أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

ما الذي سيجعلك بدينا؟

ما الذي سيجعلك بدينا؟(*)ما هو سبب البدانة – هل هو الكالوريات المفرطة أو الكربوهيدرات  غير المناسبة؟

<.G توبس>

 

باختصار

 

لِمَ الكثيرون منا يصيرون بدناء إلى هذا الحد: هل هو الإفراط في تناول الطعام أو تناول أصناف غير مناسبة من الأغذية ولا سيما الكربوهيدرات السهلة الهضم؟

وعلى الرغم من أن الباحثين في مجال التغذية يعتقدون أنهم يعرفون ذلك السبب، إلا أن هذا الموضوع لم يخضع حتى الآن لاختبارات علمية دقيقة.

سيقوم الباحثون الممولون من قبل المبادرة NuSI بمعالجة هذه المشكلة من خلال مراقبة صارمة للأغذية التي يتناولها متطوعون يعيشون في أماكن خاصة بهذه الدراسة، ومن معايرة الطاقة التي يصرفونها، وكيف تتبدل هذه القياسات باختلاف تركيب الحمية.

 

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2013/11-12/Image23.png

 

لماذا يسمن العديد منا إلى درجة كبيرة؟ تبدو الإجابة عن هذا السؤال واضحة. فمنظمة الصحة العالمية تقول: «إن السبب الأساسي للبدانة obesity وزيادة الوزن هو اختلال التوازن في الطاقة بين كمية الكالوريات calories التي يستهلكها consume الإنسان وتلك التي يصرفها expend. وبعبارة بسيطة، إما أننا نأكل أكثر من اللازم أو أننا قعوديون sedentary أكثر مما ينبغي. ووفقا لهذا المنطق، إن أي زيادة في الكالوريات سواء كان مصدرها البروتين أو الكربوهيدرات أو الدهون (وهي المكونات الرئيسية الثلاثة للطعام وتدعى المغذيات الضخمة macronutrients) ستؤدي لا محالة إلى تكدس باوندات pounds من الدهون. ويتضح من ذلك أن حلّ المشكلة يكمن في الإقلال من تناول الطعام وزيادة الحركة الجسمانية.

 

والسبب الذي دعا إلى التشكك في هذه النظرة التقليدية إلى الموضوع واضح أيضا. فالنظام الذي يستند إلى الإقلال من الطعام وزيادة الحركة والذي انتشر تطبيقه على نطاق واسع خلال السنوات الأربعين الماضية ترافق مع ذلك بزيادة انتشار البدانة، أي تكدس كميات غير صحية من الدهون في الجسم، وبلغ مستويات غير مسبوقة. وإن أكثر من ثلث عدد الأمريكيين اليوم يُعتبرون بدناء – وهذا ما يزيد على ضعفي نسبتهم قبل أربعين عاما. كما يزيد عدد البدناء في العالم اليوم على خمسمئة مليون نسمة.

 

وإضافة إلى زيادة أوزاننا فإننا نتعرض لمزيد من الاضطرابات الاستقلابية، كالنمط 2 من الداء السكري الذي يُعرض المصاب به لشذوذات هرمونية في معالجة المغذيات وتخزينها، وهو أكثر شيوعا لدى البدناء مما هو لدى النحيلين.

 

إن اللاانسجام(2) dissonance بين مشكلة تزداد سوءا على الرغم من توفر حل مقبول لها، يوحي باحتمالين. أولهما, هو أن معرفتنا بالأسباب التي تدعو إلى زيادة الوزن صحيحة، إلا أن هؤلاء البدناء – لأسباب جينية أو بيئية أو سلوكية – غير قادرين أو غير راغبين في التخلص من هذه المشكلة. والاحتمال الثاني، هو أن معرفتنا بأسباب المشكلة خاطئة، ومن ثم فإن النصائح التي تُطرح لحلها هي خاطئة أيضا.

 

وإذا كان الاحتمال الثاني صحيحا فذلك يُعني أن سبب البدانة ليس هو اختلال توازن الطاقة، ولكنه قد يكون ذا صلة بعيب(3) defect هرموني، وقد تبنى الباحثون الأوروبيون هذه الفكرة قبل الحرب العالمية الثانية. وإذا صحّ ذلك، فإن أول المشتبه بهم، أو الباعث البيئي لذلك الخلل، قد يكون كمية الكربوهيدرات التي نتناولها أو نوعيتها. ووفق هذا السيناريو، فإن الخطأ الرئيسي الذي وقعنا فيه هو الاعتقاد أن محتوى الطعام من الطاقة مهما كان نوعه – سواء كان أفوكادو، شريحة لحم، خبزاً أو صودا – هو الذي يجعل هذه الأطعمة مُسمِّنة، ولا سيما الكربوهيدرات، وليس تأثيرات هذه الأطعمة في الهرمونات التي تنظم عملية تراكم الدهون.

 

فإذا علمنا أن الباحثين كثيرا ما يشيرون إلى البدانة على أنها اختلال في توازن الطاقة في الجسم، فقد يتبادر إلى الذهن أن هذا المفهوم قد اختبر بدقة بالغة في العقود السابقة. إلا أن البحث بَيَّن أن التدقيق في هذا الأمر لم يحصل قطّ من قبل. فاختبار هذا المفهوم بشكل مضبوط أمر بالغ الصعوبة إن لم يكن بالغ التكاليف. وقد اعتقد الباحثون أن الإجابة عنه كانت واضحة، أي أننا نأكل أكثر من اللازم؛ لذلك فإن الاختبارات لا تستحق الجهد المبذول. ونتيجة لذلك بقي التأييد العلمي لأكثر المشكلات الصحية خطورة في عصرنا – وهي الارتفاع السريع في معدلات البدانة والداء السكري ومضاعفاتهما – أمرا مفتوح(4) إلى حد كبير.

 

وبعد عقد من دراسة العلم وتاريخه، اقتنعتُ بأن تقدما جديا في مكافحة البدانة سيتحقق إذا أعدنا النظر في أسبابها واختبرنا ذلك بدقة. ففي عام 2012، أنشأتُ مع <بيتر عطية> [الجراح السابق والباحث في موضوع السرطان] منظمة غير ربحية وهي مبادرة علم التغذية (NuSI (5 لمواجهة هذا النقص في البيّنات الحاسمة في هذا العلم. وبمساعدة من مؤسسة <لورا وجون آرنولد> في هيوستن بتكساس، جمعنا علماء مستقلين من أجل وضع مخطط لإجراء تجارب تهدف إلى اختبار الفرضيات التي تتنافس في تفسير سبب البدانة (إضافة إلى زيادة الوزن). وقد تعهدت مؤسسة <آرنولد> بتغطية ستين في المئة من ميزانية البحث العلمي للمبادرة NuSI والنفقات الجارية لمدة ثلاث سنوات بمبلغ إجمالي قدره 40 مليون دولار. وسيتتبع الباحثون البينات حيثما اتجهت. وإذا سارت الأمور حسب المخطط الموضوع لها، فقد نحصل خلال السنوات الست القادمة على بيِّنات واضحة حول السبب البيولوجي للبدانة.

 

الفرضية الهرمونية(**)

 

إن السبب الذي يجعل الفرضية الهرمونية للبدانة مثيرة جدا للاهتمام هو أنها تساعد على إدراك نواقص فرضية توازن الطاقة. فالفرضية التي تقول إن سبب البدانة هو أننا نستهلك كمية من الكالوريات تزيد على الكمية التي نصرفها، تستند إلى القانون الأول للديناميكا الحرارية(6) الذي ينص على أنه لا يمكن  تكوين الطاقة أو تدميرها. وتطبيق هذا القانون في مجال البيولوجيا يعني أن الطاقة التي يستهلكها المتعضي organism يجب إما أن تتحول إلى شكل مفيد، أي تستقلب أو تطرح أو تختزن. وهكذا، إذا استهلكنا كمية من الكالوريات تزيد على ما نصرفه منها، فإن الزيادة يجب أن تختزن، مما يعني أننا نسمن ويزداد وزننا. وحتى هذه النقطة يبدو الأمر واضحا، إلا أن هذا القانون لا يقول شيئا عن السبب الذي يجعلنا نستهلك مزيدا من الكالوريات عما نصرف، كما أنه لا يخبرنا لماذا تُختزن الكالوريات الزائدة على شكل دهون. وهذه التساؤلات تحتاج إلى أجوبة.

 

لماذا تختزِن الخلايا الدهنية على وجه الخصوص مزيدا من الجزيئات الدهنية؟ إن هذه مسألة بيولوجية وليست مسألة فيزيائية. ولماذا لا تُستقلب الجزيئات الدهنية لتوليد الطاقة أو الحرارة؟ ولماذا تختزن الخلايا الدهنية مزيدا من الدهون في بعض أنحاء الجسم دون أخرى؟ والقول إنها تقوم بذلك لأننا نستهلك مزيدا من الكالوريات ليس جوابا مقنعا.

 

إن الإجابة عن هذه الأسئلة تقود إلى التفكير في الدور الذي تقوم به الهرمونات – ولاسيما الإنسولين – في الحث على تراكم الدهون في مختلف الخلايا. ويُفرز الإنسولين استجابة لنوع من الكربوهيدرات يدعى الگلوكوز. وعندما يرتفع مستوى الگلوكوز في الدم – كما يحدث بعد تناول وجبة غنية بالكربوهيدرات – يفرز البنكرياس (المعثكلة) مزيدا من الإنسولين الذي يمنع مستوى الگلوكوز في الدم من الارتفاع إلى درجة عالية خطرة. فالإنسولين يحث العضلات والأعضاء، وحتى الخلايا الدهنية على أخذ الگلوكوز واستعماله كوقود. كما أنه يحث الخلايا الدهنية على تخزين الدهون – بما فيها الدهون الموجودة في الوجبات – لاستعمالها في وقت لاحق. وطالما بقي مستوى الإنسولين عاليا فإن الخلايا الدهنية تستمر بالاحتفاظ بالدهون، بينما تستمر الخلايا الأخرى بحرق الگلوكوز (وليس الدهون) لتوليد الطاقة.

 

والمصادر الغذائية الرئيسية للگلوكوز هي النشويات والسكاكر والحبوب. ( في حالة عدم توفر الكربوهيدرات يقوم الكبد بتكوين synthesis الگلوكوز من البروتينات). وكلما كانت الكربوهيدرات سهلة الهضم كان ارتفاع الگلوكوز في الدم أسرع وأكثر شدة (تقلل الألياف والدهون من سرعة حدوث هذه العملية). وهكذا، فإن الحمية diet الغنية بالحبوب المنقاة والنشويات تسرع إفراز كمية أكبر من الإنسولين مقارنة بالنظام الخالي منها. والسكاكر – مثل سكر القصب(7)sucrosee وشراب الذرة – قد تؤدي دورا رئيسيا لأنها تحوي كميات مهمة من الكربوهيدرات المسماة فركتوز fructose الذي يُستقلب معظمه في الخلايا الكبدية. وتوحي التحريات بأن الكميات العالية من الفركتوز قد تكون سببا مهما «لمقاومة الإنسولين». فعندما تكون الخلايا مقاومة للإنسولين يتطلب الأمر مزيدا منه للسيطرة على مستوى الگلوكوز في الدم. ونتيجة لذلك، حسب الفرضية الهرمونية، يبقى مستوى الإنسولين مرتفعا في الدم فترة أطول مما يؤدي إلى تراكم الدهون في الخلايا الدهنية، بدلا من استخدامه في تزويد الجسم بالطاقة. وتخزين 20-10 كالوريا يوميا على شكل دهون، يمكن أن يؤدي بعد عدة عقود إلى حدوث بدانة.

 

وتقترح الفرضية الهرمونية أن الطريقة الوحيدة لمنع هذا الانحدار الحلزوني الشكل من الحدوث، وعكسه في حالة حدوثه، هي في تجنب السكاكر والكربوهيدرات التي تعمل على رفع مستوى الإنسولين. وحينئذ يعمل الجسم بشكل طبيعي على حرق مخزونه من الدهون للحصول على الوقود. والتحول من حرق الكربوهيدرات إلى حرق الدهون قد يحدث حتى ولو لم تتغير كمية الكربوهيدرات المستهلكة. ففي الحقيقة، تحرق الخلايا الدهون لأن الهرمونات تتطلّب منها فعل ذلك، مما يؤدي إلى زيادة صرف الطاقة. وبحسب هذه الفرضية، لكي يفقد الجسم الدهون الزائدة، يجب الإقلال من تناول الكربوهيدرات والاستعاضة عنها بالدهون التي لا تحث على إفراز الإنسولين.

 

وهذه الفرضية البديلة في مشكلة البدانة (التي تنجم إلى حد كبير عن مقاومة الإنسولين) تعني ضمنيا أن وباءي البدانة والنمط 2 من الداء السكري اللذين يتطوران باستمرار في جميع أنحاء العالم إنما ينطلقان إلى حد بعيد من استهلاك الحبوب والسكاكر في حمياتنا. كما تعني تلك المشكلة أيضا أن الخطوة الأولى لحل هذه الأزمات هي تجنب السكاكر والحد من استهلاك الخضار النشوية، وعدم الاهتمام بكمية الطعام الذي نأكله والتمارين الرياضية التي نجريها.

 

 تغير نموذج

كالوريات مقابل كربوهيدرات(***)

يخطط الباحثون الممولون من قبل المبادرة NuSI للقيام خلال السنتين القادمتين باختبار فرضيتين متنافستين لتحديد أسباب البدانة، وسيجرى الاختبار في شروط قاسية صممت للحصول على نتيجة واضحة تؤيد إحدى هاتين الفرضيتين.

 

اختلال توازن الطاقة في الجسم

 

يركز التفسير التقليدي على كيفية تنظيم الجسم لاستهلاك الطاقة وصرفها (الذي يقاس بالكالوريات). إن استهلاك كمية مفرطة من أي غذاء – سواء كان دهونا أو كربوهيدرات أو بروتينات – يزيد كمية الدهون في الجسم . والطريقة الوحيدة لإنقاص الوزن هي تقليل كمية الكالوريات التي يتناولها الشخص أو زيادة صرفها (حرقها).

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2013/11-12/Image55.png

 

اختلال التوازن الهرموني

 

تركز الفرضية البديلة على التنظيم الفسيولوجي المعقد للخلايا الدهنية. إذ يرفع استهلاك الكربوهيدرات مستوى السكر (الگلوكوز) في الدم الذي ينشط activate بدوره إطلاق release الإنسولين. وتستجيب الخلايا الدهنية للإنسولين بالاحتفاظ بمخزونها من الدهون وحتى زيادته. ويزداد الوزن عندما يبقى مستوى الإنسولين – الذي يطلقه تناول الكربوهيدرات – مرتفعا لمدة طويلة.

 

 

التاريخ المنسى(****)

 

لا تُرجح المعارف التقليدية دوما فرضية اختلال توازن الطاقة التي تعم الآن. وحتى الحرب العالمية الثانية استنتج الخبراء الرئيسيون في مجال البدانة (ومعظم فروع الطب) الذين كانوا يعملون في أوروبا أن البدانة، كغيرها من اضطرابات النمو، تنتج من عيب في الهرمونات وتنظيمها، واعتقدوا أن هناك أخطاء في الإنزيمات والهرمونات التي تؤثر في تخزين الدهون في الخلايا الدهنية.

 

وقبــل أكثــر مــن مئــة عــام وضــع الطبيــب البــاطني الألمـاني <.V .G برگمان> الفرضية الجديدة (واليوم، إن أعلى جائزة شرف تمنحها جمعية الطب الباطني الألمانية في الوقت الحاضر هي ميدالية <برگمان>). فقد ابتكر هذا الطبيب المصطلح ألفة الشحم lipophilia ليصف ميل الأنسجة المختلفة في الجسم إلى تكديس الدهون. وكما هي الحال في الشعر الذي ينبت في بعض نواحي الجسم دون الأخرى، كذلك الحال في الدهون التي تُختزن في بعض الأماكن من الجسم دون غيرها. وافترض أن ألفة الشحم يجب أن تنظم بواسطة بعض العوامل الفيزيولوجية.

 

وقد اختفى مصطلح ألفة الشحم بعد الحرب العالمية الثانية مع استبدال اللغة الإنكليزية باللغة الألمانية كلغة علم مشتركة lingua franca. وفي الوقت نفسه تأخر اكتشاف التقانات اللازمة لفهم تكدس الدهون في الخلايا الدهنية، وبالتالي فهم أسس البدانة، حتى أواخر خمسينات القرن الماضي ولا سيما التقنيات التي تقيس بدقة مستوى الأحماض الدهنية والهرمونات في الدم.

 

وفي أواسط ستينات القرن الماضي، اتضح أن الإنسولين هو الهرمون الرئيسي الذي ينظم تكدس الدهون، في الوقت الذي كانت فيه البدانة تعد اضطرابا غذائيا تجب معالجته بحثِّ الأشخاص البدناء أو إرغامهم على تقليل عدد الكالوريات التي يتناولونها. وما أن ربطت الدراسات بين مقدار الكولستيرول في الدم وخطر الإصابة بالآفات القلبية حتى وجّه اختصاصيو التغذية اهتمامهم إلى الدهون المشبعة التي اعتبرت الشرّ الرئيسي في الحمية، وبدأ الخبراء بوصف حمية قليلة الدهون غنية بالكربوهيدرات. أما الفكرة القائلة إن الكربوهيدرات قد تسبب البدانة (أو الداء السكري أو آفات القلب) فقد استبعدت تماما.

 

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2013/11-12/Image44.png

 

ومع ذلك، كان هناك عدد قليل من الأطباء الممارسين الذين يؤمنون بفرضية الكربوهيدرات/إنسولين، وقد ألفوا كتبا حول النظم الغذائية تَدّعي أن الأشخاص البدناء بإمكانهم إنقاص أوزانهم إن تناولوا الكمية التي يريدونها من الطعام طالما تجنبوا تناول الكربوهيدرات. ولما كان معظم الخبراء ذوي النفوذ يعتقدون أن الأشخاص يسمنون لأنهم يأكلون الكمية التي يرغبونها من الطعام فإن الكتب المذكورة اعتُبِرت نوعا من الاحتيال. ولم يساعد أكثر هؤلاء المؤلفين شهرة، ويدعى <.C .R أتكينز>, على قبول هذا الرأي عندما أكدّ أن بالإمكان تناول الدهون المشبعة بكل سرور – كالسرطان البحري وشرائح اللحم مع الجبن – طالما تجنب المرء أكل الكربوهيدرات، إلّا أن الكثيرين اعتبروا هذا الاقتراح شكلا من أشكال سوء الممارسة الطبية.

 

تجارب قاسية(******)

 

وخلال السنوات العشرين الماضية تجمعت كثير من البيّنات المهمة التي توحي أن النظام الغذائي الذي تبناه هؤلاء الأطباء قد يكون صحيحا، وأن الفرضية الهرمونية تفسر سبب البدانة التي يعانيها البعض، وأن مقاومة الإنسولين التي ربما تحثُّ عليها السكاكر الموجودة في الحمية هي عيب أساسي لا يوجد في النمط 2 من الداء السكري فقط وإنما في أمراض القلب أيضا وفي السرطان. لذلك أصبح إجراء اختبارات صارمة حول دور الكربوهيدرات والإنسولين أمرا بالغ الأهمية. ولما كان الهدف النهائي هو تحديد العوامل البيئية المثيرة للبدانة، فإن التجارب يجب أن توجه بشكل خاص إلى إيضاح العمليات التي تقود إلى تراكم المزيد من الدهون. إلا أن البدانة تحتاج إلى عدة عقود كي تتشكل، لذلك فإن تراكم الدهون شهرا بعد شهر، قد يكون ضئيلا ويصعب اكتشافه. وهكذا، فإن الخطوة الأولى التي سيقوم بها الباحثون في المشروع الممول من المبادرة NuSI هي اختبار الفرضيات المتنافسة حول إنقاص الوزن الذي يمكن أن يحدث بسرعة نسبيا. والنتائج الأولية لهذه الاختبارات ستساعد على تحديد الاختبارات المستقبلية، التي نحتاج إليها لإيضاح الآليات الفاعلة ومعرفة أي من الفرضيات هي الصحيحة.

 

وسيجرى تنفيذ الاختبار الرئيسي الأول من قبل باحثين من جامعة كولومبيا ومعاهد الصحة العامة ومعهد مستشفى فلوريدا للأبحاث في أورلاندو ومركز الأبحاث البيولوجية في باتون روج. وستضم هذه الدراسة الأولية 16 شخصا من البدناء أو زائدي الوزن الذي سيقيمون طيلة مدة الدراسة في أماكن البحث لضمان الحصول على تقديرات مضبوطة عن الكالوريات المستهلكة والطاقة المصروفة. وسيُعطى المشاركون في الدراسة حمية مماثلة لما يتناوله الأمريكي العادي – أي مؤلفة من %50 من الكربوهيدرات (%15 منها سكاكر) و%35 من الدهون و%15 من البروتين -، وسيعدل الباحثون الكالوريات المستهلكة بدقة إلى أن يتضح أن المشاركين توقفوا عن تكديس الدهون أو فقدها، أي أن الكالوريات التي يأخذونها تساوي تلك التي يصرفونها، ويتم قياس ذلك بواسطة جهيزة device تدعى الغرفة الاستقلابية metabolic chamber. وفي المرحلة الثانية، سيعطى المشاركون حمية يبلغ عدد كالورياتها العدد السابق نفسه موزعة على العدد نفسه من الوجبات والوجبات الخفيفة snacks، إلا أن مكونات الحمية ستكون مختلفة تماما.

 

ومحتوى الحمية الجديدة من الكربوهيدرات سيكون منخفضا إلى حد كبير – أي بحدود %5، ويتضمن فقط الكربوهيدرات الموجودة بشكل طبيعي في اللحوم والأسماك والطيور والبيض والأجبان والدهون الحيوانية والزيوت النباتية، إضافة إلى الخضار الورقية. أما محتوى هذه الحمية من البروتين فيعادل ما تناوله المشاركون في الحمية السابقة أي %50 من مجمل الكالوريات، أما الباقي – أي %80 من الكالوريات – فيتألف من الدهون الموجودة في المواد الغذائية المذكورة.

 

تُهيىء الاختبارات العلمية المهمة في الحالات النموذجية وضعا تقدم فيه الفرضيات المتنافسة تنبؤات مختلفة حول ما سيحدث. وفي هذه الحالة التي نحن بصددها، إذا كان تراكم الدهون ناجما – في الدرجة الأولى – عن اختلال توازن الطاقة في الجسم وجب أن يحافظ هؤلاء الأشخاص على أوزانهم من دون زيادة أو نقصان، لأنهم يتناولون كميات من الكالوريات تعادل ما يصرفونه منها. إن مثل هذه النتيجة ستدعم الفرضية التقليدية – وهي أن الكالوري الواحد هو نفسه سواء كان مصدره كربوهيدرات أو دهونا أو بروتينات. وفي المقابل، إذا كان تركيب المغذيات الضخمة يؤثر في تراكم الدهون، فإن هؤلاء الأشخاص يجب أن يفقدوا الوزن والدهون عندما يتبعون رجيما regime فقيرا بالكربوهيدرات، كما يجب أن تزداد الطاقة التي يصرفونها، مما يدعم الفكرة القائلة إن الكالوريات الصادرة عن الكربوهيدرات هي أكثر قدرة على زيادة الوزن من الكالوريات الصادرة عن البروتين أو الدهون، ويرجح أن يكون ذلك بسبب تأثيرها في الإنسولين.

 

وأحد العوائق التي تعترض هذه المقاربة العلمية الرصينة هو أنه لا يمكن الإسراع في إجرائها من دون إجراء بعض الحلول الوسط غير المقبولة. فحتى هذه الدراسة الرائدة ستستغرق ما يقرب من عام كامل. أما اختبارات المتابعة الأكثر طموحا، فإنها ستستغرق ثلاث سنوات أخرى. وإذا استطعنا الحصول على تمويل إضافي، فإننا نأمل بإجراء اختبارات أخرى؛ بما في ذلك إلقاء نظرة أكثر دقة وتتناول تأثير بعض السكاكر والمغذيات الضخمة في الاضطرابات الأخرى، مثل الداء السكري والسرطان والأمراض العصبية. ولكن، لن يكون أي من هذه الاختبارات سهلا إلا أنها قابلة للتطبيق.

 

وأحد هذه الأهداف النهائية هو أن نثبت للجمهور العام أن النصائح التغذوية التي يتلقونها – فيما يخص إنقاص الوزن والصحة العامة والوقاية من البدانة – تعتمد على أسس علمية صارمة وليست تصورات مسبقة أو اتفاقات في الرأي جماعية عمياء. هذا وليست البدانة والنمط 2 من الداء السكري عبئا خطيرا على المصابين بها فقط وإنما هي أيضا في الوقت نفسه، تربك نظام الرعاية الصحية في بلدنا وربما تربك اقتصادنا كذلك. وإننا في أمسّ الحاجة إلى بيّنات غير ملتبسة كتلك التي تسعى تجارب المبادرة NuSI إلى الحصول عليها، إذا كنا عازمين على مكافحة هذه الاضطرابات والوقاية منها.

 

المؤلف

<توبس> أحد المشاركين في المبادرة «NuSI» ومؤلف كتاب «لماذا نُصاب بالبدانة: وما العمل لتجنب ذلك»(1). Gary Taubes
  a0913Taub02.psd

 

  مراجع للاستزادة

 

Insulin and Insulin Resistance. Gisela Wilcox in Clinical Biochemist Reviews, Vol. 26,
No. 2, pages 19–39; May 2005. www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC1204764

Obesity and Energy Balance: Is the Tail Wagging the Dog? J.C.K. Wells and M. Siervo in European Journal of Clinical Nutrition, Vol. 65, No. 11, pages 1173–1189; November 2011.

(*) WHICH ONE WILL MAKE YOU FAT?

(**) THE HORMONE HYPOTHESIS

(***) Calories vs. Carbohydrates

(****) FORGOTTEN HISTORY

(*****) LAND OF THE SUPERSIZED

(******) RIGOROUS EXPERIMENTS

 

(1)    Why We Get Fat: And What to Do about It (Knopf, 2011)

(2) أو: التنافر

(3) أو: عطل

(4) open question: مسألة فيها نظر

(5) the Nutrition Science Initiative

(6) thermodynamics

(7) أو: سكروز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى