أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الدماغالطب وصحة

المحافظة على خلايا الدماغ الجديدة


المحافظة على خلايا الدماغ الجديدة(*)

تظهر كل يوم نورونات(1) جديدة في أدمغة البالغين.
وتشير موجة جديدة من الأبحاث إلى أن هذه الخلايا تُعزّز ـ
في آخر المطاف ـ عملية التعلم المتعلقة بأداء مهام معقدة،
وأنها تزداد نموا ونشاطا بقدر ما تتعرض له من تحديات.

<J.T.شورز>

 

مفاهيم مفتاحية

  يتم توليد آلاف الخلايا النورونية في دماغ البالغين كل يوم، وبصورة خاصة في منطقة الحصين «الهيپوكامپوس» المعروفة بتدخلها في عملية التعلم ووظيفة الذاكرة.

   إلاّ أن معظم هذه الخلايا تموت في غضون أسبوعين, ما لم يتعرض الحيوان لتحدّيات تدفعه إلى تعلّم أمور جديدة. فالتعلُّم ــ وخاصة عندما يتطلب بذل جهد كبير ــ يُمكنه أن يضمن بقاء هذه النورونات الجديدة على قيد الحياة.

ومع أن النورونات لا تبدو ضرورية في معظم حالات التعلم، إلا أنها تؤدي دورا مهما في عمليات التنبؤ بالمستقبل بناءً على الخبرات السابقة. ولذا، فإن تعزيز عملية تشكل نورونات جديدة من شأنه أن يساعد على إبطاء تراجع القدرات الاستعرافية ويحافظ على بقاء الأدمغة الطبيعية سليمة.


محررو ساينتفيك أمريكان

 

لعلك قد صادفت أثناء مشاهدتك التلفاز، أو قراءتك إحدى المجلات أو تصفحك الإنترنت، إعلانات تحثّك على تدريب عقلك. وهناك العديد من البرامج المتخصصة بتمرين الدماغ التي تشجع الناس على المحافظة على رشاقتهم الذهنية، وذلك من خلال تدريب أدمغتهم يوميا على القيام بنشاطات شتى؛ بدءا من استذكار القوائم وحل الأحجيات إلى تقدير عدد الأشجار في حديقة عامة كبيرة.

 

وقد يتراءى لنا في هذا المشهد شيء من الاحتيال، إلاّ أن مثل هذه البرامج قد يكون لها أساس صحيح في البيولوجيا العصبية neurobiology، حيث يشير عمل بحثي جديد، وإن كان معظمه على الجرذان، إلى أن عملية التعلّم تعزز بقاء النورونات التي تنشأ حديثا في دماغ البالغين، وأنه كلما كانت المعضلة التي تعترض هذه النورونات أكثر تحدّيا وجاذبية، ازداد عدد ما يتبقى منها على قيد الحياة.

 

ولعل الغاية من وجود هذه النورونات تحت تصرفنا، هي تقديم الدعم لنا في الحالات التي تتعرض عقولنا فيها لأكبر الأعباء. ولهذا، فإن التدريب الذهني يبدو وكأنه يقوم بصقل الدماغ، تماما كما تفعل التمارين الرياضية بعضلات الجسم. وما يثير الاهتمام أكثر من ذلك، هو أن نتائج العمل البحثي المذكور أتت لتقدم دعما لفكرة أن الأشخاص الذين هم في المراحل المبكرة من مرض ألزهايمر(2) Alzheimer أو الذين يعانون أشكالا أخرى من الخرف dementiaيستطيعون إبطاء عملية تراجع قدراتهم الاستعرافية(3)، إذا ما استمرت عقولهم تعمل بصورة فعّالة.

 

إنه نورون جديد!(*)

 

في تسعينات القرن الماضي، هَزّ العلماء حقل البيولوجيا العصبية بأنباء مفاجئة تفيد بأن الدماغ عند الثدييات الناضجة، قادر على «تشكيل نورونات جديدة.»(4) لقد اعتقد علماء البيولوجيا ولمدة طويلة أن هذه القدرة على «توليد النورونات» مقتصرة على الأدمغة الفتية النامية، وأنها تُفْقَد مع التقدم في السن. إلاّ أن <E.گولد> استطاعت أن تُبرهن، في مستهل تسعينات القرن العشرين وقد كانت عندئذ في جامعة روكفيلّر، على ظهور نورونات جديدة في دماغ البالغين أيضا؛ وبصورة خاصة في المنطقة المعروفة باسم الحصين(5)(هيپوكامپوس) hippocampus والتي تؤثر في عملية التعلّم ووظيفة الذاكرة. وسرعان ما ظهرت تقارير مماثلة عن تجارب لاحقة، تابعت هذا الاكتشاف وأُجريت على أنواع أخرى من الحيوانات، بدءا من الفئران وحتى قردة القشةmarmosets. وفي عام 1998، أثبت علماء الجهاز العصبي في الولايات المتحدة والسويد أن عملية تشكل نورونات جديدة يُمكن أن تظهر عند الإنسان أيضا [انظر: «خلايا عصبية جديدة لأدمغة البالغين»، مجلة العلوم، العددان 5/6(2000)، ص 30].

 

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/3-4/2010_03_04_21.jpg

عادة ما تتضمن الدراسات المتعلقة بظاهرة «تشكل نورونات جديدة» عند القوارض حقن هذه الحيوانات بعقار يدعى «بروموديوكسيوريدين»(6)BrdU، والذي يقوم بوسم الخلايا النورونية الجديدة، ويجعلنا قادرين، حينئذٍ، على تمييزها جيدا بواسطة الميكروسكوب (المجهر). وتشير هذه الدراسات إلى أن النورونات الجديدة التي تنشأ يوميا في منطقة الحصين عند القوارض يتراوح عددها بين 5000 و 000 10 خلية (ومع أن الحصين عند الإنسان، يستقبل أيضا نورونات جديدة، لكننا لا نعرف عددها حتى الآن).

 

إلاّ أن هذه الخلايا لا تتولد بشكل روتيني، بل يمكن أن يتأثر إنتاجها بعدد من العوامل البيئية المختلفة. فقد تبين على سبيل المثال, أن استهلاك الكحول يُبطئ عملية توليدها، وأن التدريب يمكن أن يرفع من معدل ولادتها. فالجرذان والفئران التي تمضي وقتا على عجلة الركض، مثلا، تُنتج ضعف عدد الخلايا التي تُنتجها فئران تعيش حياة خاملة. حتى إن تناول التوت البري الأزرقblueberries يبدو أنه يُحرّض على توليد النورونات في حصين الجرذان.

 

استخدمها وإلا ستفقدها(***)

 

يمكن أن يساعد التدريب وفعاليات أخرى على إنتاج خلايا دماغية إضافية. إلا أن استمرار هذه الخلايا بالبقاء ليس أمرا حتميا. فالعديد منها، إن لم يكن معظمها، يختفي في غضون عدة أسابيع من ظهوره. وغني عن القول، إن معظم خلايا الجسم لا تستمر بالبقاء لفترة غير محدودة. ولذا، فإن فكرة موت هذه الخلايا النورونية بحد ذاتها ليست مستغربة. إلا أن زوالها السريع هو ما يُعتبر مُحيِّرا. فلماذا يتكبّد الدماغ عناء إنتاج خلايا جديدة ثم يتركها تختفي بهذه البساطة؟

 

إن المهام التي تُنقِذ أكبر عدد من النورونات الوليدة هي المهام الأصعب تعلما.

وكنتيجة لعملنا على الجرذان، أصبحنا نعتقد أن تلك الخلايا يتم توليدها لتُستخدم عند الحاجة فقط. فإذا تعرضت الحيوانات لتحديات استعرافية، فإن الخلايا تستمر بالبقاء، وإذا لم تتعرض لذلك فإنها تتلاشى. وفي عام 1999، اكتشفت مع <گولد> [تعمل حاليا في جامعة پرنستون] هذه الظاهرة عندما كنا نجري سلسلة من التجارب لدراسة تأثير التعلم في بقاء النورونات الجديدة في حُصين أدمغة الجرذان.

 

تُسمى مهمة التعلم التي استخدمناها تتبع طَرْف العين الشرطي(7) (انظر المؤطر)، وهي شبيهة في بعض جوانبها بالتجارب التي أجراها پاڤلوڤ على كلابه التي كانت تقوم بإفراز اللعاب عند سماعها الصوت المرتبط بتقديم الطعام. وفي تجربة «طَرْف العين الشرطي»، يسمع الحيوان صوتا، ثم يتلقى بعد مدة زمنية محددة (عادة 500 ميلّي ثانية أي نصف ثانية) تنبيها لطيفا لجفن العين، نفخة هواء مثلا، مما يجعله يَطْرف بعينه.

 

 

[الأساسيات]

أين تتشكل النورونات الوليدة الجديدة(****)

   تنشأ في دماغ البالغين نورونات جديدة في منطقة الحصين، وهي بنية تتدخل في التعلم والذاكرة. ومع أن هذا الاكتشاف كان أصلا عند القوارض، إلاّ أنه تم بعد ذلك اكتشاف نورونات وليدة عند الإنسان البالغ أيضا. وبتحديد أكثر، فإن مجموعة النورونات الوليدة تظهر في التلفيف المسنن dentate gyrus، وهو جزء من منطقة الحصين مُعلّم في مقاطع الدماغ في أسفل الصورة.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/3-4/Untitled-1.jpg
http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/3-4/2010_03_04_23_a.jpg
إن الصورة الميكروية (في الأعلي) تظهر الحصين لفأر قزحي الدماغ Brainbow تمت هندسته لينتج پروتينات ذات ألوان مختلفة في نوروناته.

 

وبعد عدد كافٍ من المحاولات ــ عدة مئات عادة ــ يقوم الحيوان بإجراء ربط ذهني بين الصوت وتنبيه العين: فهو يتعلم مهارة التنبؤ بوقت وصول المنبه والقيام بطرف عينه قُبيل حدوث التنبيه. هذه الاستجابة المشروطة تدل على أن الحيوان قد تعلم أن يربط زمنيا الحدثين معا. قد تبدو هذه المهارة التي تعلمتها الجرذان عديمة الأهمية، إلا أن إعداد التجربة بهذا الترتيب يزودنا بوسيلة جيدة لقياس التعلم الاستباقي(8) عند الحيوانات؛ وهو القدرة على توقع ما سيحدث في المستقبل بناء على ما حدث في الماضي.

 

لدراسة الصلة بين التعلم و«نشوء نورونات جديدة»، حُقِنت جميع الحيوانات بالعقار BrdU في بداية التجارب. وبعد أسبوع تم إدخال نصف عدد الجرذان في البرنامج التدريبي المتعلق بطرف العين، أما النصف الآخر فبقي يستريح في أقفاصه. وبعد أربعة أو خمسة أيام من التدريب وجدنا أن الجرذان التي تعلمت توقيت طرف عينها كما ينبغي احتفظت بعدد من نوروناتها الموسومة بالعقار BrdU  في الحصين أكبر من العدد الذي احتفظت به الحيوانات التي بقيت بحالة خمول في أقفاصها الأمر الذي استنتجنا منه أن تعلم هذه المهارة كان سببا في إنقاذ تلك خلايا، ولولاه لما بقيت على قيد الحياة. أمّا لدى الحيوانات غير المدربة، فلم نتمكن، في النهاية، إلاّ من رؤية عدد ضئيل من الخلايا الحديثة النشوء والموسومة بالعقار BrdU. وقد استنتجنا أيضا أنه كلما تعلم الحيوان بصورة أفضل ازداد عدد النورونات الجديدة التي تبقى على قيد الحياة في دماغه. وتنطبق هذه القاعدة أيضا على الحيوانات التي نجحت في تعلم اجتياز متاهة.

 

لقد بدأنا اختباراتنا حول طرف العين في أواخر تسعينات القرن الماضي، فدرسنا آثار التدريب عند الحيوانات التي كانت تعلمت بصورة جيدة؛ وهي جرذان تعلمت القيام بطرف عينها، لنقل، على سبيل المثال، خلال 50 ميلّي ثانية من تنبيه جفن العين، ونجحت في تكرار ذلك، كما ينبغي، في أكثر من 60 في المئة من المحاولات. وقد تساءلنا مؤخرا عمّا إذا تمكنت الحيوانات التي فشلت في التعلم، أو التي تعلمت بصورة رديئة، من الاحتفاظ بنوروناتها الجديدة بعد التدريب؟ إنها لم تنجح في ذلك، فقد أثبتت مجموعة من الدراسات التي نُشرت في عام 2007 أن الجرذان التي مرت بما يقارب 800 محاولة، ولم تتعلم مهارة التنبؤ بتنبيه جفن العين، لم تتمكن من الاحتفاظ إلاّ بعدد قليل من النورونات الجديدة لا يتجاوز العدد الذي حافظت عليه الحيوانات التي لم تغادر أقفاصها على الإطلاق.

 

 

منظر نورونات وليدة(*****)

   توسم المادة الكيميائيةBrdU الخلايا المولودة بعد حقن الحيوان بهذه المادة. وتُبرز الصورة في الأسفل خلية وليدة وحيدة حمراء اللون بفعل المادة BrdU، وتدل النقاط الخضر في داخلها على أنها خلية نورونيّة. ويحيط بالخلية الوليدة نورونات ناضجة.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/3-4/2010_03_04_23_b.jpg

 

وفي تجارب أخرى مماثلة، قمنا بتحديد فترة تعلم الحيوانات مهارة التنبؤ بتنبيه جفن العين. فدربناها ليوم واحد فقط، حيث قامت بتنفيذ 200 محاولة لأداء مهمتها كما ينبغي. وقد كانت النتيجة هي أن بعض هذه الحيوانات نجحت في تعلم مهارة التنبؤ، وبعضها الآخر لم ينجح في ذلك. وكما ذكرنا سابقا، فإن الجرذان، التي تعلمت، احتفظت بعدد من نوروناتها الجديدة يفوق العدد الذي حافظت عليه الجرذان التي لم تتعلم، وذلك على الرغم من أنها مرّت جميعا بالتدريب نفسه. وتُشير هذه البيانات إلى أن عملية التعلم هي المسؤولة عن بقاء عدد من النورونات الجديدة على قيد الحياة، وليس مجرد القيام بالتدريب أو وضع الحيوانات في قفص آخر مختلف أو تغيير روتين حياتها اليومية.

 

لا ربح بلا مجهود(******)

 

مع أن التعلم يشكل شرطا أساسيا لبقاء النورونات الوليدة في منطقة الحصين على قيد الحياة، فإن بعض نماذجه ليس له تأثير يُذكر في مصير تلك النورونات. ومن الدلائل على ذلك، هو أن تدريب الحيوانات على العبور سباحةً إلى منصة مرئية في حوض من الماء لا يحول دون زوال الخلايا النورونية الوليدة في أدمغتها. كما أن تدريبها بطريقة تجعلها تعرف أنها تتلقى اثنين من المنبهات بشكل متزامن تقريبا، كالصوت ومنبه جفن العين مثلا، لا يُطيل عمر تلك الخلايا.

 

يبدو أن هناك مجالا زمنيا حاسما يستطيع التعلم فيه الحفاظ على النورونات الجديدة.

 

والسبب في فشل مهام التعلم هذه في الحفاظ على حياة النورونات الوليدة، هو أنها، على ما نظن، لا تتطلب تفكيرا عميقا. ففي تجارب تنبيه جفن العين التي يتداخل فيها زمنيا المنبهان (سماع الصوت/تنبيه جفن العين)، لا تُتيح عملية التعلم للحيوان فرصةً لتشغيل ذاكرته بطريقة تضمن حفظ المعلومات المتعلقة بحدث سبق وقوعه (سماع صوت النغمة) وبالتالي لا تساعده، على التنبؤ بزمن وقوع حدث آخر يتداخل زمنيا مع الحدث الأول (تنبيه جفن العين).فالحيوانات تستجيب مباشرة ومن غير أن تفكر مليا، عندما تسمع الصوت. وعلى النحو ذاته، فإن السباحة إلى منصة مرئية هي مهمة تؤديها الجرذان بلا تردد، لأنها لا تريد سوى النجاة من الغرق.

 

 

[اختبارات التعلم]

ماذا كشفت الدراسات عن الجرذان(*******)

   اعتمدت المؤلفة وزملاؤها على تجارب طرف العين الشرطيeyeblink conditioning لاكتشاف أن بذل جهد كبير للتعلم من شأنه تعزيز بقاء النورونات الجديدة على قيد الحياة. وقد بدأ الباحثون تجاربهم بتجربة الأثر الشرطي المتعارفة (في الأعلى)، حيث يسمع الحيوان في هذه التجربة نغمة صوتية يتبعها بعد نصف ثانية تنبيه يدفع الحيوان إلى الطرف بعينه. وبعد مئات عدة من المحاولات، تتعلم أغلبية الحيوانات أن تطرف بعينها قُبيل وصول المنبه. ولأن النغمة الصوتية وتنبيه جفن العين حدثان منفصلان زمنيا، فإن معرفة لحظة طرف العين هي مهمة صعبة، ولأنها كذلك فقد أنقذت جزءا كبيرا من النورونات الجديدة. 

   لقد أنجزت الجرذان بسهولة مهمة الاختبار بإحدى صِيَغِه المُبسّطة، حيث تتداخل فيه النغمة الصوتية مع منبه طرف العين زمنيا (في الوسط)، ولكن لم تعزز هذه المهمة بقاء النورونات الجديدة إلا بعد تغيير شروط الاختبار وجعله أكثر تحديا، وذلك من خلال إطالة فترة انتظار الجرذ كثيرا قبل وصول المنبه (في الأسفل). وقد أنقذت هذه المهمة جزءا كبيرا من النورونات الوليدة، وتفوقت حتى على مهمة الاختبار الشرطي المتعارفة.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/3-4/2010_03_04_24_a.png
http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/3-4/2010_03_04_24_b.jpg

 

ونحن نعتقد أن المهام التي تنقذ أكبر قدر من الخلايا العصبية النورونية الجديدة هي تلك المهام الأصعب تعلّما، والتي يتطلب أداؤها بذل مجهود ذهني هائل. ولاختبار هذه الفرضية، قمنا بتعديل مهمة سهلة الإنجاز إلى حد ما، وجعلناها أكثر تحديا بقليل، حيث بدأنا باختبار طرف العين بإحدى صيغه البسيطة، وهي صيغة يسبق فيها الصوت تنبيه جفن العين، ولكنه يتداخل معه في الزمن قليلا. وكما ذكرنا سابقا، فإن عملية تعلم الربط بين هاتين الواقعتين لا تُنقذ عادة النورونات الوليدة. ومن ثم، جعلنا هذه المهمة أكثر تحديا وذلك بإطالة المدة الزمنية للنغمة الصوتية بقدر كبير، وكان تنبيه الجفن يأتي في نهايتها.

 

 

[فرضية]

كيف يعزز التعلم بقاء النورونات الوليدة(********)

   في أسبوعها الأول، تهاجر النورونات الوليدة من حافة التلفيف المسنن dentate gyrus إلى منطقة أعمق، حيث تنضج وتندمج في شبكة نورونية. وعندما يحصل التعلم في الأسبوعين الأولين من عمر النورونات الوليدة، فإنه يُعزّز بقاءها، ربما من خلال تحريض النورونات الموجودة مُسبقا، فتقوم بدورها، ببثِّ إشارات داعمة لنضج الخلايا الفتية. وفي غياب التعلم أثناء مرحلة النضوج (مرحلة نضج النورونات الوليدة)، فسيموت معظم الخلايا الجديدة في منطقة الحصين. 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/3-4/2010_03_04_25.jpg

 

إن تعلُّم توقيت لحظة القيام بطرف العين في هذه المهمة هو أكثر صعوبة من الاختبار البسيط، فالقيام بطرف العين بعد بدء النغمة الصوتية بقليل، كانطلاق العدّائين بعد سماعهم صوت رصاصة بدء السباق، ليس هو الاستجابة الصحيحة. كما أنه أكثر صعوبة من الاختبار النموذجي (اختبار أثر الخمسمئة ميلي ثانية)؛ لأن الحيوان لا يستطيع استعمال نهاية النغمة الصوتية كإشارة للاستعداد(9)، بل ينبغي عليه الاستمرار بتتبع النغمة الصوتية منذ بدايتها بدقة وتقدير متى سيحدث تنبيه جفن العين، الأمر الذي يشكل تحديا حقيقيا لجميع الحيوانات بما فيها البشر. وقد وجدنا أن هذا التحدي كفيل بإنقاذ عدد من النورونات الوليدة يساوي أو يربو أحيانا على العدد الذي شاهدناه في الاختبار النموذجي.

 

ومما أثار اهتمامنا بوجه خاص، هو أن الحيوانات التي كانت أبطأ تعلما بقليل، أي إنها احتاجت إلى عدد أكبر من المحاولات قبل أن تنجز مهمتها كما ينبغي، تمكنت من إنقاذ عدد أكبر من النورونات الوليدة مقارنة بنظيراتها التي كانت أسرع تعلما. ويُشير ذلك إلى أن النورونات الوليدة في الحصين تستجيب، على أفضل وجه، لعمليات التعلم التي تنطوي على جهود مكثّفة.

 

التوقيت يدخل في الحساب(*********)

 

لماذا نعتبر عمليات التعلم التي تنطوي على جهود مكثّفة أمرا حاسما في الحفاظ على النورونات الوليدة هو أمر غير واضح حتى الآن. وهناك نظرية تقول إنّ المهام التي يتطلّب تعلم أدائها تفكيرا عميقا أو زمنا أطول من التدريب تقوم بتنشيط قوي لنورونات الشبكات العصبية في منطقة الحصين، بما فيها النورونات الوليدة التي تشكل جزءا من بنية هذه الشبكات. وهذا التنشيط القوي هو مفتاح الحفاظ على حياة هذه الخلايا الوليدة. وإنني، أكثر ميلا إلى ترجيح هذه النظرية على غيرها لسببين:

 

يعود السبب الأول إلى ما أثبته عدد من الباحثين وفحواه أن المهام المبنية على التعلم، مثل اختبار طرف العين الشرطي، ترفع بصورة عامة درجة استثارة النورونات في الحصين وتجعلها أكثر فعالية. إضافة إلى ذلك، فإن هذا النشاط السريع والمتعدد الجوانب في منطقة الحصين يرافق باستمرار عمليات التعلم؛ فالحيوانات الأكثر نشاطا هي التي تتعلم أداء مهمتها على الوجه الأفضل.

 

أما السبب الثاني؛ فيتعلق بوجود ما يُدعى الإطار الزمني الحاسم(10) وهو المدة الزمنية التي يمكن خلالها لعملية التعلم أن تحافظ على بقاء النورونات الوليدة اعتبارا من لحظة ظهورها، وتُقدّر بأسبوع إلى أسبوعين عند القوارض. وقد توصلت دراسة حديثة أُجريت على الجرذان إلى نتائج مشابهة، حيث وجدت أن التعلم من شأنه إنقاذ نورونات وليدة لا تتجاوز أعمارها سبعة إلى عشرة أيام. ولكن لا جدوى من التدريب بعد مضي ذلك الوقت حيث تكون النورونات الوليدة قد بدأت بالاحتضار. كما أن التدريب قبل ذلك الوقت لن يكون مفيدا؛ لأن الخلايا الوليدة، والتي تبدأ حياتها على شكل خلايا غير متخصصة، لم تكن قد وصلت بعد إلى مرحلة التمايز لتتحول لاحقا إلى خلايا نورونية ذات تغصنات تستكشف الإشارات العصبية الواردة من مناطق أخرى من الدماغ وتستقبل دفعات منها، وذات محاوير تبعث رسائل إلى قطاع محاذٍ للحصين يُدعى (CA3). وفي هذه المرحلة بالذات تبدأ النورونات الوليدة بالاستجابة بطريقة ملائمة لبعض «النواقل العصبية» وهي مواد كيميائية تؤدي وظيفة التواصل بين النورونات.

 

ومما سبق يتضح أن النورونات الوليدة لا يمكنها أن تستجيب لعملية التعلم إن لم تكن قد بلغت حدا أدنى من النضج وكوّنت ارتباطات بالنورونات الأخرى داخل الشبكات العصبية في الدماغ. وعندما تكون عملية التعلم معقدة، فإن جميع النورونات في منطقة الحصين تكون منشغلة كليّا بما فيها النورونات الوليدة، والتي يقيها نشاطها من الموت. أما إذا لم يتعرض الحيوان لتحد كاف أثناء عملية التعلم، فإن النورونات الوليدة لا تحصل على التحريض الذي تحتاج إليه من أجل بقياها، فتذبل ثم تتلاشى تماما.

 

 

ماذا يفيد وماذا يضر(**********)

تعزز عملية التعلم بقاء الخلايا النورونية الجديدة، ولكنها لا تُؤثر في عدد ما يولد منها.

وبعض الدراسات تشير إلى وجود مداخلات أخرى من شأنها أن تؤثر في توليد النورونات لدى القوارض.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/3-4/2010_03_04_26_a.jpg

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/3-4/2010_03_04_26_b.jpg

 

هل يُمكن استثمار التشكل النوروني، بطريقة أو بأخرى، للوقاية من الاضطرابات المؤدية إلى تراجع القدرات الاستعرافية أو معالجتها؟

 

ماذا يعملون؟(***********)

 

تظهر آلاف الخلايا النورونية الجديدة في منطقة الحصين كل يوم، ولكنها لا تبقى على قيد الحياة إلاّ إذا تم تحفيز الحيوان لكي يتعلم. فما هي الوظيفة التي تؤديها هذه الخلايا؟ من البديهي أنها لا تستطيع أن تقدم أيّ دعم لعملية التعلم في اللحظة التي ترى فيها النور. فكثير من أشكال التعلم يتم بشكل فوري تقريبا (خلال زمن قصير لا يتجاوز ثواني معدودة، إن لم يكن أقصر من ذلك). وعندما يواجه الدماغ مهمة جديدة، فإنه لا يستطيع الانتظار ما يقارب الأسبوع حتى تتشكل نورونات جديدة ثم تنضج وتندمج في الشبكات العصبية الوظيفية؛ لكي يبدأ الحيوان بعملية التعلم بعد ذلك.

 

وقد تراءى لي ولزملائي أن المخزون الاحتياطي من الخلايا له تأثير في بعض جوانب عملية التعلم بعد حين. وللتأكد من هذه الفرضية قررنا التخلص من خلايا الدماغ الوليدة وذلك انطلاقا من الفكرة الآتية: إذا صارت هذه الخلايا ضرورية لعملية التعلم، فإن الحيوانات التي تفتقر إليها قد تكون تلاميذ أقل نجاحا. ونظرا لوجود صعوبات تقنية تحول دون استئصال جميع تلك الخلايا من دماغ الحيوان قمنا، بدلا من ذلك، بمنعها من الولادة وذلك من خلال إعطاء الحيوانات عقارا يُدعى «MAM» لأسابيع عدة، وهو عقار مكوّن من مادة توقف انقسام الخلايا. وبعد انقضاء مدة العلاج، قمنا بإدخال الحيوانات إلى حجر الدراسة.

 

لقد أظهرت تجربتنا أن الجرذان التي أُعطيت العقار MAM كانت تلاميذ كسالى في التجربة النموذجية (مهمة تتبع طرف العين الشرطي بزمن 500ميلي ثانية). لقد وجدوا مشقة كبيرة في تعلم التنبؤ بالمنبه. ومع ذلك، فإن هذه الحيوانات قدمت أداء جيدا في العديد من المهام التعليمية الأخرى التي تعتمد على الحصين مثل متاهة موريس المائية(11). في هذا الاختبار تم إلقاء الجرذان في حوض فيه سائل داكن اللون وغير شفاف وجدرانه معلّمة بإشارات فراغيةspatial تساعد الحيوانات على الاهتداء، حيث عليها السباحة ضمنه إلى أن تجد منصة مغمورة بالسائل. وما لفت انتباهنا في هذا الاختبار هو أن الجرذان المحرومة من الخلايا العصبية الوليدة تعلّقت بالمنصة بالسرعة نفسها التي تعلق بها رفاقها غير المعالجين بالعقار.

 

وقد تبين لنا أيضا أن الحيوانات التي أعطيت العقار MAM لم تتأثر ذاكرتها المكانية المرتبطة بالخبرات العاطفية. وكمثال على ذلك، هو أن الجرذان التي نقلناها مؤقتا إلى قفص آخر ثم عرّضناها لصدمة كهربائية خفيفة في منطقة القدم تجمدت من الخوف عندما وضعناها مجددا في هذا القفص. ويُدعى هذا النمط من التعلم الخوف الشرطي المرتبط بالظرف(12)، وهو نمط تعلم يعتمد على منطقة الحصين. وكما رأينا، فإن الحيوانات المعالجة بالعقار المذكور لم تواجه أية صعوبات في هذا النمط من التعلم.

 

 

ماذا بعد؟(************)

   ما زال هنالك الكثير مما نود أن يتم اكتشافه لمعرفة كيف يسهم التعلم في الحفاظ على النورونات الوليدة بمنطقة الحصين، الأمر الذي يتطلب إعطاء الأولوية للكشف عن الآليات الجزيئية المسؤولة عن التعلم المترافق بتحدٍّ استعرافي كبير، والقادر على إنقاذ حياة الخلايا النورونية الوليدة. ومما نود أن نعرفه أيضا، هو التالي: ماهي النواقل العصبية المنخرطة في ذلك؟ وما هي پروتينات المستقبلات المشاركة؟ ومتى تقوم هذه الآليات بالعمل على وجه التحديد؟ وهل يساعد التعلم النورونات الوليدة على الاندماج في الشبكات العصبية، أم إنه يعزز بقاء النورونات المندمجة مسبقا؟ وكيف تسهم النورونات الوليدة في دماغ البالغ في تعزيز القدرة على تحصيل المعرفة؟

   ما زالت تلك النماذج من الدراسات تُجرى على الحيوانات. إلا أننا نود أيضا معرفة المزيد عن التشكل النوروني (تشكل نورونات جديدة) عند الإنسان، سواء أكان الأمر يتعلق بالأشخاص الأصحاء أم بأولئك الذين يعانون أمراضا، كمرض ألزهايمر على سبيل المثال.

   ولتحقيق هذه الغاية، سوف يكون علينا تطوير طرائق بحثية سليمة لمراقبة تولّد وموت الخلايا النورونية الجديدة في دماغ الإنسان. وبتوفر هذه الإمكانات البحثية، نصبح قادرين على تسخير جهودنا للبدء بمعالجة بعض النقاط الخلافية المثيرة للاهتمام: بأي قدر يستمر تشكل نورونات جديدة في دماغ إنسان سليم، مقارنة بدماغ مصاب بمرض ألزهايمر؟ هل يُمكن لمداخلات، كالمعالجة الجينية مثلاُ، أن ترفع عدد النورونات الوليدة في منطقة الحصين عند الإنسان؟ وهل هناك تدريبات معينة للدماغ من شأنها أن تساعد على الحفاظ على بقاء النورونات الوليدة؟

 

يُشير ما ذكرناه حتى الآن إلى أن الجرذان التي ليس لديها سوى عدد ضئيل من النورونات الوليدة لا تعاني صعوبات تُذكر في عمليات التعلم العادية، ولكنها تجد صعوبة في تعلم أداء مهام ترابطية أكثر تعقيدا، مثل تعرف أن سماع النغمة الصوتية يسبق تنبيه جفن العين دائما بنصف ثانية. ومما سبق نخلص إلى أنه إذا كانت النورونات الوليدة ضرورية فعلا للتعلم، فإنها لا تؤدي دورها في عملية التعلم إلاّ تحت مجموعة خاصة من الظروف التي تتطلّب بذل جهد استعرافي.

 

وبلغة البيولوجيا، يمكننا القول إن لذلك التخصص دلالة واضحة: فالحيوان لا يريد أن ينتظر حتى تنشأ مجموعة من الخلايا الجديدة ليبدأ بعد ذلك بالتكيّف مع ظروف محيطية لها أثر مباشر في بقائه حيا. ويمكن أن تُستخدم النورونات الوليدة بعد نضجها لدوْزَنَة أو تعزيز المهارات الموجودة المتخصصة بتذليل مصاعب الحياة. وتُسمى عملية تعزيز هذه المهارات، بلغة علم النفس، التعلم للتعلم(13).

 

ماذا عن دماغي؟(*************)

 

إن جميع الدراسات التي ناقشناها حتى الآن كانت قد أُجريت على حيوانات المختبرات؛ فئران أو جرذان. ولكن، ماذا يحدث لدى الأشخاص الذين ليس في استطاعتهم إنتاج نورونات جديدة في منطقة الحصين؟ يمدّنا الطب الحديث – وهذا أمر محزن – بمجموعة تتكون من أشخاص تم تحضيرهم بعلاج دوائي شامل التأثير بسبب إصابتهم بالسرطان. ويُدعى هذا الشكل من العلاج «المعالجة الكيميائية» وهي تؤثر في الخلايا بطريقة مشابهة لما يفعله العقارMAM، أي إنها تقوم بتثبيط انقسامها. وكما هو معروف، فإن الانقسام يشكل شرطا لتشكّل الخلايا الجديدة. ورُبَّما لا يكون الأمر صدفة، حيث إن الأشخاص الذين يتلقون معالجة كيميائية غالبا ما يشتكون من صعوبات في التعلم وتذكر الأشياء، وهي مجموعة من الأعراض – أي «متلازمة» بلغة الطب – يُطلق عليها في اللغة الدارجة أحيانا اسم الدماغ الكيميائي chemobrain.

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/3-4/2010_03_04_28.jpg
كلما كانت المهمة الاستعرافية أكثر تحديا، زاد احتمال إنقاذ عدد أكبر من النورونات الوليدة شريطة أن تكون نتائج تجارب الحيوان قابلة للتطبيق على الإنسان.

 

وتتوافق هذه المتلازمة، في بعض جوانبها، مع نتائج تجاربنا على الحيوانات. فكما أن القوارض التي تلقت علاجا بالعقار MAM لا تعاني اضطرابات عميقة أو واسعة في الوظائف الاستعرافية بل تعاني صعوبات طفيفة أو متوسطة الشدة فقط، فإن الأشخاص الذين يخضعون للمعالجة الكيميائية أيضا يؤدون وظائفهم كما ينبغي في معظم الأحوال. فيرتدون الثياب ويذهبون إلى العمل ويُحضرون الطعام ويختلطون بأفراد الأسرة والأصدقاء ويواصلون عيش حياتهم اليومية كما سبق. وهذا أمر منطقي بالطبع. فإذا عُدنا مرة أخرى إلى نتائج تجاربنا المختبرية على الحيوانات، لوجدنا، كما نوّهنا سابقا، أن جرذاننا كانت قد أعطيت المادة MAM ولكنها لم تُصَب باضطرابات تنبث في الوظائف الاستعرافية، بل إنها عانت فقط خللا جزئيا في بعض عمليات التعلم المعقدة، عمليات تمثل لكلّ واحد منّا ضربا من التحدي. كالقيام بمهام متعددة تقتضي الانخراط في مشاريع عدة وفي الوقت نفسه معالجة معلومات جديدة.

 

لكي نتمكن من إثبات أن تشكل نورونات جديدة له تأثير في التعلم عند الإنسان، ينبغي على الباحثين تطوير وسائل غير ضارة(14)  قادرة على  استكشاف نورونات جديدة في دماغ إنسان حي، وعليهم أيضا اكتشاف طرائق استقصائية قابلة للعكس، وذلك لإيقاف نضج النورونات الجديدة خلال عملية التعلم.

 

لقد جرى تطوير الطرائق السابقة، أما الطرائق الأخيرة فمن المرجح أنها تحتاج إلى بعض الوقت لتطويرها. لنفترض الآن، أن لدينا احتياطيا من النورونات الجديدة الجاهزة للحفاظ على دماغ الإنسان رشيقا من الناحية الفكرية. فهل يمكن عندئذ أن نستغل بشكل ما التشكل النوروني من أجل منع أو معالجة الاضطرابات التي تؤدي إلى تراجع استعرافي؟

 

لندخل في اعتبارنا مرض ألزهايمر، وهو مرض يترافق بتخرب عدد كبير من نورونات الحصين يؤدي إلى فقدان متدرج للذاكرة وتراجع في القدرة على التعلم. ولكن أدمغة مرضى ألزهايمر لا تتوقف عن إنتاج نورونات جديدة، إلا أن هذه النورونات تموت – على ما يبدو – قبل أن تنضج. وقد يكون السبب في ذلك، هو أن المرض بحد ذاته يَحول دون نضج تلك الخلايا من خلال عرقلته مهارة التعلم.

 

وعلى الرغم من الصورة القاتمة التي تحيط حاليا بأمراض التعلم والذاكرة، فإن هناك بعض الاكتشافات الواعدة على الأقل بالنسبة إلى مرضى الخرف في مراحله الأولى. إلى جانب ذلك، فإن الدراسات التي أُجريت على الحيوانات والبشر أكّدت، كما أشرنا سابقا، أن الرياضة الهوائية aerobic ومجموعة من مضادات الاكتئاب تُعززان عملية تشكل نورونات جديدة. ففي دراسة نُشرت عام2007 تم إثبات أن المعالجة الطويلة الأمد بمضادات الاكتئاب الحديثة قادرة على تحسين الأداء العام وجودة الحياة عند مرضى ألزهايمر، وذلك من خلال تعزيزها تشكل نورونات جديدة وإسهامها في المحافظة عليها.

 

وهناك أيضا حكايات عن حالات فردية تفيد بأن التعلم الذي يتطلب بذل جهد فكري كبير قد يساعد بعض مرضى ألزهايمر. وفي مؤتمر حول مرض ألزهايمر، قُمت شخصيا بعرض بعض نتائج أبحاثنا على الأطباء السريريين والتي تفيد بأن تعلم الأشياء الصعبة يسهم في المحافظة على النورونات الوليدة. وقد أبدى هؤلاء اهتماما كبيرا بهذه النتائج لأنها تتوافق مع نتائج استقصاءاتهم السريرية، والتي تشير إلى تحسن أعراض هذا المرض بفعل التعلم المجهد فكريا وخاصة عند المرضى الذين سخّروا أنفسهم لفعاليّات تتطلب بذل مجهود استعرافي كبير. ويعتقد بعض الأطباء السريريين أن تلك الفعاليات من شأنها إبطاء سير هذا المرض الذي «يسلب العقل.»

 

إلاّ أنه من السذاجة بمكان أن نعتقد أن مجرد القيام بمجموعة من الإجراءات كتناول مضادات الاكتئاب وممارسة رياضة ذهنية والانخراط في فعاليات تتضمن بذل جهد معرفي كبير، كفيل بإعادة حالة الدماغ إلى ما كانت عليه قبل الإصابة بمرض كمرض ألزهايمر الذي يقتل كمية من النورونات يتجاوز عددها عدد النورونات الوليدة. أما إذا أردنا أن نكون واقعيين، فيمكننا أن نتصور – بالطبع – أن مثل تلك الإجراءات من شأنها أن تسهم في إبطاء سير المرض، وما يعنيه ذلك من تخفيف لسرعة تراجع القدرات الاستعرافية لدى المرضى الذين يكافحون ضد الأمراض التنكسية، وربما لدينا جميعا عندما تأخذ أدمغتنا بالهرم مع تقدمنا في العُمر.

 

وبحسب القول المأثور «لا يمكنك أن تُعلّم كلبا كبير السن حيلا جديدة»، فإن أكثرنا يجد صعوبة كبيرة في تعلم أشياء جديدة كليّا. ولكن مع ذلك، إذا أردنا أن نحافظ على مرونة أدمغتنا، ففي أغلب الظن لن يضيرنا تعلم لغة جديدة أو ممارسة رقص إيقاعي أو ممارسة ألعاب حاسوبية سريعة بعد انتهاء برنامج تماريننا الرياضية ــ حتى إن ذلك قد يكون مفيدا لنا.

 

المؤلفة

  Tracey J.Shors
أستاذة في قسم علم النفس ومركز العلوم العصبية المشترك في جامعة روتگرز, تهتم منذ زمن طويل بدراسة الأساس البيولوجي العصبي للتعلم والذاكرة، وتعمل مع <E.گولد> [من جامعة پرنستون] مكتشفة ظاهرة «نشوء نورونات جديدة» عند البالغين. لقد بينت <شورز> أن التعلم يعزز بقاء النورونات الجديدة في الحصين، وأن هذه النورونات تتدخل، على ما يبدو، في بعض نواحي التعلم. وبعد نحو عشر سنوات، ما زالت <شورز> تفكر مليّا في السؤال التالي: ما هي علاقة التعلم بظاهرة «نشوء نورونات جديدة؟» http://oloommagazine.com/Images/Articles/2010/3-4/2010_03_04_22_b.jpg

 

  مراجع للاستزادة

 

Learning Enhances Adult Neurogenesis in the Hippocampal Formation. Elizabeth Gould, Anna Beylin, Patima Tanapat, Alison Reeves and Tracey J. Shors in Nature Neuro- science, Vol. 2, No. 3. pages 260-265; March 1999.

 

Neurogenesis in the Adult Is Involved in the Formation of Trace Memories. Tracey J. Shors. George Miesegaes, Anna Beylin, Mingrui Zhao. Tracy Rydel and Elizabeth Gould in Nature, Vol. 410, pages 372-376; March 15.2001.

 

Neurogenesis, Learning and Associative Strength. Jaylyn Waddell and Tracey J. Shors in European Journal of Neuroscience, Vol. 27, No. 11, pages 3020-3028; June 2008

(*)SAVING NEW BRAIN CELLS

(**)It’s a New Neuron!

(***)Use It or Lose It

(****)WHERE NEW NEURONS FORM
(*****)VIEWING NEW NEURONS

(******)No Pain, No Gain

(*******)WHAT RAT STUDIES REVEALED

(********)HOW LEARNING HELPS TO SAVE NEW NEURONS

(*********)Timing Counts

(**********)WHAT HELPS, WHAT HURTS

(***********)What Do They Do?

(************)What’s Next?

(*************)What about My Brain?

 

(1) يضم الجهاز العصبي المركزي نوعين من الخلايا العصبية (العصبونات): النورونات ومفردها نورون (neuron) والخلايا الدبقية glia. تنقل الأولى المعلومات وتعالجها وتكودها وتحفظها وتتذكرها. وهي عمليات تشكل الأساس الجزئي الخلوي لوظائف الدماغ الحسية والحركية والذهنية. أما الخلايا الدبقية، فهي خلايا داعمة للنورونات وتؤدي وظائف استقلابية ومناعية وليس لها علاقة مباشرة بالوظائف الدماغية المذكورة. عندما يرد مصطلح «الخلية العصبية أو الخلية الدماغية» أو العصبون في النص، فإن المقصود بذلك هو النورون (neuron).
(2) يعود اسم المرض إلى الأكاديمي والطبيب الألماني (Alois Alzheimer) الذي اكتشفه عام 1906. وتُلفظ كلمة (Alzheimer) بالألمانية (ألتسهايمر).
(3) cognitive abilities

(4) neurogenesis : أو التشكل النوروني. (التحرير)

(5) يُفضل استخدام الكلمة المعربة «هيپوكامپوس» على الترجمة العربية «حصين البحر» لقربها من المصطلح العالمي.

(6) bromodeoxyuridine

(7) trace eyeblink conditioning

(8) anticipatory learning 

(9) get ready

(10) Critical Window of Time

(11) Morris water maze

(12) contextual fear conditioning

(13) Learning to learn

(14) noninvasive

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى