أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم الطبيعيةفيزياء

الباع الطويل لِلقانونِ الثاني

 

الباع الطويل لِلقانونِ الثاني(*)

تزخرُ الطبيعةُ بِأمثلةٍ عن ترتيب منبثق من شواش chaos،
وكأنها بذلك تتحدى القانون الثاني للدينامية الحرارية (أو الترموديناميك).
وثمة إطار نظري جديد يحلّ هذه المفارقة الظاهرية.

<روبي.M.J >

 

 

مفاهيم مفتاحية


لا يمكنُ تجنب التبديد waste. هذه الحقيقةُ القاتمةُ من حقائق الحياةِ يحددها القانونِ الثاني الشهير للدينامية الحرارية تحديدا كميّا. لكن إذا كان الكون يسعى بِاطرادٍ إلى مزيدٍ من الفوضى disorder فكيف تُفَسرُ ظواهرُ الانتظام الذاتي التي  غالبا ما تحدثُ في الطبيعة؟ هذه المشكلةُ مصدرُها حقيقةُ أن الدينامية الحرارية التقليدية تفترضُ أن المنظومات في حالةِ توازن، وهي حالةُ هدوء يندرُ الوصولُ إليها بالفعل في العَالمِ الواقعي.

هنالك مقاربة جديدة تغلقُ هذه الفجوةَ وتجد أن القانونَ الثاني يسري تطبيقُه على حالات بعيدة عن التوازن. لكن التحول من الانتظامِ إلى الفوضى قد يكون غير مطرد ومُفسِحا المجالَ لظهورِ جيوبٍ ذاتيةِ الانتظام.


محررو ساينتفيك أمريكان

 

قدّمَ العِلمُ إلى البشريةِ أكثرَ من نصيبِها من خيبات الظن، إذ إنه وضعَ حدودا لتقانتنا، مثل استحالةِ بلوغِ سرعة الضوء؛ وأخفق في التغلبِ على تعرضِنا للسرطان ولأمراض أُخرى؛ كما أنه جعلنا نواجه حقائق غير ملائمة، مثل التغير المناخي العالمي. لكن من بين تلك الخيبات ربما يكونُ القانونُ الثاني للدينامية الحرارية أكبرَها، إذ إنه ينص على أننا نعيشُ في عالم يصبح دائما أكثر فوضى ولا يوجد ثمة ما يمكنُنا عمله بهذا الشأن. ويؤدي مجرد العيش في هذا العالم إلى ترد له لا مفر منه. ومهما بلغتْ آلاتُنا من التطورِ، فلا يمكنُها مطلقا التجنبَ الكاملَ لِهدرِ بعض الطاقةِ، مما يؤولُ بها أخيرا إلى التوقف. ولم يُسْقِط القانونُ الثاني فقط ذلك الحلمَ لإنشاءِ آلةٍ دائمة الحركةِ(1) ، بل إنه يوحي أيضا إلى أن الكونَ سوف يستنفِد على المدى البعيدِ طاقتَه المتوافرةَ فيتداعى منهارا إلى ركودٍ أبديٍ يُسمى الموت الحراري.

ومن عجائب القدر أن تاريخ عِلم الدينامية الحرارية، الذي لا يشكِّلُ القانونُ الثاني سوى جزء منه، يعود إلى حقبةِ التفاؤلِ التقاني، أي إلى أواسط القرنِ التاسع عشر، حين كانت المحركات البخاريةُ تُحَوِّلُ العالَمَ وكان فيزيائيون من أمثالِ <R.كلاوزيوس> و <S.N.كارنوت> و<J.جول> و<L.كلفن> يطوِّرونَ نظريةً لِلطاقةِ والحرارةِ هدفُها فهمُ كيفيةِ عملِ تلك المحركات، وما الذي يحد من كفاءتها. ونشأ عن تلك البداياتِ الأساسية المهمة عِلمُ الدينامية الحرارية كأحدِ أهم فروعِ الفيزياءِ والهندسة. إنه نظرية عامة للصفاتِ الجماعيةِ لِلمنظوماتِ المعقَّدةِ، وليس المحركات البخاريةِ فقط وإنما أيضا المستعمرات الجرثومية والذاكرة الحاسوبية وحتى الثقوب السوداء الموجودة في الكون. وفي العمق تتشابه جميعُ هذه المنظومات فيما بينها ويؤولُ كلٌ منها إلى الركودِ طبقا لِلقانونِ الثاني.

ولكن على الرغم من نجاح القانونِ الثاني تجريبيا، فإنه غالبا ما يبدو متناقضا؛ إذ يَظهرُ أن الادعاءَ بأن المنظومات تنحو بِاطرادٍ إلى الركودِ قولٌ يخالفُ شواهدَ متعددةً في الطبيعةِ، إذ ليس فيها حالاتُ اختلال نظام واضمحلاله فقط، بل فيها أيضا حالات تنظيم ذاتي ونمو. إضافة إلى هذا، هنالك في الاشتقاقِ الأصليِ لِلقانونِ الثاني مواطنُ ضعفٍ خطيرة من الناحيةِ النظرية. وبِعبارةٍ أكثر اعتدالا، كان ينبغي ألا يُطبقَ القانونُ على المدى الواسعِ الذي يُطبقُ عليه الآن.

كان كثيرٌ من العلماءِ من مؤسسي عِلمِ الدينامية الحرارية واعين إلى نقاطِ الضعفِ تلك وسعوا إلى صياغةِ نظريةٍ أكثرَ اكتمالا، وهي مهمة تصدى لها في القرنِ العشرينِ كلٌ من <L.أونساگر> و <I.پريگوگين> و <S.دي گروت> و<P.مازور> وغيرُهم. ومع ذلك فلم تكن حتى لمقاربتهم الأكثر تطورا سوى إمكاناتٍ تطبيقيةٍ محدودة. وقد أنجزتُ مؤخرا مع زملائي بعض التقدمِ في ترسيخِ أُسسِ عِلمِ الدينامية الحرارية وتوسيعِ مدى تطبيقاتِه إلى مجالات جديدة. وأثبتنا أن القانون الثاني عام، ولكننا وجدنا أيضا أنه ليس قاتما كما تدل السمعةُ التي اشتهرَ بها.

 

بعيدا عن التوازن(**)

 

علمُ الدينامية الحرارية واحدٌ من أكثر فروعِ الفيزياءِ التي يُساءُ فهمُها إلى حدٍ بعيد؛ إذ يستعملُ الناسُ العاديون والعلميون على حدٍ سواء مفاهيمَ، مثل درجةِ الحرارةِ والضغطِ والطاقةِ، من دون إلمامٍ بِمعانيها البالغة الدقة والرهافة. لكن أولئك مِنّا الذين سَبَروا غَوْرَ أعماق النظريةِ واعون بِحدةٍ إلى الحاجةِ إلى الحذر. فموطن الضعف Achilles’ heel في الدينامية الحرارية هي أنها لا تطبق إلا عندما تكون المنظومة، موضوع الدراسةِ في حالة هادئة تُسمى توازناequilibrium. تتوقفُ في هذه الحالةِ عوامل المنظومة مثلُ الكتلةِ والطاقةِ والشكلِ، عن التغيرِ. فمثلا عند وَضْعِ جسمين متباينين في درجتَيْ حرارتيهما جنبا إلى جنبٍ تنسابُ الحرارةُ من الجسمِ الأعلى حرارة إلى الجسم الأخفض حرارةً. ويتوقفُ الانسيابُ حين يصلُ الجسمان إلى درجةِ الحرارةِ نفسِها، أي عندما يغدوان في توازن حراري. وبدءا من هذه اللحظةِ لا يحدثُ أيُ تغير.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/5-6/029.gif

 

 

ويُشَكِّلُ وَضْع جليد في كأسٍ من الماءِ مثالا شائعا. يذوبُ الجليد ويصلُ الماءُ في الكأس إلى درجة حرارةٍ منخفضة منتظمةٍ. لكن إذا زَوَّمنا(2) إلى المستوى الجزيئي، وجدنا نشاطا محموما لِلجزيئاتِ في حركاتٍ مسعورةٍ ومتصادمة بعضُها ببعضٍ بلا انقطاع. أما في حالةِ التوازن، فينظم النشاطُ الجزيئي نفسَه مبقيا المنظومة إحصائيا في سكون. فإذا ازدادتْ سرعةُ بعض الجزيئاتِ تباطأت الأخرى، بحيث يبقى التوزعُ الشاملُ لِلسرعات على حاله. وما درجةُ الحرارةِ إلا وصفٌ لهذا التوزعِ. وفي الحقيقةِ لا يكتسبُ مفهومُ درجةِ الحرارةِ معنى إلا في حالةِ توازن المنظومة أو في حالةٍ قريبةٍ منها بما يكفي.

إذن، لا تتعامل الدينامية الحرارية إلا مع حالات سكونٍ لا يقوم الزمنُ بأي دورٍ فيها. لكن في الواقع، طبعا، لا تبقى الطبيعة ساكنةً أبدا والزمنُ عاملٌ في غايةِ الأهمية، إذ إن كل شيءٍ في حالة تغَيرٍ دائم. ربما تأتي حقيقةُ اقتصارِ الدينامية الحرارية التقليدية على حالات التوازن مفاجأة، إذ يطبقُ طلبةُ صفوفِ الفيزياءِ التمهيديةِ الدينامية الحرارية على منظومات ديناميةٍ، مثل مُحرِّكاتِ السيارةِ لِحسابِ مقادير كالكفاءة. لكن هذه التطبيقات مبنيةٌ على افتراضٍ ضمنيٍ يفيد أن بالإمكانِ تقريبَ سيرورةٍ ديناميةٍ بِواسطةِ تتابع مثالي لحالات توازن. وبِعبارةٍ أُخرى نتصورُ أن المنظومة دائما في حالةِ توازن، مع أن التوازن يتغير من لحظةٍ إلى أُخرى. نتيجة لهذا فالكفاءةُ المحسوبةُ ما هي إلا حدٌّ أعلى فقط. وبما أن المحرِّكات تعملُ في ظروفٍ لاتوازنية، فتكونُ الكفاءةُ المحسوبةُ أخفض إلى حدٍ ما.

يصفُ القانونُ الثاني كيف يمكنُ لِتتابعٍ من حالاتٍ توازنية أن يكونَ لاعكوساirreversible، بحيث لا تستطيعُ المنظومة العودةَ إلى حالتِها الأصليةِ من دون دفعِ ضريبةٍ من محيطِها. على سبيلِ المثال، لا يمكنُ لِمكعبِ جليد قد ذاب العودة تلقائيا لِيتشكلَ جليدا من جديدٍ، إنما عليك دفع ثمنٍ بِالطاقةِ وذلك بِوضعِه في المجمِّدة. ولُجعل هذه اللاعكوسية مقدارا كميّا يدخل القانونُ الثاني كميةً أساسية هي الإنتروپية entropy. والتعريفُ الشائعُ للإنتروپية هو درجةُ الفوضى في المنظومة، لكن هذا الوصفَ ـ كما سأُبيّنُ بعد قليلٍ ـ ربما يكون مضللا. والإنتروپية كميّا هي مقدار الحرارةِ المتبادلةِ في سيرورةٍ مقسوما على درجةِ الحرارة. وتبقى الإنتروپية في منظومة معزولة ثابتة أو متزايدة.

 

فعلى سبيل المثال، يعملُ محركٌ نموذجي بِتسخيرِ سريان الحرارةِ من خزانٍ حارٍ إلى آخر بارد، وهما كتلتان كبيرتان خارجَ أجهزةِ المحرك. إذا حافظ الخزانان على درجة حرارة ثابتة وإذا كانت أجزاءُ المحركِ عديمةَ الاحتكاكِ، فإن المحرك يتحرك خلالَ دورتِه بِطريقةٍ كاملةِ العكوسيةِ وتبقى الإنتروپية الكلية ثابتة. أما في محركٍ حقيقيٍ فلا تنطبقُ هذه الظروفُ المثاليةُ. وبناءً عليه، تكونُ الدورةُ لاعكوسة وتتزايد الإنتروپية الكلية. وفي نهايةِ الأمرِ، ينفد ما لدى المحركِ من طاقةٍ متاحةٍ فتتوقفُ الحرارةُ عن الانسيابِ وتصلُ الإنتروپية إلى قيمةٍ عظمى. وفي هذه اللحظةِ يغدو الخزانان والمحركُ في حالة توازن فيما بينهما ويبقيان هكذا بدءا من تلك اللحظةِ من دون تغيّر.

 

 

[حيث تخفق الدينامية الحرارية]

تحذير: المحتويات ربما تكونُ حارةً وباردةً في آنٍ واحد(***)


تبدو درجة الحرارةِ وكأنها مفهوم بسيط وعام. تكونُ الأشياءُ إما حارةً أو باردةً لكن لِكلٍ منها دائما درجةَ حرارة. أليس كذلك؟ ليس تماما، إذ من الممكنِ فقط تعيينُ درجةِ حرارة لمنظومات (مثل الجزيئاتِ في كأسٍ من الماء) هي في حالةِ استقرار تُسمى توازنا أو في حالةٍ قريبةٍ منه. وكلما ابتعدت المنظومات عن التوازن، أصبح مفهومُ درجةِ الحرارةِ بالتدريج أكثرَ التباسا.

حالةُ لاتوازن شديد


إذا رفعت درجة الحرارة بشدة لا تبقى الطبقات الفرادى حتى في توازن تقريبي، بل تغدو الجزيئاتُ خلطيا عشوائيا لا يعود ينطبقُ عليها مفهومُ درجةِ الحرارة. وينبغي لوصف المنظومة إدخالُ مجموعة من متغيراتٍ جديدةٍ. وينبغي، في أكثر الحالاتِ تطرفا، تعيين سرع الجزيئات واحدا واحدا. وهذه الحالة تتطلب نظرية جديدة.

حالةُ لاتوازن معتدل


يختل التوازن بتسخين الماء من الأسفل. وإذا كان التسخين معتدلا فتبقى الطبقات فرادى في حالة توازن تقريبي تسمى توازنا محليا. ويمكنُ وصفُ حالة الماءِ بقِيَمِ درجة حرارة متزايدة من الأسفل إلى الأعلى. وهنا تطبق الدينامية الحرارية اللاتوازنية التي أوجدت في القرنِ العشرين.

حالةُ توازن


كأسٌ من الماءِ متروكة وشأنها تصل درجة حرارتها إلى درجة حرارة الغرفة. تتصادمُ جزيئاتُُ الماء الواحدةِ بالأُُخرى معيدةً توزيعَ طاقاتِها، بحيث يبقى النمطُ الشاملُ لسرعاتها مستقرا. ومع أن الكأس تحوي بلايين البلايين من الجزيئات، فإنها تتخذُ عددا واحدا فقط لوصف هذا النمط ألا وهو درجةُ الحرارة. هنا تطبق الدينامية الحرارية.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/5-6/Untitled-1%20copy.gif
 

السّرع الجزيئية
تُعَرِّفُ بعضُ الكتبِ المدرسيةِ درجةََ الحرارةِ على أنها السرعة الوسطية العشوائية لِلجزيئاتِ. في الحقيقةِ، إن درجة الحرارةِ هي القياسُ لِنمطٍ كاملٍٍ من السرَع. عند الابتعادِ المعتدلِ عن التوازن ينزاح هذا النمطُ قليلا. لكنه عند الابتعاد الشديد يتشوه تماما جاعلا مفهوم درجةِ الحرارةِ غير ذي معنى.

 

 


القانونُ الثاني

القانونُ الثاني أشهرُ القوانين الأربعة للدينامية الحرارية التي تتناولُ دراسةَ الحرارة والطاقة. ففي حين أن القانون الأول ينصُّ على أنه لا يمكنُك الحصول على شيءٍ مجانا، ينصُّ القانونُ الثاني على أنه لا يمكنك حتى الحصول على شيءٍ مقابل شيء، إذ تفقدُ جميعُ السيروراتِ تقريبا بعضَ الطاقةِ على شكلِ حرارةٍ، ولذلك لكي تحصلَ على شيءٍ ما عليك إعطاء شيء أكثر. تكونُ أمثالُ هذه السيروراتِ لاعكوسة، إذ يقتضي إبطالها دفعَ ضريبة بِالطاقة.
ونتيجةًَ لذلك:


تكونُ المحركات بِطبيعتِها محدودةً في كفاءتِها الطاقية.


تميلُ المضخاتُ الحرارية إلى أن تكونَ أكثر كفاءةً من الأفران، لأنها تُحَرِّك الحرارةَ بدلا من أن تُوَلدها.


يكونُ محوُ ذاكرةِ حاسوبٍ فعلا لاعكوسا، ولذلك فهو ينتجُ حرارة.

 

 

إن حقيقةَ أن الدينامية الحرارية التقليدية تفترض حالات توازنية تحد من مدى القابليةِ التطبيقيةِ لِلقانونِ الثاني، بل ولا يمكنُ حتى تعريف مفهومي الإنتروپية ودرجةِ الحرارةِ إلا إذا كانت المنظومة في حالةِ توازن. ولا يمكنُ ـ فوق ذلك ـ بالنسبةِ إلى كثيرٍ من المنظومات أن تُنَمْذَجَ(3) كآلةٍ حراريةٍ. والكونُ أحدُها: إذا كان الفضاءُ(4) في تَوَسعٍ، فالإنتروپية يمكنُ أن تتزايدَ بلا حدود، بحيث يقتربُ الكونُ من حالةِ التوازن لكنه لن يصلَ إليها إطلاقا [انظر: «الأصولُ الكوسمولوجية (الكونية) لسهم الزمن»،مجلة العلوم ، العددان1/2 (2009) ، ص4]. وما هو مشترك في هذه المنظومات هو أنها ليست في حالةِ توازن ولا هي قريبة منها.

 

انتظامُ من شواش(****)

 

تسلكُ المنظومات اللاتوازنية بعضَ الطرقِ الآسرةِ التي لا تحيط بها النظريةُ التقليديةُ للدينامية الحرارية التي تُعطي فكرةً خاطئةً عن أن الطبيعةَ ميالةٌ إلى أن تغدوَ باطرادٍ أكثرَ فوضى. دعنا نأخذُ مثالا: تأملْ جهازا مألوفا لمحمِّصَةٍ كهربائية، يسخن السلكُ الداخلي لأن مادتَه مقاومة لِجريانِ التيارِ الكهربائي. ينص القانونُ الثاني على لاعكوسيةِ هذه العملية؛ إذ لا يمكنُ استعمالُ مُحَمِّصَة في إعادةِ قطعةِ خبزٍ مُحَمصَةٍ إلى ما كانت عليه وبذلك يتولد تيارٌ كهربائي.

ومع ذلك تستطيعُ القيامَ بشيءٍ مشابه، إذ يمكنك أن تفرضَ فرقَ درجة حرارةٍ(5) على طرفَيْ سلكِ المُحَمِّصةِ، وبذلك يُضمنُ بقاءُ المنظومة خارجَ التوازن. في الحقيقةِ ستولدُ كهرباء عندئذ. ويُشَكلُ هذا الانعكاسُ الأساسَ لِجهازِ المزدوجة الحرارية(6)، وهو جهازٌ يُستعملُ في قياسِ درجةِ الحرارةِ أو في توليد كهرباء.

هنالك ظاهرةٌ ذات صلة بذلك هي التناضحُ العكسي reverse osmosis لإزالةِ الملحِ من مياهِ البحر. ففي التناضحِ الاعتيادي يُحْدِثُ الفرقُ في تركيزِ الملحِ عبر غشاءٍ فرقا في الضغط، مما يضمنُ تدفقَ الماءِ إلى الجهةِ الأكثر ملوحةً ويخففُ من تركيزِه. ولذلك تقتربُ المنظومة من التوازن. أما في التناضحِ العكسي فيُستعملُ ضغطٌ خارجي في اِلحفاظِ على إبقاءِ المنظومة خارجَ التوازن، مما يُجبِرُ الماءَ على التدفقِ إلى الجهةِ الأقلّ ملوحةً فيصبحَ صالحا لِلشرب.

المُحَمِّصَةُ والمزدوجة الحرارية وكذلك التناضحان الأمامي والعكسي هي صور متقابلة مرآتيا لِسيرورات مرتبطةٍ معا بما يُسمى علاقة تبادلية reciprocityrelation. نال <أونساگر> لِصياغتِه إياها جائزةَ نوبل في الكيمياءِ سنةَ 1968. يُظْهرُ التناظرُ بين هذه السيروراتِ عكوسية القوانين المتحكمةِ في حركةِ جسيماتِ المنظومة. تنطبقُ هذه القوانينُ على الماضي والمستقبل على حدٍ سواء. أما اللاعكوسية التي نلاحظها على المستوى الماكروي (الجاهري)(7)، فتظهرُ فقط عندما ندرسُ الجسيمات بِالجملة.

إن اكتشاف العلاقةِ التبادليةِ غَيَّرَ الكيفيةَ التي يفكرُ بها الفيزيائيون حولَ التوازن، إذ كانوا يعدّونه الحالةَ ذات الانتظام الأعلى. لكن المنظومةَ ككلٍ قد تتمتعُ بالهدوء والتناظرِ والتنظيمِ، على الرغم من أن الجزيئاتِ قد تكونُ في أقصى درجاتِ الفوضى. هذا من جهةٍ، ومن جهةٍ أُخرى تزودُنا العلاقةُ التبادليةُ بِأمثلةٍ على إمكانيةِ وجودِ منظوماتٍ لاتوازنية لكنها عاليةُ التنظيمِ، إذ يمكنُ نشوء انتظاماتٍ وتناظراتٍ وجزر من الهدوء في حالات بعيدةٍ عن التوازن.


التطبيقات

يعملُ كثيرٌ من السيروراتِ الفيزيائيةِ والبيوكيميائية المهمةِ في حالاتٍ بعيدة عن التوازن، حيث لا تجرؤ النظرية العادية للدينامية الحرارية على الولوج فيها. وقد عالج المؤلفُ وزملاؤه هذه النواقص.

التحكم في المنظومات الميكروية بواسطة الموائع. تكون الموائعُ التي تجري خلالَ قنواتٍ ميكروية عرضةً لِتأثيراتٍ تُعتبرُ مهملةً في قنواتٍ أكبر، مثل انتثار الجزيئات. غالبا ما تكونُ المعادلاتُ القياسية الواصفةُ سلوكَ الموائع عسيرةَ المعالجة. لكن النظرية اللاتوازنية الجديدةِ للدينامية الحرارية تلتف حول هذه التعقيداتِ وتمكِّنُ من حساب الصفاتِ الأساسيةِ للجريانِ بِسهولة.
……………………………………………………………

التفاعلاتُ الكيميائية. تتسمُ التفاعلاتُ الكيميائيةُ وسيروراتٌ أخرى كالتبلورِ مثلا بِاللاخطيةِ non-linear في صميمِها: وهي  تحدث فقط عندما تتجاوزُ الطاقةُ عتبةً معينة. وتغدو حتى أكثر تعقيدا عندما تجري في وسطٍ كثافته وخواصه الأخرى متغيرة. ومع ذلك تتمكنُ النظرية اللاتوازنية من التنبؤِ بمعدلات التفاعلات.
……………………………………………………………

طي الجزيئات ونشرها. تتراص خيوط الحموض الأمينية مكوّنة پروتيناتٍ ثلاثية الأبعادِ ذات شكلٍ يساعدُها على تعيينِ وظيفتها الحيوية. هذه السيرورةُ ذاتُ شهرةٍ بأنها مُساءٌ فهمُها. ومؤخرا نالتْ نظريةُ اللاتوازن بعضَ النجاحِ في المسألةِ المرتبطةِ بالكيفية التي تُنشر بها جزيئاتِ الرنا RNA.
……………………………………………………………

أغشيةُ الخلايا. تراوغُ الجزيئاتُ في طريقِها كي تتسللَ خلالَ أغشيةِ الخلايا مستعينةً بِتدابير بيولوجيةٍ غريبة متنوعةٍ، مثلَ القنوات الأيونية والپروتينات التي تعملُ عملَ سقَّاطات. بَيْدَ أن سرعةَ أداءِ هذه السيرورةِ طالما حيَّرت النظريين. وتُبيِّنُ نظريةُ اللاتوازن أن ميزات ـ مثل الابتعاد الكبير والمستديم عن التوازن، إضافةِ إلى اللاخطية وترجحات الكثافة ـ والتي كان يُنظرُ إليها سابقا على أنها تعقيدات هي في الواقعِ العواملُ التي تُمَكِّنُ إحداثَ السيرورة.

 

 

مثالٌ تقليديٌ آخر: طبقةُ مائعٍ رقيقٍ تُسخّنُ من الأسفل. وبجريان الحرارةِ من الأسفلِ إلى الأعلى يتكونُ عَبْرَ الطبقةِ تدرّج gradient حراري. ويمكنُ بِزيادةِ التدرج إحداثُ مزيدٍ من الابتعاد عن التوازن. يبقى المائعُ محافظا على سكونِه عندما يكونُ التدرج معتدلا. لكن المائعَ يبدأ بِالتحركِ عند تدرجات أكبر. وتكون حركةُ الحَمل(8) منتظمةً وبعيدةً عن الشواشية. وتتشكلُ خلايا سداسيةٌ صغيرةٌ وكأنما يصبحُ المائعُ بلورةً. وبالنسبةِ إلى تدرجات أكبر تغدو حركة المائعِ دوامية مضطربة. توضِّحُ هذه الظاهرةُ ـ المسماةُ مسألةَ بينارد ـ أن النظام يتدرج إلى شواش، ثم يعود إلى نظام أثناء ابتعاد المنظومة عن التوازن.

وفي مثال آخر يبدأ المجرب بمائعٍ في حالةِ سكون. والمائعُ متناحٍ isotropic، أي له الصفاتُ نفسُها في جميع الاتجاهات. يُرْغِمُ المجربُ المائعَ على المرورِ بِسرعةٍ معينةٍ من خلال مُشَبّكٍ معدني. ومع أن المائع يصبحُ مضطربا بِاتجاهٍ واحدٍ هو اتجاهُ الجريان، فإن حركته ما زالت في اتجاه واحد؛ أي إن المائعَ لم يَعُدْ متناحيا. وحين يزيد المجرب سرعة المائعِ يزدادُ الاضطرابُ أيضا حتى يصبح أخيرا من الكِبَرِ، بحيث لا يعود المائعُ يجري بِاتجاهٍ واحد. عند هذه اللحظةِ يعودُ المائعُ متناحيا. بعبارةٍ أُخرى تَحَوّلَ المائعُ من متناح إلى لامتناح، ثم عادَ متناحيا ـ هذا نمط من التوالي من النظام إلى الفوضى ومن ثم العودة إلى النظام.

لا تحيط نظريةُ الدينامية الحرارية العادية بمثل هذه الظواهر وهي عجزٌ غدا في السنوات الأخيرة ضاغطا أكثرَ فأكثر، إذ اكتشفَ باحثون في البيولوجيا الجزيئيةِ وفي حقلِ التقانة النانويةِ الناشئ، تنوعا كبيرا من بُنى مرتبة ودائمة التغيرِ في منظوماتٍ فيزيائيةٍ وكيميائيةٍ وبيولوجيةٍ يتطلبُ تعليلها نظرية للدينامية الحرارية اللاتوازنية.

 

انهيار النظرية(*****)

 

بدأت جهودٌ سابقةٌ بتطويرِ نظريةٍ كهذه من مفهومِ حالاتِ التوازن المحليlocal equilibrium، إذ توجدُ منظوماتٌ ليست في توازن لكن أجزاءَ معينةً منها ربما تكونُ في توازن. على سبيلِ المثالِ، تَصَوّرْ عمليةَ مَزْج كوكتيل بواسطة قضيب من البلاستيك. يختل التوازن بِمجردِ تحريكِ القضيب، لكنك مع هذا إذا نظرتَ مليا يمكن أن توجدَ جيوبٌ صغيرةٌ من المائعِ محافظةً على تماسكِها الداخلي. وإذا لم تكن القوى المؤثرةُ في المنظومةِ كبيرة جدا فيمكنُ لِهذه المناطق الصغيرةِ الوصول إلى التوازن إذا لم يكن هناك تبدل كبير في صفاتِها على مسافاتٍ صغيرة. تسري مفاهيم مثل درجةِ الحرارةِ والإنتروپية على جزرِ التوازن هذه مع أن القيم العدديةَ لهذه المقادير يمكن أن تتباين من جزيرةٍ إلى أُخرى.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/5-6/027.gif

 

وعلى سبيلِ المثالِ عندما يُسَخّنُ قضيبٌ معدني من أحدِ طرفيه تنتقلُ الحرارةُ خلالَ القضيبِ نحو الطرفِ الآخر. يعملُ الفرقُ في درجة الحرارة بين الطرفين وكأنه قوةٌ تدفعُ جريان الحرارةِ، أو تدفقها، على امتدادِ القضيب. وتحدثُ ظاهرةٌ مماثلةٌ مع قطرةِ حبرٍ في الماء. الفرقُ في تركيزِ الحبرِ هو القوةُ الدافعةُ التي تجعلُ الحبرَ يغزو السائلَ المُضيفَ إلى أن يغدو لونا واحدا. هذه القوى خطيةlinear؛ أي يتناسبُ تدفق الحرارة مع فرقِ درجة الحرارةِ وكذلك يتناسب تدفق الجسيمات مع فرقِ التركيزِ، ويصح هذا التناسب حتى عندما تكونُ القوى المؤثرةُ في المنظومةِ شديدة، بل وحتى في كثيرٍ من الجريانات المضطربةِ تتناسبُ الإجهاداتُ الداخليةُ في المائعِ مع تدرجات السرع. وقد وضعَ<أونساگر> وغيره نظرية للدينامية الحرارية اللاتوازنية وبينوا أن القانون الثاني يبقى صحيحا.

لكن هذه النظريةَ ستنهارُ إذا لم تتحققْ تلك الشروط، فعندما يحدث تفاعلٌ كيميائي تتبدلُ مادةٌ إلى أُخرى بصورةٍ مفاجئةٍ ـ وهو تبدلٌ مفاجئ يوصفُ بِمعادلةٍ لاخطية. وهنالك نمطٌ آخر للإخفاقِ يقعُ عندما تكونُ المنظومةُ من الصّغَرِ، حيث إن الخليطَ الشواشي لِلحركاتِ الجزيئيةِ يفرضُ سلوكه ويُسَبِّبُ تغييرا كبيرا في صفاتِ المنظومةِ عَبْرَ مسافاتٍ قصيرة. تُهيمنُ تقلباتٌ مثلُ هذه على سيروراتٍ تحدثُ في منظومات صغيرةٍ، مثل تكاثف بخار الماءِ ونقل الأيونات خلالَ قناةٍ پروتينية في غشاءِ خلية. في هذه الأمثلةِ، يتوقفُ مفهوما درجة الحرارة والإنتروپية على كونهما مقدارين معرّفين جيدا. هل يقتضي إخفاقُ النظريةِ في هذه الأمثلةِ إخفاق القانونِ الثاني أيضا؟

في السنواتِ العديدةِ الماضيةِ وسّعْتُ مع <D.رگويرا> [من جامعةِ برشلونة] و<J.M.G.فيلار> [من معهدِ صلون كيترنگ] الدينامية الحرارية لِتشملَ تلك الحقول. وبيّنا أن كثيرا من المشكلات تتلاشى إذا غيرنا نظرتنا إليها(9)، إذ يعتمدُ إدراكُنا لِمفهومِ المفاجأةِ على المقياسِ المستعملِ في الزمنِ لِمراقبةِ تلك السيرورات. فإذا حللنا إحدى السيروراتِ الكيميائيةِ التي تبدو وكأنها آنية، فلن نرى تغييرا مفاجئا، بل تحولا تدريجيا وكأننا نراقبُ قطعةَ زبدة وهي تذوبُ تحت أشعةِ الشمس. فإذا نُظِرَ إلى السيرورةِ كتسلسلِ صورٍ من فِلمٍ سينمائي، فعندئذٍ لا تظهرُ التغييراتُ مفاجئة.

تكمنُ فكرةُ معالجتِنا في تَتَبّعِ المراحل الوسيطيةِ لِلتفاعلِ بِاستعمالِ مجموعةٍ جديدةٍ من المتغيراتٍ، إضافةً إلى تلك المستعملةِ في الدينامية الحرارية التقليدية. وضمن هذا الإطارِ الموسعِ تبقى المنظومةُ في توازن محليٍ دينامي حراري خلالَ السيرورةِ. وتُثْري المتغيراتُ الإضافيةُ سلوكَ المنظومة. فهي تُعَرِّفُ مشهدا لِطاقةٍ تتجول فيه المنظومةُ مثلما يتجول المرء في منطقة جبلية. تُقابِلُ الوديانُ هبوطا في الطاقةِ مُتَضَمّنا في بعضِ الأحيان شواشا جزيئيا وفي أحيان أُخرى انتظاما. ويمكنُ لِلمنظومةِ أن تستقر في أحدِ الوديانِ، ثم تركلها قوى خارجية إلى وادٍ آخر. وإذا كانت في قبضةِ الشواش، فيمكنُها أن تفلت منها لتجدَ الانتظام والعكسَ بِالعكس.

لِنتناولَ بعد هذا مسألةَ الترجّحات fluctuations. هل تخفق الدينامية الحرارية عندما تكونُ المنظومات مفرطةً في الصغر؟ يبينُ مثالٌ بسيطٌ أن الجوابَ هو النفي. إذا نُقِفَت(10) قطعةٌ من النقودِ عددا صغيرا من المراتِ فقط، فربما نحصل بِالمصادفة على توالٍ من وجهِ القطعة. أما إذا رميناها مراتٍ عديدةً، فإن النتيجة تقترب بصورة موثوق بها من المعدل. والطبيعة تقومُ غالبا بِما يشبه رمي قطع النقود. فعددٌ قليلٌ من جسيماتٍ تتحرك في وعاءٍ لا تتصادم إلا أحيانا قليلة ويمكنها الإبقاء على فروقِ سرعةٍ كبيرةٍ فيما بينها.

لكن حتى في منظومةٍ تبدو «صغيرة» يكون عددُ جسيماتِها غاية في الكبر، وعليه تتواترُ التصادماتُ فيما بينها بِكثرةٍ بالغةٍ وتنخفض سرعة الجسيمات إلى قيمة وسطية (مع ترجحات طفيفة). وعلى الرغم من وجودِ قليلٍ من الأحداث المعزولة التي يمكن أن تبدي سلوكا لا يمكن التنبؤ به، فإن الأغلبيةَ الساحقةَ منها تُبدي انتظاما معينا. ولذلك فإن مقادير كالكثافةِ تترجح لكنها تبقى قابلةً لِلتنبؤِ بها بِصورةٍ شاملة. ولهذا السببِ يستمرّ القانونُ الثاني بِالتحكمِ في عالمِ الصغائر.

 

 

[أسبابُ الحاجةِ إلى نظرية]

الانتظام من الفوضى(******)


على الرَغم من أن الجزيئاتِ في منظومةٍ خارج التوازن ربما تكونُ خليطا ميؤوسًا منه، فإنها من الممكن أن تصبح منتظمة بِأساليبَ أُخرى. وهي ظاهرةٌ تعجزُ عن تعليلِها الدينامية الحرارية التقليدية المبنية كما هي على التوازن، بَيْدَ أنه بِالإمكانِ تفسيرها من خلال نظرية اللاتوازن الحديثة الإنشاء.

ابتعاد متطرف


ومع ازدياد التسخينِ يصبحُ الشواش متساوي التوزعِ ويستعيدُ المائعُ تناحيَه المفقود.

ابتعاد شديد


ومع ازدياد التسخينِ ينهارُ ـ في نهاية المطافِ ـ نمطُ خلايا الحملِ الحراريِ إلى شواش مضطرب

ابتعاد متزايد


إذا غدا تدرج درجة الحرارة أكبرَ، فإن الماء يبدأ بالتقلبِ مُحدِثا نمطا منتظما من خلايا حملِ الحرارة.

ابتعاد معتدل


عند تسخينِ كأسِ ماءٍ من الأسفلِ يتكون تدرّج في درجة الحرارة. فإذا كان التدرج أضعفَ من التغلب على المقاومةِ اللزوجيةِ لِلحركةِ بقي المائعُ ساكنا.

توازن


تبدو كأسٌ من الماءِ غير المسخن وعند درجةِ حرارةِ الغرفةِ متماثلة في جميع الاتجاهات وهذا تناظرٌ يُدعى تناحي

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/5-6/026.gif

 

من الآلات البخارية إلى المحركات الجزيئية(*******)

 

كانت الآلة البخارية هي الملهم للتطور الأصلي للدينامية الحرارية. أما في هذه الأيامِ فالمحركات الجزيئية الدقيقة داخل الخلايا الحية هي التي تسوق الدينامية الحرارية. وعلى الرغم من البون المقياسي الشاسع يتشاركُ هذان النوعان من المحركات في وظيفةٍ عامةٍ هي تحويلُ الطاقةِ إلى حركةٍ. فمثلا تُزوِّدُ جزيئاتُ ثالث فوسفاتِ الأدنوسين (ATP) جزيئاتِ الميوزين في نسيجِ العضلاتِ بالوقود لِتتحرك على امتدادِ خيطِ الأكتين ساحبة أليافَ العضلةِ المربوطةِ بها. وهنالك مُحركاتٌ أُخرى تُزَوَّدُ بالقدرة إما بواسطة الضوءِ وإما بِالفروقِ في تركيزاتِ الپروتونات وإما بِفروق في درجات الحرارة(11). وتستطيعُ الطاقة الكيميائية دفعَ أيوناتٍ خلالَ قنواتٍ في غشاءِ خليةٍ من منطقةٍ منخفضة التركيزِ إلى أخرى عاليةِ التركيز ـ وهو اتجاهٌ معاكس بِالضبطِ لِلحركةِ عند غيابِ آليةِ نقلٍ فاعلة.

إن التشابه بين الآلات الكبيرةِ والصغيرةِ عميقٌ جدا. تؤثرُ ترجحات الطاقةِ الكيميائيةِ في محرِّك جزيئي بِالأُسلوبِ نفسِه الذي تُؤثرُ به تغيراتٌ عشوائيةٌ في كميةِ الوقودِ على مِكبسِ سيارة. ولذلك فإن بالإمكان نقل التقاليد السابقة في تطبيق الدينامية الحرارية على المحرِّكاتِ الكبيرةِ إلى تلك الصغيرة. ومع أن لدى الفيزيائيين أدوات رياضياتية أخرى لِتحليلِ منظوماتٍ كهذه، فإنها تتطلبُ حذرا وبراعةً في التطبيق. فمعادلاتُ جريان الموائع تتطلبُ من الباحثين تعيينا دقيقا لِلشروطِ الحدية(12) للمنظومة وهي مهمة هرقلية(13) شاقة جدا، خاصةً عندما تكونُ الحدود شديدة التعقيد؛ في حين توافر الدينامية الحرارية طريقةً حسابيةً مختصرةً أثمرت منذ الآن أفكارا ثاقبةً جديدة. وقد وجدتُ بِالتعاونِ مع زميليّ <S.كجلسترپ> و<D.بيدوكس>  [من الجامعةِ النرويجيةِ لِلعلومِ والتقانة] أن الحرارةَ تؤدي دورا في عملِ القنواتِ الأيونيةِ لم يُقَدَّرْ حق قدرِه.

وباختصارٍ، بَيَنتُ وزملائي أن نشوءَ انتظامٍ من فوضى أبعدُ من أن يكونَ مناقضا للقانون الثاني إنما بِالعكس يتلاءم تماما مع بنْيةٍ أوسعَ للدينامية الحرارية. ونحن نقفُ الآنَ تماما على عتبةِ استثمارِ هذا الفهم الجديدِ في تطبيقاتٍ عملية. وتبقى الآلات الدائمة الحركةِ مستحيلة. وسنظلُ نخسرُ في نهايةِ الأمرِ المعركةَ ضد التردي. لكن القانونَ الثاني لا يتعهدُ بترد مطردٍ، إذ إنه يتعايشُ بِسرورٍ تام مع التطور التلقائي لكلٍ من الانتظامِ والتَعَقّد.

 

المؤلف

  J. Miguel Rubi
 يصفُ دخولَه حقلَ الفيزياءِ بأنه كان تقريبا مصادفة. فَكاد، عندما كان طالبا، أن يَدْرُسَ اللغةَ اللاتينيةَ بدلا من الفيزياءِ لولا أن مُدَرِّسَ فيزياء مُلهِما، كما يقول، «فتحَ عينيّ على عالمِ فاتن زاخر بِالمبادئ والقوانين التي يمكنُها تفسير مشاهداتِنا بِصورةٍ مذهلة.» أما اليوم فإن <روبي> أُستاذ للفيزياءِ في جامعةِ برشلونة ، مدينة مسقطُ رأسِه. حصلَ سنة 20033 على ميداليةِ أوسانگر (الممنوحةِ من الجامعةِ النرويجية لِلعلومِ والتقانة) وعلى جائزةِ آلكساندر فون هومبولت (الممنوحةِ من المؤسسسةِ الحاملة لهذا الاسم) لإسهامات المؤلِفِ في حقلِ الدينامية الحرارية اللاتوازنية ونظريةِ السيروراتِ العشوائية. http://oloommagazine.com/Images/Articles/2009/5-6/025.gif

  مراجع للإستزادة

 

Non-equilibrium Thermodynamics. S. R. de Groot and P. Mazur. Dover, 1984.

 

Thermodynamics “beyond” local Equilibrium. José M. G. Vilar and j. Miguel Rubi in

 proceedings of the Nationa Academy of Sciences USA, Vol. 98, no. 20, pages 11081-11084;

 September 25, 2001.

http://arixiv.org/abs/cond-mat/0110614

 

Active Transport: A Kinetic description Based on Thermodynamic Grounds. signe Kjelstrup,

J. Miguel Rudi and Dick Bedeaux in Journal of Theoretical Biology, Vol. 234, No. 1,

pages 7-12; May 7, 2005. http://arxiv.org/abs/cond-mat/0412493

 

The Mesoscopic Dynamics of the Thermodynamic Systems. David Reguera,

J. Miguel Rubi and José M. G. Vilar in Journal of physical Chemistry B, Vol. 109, No. 46,

pages 21502-21515; November 24, 2005. http://arxiv.org/abs/cond-mat/0511651

 

THE LONG ARM OF THE SECOND LAW(*)
Out of Balance(**)
CAUTION: CONTENTS MAY BE BOTH HOT AND COLD(***)

(****)Order from Chaos
(*****)Breaking It Down

(******)ORDER FROM DISORDER

(*******)From Steam Engines to Molecular Motors

(1) perpetual-motion machine
(2) يُزوّم (في علم الحاسوب) تعريب لِ zoom in وتعني: يُكِّبُر جزءا من صورة أو نص ليملأ الشاشة. (التحرير)
(3) to be modeled
(4) الأصح أن يقال إن رباعي الأبعاد الزمكان spacetime في تَوَسُع. (التحرير)
(5)temperature difference
(6) thermocouple
(7) macroscopic level
(8) convection
(9) perspective
(10) flip: أي نُقِر بطرف الإصبع.
(11) انظر: Making Molecules into Motors, by R. Dean Astumian; Scientific American, July 2001
(12) boundary conditions
(13) نسبة إلى البطل الأسطوري هرقل، والمقصود أن المهمة ذات صعوبة استثنائية. (التحرير)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى