أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الدماغعلم الأعصاب

الـسحر والدماغ


الـسحر والدماغ(*)

منذ مئات السنين، كان السحرة يختبرون ويستغلون حدود ملكتي الإدراك

والانتباه لدى البشر. وعلماء الأعصاب اليوم على وشك اللحاق بهم.

<S.مارتينيز-كوندي> ــ <L.S.ماكنيك>

 

مفاهيم مفتاحية

    غالبا ما تنجح الخدع السحـرية بالتوجيه الخاطئ الباطني، وذلك باجتذاب انتباه المشاهدين بعيدا عـن السـرّ (الطـريقة) المؤدي إلى نجاح الخدعة.

   يتفحص علماء الأعصاب الخدع السحـرية؛ لتعلّم كيفية إخضاعها لدراسات تجـريـبـية ولسبـر تلك الجوانب مـن الشعور غيـر المبنـية بالضرورة على الواقع الحسي المتداول.

   يظهر التصويـر الدماغي أن بعض مناطق الدماغ تنشط بصورة خاصة خلال أنواع معينة مـن الخدع السحـرية.

محرِّرو ساينتفيك أمريكان

 

تُسلَّـط أضواء المسـرح على مُساعِدَةِ الساحـر بملابسها البيضاء البالغة  الصغـر. وهذه المُساعِدة منارة مضيئة مـن جمال مشع مـن المسـرح إلى المشاهديـن. ومن ثمّ، يعلن الساحـر الكبيـر <تومسوني> أنه سيغيّـر لون ثيابها الأبيض إلى الأحمـر. فيمْسك المشاهدون أطـراف مقاعدهم مجهديـن أنفسهم في التـركيـز على تلك المـرأة معمّقيـن صورتـها على شـبكيات عيونهم. يصفّـق <تومسوني> بـيديه، فتعتم الأضواء لأمد وجيـز قبـل عودتها متوهجة بـأجـيج أحمـر اللون وتـتـقـاذف المساعدةَ أمـواجٌ في فيض مـن الاحمرار.

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/1-2/2010_01_02_38.jpg

 

قف، لحظة! لم يكـنْ تحويـل الألوان باستعمال أضواء المسـرح هو بالضبط ما كان يدور في أذهان المشاهديـن. يقف الساحـر عند جانب مـن المسـرح مبديا ارتياحه مـن دعابته الصغيـرة ويعتـرف، شارحا ذلك بأسلوب شيطاني، أنها كانت حيلة رخيصة مـن النوع المفضـل لديه. ولكن، عليك أن تـقر أنه بدّل لون ثيابها، إضافة إلى ما تبقّـى مـن جسمها, إلى الأحمـر. ومـن فضلك، سامحه وحوّل انتباهك مـرة أخـرى إلى مساعدته الحسناء وهو يعيد تبديل الإضاءات استعدادا لخدعته التالية. يصفّـق بـيـديه، فتخفت الأضواء ثانية ثم يتفجـر المسـرح في مسْتعـر ساطع مـن البياض. ولكن انتظـر، ها قد تغـيـرت ثيابها فعلا إلى اللون الأحمـر. <تومسوني> العظيم قد فعلها مـن جديد.

 

   تكشف الخدعة وتفسيـرها مـن قبـل <J.تومپـسـن> (الملقب أيضا تومسوني العظيم) عـن امتلاكه إدراكا حدسيا عميـقا لما يجـري مـن السيـرورات العصبية في أدمغة المشاهديـن ــ من نمط ذلك الإدراك الذي يمكـنـنا نحـن ــ المختصين بعلم الأعصاب ــ تقديـره حـق قدره لما له مـن فائدة علمية لنا. إليك كيفية تدبيـر الخدعة. لدى تعـريف <تومپسـن> مساعدته للمشاهديـن وهي بفستانها الأبيض الملتصق التصاقا ضيقا بجسمها، يستدرجهم مـن دون نطق أي كلمة إلى الافتـراض بعدم وجود أي شيء، وبالتأكيد ليس فستانا آخـر يمكـن إخفاؤه تحت ملابسها البيضاء. وغنيّ عـن القول بخطأ هذا الافتـراض، على الرغم من معقوليته. وهذه المـرأة الجذّابة وهي بملابسها الضيقة تساعد أيضا على توجيه اهتمام المشاهديـن نحو أجـزاء من جسمها، حيثـما يـشاء <تومپسـن> بالضبط. وكلّـما زاد تحديق المشاهديـن بها، قـلّ انتباههم لوجود أدوات مخفية على أرضية المسـرح، وغدتْ عصبوناتهم الشبكيّة(1)  أفضـل تكـيّـفا لتحـسـس  سطوع الضوء واللون.

 

وطوال ثـرثـرة <تومپسـن> بعد «دعابته» الصغيـرة، كانـت الـمنظومة الـبصـرية لجميع المشاهديـن خاضعة لسيـرورة دماغية تسمى التكيف العصبي(2)، إذ تـتـناقص مع مـرور الـزمـن استجابة منظومة عصبـية لمحفـز متـواصـل (الاستجابة تقاس بسـرعة إطلاق العصبونات ذات الصلة). وكأنما العصبونات تـتجاهـل تجاهلا فعالا أي محفّـز(3)  متـواصـل كي تحافظ على قدرتها على إرسال إشارة بأن محفّـزا ما في دوْر التغيـر. وحيـن ينقطع المحفّـز المتـواصل تطلـق العصبونات المكـيّـفة استجابة ارتداد تعـرف بأنها بعد التفريغ(4).

 

وفي هذه الحالة، يكون المحفّـز المكـيّف هو الفستان المضاء بالأحمـر. ويعلم <تومپسـن> أنه خلال جزء من ثانية، بعد تعتيم الأضواء، سترتد العصبونات الشبكيّة إلى المشاهدين. وسيستمـرون خلال ذلك برؤية صورة تلويّـة(5) حمـراء بشكل المـرأة. وفي أثناء ذلك الجزء من الثانية، ينفتح باب في أرضية المسـرح، ويخلع عن المرأة فستانها المثبت بيسر بواسطة شريط خاص، والمـربوط بأوتار غير مـرئية مؤدية إلى تحت أرضية المسـرح. ومن ثم، تعاد الإضاءة مـرة أخـرى.

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/1-2/2010_01_02_39.jpg
يجـري الساحـران <پـن> و<تلـر> صيغة محدّثـة مـن الخدعة التقليدية «تقطيع السيدة إلى نصفيـن بالمنشار»، خدعة لا تزال تُحْدِثُ وَهْماً لا ينسى. (يُشَغِّلُ <پـن>  المنشار و<تلـر> ضحيته المستسلمة بكل راحة نفس). يكـيّف علماء الأعصاب وسائل السحـر في أنواع متعددة مـن التجارب، مـن بـينها دراسات في كيفية استجابة الدماغ للأحاسيس التي تبدو منتهكة جميع خبراتنا السابقة بالواقع.

 

هنالك عاملان آخـران يساعدان على نجاح الخدعة. أولهما، سطوع الإضاءة قبيل خلع الفستان سطوعا شديدا، فحين التعتيم لا يتمكـن المشاهدون مـن رؤية الحـركات السـريعة بالأوتار والفستان الأبيض وهي تخفى تحت المسـرح. ويمكن أن تتعرض لمثـل هذا العمى المؤقت نفسه إذا دخلت مـن شارع فيه الشمس ساطعة إلى دكان قليل الإضاءة. وثانيهـما، عدم إجـراء <تومپسـن> خدعته الحقيقية إلاّ بعد جعله المشاهدين يعتقدون أن الحيلة قد انتهى أمـرها؛ مما يعطيه أفضلية معرفية ــ إذ لم يعدْ المشاهدون يتـرقبون خدعة أخرى، فيتـراخى قليلا تدقيق نظرهم.

 

علم جديد في سحر الأعصاب(**)

 

توضّح حيلة <تومپسـن> توضيحا حسنا الطبيعة الجوهـرية لسحـر المسـرح. فالسحـرة هم أولا وقبـل كـل شيء، يتقنون فن الانتباه والوعي. إنهم يدولبون(6) ملكات التـركيـز وشدة الانتباه البشـري ويتحـكمون، في كل لحظة مفروضة، فيما نـحـن واعون وفيما نحن لسنا واعيـن. ويقومون بكـل هذا جـزئيا باستعمال تـراكيب محيـرة مـن أوهام مـرئية (كصور تلويّـة) وأوهام بصـريّة (الدخان ومـرايا) وتأثيـرات خاصة (انفجارات وعيارات نارية مـزيفة وتحكمات في الأضواء مضبوطة التوقيت) وشعوذة في خفة اليد وأدوات سـرية الصنع وأجهـزة ميكانيكية (للتلاعب). 

                                   

  لعـل أكثـر أداة في جعبة خدعهم وذات استعمال متعدد الجوانب هي القابلية لإحداث أوهام معـرفية. وتـتـشابه الأوهام المعـرفية والبصـرية بحقيقة أن كلتيهما تضعان أقنعة على الإحساس بالواقع الطبيعي. ومع ذلك، تختـلف الأوهام المعـرفية عـن البصـرية بكونها ليست ذات طبيعة حسية؛ بـل إنها تنطوي في تناولها على مستويات مـن وظائف عالية مثـل الانتباه والذاكـرة والاستنباطات السببية. فيتمكـن السحـرة المتمـرسون وتحت تصـرفهم جميع تلك الأدوات، مـن أن يجعلوا تـتبع طبيعة ما يحدث في الواقع أمـرا أقـرب إلى المستحيـل ــ تاركين الانطباع بأن السحـر هو التـفسيـر الوحيد لما حدث.

 

 

[أوهام بصرية]

أهو خداع للعين أم خداع للعقل؟(***)

   وَهْمٌ منشأه التحديق باللوحة المسماةEnigma (الـــلغـــــز) لــلـفــنــــــان الــفــــرنــــــسي <I.ليفيان>، غالبا ما يُحدث إحساسا خاطئا بحـركة جـريانية في الحلقات المشتـركة المـركـز (حدّق بالبقعة في المركـز). ولكن, هل نشأ الوهم في العين أم في العقل؟ لقد تضاربت الأدلة على ذلك إلى أن بـيّـن المؤلفان وزملاؤهما في الشهر10/2008  أن  الحـركة الوهمية تسيّـر بانـزراقات ميكروية، وهي حـركات عينية لاإرادية صغيـرة تحدث خلال تـثـبت بصـري. ومعـرفة أدوار العين والدماغ في السحـر أمر لا بد منه قبْل إمكان استغلال أوهام السحـر كأدوات اختبارية في علم الأعصاب.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/1-2/2010_01_02_40.jpg

 

وقد بدأ الباحثون في علم الأعصاب باللحاق بالسحـرة في دولبة ملكتيْ الانتباه والمعـرفة. ومـن المؤكد تبايـن هدف علم الأعصاب عـن هدف الألعاب السحرية. إذ يسعى علماء الأعصاب إلى فهم عمل الدماغ والأعصاب، وهي الـركائـز الأساسية للوظائف المعـرفية، في حين يـريد الساحـر على الأغلب استغلال مواطـن الضعف المعـرفي. ومع ذلك، فالأساليب التي طـوّرها السحـرة خلال قـرون يمكنها أيضا ــ إذا استخدمت من قبل علماء الأعصاب ــ أن تكون قادرة على سبـر الأغوار، مكملة وربما موسّعة الأجهـزة قيد الاستعمال المختبـري.

 

 

أوهام معرفية(****)

يدرس علماء الأعصاب طرائق السحرة في استغلال زلاّت ذهنية، وفيما يأتي بعض منها:

عمى التغيير

لا يفطن مشاهد إلى تغيـيـرات حدثت في مشهد خلال انقطاع وجيز.

مثال: تبديل لون الأثاث بين فصلين في مسـرحية.

عمى سهوي

لا يدرك مُشاهد أشياء تحدث بوضوح في مجال النظـر.

مثال: لا يُلاحظ شخص بملابس غوريلا وهو يتجول في مشهد.

عمى الانتقاء

يفسـر مشاهد أسباب انتقاء معين، مع أنه لم يجر هذا الانتقاء.

مثال: لا يلاحظ شخص صورة انتقاها أنها قد استُبْدل بها أخـرى، حتى إنه يبـرّر سبب تفضيله الصورة المستبدلة. [انظر المؤطـر أسفل الصفحة 43].

ارتباط موهم

حادث يبدو وكأنه سبب لحادث ثان غيـر مـرتبط بالأول.

مثال: يلـّوح ساحـر بعصاه، فيظهـر أرنب.

 

فعلم الأعصاب آيـل إلى التأقلم مع طـرائـق السحـر وذلك بإخضاع السحر نفسه إلى دراسة علمية ــ في بعض الحالات مبينا لأول مـرة كيف تعمل هذه الطرائق في الدماغ. فالدراسات المتعددة التي أجـريت حتى الآن علـى السـحـر عــززت مـا هـو معلوم ــ مـن دراسات سابقة في علم النفس التجـريبي ــ عـن ملكتيْ المعـرفة والانتباه. وربّ متهكم قد يقول: لماذا تجـرى دراسة أخـرى لمجـرد تعـزيـز ما هو معـروف جيدا مـن قبـل؟ ولكـن انـتـقادا كهذا يغْفـل الأهمية والقصد مـن تلك الدراسات. إذ يتمكـن علماء الأعصاب بدراساتهم طـرائق السحـر أن يجعلوا أنفسهم أكثر تآلفا مع أساليب يمكـنهم تبنيها لأغـراضهم العلمية الخاصة. ففي الحقيقة، نعتقد أنه كان مـن الممكـن أن يتـقدم علم الأعصاب المعـرفي بسرعة أكبر لو سبـر الباحثون أفكار السحـرة في زمـن مبكـر أكثـر. وحتى اليوم، قد يمتلك السحـرة خدعا لم يتبناها بعد علماء الأعصاب.

 

   ويأمـل علماء الأعصاب باستعمالهم أدوات السحـر، في التمكـن مـن تعلم كيفية تصميم اختبارات أشد متانة وإنشاء أوهام معـرفية وبصـرية أكثـر فعالية لاستكشاف الأسـس العصبـية للانـتباه والوعي. ويمكن باتباع أساليب كهذه جعـل تصميم دراسات اختبارية للمدركات ممكنة ليس فقط مع أشخاص أذكياء وشديدي الانـتباه، فهذه الأساليب قد تؤدي أيضا إلى وسائـل تـشخيصية وعلاجية لمـرضى يشكون مـن نقائص معـرفية نوعية ــ مثـل عوز الانـتباه الناجم عن صدمة دماغية والاضطراب(ADHD(7  (اضطراب فرط النشاط مِعوز الانتباه) وداء ألزهايمـر وأمثالها. ويمكـن وضع أساليب السحـر لاستخدامها في «مخادعة» المـرضى كي يركزوا على الأجـزاء المهمة أكثر مـن علاجاتهم، في حين تكـبت المشوشات التي تسبب ارتباكا وانحـرافا في التوجه.

 

ويستعمل السحـرة المصطلح العام: توجيه خاطئ(8) للدلالة على ممارستهم تحويل انتباه المشاهدين عن إجراء سري. فالتوجيه الخاطئ باستعمال مصطلحات اللغة الخاصة للسحر، يوجه انتباه المشاهديـن نحو «النتيجة» بعيدا عن «الطـريقة» المستـترة وراء هذه النـتيجة. وقد صنـّفنا، مستعيريـن بـعض المصطـلحات مـن عـلم النـفس الـمعـرفي، التوجيه الخاطئ إلى «ظاهـري(9)» و «باطني(10)». يكون التوجيه الخاطئ ظاهـريا إذا أعاد الساحـر اتجاه تحديق المشاهديـن عن الطـريقة ــ ربما بطلبه إلى المشاهديـن النظـر إلى شيء معيـن. وعلى سبيل المثال، عندما يقدّم <تومسوني> العظيم مساعدته الـرائعة يضمـن توجه جميع العيون نحوها.

 

أما أسلوب التوجيه الخاطئ «الباطني»، فهو بالمقابل أكثـر غموضا؛ والساحر هنا أيضا يُركز بؤرة الشكّ بعيدا عـن الطـريقة؛ ولكـن دون حاجةٍ إلى إعادة توجيه تحديقهم. ومع أن المشاهديـن، تحت تأثيـر التوجيه الخاطئ الباطني، قد ينظـرون مباشرة إلى الطريقة المستـترة وراء الخدعة إلا أنهم لن يكونوا واعين بها على الإطلاق.

 

 ويعتـرف علم الأعصاب المعـرفي(11) بنوعين، على الأقل، مـن التوجيه الخاطئ الباطني. ففي ما يسمى عمى التغيـيـر(12)، يخفق الناس في ملاحظة اختلاف شيء ما حول مشهد عـما كان عليه سابقا. وقد يكون التغـيـيـر متوقعا أو غيـر متوقع، لكـن ميـزتـه الخاصة هي أن المشاهديـن لا يلاحظونه بالنظـر إلى المشهد في أية لحظة. بدلا مـن ذلك، على المشاهد إجـراء مقارنة الحالة بعد حدوث التغيـيـر مع الحالة قبل حدوثه.

 

 

 [عمى التغيير]

أتـسـتـطـيـع مـنْـعـنـا من قـراءة أفـكـارك؟(*****)

   أتستطيع تفسيـر نتائج التجـربة التالية لقـراءة الأفكار التي قام بها <C.پكؤفر> [المؤلف الوفيـر الإنتاج للكتب الشعبـية في العلوم والـرياضيات]؟ لقد أعدّ محـررو مجلة ساينتفيك أمـريكان محاكاة لاختبار <پكؤفر> الذي يمكنك عمله هنا، أو يمكنك تجـربة نسخة محيّـرة أكثـر على الإنتـرنت في الموقع الإلكتـرونيhttp://sprott.physics.wisc.edu/pickover/esp.html. ونعتقد أنه باستعمالنا منظومته المسماة ESP، نستطيع التنبوء بالنـتيجة الصحيحة لاختيارك بدقة 98% .لتبدأ، اختر واحدة مـن أوراق اللعب الست أدناه وتذكرها.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/1-2/2010_01_02_41_a.jpg

 

ردّدْ اسمها بصوت عال . وحالما تشعـر أنه مـن المؤكد أنك ستـتذكـرها،

ضع دائـرة حوْل إحدى صور العيون في السطـر أدناه. ومن ثم، انتقل إلى الصفحة 45.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/1-2/2010_01_02_41_b.jpg

 

لقد بيّنتْ دراسات متعددة أنه لا حاجة إلى دقة في التغيـيـرات كي يحدث عمى التغيـيـر. فحتى التبديلات الدرامية في مشهد مـرئي قد تمـر مـــن دون ملاحظة إذا حدثـــتْ خلال فتــــرة انقطــــاع انتقـــالي مثل طـرْفــــــة عــين أو حركة سـريعـــــة لها مـن مكــان إلى آخـــر أو ترجـــــرج المشــهد. والفيديـو المعنْون «خدعة تغيـيـر لون ورقة لعب» للعالم النفسي والساحـر <R.وايزمـن> [من جامعة Hertfordshire بإنگلتـرا] مثال درامي للظاهرة، وهذا الفيديو متوفر على الإنترنت في الموقع التالي: [www.youtube.com/watch?v=voAntzB7EwE]. وفي تجربة <وايزمن> التوضيحية ــ التي تستحق المشاهـــــدة ــ يخفــق المـــشـــاهد في ملاحظـة ما يحدث مـن تبدلات في الألوان بعيدا عـن الكاميـرة. ومـن الجديـر بالذكر أن «خدعة تغيير لون ورقة اللعب» على الرغم مـن اسمها لا تستخدم السحـر لتوضيح مقصدها.

 

أما العمى السهوي(13)؛ فيختلف عـن عمى التغييـر في كونه لا يتطلب مقارنة المنظـر الحالي بمنظـر مـن الذاكـرة. ففي الحقيقة، يخفق الناس في ملاحظة شيء غيـر متوقع قابل أن يُرى بكامله وهو مباشـرة أمامهم. وقد اختـرع عالم النفس <J.D.سيمنز> مثالا كلاسيكيا لهذا النوع. فقد طلب <سيمنـز> إلى مشاهدين إجـراء تعداد المرات التي يقوم «فريق» من ثلاثـة لاعبي كرة سلة بتمرير الكرة بينهم فقط متجاهلين تمريرها إلى ثلاثة لاعبين آخـرين. وفي أثناء تركيـزهم على العَدِّ، أخفق نصف عدد المشاهدين في ملاحظة شخص بملابس غوريلا يتجول على طول الملعب (حتى إنه كان يتوقف خلال فتـرات وجيـزة عند منتصف الملعب وهو يضرب على صدره!). لم تكنْ هنالك ضرورة إلى مقاطعةٍ أو إلهاءٍ من أجل إحداث هذا التأثيـر، فـقد استنفدت مهمة العدّ انتباه الكثير من المشاهدين الذين كانوا ينظرون مباشـرة إلى الغوريلا ومع ذلك لم يفطنوا إلى وجوده.

 

خـداع العين أم خداع الدماغ؟(******)

 

يعتبر السحرة الشكل الباطني للتوجيه الخاطئ أظرف مـن الشكل الظاهري. غير أن المختصيـن بعلم الأعصاب يـرغبون في معـرفة نوعية الآليات العصبية والدماغية التي تمكّـن خدعة مـن النجاح. وإذا كان علماء الأعصاب سيكـيّفون البـراعة الفنية للسحر؛ فيتعين عليهم فهم نوعيات السيـرورات المعـرفية التي تُستنبط منها تلك البـراعات.

 

إن أول دراسة حوْل ارتباط الإدرك الحسيّ للسحـر بقياس فيزيولوجي ربما نُشرت في  عام 2005 مـن قبل المختصين بعلم النفس <G.كوهـن> [من جامعةDurham في إنگلترا] و<W.B.تاتلر> [من جامعة Dundee في اسكتلندا]. لقد أجـرى الباحثان قياسات لتحـركات عيون المشاهدين حين قام <كوهن> (الذي كان ساحرا أيضا) بجعل سيگارة «تختفي» بإسقاطها تحت مائدة. وقد كان أحد أهدافهما تحديد ما إذا كان سبب إخفاق المشاهدين في إدراك الخدعة هو أنهم لم ينظروا إلى المكان الصحيح في الوقت الصحيح أو أنهم لم ينتبهوا إليها، مهما كان اتجاه نظرهم إليها. وكانت النتائج واضحة: لا فـرق بأي اتجاه كانوا ينظرون.

 

 

[عمى سهوي]

كيف تسحب نقودا من الفراغ(*******)

   يـعـوّل الـسـاحـر <تـلـر> عـلى الـتـوجـيـه الخاطئ وعـلى خـفة الـيد لإحـداث وهم يـسمى: «حلم بخيل». يبدأ <تـلـر> بإخفاء ست قطع نقود في كل مـن كفيّه. ومن ثم، يخرجها كما يبدو مـن أيّ شيء في متناول يديه، مـن شعـره أو مـن غطاء نظارته أو مـن الفضاء ثم يـرميها في دلو معدنيّ محدثا طقطقة مدّويّة. وتعتمد الحيلة جـزئيا على إيماءات اجتماعية كـموقع الـرأس واتجاه تحديق البصـر.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/1-2/2010_01_02_42_c.jpg http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/1-2/2010_01_02_42_b.jpg http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/1-2/2010_01_02_42_a.jpg
في الحقيقة، إنه يعيد باستمـرار إبـراز قطعة النقد نفسها.

 

بتوجيهه تحديق بصـره نحـو يده اليمنى يحوّل انتباه مشاهديه عن يده اليسـرى. ولكـن يده اليسـرى التي يُمسك بها الدلو، هي التي يـرمي منها النقود. يبدأ <تـلـر>, بعد أن يوضح أن الدلو خال، بإبـراز نقود بـيده اليمنى.
http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/1-2/2010_01_02_42_f.jpg http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/1-2/2010_01_02_42_e.jpg http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/1-2/2010_01_02_42_d.jpg
بعـرض رائع، يـرمي <تـلـر> قطع النقود الـ11 من الدلووهو  مستمـر باحتفاظه  بالقطعة الأخيـرة في يده اليمنى. يُبرز <تـلـر> قطعة النقود  الأخيـرة من يده اليمنى،ويدير  كفه ليبين أن كفه لا تحوي، في الحقيقة، شيئا. وعند اللحظة التي يبدأ المشاهدون بالشك في أنه يرمي قطع  نقود مخبأة في  يده اليمنى يـرمي خمسا مـن القطع الست مـن يده اليمنى دفعة واحدة  وهي حـركة  تدهش المشاهدين؛ لأنه لا يمكن أن يخبئ 11 قطعة نقود في يده اليمنى.

 

   تـزودنا دراسة مشابهة لخدعة سحـرية أخـرى وهي «وَهْم الكـرة المتلاشية(15)» بمـزيد مـن الأدلة على أن الساحـر يدولب انتباه المشاهديـن على مستوى معـرفي عال؛ بحيث لا تـتوقف النتيجة على اتجاه تحديقهم. يبدأ الساحـر في وهم الكرة المتلاشية برمي الكرة عدة مرات إلى الأعلى مباشـرة ويمسكها مـن دون خطأ. ثم يتظاهـر في رميته الأخيـرة برمي الكـرة متتبعا برأسه وبعينيه مسارا إلى الأعلى لكـرة وهمية، ولكن بدلا مـن أن يرمي الكـرة  يخبئها سـرا في راحة يده؛ غير أن أغلبية المشاهدين يشعرون أن الكرة (غير المرمية) قد صعدت ثم اختفت في كـبد السماء.

 

   بعد سنة مـن دراسته المشتـركة مع <تاتلر>، اكتشف <كوهن> بالتعاون مع <F.M.لاند> [من جامعة سسيكس في إنگلترا] أن تحديق المشاهدين لم يكنْ موجّها نحو المكان الذي ادّعى المشاهدون أنفسهم أنهم رؤوا عنده اختفاء الكـرة. ويشيـر الاكتشاف إلى أن الوهم لم يخدعْ تلك المنظومات الدماغية المسؤولة عـن حركات العين لدى المشاهدين. وبدلا من ذلك، توصّل <كوهن> و <لاند> إلى أن نجاح الوهم يعتمد على حركات عيني الساحر ورأسه لأنها ــ بدلا مـن توجيه تحديقهم ــ تعيد توجيه مركز الانتباه للمشاهدين بصورة باطنية إلى موقع الكرة المتكهن به. إذ إن العصبونات المستجيبة لحـركة الكرة التي توحيها حركات عيني الساحر ورأسه، توجد في المناطق البصـرية مـن الدماغ كعصبونات حساسة لحـركة حقيقية. فإذا كانت كل مـن الحـركتين الموحاة والحقيقية تـنشّطان شبكات عصبونية متشابهة، فمـن الجائز ألا يكون غـريبا تخيّـل الوهم واقعا حقيقيا، كما بدا للمشاهدين.

 

لقد وضـع <كوهن> و <لاند> الفرضيـة بأن الكرة المتلاشية قـد تـكون مـثالا عـلى زخم ترميزي(16). فالمشاهدون يتصورون لدى اختفاء جسم متحـرك أن موقعه النهائي يقع في مكان على امتداد مساره ولكن على مسافة أبعد مـن موقعه الحقيقي؛ وكأنما الموقع المتنبأ به قد قُدِّر استدلالا(17) مـن الحـركة التي مـرّ  بها الجسم من قبل.

 

أدوات أكثر في تجارة المخادعة(********)

 

يحاول المشاهدون غالبا إعادة تأويل الخدع السحـرية كي يفهموا ما حدث خلال العـرض ــ وبعد كل ذلك، كلما حاول المشاهد فهم الخدعة وفشل في ذلك، بدت له أكثـر وكأنها هي «السحر» بذاته. والسحـرة بدورهم يتحدون مشاهديهم بالكشف عـن أساليـبهم، مثلا، بالبـرهان على خلو قبعة أو على أن ثياب مُساعدةٍ أضيق مـن أن تخفي تحتها ثيابا. فتقريبا جميع ما يفعله السحرة هو أكثر ما يكون لجعل إعادة التأويل أصعب ما يمكن، وذلك من خلال توجيه خاطئ.

 

  ولكن، ليس عمى التغيـيـر والعمى السهوي هما النوعين الوحيدين من الأوهام المعـرفية في جعبة السحـرة. لنفتـرض مثلا أن ساحـرا يحتاج إلى رفع يده لتنفيذ خدعة. يقول <تـلر> (يُعْـرف نصف عدد الألعاب السحرية الشهيرة على المسارح باسم <تلر> و<پين>) شارحا أنه إذا رفع يده مـن دون سبب واضح، فعلى الأغلب سيثير شكوكا لدى المشاهدين أكثـر مما لو أومأ بيده لتعديل نظارته أو لحكّ رأسه، فهذا يبدو طبيعيا أو عفويا. تعرف مثل هذه الإيماءات لدى أوساط السحـرة «بإعلام الحـركة(18)».

 

   والافتراضات غيـر المنطوقة والمعلومات الضمنية مهمة للإحساس بالخدعة ولإعادة تأويلها بعدئذ. يصـرّح الساحـر <J.راندي> [«راندي المذهل»] أنه يمكن إعداد المشاهدين لقبول إيحاءات ومعلومات غيـر منطوقة بسهولة أكثر من استعمال تعابيـر مباشـرة. وعليه، فقد يتذكـر مشاهدٌ الإيحاءاتِ الضمنيةَ لدى إعادة التأويل وكأنها بـرهان مباشـر.

 

طبّق <P.يوهانسـن> و<L.هول> [من جامعة لند السويدية] المختصان بعلم النفس وزملاؤهما هذا الأسلوب وأساليب سحـرية أخرى في تطويـر طـريقة مبتكـرة لتوجيه أسئلة في علم الأعصاب. فعـرضوا على بسطاء خاضعيـن لتجـربة صور أزواج من وجوه أنـثوية وطلبوا إليهم أن ينتقوا مـن كل زوج الصورة التي وجدوها أكثر جاذبية. كما طلب إليهم، في بعض الاختبارات، إعطاء أسباب اختيارهم. ومـن دون معـرفة الخاضعين للتجربة وبعد أن تمّت الانتقاءات، استخدم الباحثون خفة اليد في الشعوذة لاستبدال صورة وجه إلى وجه آخر. وهكذا، أصبحت نـتيجة الانتقاء بالنسبة إلى أزواج الصـور المدولبة سـرا، عكس الانتقاء الأصلي.

 

 

[عمى الانـتـقاء]

استنتاج روايات بـاطـلة(*********)

   في تجربة، عُرِضت أزواج صور فوتوغـرافية على الخاضعيـن لهذه التجربة (a) وطلب إليهم انتقاء الصورة الأكثر جاذبية (b). بعد كل انتقاء قـلّـب القائمون بالتجـربة الصور على ظهـرها (c) واستعملوا خفة اليد لتبديل الصور المنتقاة بالصور المرفوضة. وقلـبوا الصورتيـن ثانية ليظهـر وجهاهما إلى الأعلى، ثم طُلب إلى الخاضعين للتجـربة تـفسيـر تفضيلاتهم. نَسَجَ كثيـر مـن الخاضعيـن للتجـربة «تفسيـرا» لانـتـقائهم حتى عندما كان للصور المـرفوضة (d). إن النـزعة النفسية عند البشـر إلى تأليف رواية ذات انسجام داخلي كي يلائموا ما يعتقدونه خطأ بأنه اختيارهم، غالبا ما تقتلع من ذاكرتهم اختياراتهم الواقعية.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/1-2/2010_01_02_43.jpg

 

 

أوهام بصرية في السحر(**********)

ليس جميع السحر معـرفيّا. ويمكن استغلال صفات معروفة جيدا تـتمتع بها المنظومة البصرية لتؤدي نتائج غير اعتيادية. وفيما يأتي بعض منها:

 لوي ملاعق

يهز ساحر ملعقة، فيجعل رقبتها تبدو مرنة قابلة للالتواء.

كيف يتم ذلك:

عصبونات القشرة البصرية المسؤولة عن الحركة وعن نهايات الخطوط، تستجيب للتذبذبات بطريقة مختلفة عـن استجابة العصبونات البصرية الأخـرى. ويحدث نتيجة لهذا تفاوت ظاهري أثناء الفتـرة بين خاتمتي تحفيز وبيـن مـركـزه؛ فيبدو جسم صلب ملتويا عند وسطه.

 الاحتفاظ برؤية ما اختفى

يزيل الساحر شيئا مـن مجال النظر, ولكن هذا الشيء يبقى مـرئيا خلال فترة قصيرة.

كيف يتم ذلك:

يُحدث التفريغ التلوي العصبوني صور تلوية تدوم عُشْر ثانية بعد زوال المحفز.

 تموج فضائي ثلاثي

المناطق لـ <J.Andrus>

  يحدّق مشاهدون في قرص يدور بسـرعة. وهو ذو ثلاث مناطق لحركة توسع وتـقلص. ويبدو هذا القرص للمشاهدين حين يتوقف عن الدوران أنه مازال في حركة توسع وتقلص.

كيف يتم ذلك:

تـتكـيّـف العصبونات تكـيفا مختلفا مع حـركات المناطق الثلاث في المجال البصـري.

 

  ومـن المثيـر للاهتمام أن الخاضعيـن للاختبار لاحظوا التحويل في 26%فقط مـن جميع أزواج الصوّر المدوْلبة. ولكن، ما هو أشدّ غـرابة أنه حيـن طلب إليهم التعبيـر عـن أسباب انتقاءاتهم للاختبارات المدولبة تداولوا فيما بينهم متسامـريـن لتبـريـر النـتيجة المعاكسة لانتقائهم الفعلي! وقد أطلق <يوهانسن> وزملاؤه مصطلح «عمى الانتقاء(19)» على هذه الظاهـرة للدلالة الشديدة والضمنية على أن الخاضعيـن للتجـربة سبق واتخذوا قـرارا بالانتقاء. ونتيجة لذلك، تمكن الباحثون مـن دراسة كيفية تبـريـر الناس لانتقاءاتهم، حتى تلك التي لم يتخذوها.

 

  

[فن النشل]

توجيـه خاطئ مـتعدد الأحـاسـيس(***********)

   <A.روبنز> (في اليمين)، يعلن عن نفسه أنه سارق محترف، موضـحا كيف يضلل «الهدف» كي ينظر باتجاه معين, ومن ثمّ ليحول دون مراقبة الهدف لأشيائه. ويعوّل <روبنز> على دوْلبة الملامسة والحيز الشخصي للهدف وكذلك على توجيه خاطئ للنظـر. وعلى الموقعhttp://tinyurl.com/6lhxy8 يُعرض فيديو يُبَين كيف ينتزع <روبنز> ساعة معْصميّة لشخص آخر بخفة غريبة.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/1-2/2010_01_02_44.jpg

 

النشال الذي يسرق دماغك(************)

 

يمكن أيضا تطوير أساليب التوجيه الخاطئ مـن خلال دراسة مهارات النشّاليـن. يعتمد هؤلاء اللصوص، الذيـن يمارسون مهنتهم غالبا في أماكـن عامة مكتظة، اعتمادا شديدا على توجيه خاطئ اجتماعي الأساس ــ مثل تلامس تحديقي gaze contact أو تلامس جسمي أو غـزو للحيـز الشخصي  للضحية الذي يسمونه «الهدف.» وقد يحـرّك النشالون أيضا أياديهم بأساليب متميـزة تعتمد على غاياتهم الحالية. فَهُم إما أن يلتـفوا بها إلى الخارج بمسار منحن إذا أرادوا جذب انتباه الهدف إلى الحـركة بكاملها، وإما أن يتـتبعوا طـريقا مستقيما ثابتا إذا أرادوا تقليل الانتباه إليه وتحويل انتباه الهدف بسـرعة إلى الوضع النهائي. وليس في علوم الأعصاب تفسير يدعم تلك المناورات؛ ولكـن معاوننا البحثي <A.روبنز> [وهو نشال محتـرف] يؤكد ضـرورة وجود نوعي الحركات لإحداث التأثيـر الناجح للتوجيه الخاطئ على الهدف. ونحـن نـقـتـرح عدة تفسيـرات ممكنة وقابلة للاختبار.

 

أحد هذه التفسيـرات هو أن الحـركات المنحنية والمستقيمة لليد تـفعّل منظومتين مختلفـتيـن في الدماغ للسيطـرة على تحـريك العينيـن.  «فمنظومة المتابعة(20)» تـتحكم في العينيـن عندما تلاحقان أجساما تتحـرك بحـركة سلسة(21)،  في حين تتحكم «منظومة الانزراق(22)» في الحـركات التي تـثب فيها العيـنان مـن هدف تقديـري إلى الهدف التالي. وهكذا، افترضنا أنه ربما تـثيـر الحـركات ذات المسار المنحني ليد النشال منظومة المتابعة للسيطـرة على عيني الهدف، في حيـن أن الحـركات السـريعة المستقيمة قد تحفز منظومة الانزراق إلى تولي القيادة. ومن ثم، إذا أقفلت منظومة المتابعة على المسار المنحني ليد النشال، فإن مـركـز رؤية الهدف قد ينسحب بعيدا عـن موقع سرقة مخبأة. أما إذا شاغلت الحـركات المستقيمة السـريعة منظومة انزراق الهدف، فيستـفيد النشال من كـبْت رؤية الهدف أثناء انزراق العين مـن نقطة إلى أخرى. (هذه ظاهرة معـروفة جيدا في علوم البصـر بالمصطلح: الكبت الانزراقي(23)).

 

هنالك تفسير آخـر ممكـن للحـركات المتميـزة لليد، وهو أن الحـركات المقوسة قد تكون مـن ناحية الإدراك الحسيّ بارزة أكثـر مـن الحـركات المستقيمة، فهي تجذب انتباها أقوى. وإذا صحّ هذا، فمنظومة الانتباه وحدها، وليس أي منظومة تتحكم في حركة العين، قد يؤثر فيها التوجيه الخاطئ اليدويّ للنشال. وقد بـيّنت دراساتنا البحثية المبكرة أن الأقواس وحافات الأجسام تكون بارزة أكثـر وتولد نشاطا دماغيا أشدّ مـن الحافات المستقيمة. ويُرجح أن يكون سبب ذلك هو أن الأقواس الحادة والحافات أقل قابلية للتنبؤ بوجودها وزائدة على الحاجة (إذن، فهي أكثـر غـرابة ومعلومات) أكثر مـن الحافات المستقيمة. وعلى هذا الأساس، قد تكون المسارات المقوّسة أقل زيادة على الحاجة، ولذلك فإنها أكثـر بروزا من المسارات المستقيمة.

 

تحكم في الدراية بدماغ مُسلَّك(*************)

 

إن الإمكانيات في استعمال السحـر كمصدر أوهام معـرفية، للمساعدة على عزل الشبكات العصبية المسؤولة عـن وظائف معـرفية معينة بعضها عـن بعض، تبدو لانهائية. وقد استعار علماء أعصاب مؤخـرا أسلوبا مـن السـحر، فطلب إلى الخاضعين للتجربة أن يـربطوا ربطا خاطئا بين حدثين كسبب ونتيجة حينما كانت أدمغتهم تحت التسجـيل. فعندما يسبق حدث A حدثا آخر B؛ فإننا غالبا ما نستنتج، خطأ أو صوابا، أن A يسبب B، ويستغل الساحر الماهر هذه النزعة الطبيعية ليجعل مـن المؤكد أن الحدث A (ولنقل ــ على سبيل المثال ــ سكب ماء على كرة) هو الذي يسبق دائما الحدث B  (اختفاء الكرة). في الحقيقة، إن الحدث A لا يسبب الحدث B، ولكن ظهوره المسبق يساعد الساحـر على جعله يبدو كذلك. ويطلق المختصون بعلم النفس المعرفيّ على هذا النوع مـن التأثير: ارتباط موهم(24).

 

 

[الارتباط الموهم]

كيف يتـعامل الـدماغ مع «الـمـسـتـحـيل»(**************)

   شرائط فيديو لخدع سحـرية، يبدو أنها تصوّر علاقات سبـبـيـة مستحيلة مثل جعل كرة تختفي (الصور في الصف العلوي)، عُرضت على خاضعيـن لتجـربة، وفي أثناء ذلك كانت ترسم مخطـطات لأدمغتهم بالرنين FMRI. وعرضت على مجموعة ضابطة شرائط فيديو مشابهة باستثناء خلوّها مـن خدع سحـرية (الصور في الصف السفلي). وتبين مناطق الدماغ الملونة (الصورة اليُسرى في الأسفل) حدوث نشاط عصبي إضافي متزايد حين شاهد الخاضعون للتجـربة شرائط فيديو الألعاب السحرية بدلا مـن شرائط الفيديو الضابطة. 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/1-2/2010_01_02_45_a.jpg

       

 

قرأنا أفكارك(***************)

لقد أبعدنا ورقتك

   هل حـزرنا ورقة اللعب التي اختـرتها على الصفحة 41؟ إذا صحّ حدسنا فهل تفسّر المنظومة ESP لـ<پكؤفر> إجابتـنا الصحيحة أم أن هنالك تفسيـرا أبسط ؟ لا تقرأ أكثر إلى أن تريد معرفة الجواب.

هل استسلمت؟ أعد النظـر في أوراق اللعب الست في الصفحة رقم 41، ثم قارنها بالأوراق الخمس المـرسومة هنا. أتلاحظ أي فـرق؟ إذا كانت عملية رسم دائـرة حول عين قد ألهتك وانطلت عليك الخدعة (الخدعة انطلت على معظم الناس)؛ فأنت ضحية ما يسميه المختصون بعلم النفس عمى التغييـر. ويكاد التغييـر ــ حتى ولو كان كبيرا وواضحا ــ أن يكون خافيا على نظـرك حين تلقي نظـرة أخـرى.

 

وهنالك دراسة غير منشورة أجـريت في عام 2006، قام بها <كوهن> وآخرون، حيث عُرضت خدعٌ سحـرية على شريط فيديو تناولت خروقا واضحة لمفهومي السبب والنتيجة. وعـرضتْ على خاضعيـن لاختبار برسم المخططات بالرنين المغنطيسي الوظيفي (FMRI)(25). وأُجريت مقارنة لصور أدمغتهم بأمثالها لمجموعة ضابطة(26) مـن أشخاص شاهدوا شريط فيديو آخر ليس فيه انتهاكات جلية لمبدأ السبـبـية. وقد اكتشف الباحثون في القشـرة الدماغية الحزامية الأمامية(27)  لدى الخاضعيـن للاختبار الذيـن شاهدوا الخدع السحـرية تفعيلات أشدّ مـن التفعيلات المماثلة للمجموعة الضابطة. ويشير هذا الاكتشاف إلى أن هذا الجـزء مـن المنطقة الدماغية قد يكون مسؤولا عن العلاقات السبـبـية.

 

لقد شرعت أبحاث <كوهن> وزملائه في التلميح إلى قدرة أساليب السحـر على دوْلبة ملكـتي الانتباه والإدراك من خلال دراستهم فزيولوجية الدماغ. فلو تعلّم علماء الأعصاب استخدام طـرائق السحـر بمهارات السحـرة المحتـرفين نفسها، لاستطاعوا هم أيضا التحكم في الإدراك تحكما دقيقا وآنيا. وإذا أقاموا علاقة ارتباط بيـن مادة الإدراك ووظائف العصبونات، فسيمتلكون الوسائل لتحـري أسرار الشعور نفسه.                                        

المؤلفان

Susana Martinez-Conde- Stephen L. Macknik
يعملان في معهد بارو للعلوم العصبية بمدينة فينكس الأمريكية.

 

 تدير <مارتينيز-كوندي> مختبـر العلوم العصبية البصرية،

 

 ويدير <ماكنيك> مختبـر الفيزيولوجيا العصبية السلوكية(14).

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/1-2/2010_01_02_41_d.jpg http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/1-2/2010_01_02_41_c.jpg

 مراجع للاستزادة   

 

Failure to Detect Mismatches between Intention and Outcome in a Simple Decision Task. Petter Johansson. Lars Hall, Sverker Sikstrom and Andreas Olsson in Science. Vol. 310, pages 116-119; October 7,2005.

 

Attention and Awareness in Stage Magic: Turning Tricks into Research. Stephen L. Macknik, Mac King, James Randi, Apollo Robbins, Teller, John Thompson and Susana Martinez-Conde in Nature Reviews Neuroicience. Advance online publication, July 30,2008.

 

Microsaccades Drive Illusory Motion in the Enigma Illusion.

Xoana G. Troncoso, Stephen L. Macknik, Jorge Qtero-Millan, Susana Martinez-Conde in Proceedings of the National Academy of Sciences USA, Vol. 105, No. 41. pages 16033-16038; October 14.2008.

 

For videos of leading magicians performing at the 200/ Magic of Consciousness Symposium, visit www.mindscience.org/ magicsymposium

(*) Magic and the Brain، تدل كلمة « سحـر» ومشتقاتها أينما ترد في هذه المقالة على الألعاب السحـرية التي تجـرى على المسـارح.

(**) The New Science of Neuromagic

(***) Fooling Mind Or Eye?

(****) Cognitive Illusions.

(*****) Can You Keep Us From Reading Your Mind?.

(******)Tricking the Eye or Tricking the Brain

(*******) How To Pull Coins Out of Thin Air?

(********) More Tools of the Trickery Trade.

(*********)Inducing False Narratives

(**********)Visual Illusions In Magic

(***********)Multisensory Misdirection

(************)The Pickpocket Who Picks Your Brain

(*************)Controlling Awareness in the Wired Brain

(**************)How The Brain Deals With The Impossible

(***************)We Read Your Mind

 

(1) retinal neurons

(2)neural adaptation

(3)stimulus

(4)afterdischarge.

(5)afterimage، إحساس بصري يحدث بعد زوال المنبه الخارجي.(التحرير)

(6)to manipulate، دوْلـب أي دوّره إلى مراده.       (التحرير)

(7)attention – deficit hyperactivity disorder

(8)misdirection

(9)overt

(10)covert

(11)cognitive neuroscience

(12)change blindness

(13)inattentional blindness

(14)انظر: “Windows on the Mind,” by Susana Martinez – Conde – Stephen L. Macknik; Scientific American, August 2007

(15)vanishing-ball illusion.

(16)representational momentum.

(17) extrapolated

(18) informing the motion

(19) choice blindness

(20)pursuit system

(21)smooth motion

(22)saccadic system

(23)saccadic suppression

(24)illusory correlation

(25)functional magnetic resonance imaging

(26)control group، أو مجموعة شاهدة.

(27)the anterior cingulate cortex

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى