز الرئيسي في پورت لنكولن، قابلت <ماركوس ستيهر> [ابن <هاجن> والبالغ من العمر 42 سنة ومدير إدارة الشركة]. وقد كان <ماركوس> في اليوم السابق على ظهر إحدى حاملات شبكات الصيد الضخمة في خليج «گريت أستراليان بايت» Great Australian Bight، الخليج الضخم المفتوح مقابل الشاطئ الجنوبي للقارة، وكأنه قفص شبكي يحتوي ربّما على 100 طن من التونة، التي بدأت رحلتها إلى الأحواض مقابل پورت لنكولن. ومثل  أي شخص آخر مشارك في المغامرة، فإن <ماركوس> كان متحمّسا ومتفائلا باحتمالات النجاح ومعتقدا بأنه نجاح وشيك الحدوث. وعندما سألته عما إذا كان هذا النجاح سيغيّر تماما سلوكيات وعادات البلوفين الملاحظة في أستراليا، أجاب: «ليست هذه مسألة نجاح، وإنّما هي مسألة تزاوج وتكاثر ـ متى سيحدث؟».

ومع أنّ الأستراليين يتقدمون على غيرهم في مجال تربية البلوفين في الأسر، يبقى أن نرى من سيربح السباق: هل هم الأستراليون أم اليابانيون أم الأوروبيون؟ ففي عام 2005، على سبيل المثال، نجح فريق أبحاث في معهد علوم البحار الأسباني [في Puerto de Mazaron] باسترجاع وإنقاذ البيض والسائل المنوي لمخزون البلوفين الأطلسي المحضون في الأسر، وإنجاز عملية التلقيح وإنتاج اليرقانات في المختبر (في الزجاج in vitro). وتدعى صغار الأسماك العظمية البحرية يرقانات بسبب اختلاف شكلها عن الأسماك البالغة. وبطريقة أو بأخرى، كان لا بد من حدوث عملية التلقيح وإنتاج اليرقانات؛ بسبب أنّ بقاء هذا النوع من الأسماك على قيد الحياة، ومن ثم بقاء صناعة التونة، يتوقفان تماما على تلك العملية.

إن صائد الأسماك الكبيرة big game يرى البلوفين كخصم ضخم وقوي؛ ويراه صياد الأسماك بالرمح harpooner كخيال قزحي  الألوان تحت سطح الماء يضرب الماء بذيل منجلي الشكل ليدفع نفسه بعيدا عن مدى  الرؤية؛ في حين يرى الصياد بشبكة الصيد التجارية الضخمة purse seiner اضطرابا هائجا من أجسام زرقاء وفضية اللون يتم رفعها إلى سطح قاربه؛  ويرى الذي يصطاد بخطوط صيد بحرية طويلة مجهزة بأعداد كبيرة من صنانير الصيد longlinerسمكة نافقة مسحوبة إلى سطح  القارب مع غيرها من الكائنات البحرية اللامعة؛ أما مربي التونة فيراها مخلوقا مجهولا يُعلف قسريا حتى يحين وقت قتله بضربة على رأسه، وأما البائع بالمزاد العلني في سوق تسوكيجي للأسماك في طوكيو فيراها صفوفا فوق صفوف من كتل التونة المجمدة المقطوعة الذيل؛ ويراها المستهلكون اليابانيون طبقا من التورو (الذي هو أفضل أنواع الماكورو): شريحة من اللحم الأحمر الدهني يؤكل مع نبات الوسابي wasabi وصلصلة الصويا؛ وأما بالنسبة إلى  عالم الأحياء فإن التونة هي أعجوبة في هندسة دينامية السوائل hydrodynamic engineering، إذ إن جسمها مؤلفٌ من حشد من التعديلات تؤهلها لتأكل وتنمو وتسبح وتغطس وترتحل أكثر من أية سمكة أخرى في البحر؛ أما أولئك الذين يأملون في إنقاذ نوع السمك تونّوس تينّوسThunnus thynnus من الانقراض البيولوجي (الحيوي)، فإنه يجب النظر إليه حيوانا مُدجّنا مثل الخروف أو البقرة.

وبالنسبة إلى بعضهم، فإن مثل هذا النقل من مكان إلى آخر يستحيل تصوره تقريبا. فالبلوفين الذي هو الجوال المثالي للمحيطات والأكثر وحشية والسمكة الأقوى في البحار، لا يمكن تدجينه (وربّما يجب أن لا يدجّن). لكن إذا بقي البلوفين وحشيا (غير مدجّن) فإن مستقبل صناعة الماكورو يبدو غير واعد، وكذلك مستقبل البلوفين الشهير.

المؤلف

  Richard Ellis
 من أبرز المنادين بضرورة صيانة الموارد الطبيعية البحرية في أمريكا، وهو معروف عموما بأنه أحد أشهر الذين يرسمون في مجال التاريخ الطبيعي البحري. وقد ظهرت لوحاته عن الحيتان في مراجع ودوريات كثيرة مثل «أودوبون» Audubon و«ناشيونال جيوگرافيك» National Geographic و«دائرة المعارف البريطانية» والكثير غيرها من المطبوعات. ومن كتبه: كتاب الحيتان Book of Whales، وكتاب أسماك القرش The Book of Sharks، وتخيل قارة أطلنطيس والمحيط العقيم Imagining Atlantis and the Empty Ocean. و<إليس> هو مستشار خاص للجمعية الأمريكية للحيتان وعضو في نادي المستكشفين وباحث مساعد في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي بمدينة نيويورك. وبين عامي 1980 و 1990 كان عضوا في الوفد الأمريكي في لجنة الحيتان العالمية. وهو الآن يعمل على إنتاج كتاب عن التونة، ويشغل وظيفة أمين مساعد لمعرض المخلوقات الخرافية(5) في المتحف الأمريكي  للتاريخ الطبيعي. http://oloommagazine.com/Images/Articles/2008/8&9/89.gif

  مراجع للاستزادة 

 

Giant Bluefin. Douglas Whynott.North point press, 1995.

 

Song for the Blue Ocean. Carlsaflna. Henry Holr and Company. 1997.

 

Rapid Worldwide Depletion of Predatory Fish Communities. Ransom A, Myers and Boris

Worm in Nature, Vol. 423, pages 280-283; May 15, 2003.

 

Dollars without Sense: The Bait for big-Money tuna Ranching around the World. John P.

 Volpe in BioScience Vol. 55, No. 4, pages 301-302; April 2005.

 

Electronic Tagging and Population Structure of Atlantic Bluefin Nature, Vol. 434, pages 1121-1127;

 April 28, 2005.

 

The Sushi Economy, Sacha Issenberg. Gotham, 2007.

 

(*) BLUEFIN FACTS

(**) From Horse Mackerel to Sushi

(***) BLUEFIN FACTS

(****) SUSHI HISTORY

(*****) Cattle of the Sea

(******) A WORLDWIDE DEPREDATION

(*******) Taming the Bluefin

(1) نحت من إنسان آلة.

(2)  انظر: An Efficient Swimming Machine,” by Michael S. Triantafyllou – George S. Triantafyllou”
Scientific American, March 1995

(3) populations

(4) southern bluefin

(5) mythic

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى