أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فلك وعلم الكونيات

العين الكبيرة التالية

يتزايد‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬المهندسين‭ ‬المشرفين‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬تليسكوب‭ ‬الفضاء‭ ‬“جيمس‭ ‬ويب”‭ ‬لضمان‭ ‬أن‭ ‬يؤتي‭ ‬رهان‭ ‬ناسا‭ ‬ذو‭ ‬الثمانية‭ ‬بلايين‭ ‬دولار‭ ‬ثماره

بقلم‭: ‬دانيال‭ ‬كليري‭ ‬Daniel Clery،‭غرين‭ ‬بيلت،‭ ‬ولاية‭ ‬ماريلاند

عبر‭ ‬أشهر‭ ‬عدة،‭ ‬داخل‭ ‬المبنى‭ ‬الشاهق‭ – ‬مبنى‭ ‬رقم‭ ‬29‭ – ‬في‭ ‬مركز‭ ‬غودارد‭ ‬لرحلات‭ ‬الفضاء‭ ‬Goddard Space Flight Center،‭ ‬أُحكم‭ ‬اغلاق‭ ‬أربعة‭ ‬أجهزة‭ ‬علمية‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬تليسكوب‭ ‬جيمس‭ ‬ويب‭ ‬الفضائي‭ ‬James Webb Space Telescope‭ (‬اختصارا‭: ‬التليسكوب‭ ‬JWST،‭ ‬أو‭ ‬التليسكوب‭ ‬ويب‭) ‬فيما‭ ‬يشبه‭ ‬طنجرة‭ ‬الضغط‭ ‬بحجم‭ ‬يقارب‭ ‬حجم‭ ‬منزل‭. ‬وتتعالى‭ ‬أصوات‭ ‬صفير‭ ‬بنغمة‭ ‬إيقاعية‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬مضخات‭ ‬التفريغ‭ ‬الداخلية‭ ‬التي‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬أجواء‭ ‬فضاية‭ ‬تعادل‭  ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬بلايين‭ ‬من‭ ‬غلاف‭ ‬جوي‭ ‬من‭ ‬الهليوم‭ ‬المُبرَّد‭ ‬إلى‭ -‬250‭ ‬درجة‭ ‬مئوية‭. ‬وفي‭ ‬الداخل‭ ‬تُغمر‭ ‬الأجهزة‭ -‬المُثبَّتة‭  ‬بالإطار‭ ‬الذي‭ ‬سوف‭ ‬يحملها‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭-  ‬بالأشعة‭ ‬تحت‭ ‬الحمراء‭ (‬المُركَّزة‭ ‬والمُشتَّتة‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬حزم‭  ‬تشبه‭ ‬أشعة‭ ‬الليزر‭ ‬سواء‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬إبر‭ ‬أم‭ ‬حِزَم‭ ‬مُنتظمة‭ ‬الشكل‭) ‬لاختبار‭ ‬أدائها‭.‬

إن‭ ‬صورة‭ ‬طنجرة‭ ‬الضغط‭ ‬هي‭ ‬مجاز‭ ‬ملائم‭ ‬للمشروع‭ ‬بأكمله‭. ‬فالتليسكوب‭ ‬ويب‭ ‬هو‭ ‬البعثة‭ ‬الأكبر‭ ‬والأكثر‭ ‬تعقيدا‭ ‬و‭ ‬الأغلى‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬المهام‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬أطلقتها‭ ‬وكالة‭ ‬ناسا‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى،‭ ‬وآمال‭ ‬الفلكيين‭ ‬والجمهور‭ ‬هي‭ ‬آمال‭ ‬كبيرة‭. ‬فسوف‭ ‬يكون‭ ‬ويب‭ ‬حساسا‭ ‬أكثر‭ ‬بـ‭ ‬100‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬تليسكوب‭ ‬هابل‭ ‬الفضائي‭ ‬Hubble Space Telescope‭. ‬وسوف‭ ‬يكون‭ ‬قادرا‭ ‬على‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬مهد‭ ‬الكون،‭ ‬عندما‭ ‬تشكَّلت‭ ‬المجرات‭ ‬الأولى،‭ ‬ودراسة‭ ‬ولادة‭ ‬النجوم‭ ‬وأنظمتها‭ ‬الكوكبية،‭ ‬وتحليل‭ ‬أجواء‭ ‬الكواكب‭ ‬الخارجية‭ ‬Exoplanets،‭ ‬بل‭ ‬وربما‭ ‬اكتشاف‭ ‬علامات‭ ‬الحياة‭. ‬“إذا‭ ‬وضعت‭ ‬شيئا‭ ‬بهذه‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬الفضاء،‭ ‬فمن‭ ‬يدري‭ ‬ماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نجد،‭ ‬سيكون‭ ‬ثوريا،‭ ‬لأنه‭ ‬قوي‭ ‬جدا‭.‬”،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭  ‬مات‭ ‬ماونتن‭ ‬Matt Mountain‭ ‬مدير‭ ‬رابطة‭ ‬الجامعات‭ ‬للأبحاث‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الفلك‭ ‬Association of Universities for Research in Astronomy‭ ‬‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬العاصمة،‭ ‬وعالم‭ ‬سابق‭ ‬في‭ ‬فريق‭ ‬التليسكوب‭ ‬ويب‭. ‬

لكن‭ ‬مثل‭ ‬هابل،‭ ‬ابتلي‭ ‬بناء‭ ‬التليسكوب‭ ‬ويب‭ ‬بمشكلات‭ ‬إعادة‭ ‬التصميم،‭ ‬ومشكلات‭ ‬إعادة‭ ‬الجدولة،‭ ‬وتجاوز‭ ‬التكاليف‭ ‬الذي‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬توتر‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬المقاولين‭ ‬والشركاء‭ ‬في‭ ‬كندا‭ ‬وأوروبا،‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬اضطرت‭ ‬ناسا‭ ‬إلى‭ ‬إبطاء‭ ‬المهمات‭ ‬العلمية‭ ‬الأخرى‭ ‬أو‭ ‬تجميدها‭  ‬لاستغلال‭ ‬المصادر‭ ‬المتاحة‭. ‬وكادت‭ ‬تودي‭ ‬أزمة‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬عامي‭ ‬2010‭ ‬و‭ ‬2011‭ ‬إلى‭ ‬إلغاء‭ ‬البعثة‭ ‬العلمية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مشروع‭ ‬التليسكوب‭ ‬ويب‭ ‬ظل‭ ‬في‭  ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬مُحافِظا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬المصاريف‭ ‬وفقا‭ ‬للجدول‭ ‬الزمني‭ ‬وضمن‭ ‬الميزانية،‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬8‭ ‬بلايين‭ ‬دولار‭ (‬انظر‭: ‬Science‭, ‬24‭ ‬April 2015‭, ‬p‭. ‬388‭).‬

ولكن،‭ ‬قد‭ ‬تحدث‭ ‬أخطاء‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬وحتى‭ ‬لحظة‭ ‬الإطلاق‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬عندما‭ ‬يبدأ‭ ‬التليسكوب‭ ‬بإرسال‭ ‬البيانات‭ ‬من‭ ‬موقعه‭ ‬المتميز‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬1‭.‬5‭ ‬مليون‭ ‬كيلومتر‭ ‬من‭ ‬الأرض‭. ‬إذ‭ ‬يواجه‭ ‬التليسكوب‭ ‬احتمال‭ ‬وقوع‭ ‬أعطال‭ ‬نتيجة‭ ‬لضغوط‭ ‬الإطلاق‭ (‬وأثناء‭ ‬فتح‭ ‬مرآته‭ ‬المُعقَّدة‭ ‬ومظلة‭ ‬الحماية‭ ‬من‭ ‬الشمس‭ ‬بعد‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬حافظته‭ ‬الشبيهة‭ ‬بالشرنقة‭) ‬وهناك‭ ‬أيضا‭ ‬احتمال‭ ‬حدوث‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التقنيات‭ ‬المتطورة‭ ‬في‭ ‬التليسكوب‭. ‬فعلى‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬التليسكوب‭ ‬هابل،‭ ‬الذي‭ ‬أنقذته‭ ‬بعثة‭ ‬مكوك‭ ‬الفضاء‭ ‬وأصلحت‭ ‬عيوب‭ ‬عدساته،‭ ‬سيكون‭ ‬التليسكوب‭ ‬ويب‭ ‬بعيدا‭ ‬جدا‭ ‬عن‭ ‬الأرض‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬إصلاحه‭. ‬وليس‭ ‬مستقبل‭ ‬علم‭ ‬الفلك‭ ‬الفضائية‭ ‬هو‭ ‬فقط‭ ‬ما‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬نجاح‭ ‬بعثة‭ ‬التليسكوب‭ ‬ويب،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬قدرة‭ ‬ناسا‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬بعثات‭ ‬علمية‭ ‬معقدة‭.‬

لهذا‭ ‬السبب‭ ‬قبعت‭ ‬تلك‭ ‬الأجهزة‭ ‬في‭ ‬طنجرة‭ ‬الضغط‭ ‬غودارد‭ ‬فيما‭ ‬عرف‭ ‬باختبار‭ ‬كريوفاكيوم‭ (‬التبريد‭ ‬في‭ ‬الفراغ‭)‬‭ ‬3‭ ‬Cryovacuum‭ -‬أو‭ ‬اختصارا‭ ‬التجربة‭ ‬CV3‭. ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬المكونات‭ ‬للتليسكوب‭ ‬ويب‭ – ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المرآة‭ ‬وبنية‭ ‬التليسكوب،‭ ‬و“الحافلة”‭ ‬التي‭ ‬ستوفر‭ ‬الطاقة‭ ‬والتحكم‭ ‬في‭ ‬التليسكوب،‭ ‬ومظلة‭ ‬الحماية‭ ‬من‭ ‬الشمس‭ ‬متعددة‭ ‬الطبقات‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬بحجم‭ ‬ملعب‭ ‬التنس،‭ ‬والتي‭ ‬ستساعد‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬برودة‭ ‬التليسكوب‭- ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تخضع‭ ‬لفحص‭ ‬محكم‭ ‬من‭ ‬الاختبارات،‭ ‬منفردة،‭ ‬وفي‭ ‬مجموعات،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تجهز‭ ‬المركبة‭ ‬الفضائية‭. ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬أولئك‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬ناسا،‭ ‬فإن‭ ‬التوتر‭ ‬سيزداد‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬تركيب‭ ‬بقية‭ ‬الأجزاء،‭ ‬وتغدو‭ ‬الاختبارات‭ ‬أصعب‭ ‬وأكثر‭ ‬شمولا،‭ ‬عند‭ ‬إطلاق‭ ‬المركبة‭ ‬الفضائية‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء‭. ‬وسيكون‭ ‬ذلك‭ ‬فقط‭ ‬عندما‭ ‬يفتح‭ ‬ويب‭ ‬عينه،‭ ‬ويركز‭ ‬بنجاح‭ ‬على‭ ‬أول‭ ‬نجمة‭ ‬سيخمد‭ ‬التوتر‭.‬

وفي‭ ‬منتصف‭ ‬تسعينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬بعدما‭ ‬أُصلِحت‭ ‬عدسات‭ ‬هابل‭ ‬وانشغل‭ ‬بإحداث‭ ‬ثورة‭ ‬علم‭ ‬الفلك،‭ ‬،‭ ‬بدأ‭ ‬الباحثون‭ ‬بالتخطيط‭ ‬لخليفته‭. ‬كانت‭ ‬العبارة‭ ‬المتداولة‭ ‬“اللزمة”‭ ‬في‭ ‬وكالة‭ ‬ناسا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬والتي‭ ‬دافع‭ ‬عنها‭ ‬رئيس‭ ‬الوكالة‭ ‬دانيال‭ ‬غولدين‭ ‬Daniel Goldin،‭ ‬“أسرع‭ ‬وأفضل‭ ‬وأرخص‭.‬”‭ ‬إذ‭ ‬تحدى‭ ‬غولدن‭ ‬مهندسي‭ ‬ناسا‭ ‬والمجتمع‭ ‬الفلكي‭ ‬للتوصل‭ ‬إلى‭ ‬تليسكوب‭ ‬أرخص‭ ‬من‭ ‬هابل‭ ‬ولكن‭ ‬أكبر،‭ ‬مع‭ ‬مرآة‭ ‬قطرها‭ ‬8‭ ‬أمتار‭. ‬فاستقبل‭ ‬بحفاوة‭ ‬بالغة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1996‭ ‬عندما‭ ‬وصف‭ ‬الخطة‭ ‬أمام‭ ‬الجمعية‭ ‬الفلكية‭ ‬الأمريكية‭ ‬American Astronomical Society‭. ‬في‭ ‬حين‭ ‬يُعطي‭ ‬هابل‭ ‬كامل‭ ‬موجات‭ ‬الضوء‭ ‬المرئي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬جزء‭ ‬صغير‭ ‬من‭ ‬الأشعة‭ ‬فوق‭ ‬البنفسجية‭ ‬والأشعة‭ ‬تحت‭ ‬الحمراء،‭ ‬فإن‭ ‬تليسكوب‭ ‬الجيل‭ ‬التالي‭ ‬الفضائي‭ ‬Next Generation Space Telescope‭ (‬كما‭ ‬كان‭ ‬معروفا‭ ‬آنذاك‭) ‬مُخصَّص‭ ‬كمرصد‭ ‬للأشعة‭ ‬تحت‭ ‬الحمراء‭.‬

بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬علماء‭ ‬الفلك،‭ ‬كان‭ ‬طيف‭ ‬الأشعة‭ ‬تحت‭ ‬الحمراء‭ ‬هو‭ ‬الحدود‭ ‬البعيدة‭. ‬فالضوء‭ ‬المرئي‭ ‬من‭ ‬الأجسام‭ ‬الأكثر‭ ‬بعدا‭ ‬في‭ ‬الكون،‭ ‬والنجوم‭ ‬والمجرات‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تشكلت‭ ‬بعد‭ ‬الانفجار‭ ‬الكبير‭ ‬Big bang،‭ ‬يتمدد‭ ‬كثيرا‭ ‬بفعل‭ ‬التوسع‭ ‬الكون‭ ‬لينتهي‭ ‬وقت‭ ‬وصوله‭ ‬إلينا‭ ‬ضمن‭ ‬نطاق‭ ‬الأشعة‭ ‬تحت‭ ‬الحمراء‭. ‬كما‭ ‬تتمظهر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التوقيعات‭ ‬الكيميائية‭ ‬Chemical signatures‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬الكواكب‭ ‬الخارجية‭  ‬Eexoplanet‭ ‬أنفسها‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬تحت‭ ‬الحمراء‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭ ‬للأرض‭ ‬يمنع‭ ‬مرور‭ ‬قسم‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الأشعة‭ ‬تحت‭ ‬الحمراء‭. ‬سوف‭ ‬يمنحنا‭ ‬التليسكوب‭ ‬ويب‭ ‬‮«‬أول‭ ‬شاشة‭ ‬عرض‭ ‬عالية‭ ‬الوضوح‭ ‬للكون‭ ‬في‭ ‬النطاق‭ ‬المتوسط‭ ‬من‭ ‬الموجات‭ ‬تحت‭ ‬الحمراء،‮»‬‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬مات‭ ‬غرين‭ ‬هاوس‭ ‬Matt Greenhouse‭ ‬من‭ ‬مشروع‭  ‬التليسكوب‭ ‬ويب‭ ‬في‭ ‬غودارد‭.‬

لكن،‭ ‬لالتقاط‭ ‬ذلك‭ ‬الضوء‭ ‬كان‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬مهندسي‭ ‬ناسا‭ ‬للتغلب‭ ‬على‭ ‬تحديات‭ ‬هائلة‭. ‬أولها‭ ‬الحرارة‭: ‬لمنع‭ ‬توهج‭ ‬الأشعة‭ ‬تحت‭ ‬الحمراء‭ ‬للتليسكوب‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يغمر‭ ‬الإشارات‭ ‬الفلكية‭ ‬الباهتة،‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬التليسكوب‭ ‬ويب‭ ‬عند‭ ‬نحو‭ -‬233‭ ‬درجة‭ ‬مئوية،‭ ‬أي‭ ‬40‭ ‬درجة‭ ‬فوق‭ ‬الصفر‭ ‬المطلق‭ (‬40‭ ‬K‭). ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬تصميم‭ ‬أداة‭ ‬جديدة‭ ‬تماما‭. ‬كما‭ ‬تفرض‭ ‬قيود‭ ‬الحجم‭ ‬والوزن‭ ‬عقبات‭ ‬إضافية‭: ‬إن‭ ‬مرآة‭ ‬بقطر‭ ‬8‭ ‬أمتار‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أبدا‭ ‬وضعها‭ ‬داخل‭ ‬صاروخ،‭ ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬طيها‭ ‬قبيل‭ ‬الإطلاق‭. ‬ومظلة‭ ‬الحماية‭ ‬من‭ ‬الشمس،‭ ‬يجب‭ ‬أيضا‭ ‬طيها،‭ ‬ولابد‭ ‬أن‭ ‬تصنع‭ ‬من‭ ‬غشاء‭ ‬خفيفة‭ ‬فائق‭ ‬الرقة‭ ‬وخفيف‭ ‬الوزن‭. ‬وهيكل‭ ‬التليسكوب‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬صلبا‭ ‬تماما‭ ‬ولكن‭ ‬خفيف‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬وزن‭ ‬المرصد‭ ‬ككل‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬6‭ ‬أطنان،‭ ‬أي‭ ‬مجرد‭ ‬نسبة‭ ‬ضئيلة‭ ‬من‭ ‬وزن‭ ‬تليسكوب‭ ‬الأرضي‭ ‬مماثل‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الحجم‭. ‬‮«‬كنا‭ ‬نعرف‭ ‬أن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نخترع‭ ‬10‭ ‬تقنيات‭ ‬جديدة‮»‬‭ ‬لبناء‭ ‬التليسكوب،‭  ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬إيريك‭ ‬سميث‭ ‬Eric Smith‭ ‬‭ ‬مدير‭ ‬يرنامج‭ ‬من‭ ‬ناسا،‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬العاصمة‭.‬

خذ‭ ‬المرآة‭ ‬مثلا‭. ‬صنع‭ ‬التليسكوب‭ ‬هابل‭ ‬من‭ ‬لوح‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الزجاج،‭ ‬ولكن‭ ‬مرآة‭ ‬ويب‭ ‬القابلة‭ ‬للطي‭ ‬يتعين‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مجزأة،‭ ‬لتتألف‭ ‬من‭ ‬قطع‭ ‬سداسية‭ ‬منفصلة‭ – ‬مثل‭ ‬التصميم‭ ‬المستخدم‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأجهزة‭  ‬المقامة‭ ‬فوق‭ ‬الأرض،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تليسكوبات‭ ‬كيك‭ ‬Keck telescopes‭ ‬في‭ ‬هاواي‭. ‬وتتعين‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬القطاعات‭ ‬بدقة‭ ‬لتحقيق‭ ‬سطح‭ ‬بصري‭ ‬واحد،‭ ‬ينعكس‭ ‬الضوء‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تماما‭. ‬وفي‭ ‬ويب،‭ ‬ترتكز‭ ‬كل‭ ‬قطعة‭ ‬سداسية‭ ‬على‭ ‬ستة‭ ‬محركات‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬توجيهها،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬محرك‭ ‬إضافي‭ ‬في‭ ‬المركز‭ ‬لضبط‭ ‬تقعرها‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬اختيار‭ ‬المواد‭ ‬مرآة‭ ‬كان‭ ‬تحديا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته،‭ ‬لأنها‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تصمد‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الظروف‭ ‬القاسية‭. ‬لأن‭ ‬أي‭ ‬مادة‭ ‬سيتغير‭ ‬شكلها‭ ‬عندما‭ ‬تبرد،‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬قطعة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تُعد‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬عدسة‭ ‬غير‭ ‬فعالة‭ ‬في‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬الغرفة‭ ‬ولكن‭ ‬تنحى‭ ‬إلى‭ ‬الوضع‭ ‬الصحيح‭ -‬بدقة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬نانومترات‭- ‬عند‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬40‭ ‬كالفن‭. ‬وللقيام‭ ‬بذلك،‭ ‬خطط‭ ‬صانعو‭ ‬المرآة‭ ‬للجمع‭ ‬بين‭ ‬النمذجة‭ ‬الحاسوبية‭ ‬المتطورة‭ ‬مع‭ ‬عمليات‭ ‬متكررة‭ ‬وشاقة‭ ‬من‭ ‬الطحن‭ ‬والتبريد‭ ‬والقياس‭ ‬التسخين‭ ‬وإعادة‭ ‬الطحن‭ ‬والتبريد‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وهلم‭ ‬جرا‭. ‬وبعد‭ ‬اختبار‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الزجاج‭ ‬ومعدن‭ ‬البريليوم‭ ‬Beryllium،‭ ‬واختار‭ ‬مصممو‭ ‬تليسكوب‭ ‬ويب‭ ‬البريليوم‭ ‬لأنه‭ ‬قوي‭ ‬وخفيف،‭ ‬ويتحول‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬متوقع‭ ‬منه‭ ‬خلال‭ ‬دورات‭ ‬التبريد‭ ‬والتسخين‭ ‬المتكررة‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬التصميم‭ ‬النهائي‭ ‬للويب‭ ‬قَصُر‭ ‬عن‭ ‬طموحات‭ ‬ناسا‭ ‬الأصلية‭. ‬فابتداء‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2001،‭ ‬مع‭ ‬مخاوف‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكلفة‭ ‬التليسكوب،‭ ‬اضطرت‭ ‬ناسا‭ ‬إلى‭ ‬تقليص‭ ‬المرآة‭ ‬من‭ ‬8‭ ‬أمتار‭ ‬إلى‭ ‬6‭.‬5‭ ‬متر،‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬قطع‭ ‬المرآة‭ ‬من‭  ‬36‭ ‬إلى‭ ‬18‭ ‬قطعة،‭ ‬ومنطقة‭ ‬جمع‭ ‬الضوء‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬إلى‭ ‬25‭ ‬مترا‭ ‬مربعا‭. ‬وقد‭ ‬قررت‭ ‬لجنة‭ ‬المراجعة‭ -‬أن‭ ‬التليسكوب‭ ‬ويب‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬بإمكانه‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬العلمية‭. ‬ولمزيد‭ ‬من‭ ‬خفض‭ ‬التكاليف،‭ ‬قررت‭ ‬وكالة‭ ‬ناسا‭ ‬استخدام‭ ‬مرايا‭ ‬أقل‭ ‬دقة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تصنع‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬دورات‭ ‬الطحن‭ ‬والتبريد‭ ‬والتسخين‭. ‬هذا‭ ‬التغيير‭ ‬سيجعل‭ ‬التليسكوب‭ ‬ويب‭ ‬أقل‭ ‬دقة‭ ‬عند‭ ‬موجات‭ ‬الأشعة‭ ‬تحت‭ ‬الحمراء‭ ‬القريبة‭ ‬بين‭ ‬1‭ ‬و‭ ‬2‭ ‬ميكرومتر،‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬خسارة‭ ‬كبيرة،‭ ‬لما‭ ‬كانت‭ ‬التليسكوبات‭ ‬الأرضية‭ ‬تغطي‭ ‬بالفعل‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬من‭ ‬الطيف‭.‬

وبحلول‭ ‬عام‭ ‬2006،‭ ‬كانت‭ ‬كل‭ ‬التقنيات‭ ‬الرئيسية‭ ‬للتليسكوب‭ ‬ويب‭ ‬قد‭ ‬اختبرت‭ ‬وأُثبت‭ ‬فاعليتها‭. ‬فوُضِع‭ ‬التصميم‭ ‬النهائي،‭ ‬وبُدِئ‭ ‬بتجميع‭ ‬المكونات‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬بدأ‭ ‬مهندسو‭ ‬ناسا‭ ‬يحلمون‭ ‬بسلسلة‭ ‬الاختبارات‭ ‬الدقيقة‭ ‬التي‭ ‬يتعين‭ ‬أن‭ ‬يجتازها‭ ‬كل‭ ‬عنصر‭ ‬منفصل‭ – ‬والاختبارات‭ ‬الإضافية‭ ‬التي‭ ‬يتعين‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬مع‭ ‬تجميع‭ ‬المكونات‭ ‬لتشكيل‭ ‬الأجزاء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬المركبة‭ ‬الفضائية‭. ‬‮«‬حالما‭ ‬نجمع‭ ‬قطعتين‭ ‬أو‭ ‬ثلاثة‭ ‬معا،‭ ‬نقوم‭ ‬باختبارها،‮»‬‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬سكوت‭ ‬ويلوبي‭ ‬Scott Willoughby،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬ويب‭ ‬في‭ ‬شركة‭ ‬نورثروب‭ ‬غرومان‭ ‬Northrop Grumman‭ ‬في‭ ‬ريدوندو‭ ‬بيتش،‭ ‬كاليفورنيا‭.‬

لوضع‭ ‬مرآة‭ ‬ويب‭ ‬الهائلة‭ ‬على‭ ‬مسارها،‭ ‬أعاد‭ ‬المهندسون‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬جونسون‭ ‬للفضاء‭ ‬Johnson Space Center‭ ‬في‭ ‬هيوستن،‭ ‬تكساس،‭ ‬تجهيز‭ ‬الغرفة‭ ‬A‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬وهي‭ ‬غرفة‭ ‬تبريد‭ ‬في‭ ‬الفراغ‭ ‬Cryovacuum‭ ‬ضخمة‭ ‬بنيت‭ ‬لاختبار‭ ‬مركبة‭ ‬برنامج‭ ‬أبولو‭ ‬الفضائية‭ ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬الطاقم‭. ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الأجهزة،‭ ‬أعد‭ ‬معهد‭ ‬غودارد‭ ‬خطط‭ ‬اختبار‭ ‬قاسية‭.‬

وبُدئ‭ ‬بتقديم‭ ‬نماذج‭ ‬تحليق‭ ‬الأجهزة‭  ‬في‭ ‬عام‭ ‬2012‭: ‬أربعة‭ ‬أجهزة‭ ‬قياس‭ ‬طيفية‭ ‬بالأشعة‭ ‬تحت‭ ‬الحمراء‭ ‬Infrared imagers and spectrographs‭ ‬‭ ‬بنتها‭ ‬الفرق‭ ‬المتعاونة‭ ‬في‭ ‬المشروع‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬وكالة‭ ‬الفضاء‭ ‬الأوروبية‭ ‬European Space Agency،‭ ‬وفريق‭ ‬من‭ ‬ناسا‭ ‬وجهات‭ ‬أوروبية،‭ ‬وجامعة‭ ‬ولاية‭ ‬أريزونا‭ ‬University of Arizona،‭ ‬ووكالة‭ ‬الفضاء‭ ‬الكندية‭ ‬Canadian Space Agency‭. ‬وبعد‭ ‬إحكام‭ ‬تركيب‭ ‬الأجهزة‭ ‬على‭ ‬الإطار‭ ‬الصلب،‭ ‬هُزَّت‭ ‬بقوة‭ ‬لمحاكاة‭ ‬ضغوط‭ ‬الإطلاق،‭ ‬وكذلك‭ ‬عُرضّت‭ ‬لصوت‭ ‬نفير‭ ‬بدرجة‭ ‬150‭ ‬ديسيبل‭ ‬من‭ ‬مكبر‭ ‬الصوت‭ ‬كبير‭ ‬بطول‭ ‬شخص‭.‬

بعد‭ ‬ذلك‭ ‬جاء‭ ‬أول‭ ‬التبريد‭ ‬في‭ ‬الفراغ‭ ‬لمحاكاة‭ ‬ظروف‭ ‬الفضاء‭. ‬ظهرت‭ ‬المشكلات‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬تقريبا‭. ‬التسخين‭ ‬والتبريد‭ ‬تسببا‭ ‬في‭ ‬انتفاخ‭  ‬الطبقات‭ ‬الرقيقة‭ ‬من‭ ‬أشباه‭ ‬الموصلات‭ ‬متعددة‭ ‬الطبقات‭ ‬للكشف‭ ‬عن‭ ‬الأشعة‭ ‬تحت‭ ‬الحمراء‭ ‬وشرخها‭. ‬أما‭ ‬التقنية‭ ‬الحيوية‭ ‬الأخرى،‭ ‬مصفوفة‭ ‬المصاريع‭ ‬الدقيقة‭ ‬Microshutter array‭ ‬في‭ ‬مقياس‭ ‬الطيف‭ ‬القريب‭ ‬من‭ ‬الأشعة‭ ‬تحت‭ ‬الحمراء،‭ ‬فقد‭ ‬تضعضعت‭ ‬أيضا‭. ‬وهذه‭ ‬المصفوفة‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬جهاز‭ ‬بحجم‭ ‬أربعة‭ ‬طوابع‭ ‬بريدية‭ ‬بشبكة‭ ‬من‭ ‬250000‭ ‬لوحة‭ ‬الصغيرة‭ ‬يمكن‭ ‬فتحها‭ ‬بشكل‭ ‬انتقائي‭ ‬بحيث‭ ‬يلتقط‭ ‬الجهاز‭ ‬أطيافا‭ ‬مستقلة،‭ ‬مثلا،‭ ‬مئة‭ ‬مجرة‭ ‬في‭ ‬حقل‭ ‬رؤية‭ ‬واحد‭ – ‬الأول‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المطياف‭ ‬متعدد‭ ‬الأغراض‭ ‬الذي‭ ‬يطير‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭. ‬ولكن‭ ‬الضجيج‭ ‬الذي‭ ‬يصم‭ ‬الآذان‭ ‬من‭ ‬الغرفة‭ ‬الصوتية‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬تعطل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬اللوحات‭.‬

سارعت‭ ‬الفرق‭ ‬المشرفة‭ ‬على‭ ‬الأجهزة‭ ‬والشركات‭ ‬المصنعة‭ ‬إلى‭ ‬تحديد‭ ‬المشكلات‭ ‬وإنتاج‭ ‬أجزاء‭ ‬جديدة‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬استمرت‭ ‬التجارب‭. ‬واجتمعت‭ ‬جميع‭ ‬الأجزاء‭ ‬البديلة‭ ‬معا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬للاختبار‭ ‬CV3‭ ‬الذي‭ ‬أجري‭ ‬مؤخرا،‭ ‬ومع‭ ‬انتهاء‭ ‬الاختبار‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬يناير‭ ‬كانت‭ ‬العلامات‭ ‬مشجعة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الإصلاحات‭ ‬قد‭ ‬نفعت‭. ‬يقول‭ ‬عالم‭ ‬الفلك‭ ‬مارسيا‭ ‬ريكي‭ ‬Marcia Riekeمن‭ ‬مرصد‭ ‬ستيوارد‭ ‬Steward Observatory‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬أريزونا‭ ‬في‭ ‬توكسون،‭ ‬الباحث‭ ‬الرئيسي‭ ‬لكاميرا‭ ‬الموجات‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬الأشعة‭ ‬تحت‭ ‬الحمراء‭ ‬Near-infrared camera‭: ‬‮«‬إننا‭ ‬سعداء‭ ‬للغاية‭ ‬بهذا‭ ‬الأداء‭. ‬إننا‭ ‬قريبون‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬الجهوزية‭ ‬للإطلاق‭.‬‮»‬‭ ‬

بينما‭ ‬خضعت‭ ‬الأجهزة‭ ‬للاختبارات‭ ‬القاسية،‭ ‬كان‭ ‬المهندسون‭ ‬في‭ ‬حللهم‭ ‬البيضاء‭ ‬في‭ ‬الغرفة‭ ‬يجهدون‭ ‬في‭ ‬تثبيت‭ ‬قطع‭ ‬المرآة‭ ‬على‭ ‬أُطرها،‭ ‬التي‭ ‬تعرف‭ ‬أيضا‭ ‬باللوحة‭ ‬الالكترونية‭ ‬المُعزَّزة‭ ‬Backplane‭. ‬مُجوَّفه‭ ‬من‭ ‬الخلف‭ ‬لتقليل‭ ‬الوزن،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحمل‭ ‬الفرد‭ ‬شريحة‭ ‬عرضها‭ ‬1‭.‬3‭ ‬متر،‭ ‬ولكل‭ ‬منها‭ ‬وجهة‭ ‬معينة‭ ‬على‭ ‬اللوحة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬المعززة،‭ ‬اعتمادا‭ ‬على‭ ‬صفات‭ ‬العدسات‭ ‬الدقيقة‭ ‬لها‭.‬

الآن‭ ‬بعد‭ ‬اختبار‭ ‬الأجهزة‭ ‬وتجميع‭ ‬المرآة،‭ ‬سيتم‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬هذين‭ ‬العنصرين‭ ‬في‭ ‬مارس‭. ‬ثم‭ ‬يُجمع‭ ‬التليسكوب‭ ‬وبقية‭ ‬الأجهزة،‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬مجتمعة‭ ‬الجهاز‭  ‬OTIS،‭ ‬وتُعرَّض‭ ‬مجتمعة‭ ‬لاختبارات‭ ‬طاولة‭ ‬الرَّج‭ ‬والغرفة‭ ‬الصوتية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬وضعها‭ ‬في‭ ‬حاوية‭ ‬شحن‭ ‬بنيت‭ ‬خصيصا‭ ‬لذلك‭ ‬الغرض‭. ‬وفي‭ ‬جوف‭ ‬الليل،‭ ‬ستحمل‭ ‬شاحنة‭ ‬الحاوية‭ ‬وتسير‭ ‬بسرعة‭ ‬8‭ ‬كيلومترات‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬من‭ ‬غودارد‭ ‬إلى‭ ‬القاعدة‭ ‬المشتركة‭ ‬اندروز‭ ‬Joint Base Andrews،‭ ‬حيث‭ ‬ستوضع‭ ‬في‭ ‬طائرة‭ ‬النقل‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬C-5‭ ‬غالاكسي‭ ‬الضخمة،‭ ‬ولا‭ ‬يتبقى‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬الطائرة‭ ‬سوى‭ ‬سنتيمترات‭ ‬فارغة،‭ ‬وتنطلق‭ ‬في‭ ‬رحلاتها‭ ‬إلى‭ ‬هيوستن‭.‬

إن‭ ‬بضعة‭ ‬الشهور‭ ‬التي‭ ‬سيمضيها‭ ‬الجهاز‭  ‬OTIS‭ ‬في‭ ‬الغرفة‭ ‬A‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬العام‭ ‬المقبل‭ ‬ستكون‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬مما‭ ‬سيواجه‭. ‬وستولد‭ ‬مصادر‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬السقف‭ ‬كونا‭ ‬اصطناعيا،‭ ‬مما‭ ‬يسمح‭ ‬لمهندسي‭ ‬وكالة‭ ‬ناسا‭ ‬لتمرير‭ ‬الضوء‭ ‬عبر‭ ‬المسار‭ ‬كله‭ ‬من‭ ‬المرآة‭ ‬الرئيسية‭ ‬إلى‭ ‬الكواشف‭ ‬Detectors،‭ ‬وذلك‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬تشبه‭ ‬ظروف‭ ‬الفضاء‭. ‬وسوف‭ ‬يختبرون‭ ‬تناغم‭ ‬المرآة‭ ‬ويتحققون‭ ‬من‭ ‬أنماط‭ ‬الرصد‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأربعة‭. ‬إذ‭ ‬يقول‭ ‬غرينهاوس‭: ‬‮«‬لم‭ ‬يختبر‭ ‬تليسكوب‭ ‬هابل‭ ‬التتابع‭ ‬البصري‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬عبر‭ ‬أجهزته،‭ ‬لذا‭ ‬لن‭ ‬نختصر‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭.‬‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬تعود‭ ‬الأجهزة‭ ‬إلى‭ ‬حاوية‭ ‬الشحن‭ ‬وعلى‭ ‬ظهر‭ ‬الطائرة‭ ‬C-5‭ ‬إلى‭ ‬ريدوندو‭ ‬بيتش‭ ‬Redondo Beach،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬شركة‭ ‬نورثروب‭ ‬غرومان‭ ‬Northrop Grumman‭ ‬تبني‭ ‬“الحافلة”‭ ‬ومظلة‭ ‬الحماية‭ ‬من‭ ‬الشمس‭. ‬هناك،‭ ‬ستخذ‭ ‬المرصد‭ ‬شكله‭ ‬الكامل،‭ ‬حيث‭ ‬يزاوج‭ ‬بين‭ ‬التليسكوب‭ ‬والأجهزة‭ ‬بهذين‭ ‬العنصرين‭ ‬الأخيرين‭ .‬

الآن،‭ ‬وقد‭ ‬أصبح‭ ‬المرصد‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يُحمل‭ ‬داخل‭ ‬الطائرة،‭ ‬سيقوم‭ ‬ويب‭ ‬برحلة‭ ‬الأخيرة‭ ‬قبيل‭ ‬الإطلاق‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬سفينة‭ ‬السفن،‭ ‬متجها‭ ‬إلى‭ ‬الأسفل‭ ‬من‭ ‬ساحل‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬وعبر‭ ‬قناة‭ ‬بنما‭ ‬الى‭ ‬غينيا‭ ‬الفرنسية‭ ‬

‭- ‬مقر‭ ‬الميناء‭ ‬الفضائي‭ ‬الأوروبي،‭ ‬حيث‭ ‬سينتظر‭ ‬الصاروخ‭ ‬آريان‭ ‬5‭ ‬Ariane 5‭ ‬launcher،‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬مساهمة‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬المشروع‭. ‬وفي‭ ‬أكتوبر‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬سوف‭ ‬يقذف‭ ‬الصاروخ‭ ‬آريان‭ ‬التليسكوب‭ ‬ويب‭ ‬نحو‭ ‬L2،‭ ‬وهي‭ ‬نقطة‭ ‬توازن‭ ‬الجاذبية‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬1‭.‬5‭ ‬مليون‭ ‬كيلومتر‭ ‬من‭ ‬الأرض،‭ ‬مباشرة‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الشمس‭. ‬وسوف‭ ‬تستغرق‭ ‬الرحلة‭ ‬29‭ ‬يوما‭.‬

وسيبدأ‭ ‬التليسكوب‭ ‬ويب‭ ‬بنشر‭ ‬مكوناته‭ ‬فورا‭ ‬تقريبا‭ ‬بمجرد‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء‭. ‬وسيكون‭ ‬نشر‭ ‬التليسكوب‭ ‬وتطبيق‭ ‬أجهزته‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭   ‬“ثلاثة‭ ‬أسابيع‭ ‬من‭ ‬الإرهاب”،‭ ‬فكما‭ ‬يقول‭ ‬ماونتين‭: ‬“لا‭ ‬أحد‭ ‬قد‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬قبل‭.‬‮»‬‭ ‬فأول‭ ‬تطبيق‭ ‬سيكون‭ ‬لتشغيل‭ ‬مصفوفة‭ ‬الألواح‭ ‬الشمسية‭ ‬والهوائيات‭ ‬لتوفير‭ ‬الطاقة‭ ‬والاتصالات‭ ‬مع‭ ‬الأرض؛‭ ‬ثم‭ ‬ستفتح‭ ‬مظلة‭ ‬الحماية‭ ‬من‭ ‬الشمس‭ ‬لتبريد‭ ‬التليسكوب‭ ‬والأجهزة،‭ ‬وأخيرا،‭ ‬فإن‭ ‬المرآة‭ ‬الثانوية‭ ‬ستتخذ‭ ‬موقعها،‭ ‬يليها‭ ‬استقرار‭ ‬أجنحة‭ ‬المرآة‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬مكانها‭. ‬وبمجرد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬حركات‭ ‬“الجمباز”‭ ‬الميكانيكية‭ ‬الروتينية،‭ ‬ستحل‭ ‬“لحظة‭ ‬الجزع”‭ ‬عندما‭ ‬تنظر‭ ‬المرآة‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭. ‬ثم‭ ‬يتعين‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬مناغمة‭ ‬قطع‭ ‬المرآة،‭ ‬وتبريد‭ ‬الأجهزة،‭ ‬واختبار‭ ‬أنماط‭ ‬عملها‭. ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يستغرق‭ ‬النشر‭ ‬والتطبيق‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬كاملة‭  ‬بعد‭ ‬الإطلاق‭.‬

‮«‬هناك‭ ‬سلسلة‭ ‬كاملة‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬يتعين‭ ‬أن‭ ‬تستكمل‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نشاهد‭ ‬ذلك‭ ‬النجم‭ ‬حسن‭ ‬المظهر‭ ‬حقا،‮»‬‭ ‬ويقول‭ ‬لي‭ ‬فاينبيرغ‭ ‬Lee Feinberg،‭ ‬مدير‭ ‬التليسكوب‭ ‬ويب‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬غودارد‭. ‬ويتابع‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نستريح‭ ‬حقا‭.‬‮»‬

‭ ‬حتى‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬تستمر‭ ‬الضغوطات‭ ‬بلا‭ ‬هوادة‭. ‬لكن‭ ‬بُناة‭ ‬التليسكوب‭ ‬ويب‭ ‬يقولون‭ ‬إنهم‭ ‬لا‭ ‬يجدون‭ ‬وقتا‭ ‬للتفكير‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يقومون‭ ‬به‭. ‬يجلس‭ ‬بيير‭ ‬فيرّو‭ ‬Pierre Ferruit‭ -‬عالم‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬وكالة‭ ‬الفضاء‭ ‬الأوروبية‭ ‬في‭ ‬نوردويك،‭ ‬هولندا‭- ‬جالس‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬غودارد،‭ ‬ويتذكر‭ ‬الرحلة‭ ‬CV3‭ ‬والفنيين‭ ‬يحملون‭ ‬شرائح‭ ‬المرآة‭ ‬إلى‭ ‬الغرفة‭ ‬النظيفة‭ ‬والمجهزة‭ ‬لهم‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬الطائرة‭: ‬‮«‬حتى‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬شخص‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬البعثة،‭ ‬كان‭ ‬الوضع‭ ‬أمرا‭ ‬لا‭ ‬يصدق‭ ‬تماما‭.‬‮»‬‭ ‬وكان‭ ‬عند‭ ‬ريكي‭ ‬الإحساس‭ ‬نفسه‭: ‬‮«‬إنه‭ ‬أمر‭ ‬ساحر‭ ‬أن‭ ‬نشهد‭ ‬صنع‭ ‬التاريخ‭.‬‮»‬

19‭ ‬فبراير‭ ‬2016‭ ‬•‭ ‬VOL 351‭ ‬العدد‭ ‬6275‭ ‬805

العلوم‭ ‬sciencemag.org

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى