أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ذكاء اصطناعي

الطريق نحو الذكاء الاصطناعي

ذكاء‭ ‬اصطناعي

الطريق‭ ‬نحو‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي

مثال‭ ‬على‭ ‬تغلب‭ ‬البيانات‭ ‬على‭ ‬النظرية

بقلم‭: ‬نيلو‭ ‬كريستيانيني

ترجمة‭: ‬آية‭ ‬علي

 


كانت‭ ‬أجهزة‭ ‬الحاسوب‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬محاكاة‭ ‬الذكاء‭ ‬البشري‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬حلما‭ ‬مستقبليا‭. ‬أما‭ ‬الآن‭ ‬فإنها‭ ‬حولنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬توقّعها‭ ‬روّادها. ‬في‭ ‬صيف‭ ‬عام‭ ‬1956‭ ‬اجتمع‭ ‬مجموعة‭ ‬بارزة‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬والمهندسين‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬دارتموث‭ ‬Dartmouth College‭ ‬في‭ ‬هانوفر‭- ‬نيو‭ ‬هامبشاير‭. ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بينهم‭: ‬عالم‭ ‬الحاسوب‭ ‬مارفن‭ ‬مينسكي‭ ‬Marvin Minsky،‭ ‬المنظّر‭ ‬المعلوماتي‭ ‬كلود‭ ‬شانون‭ ‬Claude Shannon،‭ ‬واثنين‭ ‬ممن‭ ‬سيفوزون‭ ‬بجائزة‭ ‬نوبل‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭: ‬هربرت‭ ‬سيمون‭ ‬Herbert Simon‭ ‬وجون‭ ‬ناش‭ ‬John Nash‭. ‬كانت‭ ‬مهمتهم‭ ‬هي‭ ‬قضاء‭ ‬فصل‭ ‬الصيف‭ ‬في‭ ‬اختراع‭ ‬حقل‭ ‬علمي‭ ‬جديد‭ ‬يسمى‭: ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬Artificial Intelligence‭ (‬اختصارا‭: ‬AI‭). ‬

ولم‭ ‬يفتقروا‭ ‬إلى‭ ‬الطموح،‭ ‬ففي‭ ‬طلب‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تمويل‭ ‬كتبوا‭ ‬قائلين‭: ‬“يمكن‭ ‬وصف‭ ‬كل‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬التعلُّم‭ ‬وكل‭ ‬سمة‭ ‬من‭ ‬سمات‭ ‬الذكاء‭ ‬وصفا‭ ‬دقيقا‭ -‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ‭- ‬لدرجة‭ ‬يمكن‭ ‬معها‭ ‬صنع‭ ‬آلة‭ ‬تحاكيها”‭. ‬أمّا‭ ‬عن‭ ‬قائمة‭ ‬أمنياتهم‭ ‬فكانت‭ ‬“جعل‭ ‬الآلات‭ ‬تستخدم‭ ‬اللغة،‭ ‬وتولِّد‭ ‬التجريدات‭ ‬والمفاهيم،‭ ‬تحل‭ ‬أنواعا‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬التي‭ ‬يختص‭ ‬بها‭ ‬الآن‭ ‬البشر،‭ ‬وتحسين‭ ‬نفسها‭.‬”‭ ‬كانوا‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنه‭ ‬“‭ ‬يُمكن‭ ‬إحداث‭ ‬تقدم‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المشاكل‭ ‬إذا‭ ‬عمل‭ ‬عليها‭ ‬مجموعة‭ ‬مختارة‭ ‬بعناية‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬خلال‭ ‬فصل‭ ‬متصل‭ ‬من‭ ‬فصول‭ ‬الصيف‭.‬”‭ ‬

استغرق‭ ‬الأمر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬صيف‭ ‬واحد‭. ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬نحو‭ ‬60‭ ‬عاما،‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬خيبات‭ ‬الأمل؛‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬حقل‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬قد‭ ‬شقّ‭ ‬طريقه‭ ‬أخيرا‭. ‬يمكننا‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬2016‭ ‬طرح‭ ‬الأسئلة‭ ‬على‭ ‬جهاز‭ ‬الحاسوب،‭ ‬الجلوس‭ ‬باسترخاء‭ ‬بينما‭ ‬تقوم‭ ‬سياراتنا‭ ‬شبه‭ ‬ذاتية‭ ‬بالتغلب‭ ‬على‭ ‬مشاكل‭ ‬المرور،‭ ‬واستخدام‭ ‬هواتفنا‭ ‬الذكية‭ ‬لترجمة‭ ‬الكلام‭ ‬أو‭ ‬النص‭ ‬المطبوع‭ ‬من‭ ‬معظم‭ ‬اللغات‭. ‬ونحن‭ ‬نثق‭ ‬في‭ ‬أجهزة‭ ‬الحاسوب‭ ‬للتحقق‭ ‬من‭ ‬جوازات‭ ‬السفر،‭ ‬ومراجعة‭ ‬مُراسلاتنا‭ ‬وإصلاح‭ ‬الإملاء‭ ‬لنا‭. ‬بل‭ ‬إننا،‭ ‬وعلى‭ ‬نحو‭ ‬ملفت‭ ‬للنظر،‭ ‬قد‭ ‬اعتدنا‭ ‬على‭ ‬قيام‭ ‬هذه‭ ‬أدوات‭ ‬بأعمالها‭ ‬لدرجة‭ ‬أننا‭ ‬نتذمر‭ ‬عندما‭ ‬تفشل‭. ‬

مع‭ ‬تعودنا‭ ‬المتسارع‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬الراحة‭ ‬هذه،‭ ‬يصبح‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬دوما‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬النحو‭.‬

في‭ ‬مؤتمر‭ ‬دارتموث،‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬المؤتمرات‭ ‬العديدة‭ ‬اللاحقة،‭ ‬كانت‭ ‬الأهداف‭ ‬الحاسمة‭ ‬لهذا‭ ‬الحقل‭ ‬واضحة‭ ‬بالفعل،‭ ‬وهي‭: ‬الترجمة‭ ‬الآلية‭ ‬والرؤية‭ ‬الحاسوبية‭ ‬وفهم‭ ‬النص‭ ‬والتعرف‭ ‬على‭ ‬الكلام‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬الروبوتات‭ ‬وتعلم‭ ‬الآلة‭ ‬Machine learning‭. ‬وعلى‭ ‬مدى‭ ‬العقود‭ ‬الثلاثة‭ ‬التالية‭ ‬صُبَّت‭ ‬موارد‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأبحاث،‭ ‬لكنّ‭ ‬أيّا‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأهداف‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭. ‬ولم‭ ‬يبدأ‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬توقعات‭ ‬عام‭ ‬1956‭ ‬بالتحقق‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬تسعينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬لكن‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬الحقلِ‭ ‬تعلّم‭ ‬درس‭ ‬مهم‭ ‬ومُذل‭ ‬قبل‭ ‬موجة‭ ‬النجاح‭ ‬هذه‭. ‬

في‭ ‬حين‭ ‬بقيت‭ ‬أهدافه‭ ‬الأساسية‭ ‬ثابتة،‭ ‬إلا‭ ‬إن‭ ‬طرق‭ ‬تحقيق‭ ‬نوليد‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬قد‭ ‬تغيرت‭ ‬بشكل‭ ‬دراماتيكي‭. ‬كان‭ ‬التوجه‭ ‬الغريزي‭ ‬لأولئك‭ ‬المهندسين‭ ‬الأوائل‭ ‬هو‭ ‬برمجة‭ ‬الآلات‭ ‬من‭ ‬الأعلى‭ ‬إلى‭ ‬الأسفل‭. ‬فقد‭ ‬توقّعوا‭ ‬توليد‭ ‬السلوك‭ ‬الذكيّ‭ ‬أولا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وضع‭ ‬نموذج‭ ‬رياضياتي‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬معالجة‭ ‬الخطاب‭ ‬والنص‭ ‬والصور،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذ‭ ‬النموذج‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬برنامج‭ ‬حاسوب،‭ ‬برنامج‭ ‬قد‭ ‬يفكّر‭ ‬منطقيّا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المهام‭. ‬لكنهم‭ ‬كانوا‭ ‬مخطئين‭. ‬

كما‭ ‬توقّعوا‭ ‬كذلك‭ ‬أن‭ ‬أيّ‭ ‬تقدّم‭ ‬في‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬سيزودنا‭ ‬بفهم‭ ‬أوسع‭ ‬لذكائنا‭. ‬ومجددا،‭ ‬كانوا‭ ‬مخطئين‭.‬

على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات،‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬جدا‭ ‬عدم‭ ‬ملائمة‭ ‬تلك‭ ‬النُظم‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬فوضى‭ ‬العالم‭ ‬الحقيقي‭. ‬بحلول‭ ‬أوائل‭ ‬تسعينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬ومع‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬النتائج‭ ‬الواضح‭ ‬مقابل‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬من‭ ‬العمل،‭ ‬بدأ‭ ‬معظم‭ ‬المهندسين‭ ‬بالتّخلي‭ ‬عن‭ ‬حلم‭ ‬صنع‭ ‬آلة‭ ‬منطقية‭ ‬متعددة‭ ‬الاستخدامات،‭ ‬من‭ ‬الأعلى‭ ‬إلى‭ ‬الأسفل‭. ‬لذا‭ ‬بدأوا‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬مشاريع‭ ‬أقل‭ ‬تعقيدا،‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬مهام‭ ‬محددة‭ ‬يمكن‭ ‬حلها‭. ‬

تحقق‭ ‬بعض‭ ‬النجاح‭ ‬المبكر‭ ‬علي‭ ‬شكل‭ ‬نُظم‭ ‬توصي‭ ‬بمنتجات‭. ‬ففي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬معرفة‭ ‬السبب‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يجعل‭ ‬العميل‭ ‬يرغب‭ ‬بشراء‭ ‬منتج‭ ‬معين،‭ ‬إلا‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬معرفة‭ ‬المنتجات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تعجبهم،‭ ‬وذلك‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬معاملاتهم‭ ‬السابقة‭ ‬أو‭ ‬معاملات‭ ‬عملاء‭ ‬مشابهين‭. ‬إذا‭ ‬أعجبك‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬والثاني‭ ‬من‭ ‬أفلام‭ ‬هاري‭ ‬بوتر‭ ‬فمن‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬يعجبك‭ ‬الجزء‭ ‬الثالث‭. ‬فالفهم‭ ‬الكامل‭ ‬للمشكلة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مطلوبا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إيجاد‭ ‬حل؛‭ ‬فبإمكانك‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬ارتباطات‭ ‬مفيدة‭ ‬عبر‭ ‬تمشيط‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬البيانات‭. ‬

هل‭ ‬يمكن‭ ‬لاختصارات،‭ ‬من‭ ‬الأسفل‭ ‬إلى‭ ‬الأعلى‭ ‬كهذه،‭ ‬أن‭ ‬تحاكي‭ ‬أشكالا‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬السلوك‭ ‬الذكي؟‭ ‬فبعد‭ ‬كل‭ ‬شي،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تتوافر‭ ‬نظريات،‭ ‬ولكن‭ ‬وُجدت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬البيانات‭ ‬المُمكن‭ ‬تحليلها‭ . ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التوجّه‭ ‬العملي‭ ‬نجاحٌ‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬الكلام‭ ‬والترجمة‭ ‬الآلية‭ ‬ومهام‭ ‬بسيطة‭ ‬للرؤية‭ ‬الحاسوبية‭ ‬مثل‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬الأرقام‭ ‬المكتوبة‭ ‬بخطّ‭ ‬اليد‭.‬

البيانات‭ ‬تغلب‭ ‬النظرية

بحلول‭ ‬منتصف‭ ‬أول‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الألفية‭ ‬الثانية،‭ ‬وبتراكم‭ ‬قصص‭ ‬النجاح،‭ ‬تعلّم‭ ‬الحقل‭ ‬درسا‭ ‬مهما،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭: ‬باستطاعة‭ ‬البيانات‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬النماذج‭ ‬النظرية‭. ‬ظهر‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الآلات‭ ‬الذكية‭ ‬المدعومة‭ ‬بمجموعة‭ ‬صغيرة‭ ‬من‭ ‬خوارزميات‭ ‬التعلم‭ ‬الإحصائية،‭ ‬وبكمّيات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬البيانات‭.‬

كما‭ ‬تخلّص‭ ‬الباحثون‭ ‬من‭ ‬الافتراض‭ ‬القائل‭ ‬بأن‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬تزويدنا‭ ‬بفهم‭ ‬أوسع‭ ‬لذكائنا‭ ‬الخاص‭. ‬حاوِل‭ ‬معرفة‭ ‬كيف‭ ‬يؤدي‭ ‬البشر‭ ‬تلك‭ ‬المهام‭ ‬عبر‭ ‬الخوارزميات‭ ‬وستضيّع‭ ‬وقتك؛‭ ‬فالذكاء‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬البيانات‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬الخوارزمية‭. ‬

شهد‭ ‬الحقل‭ ‬تحولا‭ ‬في‭ ‬النموذج‭ ‬المفاهيمي‭ ‬Paradigm shift،‭ ‬ودخل‭ ‬عصر‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬المعتمد‭ ‬على‭ ‬البيانات‭. ‬عصر‭ ‬تقنيته‭ ‬الأساسية‭ ‬الجديدة‭ ‬كانت‭ ‬تعلّم‭ ‬الآلة،‭ ‬ولغته‭ ‬الجديدة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬المنطق‭ ‬بل‭ ‬الإحصائيات‭. ‬

كيف‭ ‬يمكن‭ ‬إذن‭ ‬لآلة‭ ‬أن‭ ‬تتعلّم؟‭ ‬يجدر‭ ‬بنا‭ ‬توضيح‭ ‬ما‭ ‬نعنيه‭ ‬عادة‭ ‬بالتعلّم‭ ‬في‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭. ‬تتعلّم‭ ‬الآلة‭ ‬عندما‭ ‬تغيّر‭ ‬من‭ ‬سلوكها‭ (‬نأمل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تغيّرا‭ ‬للأفضل‭) ‬بناء‭ ‬على‭ ‬الخبرة‭. ‬يبدو‭ ‬هذا‭ ‬سحريّا‭ ‬تقريبا،‭ ‬لكن‭ ‬العملية‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬عملية‭ ‬ميكانيكية‭ ‬للغاية‭. ‬

انظر‭ ‬كيف‭ ‬يقرّر‭ ‬“فلتر”‭ ‬البريد‭ ‬الإلكتروني‭ ‬غير‭ ‬المرغوب‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬عزل‭ ‬بعض‭ ‬الرسائل‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬محتواها‭. ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬تسحب‭ ‬فيها‭ ‬بريدا‭ ‬إلكترونيا‭ ‬إلى‭ ‬مجلد‭ ‬البريد‭ ‬غير‭ ‬المرغوب‭ ‬فيه؛‭ ‬فإنّك‭ ‬تمكِّنه‭ ‬من‭ ‬تقدير‭ ‬احتمال‭ ‬أن‭ ‬الرسائل‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬مرسِل‭ ‬معين‭ ‬أو‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬كلمة‭ ‬معينة‭ ‬هي‭ ‬رسائل‭ ‬غير‭ ‬مرغوب‭ ‬فيها‭. ‬وجمع‭ ‬هذه‭ ‬المعلومات‭ ‬لجميع‭ ‬الكلمات‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬ما‭ ‬يسمح‭ ‬له‭ ‬بالتكهن‭ ‬بشكل‭ ‬مدروس‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬رسالة‭ ‬الجديدة‭. ‬لا‭ ‬يلزمه‭ ‬فهم‭ ‬عميق،‭ ‬بل‭ ‬مجرّد‭ ‬عدّ‭ ‬لتردّدات‭ ‬الكلمات‭. ‬

لكن‭ ‬عندما‭ ‬تُطبّق‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬جدا،‭ ‬يحدث‭ ‬أمر‭ ‬مثير‭ ‬للدهشة‭: ‬تبدأ‭ ‬الآلات‭ ‬بفعل‭ ‬أشياء‭ ‬كان‭ ‬سيصعب‭ ‬برمجتها‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬فعلها،‭ ‬مثل‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬إكمال‭ ‬الجملة‭ ‬والتنبؤ‭ ‬بنقرتنا‭ ‬التالية‭ ‬والتوصية‭ ‬بمنتج‭. ‬وبدفعه‭ ‬إلى‭ ‬نهايته‭ ‬القصوى،‭ ‬أعطانا‭ ‬هذا‭ ‬المنهج‭ ‬الترجمة‭ ‬اللغوية‭ ‬والتعرف‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬اليد‭ ‬وتمييز‭ ‬الوجوه،‭ ‬والكثير‭. ‬وعلى‭ ‬عكس‭ ‬الافتراضات‭ ‬التي‭ ‬قيلت‭ ‬منذ‭ ‬60‭ ‬عاما‭ ‬فإننا‭ ‬لسنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬وصف‭ ‬سمة‭ ‬من‭ ‬سمات‭ ‬الذكاء‭ ‬وصفا‭ ‬دقيقا‭ ‬كي‭ ‬تحاكيها‭ ‬الآلة‭. ‬

في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬كلا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الآليات‭ ‬بسيطة‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬لجعلنا‭ ‬نطلق‭ ‬عليها‭ ‬اختراقا‭ ‬إحصائيا،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬حين‭ ‬نُطبِّق‭ ‬الكثير‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬برمجياتٍ‭ ‬معقدة،‭ ‬ونزوِّدها‭ ‬بملايين‭ ‬الأمثلة،‭ ‬فإن‭ ‬النتيجة‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬كسلوك‭ ‬تكيّفي‭ ‬للغاية‭ ‬لدرجة‭ ‬تبدو‭ ‬لنا‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬ذكية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الآلة‭ ‬–‭ ‬وبشكل‭ ‬ملفت‭ ‬للنظر‭ ‬–‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬أي‭ ‬فهم‭ ‬داخلي‭ ‬للسبب‭ ‬الذي‭ ‬يجعلها‭ ‬تقوم‭ ‬بما‭ ‬تقوم‭ ‬له‭. ‬

تُسمّى‭ ‬النتائج‭ ‬التجريبية‭ ‬هذه‭ ‬أحيانا‭ ‬بـ‭ ‬“‭ ‬الفاعليّة‭ ‬اللامنطقية‭ ‬للبيانات”‭ ‬Unreasonable effectiveness of data”‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬درسا‭ ‬مهما‭ ‬تواضع‭ ‬أمامه‭ ‬باحثو‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭: ‬فحيلة‭ ‬إحصائية‭ ‬بسيطة‭ ‬مع‭ ‬كميات‭ ‬ضخمة‭ ‬من‭ ‬البيانات‭ ‬قد‭ ‬أعطتنا‭ ‬نوع‭ ‬السلوك‭ ‬الذي‭ ‬استعصى‭ ‬على‭ ‬أفضل‭ ‬مُنظّري‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬عبر‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭. ‬

وبفضل‭ ‬تعلم‭ ‬الآلة‭ ‬وتوافر‭ ‬مجموعات‭ ‬البيانات‭ ‬الضخمة؛‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬قادرا‭ ‬أخيرا‭ ‬على‭ ‬إنتاج‭ ‬رؤية‭ ‬قابلة‭ ‬للاستخدام،‭ ‬وكذلك‭ ‬إنتاج‭ ‬الكلام‭ ‬والترجمة‭ ‬ونُظم‭ ‬الإجابة‭ ‬على‭ ‬الأسئلة‭. ‬وعند‭ ‬دمجها‭ ‬في‭ ‬نظم‭ ‬أكبر‭ ‬فإنها‭ ‬تصبح‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬المنتجات‭ ‬والخدَمات،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬سيري‭ ‬Siri‭ ‬وأمازون‭ ‬Amazon‭ ‬وحتى‭ ‬سيارة‭ ‬غوغل‭ ‬Google‭. ‬

يركّز‭ ‬الباحثون‭ ‬اهتمامهم‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يغذّي‭ ‬محرك‭ ‬آلاتنا‭ ‬الذكية،‭ ‬وهي‭ ‬البيانات‭. ‬أين‭ ‬يمكنهم‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬البيانات؟‭ ‬وكيف‭ ‬يمكنهم‭ ‬الاستفادة‭ ‬القصوى‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المصادر؟

‭ ‬وكان‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأنه‭ ‬يمكن‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬البيانات‭ ‬القيّمة‭ ‬بحرّية‭ ‬“في‭ ‬البرّية”‭ ‬من‭ ‬الخطوات‭ ‬المهمة‭ ‬جدّا‭. ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬توليد‭ ‬هذه‭ ‬البيانات‭ ‬كمنتج‭ ‬ثانوي‭ ‬من‭ ‬الأنشطة‭ ‬المختلفة،‭ ‬وبعضها‭ ‬عاديّ‭ ‬تماما‭ ‬كمشاركة‭ ‬تغريدة‭ ‬في‭ ‬تويتر‭ ‬أو‭ ‬وضع‭ ‬وجه‭ ‬مبتسم‭ ‬تحت‭ ‬تدوينة‭. ‬

وقد‭ ‬ابتكر‭ ‬المهندسون‭ ‬ورجال‭ ‬الأعمال‭ ‬كذلك‭ ‬مجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬الطرق‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬بيانات‭ ‬إضافية‭ ‬وجمعها،‭ ‬مثل‭ ‬الطلب‭ ‬من‭ ‬المستخدمين‭ ‬قبول‭ ‬ملفات‭ ‬تعريف‭ ‬الارتباط‭ ‬Cookie،‭ ‬ووسم‭ ‬Tag‭ ‬الأصدقاء‭ ‬في‭ ‬الصور،‭ ‬وتقييم‭ ‬منتج‭ ‬ما،‭ ‬ولعب‭ ‬لعبة‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالموقع‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬الوحوش‭ ‬في‭ ‬الشارع‭. ‬لقد‭ ‬أصبحت‭ ‬البيانات‭ ‬“النفط‭ ‬الجديد”‭. ‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬يجد‭ ‬فيه‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬طريقه؛‭ ‬فإننا‭ ‬طوّرنا‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬لا‭ ‬مثيل‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬البيانات‭ ‬العالمية‭. ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬تتصل‭ ‬فيها‭ ‬بالإنترنت‭ ‬لقراءة‭ ‬الأخبار‭ ‬أو‭ ‬القيام‭ ‬بعملية‭ ‬بحث‭ ‬أو‭ ‬شراء‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬لعب‭ ‬لعبة‭ ‬ما،‭ ‬أو‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬بريدك‭ ‬الإلكتروني‭ ‬ورصيدك‭ ‬المصرفي،‭ ‬أو‭ ‬تستخدم‭ ‬فيها‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬فإنك‭ ‬تتفاعل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭.‬

إن‭ ‬البيانات‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬تغذّي‭ ‬هذه‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬وتتغذّى‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬آن،‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تصوّر‭ ‬حدوث‭ ‬أحدهما‭ ‬دون‭ ‬الآخر،‭ ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬تصوّر‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أيّ‭ ‬منهما‭.‬

تحديات‭ ‬مستقبلية

هذا‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬الحديث‭ ‬تقنية‭ ‬عبقريّة‭ ‬وقويّة،‭ ‬لكنّها‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬تقنية‭ ‬مُدمِّرة‭. ‬

البنية‭ ‬التحتية‭ ‬للبيانات‭ ‬المُوحَّدة‭ ‬ليست‭ ‬مثل‭ ‬أي‭ ‬وسيلة‭ ‬اختُرعت‭ ‬من‭ ‬قبل‭. ‬فعلى‭ ‬عكس‭ ‬الكابلات‭ ‬النحاسية‭ ‬التي‭ ‬استُخدمت‭ ‬لربط‭ ‬الناس‭ ‬معا‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬البرقية‭ ‬والهاتف؛‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الوسيلة‭ ‬تعد‭ ‬حجر‭ ‬أساس‭ ‬في‭ ‬أعمالنا،‭ ‬إذ‭ ‬تراقب‭ ‬ماضينا،‭ ‬وتحاول‭ ‬توقَّع‭ ‬حركاتنا،‭ ‬وتخمين‭ ‬نوايانا،‭ ‬وذلك‭ ‬غالبا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خدمتنا‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التأثير‭ ‬فينا‭ ‬أحيانا‭. ‬يعطي‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬معنى‭ ‬جديدا‭ ‬تماما‭ ‬للادعاء‭ ‬الذي‭ ‬ادّعاه‭ ‬مُنظّر‭ ‬الاتصال‭ ‬Communications theorist‭ ‬مارشال‭ ‬ماكلوهان‭ ‬في‭ ‬سبعينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬الوسط‭ ‬Medium‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬له‭ ‬أبدا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬محايدا‭. ‬

تشتمل‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يولدها‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭: ‬المراقبة‭ ‬والتمييز‭ ‬والإقناع‭ ‬والبطالة‭ ‬وربّما‭ ‬حتى‭ ‬الإدمان‭. ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬مستعدّون‭ ‬لذلك؟‭ ‬

تحتاج‭ ‬الآلات‭ ‬الذكية‭ ‬إلى‭ ‬جمع‭ ‬البيانات‭ ‬–‭ ‬الشخصية‭ ‬غالبا‭ ‬–‭ ‬كي‭ ‬تقوم‭ ‬بعملها‭. ‬من‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬تحولها‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬البسيطة‭ ‬إلى‭ ‬أجهزة‭ ‬مراقبة،‭ ‬فهي‭ ‬تعرف‭ ‬مواقعنا‭ ‬وسجل‭ ‬محرك‭ ‬البحث‭ ‬الخاص‭ ‬بنا‭ ‬وشبكاتنا‭ ‬الاجتماعية‭. ‬أيمكننا‭ ‬أن‭ ‬نُقرِّر‭ ‬من‭ ‬الذي‭ ‬لديه‭ ‬حق‭ ‬الوصول،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬ماذا‭ ‬تُستخدم‭ ‬هذه‭ ‬البيانات،‭ ‬أو‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬حذفها‭ ‬إلى‭ ‬الأبد؟‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الجواب‭ ‬بالنفي،‭ ‬فإننا‭ ‬حينها‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬السيطرة‭. ‬

تستطيع السيارات من دون سائق “الرؤية” أفضل من أي وقت مضى. لكن لا يمكننا استبعاد الأخطاء
تستطيع السيارات من دون سائق “الرؤية” أفضل من أي وقت مضى. لكن لا يمكننا استبعاد الأخطاء
riopatuca / shutterstock.com

تعد‭ ‬قدرة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬على‭ ‬التوقّع‭ ‬مفيدة‭ ‬للتأمين‭ ‬والقروض‭ ‬والشرطة‭. ‬لكن‭ ‬نوعية‭ ‬تلك‭ ‬التوقعات‭ ‬ستعتمد‭ ‬على‭ ‬خيارات‭ ‬تصميم‭ ‬دقيقة،‭ ‬وعلى‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬اعتادت‭ ‬بها‭ ‬المعلومات‭ ‬تدريب‭ ‬مجموعاتها،‭ ‬مما‭ ‬يخلق‭ ‬خطرا‭ ‬حقيقيا‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬التمييز‭ ‬الضمني‭ ‬غير‭ ‬المقصود‭. ‬ومثال‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬تحقيق‭ ‬حديث‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬مؤسسة‭ ‬بروبابليكا‭ ‬ProPublica‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬كشف‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬تحيّز‭ ‬في‭ ‬البرمجيات‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المحاكم‭ ‬الأمريكية‭ ‬لاتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬الإفراج‭ ‬المشروط،‭ ‬وهو‭ ‬تحيّز‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬الإضرار‭ ‬بالأمريكيين‭ ‬من‭ ‬الأصول‭ ‬الأفريقية‭. ‬كما‭ ‬أُبلِغ‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬أخرى‭ ‬استُهدِفت‭ ‬فيها‭ ‬إعلاناتُ‭ ‬وظائف‭ ‬مختلفة‭ ‬مجموعاتٍ‭ ‬عرقية‭ ‬مختلفة‭ . ‬توضّح‭ ‬كلا‭ ‬الحالتين‭ ‬بشكل‭ ‬صارخ‭ ‬الآثار‭ ‬غير‭ ‬المقصودة‭ ‬من‭ ‬التفاعل‭ ‬المعقّد‭ ‬بين‭ ‬الخوارزميات‭ ‬والبيانات‭.‬

أحد‭ ‬الأمور‭ ‬المقلقة‭ ‬الأخرى‭ ‬هي‭ ‬الإقناع‭. ‬يقوم‭ ‬نموذج‭ ‬الأعمال‭ ‬التجارية‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬شركات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬على‭ ‬الإقناع،‭ ‬أي‭ ‬جعل‭ ‬الناس‭ ‬ينقرون‭ ‬على‭ ‬وصلات‭ ‬محدّدة‭. ‬إن‭ ‬الأبحاث‭ ‬المتعلقة‭ ‬بكيفية‭ ‬توجيه‭ ‬المستخدمين‭ ‬تجري‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬وساق‭. ‬فكلّما‭ ‬عرفت‭ ‬الآلات‭ ‬المزيد‭ ‬عنّا‭ ‬تحسنت‭ ‬وظيفتها‭ ‬في‭ ‬استرعاء‭ ‬انتباهنا‭. ‬حتى‭ ‬الواجهات‭ ‬التنبؤية‭ ‬Predictive interfaces‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الإدمان‭ ‬لدى‭ ‬المستخدمين‭ ‬الضعفاء‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬مكافئتهم‭ ‬الدائمة‭ ‬بالمحتوى‭ ‬الغزير‭ ‬الذي‭ ‬تعرضه‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭. ‬ويحتاج‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬متأنّية‭. ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬التوظيف‭ ‬سيتأثر‭ ‬أيضا،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬أن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬يتعلم‭ ‬منا‭ (‬بصورة‭ ‬حرفية‭ ‬جدا‭) ‬كيفية‭ ‬أداء‭ ‬بعض‭ ‬الوظائف،‭ ‬إما‭ ‬لأنها‭ ‬تراقب‭ ‬كيفية‭ ‬قيامنا‭ ‬بهذه‭ ‬الوظائف،‭ ‬أو‭ ‬لأنه‭ ‬يتم‭ ‬الدفع‭ ‬لنا‭ ‬كي‭ ‬نولّد‭ ‬بيانات‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬تدريب‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭.‬

كما‭ ‬إن‭ ‬ظهور‭ ‬الحشد‭ ‬الجماهيري‭ ‬Crowdsourcing‭ ‬عبر‭ ‬الانترنت‭ ‬يسمح‭ ‬للشركات‭ ‬بالاستعانة‭ ‬تلقائيا‭ ‬بمصادر‭ ‬خارجية‭ ‬لأداء‭ ‬مهام‭ ‬دقيقة‭ ‬تتطلب‭ ‬الذكاء‭ ‬البشري،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نشرها‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬الانترنت‭ ‬أو‭ ‬التطبيقات،‭ ‬بحيث‭ ‬يمكن‭ ‬للعمال‭ ‬اختيار‭ ‬المهام‭ ‬التي‭ ‬يرغبون‭ ‬بقبولها‭. ‬يعمل‭ ‬هذا‭ ‬–‭ ‬بطريقة‭ ‬ما‭ ‬–‭ ‬مثل‭ ‬شركة‭ ‬“‭ ‬أوبر”‭ ‬Uber،‭ ‬لكن‭ ‬لمهام‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬قيادة‭ ‬السيارة،‭ ‬ويتم‭ ‬ذلك‭ ‬بواسطة‭ ‬نظُم‭ ‬حاسوبية‭. ‬وتشمل‭ ‬المهام‭ ‬التقليدية‭ ‬قراءة‭ ‬خط‭ ‬اليد‭ ‬وكتابته‭ ‬وتصنيف‭ ‬الصور‭. ‬

شرح الصورة: سوف يزيد الذكاء الاصطناعي من مَيْكَنَة المستودعات، مثل مستودعات أمازون.
شرح الصورة: سوف يزيد الذكاء الاصطناعي من مَيْكَنَة المستودعات، مثل مستودعات أمازون.
Don Pablo / shutterstock.com

ويخلق‭ ‬هذا‭ ‬أيضا‭ ‬قوى‭ ‬عاملة‭ ‬تدار‭ ‬مباشرة‭ ‬عبر‭ ‬أجهزة‭ ‬الحاسوب،‭ ‬كما‭ ‬يحدّد‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المهام‭ ‬التي‭ ‬تعدّ‭ ‬مرشّحا‭ ‬مثاليا‭ ‬للمَيْكَنَة‭. ‬وفي‭ ‬الواقع،‭ ‬يقوم‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬الذين‭ ‬يقومون‭ ‬بهذه‭ ‬المهام‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬بتوليد‭ ‬–‭ ‬أو‭ ‬التعليق‭ ‬على‭ – ‬البيانات‭ ‬المستخدمة‭ ‬لتدريب‭ ‬بُدلائهم‭ ‬من‭ ‬آلات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬نستطيع‭ ‬توقّع‭ ‬زيادة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬مَيْكَنَة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مراكز‭ ‬الاتصال‭ ‬والمستودعات‭ ‬خلال‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الزمن‭. ‬

لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬لدينا‭ ‬الأدوات‭ ‬القانونية‭ ‬والثقافية‭ ‬اللازمة‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬التحديات‭ – ‬وغيرها‭ – ‬بعد‭. ‬إلى‭ ‬من‭ ‬نلجأ‭ ‬إذا‭ ‬قررت‭ ‬خوارزمية‭ ‬ذكية‭ ‬رفض‭ ‬إعطائنا‭ ‬إفراجا‭ ‬مشروطا‭ ‬أو‭ ‬علاجا‭ ‬طبيا‭ ‬أو‭ ‬شهادة‭ ‬دبلوم؟‭ ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لأن‭ ‬تُصنف‭ ‬شخصيتنا‭ ‬وأهميتنا‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬تُرتّب‭ ‬سجلاتنا‭ ‬الائتمانية،‭ ‬مثلما‭ ‬تقترح‭ ‬بعض‭ ‬الدول؟‭ ‬هل‭ ‬نرغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يُسمح‭ ‬للدولة‭ ‬بالوصول‭ ‬إلى‭ ‬أنشطتنا‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭ ‬ومعرفة‭ ‬خياراتنا‭ ‬المفضّلة؟‭ ‬هل‭ ‬نريد‭ ‬لأبنائنا‭ ‬قضاء‭ ‬أوقاتهم‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭ ‬بصحبة‭ ‬آلات‭ ‬مُقنِعة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬توجيه‭ ‬سلوكهم‭ ‬نحو‭ ‬اتجاه‭ ‬معيّن؟‭ ‬ماذا‭ ‬سيحدث‭ ‬لمجتمع‭ ‬يصبح‭ ‬لديه‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬العاطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل؟‭ ‬

لقد‭ ‬قطع‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬شوطا‭ ‬طويلا‭ ‬منذ‭ ‬أيامه‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬المختبرات‭ ‬الأكاديمية‭.‬

‭ ‬وهو‭ ‬متكامل‭ ‬الآن‭ ‬مع‭ ‬حياتنا‭ ‬ويعدنا‭ ‬بتحسينها‭. ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬نسمّيه‭ ‬ذكاء‭ ‬اصطناعيا‭ ‬عند‭ ‬تطبيقه،‭ ‬لكن‭ ‬يمكننا‭ ‬توقُّع‭ ‬فوائده‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬تتراوح‭ ‬من‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬إلى‭ ‬النقل،‭ ‬ومن‭ ‬الاتصالات‭ ‬إلى‭ ‬التعليم‭.‬

والبحث‭ ‬لا‭ ‬يتباطأ،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬نموذج‭ ‬تعلم‭ ‬الآلة‭ ‬فعّالَا‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬مثل‭ ‬الإبصار‭ ‬ومعالجة‭ ‬الكلام،‭ ‬ومن‭ ‬المرجّح‭ ‬كذلك‭ ‬أن‭ ‬يجد‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬طريقة‭ ‬للتكامل‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬أساليب‭ ‬التفكير‭ ‬من‭ ‬الأعلى‭ ‬إلى‭ ‬الأسفل‭ ‬المتحدرة‭ ‬إلينا‭ ‬من‭ ‬المقاربات‭ ‬السابقة‭. ‬قد‭ ‬يفاجئنا‭ ‬ما‭ ‬سيأتي‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭. ‬

ومع‭ ‬استمرار‭ ‬جهودنا‭ ‬في‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬بفتح‭ ‬آفاق‭ ‬جديدة،‭ ‬فلا‭ ‬يمكننا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نتصوّر‭ ‬محادثات‭ ‬سلسة‭ ‬مع‭ ‬الأجهزة،‭ ‬بطلاقة‭ ‬ترجمة‭ ‬حقيقية‭ ‬وواقعية‭ ‬للكلام،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الوسائل‭ ‬المفيدة‭ ‬لمَيْكَنَة‭ ‬منازلنا‭ ‬وسيّاراتنا‭.‬

لكننا‭ ‬قد‭ ‬نحاول‭ ‬مقاومة‭ ‬إدخال‭ ‬إغراء‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬عدد‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬المجالات،‭ ‬قبل‭ ‬تطور‭ ‬الإطار‭ ‬الثقافي‭ ‬والقانوني‭ ‬على‭ ‬الأقل‭. ‬يجلب‭ ‬الاعتماد‭ ‬الواسع‭ ‬على‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬فرصا‭ ‬رائعة،‭ ‬لكنّه‭ ‬يجلب‭ ‬كذلك‭ ‬مخاطرَ‭ ‬مُحتملة‭. ‬

وعلى‭ ‬عكس‭ ‬الاعتقاد‭ ‬السائد،‭ ‬فإن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬لا‭ ‬يمثّل‭ ‬تهديدا‭ ‬لوجود‭ ‬جنسنا‭ ‬البشري،‭ ‬لكنّه‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬إمكانية‭ ‬تآكل‭ ‬خصوصيّتنا‭ ‬واستقلالنا‭. ‬

لذا،‭ ‬مع‭ ‬استمتاعنا‭ ‬أخيرا‭ ‬بفوائد‭ ‬ستة‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الأبحاث‭ ‬في‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬وبانضمام‭ ‬الآلات‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية،‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نحتفل،‭ ‬ولكن‭ ‬أن‭ ‬نتقدّم‭ ‬كذلك‭ ‬بحذر‭.‬

شتاءات‭ ‬الاستياء‭ ‬في‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي

غالبا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬التقنيات‭ ‬الناشئة‭ ‬عرضة‭ ‬لدورات‭ ‬الترويج‭ ‬المكثّفة،‭ ‬ويرجع‭ ‬هذا‭ ‬أحيانا‭ ‬إلى‭ ‬فقاعات‭ ‬خياليّة‭ ‬متضخّمة‭ ‬بتوقعات‭ ‬المستثمرين‭ ‬المفرطة‭. ‬ومن‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك؛‭ ‬هوس‭ ‬السكة‭ ‬الحديدية‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬الأربعينات‭ ‬وفقاعة‭ ‬الـ‭ ‬dot-com‭ ‬في‭ ‬التسعينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬

قد‭ ‬يكون‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬فريدا‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬تعرّضه‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬دورات‭ ‬الترويج‭ ‬المكثّف‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬قصير‭ ‬نسبيّا‭. ‬حتى‭ ‬أنهم‭ ‬وضعوا‭ ‬اسما‭ ‬محدّدا‭ ‬لفترات‭ ‬ركوده،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭: ‬شتاءات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭. (‬انظر‭ ‬الخط‭ ‬الزمني‭ ‬في‭ ‬الأسفل‭) ‬حدث‭ ‬الشتاءان‭ ‬الرئيسيّان‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬السبعينات‭ ‬وأواخر‭ ‬الثمانينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭. ‬وكان‭ ‬السبب‭ ‬العام‭ ‬وراء‭ ‬حدوث‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬هو‭ ‬سحب‭ ‬التمويل‭ ‬مع‭ ‬توقّف‭ ‬التقدّم‭. ‬

أما‭ ‬الآن‭ ‬فالذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬متجددة‭ ‬من‭ ‬التفاؤل‭ ‬والاستثمار‭ ‬المتزايدين‭. ‬وخلافا‭ ‬للدورات‭ ‬السابقة؛‭ ‬فإن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬يملك‭ ‬اليوم‭ ‬تيّارا‭ ‬قويا‭ – ‬ومنوعا‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ – ‬من‭ ‬العائدات‭ ‬التجارية‭. ‬الوقت‭ ‬وحده‭ ‬كفيل‭ ‬بتحديد‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬مجرد‭ ‬فقاعة‭ ‬أخرى‭.‬

1950‭ ‬نشر‭ ‬آلان‭ ‬تورينغ‭ ‬Alan Tur‭ ‬ورقته‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬“الحوسبة‭ ‬الآلية‭ ‬والذكاء”‭ ‬Computing machinery and intelligence‭ ‬وقد‭ ‬افتتحها‭ ‬بالعبارة‭ ‬التالية‭:‬

‭ ‬“أقترح‭ ‬التأمّل‭ ‬في‭ ‬سؤال‭: ‬هل‭ ‬باستطاعة‭ ‬الآلات‭ ‬التفكير؟”‭ ‬

1956‭ ‬صياغة‭ ‬مصطلح‭ ‬“‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي”‭ ‬في‭ ‬ورشة‭ ‬عمل‭ ‬بكلية‭ ‬دارتموث‭.‬

1959‭ ‬إنشاء‭ ‬علماء‭ ‬الحاسوب‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬كارنيغي‭ ‬ميلون‭ ‬“‭ ‬الحلال‭ ‬العام‭ ‬للمشاكل‭ ‬General Problem Solver‭ (‬اختصارا‭: ‬البرنامج‭ ‬GPS‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬برنامج‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬حلّ‭ ‬ألغاز‭ ‬منطقية‭. ‬

1973‭ ‬وقوع‭ ‬أول‭ ‬شتاء‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬بسبب‭ ‬جفاف‭ ‬التمويل‭ ‬والاهتمام‭.‬

1975‭ ‬إنشاء‭ ‬نظام‭ ‬يسمى‭ ‬MYCIN‭ ‬لتشخيص‭ ‬الالتهابات‭ ‬البكتيرية‭ ‬واقتراح‭ ‬مضادات‭ ‬حيوية،‭ ‬

وذلك‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬أسئلة‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬نعم‭/ ‬لا‭. ‬لم‭ ‬يُستخدم‭ ‬النظام‭ ‬مطلقا‭.‬

1987‭ ‬بداية‭ ‬الشتاء‭ ‬الثاني‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي‭.‬

1989‭ ‬اكتشاف‭ ‬برنامج‭ ‬ناسا‭ ‬الحاسوبي‭ ‬“AutoClass”‭ ‬لعدة‭ ‬فئات‭ ‬من‭ ‬النجوم‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬معروفة‭ ‬سابقا‭. ‬

1994‭ ‬إطلاق‭ ‬أول‭ ‬محرك‭ ‬للبحث‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭.‬

1997‭ ‬تغلّب‭ ‬حاسوب‭ ‬“ديب‭ ‬بلو”‭ ‬Deep Blue‭ (‬المتخصص‭ ‬في‭ ‬الشطرنج‭) ‬من‭ ‬شركة‭ ‬IBM‭ ‬على‭ ‬بطل‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬الشطرنج‭ ‬جاري‭ ‬كاسباروف‭.‬

1998‭ ‬وكيل‭ ‬ناسا‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬Remote Agent‭ ‬هو‭ ‬أول‭ ‬برنامج‭ ‬مستقل‭ ‬تماما‭ ‬يتحكم‭ ‬في‭ ‬مركبة‭ ‬فضائية‭ ‬أثناء‭ ‬رحلتها‭. ‬

2002‭ ‬استبدل‭ ‬موقع‭ ‬أمازون‭ ‬مُقترحي‭ ‬المنتجات‭ ‬البشريين‭ ‬بنظام‭ ‬آلي‭.‬

2007‭ ‬أطلقت‭ ‬غوغل‭ ‬خدمة‭ ‬الترجمة‭ ‬“Translate”‭ ‬وهي‭ ‬خدمة‭ ‬الترجمة‭ ‬الآلية‭ ‬الإحصائيّة‭. ‬

2009‭ ‬نشر‭ ‬باحثوا‭ ‬غوغل‭ ‬ورقة‭ ‬مؤثرة‭ ‬بعنوان‭ ‬“الفاعليّة‭ ‬اللامعقولة‭ ‬للبيانات”‭ ‬The unreasonable effectiveness of data،‭ ‬وتعلن‭ ‬أن‭ ‬“نماذج‭ ‬بسيطة‭ ‬مع‭ ‬بيانات‭ ‬أكثر،‭ ‬تفوق‭ ‬النماذج‭ ‬المفصّلة‭ ‬مع‭ ‬بيانات‭ ‬أقل‭.‬”‭ (‬IEEE Intelligent Systems‭, ‬vol 2‭, ‬p 8‭).‬

2011‭ ‬أبل‭ ‬تطلق‭ ‬سيري‭ ‬Siri،‭ ‬وهي‭ ‬مساعدة‭ ‬شخصية‭ ‬تعمل‭ ‬بالصوت،‭ ‬تجيب‭ ‬على‭ ‬الأسئلة‭ ‬وتقدم‭ ‬توصيات‭ ‬وتنفّذ‭ ‬تعليمات‭ ‬مثل‭ ‬“اتصل‭ ‬بالمنزل”‭. ‬

2011‭ ‬تغلّب‭ ‬الحاسوب‭ ‬العملاق‭ ‬“‭ ‬واتسون”‭ ‬من‭ ‬شركة‭ ‬IBM‭ ‬على‭ ‬بطليين‭ ‬بشريّين‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬المسابقات‭ ‬التلفزيوني‭ ‬“‭ ‬Jeopardy‭ ‬“‭ !‬

2012‭ ‬تنقّل‭ ‬سيارات‭ ‬غوغل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬سائق‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬المرور‭ ‬بشكل‭ ‬مستقل‭. ‬

2016‭ ‬تغلّب‭ ‬برنامج‭ ‬غوغل‭ ‬الحاسوبي‭ ‬“AlphaGo”‭ ‬على‭ ‬لي‭ ‬سيدول‭ ‬Lee Sedol‭ ‬أحد‭ ‬أبرع‭ ‬اللاعبين‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬اللعبة‭ ‬اللّوحية‭ ‬“Go”‭.

تربح‭ ‬قليلا

جاء‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬النجاحات‭ ‬شهرة‭ ‬في‭ ‬تعلّم‭ ‬الآلة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬عندما‭ ‬هزمت‭ ‬خوارزميّة‭ ‬تدعى‭ ‬AlphaGo‭ ‬لي‭ ‬سيدل‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬كوريا،‭ ‬وهو‭ ‬لاعب‭ ‬بارع‭ ‬في‭ ‬اللعبة‭ ‬اللوحية‭ ‬“Go”،‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يستطيع‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬مبرمجيها‭ ‬الاقتراب‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬تحقيقه‭. ‬تجمع‭ ‬الخوارزمية‭ ‬AlphaGo‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬منهجيات‭ ‬التعلم‭ ‬الآلي‭ ‬لتحليل‭ ‬قواعد‭ ‬البيانات‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬مليون‭ ‬حركة‭ ‬في‭ ‬اللعبة،‭ ‬كما‭ ‬تلعب‭ ‬آلاف‭ ‬الألعاب‭ ‬ضدّ‭ ‬نفسها‭. ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬سابق،‭ ‬سمحت‭ ‬إستراتيجية‭ ‬مماثلة‭ ‬للحاسوب‭ ‬العملاق‭ ‬“واتسون”‭ ‬من‭ ‬شركة‭ ‬IBM‭ ‬بالفوز‭ ‬على‭ ‬بشريّين‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬المسابقات‭ ‬التلفزيوني‭ ‬Jeopardy‭ .‬

وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬البيانات‭ ‬الصحيحة،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬باستطاعة‭ ‬الآلات‭ ‬تحسين‭ ‬ذكائها‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭. ‬ولكن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬أن‭ ‬تعلم‭ ‬الآلة‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬إحصائية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإمكانية‭ ‬الفشل‭ ‬موجودة‭ ‬دائما‭.‬

كما‭ ‬شهدنا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬بعض‭ ‬الأخطاء‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬تعلّم‭ ‬الآلة،‭ ‬إذ‭ ‬قدّمت‭ ‬غوغل‭ ‬اعتذارا‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬بعدما‭ ‬صنّف‭ ‬أحد‭ ‬منتجاتها‭ ‬تلقائيا‭ ‬صور‭ ‬شخصين‭ ‬أسودين‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬“غوريلا”،‭ ‬كما‭ ‬اضطرت‭ ‬مايكروسوفت‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬إلى‭ ‬سحب‭ ‬روبوت‭ ‬محادثات‭ ‬يدعى‭ ‬“‭ ‬تاي”‭ ‬Tay‭ ‬لأنه‭ ‬تعلّم‭ ‬لغة‭ ‬مسيئة‭. ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬الفشل‭ ‬في‭ ‬كلا‭ ‬الحالتين‭ ‬بسبب‭ ‬الخوارزمية،‭ ‬بل‭ ‬بسبب‭ ‬بيانات‭ ‬التدريب‭ ‬التي‭ ‬غُذِّيت‭ ‬بها‭. ‬

وشهد‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬أيضا‭ ‬أول‭ ‬فاجعة‭ ‬قتل‭ ‬مرتبطة‭ ‬بسيارة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬سائق،‭ ‬عندما‭ ‬وضع‭ ‬سائق‭ ‬سيارته‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬“‭ ‬تيسلا”‭ ‬Tesla‭ ‬على‭ ‬وضعية‭ ‬القيادة‭ ‬الآلية،‭ ‬والتي‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬اكتشاف‭ ‬وجود‭ ‬مقطورة‭ ‬على‭ ‬الطريق‭. ‬كانت‭ ‬الظروف‭ ‬غير‭ ‬عادية،‭ ‬فمقطورة‭ ‬بيضاء‭ ‬تحت‭ ‬سماء‭ ‬صافية‭ ‬قد‭ ‬صعّبت‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬الرؤية‭ ‬لدى‭ ‬الحاسوب‭ ‬مما‭ ‬جعله‭ ‬يرتكب‭ ‬هذا‭ ‬الخطأ‭. ‬ولا‭ ‬أتوقع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الخطأ‭ ‬هو‭ ‬الأخير،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬توجّه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬نحو‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭. ‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬هناك‭ ‬عدد‭ ‬لا‭ ‬يحصى‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ينتهي‭ ‬بها‭ ‬المطاف‭ ‬في‭ ‬الأخبار،‭ ‬وذلك‭ ‬ببساطة‭ ‬لأن‭ ‬أنظمة‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬تؤدي‭ ‬عملها‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬متوقّع‭. ‬وتشمل‭: ‬محركات‭ ‬البحث‭ ‬والأسواق‭ ‬التجارية‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭ ‬والسيارات‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بتحكّم‭ ‬شبه‭ ‬ذاتي‭.‬

ونحن‭ ‬نعهد‭ -‬بشكل‭ ‬متزايد‭-  ‬للآلات‭ ‬باتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬حساسّة،‭ ‬فإننا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نُولي‭ ‬اهتماما‭ ‬دقيقا‭ ‬لنوع‭ ‬البيانات‭ ‬التي‭ ‬نغذيها‭ ‬بها،‭ ‬فليست‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬وحدها‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬فهم‭ ‬أفضل،‭ ‬بل‭ ‬تطورها‭ ‬وانتشارها‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية‭ ‬كذلك‭.‬

نيلو‭ ‬كريستيانينيNello Cristianini‭ ‬أستاذ‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬بريستول‭ ‬بالمملكة‭ ‬المتحدة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى