أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحةعلم الجينات والوراثة

البحث عن الروابط

البحث عن الروابط

بين إدمان الكحول وجيناتنا(*)

إن معرفة التأثيرات الجينية في الاستعداد لإدمان الكحول قد

تقودنا إلى معالجات أكثر تركيزا على الأهداف، كما قد تساعد المرء

على اتخاذ قرارات مستندة إلى معارف أفضل حول حياته الخاصة.

<I.J. نورنبرگر، جونيور> ـ <J.L. بيرت>

 

 

نظرة إجمالية/ البحث عن جينات إدمان الكحول(**)

 

  إن إدمان الكحول اضطراب معقد ومثير للجدل، إلا أن الاستعداد للإصابة به تُظْهِر نماذج واضحة من الوراثة، مما يشير إلى أن الجينات تنقل بعض الأسس البيولوجية لقَدْر أكبر من الاستعداد لذلك الإدمان.

  إن الخَلات (السجايا) traits الفيزيولوجية، مثل أنماط الفعالية  الدماغية لدى مدمني الكحول ولدى أطفالهم، تساعد العلماء على تعرف المواضع الدقيقة لضروب variants الجينات  التي  تؤثر في استجابات الشخص للكحول.

  يقدم تعرف الجينات التي تؤثر في إدمان الكحول وفي الاضطرابات المتعلقة بها رؤية متعمقة في كيفية تطور الحالات، وتفتح الطريق للوصول إلى معالجات أفضل، وتتيح للأفراد المعرَّضين لاحتمال عالٍ للخطر أن يتخذوا خيارات مستنيرة بالمعرفة حول صحتهم وسلوكهم.

 

لقد كان من المعروف منذ وقت طويل أن ميل الأفراد ليكونوا من مدمني الكحول يسري ضمن الأسر، وقد يكون ذلك بالنسبة إلى البعض مجرد وصمة اجتماعية إضافية تلحق بهذه الحالة المعقدة. أما بالنسبة إلى العلماء، فإن ما يبدو قابلية وراثية(1) يشير إلى أن ثمة مكونة جينية(2) تقف وراء الاستعداد لإدمان  الكحول وتنتقل من جيل لآخر.

 

ومع التقدم السريع الذي أحرز في السنوات العشر الماضية في الوسائل التقانية لاكتشاف وظائف الجينات وتحليلها، أصبح الباحثون اليوم أكثر قدرة من ذي قبل على الوصول إلى الجذور البيولوجية للاضطرابات المعقدة مثل إدمان بعض المواد والإسراف في ذلك. إن المقدرة على دراسة أنماط الوراثةinheritance في المجموعات الكبيرة، وعلى مسح مئات الآلاف من الاختلافات الضئيلة في جينومات كل فرد من هؤلاء الأفراد، أتاحت للباحثين إمكان التحديد الدقيق للجينات النوعية التي تؤثر تأثيرا قويا وغير صاخب في فيزيولوجيا ذلك الفرد وعلى مدى الخطر الذي يحيق به أو بها.

 

وينطبق على إدمان الكحول ما ينطبق على الكثير من الاضطرابات التي تعتري البشر من حيث إنها لا تنجم عن سبب واحد بعينه وإن مصدرها ليس جينيا genetic فقط. ومع ذلك، يمكن للجينات أن تؤدي دورا مهما في عمليات تتم في الجسم وفي الدماغ وتتفاعل فيما بينها ومع ما يكتسبه الفرد من خبرات في حياته لتؤدي إلى وقايته من إصابة أو لزيادة استعداده لها. ويكمن التحدي في إجراء اختبارات على كل تأثير من هذه التأثيرات بمعزل عن غيره، فإلى يومنا هذا لم يتجاوز عدد الجينات التي تؤثر في خطر إدمان الكحول لدى الفرد عشر جينات، مع أن من المؤكد وجود أعداد أكبر من ذلك بكثير.

 

إن ضروب variants كل جينة من الجينات المعروفة لا تؤثر سوى تأثير ضئيل في استعداد الفرد لإدمان الكحول، إلا أن الكثير من هذه ـ الجينات واسع ـ الانتشار بين عامة الناس، وقد تؤثر، على نطاق أوسع، في عادات تعاطي المشروبات الكحولية، وفي السلوكيات الأخرى للإدمان أو تلك التي تولِّد مشكلات معينة، وكذلك في اضطرابات أخرى مثل الاكتئاب والقلق. ومن هنا فإن اكتشاف وفهم تأثيرات الجينات التي تسهم في استجابتنا للكحول قد يوضح لنا أيضا نطاقا أوسع من الحالات. هذا وإن الكشف عن العمليات التي يمكن أن تبني أو ترسِّخ إدمان الكحول سيساعد من دون شك على توجيهٍ أفضل للمعالجات التي تتوافر في الوقت الراهن وفي ابتكار معالجات جديدة للإفلات من قبضة إدمان الكحول.

 

أدلة في اختلافات بشرية(***)

 

تؤثر الجينات تأثيرا قويا في فيزيولوجيا الفرد بما تظهره من أنماط مختلفة من الپروتينات يزيد عددهاعلى000 100  نمط، ولكل منها دور مباشر في الأداء اليومي لوظائف كل من الجسم والدماغ أو في تنظيم فعالية الجينات الأخرى. وقد اتضح وبجلاء الارتباط القوي بين الاختلافات في الفيزيولوجيا الأساسية من جهة واستعداد الفرد للتعرض لمشكلات إدمان الكحول من جهة أخرى وذلك منذ أول جينة تم تعرفها كباعث لخطر الانزلاق نحو إدمان الكحول.

 

وقبل عقدٍ من السنين، بدأ الباحثون بدراسة ما يلاحظ على نطاق واسع من ميلٍ لدى الأشخاص المنحدرين من أصولٍ صينية أو يابانية أو شرق آسيوية أخرى إلى الإصابة «بالتورُّد» flushed الناجم عن تدفق الدم عندما يحتسون مشروبات كحولية، وقد أظهرت الاختبارات الدموية لهؤلاء الأشخاص ازدياد مستوى مادة أستيل ألدهيد acetaldehyde لديهم، وهذه المادة هي أحد المركَّبات التي تنجم عن تفكُّك الكحول وتؤدي إلى إحساس مزعج بحرارة الجلد والخفقان والضعف. وفي الثمانينات من القرن الماضي اقتفى الباحثون هذا التفاعل ليصلوا إلى أحد الإنزيمات التي تسهم في استقلاب الكحول وهو نازعة هدروجين الألدهيد aldehydedehydrogenase، ثم في نهاية الأمر إلى الجينة التي تكوده وهي الجينة ALDH1. ومع أن الإنزيم يفكِّك الأستيل ألدهيد، فإن بعض الاختلافات البسيطة في تكويد الدنا DNA لدى هؤلاء الأشخاص تجعل الإنزيم يعمل على نحو أبطأ. وعندما يتناول هؤلاء الأشخاص الكحول يتراكم الأستيل ألدهيد في أجسامهم ، وقد تكون الجرعات الكبيرة من هذا الأستيل ألدهيد سامةً.

 

ومنذ اكتشاف شيوع هذا الضرب من الجينة ALDH1 بين الآسيويين، شوهد لدى 44 في المئة من اليابانيين،و53 في المئة من الفيتناميين، و27 في المئة من الكوريين، و30 في المئة من الصينيين (ويتضمن ذلك 45 في المئة من الصينيين من مقاطعة هان)،  إلا أنه نادر لدى السكان المنحدرين من أصول أوروبية. وكما قد يُتَوَقَّع، سيقل خطر إدمان الكحول لدى من لديه ضرب من الجينات التي تسبب بطء الاستقلاب بمقدار ستة أضعاف، مما يجعل الأمر مثالا على التفاوت في الجينات الذي يمكن أن يقي من الإصابة بالاضطراب.

 

وقد درس الباحثون أيضا الإنزيمات الأخرى التي تفكِّك الكحول وذلك لتعرُّف مدى إسهاماتها الجينية في إدمان الكحول. فعلى سبيل المثال، إن الإنزيم المسؤول عن الخطوة الأولى في سياق تحويل الكحول إلى أستيل ألدهيد، وهو نازعة الهدروجين من ألدهيد الكحول ADH، تنتجه أُسْرَةٌ من الجينات، يؤثِّر كل منها في خواص مختلفة عن غيرها في ذلك الإنزيم. وأهم الجينات في استقلاب الكحول هما مجموعتا ADH1 وADH4. والدراسات التي أجريناها مؤخرا على سكان الولايات المتحدة الأمريكية المنحدرين من أصول أوروبية كشفت عن بيِّنات قوية على أن ضروبا في الجينات ADH4 بشكل خاص تعزز خطر إدمان الكحول لدى هؤلاء السكان، مع أن علينا المزيد من العمل لاكتشاف كيف تؤثر هذه الضروب في استقلاب الكحول.

 

إن إدمان الكحول يتسم بالتعقيد من الناحية الجينية، فهناك العديد من الجينات التي يغلب أن تسهم فيه، ولابد من دراسة التفاعلات بين بعضها وفيما بينها وبين البيئة قبل تجميع الصورة الكاملة للعملية التي تقود إلى إدمان الكحول. ثم إن الناس أنفسهم يتسمون بالتعقيد وتظهر لديهم مشكلات واسعة الطيف مع الكحول، ولاسيما في المراحل المبكرة من المرض، وذلك مع أن الحالات تصبح متشابهة فيما بينها من الناحية السريرية في المراحل المتأخرة للداء. ومن هنا كان على الباحثين، إذا أرادوا دراسة الجوانب البيولوجية لإدمان الكحول، أن يضعوا تعريفا دقيقا للمشكلة، فعليهم، على سبيل المثال، أن يفرقوا بين إدمان الكحول والإسراف في تعاطيه، والأخير متلازمة أقل وخامة وشدة من الوجهة الطبية.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/1-2/21.jpg

 

إن المعيار الذي يُستخدَم على نطاق واسع في الطب النفسي لتشخيص الإدمان، سواء إدمان الكحول أو أية مادة أخرى، يتطلب أن يعاني المرء ثلاثة على الأقل من الأعراض التالية خلال الأشهر الاثني عشر التي تسبق التشخيص: تحمُّل جرعات كبيرة، تفاعلات الانسحاب(3)، فقدان السيطرة على استعمال المادة، بذل الجهود للتوقف أو الإقلال من تعاطيها، مرور وقت طويل جدا في ممارسة أنشطة التعاطي للمادة، الانصراف عن الأنشطة الأخرى، الاستمرار في تعاطي المادة على الرغم مما تؤدي إليه من مشكلات مادية أو نفسية. ويغلب أن يكون لدى أُسَر مَنْ تتحقق لديه هذه المعايير عدة أشخاص من مدمني الكحول. وبموافقة هؤلاء الأشخاص بالإسهام بدأنا مع غيرنا من الباحثين بربط الأعراض لدى كل واحد منهم بمصادرها الفيزيولوجية، وفي نهاية الأمر بالجينات المسؤولة عنها.

 

وفي الحقيقة، تتمثل إحدى الاستراتيجيات المهمة للبحث عن الجينات التي تؤثر في خطر إصابة الفرد بإدمان الكحول بدراسة الأنماط المظهرية الباطنة endophenotypes والتي هي خَلات(4) جسدية ـ أنماط مظهريةphenotypes ـ لايمكن مشاهدتها من الخارج ولكن يمكن قياسها، ومن ثم يمكن دراستها لمعرفة فيما إذا كان بعض الأنماط أكثر شيوعا بين المصابين باضطرابات معقدة ويمكن ربطها بخطر الإصابة بتلك الحالة. وقد تأسست هذه الفكرة على افتراض أن الأنماط المظهرية الباطنة يمكنها أن تكشف الأسس البيولوجية لاضطراب ما بشكل أفضل مما تكشفه الأعراض السلوكية، وذلك لأن هذه الأنماط تمثل خَلَّة (سجيَّة) جسدية أساسية أكثر ارتباطا بمنشئها في أحد ضروب الجينة. ومع أن هذا الأسلوب لدراسة السلوكيات المعقدة قد اقترحه للمرة الأولى في السبعينات من القرن الماضي باحثون في الطب النفسي كانوا يدرسون الفُصام، فقد ثبت في الوقت الحاضر أنه قد يكون أكثر قيمة عند استخدامه مع الأدوات الحديثة لتقييم العمليات البيولوجية ولتحليل البيانات الجينية.

 

 يغلب أن يكون لدى أُسَر من تتحقق لديه معايير الاستعداد لإدمان الكحول حالات متعددة من هذا الإدمان.

 

إن أنماط الفعالية الكهربية للدماغ هي على سبيل المثال شكل من أشكال الأنماط المظهرية الباطنة. ويمكن للباحثين باستخدام تخطيط كهربية الدماغ EEG الذي يكشف مثل هذه الفعاليات عبر المساري الكهربية التي توضع على فروة الرأس، أن يسجلوا أنماط الانقداح firing في العصبونات. ويمكن للخوارزميات الحاسوبية المعقدة أن تحلل البيانات وتكشف المناطق الدماغية التي يحتمل أن تكون الإشارات signals قد نشأت فيها، وهذا يوفر أدلة إضافية على النمط الذي يحدث في العملية المعرفية. وإن مجمل أشكال الموجات والأشواكspikes في فعالية عصبونية استجابة لمنبهات نوعية تُرى في مثل هذه القراءات لتخطيط كهربية الدماغ EEG، هو مميز في مختلف الأفراد ويمكن أن يستخدم باعتباره نوعا من البصمة العصبية. ويمكن لهذه الأشكال أن تعكس التوازن العام بين عمليات الاستثارة ضمن الدماغ، وهي العملية التي تجعل بعض العصبونات أكثر استجابة من غيرها من العصبونات لتوليد الإشارات، وبين عمليات التثبيط التي تجعل العصبونات أقل استجابة.

 

ومثل هذه الأنماط لتخطيط كهربية الدماغ قابلة للتوريث(5) إلى درجة كبيرة، وهي تختلف بطرق بالغة التميُّز بين ما هي عليه لدى مدمني الكحول وغير المدمنين،  وذلك من حيث غلبة الاستثارة وسيطرتها على التثبيط في أدمغة مدمني الكحول. ويمكن ملاحظة هذا الانعدام أو الاختلال في التوازن لدى أطفال مدمني  الكحول وهي تنبئ بقوة بإصابتهم بالشرب بشراهة وبإدمان الكحول، مما يشير إلى أن هذه الأنماط الكهربية هي واسمات للاستعداد الموروث بيولوجيا للإصابة بإدمان الكحول. وما هو أكثر من ذلك أن أنماط التوقيع signature patterns قد تشير إلى الاستعداد الموروث نفسه:  فمن المعتَقَد أن التثبيط ينجم عن فقدانٍ معمَّم لعصبونات تؤدي الوظيفة  التثبيطية في المناطق الدماغية المسؤولة عن المحاكمة واتخاذ القرار، وقد يصبح مَنْ يفقد هذه الدارات التثبيطية أكثر استعدادا للعمل وفقا لتدَفُّعاتٍ impulses تنشأ عن مناطق دماغية تقع في مواضع أكثر انخفاضا، مثل اللوزة الدماغية amygdala.

وفي الثمانينات من القرن الماضي أظهرت البيِّنات في مختبرات عديدة أن بإمكان الفعالية الكهربية في الدماغ أن تكشف عن مدى خطر إدمان الكحول الذي يتهدد الفرد، مما أدى إلى تفعيل فكرة أن البحث المكثَّف عن الجينات التي تعزِّز الأنماط المظهرية المصاحبة لإدمان الكحول كان مُجْديا ويستحق بذل الجهد. وفي عام1989 شاركنا نحن الاثنان في الدراسة التي  بدأت بدعمٍ من المعهد الوطني للإسراف ولإدمان الكحول، وهي الدراسة التعاونية حول الأسس الوراثية لإدمان الكحول COGA. وتشمل الدراسة في الوقت الراهن ثمانية مراكز للأبحاث عبر الولايات المتحدة الأمريكية، وفي هذه الدراسة وافق الآلاف من مدمني الكحول وأفراد أسرهم على تقديم المساعدة في التحقيقات الجارية.

روابط أُسَرية(****)

 

وفي الدراسة التعاونية حول الأسس الوراثية لإدمان الكحول COGA بذل الباحثون جهودا في مواقع موزعة في جميع أرجاء البلاد لتعرف الأُسَر التي تعاني معاناة شديدة من إدمان الكحول. وقد أوضحت دراسات سابقة للتوائم وللتبنِّي وللأُسَر أن لمشكلات إدمان الكحول قابلية قوية للانتقال بالوراثة، وفي الحقيقة فإن أكثر من 50 في المئة من مجمل خطر إدمان الكحول يُعْزَى إلى عوامل موروثة،  وهو ما يجعل مجموعات الأُسَر مصدرا قويا لاقتفاء بعض الخَلات ولربطها بالجينات  ذات الصلة [انظر ما هو مؤطر في الصفحة المقابلة].

 

وقد أجرى الباحثون مقابلات واسعة النطاق شملت 1200 فرد كانوا يلتمسون معالجة إدمان الكحول، كما شملت أُسر بعض هؤلاء، وقد تجاوز مجمل عدد الذين شملتهم تلك المقابلات000 11  فرد. وقد وجدنا أن من بين هؤلاء كان 262 أسرة تضررت تضررا بالغا، وذلك يعني أن اثنين أو أكثر  من أفرادها الذين هم أقرباء من الدرجة الأولى للمريض، مثل الآباء والأشقاء، قد  شُخِّصوا أيضا كمدمني كحول. وقد أُجري تقييم للأنماط المظهرية الباطنة للكهربية الفيزيولوجية للدماغ لدى أفراد هذه الأُسَر من مدمني الكحول ومن غير المدمنين، ثم أجريت معهم المزيد من المقابلات لتقييم الخصائص الإضافية التي تصاحب خطر إدمان الكحول والتي يُعْتَقَد أنها تتأثر جينيا. وتشتمل هذه الخَلات على الاستجابة المنخفضة(6)، أي إن على الفرد أن يستهلك كمية أكبر من الكمية الوسطية من الكحول قبل أن يشعر بتأثيراته؛ والمعاناة السابقة من اكتئاب شديد؛ وبعض أنماط التاريخ السابق لشرب الكحول، مثل ارتفاع العدد الأقصى لمرات شرب الكحول واستهلاكه في مدة 24 ساعة.

 

 

اكتشاف الروابط التي تسري في الأُسَر(*****)

إن تعرف الجينات التي تؤثر في اضطرابٍ ما يضاهي في تعقيده إدمان الكحول يتضمن في البدء الربط بين الخَلات (السجايا) الخاصة بالحالة وبين مناطق معينة على الصبغيات (الكروموسومات). ويعد هذا «التحليل للروابط» هو الأسهل بين المجموعات المتشابهة من الناحية الجينية، مثل الأُسَر التي يصاب عدد من أفرادها بدرجات متفاوتة من الاضطراب.

وبعض ملامح الصبغيات، التي تعرف بالواسمات markers والتي تظهر بتواتر أكبر لدى أقرباء المصابين، يمكن أن تشير إلى احتمال تمدد (تفشي) الدنا بكثرة. ويمكن للدراسة التفصيلية لهذه المناطق أن تكشف النقاب عن الجينات التي تؤثر وظائفها في الاستجابات للكحول.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/1-2/scan00009.jpg

صلة جينية

يكشف التحديد الدقيق لمنطقة الدنا بالقرب من واسم عن وجود جينات مميزة يمكن بالبحث تعرف دورها في الاضطراب.

تحليل الروابط

كثيرا ما تُصادف الواسمات لدى من يحمل خَلَّة (سجية) نوعية للاضطراب، والأقل من ذلك أن تُصادف هذه الواسمات لدى قريب معافى، مشيرة بذلك إلى منطقة الصبغي التي ترتبط بتلك الخَلَّة.

دراسة مسحية للصبغيات

يدرس الباحثون صبغيات جميع الأفراد المشمولين بالدراسة بحثا عن أنماط متكررة من الدنا تعرف بواسمات السواتل الميكروية(7). فلدى أحد الأشخاص قد يتكرر التبادل التسلسلي للأساسَيْن السيتوزين والأدينين17 مرة على سبيل المثال، فيما يتكرر ذلك التسلسل على  الموضع نفسه لدى أحد الأقرباء 12 مرة فقط.

المُدرجون في الدراسة

أجريت مقابلات مع مدمني الكحول ممن يلتمسون المعالجة ومع أقربائهم الذين يرغبون في تشخيصهم وفقا لمعايير الطب النفسي لإدمان الكحول. ويقدم جميع من شملتهم الدراسة عينات من الدنا.

 

وقد قدم المشاركون عينات من الدنا DNA أيضا، مما سمح للعلماء في الدراسة التعاونية حول الأسس الوراثية لإدمان الكحول COGA بدراسة صبغيات chromosomes كل فرد منهم وتدوين الملامح الجزيئية المميزة، التي يمكن أن تستخدم كواسمات markers للمناطق التي يحتمل أن يكون لها أهمية كبيرة في الصبغيات. كما أن الواسمات التي تظهر بتكرارٍ أكثر من غيرها لدى أفراد الأسر الذين تظهر لديهم الأنماط المظهرية المصاحبة لإدمان الكحول، ستشير إلى ترابط سببي بين تلك المنطقة من الصبغي وبين الخَلَّة المدروسة. وبهذا الأسلوب تعرف الباحثون روابط مهمة على الصبغيات 1 و2 و 4و7. وبعد مضي عدة سنوات في رسم الخرائط الجينية، تم تعيين دقيق pinpoint لعدد من الجينات النوعية في تلك المناطق، منها ADH4 و GABRA2على الصبغي 4 والجينة CHRM2 على الصبغي 7. كما أن مجموعات أخرى من الباحثين الذين درسوا مجموعات سكانية منفصلة أكدت وجود ترابطات associations بين خطر الإصابة بإدمان الكحول وبين هذه المناطق على الصبغيات وهذه الجينات، مما يؤكد دورها المحتمل في هذا الاضطراب.

 

ومن الأمثلة على ذلك تزايد عدد الأبحاث المتوافرة والتي بينت أن بعض ضروب الجينات التي تكود(8)مواضع رسو(9) الپروتين گابا GABA (گاما أمينو حمض البيوتيريك gamma aminobutyric acid) على سطح الخلية، والتي تنقل الإشارات بين بعض الخلايا العصبية، تزيد من قابلية الإصابة بإدمان الكحول. ويعد الپروتين GABA الأكثر شيوعا بين النواقل العصبية في الجهاز العصبي لدى الثدييات. وهو يُعدِّل(10) فعالية العصبونات بالارتباط بمستقبلات نوعية له على الغشاء الخلوي للعصبونات، مثبطا بذلك استجابتها لإطلاق الإشارات. وأحد أصناف هذه المستقبلات يعرف بالمستقبل GABAA ويتألف من وحدات پروتينية جزئية تصطف حول قناة تُدخِل أيونات الكلوريد إلى داخل الخلية. وقد وجد الباحثون أن تفاوتات variationsفي الجينة GABRA2، التي تكود إحدى الوحدات الجزئية للمستقبل GABAA تؤثر تأثيرا قويا في النمط المظهري الباطني لمخطط كهربية الدماغ (EEG) والمعروف بتواتر بيتا(11)، الذي يبدو أن له دورا في توسّط(12)تثبيط عصبوني.

 

بصمات في الدماغ(******)

 تخدم أنماط معينة من الفعالية الكهربية للدماغ خَلات (سجايا) تعرف بالأنماط المظهرية الباطنة endophenotype وهي تكشف النقاب عن خصائص فيزيولوجية مميزة لمدمني الكحول ولغيرهم من المعرضين لخطر مرتفع للإصابة بالإدمان. وقد استخدم الباحثون هذه الاختلافات في بصمات الوظائف الدماغية لكشف الجينات المرتبطة بإدمان الكحول وما يتعلق بها من حالات.

الاستجابة P300

إن قياس كهربية فعالية الدماغ عبر إلكترودات تُثبت على فروة الرأس يكشف نبضة عابرة في سعة الإشارة تحدث بعد مدة تراوح بين 300 و500 ميلي ثانية تلو الاستثارة، وهي  تشبه الوميض الضوئي. وهذه الاستجابة المميزة للاستثارة والتي تعرف بالاستجابة P300، هي أضعف إلى حد كبير لدى مدمني الكحول، حتى عندما يتوقفون عن شربه، مما هي عليه عند غيرهم. وتعد الاستجابة الصامتة P300 أيضا نموذجية لدى أطفال لآباء يدمنون الكحول، مما يشير إلى أن هذه الفروق الوظيفية في الدماغ تسبق بدء شرب الكحول بشراهة، وهو يعد بحد ذاته من عوامل الخطر للتحول إلى إدمان الكحول.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/1-2/scan00100.jpg

الارتباط بجينة

لقد أمكن اقتفاء ضعف قوة الإشارة المنخفضة التواتر دلتا وثيتا لدى مدمني الكحول وصولا إلى ضروب من الجينة CHRM2 وهي الجينة التي تكود مستقبلا خلويا للناقل العصبي الأستيل كولين، الذي ينظم قابلية الاستثارة العصبية.

تشريح الاستجابة

تتضمن الاستجابة P300 إطلاق إشارات عصبية بتواترات منخفضة دلتا وثيتا، وهي تترافق مع الوعي واتخاذ القرار. ورسم خرائط لقراءات تواتر كهربية الدماغ EEG لدى الأشخاص من غير مدمني الكحول aولدى مدمني الكحول b يُظهِر أن قوة الإشارة أضعف في تلك النطاقاتbands لدى مدمني الكحول بعد انقضاء مدة 300 ميلي ثانية. وترتبط هذه  الخَلَّة (السجية) بالدراسات الأسرية على مدمني الكحول وغير المدمنين.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/1-2/scan0013.jpg

 

إن العصبونات التي تحمل مستقبلات GABA تتوافر بشكل خاص في القشرة الجبهية cortex للدماغ، وهي المنطقة التي قد يؤدي الفقدان المتعمم للتثبيط فيها إلى الاختلاجات (التشنجات)، ومن الشائع أن تُعالَج هذه الاضطرابات بأدوية تعزِّز من فعالية الپروتين GABA وتعزِّز بذلك التثبيط. ومن هنا كان يعتقد أن فقدا أقل للتثبيط المُحَرَّض بالپروتين GABA قد يسهم في نقص السيطرة أو الاندفاعية السلوكية، والذي يعد أحد الملامح في عدد من الاضطرابات النفسية، والتي تشتمل على الاضطراب الانفعالي الثنائي القطب والإسراف في تعاطي المواد والمشكلات المزمنة في السلوك. وقد أظهرت الدراسات التي قام بها ائتلاف المشاركين في الدراسة التعاونية حول الأسس الوراثية لإدمان الكحول COGA أن ضروب الجينة GABRA2مرتبطة بإدمان الكحول. ومنذ ذلك الوقت، أكدت أربع مجموعات على الأقل هذا الاكتشاف. ومما يبعث الاهتمام أن هذه التفاوتات في الجينة لا تغير من تركيب المستقبل GABAA، بل يبدو أنها عوضا عن ذلك تعدل إنتاج الوحدات الجزئية من الپروتينات، وربما يؤدي ذلك إلى إنقاص العدد الإجمالي للمستقبلات العاملة.

 

ويتواصل العمل في الدراسات للتعرف بدقة كيفية تأثير هذا الضرب من الجينات المستقبلة للپروتينGABA في اختلال التثبيط في الدماغ. فالترابط بين فعالية الپروتين GABA وإدمان الكحول يبدو بكل تأكيد منطقيا، لأن الاندفاعية أحد الملامح التي تُصادَف في العديد من حالات إدمان الكحول. وترتبط هذه الخَلَّة ارتباطا خاصا بالشكل الذي يبدأ مبكرا من بين أشكال إدمان الكحول، والذي يشاهد بشكل رئيسي لدى الذكور. ويبدي المصابون بهذا النوع من الإدمان استعدادا للإصابة باضطرابات استظهارية externalizingتشتمل على السلوك المثير للمشكلات، وتقابلها اضطرابات استبطانية internalizing مثل القلق والاكتئاب. ومن هنا يمكن أن يكون لفهم احتمال أن يسهم الپروتين GABA في مرتسم profile الإدمان، في المساعدة على توجيه الأساليب العلاجية، حتى من دون إجراء تحريات للجينات لدى مدمني الكحول.

 

والأستيل كولين acetylcholine هو أحد النواقل العصبية التي استأثرت بالاهتمام بتطور إدمان الكحول لدى دراسة الأنماط المظهرية الباطنة، فهو يشبه الپروتين GABA في تأثيره في العصبونات التي تتوزع على نطاق واسع في الجهاز العصبي المركزي. وللعصبونات التي تستجيب للأستيل كولين والتي تُوصَف بأنها عصبونات كولينية المفعول(13)، دور مهم أيضا في تعديل التوازن العام بين الاستثارة والتثبيط في الدماغ. وقد أوضحت القياسات التي أجريناها على المشاركين في الدراسة التعاونية حول الأسس الوراثية لإدمان الكحول (COGA) ترابطا بمناطق على الصبغيات تتضمن الجينة CHRM2 التي تكود نمطا خاصا من المستقبلات الكولينية المفعول يدعى المستقبل الموسكاريني M2 للأستيل كولين، CHRM2.

 

ويغيِّر تفعيل المستقبل CHRM2 من إطلاق الإشارات العصبية في التواترات البطيئة دلتا وثيتا(14)، التي تترافق مع وظائف معرفية مثل اتخاذ القرار والانتباه [انظر المؤطر في الصفحة المقابلة]. وقد استطعنا ربط ضروب الجينة CHRM2 بالحالات السريرية من إدمان الكحول والاكتئاب الشديد. وكما هي عليه الحال في الجينة GABRA2، فإن ضروب الجينة CHRM2 التي يبدو أنها تؤثر في الفعالية الكهربية للدماغ وفي إدمان الكحول وفي الاكتئاب، يبدو أنها لا تغيِّر من بنية پروتين المستقبل بل بالأحرى في تصنيعه.

ويبدو أن هذا الربط الخاص مثيرٌ لأنه يؤكد جزءا من نظرية وضعها عام 1976 <D. جانوسكي> [الاختصاصي في الطب النفسي] وزملاؤه في جامعة فاندربلت حول ضرورة أن يحافظ الدماغ على توازن دقيق بين مختلف العمليات المنظِّمة للإشارات لكي يعمل على نحوٍ سويٍّ. وبصدد الحساسية الفائقة للموسكارين، وهي أحد التأثيرات المعزِّزة للأستيل كولين في المستقبلات الموسكارينية الكولينية المفعول لدى الأشخاص ذوي الاستعداد للإصابة بالاكتئاب والحالات ذات الصلة به، فقد اقترح الفريق الذي يعمل مع <جانوسكي> أن الحساسية الفائقة للموسكارين هي المصدر المستبطن لاختلال التوازن في الدماغ.

 

إن الروابط التي اكتشفت مؤخرا بين الجينة CHRM2 وإدمان الكحول والاكتئاب هي أول ما أوضح أن ثمة علاقة مباشرة بين جينة معينة وبين مثل هذه الحساسية الفائقة، وقد قدمت هذه النتائج المتحصلة عن النظام الكوليني المفعول أهدافا جديدة لابتكار معالجات دوائية أكثر نوعية لإدمان الكحول وللاكتئاب، كما أوضحت هذه النتائج أهمية الحاجة إلى فهم كيف يمكن لهذه الاختلافات الواضحة في الفيزيولوجيا أن تسهم في اضطرابٍ بقدر تعقيد الإدمان.

 هناك سُبُلٌ مختلفة لإدمان الكحول إلى جانب سُبُلٍ فيزيولوجية مختلفة ضمنها.

استبصار، وليس قَدَرا محتوما(*******)

 

لقد أُنشِئ مشروع الدراسة التعاونية حول الأسس الوراثية لإدمان الكحول (COGA) في الأُسَر، إلاّ أن هذا النمط من الدراسات عزَّز الفهم للأهمية النسبية لضروب معينة من الجينات في أن تكون عوامل خطر لدى مجموعات إثنية (عرقية) مختلفة. وهذا لا يعني أن بعض المجموعات الإثنية أكثر استعدادا من غيرها لإدمان الكحول؛ بل إنه بدلا من ذلك، وكما هي عليه الحال بالنسبة إلى نسخة الجينة ALDH1 التي تجعل المنحدرين من أصولٍ شرق آسيوية لا يتحملون الكحول، فإن بعض ضروب الجينات التي تسهم في خطر إدمان الكحول أكثر شيوعا لدى بعض المجموعات الإثنية مما هي عليه لدى سواها. وتعتبر المعارف حول مثل هذه الجينات التي قد تؤثر في إدمان الكحول من قبل هؤلاء الذين ينتمون إلى واحدة من المجموعات الإثنية أداة أخرى من الأدوات التي يمكن استخدامها لتقييم طبيعة المشكلات الفردية، ولتفصيل المعالجة المناسبة لهم وفق ذلك.

 

ومن الأمثلة على ذلك ما اكتشفه فريقنا مؤخرا من أن التفاوت في جينة تكود مستقبلا يسهم في الإحساس بالطعم(15) ويدعى hTAS2R16،  يرتبط (هذا التفاوت) ارتباطا ملحوظا بإدمان الكحول لدى الذين شملتهم الدراسة COGA. ويندر هذا الضرب الخطر الذي يسبب نقص الإحساس بالطعم للكثير من المواد المُرَّة لدى الأمريكيين المنحدرين من أصول أوروبية، فيما يحمله 45 في المئة من  الأمريكيين المنحدرين من أصول إفريقية، مما يجعل هذا الضرب من الجينة من عوامل  الخطر الأكثر أهمية في تلك المجموعات السكانية.

 

جينات خطرة(********)

تمثل الجينات التي وجد حتى الآن أنها تحمل خطرا يهدد صاحبها بأن يصبح مدمن كحول طيفا واسعا من السيرورات الفيزيولوجية، تتضمن تفكيك الكحول نفسه، والوظيفة الدماغية المتوازنة وتذوق الطعم وتعزيز المثوبة (المكافأة reward). ويمكن للتفاوتات في الجينات التي تتحكم في هذه الخَلات (السجايا) أن تقي الناس من إدمان الكحول أو تؤهبهم للاستجابة للكحول له بطرق تعزِّز الإدمان. وتمتلك أيضا بعض ضروب هذه الجينات بالذات ارتباطا بغيرها من الخَلات أو الاضطرابات، مما يشير إلى أن بعض المشكلات التي تتضمن السلوك والمزاج والإدمان لها مصادر متراكبة.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/1-2/scan0014.jpg

* حتى وقتنا الحاضر تتناقض البينات حول DRD2 والحاجة ماسة إلى المزيد من الدراسات للتأكد من دور الجينة في إدمان الكحول أو النيكوتين.

 

إن ما تم تعرفه حتى يومنا هذا من الإسهامات الجينية في الإدمان تؤثر في مختلف جوانب الفيزيولوجيا البشرية، بدءا باستقلاب الكحول ومرورا بالفعالية الدماغية والإحساس بالطعم وذلك كما مر معنا في الأمثلة التي سقناها. ويعتبر تأثير كل جينة على حدة ضئيلا، إذ من المحتمل أن يزيد من المعدل الوسطي للخطر بمقدار 20 إلى 40 في المئة، فيما تسهم الجينات  الأخرى التي لم يتم تعرفها بعد في  الاستعداد للإصابة بإدمان الكحول.

 

ومن الاختبارات المهمة للتأكد من المكتشفات المتعلقة بالجينات وتمحيصها معرفة كيفية تأثير هذه المكتشفات في الناس في باكورة حياتهم وحتى قبل أن يبدؤوا بتعاطي شرب الكحول بشراهة، ومعرفة ما إذا كان بإمكان ضروب الجينات أن تتنبأ بإدمان الكحول لاحقا. وقد أضافت الدراسة COGA مثل هذا الجانب الاستشرافي على الدراسة لمتابعة الشباب لدى الأسر الأكثر عرضة لخطر إدمان الكحول. وقد أظهرت النتائج الأولية للمراهقين أن الضروب الخطرة من الجينة ADH تترافق فعليا مع شرب الكحول مبكرا، ومن ثم مع تطور مشكلات إدمان الكحول. إلاّ أن حاملي الضروب الخطرة CHRM3 لديهم استعداد أكثر من غيرهم للإصابة المبكرة بأعراض الاكتئاب أكثر من الإصابة بمشكلات إدمان الكحول عندما يكونون مراهقين. أما صغار الشباب الذين يحملون الضرب الخطر للجينة GABRA2، فتظهر لديهم مشكلات في تصرفاتهم، مثل المتاعب مع الشرطة والعراك والطرد من المدرسة، قبل إدمانهم المبكر للكحول. أما في صغار البالغين، فإن الضروب الخطرة من جينة المستقبل GABA، تترافق بالفعل مع إدمان الكحول.

 

وتعزز هذه الاكتشافات مقولة إن هناك ثلاثة سُبُل مختلفة لإدمان الكحول إلى جانب سُبُل فيزيولوجية مختلفة ضمنها. وقد تسهم الضروب الخطرة للجينة ADH في تطور إدمان الكحول بشكل مباشر بتعزيز شربه بشراهة، فيما تؤهب ضروب الجينة GABRA2 الفرد للوقوع في مشكلات سلوكية تمثل بحد ذاتها عوامل خطر إدمان الكحول. وفي الوقت نفسه، فإن ضروب الجينة CHRM2 قد تفعل فعلها لجعل إدمان الكحول أمرا واقعا من خلال الاكتئاب أو الأعراض الاستبطانية الأخرى.

 

ومع ارتباط المزيد من الجينات بتطور إدمان الكحول، فستستخدم هذه المعارف المستجدة في تحسين أدوات قياس مدى استعداد الأفراد للوقوع في شرك إدمان الكحول، وتعرف من لديه اضطرابات كحولية ممن قد يبدون استجابة أفضل للمعالجات النوعية. ومن الشائع أن يأخذ الأطباء بعين الاعتبار المرتسم الجيني للفرد إلى جانب عوامل الخطر الأُسَرية والبيئية الأخرى، وذلك عندما يجمعون بين الأدوية والوصفات السلوكية في الحالات المعقدة، مثل ارتفاع ضغط الدم والسرطان والاضطراب الانفعالي الثنائي القطب(16). والأطباء السريريون هم الآن في أبكر المراحل لاستخدام ضروب الجينات لرسم ملامح القرارات التي يتخذونها لمعالجة إدمان الكحول، ونحن نتوقع أن نمتلك في المستقبل دلائل إرشادية جزيئية تساعدنا على إعداد مثل هذه الاستراتيجيات التي تأخذ بحسبانها سمات كل فرد على حدة.

 

والاكتشافات الجينية الحديثة المتعلقة بإدمان الكحول قد تطرح أيضا اقتراحات حول طرق تحسين الوقاية من التدخين ومعالجته ومن الأشكال الأخرى من الإدمان التي تشيع مشاهدتها بين الناس الذين يعانون مشكلات إدمان الكحول التي تنحو للتجمع في أسرهم. كما تندرج أيضا اضطرابات المزاج والقلق ضمن هذه الفئة، والارتباط بين ضروب الجينة CHRM2 وإدمان الكحول والاكتئاب يوضح كيف يمكن لهذه المشكلات أن تنبع من مصدر مشترك واحد. ومن ثم فإن فهم إدمان الكحول ينبغي أن يساعد على تعرف تفصيلي للعوامل التي تسهم في تطور الحالات ذات الصلة.

 

ومع ذلك، لم تكن الجينية genetic يوما ما قدرا محتوما. فالجينات قد تتفاعل مع بيئات معينة للإدمان مثل الإسراف أوالإهمال، لتؤدي إلى مشكلات لدى بعض الذين يحملونها، ولكن ليس مع غيرهم؛ ثم إذا كان نصف خط إدمان الكحول قابلا للتوريث فإن النصف الآخر لابد أن يأتي من مصدر آخر، وما من أحد يمكنه أن يصبح مدمن كحول من دون أن يتخذ بعض الخيارات السيئة، إلاّ أن من الواضح أن بعض الناس أكثر حساسية للكحول من غيرهم من المتعرضين للظروف نفسها، ويعمل العلماء على تعرف مصادر هذا الاستعداد للوقوع في شرك إدمان الكحول.

 

ويحاجُّ الناقدون في أن الأبحاث الجينية حول إدمان الكحول وحول الأشكال الأخرى من الإدمان، والتي يندرج التدخين ضمنها، ليست تكلفة ذات عائد(17) من وجهة نظر الصحة العمومية. ومن الأمثلة على ذلك أن بعض الناقدين يدعي أن الأمر الأكثر منطقية هو توجيه الموارد نحو الحدّ من استخدام المواد التي بإمكانها إحداث الإدمان على نطاق واسع بدلا من تعرف الأفراد ـ مع احتمال تعريضهم لوصمة اجتماعية ـ الذين سيكونون الأكثر تأثرا بمثل هذا التخفيض. ومما لاشك فيه أن تقليص تعاطي الكحول والنيكوتين وغير ذلك من المواد التي تغيِّر المزاج، سيعود بالفائدة العميمة. إلا أن هناك فائدة أيضا في دعم المعرفة الذاتية الخاصة بكل فرد وذلك فيما يتعلق بقابليته لهذا التعاطي، مما يمكِّن الناس من أن تكون خياراتهم في هذا الشأن مبنية على معرفة ذاتية، ويسهم أيضا في رسم ملامح ثقافة تعتبر ذلك من الأهداف الإيجابية.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/1-2/27.jpg

لقد سبق أن قدم الاختبار الجيني فرصا للتقييم الذاتي لم تكن ممكنة من قبل، وسيزداد الطلب على المرتسمات الجينية في السنوات القادمة. ويمكن استخدام صفيفات ميكروية(18)، غالبا ما تسمى شيپات جينية(19)، لكشف الضروب الجينية لدى الفرد وكذلك لكشف التفاوتات في الفعالية الجينية وإنتاج سلسلة من التوصيات الطبية والنفسية والسلوكية التي يمكن للفرد أن يأخذ بها أو يتركها عندما يرغب، ذكرا كان أو أنثى. وهذا الاستخدام للمعارف العلمية أمر محتم، ولاسيما في الأمم الحرة ذات الاقتصادات الرأسمالية، لأنها تكون موجهة بمتطلبات السوق وبالمنافسة. ومن هنا كان على الجماعات العلمية والأكاديمية أن تقدم المساعدة على توجيه هذه العملية بتمييز الروابط الفيزيولوجية الحقيقية من الادعاءات الكاذبة وبتشجيع استخدامات مسؤولة اجتماعيا لهذه المكتشفات.

 

لقد بدأ النشر الإعلامي المعمَّم على نطاق واسع لأخطار التدخين بتقريرٍ نشره كبير الأطباء في عام 1964، وقد أدى تجميع المعلومات الطبية في هذا الشأن مع الضغط الاجتماعي إلى تخفيض معدل انتشار التدخين في العقود التالية. وقد تؤدي توعية الأفراد بالأخطار الطبية الجينية الفردية إلى تغيير خيارات الفرد. وقد لا تُلاحظ سريعا التأثيرات الصحية والاجتماعية الواسعة النطاق لهذا النمط من المعلومات، ولكنها قد تصبح عميقة تماما مع تقدم الزمن.

 

 المؤلفان

John I. Nurnberger, Jr. – Laura Jean Bierut

 

 اختصاصيان في الجينية النفسية ويتعاونان في أغلب الأحيان لدراسة التأثيرات الجينية في أشكال كثيرة من إدمان المواد والأمراض النفسية، مثل الاكتئاب والاضطراب الثنائي القطب.

 

<نورنبرگر> أستاذ في الطب النفسي بكلية الطب في جامعة إنديانا، وهو أيضا مدير معهد أبحاث الطب النفسي في إنديانا.

 

 أما <بيرت> فهي أستاذة مساعدة في الطب النفسي بجامعة واشنطن في سنت لويس، وهي مثل <نورنبرگر> أحد الباحثين في الدراسة التعاونية حول الأسس الجينية لإدمان الكحول (COGA).

 

وكلا المؤلفين يعربان عن امتنانهما للراحليْن <H. بيگلايتر> و<Th.رايش> اللذين كانا يشغلان منصبي الرئيس ونائب الرئيس في الدراسة التعاونية حول الأسس الجينية لإدمان الكحول COGA منذ انطلاقها، ويقولان: «نحن مدينان لقيادتهما ولرعايتهما للدراسة COGA.»

 

  مراجع للاستزادة 

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/1-2/q03.jpg

(*) SEEKING THE CONNECTIONS: ALCOHOLISM AND OUR GENES

(**) Overview/ Seeking Alcoholism Genes

(***) Clues in Human Variations

(****) Family Ties

(*****) FINDING LINKS THROUGH FAMILIES

(******) SIGNATURES IN THE BRAIN

(*******) Insight, Not Desting

(********) RISKY GENES

(1) heritability

(2) genetic component

(3) withdrawal reactions

(4) traits سجايا.

(5) heritable

(6) low response

(7) microsatellite marker

(8) encode

(9) docking

(10) modulate

(11) beta frequency

(12) mediate

(13) cholinergic neurons

(14) delta and theta

(15) taste perception

(16) bipolar affective disorder

(17) cost effective

(18) microarrays

(19) gene chips

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى