أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
علم المناخ

مصائب التغير المناخي

 

مصائب التغير المناخي(*)

إن التحولات في أنماط هطول المطر وتغيرات حدود السواحل،

سوف تسهم في حدوث هجرات سكانية بأعداد لم يسبق لها مثيل.

<A.دو شيربينين> -<K.وارنر> -<Ch.إيرهارت>

 

 

 

باختصار

   سيؤدي التغير المناخي الناجم عن الاحترار العالمي إلى تَقَطُّع سبل الحياة لملايين البشر، دافعا العديد إلى النزوح عن أوطانهم.

   ندرس هنا ثلاث مناطق حول العالم بدأت فيها المعاناة من تأثيرات التغير المناخي وبدأت فيها الهجرة.

   إن التنبؤ الدقيق بمن سينزح وإلى أين سيتجه أمر مستحيل، ولكن القادة يستطيعون اتخاذ إجراءات تساعد على تخفيف المعاناة المحتومة.

 

منذ بداية التاريخ المدوّن، أعادت الهجرات التي فرضها تغير المناخ تشكيل الحضارات. فقبل أربعة آلاف سنة أدت فصول الجفاف المطولة والقحط وما نتج منهما من مجاعة في أرض كنعان إلى إجبار النبي يعقوب وأبنائه على الهجرة إلى مصر، وتهيئة الأحداث لسفر الخروج المعروفة بقيادة النبي موسى. وبعد مضي ثلاثة آلاف سنة على تلك الحقبة، أدت فترة طويلة من الجفاف ونقص المراعي إلى دفع الجيوش المنغولية إلى الخروج من أواسط آسيا باتجاه الغرب وصولا إلى أوروبا، حيث استقر العديد منهم فيها وتزاوجوا بسكانها. وفي القرن العشرين، أدى ما سمي بقصعة الغبار الأمريكية the American Dust Bowl، وهي كارثة بيئية سببها الجفاف، وقد زاد من تعقيدها سوء سياسات إدارة الأراضي، إلى نزوح نحو 3.5 مليون شخص من الغرب الأوسط الأمريكي.

 

أما اليوم فقد اتخذت هذه الرواية القديمة منحىً جديدا. فنحن ندخل حقبة زمنية تتصف بحدوث تغيرات سريعة في المناخ نتيجة للانبعاثات الكبيرة لغازات الاحتباس الحراري (الدفيئة) greenhouse بفعل العوامل البشرية.  وتتضمن التغيرات المتوقعة اختلافات أكبر في كميات الأمطار الهاطلة وتواترا أكبر لظروف شديدة القسوة (مثل فترات مطولة من الجفاف والفيضان)، وارتفاع مستوى سطح البحر، وزيادة حمضية المحيطات، وتحولات طويلة الأمد في درجة الحرارة وكمية المطر. ويمكن لأي تغير من تلك التغيرات أن يُخل بقوة النظم الإيكولوجية التي توفر لنا حاجاتنا الأساسية. وقد يضطر البشر في هذا العالم المزدحم بالسكان إلى هجر أوطانهم بأعداد لم نشهدها من قبل.

 

تَرَكَّزَ معظم الاهتمام على مشكلة البلدان المؤلفة من جزر أرضها منخفضة ومهددة بارتفاع مستوى سطح البحر. فوفقا لأحد السيناريوهات، من الممكن أن تختفي معظم بلدان عالمنا الثمانية والثلاثين المؤلفة من جزر صغيرة مع نهاية هذا القرن. ومع ذلك, فإن المشكلة التي يواجهها سكان تلك البلاد ليست سوى غيض من فيض. ففي الهند وحدها، سيؤدي ارتفاع قدره متر واحد في مستوى سطح البحر إلى نزوح نحو 40 مليونا من السكان. ولسوء الحظ، فإن هذا  الفيضان الساحلي لا يشكل التحدي الوحيد الذي له علاقة بالمناخ في جنوب آسيا. إذ تبين النماذج التي طورها <M.A.گرين> و <A.روبيرتسون> [من جامعة  كولومبيا] حدوث ازدياد في كمية الأمطار الموسمية الكلية المصحوبة بنقصان في تواتر سقوط هذه الأمطار، وهذا يعني هطول أمطار شديدة الغزارة في أيام قليلة. كما سيؤثر التغير في مستوى التدفق الموسمي لمياه الأنهار – نتيجة انخفاض كمية الثلوج المتساقطة شتاء وتقلص حجم الجليديات – في الإنتاج الزراعي لبضع مئات الملايين من المزارعين الآسيويين، كما سيؤثر في الموارد الغذائية لعدد مماثل من الآسيويين الحضر.

 

وعلى الرغم من أن تحقيق فهم تام لتأثير انصهار الجليديات وارتفاع مستوى سطح البحر قد يستغرق عقودا من الزمن، إلا أن حدوث الكوارث ذات العلاقة بالمناخ أمر واقع بالفعل. ومقارنة بالثمانينات من القرن العشرين فقد ارتفعت معدلات الكوارث الطبيعية بما يعادل 42% إضافية، ونسبة تلك الكوارث المرتبطة بتغير المناخ بما يعادل 50 إلى 80% إضافية. ويقدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHA ومركز رصد النزوح الداخلي، أن النكبات المناخية في عام 2008 وحده أجبرت نحو 20 مليونا من البشر على ترك منازلهم  – وهذا الرقم هو أكبر بأربع مرات من عدد البشر الذين نزحوا بسبب الصراعات المسلحة.

 

ولذلك, فإن الهجرة القسرية والنزوح الناتجين من تغير المناخ قد يشكلان خلال العقود القادمة التحديين الأهم والأكبر أمام المجتمع الدولي. وفي هذه المقالة سنقدم استشرافا لما يخبئه لنا المستقبل، بتفحص العوامل التي بدأت حاليا بإثارة مثل تلك الهجرات في ثلاث مناطق من العالم. وسنبدأ أولا بموزمبيق، حيث أدى مزيج من الفيضانات الكارثية والجفاف الدوري إلى إيقاع المجتمع السكاني الزراعي في مأزق مزدوج. وبعدها نتفحص ما يجري في دلتا نهر الميكونگ، حيث كانت الفيضانات هناك، ومنذ وقت طويل، جزءا من إيقاع الحياة، ولكن مستوى تلك الفيضانات في السنين الأخيرة فاق الأرقام القياسية السابقة. كما تواجه البلاد خسارات كارثية في الأراضي الزراعية الخصبة جراء الارتفاع المتوقع في مستوى سطح البحر. ونختتم جولتنا في المكسيك وأمريكا الوسطى حيث أدت العواصف المدارية والأعاصير إلى نزوح آلاف البشر، حيث يخيم خطر الجفاف المستمر.

 

سيكون من العبث محاولة التنبؤ بدقة بحجم الهجرات المقبلة وبوجهتها ووقت حدوثها، ولذلك سنحجم عن فعل ذلك. ونأمل بأن يؤدي استعراض الحالات الثلاث السابقة، إلى المزيد من التحليلات التفصيلية للأمكنة المحتمل أن تحدث فيها الهجرات السكانية، وإلى تطوير خطط عالمية ومحلية لمساعدة أولئك الذين سيجبرون على هجر بيوتهم.

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/5-6/2011_05_06_039_d.jpg
هائمون: أسرة تهيم في شوارع تشوكوي في موزمبيق، حيث أدت الفيضانات المتكررة فيها إلى إعادة توطين الكثير من العائلات بصورة دائمة.

 

إن الدليل الذي سنقدمه في رواياتنا التالية مأخوذ من مشروع سيناريوهات اللجنة الأوروبية للتغير البيئي والهجرة القسرية (EACH – FOR)، وهو دراسة حول الهجرة القسرية البيئية، تشمل كامل الكرة الأرضية، وكذلك من دراسات الخرائط mapping exercise الذي أعده مركز الشبكة الدولية لمعلومات علم الأرض(CIESIN) في معهد الأرض بكولومبيا.

 

نود أن نقيم إسهامات  <S.أدامو> و <T.تشاي-أون> [من الشبكة CIESIN] وكلا من  <M.ستال> و <O.دن> و  <S.ألشر> الذين أعدوا مشروع سيناريوهات اللجنة الأوروبية للتغير البيئي والهجرة القسرية EACH-FOR.

 

موزمبيق:

المصيبة المزدوجة(**)

 

موزمبيق بلد إفريقي تعادل مساحته مساحة ولايتي كاليفورنيا ومونتانا مجتمعتين، ويقع على امتداد الساحل الشرقي لإفريقيا، بين تانزانيا في الشمال وجنوب إفريقيا في الجنوب. يتصف تاريخ هذا البلد بالكثير من الهجرات وإعادة التوطين المموّل حكوميا والناتج من ماضيه الاشتراكي ومن الحرب الأهلية التي استغرقت ستة عشر عاما وانتهت في عام 1992، حيث أجبر خلال تلك الفترة نحو خمسة ملايين من البشر على النزوح من منازلهم. وقد عاد في السنوات الأربع التي أعقبت انتهاء الحرب 1.7 مليون موزمبيقي إلى  وطنهم من مالاوي وزيمبابوي وسوازيلاند وزامبيا وجنوب إفريقيا وتنزانيا.

 

وعلى الرغم من أنهم تجاوزوا آثار الحرب الأهلية، فإن أزمة جديدة تعصف الآن بموزمبيق. ففي أعوام 2000 و 2001 و 2007 اجتاحت فيضانات كارثية  حوضي نهري زامبيزي وليمبوبو أدت إلى نزوح مئات الآلاف من البشر. وقد أجبر فيضان عام 2007 وحده أكثر من 100 000 شخص على النزوح، أُجلي  نصفهم تقريبا إلى مراكز إيواء مؤقتة. وفي ذات عام وبعد أن تراجعت مياه الفيضان، ضرب البلاد إعصار فافيو مما جعل نهر زامبيزي يفيض مرة أخرى، ففقد الناس المتأثرون بالإعصار بيوتهم ووسائل معيشتهم، كما فقدوا إمكانية الوصول إلى المراكز الطبية، وتَدَهْورَ الصرف الصحي ونَضَب الماء الصالح للشرب. وأعاقت هذه الكوارث الثنائية والثلاثية بشكل كبير قدرة المجتمعات السكانية على التعافي، وخاصة أن الممتلكات المحدودة لغالبيتهم قد جرفتها السيول بكل ما للكلمة من معنى.

 

وفي الأعوام التي تلت فيضانات 2001، شجعت الحكومة السكان على الاستقرار بصورة دائمة بعيدا عن السهول المعرضة لأخطار الفيضان، وذلك بتقديم حوافز مثل توفير البنى التحتية في برنامج يربط بين العمل وتقديم العون. ففي مقابل صنع الآجر وعدت الحكومة بدفع تكلفة بقية مواد البناء البديلة والإسهام في توفير المساعدة التقنية اللازمة للبناء. وبيّن <M.ستال>[عضو اللجنة الأوروبية للتغير البيئي والهجرة القسرية EACH-FOR] في مقابلات أجراها أن النازحين الذين يعيشون في مراكز إعادة التوطين بأنه قبل العقد الأخير كانت التجمعات السكانية تهاجر دوريا من السهول المعرضة للخطر تجنبا للفيضان، لكنهم لم يفكروا من قبل في الاستقرار بصورة دائمة في المناطق الآمنة.

 

إن المفارقة المحزنة في موزمبيق، هي أن تلك البلاد تتعرض في آن واحد لكل من الفيضان والجفاف، كما حدث في عام 2007، عندما كانت المنطقة الجنوبية تعاني الجفاف والقحط، في حين كان نهر زامبيزي في الشمال يفيض ويغرق الأراضي الواقعة على ضفتيه. وتقترح النماذج المناخية أنه على الرغم من احتمال ارتفاع معدلات هطول الأمطار في شمال موزمبيق إلا أنها قد تنخفض في جنوبها. والعامل الرئيس المؤثر في مدى المشكلة هو تباعد فترات هطول الأمطار ومدى شدتها، فأي زيادة إضافية في غزارة هطول المطر ستؤدي من دون شك إلى استمرار حدوث الفيضانات الكارثية التي شهدنا تكرارها في هذا العقد من الزمن. ولسوء الحظ، يتوقع المناخيون حدوث تغيرات أكبر في القرن الحالي تؤدي إلى جعل المناخ يتأرجح بين نقيضين هما الجفاف والفيضان، مما يجعل بلدانا مثل موزمبيق تقع – بصورة متزايدة – تحت رحمة أنماط مناخية غير متوقعة النتائج.

 

ومازال الناس الذين أعيد توطينهم يعتمدون بشدة على المعونات الحكومية والدولية؛ لأن المناطق التي استقروا فيها تفتقر أساسا إلى البنى التحتية – مثل المدارس والمراكز الطبية – التي تسمح بظهور اقتصاد مكتفٍ ذاتيا. ومازال الفشل في إنتاج محاصيل وفيرة هو الأمر السائد، مما يدفع بالخبراء ومن يجري الحوارات إلى الاستنتاج أنه من دون استمرار تقديم المساعدات الإنسانية الخارجية يتحتم على السكان الهجرة إلى مناطق أبعد وربما إلى خارج حدود البلاد. وقد يكون المكان الأكثر احتمالا هو مابوتو (عاصمة موزمبيق) أو ربما جنوب إفريقيا، لأن المشهد الاقتصادي في المدن الأخرى والبلاد المجاورة لا يبدو مشرقا بالدرجة نفسها.

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/5-6/2011_05_06_041_a.jpg
بئر التمني: امرأة تحاول جاهدة جمع بعض الماء من بئر شبه جافة في مدينة مالانج التي ضربها الجفاف في موزمبيق.

 

 

موزمبيق تحت الحصار

   يسوء المناخ في موزمبيق بشكل مستمر. فالفيضانات تغمر دوريا بالمياه المزارع والبلدات بجوار نهري ليمبوبو وزامبيزي. وفي الوقت ذاته صار الجفاف أمرا شائعا. ويتوقع أن يؤدي التغير المناخي إلى زيادة حدة هذه التحولات، فيزداد الضغط على السكان ويدفعهم إلى الهجرة إلى مكان آخر.

لعنة الجفاف

أعاق الجفاف خلال هذه الفترات إنتاج الغذاء أيضا.

لعنة كثرة الأمطار

عانى سكان الريف في موزمبيق حدوث فيضانات متكررة ومتزايدة خلال العقد الماضي، وتعاني بعض المناطق حوادث متعددة.

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/5-6/2011_05_06_041_b.jpg

 

دلتا نهر الميكونگ:

ارتفاع مستوى سطح البحر(***)

 

في الجزء الڤيتنامي من دلتا نهر الميكونگ يقطن نحو 18 مليونا من البشر، أو ما يعادل 22 في المئة من سكان ڤيتنام. وتعادل الأراضي المستغلة منها نحو40 في المئة من مساحة الأراضي المزروعة في ڤيتنام، وتوفر ما يزيد على ربعالناتج المحلي الإجمالي GDP. ويُنتج سكان هذا الجزء أكثر من نصف إنتاج ڤيتنام من الأرز، ونحو 60  في المئة من محصول السمك والروبيان (القريدس)، ويبلغ محصولها من الفاكهة نحو 80 في المئة من مجمل محصول الفاكهة في  ڤيتنام.

 

إن كل ما سبق مهدد بالضياع، وفقا لما جاء في دراسات الخرائط المعدة من قبل مركز جامعة كولومبيا «الشبكة الدولية لمعلومات علم الأرض» CIESIN. ويبين المخطط أن ارتفاعا في سطح البحر مقداره متر واحد يمكن أن يؤدي إلى نزوح أكثر من سبعة ملايين من سكان الدلتا، في حين يؤدي ارتفاع مقداره متران إلى مضاعفة الرقم السابق ليصبح 14 مليونا – أي نحو 50 في المئة من  سكان الدلتا. ويؤدي مثل هذا الارتفاع إلى غرق عدة أجزاء من مدينة هوتشي مينّ. (وتجدر الملاحظة هنا أن حدوث ارتفاع قدره متران في هذا القرن يخالف جميع التوقعات المحتملة بصورة عامة، ولكن وقوع تغير مناخي مفاجئ قد يخلق نقاطا انقلابية tipping points تنصهر عندها الجليديات الأرضية في گرين  لاند وغربي المنطقة القطبية الجنوبية بوتيرة أسرع مما يتوقع. وفي مثل هذه الحالة سنواجه ارتفاع المترين في عام 2100.)

 

 

مخاطر الميكونگ

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/5-6/2011_05_06_042_a.png

   تنتج منطقة دلتا الميكونگ جزءا مهما من الغذاء الذي تحتاج إليه ڤيتنام. وقد اعتمد مزارعو الأرز لقرون عديدة على الفيضانات الدورية لسقاية حقولهم. ولكن الفيضانات المدمرة في العقود الأخيرة أصبحت تهدد مناطق الزراعة بصورة متزايدة. يضاف إلى ذلك أن منطقة الميكونگ عرضة لخطر ارتفاع مستوى سطح البحر. وسيؤدي ارتفاع قدره متر واحد في مستوى سطح البحر إلى نزوح أكثر من سبعة ملايين عن بيوتهم.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/5-6/2011_05_06_042_b.jpg

نهر الحياة

   تبلغ الكثافة السكانية ذروتها على امتداد ضفتي نهر الميكونگ، وهي المنطقة الأكثر عرضة للفيضان نتيجة الأمطار الغزيرة.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/5-6/2011_05_06_043_b.jpg

اقتصاد زراعي

   ڤيتنام هي ثاني أكبر مصدر للأرز في العالم (بعد تايلاند)، وتنتج دلتا الميكونگ نحو 80 في المئة من  مجمل الإنتاج

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/5-6/2011_05_06_043_c.jpg

بالقرب من الشاطىء

   تتألف معظم أراضي دلتا الميكونگ من أراض منخفضة ترتفع نحو متر واحد أو مترين عن مستوى سطح البحر. فإذا انصهرت الجليديات سيرتفع مستوى سطح البحر وسيجبر ملايين البشر على الهجرة.

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/5-6/2011_05_06_043_a.jpg
مياه مرتفعة: هذا البيت الذي تظهره الصورة ونحو000 400 بيت آخر مثله غمرته المياه في أحد أسوأ الفيضانات التي ضربت الميكونگ على مدى أربعة عقود.

 

لقد أدت الفيضانات منذ أمد طويل دورا مهما في اقتصاد وثقافة تلك المنطقة من العالم، حيث يعيش سكان دلتا الميكونگ الممتدة شمالا حتى كمبوديا على دورات الفيضانات ويعتمدون عليها، ولكن ضمن حدود معينة. فمثلا، يعد فيضان عمقه من نصف متر إلى ثلاثة أمتار جزءا من نظام الفيضان الطبيعي الذي يعتمد المزارعون عليه. ويصف الڤيتناميون الذين يعيشون في الدلتا، مثل هذه الفيضانات بأنها فيضانات محببة. أما الفيضانات الأعلى من ذلك فتمثل تحديا لقدرة السكان على التعامل معها وكثيرا ما يكون لها تأثيرات مدمرة في أسباب العيش وسبله.

 

وفي العقود الأخيرة ارتفعت وتيرة حدوث الفيضانات التي تتجاوز مستوى الأربعة أمتار. لقد أجرت <O.دَنْ> [اللجنــة الأوروبيـــة للتغيـــر البيئــي والهجـــرة القسريـــة EACH-FOR] حوارات مع مهاجرين من الدلتا في فنوم بنّ بكمبوديا، حيث قال أحدهم: «إن الفيضانات تهدد أحيانا حياتنا، ولذلك جئنا هنا لإيجاد سبل حياة جديدة». وقال آخر: «لقد كانت عائلتي تمتلك حقولا لإنتاج المحاصيل، ولكن الفيضانات في الآونة الأخيرة أصبحت تحدث بوتيرة متزايدة جعلت إنتاج المحاصيل غير مستقر.»

 

وهكذا، فإن التغير المناخي بالتضافر مع الأخطار الطبيعية القائمة، إضافة إلى الضغوط التي تقع على البيئة نتيجة التحول السريع إلى التصنيع لڤيتنام والأقطار الممتدة شمالا، وَضَع الموارد الطبيعية الڤيتنامية ومن يعتمد عليها في موقع محفوف بالمخاطر. ويتكيف سكان دلتا الميكونگ في مواجهة تلك الضغوطات البيئية باتباع طرق متنوعة. ففضّل الذين اتخذوا الهجرة سبيلاً، الانتقال إلى المدن التي يتميز اقتصادها بوتيرة نمو أسرع.

 

ومن جهتها، وضعت الحكومة الڤيتنامية برنامجا يدعى «التعايش مع الفيضان». ويقوم موظفون حكوميون كجزء من البرنامج بتشجيع مزارعي الأرز على الانتقال إلى الزراعة المائية – أي إنتاج الأغذية البحرية مثل الروبيان والأسماك الصغيرة في برك مغلقة. ويهتم البرنامج أيضا بنقل السكان على امتداد المجرى الرئيس لنهر الميكونگ في مقاطعة جيانگ بعيدا عن النهر. ويستهدف البرنامج إعادة توطين نحو 20 000 من سكان تلك المقاطعة الذين لا يمتلكون أرضا أو وسائل معيشية جيدة بحلول عام 2020. إن هؤلاء المستهدفين بإعادة التوطين هم عادة لايمتلكون أرضا يزرعونها وليس لديهم مكان يذهبون إليه في حال تعرضوا لفيضان أو انزلاق أرضي، وهم أفقر من أن يستطيعوا الانتقال إلى المناطق الحضرية. بالنسبة إلى هؤلاء توفر الشبكات الاجتماعية – ذلك النسيج من العلاقات مع العائلة والأصدقاء والمُسْتَخدِمِين – الارتباط الأساسي بفرص العمل الجديدة لأن معظمهم يكسب قوته بالعمل اليومي. وعلى الرغم من أن التجمعات السكنية المخططة لها تقع ضمن حدود ميل واحد من المنطقة التي نزح عنها هؤلاء السكان، إلا أن إعادة التوطين كثيرا ما تمزق نسيجهم الاجتماعي.

 

المكسيك وأمريكا الوسطى:

عواصف قاتلة وجفاف مُقعِد(****)

 

تؤوي المكسيك وأمريكا الوسطى نحو 10 ملايين مزارع، لا يكاد معظمهم  يقدر على تدبير الحد الأدنى من قوته بزراعة المحاصيل التقليدية مثل الذرة والبقول والقرع على سفوح تلال شديدة الانحدار. ويعتمد هؤلاء المزارعون، كما هو حال جميع المزارعين في كل مكان، على سقوط كمية معتدلة من المطر. فإذا نقصت تلك الكمية ذبلت نباتاتهم وماتت، وإذا زادت كثيرا خلال زمن قصير انجرفت التربة إلى الأودية حاملة معها المحصول مصدر دخلهم.

 

ويصادف أحيانا أن يضرب الجفاف والعواصف في العام نفسه. فمثلا في الشهر7/2001 عانت هندوراس جفافا تأثر به نحو ربع مليون نسمة، وبعد ذلك  ببضعة شهور أغرقت عاصفة استوائية الريف.

 

لقد وجد العديد من المزارعين أن مصادر دخلهم محفوفة بالمخاطر، ولذلك قاموا بالهجرة شمالا؛ والغالبية العظمى من المهاجرين إلى الولايات المتحدة ينزحون من مناطق زراعية فقيرة في المكسيك وأمريكا الوسطى. وكانت تعرية التربة، وقطع الغابات، وعدم توافر فرص العمل من العوامل التي دفعت إلى الهجرة، إضافة إلى إغراءات الأجور العالية السائدة في الشمال كما أنّ العوامل المناخية تسهم في زيادة البؤس. لقد وجد  <S.ألشر> [من اللجنة الأوروبية للتغير البيئي والهجرة القسرية EACH-FOR] أن تحرير الأسواق في تلاكسكالا في وسط المكسيك في التسعينات إضافة إلى انخفاض كمية هطول الأمطار، خفّضا مداخيل المزارعين، مما دفع ببعضهم إلى الرحيل. وفي إحدى المقابلات، وصف أحد المزارعين الهجرة، بأنها الخيار الأخير المتاح بقوله: «لقد اشتغل جدي وكذلك أبي واشتغلت بنفسي في هذه الأرض، ولكن الزمن تغير….. والآن يأتي المطر متأخرا، مما جعلنا أقل إنتاجا، والحل الوحيد هو مغادرة هذا المكان (إلى الولايات المتحدة) مؤقتا على الأقل.»

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/5-6/2011_05_06_045.jpg
آخر قطرة: امرأة تمشي مبتعدة عن بركة مياه مالحة في وادي <تيهواكان> بالقرب من مدينة  مكسيكو. كانت البركة تستعمل لسقاية المواشي، أما اليوم فيعتمد القرويون على مثل هذه البركة لتأمين حاجتهم من الماء.

 

 

حلول حكيمة

ماذا يمكننا أن نعمل؟(*****)

   قد تصبح الهجرات القسرية بسبب التغير المناخي أهم التحديات التي تواجهها البشرية في القرن الحادي والعشرين. وعندما يجبر الناس على النزوح – سواء كان ذلك بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر أو بسبب أحداث أخرى شديدة القسوة – يجب على المجتمع الدولي أن يضع موضع التنفيذ إجراءات وقائية فعالة، كأن يتأكد من أن تلك التحركات نظامية وسلمية وأن حقوق الإنسان محفوظة، وأن هؤلاء الناس لهم الحق في إسماع صوتهم فيما يتعلق بمستقبلهم. وعلينا أن نقوم اليوم بإعداد أنفسنا للتصدي لتحديات المستقبل. وفي هذا السياق فإننا نحث المجتمع الدولي على متابعة ما يلي:

 

ومن المتوقع أن التغير المناخي سيؤدي إلى خفض كمية هطول المطر في تلاكسكالا بنحو 10 إلى 20 في المئة، وإذا ما قورنت هذه النسبة بنسب بقية  المناطق، يتبين أنها ليست الأسوأ. إذ يقع معظم المناطق المعتمدة على الزراعة المروية في السهول الساحلية مثل سهول هاليسكو وسينالوا – وهما ولايتان زراعيتان رئيسيتان تنتجان معا نحو 18 في المئة من الناتج المحلي الإجماليGDP الزراعي للبلاد. ووفقا لبيانات رسمية صادرة عن اللجنة ما بين الحكومات للتغير المناخي(1) IPCC الدولية، يتبين أن هاتين الولايتين قد تعانيان نقصا في توافر المياه يتراوح ما بين 25 و 50 في المئة بحلول عام 2080، الأمر الذي قد يدمر إنتاجية المنطقة.

 

وليس الجفاف هو المصدر الوحيد للقلق في المنطقة. إذ يتنبأ المناخيون بأن المكسيك وأمريكا الوسطى ستعانيان زيادة تكرار العواصف المدارية الشديدة خلال القرن القادم. وتوفر الأحداث السابقة تصورا واضحا لما يمكن توقعه. ففي عام 1998 قتل إعصار «ميتش»، وهو أكثر الأعاصير الأطلسية تدميرا في ما يزيد على 200 سنة مضت، نحو 11 000 شخص في هندوراس ونيكاراگوا وتسبب بأضرار تقدر ببلايين الدولارات. وفي عام 2007 أغرق الإعصار المداري «نويل» نحو 80 في المئة من مساحة ولاية تاباسكو مؤديا إلى نزوح نحو نصف مليون  من البشر. لقد كان نزوح السكان، بسبب المخاطر الطبيعية، في الماضي محليا ولفترة قصيرة. ولكن تكرار حدوث حالات بالغة القسوة قد يؤدي بالبعض إلى الاستسلام والرحيل بصورة نهائية.

 

إن الحلول محيرة. فقد لجأ الناس في المناطق الزراعية منذ وقت طويل إلى استراتيجية الهجرة الموسمية للتعامل مع المشكلة، فإذا سلَّمنا بأن معظم الهجرات المستقبلية قد تتدفق كما حدث في الماضي نحو الولايات المتحدة وكندا، فقد ينظر أصحاب القرار في البلدين إلى إصدار تأشيرات عمل مؤقتة عقب حدوث كوارث مناخية مثل الجفاف الشديد والفيضان المدمر. ويساعد المال الذي يرسله المهاجرون إلى عائلاتهم في الوطن الاقتصاد المحلي على التعافي بسرعة، كما يزيد قدرة أفراد العائلات على تحمل تبعات الخراب. أما على المدى البعيد، فيجب على المخططين الإقليميين تطوير تقنيات ريّ حديثة تعتمد على توفير المياه، وإيجاد مصادر دخل جديدة للمزارعين المعتمدين في زراعتهم على الأمطار.

 

 

النبوءات الخاصة بالجفاف في المكسيك

   في المكسيك وأمريكا الوسطى، يقطن ملايين المزارعين الذين تعتمد محاصيلهم على انتظام هطول الأمطار. ولكن الجفاف في العقود الأخيرة صار ظاهرة متزايدة التكرار، مما هدد مصادر الدخل ودفع الأفراد إلى النزوح نحو المدن وشمالا نحو الولايات المتحدة الأمريكية.

 

الحياة في الأرياف

ينتشر معظم سكان المكسيك في الأجزاء الوسطى والجنوبية من البلاد، التي تشكل الحزام الزراعي للمكسيك.

مناطق المكسيك المركزية

الأراضي المروية نادرة، ومعظم أراضي المكسيك وأمريكا الوسطى تعتمد كليا على مياه الأمطار.

هطول مطري أقل

تعاني معظم أنحاء المنطقة في السنين الأخيرة جفافا شديدا.

مستقبل ينبئ بالجفاف

تبين النماذج المناخية أنه بحلول عام 2080 ستعاني معظم مناطق المكسيك نقصا كبيرا في معدل هطول الأمطار بسبب تأثيرات التغير المناخي. وقد ينخفض مجمل هطول المطر في بعض المناطق إلى النصف.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/5-6/2011_05_06_069.jpg

 

المؤلفون

 

<شيربينين> باحث رئيس في معهد الأرض التابع لجامعة كولومبيا، ونائب مدير المركز NASA للبيانات الاقتصادية والاجتماعية وتطبيقاتها.

 

 

 

 

<وارنر> باحثة في التغير المناخي والتكيف والهجرات البيئية القسرية في معهد البيئة والأمن البشري التابع لجامعة الأمم المتحدة UNU.

 

 

 

 

<إيرهارت> منسق الاستجابة العالمية للتغير المناخي في المنظمة الدوليةCARE، وهي منظمة غير ربحية مكرسة لتخفيف الفقر العالمي.

 

Alex de Sherbinin

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/5-6/2011_05_06_039_a.jpg

Koko Warner

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/5-6/2011_05_06_039_b.jpg

Charles Ehrhart

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2011/5-6/2011_05_06_039_c.jpg

  مراجع للاستزادة

 

In Search of Shelter Mapping the Effects of Climate Change on Human Migration and Displacement Koko Warner et al. Available atwww.ciesin.cdumbia.edu/documents/ClimMigr-rpt-june09-pdf

 

Environmental Change arid Forced Migration Scenarios Project Case studies and final report available at www.each-for.eiJ CARE International Climate Change Information Center: wwwxareclimatechange.org

 

Low Elevation Coastal Zone Data and Maps: http://Sedac.ciesin.columbia.edu/gpw/lecz.jsp

(*) CASUALTIES OF CLIMATE CHANGE

(**) THE DOUBLE BLOW

(***) THE RISING SEA

(****) DEADLY STORMS, CRIPPLING DROUGHT

(*****) What Can We Do?

 

(1) Intergovernmental Panel on Climate Change

http://oloommagazine.com/Images/none.gif

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى