أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
علم الحيوان

بوصلة في الداخل


بوصلة في الداخل(*)

الحاسة المغنطيسية لدى الحيوانات حقيقية.
ويقترب العلماء من فهم كيف تعمل هذه الحاسة.

<D. كاستيڤيشي>

 

باختصار

  عشرات من الأنواع الحيوانية، من النمل إلى الحيتان، لديها قدرات – موثقة جيدا – للكشف عن المجال المغنطيسي الأرضي واستخدامه للتوجيه والملاحة.

بعد بضع بدايات خاطئة، ربما يكون الباحثون قد حددوا الآن موقع أعضاء هذه الحاسة المغنطيسية، وأخيرا صاروا يفهمون الفيزياء التي تقوم عليها هذه الحاسة.

بعض الحيوانات قد تستخدم جسيمات مغنطيسية مجهرية (ميكروسكوبية) للكشف عن المجالات المغنطيسية، وبعضها الآخر قد يستغل التأثيرات الكمومية في صبغات معينة في العين.

 

 

في عام 2007 ولفترة بدأت كأنها ستة أشهر لانهائية، قضت <S. بيگال> [الباحثة في علم الحيوان بجامعة دوسبيرگ-إيسين في ألمانيا] أمسياتها أمام شاشة حاسوبها، تحدق في صورة الماشية وهي ترعى. كانت تُحمّل صور الأقمار الصنعية لمرعى للماشية من موقع گوگل إيرث(1)، وتقوم بوضع علامة على كل بقرة على حدة، ثم تُحمّل الصورة التالية. وبمساعدة المشاركين معها في البحث، وجدت <بيگال> في نهاية الأمر أن المجترات الوادعة كانت تحسُّ بشيء ما. في المتوسط، كانت تميل قليلا إلى توجيه أجسامها بمحاذاة محور الشمال-الجنوب. ولكنها لم تكن تتوجه إلى الشمال الحقيقي، وهو ما كان يمكن أن تحدّده باستخدام الشمس كمرجع. وعوضا عن ذلك، فقد كانت تعرف بطريقة ما كيف توجه نفسها نحو القطب الشمالي المغنطيسي، الذي يحيد في شمال كندا مئات الكيلومترات إلى الجنوب من القطب الجغرافي.

ومن ثم وجدت دراسة تبعت ذلك المزيد من الأدلة على أن الحيوانات الكبيرة مثل الأبقار قادرة على التفاعل مع المجال المغنطيسي للأرض: إذ ينعدم سلوك توجيه الجسم في المناطق القريبة من خطوط الكهرباء العالية الڤلطية high-voltage (الجهد) التي تطغى على الإشارات الطفيفة الصادرة عن كوكب الأرض.

وحتى عقود قليلة ماضية كانت دراسات مثل دراسة <بيگال> محط الاستهجان. فقد كان الجميع يعلمون أن المواد العضوية لا تستجيب للمجالات المغنطيسية الضعيفة مثل مجال الأرض، وأن الحيوانات غير مجهزة بقضبان مغنطيسية قد تستخدمها كبوصلة. فقد تراجعت فكرة <A .F. مِزْمَر> [من القرن الثامن عشر] القائلة بوجود «مغنطيسية حيوانية» – أي فكرة أن مخلوقات حية تحوي سوائل مغنطيسية في أجسامها – منذ زمن بعيد إلى مرتبة أدبيات الشعوذة.

واليوم يُقِر المجتمع العلمي بأن بعض الحيوانات تستقبل وتستجيب للمجالات المغنطيسية، وأن القدرة على القيام بذلك بالنسبة إلى العديد منها يجب أن يكون مساعدا على بقائها، ولكن تفسير لماذا تحتاج الماشية إلى أن توجّه أجسامها مغنطيسيا لا يزال غامضا. إلا أن تلك الحاسة قد وُثِّقت جيدا في عشرات الأنواع – بدءا من تلك التي تهاجر موسميا، كطائر أبي الحناء robinوالفراشات الملكية monarch butterflies إلى تلك الخبيرة في الملاحة، كالحمام الزاجل والسلاحف البحرية، ومن اللافقاريات، كأم الربيان lobster  ونحل العسل والنمل، إلى الثدييات، كقوارض الخلد وأسد البحر، ومن البكتيريا الدقيقة إلى الحيتان العملاقة.

وما لا يعرفه أحد على وجه اليقين حتى الآن هو كيف تقوم المخلوقات الأخرى – عدا البكتيريا – بذلك بالتحديد. فيشير <S. ريبپرت> [عالم الأعصاب في كلية ماساتشوستس للطب في وورستر] إلى أن المغنطيسية هي «الحاسة الوحيدة التي نعرف عنها أقل ما يمكن.»

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2012/07-08/2012_07_08_15_a.jpg

 

ولكن في العقد الأخير أو نحو ذلك، بدأ التعاون بين البيولوجيين وعلماء الأرض والفيزيائيين بطرح آليات معقولة وتحديد أجزاء محتملة من البُنى التشريحية قد تُنفّذ فيها هذه الآليات. إلا أن أيا من هذه الأفكار لم تلق بعد قبولَ كامل المجتمع العلمي، ومع ذلك فإن الأدلة التجريبية المُستخلصة حتى الآن مدهشة حقا. فبعض الحيوانات قد تحوي أكثر من نوع واحد من الأعضاء المغنطيسية. وفي حين يبدو أن بعض مجسات sensors  المجال المغنطيسي البيولوجية تعمل كبوصلات قضيب مغنطيسي عادية، إلا أن عددا آخر قد يكون متجذرا في تأثيرات كمومية quantum دقيقة.

لا يزال هذا الموضوع يأخذ نصيبه من الجدل. ولكن الاهتمام المتزايد بالاستقبال المغنطيسي والتحسينات السريعة على الأساليب التجريبية قد يقود الباحثين في السنوات القليلة المقبلة إلى حل لغز هذه الحاسة غير العادية.

 

الدافع إلى الهجرة(**)

قبل نصف قرن تقريبا ظهرت أولى الإشارات الحديثة إلى أن الحيوانات في بعض الأحيان تستخدم المجالات المغنطيسية لتوجيه سلوكها. فقد لاحظ الباحثون منذ خمسينات القرن العشرين أن طيور أبي الحناء الأوروبية تحاول في فصل الخريف على ما يبدو الهروب من القفص نحو الجنوب حيث تهاجر عادة، حتى ولو لم تتوفر لها الإشارات البصرية التي تشير إلى موقع الجنوب. ومن ثم برهن <W. ڤيلتشكو> [طالب في علم الأحياء بجامعة گوته في فرانكفورت] في منتصف الستينات على أن الأسلاك الكهرمغنطيسية الملفوفة حول قفص الطيور قد تخدعها بتوجيه محاولة الهرب في اتجاه خاطئ. دراسة <ڤيلتشكو> هذه كانت على الأرجح أول دليل على الحاسة المغنطيسية، وجاء رد الفعل متشككا كما هو متوقع. ويقول <ڤيلتشكو> [الذي تقاعد مؤخرا من عمله كأستاذ في گوته]: «عندما وجدت أن المجال المغنطيسي يؤدي دورا ما في الاتجاه لدى أبي الحناء، لم يصدق أحد ذلك.»

بعد وقت قصير من هذا الاكتشاف التقى <ڤيلتشكو> زوجة المستقبل، ورفيقة دربه في البحث العلمي <R. روزوث>. وعكف الزوجان منذ ذلك الحين على دراسة الحاسة المغنطيسية للطيور، مشتغلين في الغالب على الطيور التي يصطادونها بالشباك قرب مختبراتهما. وبدأ الزوجان بنشر نتائج أبحاثهم المشتركة في عام 1972، عندما كشفا أن طيور أبي الحناء حساسة ليس فقط للاتجاه الجغرافي للشمال المغنطيسي ولكن أيضا إلى درجة ميل المجال المغنطيسي إلى الأرض بالنسبة إلى الأفق.

إذ تتباين درجة ميل المجال المغنطيسي للأرض باستمرار من القطب إلى القطب الآخر. فهذا المجال يشير نحو الأعلى عند القطب الجنوبي المغنطيسي، في حين يشير إلى الأسفل عند القطب الشمالي المغنطيسي، ويكون أفقيا في منتصف الطريق تقريبا عند «خط الاستواء المغنطيسي». والبوصلة العادية توازن إبرتها أفقيا، وبالتالي لا يمكنها قياس ميل المجال، وتستجيب فقط لعناصرها الجانبية. ولكن يتضح أن الطيور – وغيرها من الحيوانات الأخرى – تستطيع القيام بما هو أفضل من ذلك، فقد تستخدم الميل لتقدير تقريبي للمسافة التي تفصلها عن الأقطاب المغنطيسية.

لا تقتصر التغيرات في مجال الأرض على التغيرات في الميل من قطب إلى القطب الآخر. إذ تولد المعادن المغنطيسية في القشرة الأرضية شذوذاتanomalies محلية في كل من الاتجاه والقوة. ويبدو أن لدى بعض الحيوانات – خصوصا السلاحف البحرية – خريطة ذهنية لتلك الشذوذات تساعدها على معرفة ليس فقط موقع الشمال ولكن أيضا موقعها بالنسبة إلى وجهتها. وقد وجد <J .K. لومان> [من جامعة كارولينا الشمالية في تشابل هيل] والباحثون العاملون معه أن السلاحف البحرية التي يصطادونها تميل إلى الاستجابة للمجالات المغنطيسية الاصطناعية التي تحاكي الظروف في المواقع المختلفة على طول طرق الهجرة التي تتبعها هذه السلاحف. فتحاول السلاحف السباحة في الاتجاه الذي سيقودها إلى وجهتها بدءا من تلك المواقع. ولكي تكون لدى الحيوان مثل حاسة الخريطة المغنطيسية هذه، فمن المحتمل أن يحتاج الحيوان ليس فقط إلى اكتشاف الشذوذات في ميل المجال المغنطيسي، بل أيضا التفاوت في قوتها.

ويعتقد بعض الباحثين أن للطيور حاسة الخريطة المغنطيسية إضافة إلى التوجيه المغنطيسي العادي، ولكن <A. گاگلياردو> [خبيرة الشم عند الطيور من جامعة بيزا في إيطاليا] تقول إن الدليل على حاسة الخريطة المغنطيسية هذه دليل ضعيف. إذ يبدو أن الطيور قادرة على أن تجد طريقها كما يجب باستخدام الحواس الأخرى؛ وتضيف قائلة: «فأربعون عاما من التلاعب بالمجال المغنطيسي لم تمنع الحمام الزاجل من العودة إلى وطنه.» ولكنها تشير إلى أن الطيور تضل طريقها إذا ما حُرِمت من حاسة الشم بقطع عصب الأنف جراحيا. وإضافة إلى ذلك، فإن الحمام الزاجل المربّى في أقفاص تُفتح فقط نحو الأعلى، بحيث لا تستطيع هذه الطيور تحديد الاتجاه الذي تصدر عنه الروائح البيئية، تكون غير قادرة على الملاحة. وعليه، تقول <گاگلياردو>: «في حين أن الأدلة على أن الطيور تستطيع تمييز الشمال المغنطيسي من جنوبه، أدلة راسخة جدا، إلا أنها تشك في أن الحاسة المغنطيسية يمكن أن تقوم بما هو أكثر من ذلك.»

ولكن عددا آخر من الخبراء يعتقد الآن أن للطيور نوعين متباينين من الحاسة المغنطيسية كل منها مكيّف للعمل في استخدامات مختلفة، حاسة البوصلة لتحديد اتجاه المجال وحاسة منفصلة هي «المقياس المغنطيسي» magnetometerلقياس قوة المجال. ويرى آخرون أن العديد من الأدلة المختلفة تشير إلى وجود حاسة واحدة أو أخرى، ولكن ليس الاثنتان في النوع الواحد. وأحد أسباب التضارب هو الصعوبة الشديدة في تحديد التأثيرات السلوكية للمغنطيسية بدقة، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الطيور والحيوانات الأخرى تستغل عددا من الإشارات المختلفة في التوجيه والملاحة، فتستخدم الشمس والنجوم والقمر، ويمكنها تعرف المعالم البارزة على الأرض والاتجاه السائد للأمواج في عرض البحر، كما يمكنها تذكّر الروائح. ويشير <M. ڤينكلهوفر> [جيوفيزيائي في جامعة لودڤيگ ماكسيميليان بميونخ] إلى أن الحيوانات تستخدم عددا من الحواس في الملاحة. فيقول: «إنها تستخدم كل ما هو متاح من إشارات. ومتى ما كانت إحدى الإشارات مبهمة، فستستخدم تلك الأكثر وضوحا.»

وللأسف، فحتى أقوى النتائج من التجارب المصممة بشكل جيد قد تُفسَّر بتفسيرات متعددة في أغلب الأحيان. وإحدى أهم ملاحظات الزوجين <ڤيلتشكو> هي أن حاسة البوصلة عند أبي الحناء لا تعمل في الظلام: فهي بحاجة إلى ضوء بموجة زرقاء، أو بطول موجي قصير. وقد حصلا على هذه النتائج في ظروف المختبر التي تساعد على عزل الإشارات بعضها عن بعض، ولكنها ظروف مصطنعة إلى حد ما. ولكن في دراسة محورية أُجريت في عام 2004 وجد <H. موريستن> [من جامعة أولدنبورگ في ألمانيا] وزملاؤه أدلة دامغة على وجود تفاعل بين البوصلة والضوء في الطبيعة. فبيّنوا أن طيور الدّج thrushes التي تحلق ليلا, تُعيد معايرة حاستها المغنطيسية كل يوم عند غروب الشمس.

للقيام بهذه التجربة، اصطاد فريق <موريستن> العشرات من طيور الدج في ولاية إيلينوي بوسط الولايات المتحدة وثبّتوا عليها أجهزة البث اللاسلكي. وعند غروب الشمس، أخضع الباحثون ثمانية عشر طيرا منها لمجال مغنطيسي يحاكي المجال المغنطيسي الأرضي لكنه يشير إلى الشرق بدلا من الشمال. وبعد حلول الظلام، فتحوا الأقفاص وأطلقوا الطيور. ومع تحليق الطيور بعيدا، طاردهم أعضاء الفريق في سيارة أولدزموبيل من طراز عام 1982 مع هوائي كبير يبرز من السقف، والذي تسبب في تكرار إيقاف الشرطة لهم. وفي حين استأنفت مجموعة الطيور التي لم تخضع للمجال المغنطيسي هجرتها شمالا نحو ولاية ويسكونسن، اتجهت الطيور الثمانية عشر التي أُخضعت للمجال المغنطيسي الأرضي الوهمي غربا نحو ولاية أيوا أو ميسوري. ولكن في الليالي اللاحقة، حتى تلك الطيور صحّحت مسارها واتجهت شمالا مرة أخرى.

 

[فرضية أولى]

الأسماك تفعل ذلك، وربما الطيور(***)

  يشتبه بعض الباحثين في أن الحاسة المغنطيسية في الحيوانات هي في معظم الأحيان من قبيل ما هو موجود في خطم snouts سمك التراوت من نوع قوس قزح. في هذه السمكة، تستجيب حزم من جسيمات الماگنيتايت – وهو شكل من أكسيد الحديد يوجد في الخلايا الحسية – للتغير في اتجاه المجال المغنطيسي الأرضي (نسبة إلى رأس السمكة) من خلال فتح قنوات في غشاء الخلية (اللوحة في اليمين). وبعد مرور الأيونات عبر الغشاء يرسل الغشاء إشارة تحمل المعلومات على طول العصب وصولا إلى الدماغ.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2012/07-08/2012_07_08_17.jpg

 

 

ومع أن النتائج تشير إلى أن الطيور تعيد معايرة شمالها المغنطيسي عند الغسق، اختلفت التفسيرات حول دور الضوء في هذه العملية. وأحد الاحتمالات هو أن الطيور لديها بوصلة داخلية لا تعمل إلاّ بوجود الضوء، كما استنتج الزوجان <ڤيلتشكو>. والتفسير الآخر يبدو معقولا بالدرجة نفسها: الطيور تستخدم الشمس فقط كنقطة مرجعية لمعايرة بوصلة لا تحتاج إلى الضوء للقيام بعملها فعليا. وفي الواقع، قد تستمر الطيور باستخدام بوصلتها طوال الليل.

ومن الواضح أنه من غير المرجح أن تحل التجارب السلوكية وحدها هذه القضايا بطريقة أو بأخرى. وفي النهاية، لا بد من تحديد ودراسة أعضاء الحس بصورة مباشرة أكثر.

دلالات صدئة(****)

إن البحث عن أعضاء حساسة مغنطيسيا هو أسوأ كوابيس عالِم التشريح. فقد تكون المجسات خلايا منفردة ومعزولة في أي مكان داخل الجسم. وقد تحتوي على جسيمات مغنطيسية مجهرية (ميكروسكوبية)(2) – تقوم بدور يشبه إبرة البوصلة – يصعب تمييزها عند إجراء التحاليل على بقية الملوثات التي قد توجد في عينات الأنسجة. كما أن الآلية المحتملة يجب أن تُلبي أيضا متطلبات صارمة؛ وعلى وجه الخصوص، يجب أن تكون حساسة لمجالات مغنطيسية ضعيفة كما هي الحال بالنسبة إلى مجال الأرض، ويجب أن تُميِّز بين الإشارة المغنطيسية وضجيج الاهتزازات الجزيئية الطبيعية، وهو أمر يصعب بالذات أن تقوم به بنية ميكروية (مجهرية). وحتى الآن فإن الآلية الوحيدة الـمُحدَّدة والـمُفسَّرة بشكل لا لبس فيه، تحدث في البكتيريا.

 

[فرضية ثانية]

عيون مغنطيسية(*****)

  يعتقد بعض العلماء أن بروتين الكريپتوكروم، الموجود في شبكية العين، قد يكون المفتاح للحاسة المغنطيسية في الطيور. فقد تُحدِّد بعض خلايا العين اتجاه الشمال بسبب تسارع أو تباطؤ تفاعل كيميائي اعتمادا على اتجاه المجال المغنطيسي للأرض. ويبدأ رد الفعل عندما يصطدم فوتون الضوء بجزيء الكريپتوكروم، فيفصل بين إلكترونين يدوران في العادة كزوج. وفي نهاية المطاف يدفع ذلك الخلية إلى إطلاق إشارة إلى الدماغ، يدرك الحيوان منها اتجاه المجال.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2012/07-08/2012_07_08_18_a.jpg

  (1) في جزيء كريپتوكروم مستقر تدور الإلكترونات معا كأزواج، في وضع تكون محاذاة سبيناتها (دوراناتها المغزلية) – والسبين spin هو  النظير الفيزيائي الكمومي لمحور الشمال – الجنوب لقضيب مغنطيسي – معاكسا بعضها بعضا أو متوازية في اتجاه مضاد. (اللوحة تصور إلكترونين فقط من العديد من إلكترونات الجزيء).

  (2) عندما يصطدم فوتون بالجزيء، فإنه يزيح واحدا من الإلكترونين في هذا الزوج إلى موقع آخر داخل الجزيء.

  (3) وسيكون الإلكترونان الآن في واحدة من حالتين: متوازيين أو متوازيين في اتجاه مضاد، وفي الواقع سيظلان لبعض الوقت في حالتيهما. ولكن اعتمادا على الاتجاه الذي يتجه إليه المجال المغنطيسي الأرضي بالنسبة إلى عيني الطير، فقد يظل الإلكترونان لوقت أطول في حالة دون الأخرى.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2012/07-08/2012_07_08_18_b.jpg

  (4) هنا يحلّق الطائر نحو الشمال المغنطيسي، وهذا يدفع الإلكترونات إلى البقاء لفترة أطول في الحالة الموازية في اتجاه مضاد. ولا تحدث أي تفاعلات كيميائية. وعندئذ يمكن للإلكترون المزاح أن يعود إلى حالته المستقرة (إلى أن يصدم الفوتون التالي).

  (5) وإذا انحرف الطير عن هذا المسار، ستقضي الإلكترونات فترة أطول في الحالة الموازية. وعندها يحدث تفاعل كيميائي يبعد الإلكترون المزاح. وهذا التفاعل سينبّه الحيوان إلى أنه لا يتجه شمالا.

  إن الكثير من هذه التفاصيل، بما في ذلك كيف تترجم الطيور التفاعل الكيميائي إلى إشارة مرسلة إلى الدماغ أو حتى ما قد يكون بالضبط التفاعل الكيميائي، ما تزال غير معروفة.

 

عند خطوط العرض حيث يكون ميل المجال المغنطيسي الأرضي حادا بما فيه الكفاية، تقوم البكتيريا باستخدامه بمثابة ممثل للجاذبية لـ«معرفة» أي الاتجاهات هو الأسفل فتتمكن من السباحة نحو قاع البحر الموحل، موئلها المفضل. وفي سبعينات القرن العشرين، بيّن الباحثون أن هذه البكتيريا تحتوي على حزم من جسيمات مجهرية من الماگنيتايت magnetite، شكل شديد المغنطيسية من أكسيد الحديد، تصطف معا ومع المجال المغنطيسي وبذلك توجّه الكائنات كلها في الاتجاه الصحيح.

قدّمت البكتيريا نموذجا طبيعيا لمحاولة فهم الاستقبال المغنطيسي بشكل عام. وفي الثمانينات من القرن العشرين اقترح الجيوبيولوجي <J. كيرشڤينك> [الذي يعمل الآن في معهد كاليفورنيا للتقانة] وآخرون أن بنى قائمة على الماگنيتايت قد توجد عبر المملكة الحيوانية جميعها. وبدأ العلماء بالبحث عن هذه الجسيمات في الحيوانات الحساسة مغنطيسيا.

في أوائل القرن الواحد والعشرين استخدم فريق – يضم <ڤينكلهوفر> و<ولفگانگ ڤيلتشكو> وزوجين آخرين في جامعة گوته: <گريت> و<G. فلايشنر> – تقنيات التصوير المتطورة للكشف عن البنى المحيرة التي قد تحوي الجسيمات النانوية من الماگنيتايت في الحمام الزاجل. ووجدوا هذه البنى في جلد الجزء العلوي من مناقير الطيور. وهي عبارة عن جسيمات مغنطيسية صغيرة جدا – لا تتعدى بضعة نانومترات؛ وبالتالي فإن حركتها العشوائية يجب أن تكون ذات تأثير كبير مقارنة بحجمها. وقد كانت الضوضاء عالية لدرجة لا تمكّن تلك الجسيمات من قراءة قوة المجال المغنطيسي؛ ولكن من حيث المبدأ، ستتمكن من الكشف عن اتجاهه، إلا أنها: «لن تحصل على استجابة قوية، ولكنها كانت ستنجح على الأقل كبوصلة،» على حد قول <ڤينكلهوفر>. ومن المدهش أن هذه البنى توجد في مناطق مكتظة بالنهايات العصبية، وهذا ما يتوقعه المرء من المجسات المفترضة، وذلك لحاجتها إلى التكامل مع الجهاز العصبي.

وقد اتضح أن عددا قليلا من هذه الجسيمات هو ماگنيتايت، في حين كانت البقية من مادة وثيقة الصلة بها تسمى ماگمايت maghemite، وهي ليست على الدرجة نفسها من القوة المغنطيسية. ومع ذلك، اعتقد الباحثون أنهم ربما حصلوا على الدليل الدامغ.

وفي بحث منشور استكمالا للموضوع، اقترح الزوجان <فلايشنر> وزملاؤهما نموذجا لكيف يمكن لبُنى تتألف في الأساس من الماگمايت أن تعمل كبوصلة. فاقترحوا أن بُنى الماگمايت قد تتمغنط مؤقتا، وبذا تُضخِّم المجال المغنطيسي الأرضي في الأجزاء القريبة منها، وتوجّهه نحو جسيمات الماگنيتايت.

ولكن <ڤينكلهوفر> انشق عن زملائه السابقين، ونشر نقضا لذلك مع <كيرشڤينك>. وقد ذكر الباحثان أن الماگمايت في الدراسة كان «غير متبلور»، مما يعني أنه يفتقر إلى البنية البلورية، وأشار <ڤينكلهوفر> إلى أن مواد غير متبلورة كهذه تشكل مغنطيسات ضعيفة جدا، أضعف من أن تؤدي الوظيفة المنسوبة إلى الجسيمات الموجودة في الطيور. وأشار آخرون إلى أنه ليس من الواضح ما إذا كانت النهايات العصبية تقع بدقة بالقرب من الجسيمات المغنطيسية. وخلص <ڤينكلهوفر> إلى أن البُنى المحتملة في مناقير الحمام الزاجل ربما لايكون لها في نهاية الأمر أي علاقة بالاستقبال المغنطيسي.

وسبب آخر يدعو إلى توخي الحذر هو أن الماگنيتايت وغيره من الجسيمات المغنطيسية موجودة بكثرة في كل مكان في الطبيعة؛ «فحتى غبار المختبر يحتوي على مواد مغنطيسية»، على حد قول <ڤينكلهوفر>. وعلى علماء التشريح استخدام مشارط من السيراميك لتجنب إضافة شظايا معدنية إلى الأنسجة المستخلصة من الحيوانات. ولكن إذا ما دخلت الجسيمات الجسم كملوثات، فإن خلايا الدم البيضاء قد تجمعها معا، مما قد يبدو تحت المجهر (الميكروسكوب) فيما بعد كخلايا حسية.

وعلى الرغم من الصعوبات الخاصة بتحديد المستقبِل المغنطيسي المفترض في الحمام الزاجل، فإن <ڤينكلهوفر> و<كيرشڤينك> يظلان نصيرين قويين من أنصار نظرية الماگنيتايت. ويشيران إلى ما يعتقدان أنه أفضل دليل حتى الآن على عضو من هذا القبيل: ألا وهو الخلايا المبطنة لفتحة الأنف في سمك التراوت من نوع قوس قزح rainbow trout. وقد ظل <M. ووكر> [من جامعة أوكلاند في نيوزيلندا] وزملاؤه يدرسون الخلايا منذ عام 1997، عندما عثروا عليها أول مرة. وتمكن الباحثون من إظهار استجابة للمجالات المغنطيسية الكهربائية: إذ أرسلت الخلايا بالفعل إشارة إلى الدماغ.

ويقود <كيرشڤينك> الآن مشروعا سيمتد لعدة سنوات وبجهود عدة مختبرات، وذلك لتمييز بنية وسلوك المجسات المغنطيسية المفترضة. فهو يظن أن جسيمات الماگنيتايت قد تكون محتواة في عضيات organelles تلتصق مباشرة بأغشية عصبونات متخصصة. وتشكل كل خلية منها عضوا مجهريا (ميكروسكوبيا) مستقبلا للمغنطيسية. وعندما يتسبب مجال مغنطيسي في دوران العضيات إلى اتجاه جديد، فإن هذه العضيات تطلق أيونات ions تدفع العصبونات إلى إطلاق الإشارة العصبية وبالتالي «تُخبر» الدماغ بالاتجاه الذي ينبغي أن يسبح السمك نحوه [انظر الشكل في الصفحة 17]. ويقول <كيرشڤينك> إن الباحثين الذين يدرسون جلد منقار الحمام ربما يتعين عليهم أن يسترشدوا بالسمك بدلا من البحث داخل خطوم snout الطيور.

إشارات خفية(******)

ليس الماگنيتايت هو المرشح الوحيد في السباق: كذلك قد تكون آلية قائمة على الفيزياء الكمومية آلية معقولة لكثير من الباحثين. فقد لاحظ <K. شولتن> [عالم الفيزياء الحيوية النظرية والذي يعمل الآن في جامعة إلينوي بأوربانا شامبين] في السبعينات من القرن العشرين أن التفاعلات الكيميائية المتأثرة بالمجال المغنطيسي قد توفر الأساس المادي للشعور بالمغنطيسية. فسيبدأ التفاعل ذو الصلة عندما تصطدم الفوتونات بجزيئات صبغة مناسبة، فتتسبب في تشكيل ما يسمى بالجذور الحرة free radicals. وبذا تفسر الحاجةُ إلى فوتونات تلك الصلةَ الظاهرية بين البوصلة وأشعة الشمس التي لاحظها علماء الأحياء من قبل. ولكن في تلك الأيام بدت الفكرة كما لو كانت مغرقة في الخيال، كما أن <شولتن> لم يوضح كيفية انتقال الإشارة إلى الدماغ.

لقد اكتشف علماء الكيمياء الحيوية – في أواخر تسعينات القرن العشرين – بروتينا على شكل صبغة أطلق عليه اسم كريپتوكروم cryptochrome، اكتشف أول الأمر في النباتات وفيما بعد في شبكية العين بالثدييات – بما في ذلك البشر، حيث تبيّن أنه يوجد في عدة أشكال، ويساعد الحيوانات على ضبط دورة الليل والنهار. وقد اقترح <شولتن> – مع زملائه <S. آدم> و<T. ريتز> [بيوفيزيائي يعمل الآن في جامعة كاليفورنيا بإيرڤين] – أن الكريپتوكروم يمتلك بالضبط الخصائص الضرورية لحاسة البوصلة، وأن خلايا معينة في شبكية العين قد تكون قادرة على الاستفادة من انبعاث أزواج الجذور الحرة في الشبكية للكشف عن اتجاه المجال المغنطيسي للأرض.

وقد أظهرت التجارب المختبرية أن الكريپتوكروم يمتص الفوتون من الجزء الأزرق من الطيف، وتزيح طاقة الفوتون إلكترونا واحدا من أحد أطراف الجزيء إلى الطرف الآخر. ولكي يكون جزيء ما مستقرا كيميائيا، يتعين على إلكتروناته أن تشترك في المدارات كأزواج؛ ولكن في الكريپتوكروم تؤدي الإزاحة إلى إلكترونين يحلق كل منهما منفردا. والآن يشترك الإلكترونان، اللذان يطلق عليهما مصطلح زوج أساسي radical pair، في رقصة مزدوجة يُمليها عليهما سبينيهما(3). والسبين(3) spin في الفيزياء الكمومية هو نظير المحور المغنطيسي لقضيب مغنطيسي. ويتفاعل سبين كل إلكترون مع المجال المغنطيسي الأرضي ومع سبينات(4)  نوى الذرات؛ ومجتمعة تجعل هذه التفاعلات محور سبين الإلكترون يبادر(5) precess كمحور خذروف مُدَوَّم(6). وفي زوج أساسي يتأثر سبين كل إلكترون بسبين نظيره.

وفي فترات من عمل زوجي الإلكترونات، فإن سبينيهما يتجهان في اتجاه واحد تقريبا، وفي أحيان أخرى يتجهان في اتجاهين متعاكسين. ويحسم مجال مغنطيسي خارجي، مثل مجال الأرض، مقدار التغيير في الوقت النسبي الذي تقضيه الإلكترونات في كل من هذه الوضعيات. وتلك هي الطريقة التي يمكن من خلالها أن يؤثر مجال خارجي في كيمياء الكريپتوكروم: إذ تحدث تفاعلات كيميائية معينة عندما تكون محاور السبينات متوازية. وبالتالي، إذا حافظ الحقل على توازي محاور السبينات لفترة أطول، فسيؤدي ذلك إلى تسريع التفاعلات.

وقد تكون سرعة التفاعل الكيميائي الحساس للسبين هي الإشارة الكيميائية لتحفيز أحد العصبونات الحسية لإطلاق إشارة ما عبر عصب إلى مركز الدماغ المسؤول عن السلوك الذي تتحكم فيه المغنطيسية. وللأسف، فمع أن المبدأ العام معروف جيدا، إلا أن أحدا لا يعرف ماهية التفاعل الكيميائي في حالة الكريپتوكروم، ولا كيف يمكن للتغيرات في معدل التفاعل أن تحفِّز عصبونا لإرسال إشارة. ولكن، ظهرت في العقد الماضي عدة أدلة ظرفية على ذلك.

والدوران المغزلي(7) حساس ليس فقط للحقول الساكنة static مثل المجال المغنطيسي الأرضي، بل أيضا لتلك التي تتغير بسرعة عبر الزمن، كما هو الحال في موجات الراديو. في عام 2004 تعاون <ريتز> مع <ڤيلتشيكو> وبيّنا أن موجات الراديو تعطِّل البوصلة الداخلية للطيور. وقد حدث الاختلال عند موجات معينة فقط، كما لو كانت الموجات تتدخل في رقصة الأزواج الأساسية. ويقول <ريتز>: «من وجهة نظر فيزيائية، هذا خير دليل حتى الآن على آلية الزوج الأساسي.»

في عام 2009، وجد فريق بقيادة <موريستن> أن الطيور المصابة بجروح في مركز الدماغ ذي الصلة بالإبصار تعجز عن تحديد الاتجاه المغنطيسي. وفي عام 2010، وجدت دراسة أجريت بقيادة <C. نسير> [من جامعة گوته] على طيور أبي الحناء الأوروبية والدجاج، أن الكريپتوكروم لا ينتج بغزارة في شبكية عين الطيور على العموم ولكن ينتج بشكل أكثر تحديدا في الخلايا المخروطية الحساسة للأشعة فوق البنفسجية، وهذا هو على وجه التحديد المكان الذي يتوقع علماء الأحياء أن يوجد فيه الكريپتوكروم، إذا أخذنا في الاعتبار أن تشكيل الزوج الأساسي يتطلب وجود ضوء.

ولكن لم تُغلق هذه القضية بعد. إذ يجب أن يتكرر الحصول على معظم هذه النتائج بشكل مستقل. أما بشأن المرشح المگنيتايتي، فإن بعضا من الأدلة الموجودة لهذا التاريخ ربما لا تكون قطعية بوضوح كما تبدو. فـ<ريتز> نفسه، مثلا، يحذر من أن موجات الراديو تُحدث مجالات كهربائية قد تعطل العمليات البيولوجية بطرق غير متوقعة. وعلى سبيل المثال، من المعروف أن الموجات تتدخل في عمل المستقبلات العصبية التي تفرز النواقل العصبيةneurotransmitter receptors والتي تنشط في مراكز اللذة؛ وبالتالي قد تضلِّل الحيوانات بشكل غير مباشر بدلا من جعلها تفقد القدرة على الشعور بالمجالات المغنطيسية.

ويضيف <J .P. هور> [فيزيائي من جامعة أكسفورد] أن حساسية الطيور لموجات الراديو تبدو ادعاء يكاد لا يصدق(8): فلا يلزم الأمر سوى مجال بقوة لا تتجاوز 1/2000 من قوة المجال المغنطيسي الأرضي لإحداث خلل في حاستها المغنطيسية.

ويحيط التباس مماثل بدراسات الكريپتوكروم في ذبابة الفاكهة. ففي عام 2008، بيّن <ريپرت> وزملاؤه أنه يمكن تدريب ذباب الفاكهة على اتباع المجالات المغنطيسية وصولا إلى مكافأة على شكل غذاء من السكر، ولكن ذبابة تحوي طفرة تؤدي إلى فقد جين الكريپتوكروم، وبالتالي تكون غير قادرة على إنتاج البروتين، لا تستطيع القيام بذلك.

أما الحشرات فقد عُرِّضت لمجالات أقوى بعشر مرات من المجال المغنطيسي الأرضي. ويحذّر <كيرشڤينك> من أن القائمين على التجربة كانوا يعرفون متى كانت المجالات المصطنعة تعمل أم لا، وبذا يكونون قد أعطوا الحشرات عن غير قصد بعض الإشارات حول ذلك.

ويقول <هور>: بشكل عام، مع أن الأدلة الداعمة لفكرة الزوج الأساسي قد تراكمت «فإننا لم نتوصل بعد إلى نتيجة نهائية.» فلا تزال عدة قطع من اللغز مفقودة، بدءا من تفاصيل هذه الآلية. ويضيف <هور>: «أجد ذلك محبّطا للغاية» فالهدف الأقصى هو أن يبرهن الباحثون على وجود استجابة عصبية كهربائية فسيولوجية – عصبونات تطلق إشارة عصبية كاستجابة للمجالات المغنطيسية – كي يتمكنوا من ادعاءِ أنهم وجدوا مقر الحاسة الجديدة؛ إذ إن الفسيولوجيا الكهربائية هي المعيار الذهبي، ويشير <ريتز> إلى أن «تلك هي الطريقة التي تعلمنا بها كيفية عمل الإبصار.»

ومما يثير الاهتمام أن <ريپرت> وزملاءه بيّنوا في الشهر 6/2011 أن ذباب الفاكهة الذي استعيض فيه عن جينات الكريپتوكروم بأخرى من الجينوم البشري ظل يحافظ على القدرة على التوجه مغنطيسيا. وجدّد هذا الاكتشاف التكهنات بأن البشر أيضا قد تكون لديهم أيضا حاسة مغنطيسية، مع أن الأدلة في هذا الشأن شحيحة. فمن المفترض أن التجارب التي أجراها <R. بيكر> [من جامعة مانشستر في بريطانيا] في أواخر السبعينات من القرن العشرين كانت قد أظهرت أن الناس لديهم بعض قدرات العودة إلى بيوتهم مغنطيسيا، ولكن محاولات تكرار تلك النتائج باءت بالفشل.

محصلة كل ذلك(*******)

وفي أغلب الأحوال، كان الخبراء يتخلون عن التفسيرات البديلة للحاسة المغنطيسية، وصاروا يعتقدون أن واحدة على الأقل من الفرضيتين الرئيستين مقبولة ظاهرا. والاستثناء المحتمل هو الحاسة المغنطيسية في أسماك اللخمة الكبيرة وأسماك القرش، التي يقول البعض إنها قد تكون مكافأة إضافية على الحساسية الخارقة للحيوانات للمجالات الكهربائية. فجلود هذه الأسماك تحوي قنوات كهربائية ميكروية (مجهرية) تستخدمها للشعور بڤلطية ضعيفة حتى خمسة أجزاء من البليون من الڤلط [انظر: «الحس الكهربائي لدى أسماك القرش», ، العددان 1/2 (2008)، ص 46]. ولأن الحقول المغنطيسية تحرض ڤلطية في الموصِلات أثناء حركتها، يمكن لسمكة أن تلتقط مجالا مغنطيسيا أرضيا بمجرد حركتها يمينا ويسارا أثناء السباحة.

حتى بعد تسوية الجدل في نهاية الأمر، فإن قدرات الملاحة للحيوانات المهاجرة مثل الحيتان ذات السنام، التي يمكنها أن تسبح لمئات الكيلومترات باطراد في المحيطات المفتوحة من دون انحراف لأكثر من درجة واحدة عن المسار الذي تضعه في البداية، قد تظل غير مفسّرة.

ومع ذلك مازال العديد من الباحثين متفائلين بأن آليات الاستقبال المغنطيسي سيكشف عنها قريبا. فقد تقدمت التقنيات التجريبية بشكل كبير: إذ تُمكن التقانة الآن الباحثين من تتبع حتى الطيور الصغيرة، وصارت طرائق التصوير المجهري (الميكروسكوبي) للبنى التشريحية أكثر دقة، وانضم إلى هذه الجهود علماء من تخصصات متعددة. وبمجرد حلِّ اللغز، سينظر البعض إلى تلك السنين بشيء من الحنين. ويقول <ريتز>: «إن اكتشاف حاسة جديدة فرصة لا تتكرر كثيرا.»

المؤلف

  Davide Castelvecchi
 كاتب علمي مستقر في روما، أحد المحررين المشاركين في مجلة ساينتفيك أمريكان. http://oloommagazine.com/Images/Articles/2012/07-08/2012_07_08_15_b.jpg

  مراجع للاستزادة

 

Structure and Function of the Vertebrate Magnetic Sense. Michael M. Walker et al. in
Vol. 390. pages 371-376; November 27, 1997.
A Model for Photoreceptor-Based Magnetoreception in Birds. Thorsten Ritz, Salih Adem
and Klaus Schulten in Biophysical Journal, V0l. 78, N0, 2. Pages 707-718; February 2000.
Migrating Recalibrate Their Magnetic Compass Daily from Twilight Cues.
William W Cochran, Henrik Mouritsen and Martin Wikelski in Science, V0l. 304, pages 405-
408; April 16. 2004.
Magnetic Alignment in Grazing and Resting Cattle and Deer. Sabine Begall, Jaroslave
Cerveny, Julia Neef. Oldrich Vojtéch and Hynek Burda in Proceedings of the National Acade-
my of Sciences USA, Vol. 105, No. 36, pages 13451—-13455; September 9, 2008.
Magnetoreception .Single-themes supplement of Interface Focus: Journal of the Royal Society Interface. Vol.7, No 2;April 6, 2010.

(*)THE COMPASS WITHIN

(**)THE URGE TO MIGRATE

(***)Fish Do It, Birds Maybe

(****)RUSTY CLUES

(*****)Magnetic Eyes

(******)CRYPTIC SIGNS

(*******)PUTTING IT ALL TOGETHER

 

(1) Google Earth
(2) microscopic
(3) spin لَفّ – تدويم = دوران جسم حول محوره. وفي الفيزياء الكمومية، يُعرَّب المصطلح: spin = سبين، وهو يمثل خاصية للجسيمات الأولية elementary particles تبدو الجسيمات بمقتضاها كما لو كانت تدور (تلف) حول محور لها.

(4) ج: سبين = spins: دوران جسم حول محوره ويقال أيضا: تدويم.

(5) precess، precession مبادرة.

(6) spinning top أو بُلبل لفاف أو مُدوَّم.
(7) spin precession، أو المبادرة السبينية، precess = يبادر. (التحرير)

(8) too good to be true

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى