أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
جيولوجيا

الصخور الأقدم على الكرة الأرضية

الصخور الأقدم على الكرة الأرضية(*)

يرى فريق من العلماء أنّ الصخور القديمة المكتشفة في
شمال كندا تزودنا بنافذة على مرحلة الكرة الأرضية المبكرة
وعلى منشأ الحياة ذاتها، بينما إلى حدٍ ما، لا يرى ذلك فريق آخر.

<C. زيمر>

 

 باختصار

  يمكن أن تكون الصخورُ المكتشفة حديثا على طول الحافة الشمالية الشرقية لخليج هدسون في كندا، هي الصخور الأقدم الموجودة على سطح الكرة الأرضية. ومع ذلك، يجادل العلماء فيما إذا كانت أعمار هذه الصخور تعود إلى ما قبل 3.8 بليون أو إلى ما قبل 4.4 بليون سنة. وسيضع العمرُ الأقدم الصخورَ على مقربة من زمن تشكل الكرة الأرضية.

وحل هذا الجدل يعتمد على تحسين طرائق تأريخ(1) الذرات في عينات صخرية صغيرة تشكلت على الكرة الأرضية البدائية.

فإذا كان عمر الصخور يعود إلى ما قبل 4.4 بليون سنة، فإنها قد تُوفّر بذلك أدلة قوية حول كيف أخذ سطح الكرة الأرضية شكله عند نشوء المحيطات وكيف بدأت الحياة بصورة مبكرة بعد تلك الأحداث.

 

 

لا يبدو حزام صخور نوڤواگيتاك(2) الخُضُر على أنه ساحة معركة.

يقع حزام صخور نوڤواگيتاك الخُضُر في منطقة هادئة منعزلة عن العالم ويمتد إلى طول الحافة الشمالية الشرقية من خليج هدسون في كندا، ويبعد نحو 20 ميلا عن إنوكجواك(3)، المستوطنة البشرية الأقرب. وبدءا من الشاطئ، ترتفع الأرض على شكل تلال منخفضة، بعضها مغطى بالأشنيات lichens، وسطوح بعضها الآخر كانت قد تعرضت للتعرية بفعل جليديات العصر الجليدي. وتتمتـّع الصخور المتكشفة بجمال امتدادها وببناها المطوية المعقدة. فلون بعضها رمادي وأسود، تخترقه عروق فاتحة اللون وبعضها الآخر وردي اللون، يتلألأ بأحجارالعقيق. وفي معظم أيام السنة تزور هذه المنطقة الوعولُ والبعوض فقط.

لكن هذا الموقع الهادئ هو في الواقع ساحة معركة – ساحة معركة علمية. فعلى مدار عشر سنوات تقريبا زارت فرقٌ متنافسة من الجيولوجيين مستوطنة إنوكجواك واستخدمت الزوارق لتحميل معدات التخييم وتجهيزات المختبرات وشقت طريقها ببطء على طول ساحل الخليج إلى حزام الصخور الخُضُر. وكان هدف هذه الفرق: البرهان فقط على عمـر هذه الصخور. وفريق من هذه الفـرق، يترأسه <J .S. موجزسيس> [الجيولوجي من جامعة كولورادو] وهو واثق من أن عمر هذه الصخور يعود إلى ما قبل 3.8 بليون سنة. وهذا عمر قديم جدا، ومع ذلك لم يتم التحقق منه.

في حين يعتقد <J. أونيل> الذي يقود الفريق المنافس في جامعة أوتاوا، أنّ صخور نوڤواگيتاك الخُضُر تشكلت قبل 4.4 بليون سنة. وهذا ما يجعلها الصخور الأقدم على الإطلاق على الكرة الأرضية. وهذا ليس بأقل الأشياء، فالصخور القديمة ستخبرنا أيضا كيف تشكل سطح الكوكب في مراحله الأولى العنيفة وكيف ظهرت الحياة فيها سريعا بعد ذلك – وهو الفصل الجوهري لسيرة الحياة على الكرة الأرضية التي بقيت حتى الآن بعيدة المنال.

لقد كان النصف بليون سنة الأول من تاريخ تشكُّل الكرة الأرضية – أي ما قبل 4.568 بليون سنة إلى أربعة بلايين سنة – هو الزمن الذي سقطت خلاله مياه الأمطار لتشكيل المحيطات، وارتفعت اليابسة الأولى فوق سطح البحر لتشكيل القارات. وكان أيضا الزمن الذي سقطت وتحطمت خلاله المذنبات والكويكبات على الكرة الأرضية، وهو أيضا الزمن الذي اصطدم فيه كوكب جانح بحجم المريخ بكوكبنا، لتشكيل القمر من الحطام. وبحوزة علماء الجيولوجيا عدد قليل جدا من الأدلة حول توقيت(4)  هذه الأحداث، كالعدد القليل من بقع من المعادن التي قد تشير إلى أنّ المحيطات كانت قد تشكلت قبل تشكل القمر. إنهم يجدون أنفسهم في الوضعية نفسها كَكُتـّاب سير فلاسفة يونان قدماء، يحاولون الحصول على أكبر قدر من الدلالات meanings من قراءة نُتف ورَق وقصص من الشماع.

وإذا كان <أونيل> محقا وأنّ عمر صخور نوڤواگيتاك الخُضُر هو بالفعل يعود إلى ما قبل 4.4 بليون سنة، فلن تُقرأ هذه الدلالات مثل قراءة النتف وإنما مثل قراءة كتب بأكملها. وتنتظر الآلاف من فدادين acres  المعادن الدراسةَ والتي ربما تحمل إجابات عن أسرار طال أمدها. فهل يا ترى بدأت حركات الصفائح التكتونية plate tectonics فعلها في وقت مبكر، أم أنّ الكرة الأرضية تطورت إلى حالة متقدمة منذ مئات الملايين من السنين قبل أن تبدأ قشرة crustt القارات والمحيطات بالتحرك والتجوال؟ كيف كانت كيميائية المحيطات الحديثة التشكل وكيميائية الغلاف الجوي؟ وكم من الزمن انقضى قبل ظهور الحياة بعد تَشكل الكرة الأرضية؟

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2014/07-08/2014_07_08_20_b.jpg

 

وأمّا إذا كان رأي <موجزسيس> هو الصائب، فسيبقى الفصل المبكر من تاريخ الكرة الأرضية مبهما في الوقت الراهن. وإذا كان رأي <أونيل> هو الصحيح، فستكون صخور نوڤواگيتاك الخُضُر من أغنى الكنوز النفيسة في الجيولوجيا.

محبوسة في الصخر(**)

عموما، فقد نشأت صخور نوڤواگيتاك الخُضُر، مثل الصخور التي تشكل جزءا كبيرا من قشرة الكرة الأرضية، وفق إحدى طريقتين اثنتين. ففي بعض الحالات، ترسبت الجسيمات الدقيقة في قاع المحيطات، وانضغطت تدريجيا إلى طبقات من الصخور الرسوبية. وفي حالات أخرى، صعدت الصهارة(5)magma المنصهرة من وشاح mantle الأرض وتبردت وتبلورت إلى صخور نارية أثناء صعودها إلى السطح.

وبقيت أجزاء صغيرة فقط من قشرة الأرض القديمة في أمكنتها سليمة: مثل صخور نوڤواگيتاك، في حين اختفت البقية الأخرى. فقد تآكلت بعض الصخور ببطء بفعل الأمطار والرياح وعادت مرة أخرى إلى المحيطات لتترسب من جديد. كما انتقل الكثير من الصخور وانغرز تحت قشرة الأرض بفعل حركة الصفائح التكتونية في وشاح الأرض الساخن، حيث كانت الصخور تنصهر، مزيلة بذلك كيانها الأصلي شأنها في ذلك شأن مكعبات الثلج عندما تقذف في بركة من المياه الدافئة، لتختلط ذراتها في الصهارة وترتفع مرة أخرى كصخر جديد حديث التشكل.

لقد أزيلت صخور الكرة الأرضية المبكرة أيضا بفعل سقوط الكويكبات العملاقة التي اجتاحت الأرض وصهرت أجزاء كبيرة من قشرتها. فقد حدث قبل نحو 4.4 بليون سنة تصادم – سُمِّي «التصادم العملاق» The Giant Impact – الذي قذف كمية كبيرة من المواد إلى مدار حول الأرض، الذي أصبح القمر. وحسب قول <W .R. كارلسون> [من معهد كارنيگي للعلوم]: «ربما أدى التصادم العملاق إلى حالة فوضى حقيقية على الكرة الأرضية». ويضيف: «ربّما كنتَ تتمنى لو لم تكن على الكرة الأرضية وإنّما كنت ترغب بمشاهدة ذلك من كوكب الزهرة.»

ونظرا لأنّ الكثير من الصخور القديمة تم تدميرها بطريقة أو بأخرى، فليس من المستغرب أن تكون عيّنات هذه الصخور نادرة. وهذا ما يفسر أهمية مكتشفات صخور نوڤواگيتاك الخُضُر وأنها تحظى بتقدير كبير – وبخلاف شديد أيضا، فقد وفّرت مواقع أخرى قليلة حول العالم عيناتٍ يعود عمرها إلى ما قبل 3.8 بليون سنة، وكان أقدمها عمرا من تندرا tundra نورث وست تيريتوريز(6)، التي يعود عمرها إلى ما قبل 3.92 بليون سنة.

وقد دفعت ندرة الصخور المبكرة الجيولوجيين إلى البحث عن أدلة أخرى على ما كانت عليه الكرة الأرضية في بضع مئات من ملايين السنين الأولى من عمرها. فبعض هذه الأدلة يتأتى من بلورات صغيرة تدعى الزركون zircons. وفي بعض الأحيان تتشكل هذه المعادن القاسية المؤلفة من الزركونيوم(7) أثناء تبرد الصهارة. وعندما تتآكل الصخور الناتجة منها في وقت لاحق، فإنّ بعض بلورات الزركون قد تبقى سليمة، حتى عند ترسبها بعد انتقالها واستقرارها ثانية على قاع المحيط واندماجها في صخور رسوبية أحدث منها عمرا.

ويمكن للروابط الكيميائية التي تشكل بلورات الزركون أن تحبس ذرات مشعة مثل اليورانيوم. ويعمل تلاشي تلك الذرات كموقِّت(8) يمكن أن يستخدمه الجيولوجيون لقياس عمر بلورات الزركون. كما تحبس هذه البلورات أيضا مواد كيميائية أخرى يمكنها أن توفـّر بعض الأدلة على ما كانت عليه الكرة الأرضية أثناء تشكلها. وبحسب قول <موجزسيس>: «فإنّ بلورات الزركون هي بلورات مدهشة لأنها تمثل وسيلة لتحديد الزمن(9)

وفي المناطق النائية بأستراليا عثر الجيولوجيون على صخور رسوبية تنتثر فيها بكثرة بلورات الزركون بالغة العمر. ويرجع عمر بعض بلورات الزركون (ولكن، ليس الصخور المحيطة بها) إلى ما قبل 4.4 بليون سنة، الأمر الذي يجعلها أقدم الآثار على الإطلاق للتاريخ الجيولوجي. ومنذ اكتشافها في عام 2001 استخلص العلماء معلومات رائعة من هذه الأحجار الكريمة الصغيرة. وتشير بنيتها إلى أن الصخور التي تشكلت في الأصل تصلبت على عمق أربعة أميال تحت سطح الأرض. وقد وجد <موجزسيس> وزملاؤه بصمات كيميائية أيضا تدل على وجود المياه في بعض بلورات الزركون الأسترالية.

والمعلومات التي يمكن أن يستخلصها العلماء من بلورات الزركون الرسوبية هي أفضل بكثير من لا شيء، ولكنها أقل بكثير مما يمكن أن يستخلصوه من الصخور الأصلية التي تشكلت فيها بلورات الزركون. وتحتوي هذه الصخور على العديد من المعادن الأخرى إلى جانب بلورات الزركون التي يمكنها أن تكشف مجتمعة الكثيرَ ممّا كانت عليه الكرة الأرضية عند تشكلها. ويقول <L. هيرمان> [من جامعة ألبرتا]: «ما لم تكن لديك هذه الصخور، فلن يكون لديك التاريخ الكامل»، وهذا ما يقودنا إلى العودة مرة أخرى إلى صخور نوڤواگيتاك الخـُضُر.

حظ مَحْض(***)

في أواخر التسعينات من القرن الماضي أطلقت حكومة إقليم كيبيك الكندي حملة جيولوجية واسعة النطاق لوضع أولى خرائط تفصيلية للمناطق الشمالية من الإقليم. وتتميّز هذه المناطق بجيولوجية متطبقة مثل طبقات البصل مؤلفة من نوى من قشرة قارية قديمة العمر تحيط بها طبقات من صخور أحدث عمرا. لقد تمّ البرهان على أن الكثير من هذه الصخور يعود عمرها إلى ما قبل 2.8 بليون سنة. ولكن <P. نادو>، الذي كان يُحضِّر الدكتوراه حينئذ في جامعة سايمون فريزر في كولومبيا البريطانية، جلب عينة يعود عمرها إلى ما قبل 3.8 بليون سنة. وبمصادفة سعيدة، كان قد أُرسل إلى حزام صخور نوڤواگيتاك الخُضُر. «يشبه اكتشاف هذه الصخور سـقوط جـوهرة في حضني»، هذا مـا صرّح به <R. ستيڤنسون> زميل <نادو> إلى الإذاعة BBCفي عام 2002 بعد أن نشرا نتائج دراساتهما.

لقد بدأ جيولوجيون آخرون بالقيام برحلة طويلة إلى صخور نوڤواگيتاك الخُضُر. وكان من بين هؤلاء الجيولوجيين <أونيل>، الذي نال شهادة الدكتوراه من جامعة ماكگيل، فقد أبهره التشابه الكيميائي بين صخور نوڤواگيتاك والصخور التي يعود عمرها إلى 3.8 بليون سنة في گرينلاند، وخمّن أنهما ينتميان إلى الكتلة الأرضية القديمة نفسها.

ولسبر كيميائية الصخور، فقد تعاون <أونيل> مع <كارلسون> [من معهد كارنيگي]، وهو خبير بالقياسات الدقيقة للصخور القديمة. والطريقة الوحيدة الواضحة لتحديد فيما إذا كانت صخرة معينة من صخور نوڤواگيتاك هي قديمة أم لا هي تأريخها(10). ومن أجل ذلك، يقوم العلماء بتعداد وتحديد مستويات النظائر المشعة المحبوسة داخل الصخر. فالنظائر المشعة هي عبارة عن اختلافات للذرات التي كانت جزءا من السحابة الغبارية التي منها تشكّل نظامنا الشمسي. فقد أصبحت هذه النظائر مندمجة في صخور الكواكب والنيازك المتصلبة، وعندما تبلورت الصخور على الكرة الأرضية، أصبحت تلك النظائر محبوسة في داخلها. ومع مرور الزمن تتلاشى النظائر تدريجيا بسرعة زمنية منتظمة. ومن ثمّ يكشف قياس المستويات المتبقية في الصخر في الوقت الحاضر عن عمره.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2014/07-08/2014_07_08_22_a.jpg
http://oloommagazine.com/Images/Articles/2014/07-08/2014_07_08_22_b.jpg
حجر الخلاف: يصرّ <J. أونيل> (إلى اليمين) على أنّ عمر الصخور يعود إلى ما قبل 4.4 بليون سنة. بينما يقول <J .S. موجزسيس> أنّ عمرها يعود إلى ما قبل 3.8 بليون سنة.

 

ففي مختبر معهد كارنيگي، حدّد <أونيل> و<كارلسون> تراكيز النظائر المختلفة، عندما أدركا أنّ شيئا ما كان غريبا جدا في عينات صخور نوڤواگيتاك. وكان من بين هذه النظائر ما يعرف باسم النيوديميوم 142(11). فهو يتشكل من تلاشي السماريوم 146 (12). ولا يوجد سماريوم 146 طبيعي على الكرة الأرضية، لأن عمر النصف(13) لهذا النظير قصير، فهو 688 مليون سنة فقط وذلك وفق بعض التقديرات. ويقول <كارلسون>: «لقد اختفى منذ فترة طويلة، فقد كان السماريوم 146 موجودا عندما تشكلت الكرة الأرضية حيث تم حقنه بالـمُستعِر الأعظم supernova الذي ابتدأ النظام الشمسي. ولكنه تلاشى بعد ذلك متحللا خلال 500 مليون سنة.»

فقد وجد <كارلسون> وزملاؤه أن صخور نوڤواگيتاك المختلفة فيها نسب مختلفة من النيوديميوم 142 ونظائر نيوديميوم أخرى. ويمكن لهذا الاختلاف أن يتحقق إذا تشكلت الصخور فقط في وقت كان لا يزال هناك سماريوم 146 على الكرة الأرضية. فقد قارن <أونيل> و<كارلسون> وزملاؤهما هذه النسب لتقدير عدد السنوات الماضية التي انقضت منذ أن تشكلت هذه الصخور. لقد كان هذا العدد هو: 4.28 بليون سنة وهو لم يكن من بين أعداد السنين التي كانوا يتوقعونها. وهذا ما أدهشهم، فقد اكتشفوا الصخور الأقدم على الكرة الأرضية.

ويقول <أونيل> : «في الواقع، لم نكن قط نتوقع اكتشاف هذا العدد» وقد أعلن هو وزملاؤه اكتشافهم في عام 2008. ومنذ ذلك الحين قاموا بتحليل عينات أخرى وقدروا الآن أن صخور نوڤواگيتاك الخُضُر هي أقدم مما قبل 4.4 بليون سنة.

 

[عُمر التمييز]

كيف نؤرخ عمر صخرة من الصخور(****)

  يمكن لقياس مستويات الذرات في صخرة أن يكشف عن عمرها. فعندما تتصلب الصخور لأول مرة من مواد صهارية، فهي بذلك تحبس داخل بنيتها أشكالا مختلفة، أو نظائر، من ذرات مشعة. وتتلاشى النظائر المشعة ببطء على مدى ملايين السنين بمعدل زمني ثابت تنفرد به متحولة إلى نظائر أخرى. فعلى سبيل المثال، يتلاشى السماريوم 147 («النظير الأم») إلى النيوديميوم 143 («النظير الوليد»). ولذلك يقل عدد ذرات النظير الأم تدريجيا، ويزداد عدد ذرات النظير الوليد.

وكذلك تنحبس أيضا بعض الذرات المستقرة المرتبطة بالذرات الوليدة: مثل النيوديميوم 144. ولا تتلاشى الذرات المستقرة، وبالتالي تبقى وفرتها على حالها مع مرور الزمن. ويؤدي رسم نسبة ذرات الأم إلى الذرات المستقرة ورسم نسبة الذرات الوليدة إلى الذرات المستقرة لمعادن مختلفة في الصخر إلى الحصول على خط بياني (في الأعلى إلى اليسار). ويعطي انحدار هذا الخط عمر الصخور: فكلما كان الخط أكثر انحدارا، كان التلاشي أسرع، وبالتالي كان عمر الصخر أقدم.

وقد استخدم الباحثون العديد من مثل هذه الطرائق لتأريخ صخور حزام صخور نوڤواگيتاك الخُضُر في كندا. وبالطبع فهناك دوما هامش قليل من الخطأ، وبالتالي قاموا بتقييم نتائج طريقة أكثر تعقيدا تقارن بين مُوقّتين: نسبة اليورانيوم 238 إلى نسبة الرصاص 206 ونسبة اليورانيوم 235 إلى نسبة الرصاص 207.

وغالبا ما يستخدم علماء الآثار طريقة «التأريخ بالكربون المشع»(14) الشهيرة التي تعمل على مبدأ مشابه، ولكن بسبب تلاشي نظير الكربون 14 بسرعة نسبيا، فإنه يشير إلى عمر ما قبل نحو 000 60 سنة فقط.

محررو ساينتفيك أمريكان

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2014/07-08/2014_07_08_23.jpg

 

 

صخور قديمة أو أنها الأقدم على الإطلاق؟(*****)

أعلن <أونيل> وزملاؤه لأول مرة عن نتائجهم في المؤتمر الجيولوجي الذي عقد في ڤانكوفر. فما زال <موجزسيس> يتذكر الصدمة التي شعر بها عند سماعه الأخبار: «لقد أصبتُ بدهشة عارمة عندما نظرتُ حَوْلي ورأيت الناس مذهولين. أعتقد، أنّ هذا أمر مستغرب.»

كان لدى <موجزسيس> سبب معين لدهشته. فقد كان من بين الجيولوجيين القلائل الذين سافروا إلى حزام صخور نوڤواگيتاك لمتابعة بحث <نادو>. لقد حدّد <موجزسيس> وزملاؤه عرقا من الصخور النارية كانت قد اخترقت عبر قشرة الأرض بعد تشكلها. فقد تبيّن لهم أن هذا العرق يحتوي على بلورات الزركون. وعند عودة <موجزسيس> إلى بيته في ولاية كولورادو، حدّد هو وزملاؤه عمر بلورات الزركون على أنه يعود إلى ما قبل 3.75 بليون سنة – وتتطابق هذه النتيجة بشكل جيد مع تقديرات <نادو> الأصلية وهي 3.8 بليون سنة.

ويجابه <أونيل> الآن <موجزسيس> وبقية المجتمع العلمي معلنا أنّ عمر صخور نوڤواگيتاك هو أقدم بنصف بليون سنة.

لقد طلب <P. بوردون> [مساعد <موجزسيس> من المدرسة العليا للأساتذة في ليون بفرنسا] بعض عينات <أونيل> وأعاد اختبارها مرة أخرى. وكانت قياسات النيوديميوم صحيحة. ومع ذلك، «لا يزال الأمر لا يعنيني،» كما يقول <موجزسيس>.

وهكذا، عاد <موجزسيس> في عام 2011 مع طلابه إلى منطقة صخور نوڤواگيتاك الخضُر لمزيد من دراسة الموقع. فقد قاموا بوضع خريطة للأراضي وطبقات الصخور التي أخذت منها عينات <أونيل> التي تم تأريخها. لقد رأوا في هذه الصخور التي سبق وأعلن أنّ عمرها يعود إلى ما قبل 4.4 بليون سنة، عروقا من الكوارتزيت بلون أخضر فاتح. وقد قرر <موجزسيس> أن تلك العروق وفرت وسيلة لاختبار ما إذا كانت صخور نوڤواگيتاك الخضُر هي الأقدم على هذا الكوكب.

لقد رأى الجيولوجيون ترتيبات مماثلة في تكوينات صخرية أحدث عمرا بكثير. وتلك التكوينات تحدث عندما تنشر البراكين تحت الماء صخورا منصهرة على قاع المحيطات. وأحيانا تخمد البراكين وتترسب الرواسب الواردة من اليابسة فوق الصخور النارية. وبعد ذلك تثور البراكين من جديد، وتدفن الصخور الرسوبية تحت طبقة طازجة من الصخور النارية.

وإذا كان الأمر كذلك في صخور نوڤواگيتاك الخضُر، فقد جاءت عروق الكوارتزيت من رواسب كتل اليابسة القديمة خلال واحدة من فترات الخمود البركاني. وإذا كان الكوارتزيت يحوي بلورات الزركون، فسيكون لهذه البلورات عمر أقدم بكثير من عمر الصخور البركانية المحيطة لأن لهذه البلورات تاريخا أطول.

«لقد زحفنا على أيدينا وركبنا على العديد من التكشفات الصخرية»، حسب قول <موجزسيس>. وبعد أيام من العمل المضني، وجدوا بقعتين من بقع الكوارتزيت مع بلورات الزركون – أعطت إحداها آلافا من المعادن الصغيرة. وعندما أحضروا تلك البلورات من الزركون إلى كولورادو، وجد <موجزسيس> أنّ عمرها يعود إلى ما قبل 3.8 بليون سنة. وهذا ما كانوا لا يتوقعون وجوده في صخور يعود عمرها إلى ما قبل 4.4 بليون سنة.

لقد عالج فريق <موجزسيس> أيضا مسألة عمر صخور نوڤواگيتاك الخضُر من نواحٍ علمية أخرى. فقد استخدموا مُوقّتا clock آخر لتأريخ الصخور يعتمد، على سبيل المثال، على تلاشي اللوتيثيوم lutetium إلى الهافنيوم hafnium. ومرة أخرى، جاءت النتائج مطابقة لـِ 3.8 بليون سنة.

لقد قادت جميع هذه الأدلة <موجزسيس> إلى وصف جديد لصخور نوڤواگيتاك الخضُر. فمنذ نحو ما قبل 4.4 بليون سنة، صعدت بعض الصخور المنصهرة نحو سطح الأرض وأصبحت صلبة. وعند تبلورها، حبست بعض السماريوم 146 المشع القصير العمر الذي كان لا يزال موجودا في صخور الكرة الأرضية المبكرة. ولكن عادت، بعد ذلك، قشرة الأرض القديمة وانغرزت في وشاح الأرض. الأمر الذي أدّى إلى رفع درجة حرارة هذه المواد إلى نقطة لم تعد فيها على شكل صخور، إلا أنها لم تختلط كليا بوشاح الأرض المحيط بها. فقد بقي القليل منها على شكل بقع متميزة بمستويات غريبة خاصة بها من النيوديميوم. وأخيرا، وبعد 600 مليون سنة، دفع نشاط بركاني هذه المواد مرة أخرى إلى سطح الأرض، لتشكل صخورا تتضمّن بعض البقع القديمة، ومنها تلك التي تحمل بصمة يعود عمرها إلى ما قبل 4.4 بليون سنة مضت.

«ويمكن لتلك الصخور المنصهرة نفسها أن تكون لها ذاكرة لوجود سابق،» بحسب قول <موجزسيس>. وكنتيجة لذلك، يمكن للصخور التي عمرها فقط ما قبل 3.8 بليون سنة أن تُبدي بصمة يعود عمرها إلى ما قبل 4.4 بليون سنة.

تم توضيح غموض بلورات الزركون(******)

قدّم <موجزسيس> وزملاؤه تلك النتائج في المؤتمرات الجيولوجية، وأحيانا في الجلسات نفسها التي كان فيها <أونيل> يقدم وجهة نظره المعارضة – بأنّ الصخور تشكلت ما قبل 4.4 بليون سنة، وأنها بقيت هناك ببساطة منذ ذلك الحين في قشرة الكرة الأرضية. فقد عاد فريق <أونيل> إلى منطقة صخور نوڤواگيتاك الخضُر لدعم مجموعته من الصخور القديمة بنحو 10 إلى 50 عينة. ولم تتعارض أي من البيانات الجديدة مع التقدير الأصلي لعمر صخور الموقع. لقد رفض <أونيل> أيضا أدلة <موجزسيس> وزملائه التي استخدموها لدعم أنّ عمر صخور نوڤواگيتاك الخضُر يعود فقط إلى ما قبل 3.8 بليون سنة فقط. ويضيف <أونيل>: «لدينا خلافات قوية حول جيولوجيا المنطقة.»

لنأخذ طبقة الكوارتزيت حيث وجد <موجزسيس> بلوراته من الزركون. ففي التكوينات القديمة قِدَم صخور نوڤواگيتاك الخضُر، فليس من السهل تحديد أي نوع من الصخور يشكل تكوينا من التكوينات، بسبب شدة تشوهه على مدى بلايين السنين. في حين لا يعتقد <أونيل> أنّ نطاق الكوارتزيت هو كوارتزيت على الإطلاق. فهو يؤكّد، بدلا من ذلك، على أنه عرق من عروق الصهارة اندفع في الصخور القديمة التي يعود عمرها إلى ما قبل 3.8 بليون سنة. ومن ثم لا يدل عمر بلوراتها من الزركون على عمر الصخور المحيطة بها. ويقول <أونيل>: «لا يوجد شيء مستغرب أو غير عادي» حول صخوره، ويضيف: «إنها بالفعل قديمة.»

أما <هيمان> نفسه الخبير في الصخور القديمة، فيعتقد أنّ <أونيل> وزملاءه قاموا بعمل جيد. وأضاف «أعتقد أنّ أدلتهم كانت مقنعة، لقد بذلوا الجهد الكافي للقيام بهذا العمل.» ومع ذلك يعتقد <هيمان> أيضا أن الغموض سيستمر حتى يتمكن العلماء من إيجاد وسيلة أخرى لتأريخ الصخور. فمن الممكن أن يكون عدد قليل من المعادن قد انحبس في صخور نوڤواگيتاك الخضُر المتنازع عليها والتي تحتوي على اليورانيوم والرصاص. إنّ هذه التركيبة هي الوسيلة الأكثر موثوقية لتخبرنا عن الزمن القديم، لأن العلماء لديهم الخبرة الواسعة بهذه التركيبة وأضاف: «إذا استطاع شخص ما الذهابَ إلى هناك والعثور على المواد الصحيحة ومن ثم حصل على عمرها القديم، فربما تكون الأوساط العلمية عندئذ أكثر قبولا لفكرة وجود بعض قليل من قشرة الأرض القديمة قد تكشَّف هناك.»

متى تشكلت الحياة(*******)

إذا كان عمر صخور نوڤواگيتاك الخضُر هو في الواقع 4.4 بليون سنة، فإن <أونيل> يعتقد أنّ لهذه الصخور القدرةَ على فتح نافذة واسعة على الكرة الأرضية المبكرة لكونها قد تشكلت بعد التصادم العملاق Giant Impact بوقت قصير. لقد تشكلت بلورات الزركون الأسترالية أيضا في ذلك الزمن على أعماق عدة أميال في وشاح الأرض. ولكن <أونيل> يحاجّ في أنّ صخور نوڤواگيتاك الخضُر تشكلت على السطح. ويضيف بقوله: «تشبه جيوكيمياء هذه الصخور قاع المحيط.»

وإذا كان ذلك صحيحا، فهذا يؤكد أن الكرة الأرضية ضَمّت المحيطات بعد وقت ليس بالطويل من حدوث التصادم العملاق. فقد وجد <أونيل> أيضا أن كيمياء هذه الصخور تبدو مشابهة إلى حد بعيد لكيمياء صخور قاع البحر التي تشكلت في زمن أحدث بكثير. وهذا ما يوحي إلى أنّه عندما نشأت المحيطات الأولى في العالم لم تكن مختلفة اختلافا جذريا عما هي عليه في الوقت الحاضر. حتى أنّ <أونيل> يعتقد أنّ الصخور تُظهر علامات عن حدوث حركات للصفائح التكتونية، وهذا ما يشير إلى أنّ هذه العملية بدأت بصورة مبكرة جدا من تاريخ الكرة الأرضية.

وهناك وجهة نظر أكثر إثارة فيما لو تشكلت صخور نوڤواگيتاك الخضُر على قاع المحيط منذ ما قبل 4.4 بليون سنة: إذ يمكنها بذلك أن تسلط الضوء على أصل الحياة. فاقتفاء أثر الأحافير fossils في الوقت الحاضر يصبح عقيما فيما قبل 3.5 بليون سنة. أمّا في الصخور الأحدث من ذلك، فقد وجد العلماء بكتيريا محفوظة بينما لم يجدوا شيئا في الصخور الأقدم.

ومع ذلك، فإنّ الأحافير ليست هي الآثار الوحيدة التي يمكن أن تتركها الحياة وراءها. وعلى اعتبار أنّ البكتيريا تتغذى بالكربون، فيمكنها أن تُغيّر في توازن نظائر الكربون في بيئتها، ويمكن لهذا الاختلال(15) أن يُحفظ في الصخور التي تشكلت في ذلك الوقت. وقد ادعى بعض الباحثين أن الصخور التي يعود عمرها إلى ما قبل 3.8 بليون سنة في گرينلاند تحفظ هذا الاختلال، الذي هو بصمة من بصمات الحياة.

ولم يترك هذا الاختلال أي دليل على الحياة خلال فترة الـ 700 مليون سنة الأولى من وجود الكرة الأرضية. ولذلك لا يمكن للعلماء القول ما إذا كانت الحياة قد بدأت بداية سريعة على كوكب الأرض بعد فترة وجيزة من تشكله أم تأجّل ظهورها لعدة مئات الملايين من السنين. لقد كان على العلماء أن يعرفوا أيضا أين بدأت الحياة على هذا الكوكب. فقد اقترح بعض الباحثين أنّ ظهور الجزيئات البيولوجية قد تم في الصحاري أو في برك المد والجزر. وفي حين اعتبر آخرون أن ظهور هذه الجزيئات البيولوجية كان في الانبثاقات الحرارية المائية(16) hydrothermal vents في أعماق البحار التي كانت تشكل حضاناتها الأصلية.

وإذا كانت صخور نوڤواگيتاك الخضُر قد تشكلت على قاع المحيط منذ ما قبل 4.4 بليون سنة، فهي تشكل المادة المثالية لمعالجة هذه الأسئلة الكبيرة. ويأمل <أونيل> بالتعاون مع باحثين بمعرفة ما إذا كانت الصخور قد تشكلت في الانبثاقات الحرارية المائية. ويضيف بقوله: «لا يمكننا تجاهل هذه الصخور. إنها المكان المثالي لتشكل الحياة.»

إنّ العثور على أقدم آثار للحياة هو هاجس بالنسبة إلى <موجزسيس> أيضا، لكنه سوف لن يبحث عنها في صخور نوڤواگيتاك. وهو يضيف بقوله: «سوف أقضي بقية حياتي المهنية في متابعة هذا الهراء.»

ومع ذلك، لا يرى <موجزسيس> أي فائدة مهمة تنشأ عن خلافه مع <أونيل> والباحثين الآخرين. فعندما كانوا يتجادلون، كانوا عموما يطورون طرائق أفضل لتأريخ الصخور القديمة. «إنها حقا مناقشة رائعة»، بحسب قول <موجزسيس>. وفي النهاية، ستكون أجيال المستقبل من الجيولوجيين الذين يغامرون في مناطق نائية من العالم بحثا عن عينات غامضة قادرة على استخدام تلك الأساليب لكشف أسرار الكرة الأرضية المبكرة. ويتوافق حول هذه النقطة على الأقل كل من <أونيل> و<موجزسيس>. ويقول <أونيل>: «ربما تكون جميع هذه المحتبسات الصغيرة(17) من الصخور القديمة موجودة في كل مكان»، ويضيف: «إنها تغيب بالفعل بسهولة عن الأنظار.»

 

المؤلف

   Carl Zimmer
<زيمر> كاتب عمود في صحيفة نيويورك تايمز ومؤلف لثلاثة عشر كتابا، تتضمن «التطور: عمل معنى للحياة» Evolution: Making Sense of Life. وكان مقاله الأخير في مجلة ساينتفيك أمريكان حول انهيار الشبكات الغذائية. http://oloommagazine.com/Images/Articles/2014/07-08/2014_07_08_20_a.jpg

  مراجع للاستزادة

 

The Story of Earth. Robert Hazen. Viking, 2012.
Half a Billion Years of Reworking of Hadean Mafic Crust to Produce the Nuvvuagittuq
Eoarchean Felsic Crust. Jonathan O’Neil et al. in Earth and Planetary Science Letters, Vol. 379, pages 13–25; 2013.
Reduced, Reused and Recycled: Detrital Zircons Define a Maximum Age for the Eoarchean
(ca. 3750–3780 Ma) Nuvvuagittuq Supracrustal Belt, Quebec (Canada). Nicole L. Cates et al. in Earth and Planetary Science Letters, Vol. 362,
pages 283–293; 2013.

(*)THE OLDEST ROCKS ON EARTH

(**)IMPRISONED IN STONE

(***)SHEER LUCK

(****)How to Date a Rock

(*****)OLD—OR OLDEST EVER?

(******)ZIRCON MYSTERY EXPLAINED

(*******)WHEN LIFE FORMED

(1) أو: تحديد عُمر.
(2) Inukjuak
(3) Nuvvuagittuq

(4) أو: تأريخ.

(5) أو: المگما.
(6) الأقاليم الشمالية الغربية.

(7) zirconium

(8) clock أو: ساعة.

(9) time capsules

(10) أو: تحديد عمر تشكلها.

(11) neodymium 142

(12) samarium 146

(13) half-life

(14) radiocarbondating

(15) imbalance؛ أو: التغيير في التوازن.

(16) أو: الحرمائية.

(17) small enclaves

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى