أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
علم الاجتماععلم النفس

مدى أهمية الضحك

 

مدى أهمية الضحك(*)

إن النظر إلى الجانب المشرق من الحياة يمكن أن

يُقَوِّي النفس ويخفف الألم ويوثق الروابط الاجتماعية.

<S.أيان>

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2009/11-12/pp1.gif

 

لم يجد <N.كازنس> [الصحافي المشهور بكتابة القصص والمؤلف والناشر] شيئا يريح من الألم أفضل من مشـــاهدة لقطات من الأفلام الكوميدية (الفكاهية) الشهيرة بـ الماركس براذرس (1). لقد أصيب <كازنس> لسنوات عديدة بمرض التهاب المفاصل، وأقسم أن 10 دقائق من الضحك الذي تغلب عليه القهقهة  في أثناء مشاهدة فيلم من هذه الأفلام البالغة المرح، مكنته من قضاء ساعتين من دون ألم.

 

وفي كتابه تشريح لمرض كما يراه المريض(2) وصف <كازنس> وصفة العلاج بالضحك التي فرضها على نفسه والتي يبدو أنها حَسّنت حال الالتهاب والألم لديه. فقد صار، في نهاية الأمر قادرا على العودة إلى العمل، إذ حصل على وظيفة أستاذ مساعد في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا، حيث قام بدراسة آثار العواطف في الحالات البيولوجية والصحة.

 

إن مجموعة المرضى المتأثرين بمثل تلك العلاجات المعجزة لا تعتقد أن للفكاهة (للكوميديا) منافع نفسية فحسب، وإنما هي أيضا تُشفي فعلا الأمراض. وفي الحقيقة، يوجد فقط قلة متناثرة من الأدلة العلمية تؤيد الفكرة الأخيرة؛ ولكن يبدو أن للضحك والفكاهة آثارا ذات شأن في الحالة النفسية إلى حد التأثير حتى في إدراكنا للألم نفسه. والأكثر من ذلك، فإن الصحة النفسية الجيدة تؤثر إيجابيا في صحتنا كلها، بما في ذلك إمكانية تعرضنا لخطر المرض.

 

فالضحك يريحنا من التوتر العصبي ويحسن مزاجنا، وإن سماع النكت ربما يخفف القلق الذي نشعر به. ومقدرة التسلية على وضع حد للألم العضوي الخطير موثقة جيدا، وكما تشير تجربة <كازنس>، فإن تأثير الفكاهة المسكن للألم يستمر بعد نهاية الابتسامة.

 

وتفيد الدراسات أن المرح، وهو سمة تجعل الناس أكثر استعدادا للتفاعل مع ما يضحك، مرتبط بسهولة التكيف المتمثل بالقدرة على بقاء المرء حصيفا (متزن العقل) في الظروف الصعبة, ومرتبط أيضا بوجود علاقات وثيقة. ويشير العِلم كذلك إلى أن روح الفكاهة أمر جذاب للجنس الآخر. فالنساء ينجذبن أكثر إلى الرجل صاحب الروح المرحة. ومن ثم، وبطرق مختلفة، قد يزداد الرضا والارتياح بالحياة مع المقدرة على الضحك.

 

تمرين مسلٍ(**)

 

لقد اعتبر أرسطو [الفيلسوف الإغريقي] الضحك كـ «تمرين جسدي ثمين للصحة». ولكن على الرغم من بعض الادعاءات إلى عكس ذلك، فإن الضحك الخافت ربما يكون له تأثير قليل في اللياقة الجسدية. فالضحك يحدث تغييرات قصيرة المدى في وظيفة الأوعية الدموية للقلب والتنفس، إذ يرفع معدل نبضات القلب ومعدل التنفس وعمقه، كما يعزز استهلاك الأكسجين. ونظرا لأنه من الصعب إطالة بقاء الضحك القوي، فمن غير المحتمل أن يكون لقهقهة قوية منافع لأوعية القلب يمكن قياسها، كما نفعل ، مثلا، في حالة المشي أو الركض.

 

وفي الحقيقة، فبدلا من إجهاد العضلات لتكتسب متانة قوية، كما تفعل التمارين الرياضية، فالضحك يبدو أنه يقوم بعكس ذلك. فالدراسات التي ترجع إلى عام 1930 ، تشير إلى أن الضحك يرخي العضلات وينقص من نشاطها لمدة تصل إلى 45 دقيقة بعد نهاية القهقهة.

 

فمن الممكن تصور أن مثل ذلك الارتخاء العضلي ربما يساعد على تخفيف آثار الضغط النفسي. ومع ذلك، فإن فعل الضحك يحتمل أن يؤدي إلى أنواع أخرى من رد الفعل العضلي الذي يحسن من الحالة العاطفية للفرد. ووفقا لإحدى النظريات المشهورة حول العاطفة، فإن مشاعرنا تأتي جزئيا من ردود أفعالنا الجسدانية(3). وفي نهاية القرن 19، تحاجّ كل من <W.جيمس> [عالم النفس الأمريكي] و <C.لانج> [عالم وظائف الأعضاء الدنماركي] في أن البشر لا يبكون لكونهم حزينين ولكنهم يصبحون حزينين عندما تبدأ دموعهم بالجريان.

 

ومع أن الحزن يسبق أيضا الدموع، فإن الدليل يشير إلى أن العواطف تستطيع أن تكون نتيجة لردود أفعال جسدانية. وفي تجربة مختبرية نشرت عام 1988، طلب  <F.ستراك> [عالم النفس الاجتماعي في جامعة فورزبورگ بألمانيا] وزملاؤه إلى متطوعين أن يمسكوا قلما بأسنانهم، لتكوين ابتسامة مصطنعة، أو بشفاههم، للتعبير عن إحباط مصطنع. فذوو العضلات المبتسمة تجاوبوا بحيوية ومرح أكثر إزاء مشاهدة صور متحركة هزلية من أولئك الذين كانت أفواههم مقبوضة كتعبير عبوس، مما يوحي أن التعبيرات الجسدانية ربما تؤثر في العواطف وليس بالضبط عكس ذلك. وبالمثل، فإن التعبير الجسداني للضحك قد يحسن من المزاج.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2009/11-12/pp3.gif
إن مشاهدة الفريق الكوميدي لـ<M.براذرس> (من اليسار إلى اليمين هم: هارپو، گروتشو، زيپو، وشيكو) خففت آلام الصحافي والمؤلف <N.كازنس> الذي أصيب بمرض التهاب المفاصل.

 

وثمة دراسات إضافية دلت على أن الضحك لدى مشاهدة فيلم هزلي باستطاعته أن يخفض من تركيز هرمون الضغط كورتيزول(4) في الدم (مع أنه يبدو أن هرمونات الضغط الأخرى لا تتأثر بذلك). وبما أنه قد تبين أن الارتفاعات المزمنة لمستويات الكورتيزول تضعف الجهاز المناعي، فيمكن أن نتصور أن هذه الآلية قد تساعد على تفادي المرض. وبالفعل، فقد دلت التجارب على أن الضحك يزيد من نشاط خلايا المناعة المسماة بـالخلايا الطبيعية القاتلة(5) في لُعاب الأشخاص الأصحاء.

 

 

[حقائق سريعة]

سخّر الفكاهة(***) 

ينقص الدعم العلمي لمفهوم الضحك كعلاج للمرض، ولكن قد يكون للفكاهة آثار نفسية مهمة حقا.

الضحك يريحنا ويحسّن مزاجنا، وسماع النكت ربما يقلل من قلقنا. وقد يستطيع الضحك أيضا تخفيف آلامنا.

فالمرح، سمة تجعل الناس يتجاوبون بيسر أكثر مع الفكاهة، مرتبط بالتكيف العاطفي ــ المتمثل برباطة الجأش في الظروف الصعبة ــ علاقات وطيدة. وربما يزداد الرضا عن الحياة بالقدرة على الضحك.

 

ومع ذلك، فالضحك، في بعض الحالات، قد يوهن ردود فعل المناعة غير المناسبة. وفي دراسة أجريت عام 2007، قام <H.كيماتا> [باحث الحساسية الياباني] بقياس مستويات هرمون المِلَتونين melatonin في حليب الأمهات  المرضعات قبل وبعد مشاهدتهن لفيديو فكاهي لشاري شابلن أو النشرة الجوية. والملتونين ينظم دورة النوم والاستيقاظ وهو طالما كثيرا ما يضطرب في حالة وجود حساسية الجلد المسماة أتوپك أكزيما atopic eczema، التي كانت موجودة لدى الثمانية والأربعين رضيعا في تلك الدراسة. لقد وجد <كيماتا> أن الضحك نتيجة لمشاهدة الفيلم الهزلي، وليس سماع النشرة الجوية، يرفع من كمية الملتونين في حليب الأم. وإضافة إلى ذلك، فإن حليب الأم المدعم بالضحك ينقص ردود فعل الحساسية لدى الرضع بالنسبة إلى عصارة أنسجةالأشجارlatex  وسوس غبار المنزل  house dust mites. إذن، فجعل الأم المرضعة تضحك يمكن أن يكون أحيانا علاجا للحساسية لدى رضيعها.

 

       وفكرة أن الضحك نفسه، مستقلا عن الفكاهة، ذو منافع فيزيولوجية (لوظائف الأعضاء) ونفسية تحفز دعاة «يوگا الضحك» laughter yoga، وهو تمرين جماعي في محاكاة الضحك، الذي يصبح بسرعة مُعْديًا، مثل التثاؤب. وكثير من المشاركين في مثل تلك البرامج التي تزداد شعبيتها يقولون إنهم يشعرون بعدها بارتياح وسعادة أكثر. ومع ذلك، فبعض الباحثين يشكُّون في وجود منافع صحية مباشرة للضحك المختلق. وعلى سبيل المثال، تعتقد الطبيبة النفسية <B.ويلد> [من جامعة توبنگن] تعتقد أن الشعور بالسعادة الذي تحدَّث عنه الناس بعد تلك التمارين في محاكاة الضحك، هو ناتج من التجربة الاجتماعية للقهقهة ومن تفاعل المشاركين كمجموعة، وليس من التأثير الفيزيولوجي المباشر للضحك.

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2009/11-12/pp2.gif

تحوّل في المنظور(****)

 

وبالطبع، فإن الفكاهة تثير العديد من الأفكار والعواطف إضافة إلى رد فعل اجتماعي مثل الضحك أو الابتسام أو التأوه أو المزاح اللفظي. وفي الواقع، يعتقد معظم الباحثين في مجال الفكاهة أن الموقف النفسي من  الفكاهة، وليس الضحك في حد ذاته، هو الذي ينفع أكثر الصحة العقلية والجسدية.

 

إن الفكاهة هي مهارة فكرية تتطلب مقدرة على رؤية الأشياء بمنظور خاص. فالفكاهة والمسرحية الهزلية (الكوميدية) ترتكزان في الغالب على التواء منطقي غير متوقع وعلى المفارقة paradox أو على إزاحة شيء أو إحلال  شيء آخر محله. وفي قصة «أليس، في بلاد العجائب»(6)  يعلن <ماد هاتر>  لـ<أليس>: «لو كنت تعرفين الوقت مثلما أعرفه، لما حدثتِني عن إضاعته.» فقالت <أليس> بعد ذلك إن عليها أن «تضبط الإيقاع»(7) عندما تتعلم الموسيقى. فرد عليها <هاتر> قائلا: «يا فرحتاه، فذلك هو الطريق الصحيح للتعامل مع الوقت, فهو لا يتحمل الضرب.»

 

وفهم الإشارة إلى الوقت وكأنه شيء حي ذو مشاعر يتطلب القدرة على تحويل المنظور بعيدا عن الرؤية التقليدية لمفهوم الوقت. فعالم النفس السريري <M.تيتز> ومؤسس الجمعية Humor Care [وهي جمعية تنادي بالفكاهة كعلاج  نفسي] يعتقد أن المنظور الفكاهي يكوّن مسافة إدراكية بينك وبين الظروف بطريقة تجعلها تحميك نفسيا. وكما كتب <فرويد> عام 1928 «إنّ مما لاشك فيه، أن جوهر  الفكاهة يتمثل بتمكين الشخص من إعفاء نفسه من الآثار التي قد تؤدي إليها بصورة طبيعية الحالةُ؛ فيتجاوز بنكتة إمكانية حصول مثل ذلك الأثر العاطفي.»

 

إن المنظور الفكاهي يستطيع تكوين مسافة إدراكية بينك وبين الظروف بطريقة تحميك نفسيا.

 

ومثل ذلك الابتعاد الاستعرافي والعاطفي قد يساعد على إبقاء القلق بعيدا. ففي عام ،1990 قامت <A.N.يوڤتيك> [وهي حاليا باحثة صيدلانية لدى الشركةRho,Inc] بإجراء دراسة مع عالمي النفس <A.J.ديل> و <A.M.هوداك>, أبلغوا ثلاثة وخمسين طالبا جامعيا أنهم قد يتعرضون لصدمة كهربائية خلال اثنتي عشرة دقيقة (مع أنه لا يُتوقع حدوث صدمة وشيكة). وأثناء الانتظار، استمع بعض الطلبة إلى شريط تسجيل هزلي، في حين استمع آخرون إلى خطاب جاد خالٍ من الفكاهة أو لم يسمعوا أي شيء على الإطلاق. فأفاد الطلبة الذين استمعوا إلى الفكاهة أنهم شعروا بقلق أقل أثناء اقتراب الصدمة الكهربائية المزعومة من المجموعتين الأُخريَيْن. وإضافة إلى ذلك، فإن المشاركين الذين سبق أن حصلوا في اختبار الشخصية على درجة أعلى في حِسِّ الفكاهة لديهم أظهروا أنهم أقل توترا من الآخرين، وهو ما يشير إلى أن الفكاهة هي فعلا مهدئة.

 

ولأسباب مشابهة، فإن الفكاهة تستطيع أن تخفف من حرقة الانهزام وخيبة الأمل، وبذلك تساعد الناس على مقاومة الصعوبات. ففي منتصف عام 1990 قام <W.روخ> [وهو حاليا أستاذ علم النفس بجامعة زوريخ] مع باحثين من جامعة دوسلدورف بألمانيا بتكوين مقياس للمرح وحِسّ الفكاهة سمي بيان حالة سمة المرح(8) (STCI). تُميّز أسئلة هذا المقياس بين مزاج آنيّ (حالة) لشخص ــ ناتج ، مثلا، من نكتة ــ واستعداد عام لديه للاستمتاع (سمة). فتسجيل درجة عالية في المرح يعني أن الشخص يكتسب بسهولة مزاجا مرحا ويضحك بسرعة.

 

وإحدى منافع الطبع المرح تتمثل بالقدرة على التكيف، وهي قوة نفسية تقي الناس عاطفيا من الأزمات وتمكِّنهم من رؤية بريق أمل في خيبات الحياة الكبيرة، مثل نهاية زواج أو خسارة وظيفة: وعلى حد قول <روخ>: «الفكاهة تقوي النفس.» وفي دراسة نشرت في عام 1999 اختار <روخ> وزملاؤه اثنين وسبعين طالبا، اختبروا بالمقياس STCI في غرفة واحدة من ثلاث غرف : غرفة «مرحة»  بنوافذ ملونة؛ وغرفة «كئيبة» مصبوغة باللون الأسود ومضاءة فقط بمصباح كهربائي صغير محبّب السطح ليكون أقل شفافية؛ وغرفة صغيرة «جدية» مليئة بأجهزة علمية وكتب وكتيبات وملصقات عروض. فالمشاركون في الاختبار قاموا بأعمال مثل الرسم وتعبئة استمارات في كل واحدة من الغرف، كمبرر لقضاء الوقت في بيئات (أوساط) منفصلة. وكما هو متوقع، فقد كان لجو الغرفة أثر كبير في الأفراد الأقل مرحا. فالغرفتان الكئيبة والجدية وضعتا الطلبة الأقل مرحا في مزاج أسوأ؛ لكنهما لم تغيرا حالة مزاج هؤلاء المشاركين أصحاب المزاج الأكثر إشراقا، كما جرى قياسه باختبار المزاج mood test.

 

 

اليوم العالمي للضحك(*****)

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2009/11-12/pp4.gif

بإيحاء من الطبيب <M.كتاريا> [مؤسس حركة اليوگا للضحك]، خصص يوم ضحك في مومباي بالهند بتاريخ11 /1/1998. ومنذ هذا التاريخ، نظمت سنويا في جميع أنحاء العالم مناسبات عديدة لتشجيع الضحك والمرح (هذه صورة من مدينة سيدني بأستراليا).

 

وفي اختبار آخر للقوة المانعة للمرح ، نُشرت نتائجه عام 1996، قاس <روخ> والطبيب <C.ونك> وزملاؤهما من جامعة دوسلدورف هذه السمة لدى 68شخصا بالغا وطلبوا إليهم بعد ذلك أن يناقشوا عاطفيا أمثالا محمَّلة  بالمعاني. فوجد الباحثون أن الحديث عن الأمثال السلبية أدى بالناس ذوي الشخصيات الرصينة إلى مزاج سيئ، في حين ظل الأشخاص الأكثر مرحا فرحين كما كانوا من قبل؛ ويشير هذا من جديد إلى أنك لو كنت شخصا مرحا صاحب روح فكاهية فقد يساعدك ذلك على تحمل الأحداث والحالات السلبية.

 

التخفيف من الكرب(******)

 

وإضافة إلى كونهم أقل تأثرا بالأحداث السلبية، فإن الأفراد الذين يتذوقون الفكاهة ربما يكونون أيضا قادرين على إبعاد أنفسهم عن إنذار الألم. ففي عام1928 لاحظ الطبيب <J.J.والش> أنه يبدو أن الضحك يخفف الألم بعد الجراحة. ومنذ ذلك الحين بيّن البحث أن للفكاهة خواص مُهمّدة للألم. وفي عام 1996، بينت دراسة أن المرضى الذين شاهدوا أفلاما مضحكة كانوا أقل احتياجا إلى مسكنات الألم الخفيفة بعد عملية جراحية من أولئك المرضى الذين شاهدوا أفلاما جدية أو لا شيء على الإطلاق.

 

 

الفكاهة في المخ(*******)

 يحتوي المخ على شبكة من المناطق التي تمثل الأساس لإدراك النُكت. وقد أشارت دراسات عديدة إلى أن المقدم الجبهي للقشرة الدماغية(9) (باللون الأصفر) يؤدي دورا رئيسيا في ذلك. فأي ضرر يصيب تلك المنطقة، يعطل مقدرة الشخص على إدراك النكت والتفاعل معها عاطفيا. وتلمح أيضا بعض الأدلة إلى أن المقدم الجبهي للقشرة الدماغية يصير أكثر نشاطا كلما كانت النكتة أكثر هزلا. وفي الوقت نفسه، تشير تجارب أخرى إلى أن إحدى لوزتي الحلق(10) (مثيرة للعواطف بما فيها الخوف) ورأس المذنب(11) (كلاهما باللون الأحمر)، إضافة إلى أجزاء أخرى من نظام المثوبة(12) في المخ، تعتبر عوامل أساسية لفهم الفكاهة.

فدراسة عام 2005 لعالم الأعصاب <A.رايس> وزملائه في كلية الطب بجامعة ستانفورد تحاول أن توفق بين تلك النتائج, وذلك باقتراح أن مناطق المخ المعرَّضة للإثارة/للتنشيط كرد فعل على نكتة هزلية أو على صورة متحركة، تعتمد على شخصية الفرد.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2009/11-12/29.gif

 فقد أوضح <رايس> والعاملون معه أن المقدم الجبهي للقشرة الدماغية ومنطقة قريبة منه(13) في مخ الشخص الانبساطيextroverted يضيء في الغالب عندما  يتفاعل هذا الشخص مع صورة متحركة هزلية (النقاط البنفسجية في  المخ). ومن جهة أخرى، فلدى الأشخاص الانطوائيين introverts تصبح  إحدى لوزتي الحلق والجزء الأمامي للشحمة الصدغية أكثر نشاطا عندما  يشاهد أحد هؤلاء الأشخاص صورا متحركة فكاهية (اللون الأزرق). ويقترح الباحثون أن تلك البنى تتوسط المشاعر الإيجابية لدى الناس عند تفاعلهم مع الفكاهة بمشاعر غبطة آتية من مواقع مختلفة في المخ لدى الانبساطيين والانطوائيين على حد سواء.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2009/11-12/29-2.gif

ففي دراسة نشرت عام 2008، وجد عالم الأعصاب <W.گرود> وزملاؤه في جامعة توبنگن بألمانيا أن الشخصية المرحة ، كما تقاس باختبار حالة سمة المرح(14)، ذات علاقة بتنشيط مناطق القشرة الجانبية للدماغ أثناء مشاهدة الصور المتحركة لـ<G.لارسون>  (لم يربطوا المرح بالنشاط في مناطق المخ الرئيسية مثل إحدى لوزتي الحلق). فمنطقة القشرة الدماغية التي استجابت للمشهد المضحك المتمثلة بالجزء الصغير لجدار الرأس الخلفي(15) (اللون الأخضر)، هي مسؤولة عن حل تنافرات الأشياء التي تمثل مهارة جوهرية لفهم الفكاهة. ويعتقد الباحثون أن اضطرابا في هذه المنطقة ربما يميز الشخص الذي يضحك بسهولة ويستمتع بالنكات الغامضة.

<I.ويكليگرين> محررة لدى ساينتفيك أمريكان 

 

فتأثير الفكاهة المسكن للألم يتطلب التمتع (الانبساط) ولكن ليس بالضرورة الضحك، وذلك حسبما جاء في دراسة عام 2004 ل<روخ>  بمشاركة اثنين من طلبته في الدراسات العليا. لقد طلب الباحثون إلى 56 امرأة أن  يغطسن إحدى أيديهن في ماء مثلج قبل، ومباشرة بعد، ثم بعد 20 دقيقة، من مشاهدة  فيلم  مضحك مدته سبع دقائق. وكرد فعل على الفيلم طلب إلى بعض النساء أن يضعن أنفسهن في مزاج مرح من دون ابتسامة أو ضحك، وطلب إلى أخريات منهن التبسم والضحك كثيرا، كما طلب إلى البقية منهن أن يصدرن تعليقات شفوية مضحكة حول الفيلم أثناء مشاهدتهن له.

 

وكما هو متوقع، فمشاهدة الفيلم المضحك عززت القدرة على تحمل الألم لدى هؤلاء النساء: فبعد رؤية الفيلم الهزلي تمكنت المشاركات من ترك أيديهن فترة أطول في الماء قبل أن يشعرن بالألم، واستطعن أيضا الإبقاء على أيديهن في الماء فترة أطول قبل سحبها منه. وهذه التغيرات في الإحساس بالألم استمرت لنحو عشرين دقيقة بعد نهاية الفيلم. ويبدو أن الابتسام، وليس بالضرورة الضحك ، هو الأهم أثرا في تخفيف الألم. فالنساء اللائي طلب إليهن تحاشي الابتسام كرد فعل على الفيلم، شعرن عموما بألم أشد، وأن نساء المجموعة اللاتي لم ينجحن في كبح ابتسامة عريضة أظهرن تحملا أكبر للألم من الأخريات.

 

 وقد بدا للباحثين أن الافتقار إلى الجدية (نظير المرح، وليس عكسه) يساعد أيضا على ذلك. فالأفراد الذين سجلوا مستويات متدنية في الجدية، كما قيست بالاختبار STCI، أظهروا ابتساما وضحكا حقيقيين، قلَّلا من شعورهم بالألم. ويخمن المؤلفون أن الناس الذين هم بشكل عام أقل هدوءا يأخذون الألم بجدية أقل. ويرى هؤلاء المؤلفون أن الجدية أو نقيضها، المزاح، ربما هما مؤشران جيدان إلى معرفة ما إذا كان التدخل باستعمال الفكاهة مناسبا للتخفيف من ألم شخص من الأشخاص.

 

وإضافة إلى كبح الألم، فإن الشخص المرح أقدر على إقامة صداقات. فالناس المرحون يتمتعون بأسلوب تفاعل مع الآخرين خال من الهموم يُسهل لهم إقامة روابط وثيقة مع الآخرين ويوفر لهم سندا اجتماعيا. وقــــد يكونون أيضــــا أكثر حظــــا مع الجنــس الآخــــر. ففي عــــــــام 2006 ذكر  أستاذا عـــلم النفـــس في جامعـــــة مــاك ماستر بكندا <R.E.براسلار> و<S.بلشاين>، أن النساء يملن أكثر إلى مصاحبة رجل يرينه في صورة إذا كانت هذه الصورة مرفقة بمقتطف هزلي له. وفي الواقع، تفضل النساء الرجال المسلين (الهزليين) مع تقييمهن لهم في العادة على أنهم أقل ذكاء وجدارة بالثقة.

تستطيع الفكاهة أن يكون لها خواص القضاء على الألم: فالمرضى الذين شاهدوا أفلاما كوميدية (هزلية)

مضحكة احتاجوا إلى مسكنات ألم معتدلة أقل بعد جراحة تقويم الأعضاء.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2009/11-12/pp6.gif

 

ومع أن الرجال في دراسة <براسلار> و<بلشاين> لم يفضلوا النساء الفَكِهات كشريكات، فإن بحثا آخر يدل على أن كلاّ من الرجال والنساء يفضلون من لديهم «حس الدعابة»(16) عند اختيارهم شريكا لهم. وفي كلتا الحالتين، يبدو أن الرجال يميلون إلى النساء اللائي تُضْحِكُهُنَّ نكتهم. وتشير دراسة أجريت عام 1990 إلى أنه عندما يتحدث رجل إلى امرأة من غير كلفة(17)، فإن مقدار ضحك هذه المرأة يدل على رغبتها في مصاحبة هذا الرجل وعلى انجذابها إليه (ولم تُلاحظ علاقة بين ضحك الرجل والانجذاب إليه في أي من الاتجاهين).

 

الاستشفاء بالفكاهة(********)

 

 وبسبب المنافع النفسية الكثيرة للفكاهة، يقوم الآن بعض علماء النفس وخبراء الصحة العقلية باختبار الكوميديا (التمثيل الفكاهي) كعلاج للضغط والاكتئاب غير الحاد أو مجرد الشعور بهبوط معنوي. فعالم النفس  <P.ماك گي> [وهو باحث سابق في الفكاهة وحاليا، رئيس منظمة العلاج بالضحك(18) في مدينة ولمنگتن في أمريكا] أعدّ تدريبا فكاهيا واسع الاستعمال لمساعدة الناس على معالجة الضغط (انظر الصورة المقابلة). وفي دراسة لم تنشر بعد، وجد <روخ> مع طلبته في الدراسات العليا أن برنامج ماك گي ساعد96 فردا  يتمتعون بسلامة الصحة النفسية على أن يصبحوا بطريقة طبيعية أكثر مرحا وارتياحا  ورضا بحياتهم، وهو تحسن دام مدة شهرين على الأقل.

 

وفي عام 2008 أدخل عالما النفس <I.پاپوسيك> و<G.شولتر> [في جامعة گراز بالنمسا] منهجا دراسيا جديدا لتعليم الناس كيف يجعلون أنفسهم مرحين، الأمر الذي ترك المشاركين في أحسن مزاج لمدة يومين على الأقل بعد نهاية مقررهم الدراسي الذي استمر ثلاثة أسابيع. وقد شعر المشاركون أيضا بهدوء أكثر وظهرت لديهم انخفاضات في ضغط الدم.

 

لقد استعمل <ويلد> والطبيبة النفسانية <I.فلكنبورگ>،  برنامج ماك گيMcGhee مع مرضى يشكون من حالة اكتئاب معتدلة.  وحتى وقت قريب، اعتبرت الفكاهة محرّمة في العلاج النفسي. ويقول <ويلد>: «بالطبع  لا تستطيع أن تتخلص بالضحك من مرض عقلي خطير.» فلا أحد يقترح الفكاهة كعلاج للاكتئاب الشديد، ولكن كون المرء مرحا يمكن أن يخفف من المحن المعتدلة التي تصيبه. ففي العلاج النفساني ــ طالما يتعلم المرضى كيف يؤولون أو يبتعدون عن العواطف السلبية مثل الكرب والخوف. فالفكاهة تساعد على بلوغ هذه الأهداف. يرى <ويلد> «أن امتلاك روح فكاهية, يمكن أن يكون استراتيجية مهمة للتغلب على المصاعب.»

 

 للناس المرحين أسلوب تفاعل جذل يسهل إقامة علاقات وثيقة مع الآخرين وكسب سند اجتماعي.
http://oloommagazine.com/Images/Articles/2009/11-12/pp7.gif
 

معلمو الكوميديا(*********)

فعالم النفس <P.مك گي> رئيس منظمة الضحك كعلاج Laugther Remedyفي مدينة ولمنگتون الأمريكية، أنشأ برنامجا  للتدريب على الفكاهة من أجل مساعدة الناس الأصحاء على التغلب على الضغوط العادية. والتدريب على الفكاهة يعلم الناس كيف يبعدون أنفسهم عاطفيا عن المسائل المقلقة بالفكاهة والضحك. والبرنامج يتكون من ثماني خطوات، ويتوقع أن تتم كل واحدة منها في أسبوعين تقريبا:

1- صف خصائص روحك الفكاهية.

2- اجعل نفسك أقل جدية وأكثر لعبا بالنسبة إلى الحياة.

3- اعمل لصالح شهوتك للفكاهة.

4- حسّن مقدرتك على قول النكت.

5- انشأ فكاهتك العفوية.

6- ابحث عن الفكاهة في الحياة اليومية.

7- تعلّم الضحك على نفسك.

8- استعمل جميع ما ورد أعلاه لمواجهة ضغوط الحياة.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2009/11-12/pp8.gif

 

لقد قام <ويلد> و<فلنكبورگ> بتدريب مرضى لتكون الفكاهة جزءا من حياتهم اليومية. فالباحثان يحددان أولا ما يُضْحِك الأفراد وذلك بسؤال كل واحد منهم ليتذكر تجربة فكاهية وتقديم صور أو صور متحركة تجعله يضحك. وفيما بعد، يُشجع المرضى على رؤية الجوانب المسلية أو المضحكة للظروف ــ وفي بعض الحالات يجري تبادل حر لوجهات النظر بين أفراد الجماعة ــ أو على جمع أو تكوين كلمات وجمل يعبّر مضمونها عن أبعادها المضحكة.  ولم يتوقع من أحد أن يضحك على أي شخص آخر أو أن يجعل من مرض هذا الشخص موضوع هزل. وتُمنع أيضا في هذا التدريب التعليقات التي تعبر ضمنيا عن أشكال وضيعة من الفكاهة مثل التهكم أو السخرية، أو الفرح لمصيبة الآخرين أو بؤسهم.

 

وحتى الآن، اكتشف <ويلد> و<فلنكبورگ> أن العلاج النفسي بالفكاهة يستطيع مؤقتا تحسين مزاج المرضى، وهما الآن يسبران آثاره الطويلة المدى. وفي غضون ذلك، تلمح دراسة أخرى إلى أن الفكاهة قد تستطيع الكشف عن الاكتئاب. ففي عام 2007، أفاد الطبيب النفساني <M.ولتر> وزملاؤه في جامعة باسِل بسويسرا أن 10 مرضى كبيري السن مكتئبين من بين الذين تلقوا تدريبا على  الفكاهة إضافة إلى الدواء، كانوا أكثر رضا على حياتهم من مرضى في مجموعة استعملت الدواء فقط. ويقول <ولتر>: «إن المرضى ينفتحون نفسيا بسهولة أكبر على الآخرين, وهم أكثر حيوية في تفاعلاتهم» بعد العلاج النفسي بالفكاهة.

 

وتتمثل إحدى العقبات لمثل تلك الجهود بأن بعض المرضى المعالَجين بالطب النفسي يعانون مشكلات تتعلق بمعرفة مضمون بعض ما يطرح عليهم بسبب إعاقة اجتماعية أو ضعف في الذاكرة يمنعهم من فهم ما يقصده قائل النكتة أو من الحفاظ في ذاكرتهم على نكتة من أولها إلى آخرها الذي يعبر عن مضمونها المضحك. وبسبب الإخفاق في تلبس إحساس الغير(19)، فإن الأشخاص المصابين بالتوحد autism يفشلون أيضا في إدراك الفكاهة في نكت كثيرة.

ولكن بالنسبة إلى معظمنا، فقد تمثل الفكاهة البلسم الذي نحتاج إليه كي حتى نتغلب بهدوء أكبر على العقبات التي تواجهنا يوميا، وكي نكسب أصدقاء وندرأ عن أنفسنا حتى الألم الجسدي. ووفقا لفيلسوف القرن الثامن عشر <إيمانويل كانط>، فإن الضحك هو أحد الطرق الثلاثة التي يمكن أن يتبعها البشر لمواجهة مشكلات الحياة. أما الطريقتان الأخريان؛ فهما الأمل والنوم.

 

المؤلف

Steve Ayan

 عالم نفسانيّ ومحرر لدى المجلة الألمانية Gehirn & Geist.

                 

  مراجع للاستزادة

 

Humor. Willibald Ruch in Character Strengths and Virtues: A Handbook and Classification. Edited by C. Peterson and M.E.P. Seligman American Psychological Association and Oxford University Press, 2004.

 

Do Cheerfulness, Exhilaration, and Humor Production Moderate Pain Tolerance?A FACTS Study. Karen Zweyer, Barbara Velker and Willibald Ruch in Humor 17-1 /2, pages 85-119; 2004

.

Personality Predicts Activity in Reward and Emotional Regions Associated with Humor. Dean Mobbs et al. in Proceedings of the National Academy of Sciences USA, Vol. 102, No 45, pages 16502-14506; November 8, 2005.

 

The Influence of Humor on Desirability.Eric R.Bressler and Sigal Balshine in Evolution and Human Behavior, Vol.27, No.1mpages 29-39; January 2006.

 

The Sense of Humor: Explorations of a Personality Characteristic. Edited by Willibald Ruch. Mouton de Gruyter, 2007.

 

Humor and Laughter May Influence Health, Part 3: Laughter and Health Outcomes. Mary Payne Bennett and Cecile Lengacher in Evidence-Based Complementary and Alternative Medicine, Vol. 5, No. 1, pages 37-40; March 2008.

 

(*)LAUGHING MATTERS
(**)Amusing Exercise
(***)Harnessing Humor

(****)Shifting Perspective
(*****)World Laughter Day

(******)Easing Agony

(*******)Humor in the Brain

(********)Healing with Humor

(*********)Educating Comedians

 

(1) The Marx Brothers
(2) Anatomy of an Illness as Perceived by the Patient
(3) physical = جسدانيّ: معنيٌّ بالدرجة الأولى بالجسد.

(4) cortisol

(5) natural killer cells in saliva

(6) Alice in Wonderland

(7) beat time

(8) the State-Trait Cheerfulness Inventory

(9)the prefrontal cortex   

(10)amygdala

(11) the nucleus accumbens

(12)the brain’s reward system

(13) bitofrontal Cortex

(14) the State-Trait Cheerfulness Inventory

(15) Inferior parietal lobule

(16)sense of humor

(17) chat؛ حديث من غير كُلفة.

(18)president of the laughter Remedy

(19) empathize

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى