أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

السلسلة الطويلة من ألغاز السرطان

السلسلة الطويلة من ألغاز السرطان(*)

اكتشف الباحثون طرقا تجعل السرطان يبدو أكثر تعقيدا مما كانوا يظنون.

<G. جونسون>

 

 باختصار

  ما الذي يدفع بعض الخلايا لتصبح سرطانية وتنمو لتشكل ورما؟ لفترة طويلة اعتبر الباحثون أن الجواب يكمن، كليا، في الطريقة التي تتخرب فيها الجينات المفتاحيةkey genes، أو التي تصاب بطفرة مع مرور الزمن.

إلا أنه خلال العقد المنصرم، اكتشف الباحثون عدة عوامل مشاركة أخرى – بدءا من البكتيريا التي تعيش في الأمعاء إلى مفاتيح تحويل فوجينية epigenetic تعطي إشارة البدء أو التوقف لجينات متنوعة.

لقد أدى كشف هذه القضية المعقدة باطراد إلى جعل فهم السرطان أصعب من أي وقت مضى، إلا أنه أيضا فَتَحَ طرقا غير متوقعة لسبر مجالات تطوير معالجات جديدة.

 

 

نادرا ما تكون الأشياء بالبساطة التي تبدو عليها، فما يظهر على أنه معقد قد لا يتجاوز كونه تموجات على سطح بحر ليس له قرار. لقد وصف عالمان، هما <D. هاناهان> و<A .R. واينبرگ>، آليات التسرطن وصفا متقنا – بأنها خلية مفردة تصيبها طفرات متتالية حتى تسلك سبيلا لولبيا يلقيها في مهاوي السرطان – وذلك في مؤلَّف شامل نشراه عام 2000 بعنوان “السمات المميزة للسرطان(1).”

وتعود فكرة أن السرطان يحدث نتيجة تراكم للطفرات في خلية طبيعية إلى عقود ماضية. ويتمثل العمل الذي قام به <هاناهان> و<واينبرگ> بصياغة هذه الكتلة المتنامية من النتائج المختبرية والرؤى النظرية في ست خصائص، ولا بد للخلية السرطانية من اكتسابها حتى تتطور إلى المخلوق الذي يدعى ورماtumor. إذ إن على الخلية السرطانية أن تكتسب القدرة على تحريض نموها الذاتي، وعلى تجاهل الإشارات التي تحمل إليها أوامر التباطؤ (وهنا يأتي دور الجينات الورمية ومثبطات الأورام). كما أن على الخلية أن تتعلم كيف تتحايل على الآليات التي لا تكاد تفشل في دفع الخلايا التي تعاني ولو قدرا ضئيلا من العجز إلى تدمير نفسها، وعليها أن تتغلب على العدّادات الداخلية – وهي القسيمات الطرفية telomeres الموجودة في نهايات الكروموسومات (الصبغيات) chromosomes – فهي التي تقلل عادة من عدد المرات التي يسمح فيها للخلية بالانقسام. كما أن عليها أن تتعلم كيف تبدأ بتوليد الأوعية الجديدة (استحداث أوعية دموية جديدة لها)، وأخيرا أن توفر الغذاء لنفسها من النسج المجاورة لها، وأن تنتقل إلى الأعضاء البعيدة.

لقد انقضى أكثر من عقد من الزمن على نشر مقالة “السمات المميزة للسرطان”، وهي المقالة الأكثر اقتباسا في تاريخ المجلة المرموقة الخلية Cell، وهو أمر محمود يمكن أن يقال عنه بعبارة أخرى إن هذه المقالة قد تكون الأكثر تأثيرا في بيولوجيا السرطان. إن ما يعرف بنظرية النسيلة الوحيدة(2)(ويقصد بالنسيلة الخلية المنقسمة مع ما يتفرع عنها من شجرة الخلايا المنحدرة منها)، وهي الصورة التي رسمتها تلك المقالة التي لاتزال بمثابة الإطار المفهومي الذي سيطر على الساحة بلا منازع، مثل سيطرة نظرية الانفجار الأعظم the big bang  في علم نشوء الكون. فوفقا لهذه النظرية بدأ الخلق على نحو متفرد – كنقطة بدائية من طاقة كتلية – وانتفخت لتشكل الكون. وكذلك السرطان، فإنه يبدأ من خلية متمردة renegade cell – والخلية المتمردة مصطلح أكسبه <واينبرگ> شهرة وشيوعا – ثم تتوسع لتشكل الورم. ومع الخطوط العريضة لهذه الخريطة، تطلع العالمان <هاناهان> و<واينبرگ> إلى إحداث نهضة في فهم السرطان:

إن الوضوح الشمولي لآلية حدوث السرطان سيضفي إلى تشخيصه ومعالجته صبغة العلم المنطقي، وهو ما لا يراه الأطباء الممارسون في الوقت الراهن… إننا نترقب ظهور أدوية مضادة للسرطان تستهدف جميع القدرات الأساسية المميزة له. ونحن نتصور أنه في يوم من الأيام ستصبح بيولوجيا السرطان وعلاجه – التي هي حاليا عبارة عن رقع متناثرة من البيولوجيا والجينيات genetics  وعلم الباثولوجيا والنسج وعلم الكيمياء الحيوية وعلم المناعة وعلم الأدوية – علما له بنية مفاهيمية وترابط منطقي يماثل ما للكيمياء والفيزياء.

هل ثمة فيزياء سرطان! هذا أمر مازال ممكن الحدوث. فقد واصل العلماء كشفهم طبقات جديدة وكاملة من التعقيدات خلال العقد ونيف المنصرم، منذ صدور المقالة ذات التوقعات المذهلة.

ما وراء الطفرات(**)

تكمن في الشيپة الميكروية microchip الحيوية الحجم التي ندعوها بالخلية، مكونات تنضوي داخل مكونات أخرى تربط بينها شبكة وأسلاك تعمل بتدفقات وبكثافة يتعذر معهما أحيانا الفصل بين شريط وآخر منها. وإذا ارتقينا إلى مستوى أعلى، فإننا سنجد أن من المستحيل فهم ما يحدث داخل خلية سرطانية، بشكل كامل، من دون الأخذ بعين الاعتبار مكانها ضمن شبكة اتصالات محبوكة مع الخلايا الأخرى. وفي الوقت الذي نشرت فيه مقالة “السمات المميزة للسرطان”، كان العلماء قد اكتشفوا بالفعل أن الأورام ليست مجرد كتل متجانسة من الخلايا السرطانية – فهي تحوي أيضا خلايا سليمة تساعد على إنتاج البروتينات التي يحتاج إليها الورم ليمتد ويهاجم النسج ويتوصل إلى التغذية الدموية. لقد صار هذا النظام البيئي الشاذ يدعى البيئة الميكروية للسرطان(3)، وكرست مؤتمرات ومجلات كاملة لفهمه.

ومما زاد الأمر تعقيدا هو الإدراك التدريجي أن التغيرات الجينية التي يمكن أن تؤدي إلى السرطان لا تقتصر بالضرورة على حدوثها من خلال الطفرات – وهي تغيرات على شكل حذف أو إضافة أو إعادة ترتيب الحروف النكليوتيدية(4) في دنا DNA الخلية. بل إن من الممكن للرسالة أن تتغير بطرق خفية أكثر.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2014/03-04/2014_03_04_27_b.jpg
خلية سرطانية من نخاع عظم الإنسان human bone marrow.

 

ويمكن للصاقات الجزيئية(5) أن ترتبط بالجين بطريقة تُعطِّل عمله – فلا يستطيع التعبير عن الرسالة الجينية التي يحملها (واللصاقات هي عبارة عن مجموعات ميثيل(6)، ولذلك تدعى هذه العملية المَيْثِيْلِية(7) methylation). ويمكن أيضا للجينات أن تتعزز أو تتثبط، وذلك عن طريق تشويه شكل الجينوم. وفي حين تعرض الصورة الأيقونية لفائف الدنا المضفورة التي تطفو بأناقة تضاهي أناقة قنديل البحر في عزلة عن غيره، فإن الطاقين الحلزونيين يلتفان في خضمّ الخلية حول عناقيد بروتينية تدعى الهستونات histones. ويمكن لمجموعات الميثيل والجزيئات الأخرى أن ترتبط بالحلزون نفسه أو بنواته البروتينية وتؤدي إلى ثني التجمع بكامله. وعندما يحدث هذا الثني تبرز بعض الجينات وتحتجب أخرى.

تُدعى مثل هذه التغيرات، التي تغير وظيفة الخلية مع بقاء بنية الدنا سوية، تغيرات فوجينية epigenetic. حيث تعني Epi، المشتقة من اليونانية القديمة، “فوق”(8). وكما أنه يوجد في الخلية جينوم genome، فإنه فيها أيضا فوجينومepigenome – وهو بمثابة طبقة من البرمجيات تغطي البنية الصلبة أو عتاد الدنا. وكما يحدث في الجينوم نفسه، فإن ظاهر الجينوم يُحفظ ويُمرر إلى خلايا بنات daughter cells.

إن الأمر الذي تقترحه جميع هذه البحوث، هو أن موضوع السرطان قد لا يقتصر على كونه مجرد جينات محطمة. بل إن بإمكان الاضطرابات التي تعتري إحدى الخلايا – المواد المسرطنة أو النظام الغذائي أو حتى الكرب stress- أن تعيد ترتيب اللصاقات على فوجين epigene  من دون أن تؤدي إلى طفرة مباشرة في الدنا. فإذا افترضنا أن مجموعة ميثيل تمنع عادة الجين المسرطن – الذي يحرض الانقسام الخلوي – من أن يعبِّر عن نفسه، فإن إزالة هذه اللصاقة قد تؤدي إلى دفع الخلية للانقسام بجنون. ومن جهة أخرى، قد يؤدي إنتاج عدد كبير من اللصاقات إلى تثبيط الجين المثبِّط للورم وهو الجين الذي يضبط الانقسام. وعندما تتحرر الخلية لتنقسم، فإنها تصبح أكثر عرضة لأخطاء النسخ. وهكذا، فإن تغيرات فوجينية قد تؤدي إلى تغيرات جينية – وهذه التغيرات الجينية قد تؤثر بالتالي في المَيْثِيْلِية وتؤدي بذلك إلى التحريض على حدوث تغيرات إضافية فوجينية… وتتواصل التغيرات على هذا النحو.

خارج المختبر، يؤثر كلٌ من الخوف والرجاء في الحماس لهذا السيناريو. وقد تهيّئ الفوجينية طريقة تتصرف خلالها بعض المواد كمادة مسرطنة، حتى وإن بدت من قبل أنها غير قادرة على التسلل إلى الدنا. إلاّ أنه خلافا للتغير الجيني، فإن هذه التغيرات قد تكون عكوسة(9). ويبقى حجم الدور الذي تؤديه الفوجينية غير مؤكد. ومثل كل أمر يحدث في الخلية، فإن المَيْثِيْلِية وتعديل الهستونات تخضع لتحكم الجينات – وقد اتضح أن هذه الجينات مصابة بالطفرات أيضا في سرطانات مختلفة. وهكذا يبدو أن كل ما يحدث قد يكون في نهاية المطاف بسبب الطفرات.

ومن جهة أخرى، افترض بعض العلماء أن السرطان يبدأ في الواقع باضطرابات فوجينية، تمهد السبيل لحدوث تحولات أكثر تشويها.

والأمر الأكثر تشويشا هو الفكرة الجدلية التي يطلق عليها نظرية الخلية الجذعية السرطانية(10). ففي جنين embryo  آخذ في التطور، تعتبر الخلايا الجذعية هي الخلايا القادرة على تجديد نفسها إلى ما لا نهاية – أي إنها تواصل الانقسام مع بقائها في حالة عدم التمايز(11). وعندما تظهر الحاجة إلى نمط معين من النسج، يجري تفعيل جينات وفق نموذج خاص، وتؤدي الخلايا الجذعية إلى ظهور خلايا تخصصية ذات هويات محددة. وعندما يتطور الجنين إلى مخلوق كامل، فإن الخلايا الجذعية البالغة تؤدي دورا مماثلا، حيث تبقى متأهبة لتتمايز وتحل محل الخلايا التي تَلِفَتْ أو بلغت آخر عمرها. ولأن النسج السليمة تنشأ عن مجموعة صغيرة من هذه الأسلاف الفعالة، فلماذا لا ينطبق الأمر ذاته بالنسبة إلى الأورام؟

سيكون هذا تحولا غير متوقع في النظرة التقليدية التي ترى أن أي خلية سرطانية اكتسبت المجموعة الصحيحة من الطفرات، ستكون قادرة على توليد ورم جديد. تخيل بدلا من ذلك أن نمو السرطان وانتشاره يوجهان من قبل جزء من خلايا خاصة، تلك التي اكتسبت بطريقة ما خاصية داخلية هي المحافظة على السمات الجذعية أو التجذُّع stemness.فالخلايا الجذعية السرطانية وحدها ستكون لديها القدرة على التكاثر إلى ما لانهاية والانتقال ونشر بذور أورام خبيثة أخرى. فكم سيسهِّل ذلك الأمور على أطباء الأورام. وقد يعود فشل العلاج الكيميائي إلى استبقائه الخلايا الجذعية السرطانية. وعندها سيؤدي التخلص من هذه الأجزاء البالغة الأهمية إلى اختفاء الورم الخبيث.

وفي سياق سعيي الحثيث إلى وضع جميع هذا ضمن الصورة الكلية، شعرت بالارتياح عندما وجدت لدى الباحثين ارتباكا يشبه ارتباكي. إلا أن الصورة صارت بمجملها واضحة، فالنظرة الأساسية إلى السرطان باعتباره عملية داروينية – فهو يظهر مثلما ظهرت الحياة نفسها من خلال اختلافات عشوائية واصطفاء (انتقاء) – نظرة صامدة. ولأنني أحاول فهم مغزى السرطان من موقعي الخارجي، فإنني شعرت بالرهبة من احتمال وجود المزيد من المسالك الملتوية.

وفي نهاية المطاف، تصبّ جميع القضايا البيولوجية في أن الأمر عبارة عن جينات تتحدث إلى جينات أخرى في دردشة جزيئية مستمرة – سواء كانت الجينات ضمن الخلية ذاتها أو كانت جينات من خلية تتحدث إلى جينات ضمن خلية أخرى. إلاّ أنني لم أضع في الاعتبار أن الجينات في النسج البشرية تستطيع أيضا تبادل المعلومات مع الجينات الموجودة في الميكروبات التي تستوطن أجسامنا. فالسرطان هو مرض معلومات(12)، لاختلاط عمليات إصدار الإشارات الخلوية. وهكذا يصبح لدينا الآن ميدان آخر للاستكشاف.

تعكير الماء(***)

إضافة إلى ذلك، فقد اكتُشِف تعقيد آخر سببه تغير فهمنا للبيولوجيا الخلوية الطبيعية. ولكي تتمكن الجينات من القيام بدورها الكامل في إنشاء الحياة والمحافظة عليها، فإنها تتألف من تجميعات من أربعة فقط من الأحماض النووية التي يعبَّر عنها بالأحرف A ،C ،G و T ولكل تجميعة حواف(13) contour تميزها، ويتم نسخ نماذج النتوءات والأخاديد الموجودة في الدنا لإنتاج جزيئات تعرف بالرنا المرسال messenger RNA، وتعبرُ جزيئات الرنا المرسال إلى الريبوسومات ribosomes، وهي بنى خلوية تستفيد من المعلومات في تصنيع البروتينات. وتتضمن هذه البروتينات الإنزيمات التي تساعد على تشغيل الآلية الجينية the genetic machinery. ولعل أقصى تبسيط لهذه النظرية يتمثل فيما دعاه <F. كريك> العقيدة المركزية central dogma: نحصل من الدنا على الرنا، ثم نحصل من الرنا على البروتين.

وسرعان ما توالت التعقيدات. إذ لم تكن جميع قطع الدنا جزءا من الكود codeالبروتيني. ففي حين استعملت بعض هذه المتتاليات sequences لصناعة الرنا المرسال والرنا الناقل transfer RNA، فإن متتاليات أُخرى كانت تعمل كعقد مراقبة وتحكم، فهي تغير حجم الجين زيادة ونقصانا لتعدل كمية ما ينتجه من البروتين. ويمكنك مع جميع هذه الآليات المعقدة والمتواشجة، أن تستمتع بتخيل تقريبي أن هذا الأمر هو نتاج عمل أحد المهندسين. إلا أن الطبيعة أكثر تعقيدا. فبنية الجينات، على سبيل المثال، ليست متصلة، بل تعترضها قطع صغيرة غير مفهومة المعنى. وحين إعادة نسخ الرسالة الجينية إلى الرنا المرسال، فإنه يجب إخراج هذه القطع الدخيلة – التي تدعى الإنترونات introns  – منه، ولم تكن  الإنترونات سوى عوارض طرأت على التطور وعلى الحراك الداخلي أو الإنتروپية(14) entropy. وفي الواقع، يبدو أن نسبة ضئيلة فقط من الجينوم تخدم هدفا معينا. أما الباقي، فقد صار يعرف بأنه دنا خردة junk DNA – وهو خليط غير متجانس من الجينات التي صارت غير فاعلة ومهملة بمرور ملايين السنين. لقد حُمِل هذا الحطام من الجينات من جيل إلى جيل لغياب سبب قاهر يدعو إلى التخلص منه.

إن التغيرات الجينية التي يمكن أن تؤدي إلى سرطان لا تحدث بالضرورة عبر طفرات. فالتبدلات قد تكون دقيقة يصعب كشفها.

 

ويبدو أنه يمكننا بالكاد قبول احتمال وجود هذا الكم من الجينوم صامتا وعاطلا عن العمل. ذلك لأنه يمكن للتطور، من خلال التصليح المتواصل، أن يعثر لبعض هذه القطع المهملة من الدنا على أغراض جديدة. إلا أن العلماء، في بداية تسعينات القرن الماضي، لاحظوا نوعا جديدا من الرنا ينتجه دنا خردة. وعندما وضعوه على الرنا المرسال، منعه من توصيل ما لديه من معلومات. وقد كانت جزيئات النوع الجديد من الرنا صغيرة الحجم، مما أدى إلى تسميتها رنا ميكرويا microRNA. وللرنا الميكروي أنواع مختلفة، ويؤدي ازدياد عددها أو نقصانه إلى تنظيم إنتاج البروتينات المتنوعة. وسرعان ما رُبِطَ الرنا الميكروي، كغيره من سائر الأشياء التي تتضمنها الخلية، بأداء دور ما في السرطان. فبافتراض أن هناك رنا ميكرويا يؤدي دورا حاصرا لتعبير الجين المسرطن المحرض للنمو، فإن إنتاج الخلية كميةً قليلة منه سيشجع على التكاثر. وفي المقابل، فإن زيادة نوع آخر من الرنا الميكروي قد تؤدي إلى كبت أحد مثبطات الأورام. وفي الواقع، فإن جزيئا واحدا فقط من الرنا الميكروي قد ينظِّم جينات مختلفة ومتعددة، مما يؤدي إلى تشابك في التأثيرات المتضافرة. ولئن كان الظن يذهب إلى أن طفرات جزيئات دنا خردة غير ضارة، فإنها إذا أفسدت التوازن بين جزيئات رنا ميكروي قد تدفع الخلية نحو الخباثة.

إنها خردة ليست كأي خردة(15). فالجينات – أو 99 في المئة منها – توجد فيما لدينا من الميكروبات، وليس في خلايانا. فالمواقع الخلفية تتبادل المكان مع المواقع الأمامية، وقد ذكرني ذلك بما حدث في علم نشوء الكون عندما تبين أن معظم الكون نشأ عن مادة وعن طاقة معتمة dark energy. ومع جميع التفاصيل الجديدة، بقيت نظرية الانفجار الأعظم صامدة. صحيح إنها لم تعد نقية وبسيطة كما كانت من قبل، إلا أنها زودتنا بالإطار العريض المميز للصورة، أي بإطار يعطي المعنى لكل ما تتضمنه الصورة، سواء كان شاذا أو غير شاذ.

ويبدو أن الشيء نفسه حصل مع السمات الست للسرطان التي جاء بها <هاناهان> و<واينبرگ>. فقد كتب هذان العالمان في الشهر 3/2011، مقالة بعنوان “السمات الأساسية للسرطان: الجيل القادم”(16). وقد عرضا فيها ما استنتجاه بعد إعادة النظر طيلة العقد الذي انقضى منذ كتابتيهما للمقالة الأولى عام 2000، والإطار المفاهيمي هو اليوم أقوى من أي وقت مضى. ومن المؤكد أنه كانت هناك تعقيدات. وقد يتاح للخلايا الجذعية والفوجينيةepigenetics أداء دور أكبر. وفي نهاية المطاف، قد يكون هناك أكثر من ست سمات أساسية. والأمل معقود على بقاء العدد منتهيا (محدودا) وصغيرا إلى حد معقول.

المؤلف

   George Johnson
 <جونسون> يكتب بشكل منتظم عن العلوم لمجلة النيويورك تايمز the New York Times. كما أنه كتب أيضا لمجلات ناشيونال جيوگرافيك National Geographic، وسلايت Slate وديسكڤر Discover ووايرد Wired وأتلانتيك Atlantic. http://oloommagazine.com/Images/Articles/2014/03-04/2014_03_04_27_a.jpg

  مراجع للاستزادة

 

Hallmarks of Cancer: The Next Generation. Douglas Hanahan and Robert A. Weinberg in Cell, Vol. 144, No. 5, pages 646–674; March 2011.
www.cell.com/fulltext/S0092-8674(11)00127-9
A Decade of Exploring the Cancer Epigenome—Biological and Translational Implications. Stephen B. Baylin and Peter A. Jones in Nature Reviews Cancer,
Vol. 11, pages 726–734; October 2011. www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/21941284

(*)THE LONG TRAIL OF CANCER’S CLUES: اقتُبست هذه المقالة من السجلات اليومية للسرطان The Cancer Chronicles تأليف <G. جونسون>، وبالتنسيق مع <A .A. نوبف> ، وهي طبعة من مجموعة نوبف دبل داي للنشر Doubleday Knopf Publishing Group، شعبة من Random House، حقوق الطبع و النشر محفوظة لـ<G. جونسون> عام 2013.

(**)BEYOND MUTATIONS

(***)MUDDYING THE WATER

(1) The Hallmarks of Cancer
(2) the monoclonal theory
(3) the cancer microenvironment

(4) the nucleotide letters

(5) molecular tags
(6) methyl groups

(7) عملية كيميائية حيوية.

(8) over, above, on

(9) reversible

(10) the cancer stem cell theory؛ انظر: «هل الخلايا الجذعية المسبب الحقيقي للسرطان؟»، ، العددان2/3 (20077).

(11) undifferentiated

(12) a disease of information

(13) أو: حِياط

(14) أو: الاعتلاج

(15) junk that is not junk

(16) “Hallmarks of Cancer: The Next Generation”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى