أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

حليف جديد ضد السرطان

حليف جديد ضد السرطان(*)

وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية مؤخرا على أول
لقاح علاجي للسرطان، في حين لا تزال تدرس بقية الأدوية
الأخرى التي تحفز الجهاز المناعي على مكافحة الأورام.

<E. ڤون هوف>

 

باختصار

  إن العلاج التقليدي للسرطان – الجراحة والعلاج الكيميائي والإشعاع – قد زاد من معدلات البقيا منذ السبعينات، ولكن الكثير من الناجين لا يستوفون كامل فترة الحياة الطبيعية.

يعتقد الباحثون أن النتائج ستكون أفضل إذا ما استطاعوا تجنيد حليف جديد ضد الأورام الخبيثة: الجهاز المناعي للجسم ذاته.

على امتداد العقد السابق فشل العديد من محاولات التعزيز الاصطناعي – من خلال التلقيح أو من خلال تطوير أدوية أخرى – للاستجابة المناعية.

ولكن يبدو أن التيار آخذ في التغير. فقد تمت الموافقة على لقاح مضاد للسرطان لمعالجة سرطان البروستاته، ويتواصل الآن اختبار جيل جديد من اللقاحات العلاجية المضادة للسرطان.

 

 

على مدى عقود ظل اختصاصيو السرطان يقدمون لمرضاهم ثلاثة خيارات أساسية: الجراحة، العلاج الكيميائي والإشعاع (ويصف بعض الناجين من السرطان هذا الثالوث القاسي بعبارة «اقطع، سمِّم واحرق»). وعلى مر السنين فإن التحسينات المستمرة على هذه الأدوات الفظة (باعتراف الجميع) قلّلت باطّراد من سوء الآثار الجانبية. وفي الوقت نفسه، فإن فاعليتها قد تحسنت بصورة ملحوظة. وصارت العقاقير الجديدة الدقيقة الاستهداف مثل (هيرسپتينHerceptin وگليڤك Gleevec)‏‌‌ متاحة لعلاج عدد قليل من بعض السرطانات. ومع كل هذا، فإن متوسط معدل البقيا(1) (أو البقاء على الحياة) لمدة خمس سنوات بعد الإصابة بالسرطانات الغازية، قد ارتفع من 50 إلى 66 في المئة في البضعة والثلاثين عاما الماضية. وعلى الرغم من هذه المكاسب، فإن العديد من الناجين من السرطان لن يعيشوا فترة الحياة الطبيعية.

لقد شكك الباحثون طويلا في إمكانية إضافتهم سلاحا يستطيع وبشكل كبير أن يرفع من معدلات بقيا مرضى السرطان من دون أن يسبب أعراضا جانبية خطيرة، أو أن يتوصلوا إلى طريقة تحفّز الجهاز المناعي(2)  للجسم ذاته كي يكافح الأورام الخبيثة بصورة أفضل. ولكن عقودا من الجهد قوبلت بفشل تلو آخر. فمثلا، في الثمانينات تحطمت الآمال المتقدة بأن يحفِّز جزيء من جزيئات الجهاز المناعي ألا وهو الإنترفيرون interferon دفاعات الجسم للشفاء من جميع أو معظم السرطانات، وذلك بعد عدة سنوات من الأبحاث. واليوم هناك مكان للإنترفيرون، ولكنه ليس موقع المعالج الشامل الذي كان متخيلا سابقا. وفي العقد الأول من هذا القرن كان هناك عدد كبير من التجارب السريرية التي تُجرى باستخدام العديد من الأنماط المختلفة من المقاربات ذات الصلة باللقاحات، ولكن لم يبدُ أن أيا منها ناجح. وبدا الأمر كما لو أن السلاح العام ضد مدى واسع من الأورام والذي طال انتظاره لن يتحقق أبدا.

ولم يتحقق ذلك حتى الآن. ولكن في صيف عام 2010 حدث ما يوحي أن عصر البدايات الخاطئة والطرق المسدودة لجهد تحفيز الجهاز المناعي قد يكون شارف على الانتهاء: فقد وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على أول لقاح لعلاج السرطان. ومع أن العقار الذي يُسمى پروڤينگ Provenge ليس علاجا شافيا، لكنه مقترن بالعلاج الكيميائي التقليدي، فقد منح المئات من المصابين في المراحل المتقدمة من سرطان البروستاته شهورا إضافية من الحياة.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2012/03-04/2012_01_02_41_a.jpg

 

وقد حدث هذا التحول الإيجابي في مسار الأحداث بعد أن أعاد العلماء النظر في عدد قليل من الافتراضات الأساسية حول كيفية قيام الجهاز المناعي بعمله ضد الخلايا السرطانية، فضلا عن كيفية رد الأورام على الهجمات المناعية. واليوم يتفاءل الباحثون في مجال السرطان تفاؤلا مشوبا بالحذر بأننا سنتمكن من تطوير معالجات إضافية دقيقة الاستهداف لتعزيز المناعة بحيث يمكن استخدامها بصورة منتظمة جنبا إلى جنب مع الجراحة والعلاج الكيميائي والإشعاع لقهر السرطان، في حين لا تسبب تلك المعالجات من الآثار الجانبية أكثر مما تسببه نزلة برد شديدة.

حليف جديد(**)

يركز العديد منا بصورة خاصة على اللقاحات العلاجية ضد السرطان. فبخلاف معظم اللقاحات الشائعة التي تقي من حدوث بعض الأمراض المعدية التي قد تؤدي إلى تلف الدماغ (مثل الحصبة) أو الشلل (شلل الأطفال) أو سرطان الكبد (التهاب الكبد B)، فإن اللقاحات العلاجية ضد السرطان تدرّب الجسم على تعرف الخلايا السرطانية الموجودة بالفعل ضمن أنسجته ومن ثم تدميرها، وأن تستمر بقتل تلك الخلايا الخبيثة بعد فترة طويلة من انتهاء العلاج.

وتطوير مثل تلك اللقاحات أهون قولا منه عملا. فمعظم اللقاحات الوقائية تثير استجابة بسيطة على شكل أجسام مضادة(3)، وهي عادة ما تكون كافية للحماية من أنماط متعددة من العدوى. فالأجسام المضادة تلتصق فقط بڤيروسات الإنفلونزا، على سبيل المثال، وتمنعها من إصابة الخلايا بالعدوى. ولكن بصورة عامة، فإن استجابات الأجسام المضادة ليست قوية بالقدر الكافي لقتل الخلايا السرطانية. ولإنجاز مثل هذه المهمة يتعين على الجهاز المناعي أن يحفّز مجموعة من الخلايا تسمى الخلايا التائية T cells. وهناك نوعان رئيسيان من هذه الخلايا في الجسم. ويميز العلماء عادة بين الأنواع المختلفة من الخلايا بناء على العديد من البروتينات الـمميزة تسمى المستقبلات(4)، مثلCD4 أو CD8، التي تتوضع على الأغشية الخارجية للخلايا. والخلايا التائية التي تتمتع بقدرات جيدة بصفة خاصة في قتل الخلايا الخبيثة – بافتراض أنه من الممكن تحفيزها لتتعرف الخلايا السرطانية على أنها خلايا خطرة – تَعْرِضُ مباشرة على سطحها مستقبلات من النوع CD8. (وتسمى هذه الخلايا التائية بالخلايا +CD8 لوجود المستقبلات CD8 على أسطحها.)

وعلى الرغم من هذه التعقيدات، فإن صنع لقاح مضاد للسرطان ليس بالفكرة الجديدة. ففي الأعوام الغابرة من القرن التاسع عشر، وقبل أن يسمع أي شخص عن الخلايا +CD8 بزمن بعيد، كان <B .W. كولي> قد بدأ بحقن مرضى السرطان بمادة ما لبث أن أُطْلِق عليها مزيج كولي. وكان <كولي> جراح عظام يعمل فيما يعرف حاليا باسم مركز سلون كيترينگ التذكاري لمكافحة السرطان(5) في مدينة نيويورك، وقد تأثر <كولي> بتقارير عن مرضى  بالسرطان شفوا منه على ما يبدو بعد نوبة قصيرة من إصابتهم بعدوى هددت حياتهم. وفي محاولة لمحاكاة العدوى من دون المخاطرة باحتمال التعرض لعواقبها المميتة، أعد <كولي> محلولا مزج فيه سلالتين مميتتين من البكتيريا، وسخن المستحضر بلطف ليقتل البكتيريا ويجعلها غير ضارة. ولكن كان يتبقى قدر كاف من بروتينات البكتيريا في المزيج مما يؤدي إلى استجابة أجسام المرضى لها بتوليد حمى شديدة.

وافترض <كولي> أن الحمى الشديدة تدفع بالأجهزة المناعية المحتضرة لدى المرضى لتعرف الأورام الغريبة ضمن أجسامهم وتهاجمها. وقد أطال <كولي> أمد الحمى المصطنعة لمرضاه بحقنهم يوميا بتراكيز متزايدة من البكتيريا الميتة. ومن المدهش أن مرضى السرطان الذين تلقوا المزيج قد بقوا على قيد الحياة فترة أطول من غيرهم ممن لم يتلقوا المزيج، وجادل <كولي>، استنادا إلى بعض الأدلة، في أن مزيجه كان بمثابة لقاح ضد السرطان.

وبحلول الخمسينات من القرن العشرين، بدأ الأطباء يحرزون نتائج ثابتة من خلال العلاج الكيميائي. ولمّ يعد مزيج كولي البكتيري مقبولا، وتوقفت فكرة اصطناع لقاحات لمعالجة السرطان كليا.

غير أن دراسة الجهاز المناعي ودوره المحتمل في السرطان لم تتوقف؛ إذ جمع الباحثون تدريجيا أدلة تساند الفكرة التي اقترحها لأول مرة <P. إيرليخ> عام 1909، ألا وهي أن الجهاز المناعي يرصد باستمرار الخلايا السرطانية التي تنشأ حديثا ويدمرها. واكتسبت نظرية الرصد المناعي immune surveillancetheory مصداقية إضافية في الثمانينات عندما توصل الباحثون إلى أن المعدل المرتفع الذي لاحظوه من الطفرات التلقائية في خلايا الإنسان يجب أن يسبب عددا أكبر كثيرا من الأورام الخبيثة من تلك التي تكتشف بالفعل. أي إن الجسم بطريقة ما ومن تلقاء نفسه يكتشف بانتظام العديد من الخلايا السرطانية ويدمرها.

حتى وإن نجح أحد الأورام في بعض الأحيان في تجنب الإبادة، كما تشير الأدلة، فإن الجهاز المناعي يواصل الكفاح ضده وإن لم يكن بالكفاءة نفسها. وقد لاحظ علماء الأمراض منذ وقت طويل أن الخلايا المناعية ترشح عبر الأورام، مما طرح مفهوم أن الأورام هي «جِراح لا تلتئم.» وفضلا عن ذلك، أظهرت التجارب التالية أنه كلما كبر الورم، فإنه يفرز المزيد من المواد التي تنشط في تثبيط الخلايا التائية. وقد أصبح السؤال الآن: كيف نصمم لقاحا مضادا للسرطان يستطيع أن يرجح كفة الميزان لصالح خلايا تائية قادرة على إبادة الورم.

 

[مثابرة]

المسيرة الطويلة(***)

استغرق تعزيز قدرة الجهاز المناعي على محاربة السرطان عقودا من الأبحاث.

الثمانينات من القرن التاسع عشر
حفّز <B .W. كولي> الجهاز المناعي لدى مرضى السرطان بحقنهم بخليط من البكتيريا الميتة.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2012/03-04/2012_01_02_42.jpg

 1909
أشار <P. إيرليخ> إلى أن الجهاز المناعي قد يثبط تطور الأورام.

1975
تم إنتاج الأجسام المضادة الأحادية الاستنساخ monoclonal antibodies، مما سمح بتطوير أدوات مناعية ذات نوعية عالية.

1980
دسَّ الباحثون جينا يكوّد للإنترفيرون في البكتيريا، مما أتاح إنتاج ذلك الجزيء المنشط للمناعة على نطاق واسع للمرة الأولى.

 

1986
وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على الإنترفيرون، باعتباره أول معالجة مناعية immunotherapy مجربة ضد السرطان،  لمعالجة سرطان خلايا الدم البيضاء المشعرةhairy cell leukemia.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2012/03-04/2012_01_02_43_a.jpg

1997
وافقت الإدارة FDA على أول علاج باستخدام  الأجسام المضادة الأحادية الاستنساخ لمعالجة السرطان، تحت الاسم التجاري ريتوكسانRituxan لحالات لمفوما لا-هُودگنز non-Hodgkinʼs lymphoma.

1998
وافقت الإدارة FDA على الأجسام المضادة  الأحادية الاستنساخ المعروفة بالهيرسيپتنHerceptin لمعالجة سرطان الثدي النقيلي.

2002
أثبت الباحثون في المعهد القومي للأورام NCIأن علاجا للسرطان مبنيا على الخلايا التائية هو أمر ممكن ويتطلب إسهام نوعين من الخلايا المناعية هما الخلايا التائية +CD8 (باللون الذهبي، وتشاهد في اليسار وهي تهاجم خلية سرطانية) والخلايا التائية +CD4.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2012/03-04/2012_01_02_43_b.jpg

2010
وافقت الإدارة FDA على پروڤينگ Provenge ، وهو أول لقاح قُصد به استثارة الهجوم على ورم موجود بالفعل، وذلك في المراحل المتقدمة من سرطان البروستاته.

 

 

وفي عام 2002 بزغت إجابة، عندما بيّن فريق من العلماء في المعهد القومي للأورام (6) (NCI) أن خلية تائية أخرى تعرف باسم الخلية +CD4  كانت مكونا حاسما في الاستجابة المناعية المؤثرة ضد السرطان. فالخلايا +CD4 هي – نوعا ما – بمثابة جنرالات الجهاز المناعي: إنها تعطي الأوامر حول ما الذي سيهاجم وما الذي سيتعرض للهجوم من قبل المشاة – وهي الخلايا +CD8 في هذا السيناريو – التي تقوم بالقتل الفعلي. وقد أخذ فريق المعهد NCI، الذي يرأسه <S. روزنبرگ>، خلايا تائية من 13 مريضا من المصابين بمراحل متقدمة من الميلانوما melanoma، والذين انتقلت metastasized الأورام، أو انتشرت، في شتى أنحاء أجسامهم. ونشّط الباحثون الخلايا المناعية المنزوعة تنشيطا انتقائيا لتستهدف وتهاجم خلايا الميلانوما في أنبوب الاختبار. ومن ثم قام الباحثون باستزراع كميات كبيرة من الخلايا المُنَشَّطة ثم أعادوها مرة أخرى إلى داخل جسم المريض. وتعد المقاربة التي اتبعها فريق الـمعهد NCI – التي يُشار إليها باسم المعالجة المناعية المتبنَّاة adoptive immunotherapy – في الحقيقة نمطا من أنماط الزرع الذاتي لخلايا مناعية، تم تعديلها اصطناعيا خارج الجسم، وهي بذلك تختلف عن التلقيح الذي يدفع الجهاز المناعي لإنتاج خلاياه المناعية المستهدفة داخل الجسم.

ولم تُظهر المحاولات السابقة باستخدام المعالجة المناعية المتبنَّاة التي تقتصر على استخدام الخلايا +CD8، أي فائدة. ولكن عندما أضاف فريق المعهدNCI الخلايا +CD4 إلى الخليط، كانت النتائج رائعة. فقد انكمشت الأورام إلى حد كبير في ستة أشخاص، وأظهرت تحاليل الدم أن اثنين من أولئك الستة استمرا بإنتاج خلايا مناعية قوية مضادة للسرطان من تلقاء أنفسهما بعد أكثر من تسعة أشهر من انتهاء العلاج. وفي الأغلب، عانى المرضى – نتيجة للمعالجة – أعراضا مؤقتة تشبه الإنفلونزا، مع أن أربعة منهم عانوا أيضا تفاعلا معقدا للمناعة الذاتية أدى إلى فقد الصباغ من بعض أجزاء جلدهم.

وقدمت نتائج المعهد NCI دليلا مقنعا لفكرة أنه: من الممكن في الواقع تنشيط استجابة مناعية تستند إلى الخلايا التائية ودقيقة بما يكفي لتدمير الأورام. وكان عدد الخلايا المناعية المستنسخة الضرورية لكل مريض مذهلا: أكثر من 70 بليونا من الخلايا +CD8 والخلايا +CD4، أو حجما يعادل عدة مئات من الملّيلترات منها. ولكن على الأقل صار المجتمع العلمي يعتقد الآن أن المعالجة المناعية ضد السرطان قد تنجح. وتمثلت الخطوات التالية بمحاولة معرفة كيفية الحصول على النتيجة ذاتها بصورة مبسطة، أي من دون الحاجة إلى إزالة الخلايا من الجسم وتكثيرها بأعداد كبيرة ثم إعادتها إلى الجسم بعد ذلك. وبعبارة أخرى، ينبغي أن نجعل الجسم يقوم من تلقاء نفسه بتكثير الخلايا الإضافية التي يحتاج إليها، وهذا بالضبط ما يحدث عندما يستجيب الجسم للقاح فعّال.

استراتيجيات متعددة(****)

انتابني وزملائي في الشركة Antigen Express شعور بالرضا عندما بيّنت مجموعة <روزنبرگ> أنه ينبغي على اللقاح المضاد للسرطان أن يُحفّز كلا من الخلايا +CD4 والخلايا +CD8 لتكون فعّالة. فقد أثرنا في جدالنا قبل ذلك النقطة نفسها، مستندين إلى الدراسات التي أجريناها على الحيوانات، ورهنّا مستقبل شركتنا على ذلك الاعتقاد.

 

[ضعوا رهاناتكم]

ثلاث استراتيجيات للّقاح العلاجي(*****)

  لا يستطيع الجهاز المناعي أن يتعرف بسهولة خلايا السرطان باعتبارها خلايا خطرة أوغريبة كما يفعل عموما مع الميكروبات. وقد بيَّن العلماء أنه بمقدورهم تعزيز الاستجابة المناعية بإغراق الجسم بخلايا مناعية تعرف بالخلايا التائية، بعد تكثيرها اصطناعيا خارج الجسم. غير أن الباحثين قد يفضلون أن يطوروا لقاحا علاجيا يدرب الجهاز المناعي على شن هجوم مضاد للورم من تلقاء نفسه. وتصف الرسوم التوضيحية في الأسفل ثلاث مقاربات تتبعها شركات التقانة الحيوية لتحقيق هذا الهدف.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2012/03-04/2012_01_02_44.jpg

(1) الاستجابة المناعية الخلوية الأساسية ضد السرطان
تبتلع خلية مناعية تسمى الخلية المتغصنة خلية سرطانية، لتعرض على سطحها بعد ذلك مواد من الورم تسمى المستضدات (اللون الأحمر) أمام خليتين مناعيتين أخريين هما الخلايا التائية +CD8 والخلايا +CD4. تحرر الخلية +CD4 جزيئات السيتوكينات التي تساعد على تفعيل الخلية +CD8، فتحضها على مهاجمة الخلايا الأخرى التي تحمل المستضد نفسه. وللأسف فإن هذه الاستجابة لا تكون على الدوام قوية بالقدر الكافي لتدمير ورم كامل.

(2) لقاح من الخلايا المتغصنة
ويمكن أيضا توليد استجابة مناعية قوية بتصنيع خلايا متغصنة معدّة بدقة، كالتي تنتج من استعمال اللقاح الذي حَظِيَ بموافقة الإدارةFDA في عام 2010. تُزال الخلايا المتغصنة من المريض ذاته وتُحمّل بمستضدات أخذت من الورم، فتتكاثر الخلايا المتغصنة التي تم حشدها وتنقسم خارج الجسم قبل إعادة حقنها إليه، حيث تثير استجابة مناعية قوية لدى الخلايا التائية.

(3) لقاح مضاد للپپتيدات
إن تعديل بعض المستضدات الخاصة بالسرطان يجعلها واضحة للغاية أمام الجهاز المناعي. ونظرا لإمكانية تصنيع قطع البروتين (أوالپپتيدات) الناتجة دون الحاجة إلى استخدام أي نسيج من أنسجة المريض، فإن اللقاح الذي ينجح في استهداف الپپتيدات سيكون أرخص ثمنا بكثير من غيره من المقاربات الخلوية.

(4) لقاح يستهدف الخلية بكاملها
قد يتمثل أحد الطرق المتبعة لاستثارة استجابة فعالة بتدريب الجهاز المناعي على استهداف خلايا سرطانية بكاملها. إذ تُزال خلايا من الورم لدى المريض وتضاف إليها مواد جينية لتسهيل اكتشافها، ثم تعرض للإشعاع. من ثم يعاد حقن الخلايا السرطانية التي أصبحت ميتة، مما يعطي الجهاز المناعي الكثير من الأهداف الكبيرة الحجم لمهاجمتها.

 

أساسا هناك ثلاثة عناصر تستند إليها صناعة اللقاح المضاد للسرطان. العنصر الأول هو أن تقرّر بدقة ما هي السمة الجزيئية، أو المستضد antigen، الذي يتعين على الجهاز المناعي أن يتعرفه في الورم الخبيث باعتباره غريبا وأن يستهدفه للقتل. والعنصر الثاني هو أن تقرّر كيفية توصيل العامل (أواللقاح) الذي يحفّز الجهاز المناعي، حتى يُعده لمهاجمة الخلايا السرطانية. والعنصر الثالث هو أن تقرّر أيا من مرضى السرطان ستُعالج وفي أي مرحلة من مراحل مرضهم ستستخدم اللقاح.

فعلى امتداد السنوات السابقة درس الباحثون في مجال الصناعات التكنولوجية البيولوجية طيفا واسعا من البروتينات، فضلا عن أجزاء من البروتينات، تسمى پپتيدات peptides، كنقاط بداية محتملة تحفّز استجابة مناعية قوية بالقدر الذي يجعلها تقتل الخلايا السرطانية. (تتضمن الاحتمالات الأخرى لتحفيز العملية استخدام أجزاء من المادة الجينية التي تحوي الكود الجيني لبروتينات السرطان، أوحتى استخدام خلايا سرطانية كاملة بعد تعريضها للإشعاع). وقد تبين أن التغيرات الجينية التي تسمح للخلايا السرطانية بالتكاثر دون أي كابح تدفعها أيضا إلى إنتاج بعض البروتينات بكميات أكبر كثيرا مما يوجد في أي مكان آخر في الجسم. وقد اختارت نحو عشر شركات، بما فيها شركتنا، نماذج متنوعة من تلك الپپتيدات لاستيفاء المتطلبين الأولين من متطلبات صناعة لقاح مضاد للسرطان: نقطة البداية وآلية التوصيل.

ومن الجوانب التي تجعل لقاحات الپپتيدات جذابة بشكل خاص، هو أن تلك الأجزاء من البروتينات صغيرة الحجم، وأن صناعتها لا تكلف كثيرا، ومن السهل جدا استخدامها، الأمر الذي يعني أنه من السهل صياغتها في لقاح يكون من السهل تصنيعه بكميات كبيرة. وفضلا عن ذلك، لما كانت الپپتيدات التي أمكن تعرفها موجودة لدى الكثير من الناس المصابين بأنواع مختلفة من السرطان، فمن الممكن استخدامها في تراكيب قد تساعد الكثير من الناس من دون أن يضطر الأطباء إلى تركيب لقاح خاص بكل فرد على حدة، وهو ما يقومون به في المعالجات المناعية الخلوية. وأخيرا، فإن جميع اللقاحات الپپتيدية المُختبَرة حتى الآن تسبب أعراضا جانبية خفيفة مثل تهيج مؤقت في موضع الحقن، وربما ارتفاع في درجة الحرارة، أوغيرها من الأعراض المشابهة لأعراض الإنفلونزا.

وقبل عشر سنوات أدخل العلماء في الشركة Antigen Express بضعة تعديلات جوهرية على الپپتيدات التي استخدمت في لقاح تجريبي ضد سرطان الثدي. ويشكل البروتين الخاص المعروف باسم HER2 الذي هو أيضا الهدف للهيرسپتن علاجا باستخدام جسم مضاد أحادي الاستنساخ monoclonal antibody والـمضاد لأنواع معينة من سرطان الثدي. وقد وجد باحثونا أن مجرد إضافة أربعة أحماض أمينية إلى هذا الپپتيد قد زادت بصورة كبيرة من قدرته على تحفيز الخلايا +CD4 فضلا عن الخلايا +CD8 ضد خلايا سرطان الثدي التي تُنتج البروتين HER2. وهذا الاكتشاف كان الابتكار الذي رهنّا مستقبل الشركة عليه. وأشارت النتائج الأولية لدراسة مستقلة نشرت في مطلع هذا العام (2011) – قارنت لقاحنا المحسَّن والمضاد للپپتيد HER2 بلقاحين مضادين للپپتيدات مصممين لتحفيز الخلايا +CD8 فقط – إلى أننا على الطريق الصحيح.

وقد راهنت بعض الشركات، مثل الشركة Dendreon، التي تصنع الدواء پروڤينگ الذي وافقت عليه الإدارة FDA مؤخرا، رهانا مختلفا. فشركة Dendreonوبعض الشركات الأخرى تقدم أهدافا خاصة من خلايا سرطانية، وعلى نحو مباشر لخلية مناعية تعرف بالخلية المتغصنة dendritic cells. ولأن هذه الخلايا المتغصنة تنتشر في شتى أنحاء الجسم لاسيما في الأنسجة التي تلامس، العالم الخارجي (مثل الجلد أو بطانة الجهاز الهضمي)، فإن الخلايا المتغصنة تقوم بدور الحراس في الجهاز المناعي، وتكون ضمن المدافعين الأوائل الذين يحذرون الخلايا التائية من وجود خلل ما. ولأن الخلايا المناعية لا تتلقى الأوامر إلا من خلايا مناعية أخرى مطابقة لها جينيا، يجب جمع الخلايا المتغصنة من كل مريض على حدة، وتُحمّل بالبروتين الخاص بالسرطان، ثم تعاد مرة أخرى إلى جسم المريض، وكل ذلك بتكلفة تبلغ نحو 000 93 دولار أمريكي للدورة العلاجية الكاملة. وتتضمن الأعراض الجانبية الرجفة والحمى والصداع، وبقدر أقل شيوعا السكتة الدماغية. ولكن دراسة سريرية قصيرة الأمد أثبتت أن الأفراد المصابين بمراحل متقدمة من سرطان البروستاته، والذين عولجوا بالپروڤينگ، قد عاشوا في المتوسط فترة تزيد بما لا يقل عن أربعة أشهر على نظرائهم الذين لم يتلقوا العلاج.

الخطوات التالية(******)

وموافقة الإدارة FDA على اللقاح پروڤينگ الذي تنتجه الشركة Dendreon، إضافة إلى البيانات الأولية الواعدة من التجارب السريرية التي أجرتها شركات مختلفة ومن بينها شركتنا، تشير إلى أننا ندخل حقبة جديدة من تطوير لقاحات السرطان. ولكن مع تعمق العلماء في هذه المهمة الجديدة والواعدة، فإننا نكتشف أنه لا يمكننا أن نقيس التقدم الذي تحرزه المعالجة المناعية ضد السرطان بالمقاييس نفسها المستخدمة في العلاج الكيميائي أو الإشعاعي. فهذان العلاجان تظهر فوائدهما سريعا نسبيا، فخلال أسابيع قليلة إما أن ينكمش حجم الورم، وهو أمر جيد، أو أنه لاينكمش، وهو أمر سيىء. في حين تشير المعلومات المستمدة من العديد من الدراسات السريرية إلى أنه قد يستغرق الأمر مدة تصل إلى عام بعد المعالجة بلقاح مضاد للسرطان حتى يبدأ الجهاز المناعي في إظهار تقدم ملموس في تراجع نمو الورم.

ولا يعد هذا التأخر الزمني مثيرا للدهشة تماما، إذ يحتاج الأمر إلى قدر من السلاسة لدفع الجهاز المناعي إلى مهاجمة الخلايا التي تبدو مماثلة جدا للخلايا الطبيعية في الجسم، وذلك مقارنة بالبكتيريا أو بالڤيروسات. ولعل التغلب على تقبُّل أو ممانعة الجهاز المناعي لـمهاجمة الخلايا المولّدة من الشخص المضيف هو العقبة الكبرى في طريق إنتاج لقاحات علاجية لمكافحة السرطان. والـمفاجأة الأخرى هي أن الأورام قد تبدو كما لو كانت فعليا تزداد حجما بعد العلاج بلقاحات لسرطان. إلا أن تحليل نسيج الورم أظهر أن هذه الزيادة قد تكون نتيجة للخلايا المناعية الغازية وليست نتيجة لتكاثر خلايا الورم.

وتشير السرعة المتأنية التي يستجيب وفقها الجهاز المناعي للقاحات السرطان العلاجية المُطوَّرة حتى الآن إلى استنتاجين مرحليين مهمين. الأول: في الغالب، ستكون لقاحات السرطان المنفردة هي الأكثر فاعلية على المدى القريب لدى المصابين في المراحل المبكرة من المرض، أي عندما تكون أورامهم ليست كبيرة بالقدر الذي يثبط جهازهم المناعي، ولديهم الوقت الكافي لانتظار انطلاق استجابة مناعية أكثر قوة. والثاني، هو أن المصابين في المراحل الـمتقدمة قد يحتاجون إلى تصغير حجم أورامهم باستخدام طرق العلاج التقليدية قبل أن يتمكنوا من الاستفادة من تلقي لقاح للسرطان. ومن المهم البدء بورم صغير، أو بورم موجود فعلا من قبل وآخذ في الانكماش، لأن الأورام الكبيرة الموجودة منذ مدة طويلة تكون أكثر قدرة على تثبيط الجهاز المناعي أو التملص منه مقارنة بالأورام الصغيرة الحديثة. فهي تحتوي عددا أكبر من الخلايا التي بمقدورها تحرير كميات أكبر وأنواع أكثر من المواد الكيميائية المثبطة للمناعة. فقد يكون السرطان لدى المرضى في الـمراحل المتأخرة ضخما بحيث يعجز حتى الجهاز المناعي السليم عن التخلص منه.

وعلى الرغم من هذه العقبات والتعقيدات، فالعلامات واضحة: من الممكن تجنيد الجهاز المناعي للمريض ذاته بكفاءة ليساعد على مكافحة السرطان. وقد شجّع هذا الإدراك الباحثين في المجالين الأكاديمي والصناعي – الذين صمدوا أمام الكثير من حالات الفشل – تشجيعا هائلا. فيعاد الآن تفحص الدراسات السريرية التي نُظر إليها على أنها دراسات فاشلة، لمعرفة ما إذا أغفلت أدلة ذات صلة بالاستجابات المناعية. وبالفعل، فقد أظهرت إحدى التجارب التي أجريت على لقاح محتمل لسرطان البروستاته هو پروستڤاك Prostvac أنه بينما فشل المركب في تحقيق الغاية الأصلية المنشودة منه – وهي توقف نمو الورم – فإنه قد زاد من مدة البقيا بصورة عامة. وبالطبع فإن هذا الاكتشاف قد حدث بعد خروج شركة التقانة الحيوية الصغيرة التي طورت پروستڤاك من السوق بالفعل، لأنها فشلت في تحقيق الهدف الأساسي للتجربة. ولحسن الحظ فقد تملّكت شركة أخرى حقوق تطوير الدواء.

أما بالنسبة إلى ما تبقى من الشركات في مجال الصناعة، فقد تأقلمنا بفعل سنوات من النتائج المحبطة فأصبحنا ننظر إلى ما هو أبعد من الإخفاقات، ولا نعطي الكثير من الوعود. غير أن الأدلة المستمدة من الأبحاث والدراسات السريرية على مدى السنتين الماضيتين قادت عددا متزايدا من الباحثين إلى الاعتقاد أن اللقاحات العلاجية للسرطان ستؤدي دورا بارزا إلى جانب الجراحة والعلاج الكيميائي والإشعاع في العقد القادم كعلاج فعال لأكثر السرطانات شيوعا التي تؤرق البشرية.

المؤلف

  Eric von Hofe
قضى حياته المهنية في التقانة الحيوية، بحثا عن علاجات مبتكرة ضد السرطان، وهو رئيس الشركة Antigen Express في Worcester, Massachusetts. http://oloommagazine.com/Images/Articles/2012/03-04/2012_01_02_41_b.jpg

  مراجع للاستزادة

 

A Malignant Flame. Gary Stix in Scientific American, Vol. 297, No. 1, pages 60-67; July 2007.

 

Strategies for Cancer Vaccine Development. Matteo Vergati et al. in Journal of Biomedicine and Biotechnology, Vol. 2010. Published online 2010.www.hindawi.com/journals/jbb/2010/596432

 

A New Era in Anticancer Peptide Vaccines. Sonia Perez et al. in Cancer, Vol. 116, No. 9, pages 2071-2080; May 1; 2010. a href=”http://www.mcbi.nlm.nih.gov/pubmed/20187092″> www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/20187092

 

(*)A NEW ALLY AGAINST CANCER

(**)A NEW ALLY

(***)The Long March

(****)MULTIPLE STRATEGIES
(*****)Three Therapeutic Vaccine Strategies

(******)NEXT STEPS

(1) survival rate
(2) immune system؛ أو الجملة المناعية.
(3) antibodies

(4) receptors

(5) Memorial Sloan-Kettering Cancer Center

(6) National Cancer Institute

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى