أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
بيولوجيا

هل بيننا غرباء عن أرضنا؟

هل بيننا غرباء عن أرضنا؟(*)

في سعيهم الدؤوب لإيجاد دليل على أن الحياة قد نشأت على الأرض أكثر من مرة،

 يبحث العلماء عن ميكروبات مختلفة جذريا عن جميع الكائنات الحية(1) الأخرى.

<P.ديفيس>

 

مفاهيم مفتاحية

  إذا كان نشوء الحياة سهلا في الظروف البيئية المناسبة، كما يعتقد الكثير من الباحثين، فمن الممكن أن تكون الحياة نشأت على الأرض أكثر من مرة. ويُجرى البحث الآن عن دليل على خلق ثانٍ للحياة من خلال البحث عن ميكروبات (كائنات ميكروية) غريبة تختلف في كيميائيتها البيولوجية عن الكائنات المعروفة.

  إن بعض أفضل الأمكنة للبحث عن أشكال حياتية بديلة هي المآوي المعزولة بيئيا، مثل فجوات الأنابيب البركانية في أعماق المحيطات والوديان الجافة في القطب المتجمد الجنوبي.

  يمكن أيضا أن تختبئ الميكروبات الغريبة تحت أنوفنا. ويمكن للعلماء الاهتداء إلى هذه الكائنات من خلال البحث عن واسمات كيميائية بيولوجية بديلة.

محررو ساينتفيك أمريكان

 

إن نشأة الحياة هي من المعضلات العلمية الكبرى التي لم نجد لها حلا. فلا أحد يدري كيف نشأت الحياة أو أين أو متى. وجلّ ما هو معروف بصورة مؤكدة أن الميكروبات (الكائنات الميكروية) ظهرت على الأرض قبل حوالي ثلاثة بلايين ونصف البليون سنة. وفي غياب الأدلة الملموسة عما وجد قبل ذلك، هناك مجال كبير للاختلاف في الرأي.

 

قبل ثلاثين عاما، كان الرأي السائد لدى علماء البيولوجيا أن الحياة نشأت نتيجة لمصادفة كيميائية نادرة الحدوث لدرجة أنه من غير المحتمل أنها حدثت في الكون المرصود مرتين. ويمثل وجهة النظر المحافظة هذه العالم البيولوجي الفائز بجائزة نوبل <J. مونو> الذي كتب في عام 1970: «أخيرا أصبح الإنسان على علم بأنه وحيد في وحشة هذا الكون الشاسع الذي نشأ عنه بالمصادفة». ولكن، في السنوات الأخيرة، تبدلت النظرة بصورة جذرية. ففي عام 1995، وصف عالم الكيمياء البيولوجية (الحيوية) البلجيكي <Ch. دو دوف> الحياة بأنها «ضرورة كونية»(2)، وأعلن أن ظهور الحياة على سطح أي كوكب يشبه الأرض كان أمرا شبه محتوم. ومقولة < دو دوف> هذه عززت الاعتقاد السائد بين علماء البيولوجيا الفلكية بأن الكون يعج بالحياة. وقد أطلق <R.شاپيرو> [من جامعة نيويورك] على هذه النظرية اسم الحتمية البيولوجية biological determinism، والتي يمكن التعبير عنها بالقول: «إن الحياة مكتوبة في قوانين الطبيعة.»

 

ولكن كيف يمكن للعلماء تحديد أي من وجهتي النظر تلكما هي الأصح؟ إن الطريق المباشر لمعرفة ذلك هو البحث عن أدلة على وجود الحياة على كوكب آخر مثل المريخ. فلو ظهرت الحياة من العدم على كوكبين من كواكب مجموعة شمسية واحدة، لكان ذلك تأكيدا قاطعا لنظرية النشوء البيولوجي الحتمي. ولكن، لسوء الحظ، قد يمر زمن طويل قبل أن تصبح البعثات إلى الكوكب الأحمر متطورة بما يكفي للبحث عن أنماط حياتية مريخية، ولدراسة مفصلة لهذه الأنماط الناشئة خارج الأرض، إن وجدت.

 

ولكن، قد تكون هناك طريقة أسهل لإثبات النشوء البيولوجي الحتمي. إنه لا يوجد كوكب يشبه الأرض أكثر من الأرض نفسها. وبناء عليه، إن كان ظهور الحياة ضمن الظروف الأرضية سهلا، فلربما تشكلت الحياة مرات عديدة على كوكبنا. ولمتابعة هذا الاحتمال المشوق، بدأ العلماء بالبحث في الصحاري والبحيرات والكهوف عن أدلة على وجود أنماط حياتية غريبة alien” life”ـ عن كائنات تختلف اختلافات أساسية عن جميع الكائنات الحية المعروفة ـ لأنها ظهرت بصورة مستقلة. والاحتمال الأرجح هو أن تكون هذه الكائنات ميكروية. لذا يعكف الباحثون على ابتكار تجارب لتحديد الميكروبات الغريبة التي تعيش بيننا.

 

وحتى الآن، لم يتوصل العلماء إلى اتفاق حول تعريف دقيق للحياة. ولكن يتفق معظم العلماء على سمتين أساسيتين من السمات المميزة للحياة، وهما القدرة على الأيض(3) (سحب المواد الغذائية من البيئة  وتحويلها إلى طاقة، مع التخلص من النفايات)، والقدرة على التكاثر. وتعتقد وجهة  النظر التقليدية حول الخلق البيولوجي (الأحيائي) biogenesis بأنه لو كانت  الحياة على سطح الأرض قد ظهرت أكثر من مرة، لسيطر نمط واحد من الحياة بسرعة  ولألغى جميع الأنماط الأخرى. ولعل مثل هذه الإبادة حصلت، على سبيل المثال، بأن تمكن أحد الأنماط من الاستيلاء بسرعة على جميع الموارد أو تكالب على الأنماط الأخرى من الكائنات الحية الأضعف عن طريق الاستئثار بجينات (مورثات) ناجحة ضمن مجموعتها. ولكن هذه الحجة ضعيفة، فالبكتيرات والأركايا archaeaهما نموذجان  مختلفان تماما من الكائنات الميكروية التي تشترك فيما بينها بسليف واحد يعود إلى 3 بلايين سنة. ومع ذلك، تعايش النموذجان بسلام طوال هذه المدة من دون أن  يزيل أحدهما الآخر. أضف إلى ذلك أن الأنماط الأخرى قد لا تتنافس مع الكائنات الحية المعروفة؛ إما لأن الكائنات الغريبة شغلت بيئات قاسية، حيث لا تستطيع الميكروبات المألوفة لدينا أن تبقى حية، أو لأن هذين النمطين من الأحياء يحتاجان إلى موارد مختلفة.

 

دلائل على وجود الغرباء(**)

 

حتى لو انعدم وجود أنماط حياتية مختلفة في وقتنا الحالي، فمن الممكن أن تكون هذه الأنماط قد ازدهرت في الماضي البعيد، ثم انقرضت لسبب ما. وفي تلك الحالة، قد يتمكن العلماء من إيجاد دلائل على انقراضها البيولوجي في السجلات الجيولوجية. إن كان النمط الحياتي البديل هذا قد امتلك نظام أيض مميزا في اختلافه، ولنقل إنه كان يمتلك القدرة على إحداث تبديل في الصخور أو تخليق رواسب معدنية بطريقة لا يمكن تفسيرها على أساس نشاط كائنات حية معروفة. ويمكن للواسمات البيولوجية (الحيوية) biomarkers المميزة التي تتخذ شكل جزيئات عضوية أن تكون مختبئة في أحافير ميكروية microfossilsقديمة، كتلك التي توجد في صخور تعود إلى حقبة الأركايا(4) (قبل حوالي 2.5 بليون سنة).

 

والاحتمال الأكثر إثارة ومدعاة للجدل هو أن أنماطا حياتية بديلة ما زالت موجودة في البيئة حتى الآن، مشكلة نوعا من غلاف بيولوجي ظلي shadowbiosphere، وهو مصطلح صاغه كل من <C. كليلاند> و <Sh. كوپلي> [من جامعة كولورادو في پولدر]. وللوهلة الأولى، قد تبدو هذه الفكرة منافية للعقل، لأنه إن كانت هناك كائنات ميكروية غريبة تنمو تحت أنوفنا، إن لم يكن داخلها، ألم يكن حريا بالعلماء اكتشافها؟ الإجابة، على ما يبدو، هي لا. إن معظم الكائنات الحية هي ميكروبات ومن شبه المستحيل تحديد ماهيتها بالنظر إليها من خلال المجهر. لذا يتعين على علماء الكائنات الميكروية تحليل المتتاليات (التسلسلات) الجينية للكائن الحي حتى يتمكنوا من تحديد موقعه في شجرة الحياة ـ التصنيف النشوئي للأنواع phylogenetic grouping للكائنات الحية المعروفة. ولم  يتمكن الباحثون إلا من تصنيف جزء ضئيل من مجموع الميكروبات التي تمت ملاحظة وجودها حتى الآن.

 

وللتأكيد، يمكن الجزم بأن جميع الكائنات الحية التي دُرِست بالتفصيل حتى الآن، تعود في نشوئها إلى أصل مشترك. فالكائنات الحية المعروفة تشترك بكيميائية بيولوجية متشابهة وتستخدم كودًا جينيا يكاد يكون متطابقا. ولهذا يستطيع علماء البيولوجيا سَلْسلة جيناتها ووضع هذه الكائنات في شجرة جينية واحدة. ولكن الأساليب التي يستخدمها الباحثون لتحليل الأنماط الحياتية الجديدة مصممة خصوصا لتعرّف الحياة كما نعرفها. وستفشل هذه الأساليب في الاستجابة بصورة صحيحة لكيميائية بيولوجية مختلفة عن المعتاد: إذا ما اقتصرت حياة الظل shadow life على عالم الميكروبات، فمن الممكن أن يغفل العلماء عن  ملاحظتها كليا.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/12/00005.jpg

قد تكون ثمة ميكروبات (كائنات ميكروية) غريبة مختبئة تحت أنظارنا. ومع أنها قد تبدو مشابهة للبكتيرات العادية، فإن كيميائيتها البيولوجية قد تضم حموضا أمينية غريبة أو وحدات بناء أساسية مختلفة.

 

 

غرباء معزولون بيئيا(***)

 

أين يمكن اليوم للباحثين التفتيش عن كائنات حية غريبة على أرضنا؟ لقد قام بعض العلماء بتركيز بحثهم على كائنات حية تحتل مآوي niches معزولة بيئيا وتقع خارج نطاق الأنماط الحياتية المعتادة. ومن الاكتشافات المفاجئة في السنوات الأخيرة قدرة الكائنات الحية المعروفة على تحمل ظروف بالغة القسوة. لقد وُجِدَتْ ميكروبات تعيش في بيئات قاسية تراوحت من فجوات الأنابيب البركانية الحارقة إلى أودية القطب الجنوبي الشديدة الجفاف. ويمكن لبعض هذه الكائنات التي تدعى كائنات محبة للظروف القاسية extremophiles، البقاء حية في بحيرات مشبعة بالأملاح وفي نفايات (مكبات) المناجم الشديدة الحموضة والملوثة بالمعادن وفي أحواض (بِرَك) مخلفات المفاعلات النووية.

 

ومع ذلك، فحتى أكثر الكائنات الميكروية تحملا لها حدود في ذلك. إن الحياة كما نعرفها تعتمد على وجود الماء السائل بشكل جوهري. وصحراء أتاكاما في شمال تشيلي هي منطقة على درجة من الجفاف إلى حد أن جميع آثار الحياة المألوفة غائبة عنها. إضافة إلى ذلك، لم يتمكن العلماء حتى الآن ـ مع أن بعض الميكروبات يمكن أن تزدهر عند درجات حرارة أعلى من درجة حرارة غليان الماء الطبيعية ـ من إيجاد أي كائن حي عند درجات حرارة تتعدى 130 درجة  مئوية (266 درجة فهرنهايت). ومع ذلك، يمكن تصور وجود شكل غريب جدا من الحياة في  ظروف أكثر قسوة من الحرارة والجفاف.

 

وهكذا، قد يعثر العلماء على أدلة على وجود نوع مختلف من الحياة باكتشاف مؤشرات إلى نشاط بيولوجي، مثل تدوير الكربون بين الأرض والجو في بقعة معزولة بيئيا. والأمكنة الواضحة لمثل هذه النظم البيئية المعزولة موجودة في الطبقات تحت السطحية العميقة لقشرة الأرض وفي الطبقات العليا من الغلاف الجوي وفي القطب المتجمد الجنوبي وفي مناجم الملح وفي المواقع الملوثة بالمعادن والملوثات الأخرى. وبديلا عن ذلك، يمكن للباحثين ـ من خلال تجربة مختبرية ـ التحكم في ضوابط مثل الحرارة والرطوبة، إلى أن تندثر كافة الأشكال الحياتية المعروفة. عندها، إن ظل هناك نشاط بيولوجي ما، فسيكون ذلك دليلا على وجود «حياة الظل». لقد استخدم العلماء هذا الأسلوب لاكتشاف بكتيرة دينوكوكس راديوديورنس Deinococcus radiodurans المقاومة للإشعاع، التي يمكنها تحمل جرعات من أشعة گاما أكبر 1000 مرة من الجرعات التي يمكن أن تقتل الإنسان. وفيما بعد، تبين أن بكتيرة D. radiodurans ـ وغيرها من البكتيرات التي تعرف باسم محبات الإشعاع radiophiles التي اكتشفها العلماء ـ ترتبط جينيا بأنماط حياتية معروفة، وهي بذلك غير مرشحة لتكون كائنات غريبة، ولكن هذا الكشف لا ينفي إمكانية اكتشاف أنماط حياتية غريبة بهذه الطريقة.

 

 
غابة الحياة(****)

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/12/00006%20copy.jpg

 

 

ما هي الحياة(*****)

يُجْمِع معظم العلماء على أن السمات الأساسية المميزة للحياة هي توفر القدرة على الأيض، أي:

*  استجرار المواد الغذائية من البيئة.

*  تحويل هذه المواد الغذائية إلى طاقة.

*  طرح الفضلات.

*  التكاثر.

 

لقد سبق أن نجح الباحثون في تحديد حفنة من النظم البيئية التي تبدو معزولة بشكل شبه كلي عن باقي الغلاف البيولوجي. فبوجودها في أعماق الأرض، تكون مجتمعات الميكروبات هذه محرومة من الضوء والأكسجين والمواد العضوية التي تنتجها الكائنات الحية الأخرى. وتستمر هذه الكائنات في العيش عن طريق قدرة بعضها على استخدام ثنائي أكسيد الكربون والهيدروجين الناتج من تفاعلات كيميائية أو من نشاط إشعاعي للقيام بعمليات الأيض والنمو والتكاثر. ومع أن جميع الكائنات المكتشفة حتى الآن في هذه النظم البيئية وثيقة الصلة بميكروبات تعيش على السطح، فإن الاستكشاف البيولوجي للطبقات تحت السطحية العميقة لقشرة الأرض لا يزال في بدايته، وربما كان يخبئ لنا العديد من المفاجآت. إن البرنامج المتكامل للحفر في المحيط The integrated Ocean Drilling Program بأخذ عينات من صخور في قاع البحر إلى عمق يقارب كيلومترا واحدا، يهدف جزئيا إلى تعرف ما تحتوي عليه هذه الطبقات من ميكروبات. وقد أظهرت ثقوب محفورة في سطح الأرض مؤشرات إلى نشاط بيولوجي يقع في أعماق أكبر. ولكن، حتى الآن، لم يتصدَّ مجتمع الباحثين لمهمة تنفيذ برنامج منظم وواسع النطاق يهدف إلى سبر أغوار الطبقات تحت السطحية العميقة لقشرة الأرض بحثا عن الحياة.

 

 

هل تحتاج الحياة إلى الماء؟(******)

منذ زمن طويل، افترض العلماء أنه لا يمكن للحياة أن تنشأ من دون وجود الماء السائل. ولكن علماء البيولوجيا الفلكية (الكونية) تكهنوا بأن سوائل أخرى يمكن أن تؤدي دور المذيب للتفاعلات الكيميائية. وهناك بديلان هما الإيثان ethane والميثان methane، وهما يكونان في حالة سائلة في الأمكنة الشديدة البرودة، مثل سطح تايتان Titan وهو أكبر أقمار زحل Saturn.

 

غرباء مدمجون بيئيا(*******)

 

ربما نفترض أنه من الأسهل العثور على أنماط حياتية بديلة إذا لم تكن معزولة وإنما مدمجة في الغلاف البيولوجي المعروف من حولنا. ولكن، إذا ما كانت «حياة الظل» حكرا على الكائنات الحية الغريبة المتداخلة مع الأنماط المعروفة لدينا، فإنه  من الصعب جدا تعرف هذه الكائنات الغريبة بنظرة عابرة. إن الشكل الخارجي (الظاهري) للكائنات الميكروية محدود، إذ إن معظمها عبارة عن كريّات أو عُصيّات. ولكن قد تبرز الكائنات الغريبة عند النظر إليها من ناحية كيميائيتها البيولوجية. وإحدى الطرق التي يمكن استخدامها في البحث عنها تعتمد على التنبؤ بماهية الكيمياء البديلة التي تستخدمها هذه الكائنات الغريبة، ومن ثمّ البحث لديها عن الدلائل المميزة لهذه الكيمياء.

 

وثمة مثال بسيط على ذلك يتضمن انحراف الاستقطاب chirality. فالجزيئات البيولوجية الكبيرة تمتلك انطباقية(5) handedness محددة. فمع أن الذرات في جزيء يمكن أن تتموضع في شكلين حيزيين يمثل كل منهما خيال الآخر في المرآة ـ جزيئات يسارية وأخرى يمينية، فإنه يتعين أن تمتلك الجزيئات استقطابا متوافقا compatible، حتى تتمكن من التجمع وتشكيل تراكيب أكثر تعقيدا. وفي الأشكال الحياتية المعروفة، تكون الحموض الأمينية ـ لبنات البناء الأساسية للپروتينات ـ يسارية الانطباقية(6)؛ في حين تكون السكريات (السكاكر) يمينية الانطباقية، وكذلك الدنا DNA (الحمض النووي الثنائي الحلزون) يميني الانطباقية. ولكن قوانين الكيمياء عمياء تجاه تمييز الفرق بين الانطباقية اليسارية وتلك اليمينية. لذلك، لو بدأت الحياة مرة أخرى من نقطة الصفر، لَتَساوت فرصة أن تكون لبنات بنائها يمينية أو يسارية الانطباقية. ومن حيث المبدأ، يمكن أن تكون حياة الظل مطابقة في كيميائيتها البيولوجية للأنماط الحياتية المعروفة، ولكنها مكونة من جزيئات ذات انطباقية تماثل في انطباقيتها خيال جزيئات الحياة المعروفة في المرآة (صورة مناظرة). إن حياة تمتلك جزيئاتُها انطباقية مناظرة لجزيئات الحياة المعروفة، لن تتنافس بصورة مباشرة مع أشكال الحياة المعروفة، ولن يتمكن هذان الشكلان من الحياة من تبادل الجينات، لأن الجزيئات المعنية لن تكون قابلة لمثل هذا التبادل.

 

 

[البحث]

أين نبحث عن الغرباء(********)

 

 في البحث عن ميكروبات بديلة، ركز بعض العلماء على مآوٍniches بيئية معزولة ذات  ظروف قاسية، بحيث لا تستطيع معظم الكائنات المعروفة احتمالها.  وتتضمن هذه المآوي مسطحات مائية شديدة القلوية والملوحة مثل بحيرة مونو في كاليفورنيا (في الأسفل)، والأودية الجافة في القطب المتجمد الجنوبي (في أعلى اليسار)، والأنهار الملوثة مثل نهر ريو تينتو في أسبانيا (في أدنى اليسار) الملوث بالمعادن الثقيلة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/12/00008.jpg

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/12/00008-.jpghttp://oloommagazine.com/images/Articles/2008/12/00008-0.jpg

 

ومن حسن الحظ أن الباحثين يستطيعون تعرّف الحياة المختلفة المناظرة باستخدام طرق بسيطة للغاية. فباستطاعتهم تحضير مرق غذائي broth يتكون كليا من جزيئات مناظرة لانطباقية الجزيئات التي تستخدم عادة في تحضير المستنبتات. ومن الممكن لكائن حي مناظر في انطباقية جزيئاته للكائنات المعروفة أن يستمتع باستهلاك هذا المرق الغذائي الملفق، في حين تجده الكائنات الحية المعروفة غير مستساغ. ومؤخرا، قام <R. هوفر> و <E. پيكاتا>  [من مركز ناسا مارشال لرحلات الفضاء NASA Marshal Space Flight Center] بتجربة استطلاعية من هذا النوع، حيث وضعا تشكيلة متنوعة من الكائنات المحبة للبيئات القاسية المكتشفة حديثا في محلول غذائي جزيئاته ذات انطباقية مناظرة للجزيئات المستخدمة عادة؛ ومن ثم قاما بالبحث عن نشاط بيولوجي. لقد وجد الباحثان ميكروبا واحدا نما في المرق الغذائي المذكور، وأسمياه أنايروفيرگولا ملتيفورنز anaerovirgula multivorans، سبق أن عُزِل من رواسب بحيرات قلوية في كاليفورنيا. ولخيبة الأمل، تبين أن هذا الكائن الحي لم يكن نمطا من الأنماط الحياتية ذات الانطباقية المناظرة، وإنما بكتيرات تمتلك قدرة استثنائية على التعديل الكيميائي للحموض الأمينية والسكريات ذات الانطباقية المغايرة، بحيث تحولها إلى جزيئات يمكن هضمها. ولكن، من ناحية أخرى، لم تنظر الدراسة إلا في جزء يسير من عالم الميكروبات.

 

والاحتمال الآخر هو أن الحياة البديلة (حياة الظل) قد تشترك مع الحياة العادية في كيميائيتها البيولوجية بشكل عام، ولكنها توظف مجموعة مختلفة من الحموض الأمينية أو النيوكليوتيدات nucleotides (لبنات بناء الدنا). وتستخدم كافة الكائنات الحية النيوكليوتيدات نفسها ـ ويرمز لها بالأحرف A،C، G، T، التي ترمز إلى أدينين adenine، سيتوزين cytosine، گوانين guanine، ثايمين thymine، وتستخدمها لحفظ المعلومات في عشرين حمضا أمينيا ـ ما عدا استثناءات نادرة ـ من أجل بناء الپروتينات، التي تُعَد قوة العمل داخل الخلايا. يتكون الكود الجيني من ثلاثيات نيوكليوتيدية، حيث ترمز الثلاثيات النيوكليوتيدية المختلفة إلى حموض أمينية مختلفة. ويحدد تسلسل الثلاثيات النيوكليوتيدية في الجينة (المورثة) تسلسل الحموض الأمينية التي يجب أن ترتبط ببعضها لتبني پروتينا محددا. ولكن يستطيع الكيميائيون بناء حموض أمينية أخرى لا توجد عادة في الكائنات المعروفة. وقد احتوى نيزك مورشيسونMurchison ـ وهو من بقايا مذنب سقط في أستراليا عام 1969 ـ على العديد من الحموض الأمينية  الشائعة، ولكن إلى جانبها بعض الحموض الأمينية غير المعهودة، مثل إيزوفالين isovaline وپسودوليوسين pseudoleucine. والعلماء غير متيقنين من كيفية تكوّن هذه الحموض في النيزك، ولكن معظمهم يعتقدون أن تكوُّن هذه الكيميائيات لم يكن نتيجة نشاط بيولوجي. فقد تشكل بعض الحموض الأمينية غير المألوفة وحدات بناء مناسبة لأشكال بديلة للحياة. ومن أجل البحث عن كائنات غريبة، يحتاج الباحثون إلى تعرف حمض أميني لا يستخدمه أي من الكائنات الحية المعروفة، وليس أحد نواتج تفاعلات أيضها أو تفسخها؛ ومن ثم عليهم البحث عن هذه الحموض في البيئة، إما بين الميكروبات أو في مخلفات الموارد العضوية التي ينتجها الغلاف البيولوجي الظلي shadowbiosphere.

 

ويستطيع العلماء استشفاف بعض الأدلة من حقل الحياة الصنعية synthetic(أو الاصطناعية artificial) المزدهر، لمساعدتهم على التركيز في البحث. فها هم علماء الكيمياء البيولوجية يعكفون على هندسة كائنات حية جديدة بإدخال حموض أمينية إضافية في پروتيناتها. وكان <S. بِنَّر> [من المؤسسة التطبيقية للتطور الجزيئي Foundation for Applied Molecular Evolution  في فلوريدا] قد أشار إلى أن المركبات المعروفة باسم الحموض الأمينية والتي تحتوي على ألفا-مثيل alpha-methyl تبدو واعدة في مجال الحياة الصنعية، لأنها تستطيع أن تأخذ الشكل الحيّزي السليم عند تصنيعها. ولكن لم يعثر على هذه المركبات في أي كائن طبيعي درس حتى الآن. ومع تعرف الباحثين ميكروبات جديدة، يصبح من السهل نسبيا استخدام أدوات قياسية لتحليل تركيب الپروتينات، باستخدام مطيافية الكتلة mass spectrometry مثلا، لتعرف الحموض الأمينية الموجودة  في  الكائنات الحية. إن ظهور أي شواذ واضحة عن قائمة أطياف الكتلة المعروفة سيشير بلا شك إلى احتمال وجود مرشح لحياة الظل.

 

 

[نظرة متمعنة]

مرشح ككائن غريب؟(*********)

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/12/00009.jpg

في أثناء فحصها صخورا رملية عمرها 200مليون سنة مستخرجة من ثقوب محدثة في أعماق المحيط مقابل السواحل الغربية لأستراليا، اكتشفت <Ph. يوينز> [من جامعة كوينزلاند] تراكيب صغيرة يراوح حجمها بين 20و 150 نانومترا (واحد على بليون من المتر) وقد بدت  قادرة على التضاعف في المختبر. وأشارت الاختبارات إلى أن هذه التراكيب (تبدو تحت المجهر الإلكتروني الماسح في صورة كريات ومحالق بنية) تحتوي على الدنا DNA، ولكن علماء آخرين يشكَّون في كون هذه النانوبزnanobes، كما سُميت، كائنات حية.

 

معظم الكائنات الحية ميكروبات، ومن شبه المستحيل تعرف ماهيتها بمجرد النظر إليها من خلال المجهر.

 

وإذا ما نجحت الاستراتيجية السابقة، فسيواجه الباحثون مهمة تحديد ما إذا كانوا يتعاملون مع شكل حقيقي من الحياة البديلة يتحدر من أصل منفصل، أو أنه مجرد فرع جديد من الحياة المعروفة، مثل الأركايا التي لم تعرف حتى نهاية السبعينات. وبمعنى آخر، كيف يستطيع العلماء التأكد من أن ما يبدو شجرة جديدة للحياة ليس في الواقع سوى فرع غير مكتشف من شجرة الحياة المعروفة، ولكنه انفصل منذ أمد بعيد ولم يحظ باهتمامنا حتى الآن؟ وعلى الأرجح، كانت الأنماط الحياتية المبكرة مختلفة بشكل جذري عن الأنماط الحياتية التي تلتها. فعلى سبيل المثال، يُظهِر نظام تكويد الدّنا الثلاثيُّ المعقد والذي يحدد أنواع الحموض الأمينية، ما يدل على تعرضه لعمليات الانتخاب (الانتقاء) التطوري ليزيد من فعاليته. وتوحي هذه الملاحظة بوجود سليف أولي للدنا أقل تطورا، كأن تكون آلية تكويده ثنائية doublet تُوظِّف عشرة حموض أمينية بدلا من عشرين حمضا. ومن الممكن تصور وجود كائنات بدائية مازالت حتى الآن تستخدم نظام التكويد الرائد القديم(7). ولا يمكن اعتبار هذه الميكروية غريبة فعلا وإنما أحافير حية(8). ومع ذلك، فإن اكتشاف كائنات كهذه قد يستمر في إثارة اهتمام علمي ضخم. وكذلك هناك احتمال وجود بقايا من حقب بيولوجية سابقة تتمثل في اكتشاف ميكروبات حية تستخدم في كودها الجيني الرنا RNA بدلا من الدنا.

 

 

[حدود الحجم]

كائنات دقيقة غريبة(**********)

 

يبلغ حجم أصغر البكتيرات 200 نانومتر. ولا يمكن  للكائنات الحية المستقلة في شجرة حياتنا أن تكون أصغر من ذلك بكثير، لأنها بحاجة إلى أن تضم بداخلها تراكيب خلوية لبناء الپروتينات تدعى الريبوزومات ribosomes، التي يراوح قطرها بين 20 و 30 نانومترا. ولكن إذا استطاعت  الميكروبات الغريبة العمل من دون الريبوزومات، فإنه يمكن أن تصير في حجمها أصغر من الفيروسات، بعرض 20 نانومترا فقط (لا  تحتاج الفيروسات  إلى الريبوزومات، لأنها تستولي على آليات الخلايا التي تعديها وتستخدمها في التكاثر).

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/12/003.jpg

 

ويتضاءل الخلط بين شجرة حياة منفصلة وفرع غير مكتشف من شجرة حياتنا عند الأخذ بالحسبان بدائل أكثر تطرفا للكيميائية البيولوجية المعروفة. لقد تكهن علماء البيولوجيا الفلكية حول أنماط حياتية يستخدم فيها مذيب آخر (مثل الإيثان ethane أو الميثان methane) بدلا من الماء، مع أنه من الصعب تعرف أيّ بيئات الأرض هي التي تستطيع احتضان أي من المواد المقترحة آنفا. (فالإيثان والميثان يكونان في حالة سائلة فقط في الأمكنة الشديدة البرودة، مثل سطح تايتان Titan أكبر أقمار زحل). وهناك حدْس شائع آخر يتعلق بالعناصر الكيميائية الأساسية المكونة للأجزاء البيولوجية للكائنات المعروفة: الكربون، الهيدروجين، الأكسجين، النيتروجين، الفسفور. هل ستكون الحياة ممكنة إذا ما تم استبدال عنصر آخر بأحد العناصر الخمسة السابقة؟

 

 

لعل الاحتمال الأكثر إثارة أن تكون الأشكال الحياتية الغريبة تسكن أجسادنا.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/12/00010-0.jpg 

 

 

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/12/00010-.jpg

 

إن الفسفور يمثل إشكالية للحياة بصورة ما. فهو نادر نسبيا، ولم يكن موجودا بوفرة وبشكل سائل، بحيث يسهل الحصول عليه في الظروف التي سادت خلال تاريخ الأرض القديم. وقد طرحت <F. ولف-سيمون> [من جامعة ولاية أريزونا سابقا، وحاليا في جامعة هارفرد] نظرية حلول الزرنيخ arsenicبنجاح ليؤدي الدور الذي يقوم به الفسفور في الكائن الحي، وهذا قد يعطي للكائن الحي ميزة كيميائية في البيئات الغابرة. (الزرنيخ سام للأنماط الحياتية المعتادة، بسبب قدرته على تقليد الفسفور بشكل جيد. وبالمثل، فإن الفسفور يكون ساما لكائن حي تعتمد حياته على الزرنيخ). هل يعقل أن أنماطا حياتية زرنيخية ما زالت موجودة في جيوب فقيرة بالفسفور ولكنها غنية بالزرنيخ، كما في فجوات الأنابيب البركانية في أعماق المحيطات وفي الينابيع الساخنة؟

 

والحجم عامل متغير آخر ذو أهمية. فجميع الكائنات الحية تستخدم آلات جزيئية كبيرة تدعى ريبوزومات ribosomes من أجل تصنيع الپروتينات، وذلك بربط الحموض الأمينية بعضها ببعض. والحاجة إلى استيعاب الريبوزومات في كائنات حية مستقلة في شجرة حياتنا تحتم أن يكون قُطْرُ هذه الكائنات بضع مئات من النانومتر (واحد من بليون من المتر). والفيروسات أصغر حجما بكثير، إذ يصل قطرها إلى 20 نانومترا، ولكنها ليست كائنات مستقلة،  لأنها لا  تستطيع التكاثر من دون مساعدة الخلايا التي تصيبها بالعدوى. وبسبب هذا الاعتماد لا يمكن اعتبار الفيروسات صورة بديلة للحياة؛ كما أنه ليس هناك ما يشير إلى أنها نشأت عن أصل مستقل. ولكن على مدى سنوات، ادعى عدد من العلماء أن الغلاف البيولوجي يزخر بخلايا أصغر بكثير من أن تستوعب الريبوزومات. وفي عام 1990، لفت <R. فولك> [من جامعة تكساس في أوستن] الانتباه إلى أجسام كروية وبيضاوية بالغة الصغر في الصخور الرسوبية الموجودة في الينابيع الحارة في فيتربو بإيطاليا. وقد اقترح <فولك> أن هذه الأشياء هي «بكتيرات نانوية» أحفورية fossilized nanobacteria  (كما أَحَبّ أن يسميها)، وهي بقايا متكلسة لكائنات يصل قطرها إلى 30 نانومترا. ومؤخرا اكتشفت <Ph. يوينز> [من جامعة كوينزلاند] تراكيب مشابهة في عينات صخرية مأخوذة من ثقوب حُفِرت في أعماق المحيط قبالة الشواطئ الغربية بأستراليا. فإذا كانت هذه التراكيب ناتجة فعلا من عمليات بيولوجية ـ ولا يزال هذا موضع نقاش حامٍ بين العديد من العلماء ـ فإنها يمكن أن تكون دليلا على أشكال حياتية بديلة لا تستخدم الريبوزومات لتجميع پروتيناتها، وهي بذلك تتفادى حدّ الحجم الأدنى الذي ينطبق على الحياة المعروفة.

 

ولعل الاحتمال الأكثر إثارة للفضول من غيره أن تكون التراكيب أنماطا غريبة من الحياة قد اتخذت من أجسامنا مسكنا لها. وفي عام 1988، لاحظ <O. كگاندر> وزملاؤه [من جامعة كيوبيو في فنلندا] أثناء دراستهم خلايا بعض الثدييات باستخدام المجهر الإلكتروني، وجود جسيمات بالغة الصغر داخل العديد من الخلايا. وكان حجم هذه الجسيمات يعادل حوالي عُشر حجم بكتيرة صغيرة، وتتناهى أبعادها في الصغر إلى 50 نانومترا. وبعدها بعشر سنوات، اقترح <كگاندر> ومساعدوه أن هذه  الجسيمات ما هي إلا كائنات حية تنمو في البول وتحرض تشكل حصى الكِلى عن طريق ترسيب الكالسيوم ومعادن أخرى حولها. ومع أن هذه الادعاءات ما زالت موضع جدل، فمن الممكن تصور أن البعض على الأقل من هذه الجسيمات المتناهية الصغر، هي كائنات غريبة توظف كيميائيةً بيولوجية مختلفة جذريا.

 

فما هي الحياة على أية حال؟(***********)

 

إذا ما أمكن اكتشاف كائن ميكروي ذي كيمياء بيولوجية غير معتادة، فإن اعتماده دليلا على خلقٍ ثانٍ في مقابل اعتماده مجرد فرع جديد من شجرة حياتنا المعتادة سيتوقف على مدى جذرية اختلاف هذا الكائن عن الأنماط الحياتية المعروفة لدينا. ولكن، في غياب فهم واضح لكيفية بدء الحياة، لا توجد معايير صارمة تحدد درجة هذا الاختلاف. فمثلا، تبصَّر بعض علماء البيولوجيا الفلكية في إمكانية نشأة حياة تقوم على مركبات السيليكون بدلا من الكربون. ولما كان الكربون عنصرا محوريا في كيميائيتنا البيولوجية، فإنه يصعب تخيل نشوء كائنات حية من مصدر واحد تستخدم الكربون وأخرى تستخدم السيليكون. ومن ناحية أخرى، فإن استخدام كائن حي المجموعةَ نفسها من النيوكليوتيدات والحموض الأمينية التي تستخدمها أشكال حياتية معروفة، لا يقدم دليلا قويا على نشأة حياة ذات أصل مستقل، لمجرد استخدامه تكويدا جينيا مختلفا؛ لأنه من الممكن تفسير هذا الاختلاف من خلال عملية الانسياق التطوري evolutionary drift.

 

وهناك أيضا معضلة معاكسة: عند تعرض كائنات حية غير متشابهة لضغوط بيئية متشابهة، فإنها غالبا ما تميل تدريجيا إلى التقارب في صفاتها، بحيث تصبح أكثر ملاءمة للعيش في الظروف القائمة. فإن كان التقارب التطوري قويا بما فيه الكفاية، فسيُخفي الأدلة التي قد تشير إلى تخليق مستقل. على سبيل المثال، قد يؤدي التطور إلى أَمْثَلة اختيار الحموض الأمينية المستخدمة، بحيث من الممكن أن أنماطا حياتية غريبة بدأت باستخدام مجموعة مختلفة من الحموض الأمينية، قد تطورت مع الوقت لتتبنى المجموعة نفسها من الحموض الأمينية التي تستخدمها أشكال معروفة من الحياة.

 

وما يفاقم صعوبة الجزم بأن مخلوقا ما غريبا على أرضنا هو حقيقة وجود نظريتين متنافستين للخلق. الأولى هي أن الحياة تبدأ بتحول حاد ومميز، يماثل عملية تحول الطور(9) في الفيزياء، وربما يحرضه وصول منظومة إلى عتبة محددة من التعقيد الكيميائي. ولا يُفترض بالمنظومة أن تتكون من خلية واحدة. فقد اقترح علماء البيولوجيا أن الحياة البدائية نشأت عن مجموعة من الخلايا تبادلت المواد والمعلومات فيما بينها، وأن الاستقلالية الخلوية وتمايز الأنواع أتيا لاحقا. أما النظرية البديلة للحياة فتفترض وجود سلسة متصلة من الكيمياء إلى البيولوجيا، حيث لا يمكن تمييز حدود واضحة يمكن تعريفها بوصفها بداية الخلق.

 

 

حياة من المريخ؟(************)

 

إذا كانت الحتمية البيولوجية   biologicaldeterminism ـ أي فكرة أن الحياة لا بد من أن تظهر في الظروف المناسبة ـ صحيحة، فمن الممكن أن نتوقع أن الحياة قد ظهرت في مكان ما من المجموعة الشمسية، وبالأخص على المريخ (لوجود الماء السائل على سطحه في مرحلة سابقة من تاريخه). ولأن الأرض والمريخ يتبادلان المواد التي تُقْذف إلى الفضاء بفعل ارتطام الكويكبات asteroids والمذنبات comet، فالاحتمال كبير أن تكون ميكروبات قابلة للحياة (النمو)، مختبئة داخل الصخور، قد تم تبادلها بين الكوكبين. وهكذا، إذا كانت الحياة قد تولدت من العدم على كل من المريخ والأرض، فالاحتمال كبير أن الكائنات الحية الناتجة قد امتزجت مع بعضها مع مرور الزمن. وتضيف هذه الملاحظة تطورا مثيرا إلى نظرية أن «غلافا بيولوجيا (حيويا) ظليا» من حياة غريبة يتعايش معنا: في الحقيقة، قد تكون أي ميكروبات غريبة تكتشف على الأرض ذات أصل خارج أرضي extraterrestrial.  ومن المنطقي البحث عن مثل هذه الميكروبات المهاجرة في ظروف أرضية تشبه المريخ، كقمم الجبال وبيئات أخرى باردة وجافة ذات مستوى عالٍ من الإشعاع.

        .P.D

 

إذا كانت الحياة مشهورة بصعوبة تعريفها، فإنها باعتبارها نظاما له خاصيته ـ كأن تمتلك القدرة على خزن نوع محدد من المعلومات ومعالجته ـ تحدد انتقالا واضح المعالم من عالم انعدام الحياة إلى عالم الحياة، وعندها يصبح معقولا الحديث عن أحداث تشير إلى أصل واحد للحياة أو أكثر. ولكن، إذا كان تعريف الحياة ضعيفا واقتصر على اعتبارها شيئا يشبه تعقيدا منظما، فإن أصول الحياة يمكن أن تتشكل من دون حدود واضحة في عالم من الكيمياء العامة المعقدة. وسيكون عندها من الصعوبة بمكان إثبات الأصول المستقلة لأشكال مختلفة من الحياة، باستثناء الحالة التي يكون فيها نوعان من الكائنات الحية منفصلين بشكل كبير، بحيث لا يمكن أن يكون قد حصل بينهما أي اتصال (كأن يوجدا، مثلا، على كوكبين ينتميان إلى مجموعتين شمسيتين مختلفتين).

 

ومن الواضح أن ما أُخذ من عينات حتى الآن لا يمثل إلا جزءا ضئيلا من المجتمعات الميكروبية على الأرض، وأن كل اكتشاف قد أدى إلى مفاجآت وإلى توسيع تصورنا عما هو ممكن بيولوجيا. ومع ازدياد البيئات الأرضية المستكشفة يزداد احتمال اكتشاف أشكال حياتية جديدة وأكثر غرابة. وإذا ما قُدِّرَ لهذا البحث أن يميط اللثام عن دليل لعملية خلق ثانية، فإنه سيعطي دعما قويا للنظرية التي تدعي أن الحياة ظاهرة كونية، وسيعطي مصداقية للاعتقاد بأننا لسنا وحيدين في هذا الكون.

 

 المؤلف

باحث في الفيزياء النظرية والكونيات (الكسمولوجيا) cosmologist والبيولوجيا الفلكية astrobiologist. يشغل حاليا منصب مدير مركز بيوند، وهو مركز أبحاث في جامعة ولاية أريزونا متخصص في تحري الأسئلة العلمية العظيمة. وقد ألَّف أو شارك في تأليف 27 كتابا، وآخر أعماله كتاب بعنوان الكنز الكوني: ما الذي يجعل كوننا مناسبا للحياة بالضبط

(Cosmic Jackpot: Why Our Universe Is Just Right for Life (Houghton Mifflin, 2007

 Paul Davies
http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/12/00009-.jpg

 مراجع للاستزادة 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2008/12/q01.jpg

(*) ?ARE ALIENS AMONG US

(**) The Argument for Aliens

(***) Ecologically Isolated Aliens

(****) THE FOREST OF LIFE

(*****)?WHAT IS  LIFE

(******) ?DOES LIFE REQUIRE WATER

(*******) Ecologically Integrated Aliens

(********) WHERE TO LOOK FOR ALIENS

(*********) ?A CANDIDATE ALIEN

(**********) TINY ALIENS

(***********) ?What Is Life, Anyway

(************) ?life from Mars

(1) organisms أو متعضيات.

(2) cosmic imperative

(3) metabolism

(4) Archean

(5) أو: يدوية.

(6) left-handed

(7) Old Precursor Code Today

(8) living fossils

(9) phase transition

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى