أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الاقتصاد

علم الفقاعات المالية وانفجاراتها

 

علم الفقاعات المالية وانفجاراتها(*)

لقد احتاجت أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير

(الذي بدأ عام 1928) إلى إعادة تقييم لكيفية عمل الأسواق المالية،

وللكيفية التي يتخذ الناس وفقها قراراتهم حول النقود.

<G.ستيكس>

 

 

مفاهيم أساسية

  أدت الأزمة المالية العالمية إلى تدقيق جديد للأسباب التي تدفع الأسواق أحيانا نحو النشاط بصورة أكبر من اللازم، ثم انهيارها بعد ذلك.

  أوضحت أزمة قطاع التقانة وأزمة قطاع العقار ثم قطاع الائتمان اللاحقة كيف يمكن أن تكوّن العوامل النفسية ربكة في عملية صناعة القرار. وفهم هذه السلوكيات يؤدي إلى توضيح جذور الفقاعات المالية وانفجاراتها.

  تحاول النماذج الجديدة لديناميكيات الأسواق أن تتجنب الانفجارات المالية من خلال تصور كيفية عمل الأسواق بدقة. في حين نجد أن التشريعات الذكية يمكن أن تُبعد بهدوء مشتري المساكن أو المدخرين للتقاعد عن القرارات السيئة.

محرّرو ساينتفيك أمريكان

 

لقد حملت الأزمة كافة خصائص فيلم B كلاسيكي(1)، حيث يقوم مسلح بتصويب مسدس إلى جبهة ضحية، ثم تبهت الشاشة إلى السواد قبل أن يُسمع صوت عال لإطلاق رصاص. ونجد اختصاصي الطب الشرعي (العدلي) الذي يتتبع مسار الرصاصة يراها قد اجتازت المقدم الجبهي للقشرة الدماغية(2) ـ وهو المكان المركزي لمعالجة القرارات. إن القلة من الناجين من الجروح الحرجة في منطقة الدماغ هذه لا يستغربون عندما يجدون أن شخصياتهم قد تغيرت بشكل درامي. وفي واحدة من أكثر الحالات التي استُشهد بها في تاريخ طب الجهاز العصبي(3)، اخترق قضيب حديدي المقدم الجبهي للقشرة الدماغية ل<Ph.گاج> [عامل السكك الحديدية في القرن 19] والذي عاش ليحكي قصته، ولكنه لم يكن قادرا على اتخاذ قرارات رشيدة. كذلك، فإن مدمني الهيروين يمكن أن يُحْدِثوا لأنفسهم الضرر نفسه. والاختلال الوظائفي الناتج يمكن أن يتسبب في دفع المتعافين من الإدمان إلى التوق إلى المخدر في أي وقت، تماما مثل صدى الصوت الخفي الذي يذكرهم بتوقيت الجرعة.

 

وحتى الأشخاص الذين لم يستخدموا المخدرات غير المشروعة أو لم يُطْلق الرصاص على رؤوسهم يجب أن يتعايشوا مع حقيقة أن بعض القرارات التي يتم إعدادها في الفصوص الأمامية للدماغ قد تؤدي بهم إلى الضياع. وهناك موقع محدد في المقدم الجبهي للقشرة الدماغية يرمز له ب (VMPFC(4  يُعد من بين المشتبه فيهم في التسبب حديثا في الانفجار الاقتصادي الكبير الذي هزّ العالم.

 

وقد احتل الموقع VMPFC في الدماغ موقعا مركزيا فيما يطلق عليه الاقتصاديون «الوهم المالي» money illusion. ويحدث هذا الوهم عندما يهمل الناس معلومات واضحة حول الآثار التشويهية للتضخم في عملية شراء، أو عندما يقررون في خطوة غير رشيدة أن الشيء يساوي أكثر مما يستحق فعليا. والوهم المالي قد يقنع المشترين بأن العقار هو استثمار عظيم بسبب التصورات الخاطئة بأن الأسعار لا بد وأن ترتفع. ويرى <J.R.شيلر> [أستاذ الاقتصاد في جامعة ييل] أن المنطق الخاطئ للوهم المالي أسهم في نشوء فقاعة أسعار المساكن: «إذ إن الناس غالبا ما يتذكرون السعر الذي دفعوه لمسكنهم قبل أعوام عديدة، ولكنهم لا يتذكرون أسعارا عديدة أخرى في ذلك التاريخ، ومن ثم يتولد لديهم الانطباع الخاطئ أن أسعار المساكن ارتفعت بشكل أكبر من الأسعار الأخرى، وهو ما يولد لديهم الانطباع المُبالغ فيه حول الاستثمار المحتمل في المساكن.»

 

وهناك جدال بين الاقتصاديين عبر عقود من الزمن حول ما إذا كان الوهم المالي، وبوجه أعم، التأثير اللاعقلاني في المعاملات الاقتصادية، هما في حد ذاتهما وَهْمٌ. فالاقتصاديّ النظريّ الشهير في المجال المالي <M.فريدمان> يُسَلِّمُ بأن المستهلكين وأصحاب الأعمال هم عقلانيون يأخذون التضخم في الاعتبار عندما يقومون بعمليات شراء أو دفع أجور، وبعبارة أخرى، فإنهم يقدرون جيدا ما تساويه القيمة الحقيقية لسلعة من السلع.

 

ولكن أفكار الاقتصاديين السلوكيين، الذين يدرسون دور العامل النفسي في صنع القرارات الاقتصادية، تحظى باهتمام متزايد في عالم اليوم، حيث إن العلماء على اختلاف طرائقهم يسعون جاهدين إلى فهم سبب انهيار الاقتصاد العالمي بهذه الشدة والسرعة. ويساند أفكارهم علماء الدماغ الذين يعتمدون في ذلك على لقطات متتابعة داخل الجمجمة للموقع VMPFC  والمناطق الأخرى من الدماغ. وعلى الخصوص، هناك تجربة تم الإعلان عنها في الشهر 3/2009 في وقائع مؤتمر الأكاديمية الأمريكية للعلوم من قبل باحثين من جامعة بون في ألمانيا ومعهد كاليفورنيا للتقانة، بينت أن بعض دارات صناعة القرار في الدماغ قد أظهرت وجود وهم مالي على صور من ماسح الدماغ(5)، حيث أضيء جزء من الموقع VMPFC عند الأشياء التي لاقت مبلغا نقديا أعلى، حتى وإن لم تتغير القوة الشرائية النسبية لهذا المبلغ، بسبب ارتفاع الأسعار أيضا.

 

إن إضاءة بقعة وراء الجبهة المسؤولة عن الاعتقاد الخاطئ حول النقود تعد مثالا لتزايد درجة الاحترافية في فرع من فروع البحث الذي سبق أن كشف مراكز الدماغ التي تتدخل في دوافع الخوف الأساسية للمستثمر (اللوزة(6)) والطمع (متكئات النواة(7)، وربما، من غير المدهش، أنها أيضا موضع الرغبة الجنسية)، وقد بدأت التقنيات المتقدمة التي تعتمد على  التصوير العصبي مع علم النفس السلوكي والاقتصاد، بتقديم دالات عن الكيفية التي ينحرف وفقها الأفراد، وعلى نطاق أوسع، اقتصادات بكاملها، عن الطريق الصحيح. وتحاول هذه العلوم مجتمعة أن تكشف لنا لماذا يمكن أن يواجه نظام اقتصادي قائم على قواعد تحميه من الانهيار، سَقَطات شبه مأساوية. وقد سبق تبني بعض هذا البحث كدليل للإجراءات التي تتخذها إدارة >أوباما< في محاولتها تثبيت أوضاع البنوك وقطاع المساكن.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/9-10/014.gif

 

عقلانية الوهم(**)

 

لقد اكتسبت الأفكار السلوكية المزيد من الاهتمام باستثناء بعض الأفكار المركزية في النظرية الاقتصادية الحديثة، بما في ذلك وجهة النظر القائلة إن كل مشتر أو بائع يمثل نموذجا لاقتصاد ذاتي، أي كشخص عقلاني مدفوع بمصلحته الذاتية. وكما كتب <P.برنشتاين> [المؤرخ المالي] «فالشخص في الاقتصاد الكلاسيكي وتحت الظروف كافة هو مجرد إنسان آلي قادر على القيام بتفكير موضوعي(8)

 

تُعدُّ فرضية كفاءة السوق إحدى الركائز الأساسية الأخرى للعقيدة العقلانية، التي ترى أن جميع المعلومات السابقة والحالية حول سلعة ما  تنعكس في أسعارها وأن السوق يصل إلى نقطة التوازن بين المشترين والبائعين عند السعر الصحيح. والشيء الوحيد الذي يمكن أن يُخِلَّ بهذا التوازن بين العرض والطلب هو حدوث صدمة خارجية، كأن يتم تحديد سعر من قبل اتحاد منتجي النفط لم يكن متوقعا. وبهذه الطريقة، تظل ديناميكيات النظام المالي في حالة توازن. وترى النظرية الكلاسيكية أن الديناميكيات الداخلية للأسواق لا يمكن أن تؤدي إلى دورة تغذية مرتدة(9)  يؤدي فيها ارتفاع ما للأسعار إلى توليد ارتفاع آخر، وهو ما يؤدي إلى تكوين فقاعة أسعار ومن ثم إلى انعكاس لاحق لاتجاه الدورة يُنمي زعزعة استقرار الاقتصاد.

 

وتفسير دقيق لفرضية كفاءة السوق قد يقتضي أن مخاطر انفجار الفقاعة سوف تنعكس على الأسعار الحالية للسوق، مثل أسعار المنازل الممولة بقروض عقارية مرتفعة المخاطر (من الدرجة الثانية) والتي جرت تعبئتها في صورة ما يطلق عليه الآن اسم الأوراق المالية المُسَمَّمة(10). ولكن إذا كان ذلك صحيحا، وكانت الأسواق تتمتع بالكفاءة، فكيف يمكن أن تنخفض الأسعار بهذا القدر من الاندفاع؟ لقد تم التعبير عن الدهشة إزاء إخفاق النظرية المعهودة أيضا من قبل الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي  <A.گرينسپان> [أحد  المشجعين لمفهوم كفاءة الأسواق]، حيث قال أمام لجنة في الكونگرس في الشهر 10/2008: «إن الذين يتطلعون منا إلى تحقيق المصالح الذاتية لمؤسسات الإقراض ولحماية حقوق المساهمين، وأنا على الخصوص، في حالة من الذهول وعدم التصديق.»

 

نزعات حيوانية(***)

 

إن الاقتصاديين السلوكيين الذين يحاولون تحديد العوامل النفسية التي تؤدي إلى الفقاعات والاختلال الحاد في الأسواق هم المفكرون ورثة عالمي النفس <A.تفيرسكي> و<D.كاهنيمان>، اللذين بدآ دراساتهما في السبعينات بتحدي مفهوم أن الجهات المالية الفاعلة هي إنسالات(11)  (روبوتات) عقلانية. وقد حاز <كاهنيمان> جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2002 عن هذا العمل؛ وقد كان من المؤكد فوز <تفيرسكي> بهذه الجائزة أيضا لو أنه مازال على قيد الحياة حينذاك. وقد تم توجيه عملهم الرائد نحو الوهم المالي وغيره من نقاط الضعف النفسي، مثل ميلنا إلى الشعور بالأسى عند خسارة 1000 دولار مثلا،  أكثر من شعورنا بالفرح عند كسبنا هذا المبلغ نفسه.

 

 

ماذا يحدث في دماغك

هل تفهم النقود (الحقيقية)؟(****)

هناك ظاهرة نفسية تسمى الوهم المالي ربما تكون أسهمت في فقاعة المساكن التي تمثل أصل الأزمة الاقتصادية العالمية. هذا الوهم هو الاضطراب الذي يحدث عندما يُخفِق الناس في تقدير آثار التضخم في القيمة الحقيقية لعملة ما. فالزيادات في أسعار مسكن فرد أو مرتبه، على سبيل المثال، قد لا تمثل شيئا أكثر من وهم عندما تتغير هذه الأسعار مع التضخم.

وفي تجربة حديثة قام بها باحثون من جامعة بون في ألمانيا ومعهد كاليفورنيا للتقانة (في اليسار) جرى تتبع أثر الوهم المالي في مركز صنع القرار في الدماغ. وقد أصبح المقدم الجبهي الأوسط للقشرة الدماغية VMPFC أكثر نشاطا لدى أشخاص عندما عُرِضَت عليهم أرباح وهمية.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/9-10/013%20copy.gif
 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/9-10/012%20copy.gif

دماغ يتفاعل

إن تنشيطا في منطقة واحدة من الدماغ (المقدم الجبهي الأوسط للقشرة الدماغية (VMPFC)) ترتبط بعملية صنع القرار، كان أعلى لدى الأشخاص الذين اعتبروا أن الدخل المرتفع هو مكسب، مع أن القوة الشرائية الحقيقية لم تتغير.

 

وأحد الموضوعات المتفق عليها في علم الاقتصاد السلوكي هو الدوافع النفسية غير العقلانية التي تكمن وراء الفقاعات المالية والانكماش الحاد في الأسواق الذي يتبعها. ويستشهد <شيللر> [أحد الرواد في هذا المجال] بمفهوم «النزعات الحيوانية»، وهي العبارة المستخدمة في الأصل من قبل الاقتصادي <M.J.كينز> كتفسير لذلك. ودورة الأعمال، أي التقلبات صعودا وهبوطا في النشاط الاقتصادي، تعتمد على الإحساس الأساسي بالثقة من قبل رجال الأعمال والمستهلكين تجاه مشاركة كل منهما الآخر في المعاملات الاقتصادية الروتينية. غير أن أساس الثقة قد لا يقوم دائما على تقديرات عقلانية. فالنزعات الحيوانية ـ ذلك الشعور الغريزي، بأن هذا هو الوقت المناسب لشراء منزل أو هذا السهم النائم ـ تدفع المرء إلى الثقة المفرطة واتخاذ قرارات متهورة خلال فترة الازدهار. وهذه المشاعر يمكن أن تتحول بسرعة إلى حالة من الذعر عندما يزداد القلق في ظل تحول السوق نحو الاتجاه الآخر. إن عملية صناعة القرار التي تحركها العاطفة تكمل تحيزات معرفية ـ إخفاق وهم مالي في أن يأخذ بالحسبان التضخم المالي مثلا ـ تؤدي إلى منطق استثمار ضعيف.

 

وأهمية كل من العواطف والتحيزات المعرفية في تفسير الأزمة المالية العالمية يمكن أن نشهدها طوال سلسلة الأحداث التي أدت، على مدى السنوات العشر الماضية، إلى ترنح النظام المالي. فالنزعات الحيوانية قذفت بأسهم شركات الإنترنت إلى مستويات لا يمكن الدفاع عنها خلال فترة ازدهار شركات التقانة (dot – com) ودفعت بقيمها إلى الحضيض بعد بضع سنوات فقط. وكذلك كانت تلك النزعات حاضرة عندما استغل المقرضون المتهورون فرصة انخفاض معدلات الفائدة لتقديم رهون عقارية معدلة الفائدة إلى المقترضين للقروض من الدرجة الثانية، المرتفعة المخاطر. لقد سادت ظاهرة مثل الوهم المالي: حيث أخفق المقترضون لمثل هذه القروض العقارية في حساب ما يمكن أن يحدث إذا ارتفعت أسعار الفائدة، وهو ما حدث بالضبط في منتصف العقد، مما تسبب في أعداد هائلة من حبس الرهونات(12)، والتخلف عن الدفع. ومن ثم، فإن الرهون العقارية المورقة(13)  ـ أي تحويل الديون إلى المئات والآلاف من مالكي المنازل من قبل المصارف إلى أوراق مالية وبيعها لآخرين ـ  فقدت معظم قيمتها. وقد شهدت البنوك انخفاض قيمة قروضها. وتلاشى بالتبعية الائتمان(14)، شريان حياة الرأسمالية، مخلفا أزمة عالمية.

 

بدأت التقنيات المتقدمة المعتمدة على التصوير العصبي وعلم النفس السلوكي والاقتصاد بتقديم دالات عن الكيفية التي ينحرف وفقها الأفراد، وعلى نطاق أوسع، اقتصادات بكاملها، عن الطريق الصحيح.

 

حكم التجربة(*****)

 

بدأ علم الاقتصاد السلوكي والعلوم الفرعية ذات الصلة بالتمويل السلوكي، الذي يتعلق بشكل مباشر أكثر بالاستثمار، بإلقاء الضوء، بمزيد من التفاصيل، حول كيف يمكن للمراوغات النفسية المتعلقة بالمال أن تساعد على تفسير الأزمة الأخيرة. ولا يمثل الوهم المالي سوى أحد أمثلة التفكير غير العقلاني التي جرى فحصها من قبل خبراء الاقتصاد. وأحكام التجربة، أو قواعد الإبهام، التي نحتاج إليها للاستجابة بسرعة في مناخ أزمة، ربما تعد تركة موروثة من أجدادنا من العصر الحجري القديم. ولا يمثل القياس المنطقي خيارا لنا عندما نواجه ماموثا عملاقا صوفانيا. وعندما لا نحدق النظر في حيوان بري، فإن قواعد الاستكشاف يمكن أن تؤدي في بعض الأحيان إلى تحيزات معرفية.

 

وقد حدد خبراء الاقتصاد السلوكي عددا من التحيزات، بعضها يتصل مباشرة باقتصاديات الفقاعات. وفيما يتعلق بتحيزات التأكيد، فإن الناس يعطون وزنا أكبر للمعلومات التي تؤكد وجهة نظرهم. لاحظ، مثلا، الارتفاع الهائل في أسعار المساكن عندما افترض الناس أن ارتفاع هذه الأسعار هو رهان مضمون. وقد تسبب سلوك القطيع هذا في أن أعدادا هائلة من الناس تشاركت في هذا الاعتقاد. ويُعَدُّ تحيز الإتاحة، الذي يؤدي إلى اتخاذ قرارات فورية استنادا إلى أحدث المعلومات المتاحة، أحد الأسباب التي دعت بعض محرري الصحف إلى تجنب استخدام كلمة «انهيار(15)» في خريف عام 2008 في محاولة غير ناجحة لتفادي انتشار الذعر. أما تحيز الإدراك المتأخر(16)، أي الشعور بأن شيئا ما كان معروفا طوال الوقت، فيمكن مشاهدته في أعقاب حدوث الانهيار: حيث اعترف المستثمرون وأصحاب المساكن والاقتصاديون بأن الدلائل على وجود فقاعة كانت واضحة، على الرغم من أنهم شاركوا بفعالية في زيادة أسعار المساكن.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/9-10/011%20copy.gif
مناطق الدماغ التي تصبح نشطة في استجابة للمكافأة أو المخاطرة، تشمل تلك المبينة أعلاه من بين أجزاء أخرى.

 

والاقتصاد العصبي(17)، الوثيق الصلة بالاقتصاد السلوكي، يوجه جهازا للتصوير بالرنين المغنطيسي (MRI) أو شكلا آخر من تصوير الدماغ، للتأكد من قضية ما إذا كانت هذه التحيزات الخصوصية هي من نسج خيال أكاديمي أو تعمل فعلا في العقل البشري. وقد أكد تصوير الدماغ وجود وهم مالي. ولكن المحققين يستكشفون قضايا أخرى أيضا؛ على سبيل المثال: هل الحديث عن النقود أو النظر إليها أو مجرد التفكير فيها ينشط مراكز الثواب والأسف داخل الجمجمة.

 

 

[النظرية القديمة في مقابل الجديدة]

الأسواق الكفؤة في مقابل اقتصاديات الفقاعات المالية(******)

 

أخفقت النظرية الاقتصادية الكلاسيكية في أن تأخذ في الاعتبار أن لاعقلانية الأفراد يمكن أن تؤثر في قراراتهم المالية. إذ تؤكد فرضية كفاءة الأسواق، وهي حجر الزاوية في العقيدة المالية، أن معظم الأفراد سوف يقومون بالشراء عندما تكون السلعة، مثل المنزل، أقل من قيمتها الحقيقية، وأنهم سوف يمتنعون عن الإنفاق عندما تصبح السلعة مكلفة للغاية (في اليسار). غير أن النظرية الكلاسيكية تواجه صعوبة كبيرة في تفسير الفقاعات الاقتصادية ـ والتي ترتفع فيها الأسعار أكثر من القيمة الحقيقية للأصل، سواء أكان منزلا أم ورقة مالية. وفي المقابل، فإن النظريات الاقتصادية السلوكية، والتي تركز على الحالة النفسية في عملية التمويل، تتنبأ بأنه في الأوقات التي يسود فيها التفكير غير العقلاني والعاطفة، فإن عددا كبيرا من الناس سوف يقومون بالاستثمار بدلا من إدراك حقيقة أنهم يدفعون قيما مغالى فيها، فقط حتى يحدث التدافع للخروج من السوق في حالة ذعر يؤدي إلى انهيار السوق (في اليمين).

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/9-10/010%20copy.gif

 

 

عندما يخطئ الدماغ

تحيزاتنا الداخلية(*******)

 

للدماغ نظامان لإصدار الأحكام على المال ومجموعة كاملة من القرارات الأخرى التي تسمح لنا بالإبحار في حياتنا اليومية. النظام الأول بديهي، والآخر عقلاني. وقد يؤدي النظام البديهي في بعض الأحيان إلى أخطاء في التفكير وتحيزات معرفية، يمكن أن تقودنا إلى مشكلات عند التعامل مع الأمور المالية. وهناك عدد قليل من الأخطاء الأساسية في استخدام الأموال التي تم وصفها (أدناه) من قبل خبراء الاقتصاد السلوكي.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/9-10/009%20copy.gif
 

مغالاة في الثقة: نحن باستمرار نفرط في تقييم براعتنا في القيام بكل شيء بدءا من قيادة السيارات إلى الاستثمار في العقارات أو في سوق الأوراق المالية.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/9-10/008%20copy.gif
 

سلوك القطيع: الميل إلى اتباع الحشد يمكن أن يؤدي بأعداد هائلة من المستثمرين إلى المشاركة في الاعتقاد نفسه عن الأصول المالية، وهذا يدفع الأسعار صعودا أو هبوطا.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/9-10/007%20copy.gif
 

تحيز الإتاحة: نذكر من الأحداث الأخيرة وغيرها مما يتبادر إلى الذهن بسهولة ما يمكن منها أن يتحول إلى الانشغالات التي تتسبب في جعل المستثمر يركز على النتائج في الأجل القصير ـ وربما البيع في حالة ذعر إذا اتجه السوق نحو الانخفاض.

 

وفي الاجتماع السنوي لجمعية علم الأعصاب الإدراكي في سان فرانسيسكو الذي عقد في الشهر 3/2009، قدمت <J.هول> [طالبة دراسات عليا من طلبة <R.گونزاليس> في جامعة متشيگان في آن أربور] بحثا يبين أن استعدادنا لتحمل المخاطر في التعاملات المالية يتغير استجابة حتى لإشارات عاطفية خفية، وهو ما يُفنِّد مرة أخرى الخرافة حول المستثمر الفولاذي البارد. وقد شارك في التجربة 24 مشاركا، (12 رجلا و 12 امرأة) التي تظهر صور وجوه سعيدة ووجوه غاضبة وأخرى محايدة. وبعد استعراض الوجوه السعيدة، فإن المستثمرين المشاركين في الدراسة أظهروا نشاطا أكبر في متكئات الخلية ومركز الثواب، واستثمروا بشكل ثابت في الأسهم الأكثر مخاطرة بدلا من تبني الأمان النسبي للسندات.

 

وقد كان «للوجوه السعيدة» وجود دائم خلال الطفرة العقارية في بداية هذا العقد. فالمحيا المبتسم وكلام <H.K.شيتس> المعسول في الإعلان التجاري، الذي كان يقدمه في وقت متأخر من الليل عن العقارات، كان يَعِدُ بثروات لأولئك الذين يفتقرون إلى النقود، أو الائتمان أو الخبرة السابقة في امتلاك أو بيع العقارات. وفي المدة الأخيرة، أخذ >شيتس< يُبرز «الربح الحقيقي في التوقف عن السداد.»

 

وقد ذهب الاقتصاد السلوكي إلى أبعد من مجرد محاولة تقديم تفسيرات عن سبب تصرف المستثمرين كما كانوا يفعلون، إذ يقدم بالفعل إطارا للاستثمار ووضع السياسات لمساعدة الناس على عدم الوقوع في الاستثمارات الرديئة والقائمة على العاطفة.

 

إن شهوة المجازفة بالمال تتغير استجابة حتى للتوجيهات العاطفية الرقيقة، مُقَوِّضَةً أُسطورة المستثمر الصلب الرزين.

 

وقد شهد وصول إدارة أوباما قبولا متزايدا للانضباط. وقامت مجموعة من العلماء السلوكيين البارزين بتقديم توجيهات بشأن سبل تحفيز الناخبين والمساهمين في الحملات الانتخابية خلال الحملة الرئاسية. وقد تم تعيين <C.سنشتاين> [وهو باحث دستوري(18) مؤلف الكتاب القَيِّم «الوكزة» Nudge الذي أُعلن أن الرئيس <باراك أوباما> قد قرأه] رئيسا لمكتب المعلومات والشؤون التنظيمية، المكلف بمراجعة الأنظمة الاتحادية، كما أن مسؤولين آخرين إما اقتصاديين سلوكيين أو هواة في مجال الانضباط، هم الآن كُثر في البيت الأبيض.

 

وقد أدخل >سنشتاين< وشريكه في تأليف «الوكزة» <R.ثالر> [وهو أحد مؤسسي الاقتصاد السلوكي] مصطلح «الأبوية الليبرالية(19)» لوصف كيف يمكن أن تُبعد النظم الحكومية الناس عن الميل إلى اتخاذ قرارات سيئة. ويعتمد ذلك على قاعدة إرشادية تسمى الرسو(20)  ـ مقترح لكيفية البدء بالتفكير في شيء على أمل أن ينعكس ذلك على السلوك. فالناس، على سبيل المثال، قد يُقْدِمون على الادخار للتقاعد إذا ما تم تسجيلهم منذ البداية بشكل تلقائي في خطة المعاشات التقاعدية، بدلا من منحهم الخيار في التسجيل. وقد علق <ثالر> على ذلك بأن: «الموظفين يتم تسجيلهم إذا لم يفعلوا شيئا، ولكن يمكنهم اختيار الانسحاب»، «وهذا يؤكد أن الغفلة لن تؤدي إلى الفقر عند الكِبر.» وقد انعكست هذه الفكرة على خطط إدارة أوباما في تسجيل الناس تلقائيا في خطط التقاعد في أماكن أعمالهم.

 

إن عملية اتخاذ القرار يمكن أن تكون أكثر تعقيدا من مجرد الاستجابة لضغط معتدل في مسار معين. ونحتاج في تلك الظروف إلى «هندسة الاختيار(21)» لمساعدة الشخص على الاختيار من بين خيارات مختلفة. فعلى سبيل المثال، في عملية شراء منزل، يحتاج المشترون إلى معلومات أكثر وضوحا حول الوهم المالي وما شابه ذلك. ويقول <ثالر>: «عندما تكون القروض العقارية لمدة 30  عاما وبمعدلات فائدة ثابتة متنوعة، يكون اختيارُ أفضل معدل أمرا بسيطا ـ مجرد اختيار أدنى معدل للفائدة.» ويضيف <ثالر>: «ولكن الآن وفي ظل معدلات فائدة متغيرة، وانتفاخ المدفوعات، والعقوبات على السداد المسبق، وهكذا، فإن اختيار أفضل قرض عقاري يتطلب أن يكون الفرد حاملا للدكتوراه في مجال التمويل.» وعملية هندسة الاختيار تتطلب أن يقوم المقرض «بوضع خريطة» للاختيارات وبصورة واضحة للمقترضين، بشكل يختصر الحاجة إلى تلال من الأوراق في صورة عمودين أنيقين: واحد يرصد الرسوم المختلفة والآخر يحدد مدفوعات الفائدة المصاحبة لذلك. وعندما يتم تخزين هذين العمودين إلكترونيا، فإنه من الممكن تحميلهما عند المقارنة بالعروض المختلفة المقدمة من المقرضين الآخرين.

 

 

فقاعات مالية شهيرة قديمة(********)

 

إن ظاهرة ارتفاع الأسعار إلى مستويات لا يمكن تحملها لتتحطم فجأة، قد حدثت مرارا وتكرارا على مدى مئات السنين. وهذه بعض الأمثلة المبكرة:

هَوَسُ زهور التيوليب(22): استسلم الهولنديون لموجة جنونية من شراء درنات التيوليب tulip bulbs من عام 1634 إلى عام1637، لدرجة أنهم عرضوا أراضيهم ومجوهراتهم للبيع لإشباع شغفهم بهذه الزهور.

فقاعة بحر الجنوب(23): كان القرن الثامن عشر مماثلا لازدهار شركات التقانة (dot-com). فقد قام البريطانيون بدفع أموال للشركة التي منحت حقوق الاحتكار لجميع عمليات التجارة مع شركة بحر الجنوب. وقد ولّد نجاح هذه الشركة في جمع الأموال قطيعا من المقلدين، بما في ذلك شركة رغبت في استخراج أشعة الشمس من الخيار.

الاندفاع الجنوبي إلى السوق في عهد الرئيس هوفر(24): تدفق المستثمرون السذج إلى السوق في عام 1928، وبعد تنصيب الرئيس <H.هوفر> في الشهر 3/1929؛ أدى ارتفاع جنوني للأسعار إلى انهيار شنيع للسوق في الشهر 10/1929.

 

 

وعلى المنوال نفسه، فإن الاقتصادي <شيللر> [من جامعة ييل] يضع الخطوط العريضة لاستراتيجية معقدة تهدف إلى تجنب الآثار الحادة لاقتصاديات الفقاعات المالية من خلال التوعية ضد الأخطاء في «التفكير الاقتصادي»، إذ يقترح <شيللر> اعتماد وحدات جديدة للقياس من قبيل وحدة القياس الثابتة القيمة التي وضعتها حكومة تشيلي عام 1967، والتي تبنتها كذلك حكومات دول أمريكا اللاتينية الأخرى. وتمثل الوحدات الثابتة القيمة ضمانا ضد الوهم المالي، حيث تسمح للمشتري أو البائع بأن يعرف ما إذا كان السعر قد ارتفع من الناحية الحقيقية، أو أن هذا الارتفاع هو مجرد سراب تضخمي. وتمثل هذه الوحدات الثابتة القيمة سعر سلة من السلع الشائعة الاستخدام، وغالبا ما يعبر المقيمون في تشيلي عن الأسعار باستخدام هذه الوحدات. ويقول <شيللر>: «إن تشيلي هي أكثر دول العالم استخداما لمفهوم التضخم المفهرس بفعالية». «فأسعار المساكن، والقروض العقارية، وبعض الإيجارات، ومدفوعات النفقة الزوجية، وحوافز التنفيذيين غالبا ما يعبر عنها باستخدام وحدات التضخم تلك.»

 

ويظل <شيللر> مدافعا متحمسا عن التقانة المالية الجديدة التي يمكن أن تُستخدم كأسلحة مضادة للفقاعات المالية. ويقوم المنظمون حاليا بالتدقيق في الأدوات المالية المتطورة التي كان من المفترض أن تحمي ضد التوقف عن السداد، من خلال السندات المغطاة بالرهون العقارية التي غذَّت موجة أزمة قطاع المساكن. ومع ذلك، فإن <شيللر> يرى أن المشتقات derivatives (فئة معينة من الأدوات المالية تهدف إلى توفير الحماية ضد المخاطر وقد أسيء استخدامها في عمليات المضاربة، وقد تسبب ذلك بأزمة الائتمان) يمكن أن تساعد على ضمان وجود ما يكفي من المشترين والباعة في أسواق المساكن. فالمشتقات هي عقود مالية «مشتقة» من أحد الأصول الأساسية، مثل السهم المالي، أو المؤشر المالي أو حتى الرهن العقاري.

 

وعلى الرغم من احتمال إساءة استخدامها، فإن <شيللر> يرى أن المشتقات هي أدوات حصيفة «للتحوطات»(25)  ضد السيناريوهات الاقتصادية الوخيمة. حيث يمكن لأصحاب المساكن والمقرضين في سوق العقار استخدام هذه الأدوات المالية للتأمين ضد هبوط الأسعار، ومن ثم توفير سيولة كافية للحفاظ على حركة البيع.

 

 

منظور تطوري

طريقة جديدة للتنبؤ بهوس الفقاعات(*********)

 

قام الباحثون في المعهد MIT بضم تصورات عدة لكيفية عمل الأسواق ـ واقترضوا من نظرية داروين في النشوء والتطور ـ وذلك في محاولة للتنبؤ بصورة أفضل بالتوقيت الذي يكون فيه الشراء والبيع أكثر تقلبا، وأيُّ المستثمرين سينجو من اضطرابات السوق. وقد سُمِّيَ تصورهم هذا بفرضية «السوق الموائم» adaptive – market hypothesis.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/9-10/005%20copy.gif
 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/9-10/006%20copy.gif

سوق لاعقلاني

إن حركات الأسعار صعودا مع ارتفاع درجة الارتباط تعني أن الكثير من المستثمرين يسيرون في السوق كقطيع، وأن فقاعة مالية قد تتشكل، وهذا الاتجاه ربما يكون نابعا من الاعتقاد اللاعقلاني بأن الأسعار سوف ترتفع إلى ما لانهاية.

سوق عقلاني

بعد أن تنفجر الفقاعة المالية وينحسر نشاط القطيع، يعود السوق إلى حالة أكثر كفاءة منمذجة من قبل اقتصاديين كلاسيكيين؛ ففي السوق الكفء يميل المستثمرون إلى تبني أفكار مستقلة حول اتجاه السوق.

ارتباط : سعر يؤدي إلى الآخر

تحليل حسابي قائم على فرضية السوق الموائم يتتبع الدرجة التي يؤثر بها تغير الأسعار في يوم من الأيام في تغير الأسعار في اليوم التالي له ـ من حيث الجوهر، ما مدى ارتباط تغيرات الأسعار.

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/9-10/004%20copy.gif

البقاء للأقدر ماليا

تجمع فرضية تكيف السوق أيضا نظرية النشوء والتطور والمعلومات ذات الصلة بالملاءة المالية للأفراد والمؤسسات الاستثمارية. ويمكن لهذه التوليفة أن تتنبأ بمن يمكنه أن يتكيف مع تغير السوق، ومن سيسقط على جانب الطريق.

 

هل يمكن أن ينقذنا علم الأحياء؟(**********)

 

إن التوصل إلى حل للأزمة الراهنة يجب، في نهاية المطاف، أن يكون قائما على طرق جديدة في التفكير حول السبل التي يسلكها المستثمرون. وأحد المناهج الإبداعية لتصحيح أوجه القصور الموجودة في النظرية الاقتصادية يمكن أن يتم من خلال المزج ما بين القديم والحديث. وقد طرح <A.لو> [أستاذ التمويل في المعهد MIT وأحد المسؤولين في صندوق للتحوط] نظرية تعطي اقتصاديات التوازن وفرضية كفاءة السوق ما تستحقانه من الاعتبار، وفي الوقت نفسه، تعترف بأن النظرية الكلاسيكية لا تعكس الطريقة التي تعمل بها الأسواق في جميع الظروف. وقد استخدم توليفة مركبة ضخمة تضم نظرية النشوء والتطور إلى كل من الاقتصاديات الكلاسيكية والسلوكية. وبعبارة أخرى، فإن منهج <لو> يقوم على فكرة أن دمج الانتقاء (الانتخاب) الطبيعي لداروين في محاكاة للسلوك الاقتصادي، يمكن أن يساعد على توليد أفكار مفيدة حول كيفية عمل الأسواق وطرح تنبؤات أكثر دقة من المعتاد عن الكيفية التي تتصرف وفقها ماليا الجهات الفاعلة من أفراد ومؤسسات.

 

لقد شرع الاقتصاديون في تبني أفكار مستقاة من نظرية النشوء والتطور وذلك لتمثيلٍ أفضل للكيفية التي تتحول وفقها الأسواق من الهدوء إلى الاضطراب، وللكيفية التي يتمكن وفقها بعض المستثمرين من النجاة؛ في حين يختفي الآخرون تماما.

 

وقد طرأت أفكار مماثلة للاقتصاديين من قبل. ففي عام 1898، اقترح الاقتصادي <Th.فيبلين> فكرة أن الاقتصاد يجب أن يكون علما تطوريا، وحتى قبل ذلك، كان ل<Th.مالتوس> تأثير عميق في داروين بالذات في تأملاته حول «الصراع من أجل البقاء.»

 

وكما تُسلِّم فرضية الانتقاء الطبيعي أن بعض الكائنات الحية هي الأقدر على البقاء في موضع إيكولوجي (بيئي) محدد، فإن فرضية السوق الموائم ترى مختلف اللاعبين في السوق من بنوك وصناديق استثمار مشتركة كأنواعspecies تتنافس من أجل تحقيق نجاح مالي. كما تفترض أن هؤلاء اللاعبين في بعض الأحيان يستخدمون  سبل الاستدلال التي وصفها الاقتصاد السلوكي عند الاستثمار («المنافسة»)، وأنهم أحيانا يتبنون استراتيجيات لاعقلانية، مثل المخاطرة أكثر في أثناء خسائر متكررة.

 

ويقول <لو>: «إن الاقتصاديين يعانون اضطرابا نفسيا عميقا أُسمِّيه حَسَد الفيزياء(26).» وأضاف: «إننا نود لو أن 99 في المئة من السلوك الاقتصادي يمكن أن يكون تفسيرها من خلال ثلاثة قوانين بسيطة من قوانين الطبيعة. وفي الواقع، إن لدى الاقتصاديين 99  قانونا تفسر 3 في المئة من السلوك. وعلم الاقتصاد هو مسعى بشري فريد، وينبغي أن يُفهم على هذا النحو في سياق أوسع من المنافسة والتحور (التطفر) mutation  والانتقاء الطبيعي؛ وبعبارة  أخرى، التطور.»

 

إن وجود نموذج تطوري للاسترشاد به قد يسمح للمستثمرين بالتكيف مع تحول المخاطر والاستراتيجيات المختلفة للاستثمار. ولكن أهم فائدة لمحاكاة <لو> قد تكون القدرة على الكشف عن الوقت الذي لا يكون فيه الاقتصاد في حالة توازن مستقر، وهو الاكتشاف الذي من شأنه أن يحذر المنظمين والمستثمرين من أن فقاعة مالية تتضخم أو أن أخرى على وشك الانفجار [انظر الإطار في الأعلى].

 

ويمكن أن يتضمن نموذج تكيف السوق معلومات حول كيفية تغير الأسعار في السوق، بصورة مماثلة لكيفية تكيف الناس في منطقة إيكولوجية معينة. كما في إمكانه أن يذهب إلى استنتاج ما إذا كانت الأسعار في يوم واحد تؤثر في أسعار اليوم التالي، في إشارة إلى أن المستثمرين يسيرون في صورة «قطيع»، كما وصفه الاقتصاديون السلوكيون، إشارة إلى أن تَكوُّن فقاعة مالية قد صار أمرا وشيكا. ونتيجة لهذا النوع من النمذجة، يمكن أيضا للأنظمة «التكيف» مع تحول الأسواق، ومن ثم مواجهة ذلك النوع من المخاطر «النظامية» systemic في حين تترك نماذج المخاطرة المعهودة الأسواق من دون وقاية. وقد دعا <لو> إلى إنشاء مجلس لسلامة أسواق المال(27)، مماثل لتلك المؤسسة التي تحقق في حوادث الطيران، لجمع بيانات عن المخاطر في الماضي والمستقبل التي يمكن أن تهدد النظام المالي الأوسع، الذي يمكن أن يشكل أساسا حاسما لنمذجة تكيف الأسواق.

 

وكما كشف علم الدماغ عن جذور السلوكيات الأساسية للمستثمرين، فربما نجد دليلا جديدا على أن المفاهيم الاقتصادية المتجانسة(28)  معيبة أساسا. فالمستثمر العقلاني يجب ألاّ يبالي إذا كان لديه 10 ملايين دولار ومن ثم يخسر 8ملايين دولار، أو كخيار بديل، إذا لم يكن لديه شيء وينتهي بالحصول على 2مليون دولار. وفي كلتا الحالتين، فإن النتيجة هي في النهاية واحدة.

 

ولكن تجارب الاقتصاد السلوكي تظهر بصورة روتينية أنه على الرغم من أن النتائج متماثلة، إلا أن الناس (والرئيسات الأخرى) يكرهون الخسارة أكثر من رغبتهم في الربح. إنه سلوك تطوري جاهز يشجع الكائنات على الحفاظ على إمدادات الغذاء أو تقدير أهمية بعناية قبل المجازفة بمواجهة حيوانات مفترسة.

 

http://oloommagazine.com/images/Articles/2009/9-10/003.gif
في نهاية القرن التاسع عشر، اقترح <Th.فيبلن> أن علم الاقتصاد ينبغي أن يكون علما تطوريا، وهو أحد مصادر الإلهام للمساعي الجارية التي تتماشى مع روح فكرة <فيبلن>.

 

إن من لا يدرك الخسائر بشكل مختلف عن المكاسب هو أحد الأفراد الذين يعانون مرض التوحد، وهو اضطراب يتميز بمشكلات مرتبطة بالتفاعل الاجتماعي. وعند اختبارهم، فإن مرضى التوحد، أظهروا منطقا صارما عند موازنة الأرباح والخسائر؛ ولكن هذه العقلانية الظاهرية قد تدل بذاتها على سلوك غير عادي. ويقول <F.C.كامرر> [أستاذ الاقتصاد السلوكي في المعهدMIT]: «إن التمسك بالمبادئ المنطقية والعقلانية في الاختيار الاقتصادي المثالي قد يكون غير طبيعي من الناحية البيولوجية.» وقد توصل علماء الأعصاب إلى تبصر أكثر تعمقا في النفس البشرية يعد بتغيير نهائي لافتراضاتنا الأساسية حول الطريقة التي تعمل وفقها الاقتصادات جميعها، ولفهمنا لدوافع الأفراد المشاركين فيها، الذين يشترون المساكن والأسهم والذين يواجهون مشكلة في الحكم على ما إذا كان الدولار اليوم يساوي قدر ما كان يساويه أمس.                         

     

  مراجع للاستزادة

 

Your money and Your Brain: How the New Science of Neuroeconomics Can Help Make You Rich. Jason Zweig. Simon & Schuster, 2007.

 

The Mind of the Market. Michael Shermer. Times books/ Henry Holt, 2008.

 

The Subprime Solution: How Today’s Global Financial Crisis Happened and What to Do about It, Robert J. Shiller. Princeton University press, 2008.

 

Animal Spirits: How Human Psuchology Drives the Economy and What It Matters for Global Capitalism. George A. Akerlof and Robert J. Shiller. Princeton University press, 2009.

 

Nudge: Improving Decisions about Health , Wealth and Happiness . Richard H. Thaler and Cass R. Sunstein. Penguin Books ,2009.

 

(*)THE SCIENCE OF BUBBLES & BUSTS
(**)The Rationality Illusion
(***)Animal Spirits

(****)Do You Understand (Real) Money?
(*****)Rules of Thumb أو قواعد الإبهام وهنا تعني: الأحكام المبنية على التجربة لا على المعرفة العلمية.

(******)Efficient Markets VS. Bubblenomics

(*******)Our Inner Biases

(********)Famous Bubbles of Yesteryear

(*********)A New Way To Predict Bubble Manias

(**********)Can Biology Save Us?

 

(1) فيلم من أفلام الغرب الأمريكي.
(2) the brain’s prefrontal cortex
(3) neurology

(4) ventromedial prefrontal cortex

(5) brain scanner

(6) the amygdala

(7) the nucleus accumbens

(8) objective reasoning

(9)feedback أو تغذية عكسية.

(10) toxic securities

(11) ج: إنسالة وهذه نحت من إنسان-آلي، ومنها نشتق إنسالية robotics.

(12) foreclosure أو وضع اليد.

(13) securitized mortgages

(14) credit

(15) crash

(16)hindsight bias

(17) neuroeconomics

(18) constitutional scholar

(19) Libertarian paternalism

(20) anchoring

(21) choice architecture

(22) Tulip mania

(23) South sea bubble

(24) The Hoover bull market

(25) hedges

(26)physics envy

(27) Capital Markets Safety Board

(28) Homo economicus

http://oloommagazine.com/Images/none.gif

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى