أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أركيولوجيابشرعلم الأحياء التطوريعلم الإنسان

أهلا بكم في العائلة


أهلا بكم في العائلة(*)

تُبيِّن التحاليل الجزيئية الحديثة واكتشافات المستحاثات أن قصة
تطور الإنسان أعقد بكثير مما تصوره أي شخص، كما أنها أكثر إمتاعا.

<B. وود>

 

 باختصار

  كان يعتقد أن تتبع الأسلاف التطورية للإنسان العارف Homo sapiens ا(1)  أمر واضح  المعالم نسبيا: فإنسان القرد الجنوبيAustralopithecus ا(2) هو والد الإنسان المنتصب(3) Homo erectus، وهو والد إنسان نياندرتال Neandertal الذي هو والدنا.

إن الأحافير، ضمن قرائن أخرى، التي تم الحصول عليها من شرق إفريقيا خلال الأربعين سنة الماضية نسفت هذه الفرضية.

أظهرت أحدث الأدلة أن العديد من أنواع أشباه إنسان hominin species  المختلفين  تقاسموا الحياة على هذا الكوكب في أوقات مختلفة. وسيشغل اكتشاف الصلات الكائنة فيما بينها – وأيها أدى إلينا مباشرة – اختصاصيي علم الأحافير (المستحاثات)paleontologists لعشرات السنين.

 

 

«ما رأيك؟» هذا ما قاله <L. بيرگر>. فقد فتح للتو غطاءي صندوقين خشبيين كبيرين يحوي كل منهما عظاما متحجرة لهيكل عظمي شبيه بإنسان ومسجى بعناية، من مالاپا Malapa في جنوب إفريقيا. وهذان الشخصان، اللذان لفظا  أنفاسهما قبل مليوني سنة، أحدثا ضجة كبيرة. فمعظم الأحافير المكتشفة كانت «مبعثرة» – عظام فك هنا، وعظام قدم هناك. وعلى العلماء معرفة ما إذا كانت تلك القطع المبعثرة تخص الفرد نفسه. تخيل أنك تسير بجانب الطريق السريع ووجدت أجزاء من سيارات – رفرف سيارة(4) هنا، وجزءا من جهاز نقل الحركة هناك. فهل يعود هذان الجزءان إلى سيارة واحدة أو حتى إلى الشركة المنتجة نفسها؟ و ربما كان هذان الجزءان لا علاقة لهما بسيارة نهائيا وإنما هما قطع من شاحنة صغيرة؟

وعلى النقيض من ذلك، فإن الهيكلين العظميين من مالاپا، مع أنهما ليسا كاملين، سَليمان بالقدر الكافي لتقليص احتمالية الاختلاط العشوائي. فهما مثل «لوسي» Lucy (التي اكتشفت في إثيوبيا عام 1974) و «فتى توركانا»(5)Turkana Boy (الذي عثر عليه في كينيا عام 19844)، وقد كان لهذين الاكتشافين أهمية أكبر من كونهما مستحاثات(6)  أشخاص. وقد احتلت أخبارهما العناوين الرئيسية في الصحف ليس لأنهما كاملان ومحفوظان بشكل جيد، ولكن بسبب <بيرگر> [عالم متخصص بعلم المستحاثات في جامعة Witwatersrandبجوهانسبرگ] لأنه اقترح أن هذين الشخصين ينتميان إلى مجموعة سكانية كانت سلفا ancestral مباشرا لجنسنا genus، أي إنسان هومو Homo.

نحن جميعا لنا أسلاف. فأنا لي أحد الأبوين متقدم في السن وهو على قيد الحياة، ومن حسن حظي أنني عرفت أجدادي الأربعة كلهم، كما أنني أتذكر بصورة تقريبية ثلاثة من آباء أجدادي. ولي القليل من الأقارب الذين لهم صلة بنا لكنهم ليسوا أسلافا. وكنت أنا وأبي كلانا ابنين وحيدين، ولكن كان لي بضعة أخوال وخالات. إنهم جزء أساسي من شجرة العائلة لذرياتهم، ولكنهم بمصطلحات عائلتي يمثلون المقابل «للإضافات الاختيارية» على جسم السيارة. لذا أرادني <بيرگر> أن أتوقف عن الإعجاب بتفاصيل الأسنان والفكين وأن أفيده فيما كنت أعتقد أن هيكلي مالاپا هما المقابل التطوري لأبويَّ وأجدادي أم لأخوالي وخالاتي. وبمعنى آخر، هل ينتميان إلى مجموعة سكانية كانت سلفا مباشرا لنا أم أنهما مجرد أقارب ذوي صلة بالإنسان الحديث modern human؟

وعندما بدأتُ لأول مرة دراسة الحفريات البشرية في شرق إفريقيا منذ نحو خمسين عاما، كان المتعارف عليه أن جميع الأقارب المنقرضين ذوي الصلة بنا كانوا أسلافا مباشرين، وأنه كلما توغلت في القدم كان كل منها أقل شبها بالإنسان وأكثر شبها بالقردة. ولكننا نعلم الآن من الدراسات الجينية وأدلة الأحافير لإنسان نياندرتال Neandertal، وما يدعى الإنسان القزم Hobbit في فلوريس Flores ا(7) بإندونيسيا (Homo floresiensis) أن أسلافنا المباشرين قد وُجِدوا على هذا الكوكب بالاشتراك مع العديد من الأقارب ذوي الصلة خلال مئات آلاف السنين القليلة الماضية. وفضلا عن ذلك، فإن اكتشافات أحفورية أخرى بينت أنه في الماضي البعيد (من مليون إلى أربعة ملايين سنة خلت) كانت هناك فترات تجوَّل فيها أسلافنا على الأرض مع العديد من الأقرباء ذوي الصلة في الوقت نفسه. فوجود العديد من الفروع التطورية في فترة زمنية واحدة معينة تجعل تعرف الأسلاف المباشرين للإنسان الحديث أصعب مما توقعه المتخصصون بعلم المستحاثات حتى عشرين سنة خلت. وهذا التحدي يعني أيضا أن قصة تطور الإنسان في غاية من التعقيد وأنها أكثر إمتاعا مما أدركه معظمنا.

أهو فرع واحد أم عدة فروع؟(**)

وفي الوقت الذي دخلتُ فيه هذا الحقل عام 1968، كانت فكرة <شارس داروين> عن شجرة الحياة هي الوحيدة السائدة. وقد بيّن <داروين> أن عالَم الأحياء مترابط بعضه ببعض بالطريقة نفسها التي تتصل فيها فروع الشجرة ببعضها. وفي شجرة الحياة الداروينية توجد الأنواع الموجودة اليوم على السطح الخارجي للشجرة، والأنواع التي بادت جميعها تكون موجودة أقرب إلى الجذع. كما أن لكل فرد من الإنسان الحديث أسلافا، فكذلك كل نوع من الأنواع التي هي حية اليوم له أسلاف. فنظريا إذن، الفروع الوحيدة (أو الأنساب) التي ينبغي أن تكون على شجرة الحياة هي التي توصل ما بين النوع الحي نزولا إلى أعماق الشجرة، وأن الأنواع المنقرضة التي ينبغي أن تبقى ضمن شجرة الحياة هي تلك الموجودة على الأغصان الواصلة؛ وأي فروع أخرى فهي تمثل نهايات تطورية مسدودة.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2015/06-05/2015_06_05_21_b.jpg

 

وفي حالة الإنسان الحديث والقردة الحية، فإن هذه القاعدة تعني أن الفروع والأنواع التي يلزم أن تكون في الجزء الخاص بنا من الشجرة هي تلك التي تربطنا بالسلف العام الذي نتشارك فيه مع أنواع الشيمبانزي والبابون (الشيمبانزي القزم) bonobos، وهو كائن يعتقد الآن بناء على أساس الأدلة الجزيئية أنه عاش قبل ما بين ثمانية ملايين وخمسة ملايين سنة.

وفي الستينات من القرن العشرين، بدا فرع الشجرة الذي يؤدي إلى الإنسان الحديث واضحا إلى حد بعيد. ففي القاعدة كان إنسان القرد الجنوبيAustralopithecus الإنسان-القرد the ape-man الذي حصل عليه علماء المستحاثات في أواسط العشرينات بجنوب إفريقيا. ويعتقد أن الإنسان المنتصب Homoerectus من آسيا حل محله وهو أطول قامة وأكبر دماغا، وانتقل هذا إلى أوروبا وتطور إلى إنسان نياندرتال الذي تطور بدوره إلى ما يعرف بالإنسان العارفHomo sapiens (وهو ما قبل الإنسان الحديث). وقد تم تفسير كل ذلك على أنها أسلاف للبشر الحديثين modern humans (ما يقابل آبائي وأجدادي وأجداد أجدادي). والنوع الوحيد من أشباه إنسان hominin (الإنسان الحديث وأي أقرباء منقرضين أكثر شبها بالإنسان منهم للشيمبانزي أو البابون) دُعِي بالإنسان القوي(8) the robust australopiths نظرا لمتانة بنيانه وفكه الكبير وأسنانه القاضمة التي تصلح للمضع, وكان يظن أنه موجود على غصين قصير في غصن الإنسان، ومن ثم فهو يقابل الخال والخالة.

فقد تغير هذا التفكير عندما قام <L. و M. ليكي> باكتشافهما أشباه إنسان في مضيق أولدوڤاي Olduvai Gorge بتنزانيا مركز البحث عن أشباه إنسان التي عاشت قبل أكثر من مليون عام من جنوب إفريقيا إلى شرقها. وهذا التغير في المركز لم يكن بسبب ندرة اكتشافات الأحافير في شرق إفريقيا في أوائل الستينات من القرن العشرين والذي تحول إلى دفق غزير منها، وإنما أيضا لأن سياق الأدلة الأحفورية في شرق إفريقيا – خصوصا بالنسبة إلى ارتباطها بالتأريخ – كان مختلفا كثيرا عن مثيله في جنوب إفريقيا.

ففي جنوب إفريقيا، كانت معظم الأحافير – ولا تزال – لأشباه إنسان موجودة في الكهوف التي تتكون من صخور غنية بالدولميت dolomite (كربونات غنية  بالمغنسيوم). وعلى الرغم من أن الباحثين يجدون أحيانا هيكلا عظميا محفوظا بصورة جيدة لفرد (مثل ذلك من مالاپا)، فإن معظم أحافير أشباه إنسان المبكرة التي وجدت في تلك الكهوف كانت بقايا وجبات الفهود وغيرها من المفترسات. وتلك العظام والأسنان التي لم تؤكل جرفتها المياه داخل الكهف مختلطة بالتربة من السطح. وبمجرد دخولها الكهف، فإن التربة والعظام تشكل ما يسمى مخاريط تراكمية talus cones، وهي عبارة عن نسخة غير متقنة من المخاريط المنتظمة من الرمال في قعر ساعة رملية من الطراز القديم. ولا تتبع الطبقاتstrata في الكهف دائما القاعدة القائلة إن الطبقات القديمة في الأسفل والأحدث في الأعلى. وما زاد في تعقيد الأمر أن الباحثين حتى وقت قريب لم يتمكنوا من معرفة كيفية تأريخ الرواسب في الكهوف. وفي أوائل الستينات كان كل ما يستطيعه الباحثون هو وضع أشباه إنسان في تسلسل زمني غير دقيق وُضِع مسبقا بناء على أنواع حيوانات الأحافير التي وجدت في الكهوف.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2015/06-05/2015_06_05_22.jpg

 

وخلافا لذلك، فإن الدليل الأحفوري من شرق إفريقيا جاء من مواقع قريبة من الوادي المتصدع الشرقي(9) the Eastern Rift Valley الذي يشطر هذا الجزء من إفريقيا من البحر الأحمر شمالا على شواطئ بحيرة مالاوي Malawi وما بعدها جنوبا. وبدلا من العثور عليها في الكهوف عثر على أحافير أشباه إنسان من شرق إفريقيا في رواسب دفنت حول البحيرات أو على امتداد ضفاف الأنهار. ومعظم هذه الطبقات الصخرية يحتفظ باتجاه الحقل المغنطيسي الأرضي في الوقت الذي ترسبت فيه، ولأنها مواقع مكشوفة فإن الطبقات تمتزج بالرماد المنبعث من البراكين الكثيرة التي اندلعت داخل أو حول الوادي المتصدع الشرقي نتيجة لحركة الصفائح التكتونية. وهذه السمات تعني أن الباحثين سيجدون وسيلة لتعيين عمر الطبقات في كل موقع بصورة مستقلة عن الأحافير التي تحويها. وفضلا عن ذلك, فإن طبقات الرماد البركاني تعمل مثل سلسلة من البطانيات المدموغة بالتاريخ التي تفترش المنطقة؛ مما يساعد الباحثين على إيجاد علاقة بين الأحافير التي دفنت على بعد آلاف الأميال بعضها عن بعض.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2015/06-05/2015_06_05_23.jpg
الكنز المكتشف: يقوم الباحثون في جنوب إفريقيا بالتنقيب في موقع كهف مالاپا (في الأعلى)، حيث أمكن استخراج هيكلين عظميين كاملين (إلى اليمين) تقريبا لاثنين من أشباه الإنسان الأوائل early hominins عاشا قبل مليوني سنة.

 

والعديد من المواقع الأغنى بأحافير أشباه إنسان مثل المواقع الموجودة في حوض أومو-توركانا Omo-Turkana وأبعد من ذلك شمالا على امتداد نهر أواشAwash تحوي طبقات تمثل في الزمان ملايين السنين. ومن ثم أصبح من الممكن تعيين حد أدنى لتاريخ «البداية» و«النهاية» لكل مجموعة معينة من أحافير أشباه إنسان. وهذه الخصوصية تجعل من الواضح أنه حتى داخل شرق إفريقيا – دَعْك من المنطقة بين شرق إفريقيا وجنوبها بعيدا – كانت هناك أزمنة قبل مليون إلى أربعة ملايين سنة أقام فيها أكثر من نوع (وفي بعض الفترات العديد من الأنواع) من أشباه إنسان في الوقت نفسه. وعلى سبيل المثال، فطوال مليون سنة (قبل 2.3 إلى 1.4 مليون سنة) عاش في المنطقة نفسها بشرق إفريقيا نوعان مختلفان من أشباه إنسان هما: إنسان كسار البندقParanthropus boisei والإنسان الماهر Homo habilis. وهما مختلفان لدرجة أن مرشدا سياحيا في حقبة ما قبل التاريخ كان بإمكانه أن يفرق بين جمجمتيهما وأسنانهما مهما كان الدليل الأحفوري مجزأً. ومن الواضح أيضا أن أشباه إنسان في مواقع شرق إفريقيا تختلف عن تلك في جنوب إفريقيا – سنذكر المزيد عن ذلك لاحقا.

إن وجود الدليل على تواجد لإنسان كسار البندق والإنسان الماهر في الطبقات التي تسجل آلاف السنين لا يعني بالضرورة أن هذين النوعين من أشباه إنسان كانا يتعاقبان على حفرة المياه نفسها. ولكنه يعني بالتأكيد أن أحد أشباه إنسان هذين أو كليهما ليس سلفا للإنسان الحديث. وعلى الرغم من أن الأدلة المستمدة من المراحل المتقدمة جدا من تطور الإنسان تتفق مع وجود قدر ضئيل من التهجين بين سلالتي إنسان نياندرتال والإنسان الحديث، ففي رأيي الشخصي أن الاختلافات الفيزيائية الكبيرة بين إنسان كسار البندق وبين الإنسان الماهر تدل على أن التهجين بينهما أمر أقل احتمالا بكثير. وحتى إذا حدث ذلك، فإنه لم يكن ليطمس إلا قليلا من الاختلافات الجوهرية بين هذين النوعين. وبعبارة أخرى، لم يعد من المناسب تخيل صورة فرع وحيد بسيط لتمثيل البشر قبل بضعة ملايين عام. فأسلافنا الأوائل يبدون مثل عصبة من غصينات – وربما يعتقد البعض أنها تبدو كشجيرة متشابكة الأغصان.

وهناك أدلة على تعدد الأنساب في ماضينا الأقرب، فإنسان نياندرتال، على سبيل المثال، جرى تعرفه كنوع مستقل لمدة 150 عاما، وبمرور الزمن اكتشف الباحثون المزيد من الطرق، فعرفوا أن هذين الشبيهين بالإنسان يختلفان عن الإنسان الحديث. وإننا نعلم أيضا أن شبيها ثالثا للإنسان وهو الإنسان المنتصب(10) ربما بقي حيا فترة أطول مما اعتقدناه أصلا وأن الإنسان القزم، على الرغم من عزلته في جزيرة فلوريس، هو من المؤكد نوع رابع من أشباه إنسان الذي عاش على الأرض خلال 000 100 سنة الماضية. وهناك دليل على وجود نوع مميز خامس من أشباه إنسان منقرضين وهو إنسان دنيسوڤان(11)Denisovans، فقد أتى هذا الدليل من تحليل دنا DNA قديم مستخلص من عظمة إصبع عمرها 000 40 سنة. وقد ظهر دليل على وجود نوع آخر على الأقل من «نسب شبحي» ghost lineage من دنا إنسان حديث، ما زال على قيد الحياة منذ 000 100 سنة. وهكذا، فإن تاريخنا التطوري الحديث هو أكثر «تشجرا» مما اعتقد الناس حتى قبل عشر سنوات.

وقد لا يكون اكتشاف التشجر هذا في تطورنا أمرا مفاجئا. فالوجود العصري للعديد من الأنواع المرتبطة ببعضها يبدو أنه هو القاعدة في ماضي العديد من فصائل الثدييات؛ فلماذا لا يكون الأمر مشابها لأشباه إنسان؟ ومع ذلك، فمنتقدو شجرة العائلة المتغصنة اتهموا علماء الأحياء القديمة والأنثروبولوجيا بأنهم متحمسون بصورة مبالغ فيها لتعيين هوية أنواع جديدة من مكتشفاتهم – ويفترضون أن ذلك من قبيل رغبة علماء الأحافير في الشهرة والحصول على المزيد من التمويل لأبحاثهم.

أما أنا (المؤلف)، من ناحية أخرى، فإنني أعتقد جازما أننا نتعامل على الأغلب مع ظاهرة حقيقية. أولا، هناك أسباب وجيهة ومنطقية للاشتباه بأن الدلائل الأحفورية دائما تقلل من تقدير عدد الأنواع. ثانيا، إننا نعلم من الحيوانات الحية أن العديد من الأنواع غير المختلف عليها يصعب تمييزها باستخدام العظام والأسنان، أو ما تُسمى نسجاً صلبة hard tissues، وهي كل ما تبقى في السجلات الأحفورية. وإضافة إلى ذلك، فإن أغلب أنواع الثدييات التي كانت حية قبل ثلاثة ملايين إلى مليون سنة ليس لها أحفاد مباشرة حية. فوجود العديد من أشباه إنسان التي عاشت قديما من دون وجود أحفاد مباشرة حية، مثل الكثير من الثدييات، ليس أمرا شاذا.

تُظهر الأدلة الجينية والأحفورية أن أنواعا ذات ارتباط وثيق فيما بينها من أشباه إنسان تشاركت في هذا الكوكب مرات عديدة في الملايين القليلة الماضية؛ مما يجعل تعرف الأسلاف المباشرين للإنسان الحديث أصعب مما توقعه العلماء حتى قبل 20 سنة.

 

وإذا صح أن أشباه إنسان تنوعوا كثيرا في ماضيهم، فحري بالبيولوجيين كشف الضغوط التطورية التي حفزت ذلك. والطقس هو أحد أبرز هذه العوامل، فأنواع الطقس تتغير ومن ثم يتغير الموطن الطبيعي بمرور الزمن وله توجهات، وهو يتذبذب ضمن هذه التوجهات. وبصورة عامة خلال الفترة التي نأخذها في الاعتبار، هناك توجه نحو أحوال جو أبرد وأكثر جفافا، ولكن ضمن هذا التوجه يتغير الطقس في فترات يمكن توقعها، بحيث يكون أدفأ وأرطب وفي فترات أخرى يكون أبرد وأكثر جفافا. وإن نمط جسم الإنسان وحركته وغذائه التي كانت صالحة في وقت معين ربما لا تصلح في وقت آخر. وهناك ضغط آخر يوجب تباين أشباه إنسان وهو التنافس فيما بينها: إذا تشارك نوعان من أشباه إنسان في موطن ما حتى ولو بصورة عامة جدا، فقد يحاول أحدهما إجبار الآخر على تبني استراتيجيات مختلفة للبقاء. وهذه الظاهرة المسماة «إحلال صفات»(12) ربما تفسر كيف انتهى بالإنسان الماهر وبإنسان كسار البندق أن يختلفا عن بعضهما في الأسنان والفكين ذلك الاختلاف الجسيم، فبينما يفضل أحدهما الأغذية ذات الألياف مثل الحشائش يميل الآخر إلى أكل الفواكه الألين والأصعب في العثور عليها، فضلا عن وجبات نادرة من اللحوم أو نقي العظم. وكذلك، عندما طور أشباه إنسان طرائق حضارية مختلفة، تغيرت نظراتهم للمجتمعات البشرية وعاداتها فأثر ذلك سلبا في الأنواع المدمجة التي نشأت نتيجة للتهجين فيما بينها.

وإضافة إلى الاختلافات التشريحية، يستطيع الباحثون الآن تحليل الأحافير على المستوى الجزيئي. غير أنه عندما نصل إلى أشباه الإنسان الأوائل early hominins – الذين ليست لدينا حتى الآن أدلة جينية لهم – فإن تمييز  ما يقابل أبويّ وأجدادي وأجداد أجدادي مما يقابل أخوالي وخالاتي لا يزال تحديا. فمجرد أن أحفورتين لهما أسنان وفكّان متشابهة في الشكل لا يعني أنهما يشتركان في تاريخ تطوري حديث. فمثل هذه التداخلات قد تحدث بسبب تحديات بيئية متشابهة أدت إلى حلول تشكلية(13) متماثلة. فعلى سبيل المثال، الفأس التي تصميمها يفيد في جرح أشجار الصمغ في أستراليا يمكن استخدامها في قطع الأخشاب الصنوبرية في شمال أوروبا، وربما توصل الأستراليون والأوروبيون إلى التصميم نفسه من دون معرفة مسبقة بينهما. ونحن نعلم أن التشكل ليس قابلا للتطور اللانهائي – فلكل نوع حيواني أو نباتي عدد محدد من الحلول التشريحية أو الفيزيولوجية لمواجهة التحدي البيئي نفسه. وهكذا، فإن اكتشاف صفة مشتركة في أحافير لنوعين مختلفين لا يعني بالضرورة أنهما من حيث التصنيف رفيقان مباشران؛ فربما كانا مجرد قريبين ذوي صلة التقيا على الحل الفيزيائي نفسه لتحد بيئي متشابه.

http://oloommagazine.com/Images/Articles/2015/06-05/2015_06_05_25.jpg
اكتشاف توركانا: جمجمة متحجرة لفتى من الإنسان المنتصب Homo ergaster عاش في كينيا ومات فيها قبل 1.6 مليون سنة.

 

إذن، ما الذي يحمله المستقبل لتعرف أسلافنا المباشرين؟ إنني عازم على أن أمضي خطوة أبعد مؤيدا الرأي القائل إن العديد من أشباه إنسان جالوا في الكوكب في الوقت نفسه. وإنني أتوقع أن الزيادة في تنوع أشباه البشر التي تم التعرف عليها في الملايين الأربعة المنصرمة، سوف نجد أنها تمتد أزمنة أقدم من ذلك. وأعزو ذلك جزئيا، إلى قلة تعمق الباحثين التعمق الكافي أو أنهم لم يصرفوا الوقت الكافي للتعرف على أشباه إنسان الذين عاشوا في أزمنة أقدم. ومن ثم استكشفوا مواقع أقل ترجع إلى فترة أقدم من أربعة ملايين سنة مما هو أحدث. وإنني أعترف أن هذا العمل شاق. فأشباه إنسان تعد من الثدييات الأندر في السجل الأحفوري. وعليك أن تفتش – بين الكثير من أحافير الخنازير والظباء – لكي تعثر على أشباه إنسان عرضية. ولكن إذا تضافرت الجهود المبذولة للعثور عليها، فسيعثر عليها حتما.

وسبب آخر للتنبؤ بأن أنواع أشباه إنسان الأقدم ما زالت باقية لكي نكتشفها هو أن السجلات الأحفورية للثدييات الأكثر شيوعا، فيها التعدد نفسه في الأنساب قبل ثلاثة ملايين سنة كما هي الحال بعد ذلك التاريخ. فلماذا لا نتوقع أن يظهر النمط نفسه لدى أشباه إنسان؟ وأخيرا، فإن مواقع أشباه إنسان المبكرة الباقية لا تغطي أكثر من 3 في المئة من مساحة إفريقيا وربما أقل. وإنه من غير المحتمل أن هذه القطعة المحدودة من الأرض قد احتفظت بأدلة لأنواع أشباه إنسان المبكرة جميعها التي عاشت في تلك القارة.

ومع ذلك، فإن أي اكتشاف جديد في الفترة قبل أربعة ملايين سنة غير موثوق به تماما. فكلما اقتربتَ أكثر من نقطة الانفصال بين أنساب الإنسان من جهة والشيمبانزي والبابون من جهة أخرى، ازدادت صعوبة التمييز بين نسب مباشر للإنسان وبين قريب ذي صلة به. وسيكون من الأصعب أيضا التأكد أن العينة المكتشفة هي لشبيه إنسان أو كانت سلفا لشيمبانزي أو بابون أو أنها نوع يتنمي إلى نسب ليس له ممثلون أحياء حاليا. وإذا كان علم المستحاثات صعبا ويمثل تحديا الآن، فأنا ما زلت مقتنعا بأن الهيكلين العظميين من مالاپا هما سلف مباشر للإنسان، وإن الأمر سيزداد صعوبة في المستقبل. ولكن هذه التحديات الكبيرة هي التي تجعل حقل المعرفة هذا بمثل هذه الروعة.

 

المؤلف

   Bernard Wood
 <وود> متخصص بعلم الأحافير ويعمل في جامعة George Washington وهو مُدرَّب طبيا. فقد بدأ اهتمامه بأبحاث تطور الإنسان عام 1968 عندما كان طالبا في كلية الطب، والتحق ببعثة <R. ليكي> إلى شمال كينيا. http://oloommagazine.com/Images/Articles/2015/06-05/2015_06_05_21_a.jpg

  مراجع للاستزادة

 

Fossils Raise Questions about Human Ancestry. Ewen Callaway in Nature. Published online September 8, 2011.

Human Evolution: Fifty Years after Homo habilis. Bernard Wood in Nature, Vol. 508, pages 31–33; April 3, 2014.

What Does It Mean to Be Human? Smithsonian Institution’s Human Origins Initiative: http://humanorigins.si.edu

 

(*)WELCOME TO THE FAMILY

(**)A SINGLE BRANCH—OR SEVERAL?

 

(1) الإنسان العارف: النوع الإنساني الحديث كبير ومنتصب القامة وذو قدمين.

(2) جنس من أشباه إنسان عائد إلى القردة الجنوبية.

(3) الإنسان المنتصب: Homo erectus أو Homo ergaster

(4) fender

(5) بحيرة توركانا أو رودلف Rudolf.

(6) fossils

(7) جزيرة تقع في إندونيسيا.

(8) يطلق على Paranthropus robusts و P.boisei اسم ”australopiths “robust.

(9) ويسمى أيضا: East African Rift

(10) H. erectus

(11) Denisovans أو Denisova hominins: نسبة إلى كهف دنيسوڤا في سيبيريا.

(12) characters displacement

(13) morphological solutions أو: حلول مورفولوجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى